تشكيل الحكومة السورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

الحكومة السورية الانتقالية: المهام، السير الذاتية للوزراء، مقالات وتحليلات تحديث 26-27 نيسان 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

تشكيل الحكومة السورية الجديدة

——————————–

ملاحظات برسم الإدارة السورية/ بشير البكر

26 ابريل 2025

ليس في وسع الإدارة السورية الجديدة أن تواصل العمل بفلسفة “من يحرّر يقرّر”، وقد كشفت حصيلة عدة أشهر أن المردود العام متواضع، وهناك ارتفاع لمؤشّر المشتكين والمحتجين، ينذر بتراجع تدريجي للرصيد الإيجابي، الذي جنته بفضل إسقاط نظام بشّار الأسد. ومن يتابع وسائل الإعلام ووسائل التواصل من الداخل والخارج يجد أن هناك حالة من عدم الرضى في طريقها لتشكيل تيارات معارضة، قد تلعب دوراً في إعاقة تقدّم التحوّل الجديد الواعد محلياً وعربياً ودولياً. وتتمحور الانتقادات حول جملة من الملاحظات.

أولاً، ضعف الخبرة في إدارة الدولة. وهذا أمر يجد بعض المبرّرات، ولا أحد من السوريين يطالب الحكومة أن تكون كاملة الأوصاف بين يوم وليلة. وعلى هذا، ليس هناك ضير من أن تتعلم الأساليب بالممارسة، شريطة أن تمتلك الاستعداد، وتتحلى بالتواضع. وكما حذّر أكثر من صاحب رأي حريص على النجاح، فإن التجريب، وارتكاب الأخطاء ترفٌ ضارٌّ جداً في هذه المرحلة. ويحضر هنا شأن اختيار أشخاص ليسوا على قدر من الكفاءة، في مواقع متقدّمة، ومثال ذلك وزير الثقافة محمد ياسين صالح. وكان من الأفضل تعيين شخصية على صلة بالكتابة أو المسرح أو السينما. وتشكّل الضجة التي أثارها بظهوره في مضافة شخصية قبلية إشكالية جرس إنذار للقيادة، كي تعيد النظر بالقرار، وتتراجع عنه قبل فوات الأوان، وألا تكرّره في تعيينات أخرى.

ثانياً، الاستئثار بإدارة الدولة، من خلال إسناد الوزارات الأساسية كالخارجية والدفاع والداخلية والعدل لشخصيات من هيئة تحرير الشام، لا تملك تجربة كافية في العمل الحكومي، وبعضها غير متخصّصة في الميادين التي تشغلها، وليس في سجل الآخرين سوى أنه قيادي في “الهيئة”، وهذا لا يكفي، بل لا يمكن الرهان عليه لبناء مؤسّسات فاعلة، وتقديم صورة إيجابية عن سورية الجديدة، التي يهم حاضرها ومستقبلها جميع أبنائها على اختلاف توجّهاتهم السياسية، والفكرية، والطائفية، والعرقية.

ثالثاً، ضعف الفاعلية في التعاطي مع المطالب الخارجية، وفي مقدمها قائمة الشروط الأميركية، التي تسلمتها الحكومة السورية، وردّت عليها. والملاحظ عدم تحقيق الإدارة السورية نتائج جوهرية، بدليل عدم حصول أي تقدم في قضية رفع العقوبات الأميركية، التي تتوقف عليها تلقي مساعدات مالية عربية ودولية، وتسهيل وصول المستثمرين إلى سورية. وهنا يتوجب التوقف أمام مسألتين مهمتين: الأولى، عدم تقديم تنازلاتٍ تتعلق بالسيادة، والموقف من إسرائيل. والثانية، ما لم تتمكّن الحكومة من إدارة هذه الأزمة بنجاح، فإن الإقبال الغربي والعربي نحو سورية لن يتقدّم إلى الأمام، كما أن تصفية التركة السياسية التي تركها نظام الأسد لن يتم وفق حسابات الإدارة، وسيظل أمر استكمال الوحدة الداخلية يراوح في مكانه في الجنوب والشرق. ولن تتمكّن الدولة من إبطال مفعول الألغام السياسية التي تهدّد وحدة البلد، إلا من خلال تحصين الجبهة الداخلية على أسس سليمة، تعتمد على توسيع قاعدة المشاركة في الحكم، والقرار، واحترام التنوّع، والتعدّد.

