سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعمنوعات

سلطة الميديا وأنظمة الحكم/ محمد برو

2025.04.26

منذ بدء الربيع العربي 2011 لعبت الميديا دورا هاما في تحريك وتحشيد الشارع. لكن إلى أي مدى يمكن للميديا بتطوراتها اليومية أن تكون عاملا داعما وباعثا للحراك الشعبي الذي يضغط على السلطة الحاكمة. وأي شكل من هذه الممارسات يجدي نفعا أو يخلق حالة عامة. لم يعد خافيا ما للميديا ومنصات التواصل والصحافة الإلكترونية من دور، في تشكيل الرأي العام على نحو عابر للحدود واللغات والثقافات، وذلك لسهولة الوصول والانتشار ومجانيته، وتوفره بشكل دائم عبر الأجهزة المحمولة التي لا تكاد تهدأ من نقرات أصابع مستخدميها. وقد برزت في السنوات الأخيرة كقوة ضاغطة على السلطات الحاكمة، بقدرتها على التحشيد العالي والسريع، وبفرض الشفافية على القرارات والتسويات والصفقات وحتى على السلوك الشخصي للمتصدرين لإدارة الشأن العام، ولم يعد بالإمكان الضغط على صحيفة أو صحفي أو قناة فضائية، بغية تهذيب الخبر أو إخفائه مراعاة لجهة عليا، فالأمر بات بأيدي الآلاف من المغردين وصانعي المحتوى، الذين يصعب حصرهم أو تطويعهم، ولم تعد المعلومة خبراً محضا يمكن دحضه بخبر معاكس، فالميديا تمتلك اليوم جيشاً من الأسلحة التي يصعب تجاهلها، فمقاطع الفيديو والصورة المجدولة رقميا والتي تنبئ المتحري بلحظة الالتقاط ومكانها جغرافيا، وهل هي صورة أصلية أم تم إنتاجها بالذكاء الصناعي أو تم العبث بمحتواها إلكترونيا.

بهذه الأدوات المتاحة لأصغر الفتيان بات من السهل معرفة معظم تحركات مسؤول ما وأي المطاعم والفنادق يرتاد ومع من يلتقي بشكل متكرر. ناهيك عن كاميرات الفنادق والشركات والمحال التي يمكن التسلل اليها واختراقها من قبل الهواة فما بالنا بالمتخصصين، وهذا يجعل الناس البسطاء يمتلكون أدوات الضغط والمساءلة، ويتعلمون فرض الرقابة اليومية على أداء الحكومة، وقد شاهدنا خلال أسابيع مضت كيف يمكن لجموع الناس متابعة أداء وزير أو سفير وتقييم كلماته وحركاته وحتى لباسه، ومحاسبته على جملة قالها هنا أو وليمة شارك فيها، كما يمكّن الجمهور من المشاركة في فعل التوثيق وتشكيل السرديات التي كانت لوقت قريب حكراً على السلطة الحاكمة أو أجهزة إعلامية متخصصة، ولم يعد بمقدور السلطات مراقبة هذا الفضاء الذي يتسع باضطراد، أو التحكم بعموم الناس وما ينشرون، وهذا ما يدفع المتصدرين للشأن العام لإصدار التوضيح والاعتذار أو التبرير إثر كل قضية تشغل الرأي العام.

تطغى على فضاءات الميديا أشكال متنوعة من الثرثرة الشخصية وكأنها حالة هرج في عرس شرقي. وتشتعل الشجارات والخلافات والهيجانات الشتائمية ويتبارى كل من هب ودب في التنظير والتسفيه وكيل الاتهامات واجتراح النظريات. ولا سبيل إلى وقف هذا السيل الهادر من الآراء التي تتدفق بسبب فضاء الحرية التي تتيحها الميديا وفي الحالة السورية خاصة حيث أصبح الشعور بالحرية عقب سقوط نظام القمع والاستبداد شعوراً طاغيا مملوء بالفرح الذي انتظره السوريون عقوداً.

لن تلغي هذه الأدوات البسيطة والسريعة الانتشار دور الصحافة المتخصصة، بل ستكون رافعة لها ودافعة لتحرير الأبحاث الرصينة والتفصيلية وإجراء التحقيقات المعمقة والمعززة بالشواهد حول أي حدث شغل الرأي العام، ومع انحسار الصحافة الورقية يظهر دور الصحافة الإلكترونية بشكل لا يقل أهمية عن نظيرتها الورقية مع وجود بعض الامتيازات كسهولة النقل ومجانية التوزيع والمشاركة في دقائق معدودة مع آلاف المواقع والمنصات والمجموعات والأفراد، واليوم بتوالي ظهور النماذج المبهرة من أدوات الذكاء الصناعي بات من المتاح أن تطلب منه جمع عشرات المقالات والأبحاث والأخبار والفيديوهات وتلخيصها وتحويلها إلى نص مكتوب أو مسموع.

تشترك الصحافة التقليدية وصحافة المواقع الإلكترونية والمنصات التي تتكاثر يوميا تكاثر الفطر في مشتركات عدة، أهمها نشر المعلومات بشكل عالي الكثافة والشمولية، لكن بالمقارنة تتقدم الصحافة الإلكترونية على الصحافة الورقية التقليدية بنقاط مهمة منها، سرعة الانتشار وعالميته ومجانيته، وقدرته على إنشاء مناخ تفاعلي بين صاحب الرأي ومتابعيه، وفي قدرتها في التأثير على السياسات وصانعيها، محاسبة السلطة وإشاعة الشفافية، صناعة الرأي العام وتشكيله والتشبيك اليسير بين أصحاب التيار الواحد وكذلك نجاتها الى حد كبير من مبضع الرقيب، لكن يعيبها فقدها للمصداقية في كثير من الأحيان كونها سهلة الإنتاج ويمكن لأي كان أن ينتحل صفة شخصية ويؤلف خبرا منحولا. لذا من المهم الاعتماد على منصات معروفة وموثوقة ومشهود لها بتاريخ من المصداقية وهذا يتبلور باستمرار واليوم يدخل الذكاء الصناعي كرقيب ومدقق في هذا الفضاء ويمكن باستخدام تقاناته المتفوقة الوصول إلى مصدر الخبر والتحقق من مدى صدقيته.

جملة القول أنه بدخول الميديا وأدواتها التي تتوسع كل ساعة في حياة واستخدام الشطر الأعظم من الناس، المتخصص منهم وغير المختص، فقد أصبحت هذه المنصات أداة فاعلة بيد جموع الجماهير، ولم يعد بإمكان السلطات السيطرة عليها أو تجاهلها، وبالتالي فهي أداة تحد من تغول السلطات ومن قدرتها على إخفاء تجاوزاتها، أو قمع معارضيها، وربما ستشكل فضاءات الميديا وأدواتها انعطافا حادا في إعادة السلطة إلى الشعب أو فرض التشاركية وإن بالحدود الدنيا، على السلطات التي أدمنت الاستبداد لعقود خلت.

تلفزيون سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى