الاتحاد الأوروبي وسوريا: شروط تعجيزية أم فتح صفحة جديدة؟/ أحمد زكريّا

19 أبريل 2025
في تحول لافت، وإن كان محسوبًا، كشفت تصريحات مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، عن ديناميكية جديدة في التعامل مع الملف السوري.
وبينما تشير هذه التصريحات إلى انفتاح أوروبي نسبي على الحكومة السورية الجديدة، إلا أن “الشروط الفنية” و”الخطوط الحمراء” التي تمت الإشارة إليها ترسم إطارًا مشروطًا لهذا الانفتاح، ما يثير تساؤلات حول طبيعة العلاقة المتوقعة والضغوط الكامنة خلفها.
رسالة واضحة أم حذر استراتيجي؟
تعكس تصريحات كالاس، التي جاءت في أعقاب اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ، موقفًا مزدوجًا: الرغبة في دعم استقرار البلاد وإعادة الإعمار، والحذر من منح شرعية كاملة للحكومة السورية الجديدة دون ضمانات ملموسة.
ويتجلى هذا الحذر بشكل واضح في الإصرار على “تقييم العملية حتى الآن”، وربط أي خطوات مستقبلية بـ”الالتزام بشروط فنية وخطوط حمراء”.
وقالت كالاس: “لم نرَ خطوات كثيرة من القيادة السورية الجديدة ولا يزال مستقبل سوريا هشًا للغاية، لكنه يبعث على الأمل”، مضيفةً: “اتفقنا على أننا سنقيّم العملية حتى الآن لأننا رفعنا بعض العقوبات”.
ولفتت إلى أن “الاتحاد الأوروبي يعمل على اقتراح الخطوات التالية، مع مراعاة الشروط والخطوط الحمراء التي سنضعها أو الشروط التي يجب تحقيقها”. وزادت موضحة: “سنعمل على المواصفات الفنية هناك، ثم نعود إذا كنا مستعدين للموافقة والمضي قدمًا في هذه الخطوة”، مؤكدة على أن “إعادة إعمار سوريا تتطلب توفير الخدمات”.
إبراهيم خولاني، الباحث المساعد في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، يفسر ذلك بالقول: “إن الحديث عن شروط وخطوط حمراء من الاتحاد الأوروبي يشير إلى أنهم ما زالوا مترددين في منح شرعية كاملة للحكومة الجديدة في دمشق، وهذا يعني أن هناك موقفًا حذرًا أو متوجسًا من المسار السياسي الجاري الآن، وأن هناك مخاوف من تكرار أنماط استبدادية أو التواءات سياسية قد تشبه ما كان عليه الوضع في عهد النظام السابق”.
وأضاف في حديثه لـ”الترا سوريا”: “توحي هذه التصريحات بأن الاتحاد الأوروبي يريد من الحكومة الجديدة التزامات ملموسة، قابلة للقياس والمراقبة، مثل احترام حقوق الإنسان، وضمان الحريات السياسية، وإشراك أطراف أخرى كانت تعارض النظام السابق، وتوحي أيضًا بأن العقوبات ستظل أداة سياسية بيد الاتحاد الأوروبي للضغط على القيادة الجديدة وضمان ألا تنزلق مجددًا في ممارسات الاستبداد والتهميش، وألا تتبنى سياسات لا تتماشى مع المبادئ الأوروبية”.
بينما يفتح الاتحاد الأوروبي الباب أمام علاقة جديدة مع سوريا، فإنه يضع شروطًا صارمة قد تحدد مسار هذه العلاقة
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل هذه الشروط مجرد آلية للضغط على دمشق، أم أنها تعبر عن عدم ثقة كاملة في المسار السياسي الجديد؟ يبدو أن الإجابة تكمن في محاولة الاتحاد الأوروبي تحقيق توازن دقيق بين تقديم الدعم اللازم لإعادة الإعمار وضمان ألا تتحول هذه الجهود إلى مظلة لتعزيز سلطة غير مرغوب فيها، حسب تعبير خولاني.
هل التحول الأوروبي مرتبط بالموقف الأميركي؟
لا يمكن تجاهل الدور الأميركي في تشكيل الموقف الأوروبي، فعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يتمتع بقدر من الاستقلالية في قراراته، إلا أن التنسيق الوثيق بين الجانبين، خاصةً في ملفات الشرق الأوسط، يجعل من الصعب فصل الموقف الأوروبي عن التوجهات الأميركية.
محمد السكري، الباحث المساعد في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، يقول لـ”الترا سوريا”: “لا أعتقد أن هناك تحولًا في موقف الاتحاد الأوروبي، وإنما إعادة توضيح السياسات الأوروبية بما يخص متابعة وتقييم الوضع في سوريا، والتذكير بأن الرفع الجزئي للعقوبات مقترن بإحداث تغييرات مطلوبة بملفات التنوع والانفتاح على جميع المكونات السورية”.
وتابع: “وبلا شك يتأثر الاتحاد الأوروبي بالموقف الأميركي المتوجس، لكن يعتبر موقف الاتحاد أكثر تقدمًا من الجانب الأميركي، وخاصةً في ظل بناء الثقة مع الحكومة السورية والزيارات المتبادلة”.
وفي السياق ذاته، يرى المحلل السياسي عزت الشيخ سعيد أن الاتحاد الأوروبي يفتقر إلى الاستقلالية في اتخاذ قراراته، خاصةً في مواقفه وسياساته الخارجية. ويقول: “لابد أن نذكّر بالمقولة المعروفة، التي تقول إن الاتحاد الأوروبي عملاق اقتصادي ولكنه قزم سياسي؛ بمعنى أنه يشغل دورًا هامًا في الاقتصاد العالمي، لكنه ذو أداء سياسي ضعيف وتابع لمواقف الولايات المتحدة الأميركية”.
وأضاف لـ”الترا سوريا”، أنه لابد أن نذكر أيضًا التصريحات التي أدلى بها نائب الرئيس الأميركي، جي دي فانس، منذ أيام، حول تبعية دول الاتحاد الأوروبي للولايات المتحدة، حيث قال: “إن العديد من الدول الأوروبية كانت تفتقر إلى الحزم الكافي في معارضتها لإدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، ولو كانت أكثر استقلالية واستعدادًا لمواجهة قرارات السياسة الخارجية الأميركية، لربما أمكن تجنب الكارثة الاستراتيجية المتمثلة في غزو العراق”.
وقال الشيخ سعيد: “ما ذكرناه يدلل على أن الاتحاد الأوروبي افتقر سابقًا ويفتقر حاليًا لهذه الاستقلالية في اتخاذ قراراته، خاصةً في مواقفه وسياساته الخارجية، لذلك نرى هذا التردد في موقفه من سوريا وقيادتها الجديدة”.
وضع الشروط ورسم الخطوط الحمراء
وتابع عزت الشيخ سعيد قائلًا: “كنا نأمل من الاتحاد الأوروبي دعم القيادة الحالية في سوريا، وهي تملك الكثير لتقدمه، في ملفات الأمن وبناء وإدارة الدولة وإعادة الإعمار وتدريب الكوادر في شتى المجالات، ورفع العقوبات الموضوعة على النظام البائد، لتستطيع هذه الدولة الناشئة تجاوز العقبات التي تعترض خروجها من هذا المخاض الصعب، لكنها آثرت وضع الشروط ورسم الخطوط الحمراء”.
ولفت في سياق حديثه إلى أن “القيادة الجديدة ترتكب عديدًا من الأخطاء، مما ينفر الاتحاد الأوروبي من الانفتاح الذي نرجوه ونعوّل عليه، لكن مواجهة هذه الأخطاء لا تتم بوضع الشروط ورسم الخطوط الحمراء، بل بالحوار المستمر لتلافي الأخطاء المرتكبة، ومن هنا يبقى الأمل أن يدرك قادة الاتحاد الأوروبي وقادة سوريا أيضًا، أن وجود دولة ناجحة على مرمى حجر من حدودهم يعود بالخير علينا وعليهم، ويبقى الأمل في أن تسعى الدول العربية للمبادرة في الانخراط والمساعدة في بناء سوريا دولة وطنية مدنية ناجحة، تقوم بدورها في محيطها العربي والإقليمي والإسلامي والعالمي أيضًا، كون ذلك يشجع باقي الدول للانخراط في دعم الدولة الوليدة، لتجاوز الوضع الصعب الذي ورثته عن النظام الإجرامي البائد”.
يبدو أن تقييم الاتحاد الأوروبي سيكون بوابة أساسية نحو رفع العقوبات عن سوريا، سواء بشكل جزئي أو كامل، ومع أن القرار الأخير بتخفيف بعض العقوبات المرتبطة بقطاعات الطاقة والنقل يعكس خطوة أولى في هذا الاتجاه، إلا أن الآليات القانونية والسياسية المعقدة تجعل رفع العقوبات مرهونًا بتحقيق مؤشرات إيجابية واضحة.
وأعلن الاتحاد الأوروبي نهاية شباط/فبراير الماضي تعليق العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، والتي طالت لسنوات قطاعات اقتصادية حيوية في البلاد. وشمل قرار رفع العقوبات مجموعة من القطاعات الرئيسية التي كانت تخضع لتجميد الأموال والموارد الاقتصادية منذ سنوات، وأبرزها: قطاع الطاقة بما في ذلك النفط والغاز والكهرباء، وقطاع النقل الذي كان يعاني بشدة من القيود المفروضة عليه.
كما قرر الاتحاد الأوروبي رفع خمس جهات سورية من قائمة الجهات الخاضعة لتجميد الأموال والموارد الاقتصادية، وتضم هذه الجهات: المصرف الصناعي، مصرف التسليف الشعبي، مصرف التوفير، المصرف الزراعي التعاوني، مؤسسة الطيران العربية السورية.
وأوضح مجلس الاتحاد الأوروبي، في بيان رسمي له، أن هذه الخطوة تهدف إلى “تمكين تلك الجهات من استئناف نشاطاتها الاقتصادية”، كما تم السماح “بوضع الأموال والموارد الاقتصادية الخاصة بها تحت تصرف البنك المركزي السوري”.
ووفق إبراهيم خولاني، الباحث المساعد في مركز حرمون، فإن رفع العقوبات يتطلب دليلًا واضحًا على تغيّر فعلي في الوضع السياسي والحقوقي، ويُعد التقييم بوابة نحو رفع العقوبات الجزئي أو المشروط، ويشمل مراجعة الخطوات التي اتخذتها الحكومة الجديدة، مثل إطلاق سراح المعتقلين، وضمان حرية التعبير والتنظيم السياسي، وإذا وجد الاتحاد الأوروبي مؤشرات إيجابية، فقد يتجه إلى رفع جزئي للعقوبات أو تعليق بعضها، مثل تسهيل التحويلات المالية، وتخفيف العقوبات القطاعية، ومنح استثناءات إنسانية موسعة.
علاوة على ذلك، فإن تقييم الاتحاد الأوروبي قد يكون له تأثير غير مباشر على مواقف دول أخرى، خاصةً الخليجية منها، التي تنتظر إشارات من الغرب قبل المضي في مشاريع إعادة الإعمار أو تقديم الدعم المالي، وبالتالي، فإن الاتحاد الأوروبي ليس فقط لاعبًا محوريًا في هذا الملف، بل أيضًا مصدر مرجعية للدول الأخرى، حسب خولاني.
طريق طويل مليء بالتحديات
وبينما يفتح الاتحاد الأوروبي الباب أمام علاقة جديدة مع سوريا، فإنه يضع شروطًا صارمة قد تحدد مسار هذه العلاقة، وفي ظل التداخل بين المصالح الأوروبية والأميركية، وبين الحاجة إلى إعادة الإعمار والحذر من الانزلاق نحو ممارسات سابقة، يبدو أن الطريق ما زال طويلًا ومليئًا بالتحديات.
ويبقى السؤال الأبرز: هل ستتمكن الحكومة السورية الجديدة من تلبية هذه الشروط؟ وهل سيكون هناك توافق أوروبي أميركي على خطوات مستقبلية؟ الإجابة على هذه الأسئلة ستحدد إلى حد كبير ملامح المرحلة المقبلة في الملف السوري.