رابعاً، تأخّر إطلاق مشروع العدالة الانتقالية، وتشكيل الهيئة الخاصة بها. وتعزو أوساط قانونية سورية سبب ما حصل من تجاوزات إلى عدم بدء محاسبة مسؤولي النظام السابق، سواء الذين جرى اعتقالهم، أو الفارّين داخل سورية وخارجها. وقد أدّى هذا الخلل إلى نمو نزعة الثأر، وتحصيل الحقوق بوسائل غير قانونية، تهدّد السلم الأهلي. ومن دون شك، لو تمت المسارعة في إقرار هذا المسار على أساس إحقاق العدالة، لتم حقن الكثير من الدماء في الساحل، ووقف الاعتداءات التي يتعرّض لها الأبرياء بسبب استشراء نزعة الانتقام والكراهية ضد المكوّن السوري العلوي.

العربي الجديد

——————————–

سوريا على مفترق طرق: معركة شاقة نحو السيادة الاقتصادية/ رشا سيروب

بعد أربعة أشهر من سقوط نظام بشار الأسد، تقف سوريا عند مفترق طرق محفوف بالمخاطر، حيث يحل شبح الانهيار الاقتصادي المتسارع وانعدام الأمن محل ذكريات عقد دامٍ من الصراع. تتصاعد المخاوف من تحول سوريا إلى دولة فاشلة، بينما تكافح الحكومة الانتقالية لمواجهة تركة حرب طاحنة وتحديات جسيمة تهدد بتقويض أي أمل في الاستقرار والتعافي المستدام.

تواجه سوريا مهمة شاقة لإحياء اقتصادها المحطم. فقد خلّفت أربعة عشر عامًا من الحرب ندوبًا عميقة وضعتها أمام أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها الحديث. اليوم، يعيش نحو 90% من السوريين تحت خط الفقر، ويعاني منهم 60% من انعدام الأمن الغذائي. وتُفاقم هذه الأرقام المروّعة معدلات بطالة تجاوزت 50%، فيما أكثر من مليوني طفل موجودون خارج مقاعد الدراسة. ويعيش الملايين في خيام وملاجئ مؤقتة، بينما يكافح البنك المركزي السوري لتوفير السيولة اللازمة لدفع الرواتب في ظل شح كارثي في الليرة السورية.

لقد كشف الصراع عن نقاط ضعف بنيوية عميقة، وأصبح الاعتماد على المساعدات الخارجية شريان حياة لملايين السوريين. ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، يعتمد نحو 16.5 مليون شخص على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، وهو رقم مذهل يسلط الضوء على حجم الكارثة الإنسانية ويؤكد على هشاشة الوضع الراهن.

وبموازاة الواقع الاقتصادي المتردّي، يبرز الجانب الأمني بوصفه الأكثر هشاشة في سوريا ما بعد الأسد. فالجماعات المسلحة المتنافسة، والنزاعات الإقليمية العالقة، والتدخلات العسكرية الأجنبية المستمرة، ما زالت تزعزع استقرار البلاد. وبرغم الجهود المبذولة لدمج الميليشيات والفصائل تحت مظلة وزارة الدفاع السورية، فإن انعدام الثقة والتنافس الإقليمي والقضايا المتصلة بالحكم الذاتي الكردي والتوغلات الإسرائيلية في الجنوب، تشكّل جميعها مخاطر مستمرة تهدد بتقويض أي تقدم نحو الاستقرار.

ففي الساحل السوري، لقي أكثر من 1,600 مدني مصرعهم، غالبيتهم من الأقلية العلوية. واندلعت اشتباكات متقطعة مع الأقلية الدرزية خارج دمشق، وتصاعدت وتيرة عمليات الخطف والقتل الانتقامي والعشوائي. وفي خضم هذه الفوضى، برزت رغبة تركيا في تعزيز نفوذها الإقليمي، ليس عبر تدخلها المستمر شمال سوريا فحسب، بل عبر إنشاء قواعد عسكرية أيضًا، الأمر الذي استبقته إسرائيل بشن عشرات الغارات الجوية وبتوغلها البري المستمر في الجنوب.

إن مهمة إصلاح الوضع الاقتصادي المتردي، وفرض الأمن، ومنع انزلاق البلاد إلى تقسيم وتقاتل طائفي، تمثل تحديات جسيمة تواجه الحكومة الانتقالية، علمًا أن تحوّل سوريا إلى دولة فاشلة هو السيناريو الذي تسعى جميع الأطراف الإقليمية والدولية إلى تجنّبه.

