العلامة/ يعرب العيسى

22 ابريل 2025
مثل الجميع، بدّلت سورية ألقابها مرّات كثيرة. ففي كل حقبةٍ من عمرها، غلبت عليها صفة ما، مرة بحكم الواقع، ومرّة بحكم رغبة الغرباء، ومرة بمحاولة المتغلّبين فرض إرادتهم عليها، ومرات بحكم اليأس أو الأمل، أو واحدة من عواصف المزاج العام.
فكانت سورية الأموية، سورية العظيمة، سورية العثمانية، سورية الصغيرة، سلّة قمح روما، بلاد الشمس، سورية نصف الفرنكفونية، سورية الأسد، سورية الخبيثة، سورية الطيبة، سورية العنيدة، سورية الثورة، سورية الحرب، بلاد الانقلابات، وهكذا، إلى ما لا نهاية.
وإن كان لي أن أختار لقباً طازجاً، يناسب ملامح وجهها الآن، لقباً يلخصها، فهي اليوم بلاد إشارات الاستفهام. فكل حديث عنها وفيها، إن تحلّى بالحد الأدنى من السلامة العقلية، وأقل درجات المنطق، لا بد أن يكون مبنياً على اللايقين، وعلى الغموض والحيرة والقلق والترقب. من توقعات مصيرها بعد أسابيع، إلى توقعات مصيرها بعد عقود، إلى أصغر أصغر تفصيل فيها.
فلا أحد مثلاً يمكن أن يقول: الحمد لله، صار عندنا وزارة للرياضة والشباب. بل المنطقي أن يقول: هل الوزارة أفضل من الاتحاد؟ ما الذي يريده الرياضيون من وزارة؟ ما الذي ستفعله الوزارة؟ هل ستبقى هذه الوزارة لبضعة أشهر أصلاً؟
وكذلك لا أحد يقول: وفق هذا المسار، فسنصل إلى دستور دائم وانتخابات في تاريخ كذا. بل يتم طرح السؤال مغلفاً بسؤال، ومحاطاً بجملة أسئلة، وبداخله مئات أخرى من الأسئلة.
ذات يوم، كانت مشكلة سورية العميقة، أنها بلاد الإجابات النهائية الحاسمة، البلاد التي لا يطرح فيها أحدٌ أي نوع من الأسئلة على نفسه أو على الآخرين. وقفزت فجأة إلى الاتجاه المعاكس تماماً، فلم يعد أحدٌ يتجرأ على تقديم إجابات من أي نوع، لا أحد يتنطح ليقول رأيه بما حدث أمس، أو يتنبأ بما سيجري في الأسبوع القادم.
اللهم سوى أولئك الطيبون الذين تحكمهم الأهواء، المتحمسون بشدة لإدارة يرونها فوق مستوى النقد، ودون احتمالات القدر، وخارج حسابات السياسة الدولية، أو الناقمون الذين يرون هذه الإدارة واحدة من تلك الأغلاط التي يرتكبها التاريخ في غفلة عن منطقه، ويعيد تصحيحها سريعاً. أولئك وهؤلاء يملكون أجوبة، ويقدمونها بكل شجاعة، لكنها في الحقيقة أجوبة تولد وتنتهي في داخل مشاعرهم ورغباتهم. وستذريها الريح، حين تهبّ الحقيقة.
العقلاء دوماً يطرحون الأسئلة أكثر مما يقدمون إجابات، وفي الحالة السورية اليوم، لا يمكن لعقلٍ أن يقدم جواباً لأي شيء، وبعد أن حيدنا المشاعر والأهواء، لأنها لن تبقى طويلاً، بقي لنا أن نقف في الحيرة. وفي ظلها، وظل الرؤية الضبابية، تصبح العلامة الوطنية اللائقة، هي إشارات الاستفهام.
ألا تلاحظون أننا ننشغل كلنا، وبكلي~تنا، بأي إشارة صغيرة تأتي من أي مكان، ونتناقل تصريحاً لموظف من الدرجة الرابعة في خارجية إحدى الدول الكبرى، أو خبراً من تلك التي تنشرها الصحف المحلية في أسفل ويسار الصفحة التاسعة؟ أتريدون إشارة أشد وضوحاً لحجم حيرتنا؟
أياً كانت المسارات التي رسمها القدر لنا، وسينفذها قريباً، فهي تبدو غائمةً الآن، ولكنها حين تحدُث، سنتمكن سريعاً من فهمها، وسنعرف لماذا جرت، ولماذا جرت هكذا.
حتى يحين ذلك، فلتبقَ أسئلتنا بطول قامة البلاد إذا ما وقفت، وبهدوئها إذا ما نامت، وبهمّتها إذا ما نهضت.
العربي الجديد