في ظلّ هذه التحديات الهائلة – وبينما تحتل المصالحة السياسية والترتيبات الأمنية صدارة الأولويات – تبرز السيادة الاقتصادية كحجر الزاوية في بناء سلام مستدام وإعادة تأسيس الثقة بين الدولة والمواطنين. إنها شرط أساسي لضمان أولوية المصالح الوطنية السورية وتحقيق تقدم اقتصادي شامل على المدى الطويل.

تتجسد السيادة الاقتصادية في قدرة الدولة على إدارة سياساتها الاقتصادية ومواردها وتمويل احتياجاتها دون إملاءات خارجية أو تأثير غير مبرر. ويبدو تحقيق هذا الهدف بعيد المنال في ظل العقوبات الدولية التي تعيق الوصول إلى الاستثمارات والأسواق العالمية، وانهيار المؤسسات الحكومية التي تعاني من ضعف الإدارة والفساد المستشري.

ومع ذلك، يجب على الحكومة الانتقالية أن تضع السيادة الاقتصادية في رأس أولوياتها، فهي أول ضحايا الحرب وآخر ما يُستعاد. فتحقيق السيادة الاقتصادية ليس مجرد تطلّع أو إجراء تقني، بل هو ضرورة سياسية واجتماعية لمنع الانزلاق مرة أخرى إلى دوامة العنف والاضطراب والتبعية الاقتصادية التي قد تحوّل جهود إعادة الإعمار إلى مجرد “استعمار اقتصادي جديد”.

من الجوانب الحاسمة لاستعادة سوريا سيادتها الاقتصادية، استعادة السيطرة الكاملة على مواردها، خصوصًا النفط والغاز المتمركزة في شمال شرق البلاد. لقد كان استغلال هذه الموارد والتنافس عليها عاملًا محوريًا في الديناميكيات الإقليمية المعقدة المحيطة بالصراع.

لذا، فإن إعادة صياغة العلاقة بين السلطة المركزية في دمشق والإدارة الذاتية في شمال شرق البلاد أمر بالغ الأهمية لضمان إدارة شفافة وعادلة لهذه الموارد، بما يعود بالنفع على جميع السوريين، بدلًا من استنزافها من قبل جهات خارجية أو نخب داخلية. ويتطلب ذلك وضع أطر قانونية متينة، وتعزيز الهيئات التنظيمية الوطنية القادرة على مراقبة إنتاج وتصدير النفط والغاز، وتطوير القدرة على رصد ومنع التدفقات المالية غير المشروعة التي قُدرت بمليارات الدولارات خلال سنوات الحرب. أما الفشل في تحقيق ذلك فيُنذر باستمرار حالة عدم الاستقرار وتقويض شرعية الحكومة الانتقالية.

علاوة على ذلك، يُعد استقلال السياسات المالية والنقدية ضرورة حيوية لسوريا لإدارة تعافيها الاقتصادي بفعالية. فقد أنتجت سنوات الحرب، مع العقوبات الدولية التي قيّدت وصول سوريا إلى الأسواق المالية العالمية وجمدت أصولها، تأثيرًا مدمرًا على الليرة السورية التي فقدت وظيفتيها كمخزن للقيمة ووسيلة للتبادل، وارتفع التضخم إلى مستويات قياسية.

غير أن القدرة على صياغة وتنفيذ سياسات مالية مصممة خصيصًا لتلبية الاحتياجات الفريدة لسوريا وإدارة عملتها والسيطرة على التضخم دون ضغوط خارجية، ستبقى أمرًا بالغ الصعوبة ما لم تتمكن الحكومة الانتقالية من ضمان حقوق الإنسان وحماية الأقليات والمرأة وإخراج المقاتلين الأجانب – وهي شروط أساسية للاستفادة من الدعم الدولي ورفع العقوبات.

وحتى في حال استيفاء هذه الشروط، فإن اللجوء المفرط إلى الدول والمؤسسات المالية الخارجية والاعتماد الكبير على حزم المساعدات سيقوّض السيادة الاقتصادية، حيث غالبًا ما تفرض هذه المساعدات إجراءات تقشفية وسياسات تعطي الأولوية للمصالح الخارجية.

وتواجه الحكومة الانتقالية معضلة صعبة في إدارة العلاقة مع المجتمع الدولي. فهي، من جهة، تحتاج إلى المساعدات الفنية والمالية لإعادة الإعمار، ومن جهة أخرى يجب أن تحافظ على مساحة كافية لصنع القرار المستقل، خصوصًا في ظل وجود شخصيات في مناصب وزارية مرتبطة بـ”هيئة تحرير الشام” (“جبهة النصرة” سابقًا) المصنفة على قوائم الإرهاب، الأمر الذي يثير قلقًا دوليًا ويعقّد جهود الحصول على الدعم ورفع العقوبات. الحل الأمثل يكمن في تطوير استراتيجيات ذكية تعتمد على التدرج في تقليل الاعتماد على المساعدات، مع السعي المتوازي لتنويع مصادر التمويل وبناء الشراكات الدولية المتوازنة، خصوصًا مع تراجع المساعدات الدولية.

وإلى جانب هذه المجالات، يتطلب تحقيق السيادة الاقتصادية جهودًا متضافرة لبناء القدرات الوطنية وتعزيز المؤسسات الاقتصادية. ويشمل ذلك الاستثمار المكثف في التعليم والتدريب المهني لإعادة بناء رأس المال البشري الذي هاجرت منه أعداد كبيرة، أو فقد مهاراته بسبب الحرب، وتقديم دعم مستهدف للصناعات المحلية والشركات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز ريادة الأعمال والابتكار، وإنشاء هياكل حوكمة شفافة وخاضعة للمساءلة ومقاومة للفساد. إن اقتصادًا محليًا نابضًا بالحياة ومتنوعًا هو الأساس الأكثر صلابة للسيادة الاقتصادية المستدامة.

وعليه، فإن الطريق نحو السيادة الاقتصادية لسوريا محفوف بتحديات هائلة، تشمل إرث الصراع، وضعف المؤسسات، وتصدع النسيج الاجتماعي، والنفوذ الإقليمي والدولي الكبير. ولا يزال فرض العقوبات الدولية يُحدث تأثيرًا عميقًا على الاقتصاد السوري، وسيشكل التعامل مع هذه العقوبات والدعوة إلى رفعها جانبًا حاسمًا في استعادة السيادة الاقتصادية. من هنا، ستحتاج الحكومة الانتقالية إلى تأسيس توافق وطني واسع حول الأولويات الاقتصادية، وبناء مؤسسات قوية قادرة على تنفيذ السياسات بشكل مستقل.

بناءً على ما سبق، يتطلب التغلب على هذه التحديات نهجًا متعدد الجوانب يتمثل أولًا، بإرادة سياسية قوية وحوار شامل يضم جميع الأطراف السورية لبناء توافق في الآراء حول الأولويات الوطنية، وثانيًا بالتواصل الاستراتيجي والانتقائي مع الجهات الخارجية بهدف تعزيز القدرة التفاوضية وضمان أن تكون شروط المساعدات متوافقة مع الأهداف الوطنية، وثالثًا، عودة سوريا إلى النظام المالي الدولي (SWIFT) وهو أمر يتطلب جهودًا دبلوماسية مكثفة، ورابعًا، تعزيز النمو الاقتصادي الشامل الذي يُفيد جميع فئات المجتمع.

إن تحقيق السيادة الاقتصادية لسوريا هو هدف صعب، لكنه ليس مستحيلًا. إنه حاجة ملحة تتطلب رؤية استراتيجية واضحة وإرادة سياسية صادقة ودعمًا دوليًا يحترم الخصوصية المحلية. ولكي تتحول هذه السيادة إلى واقع ملموس، لا بد أن تترجم إلى سياسات عملية تنعكس إيجابًا على حياة المواطنين وتعزز ثقتهم بمؤسسات الدولة.

أوان

———————————-

عن وزارات الكُرد السياديّة في سوريا/ أحمد قليج

26.04.2025

خطابات وزيري التعليم والثقافة أثناء إعلان التشكيل الحكومي لم تشِ بأيّ تغيّر في عقل الدولة السوريّة، فبدلًا من أن يُبشّر وزير الثقافة بانفتاح وزارته على كل لغات سوريا وثقافاتها، والوعد بإبراز كلّ هذا التنوّع، انطلق بِشِعرٍ يرمز إلى التملّك الأبديّ، كما أسماه، إلى “يوم القيامة” لدمشق.

في ثمانينات القرن العشرين، دخل رجلٌ مبنى وزارة الثقافة السوريّة في دمشق، حاملاً بيده مخطوطةً كان ترجمها من العربيّة، لغة البلاد الرسميّة، إلى اللغة الكُرديّة، متقدّماً بطلب طباعة المخطوطة على حساب الوزارة.

الرجل كان السياسيّ الكُرديّ ابن مدينة عفرين رشيد حمو (1925–2010)، أمّا المخطوطة فكانت عبارة عن خطاب قسمٍ طويل للرئيس السوري حافظ الأسد.

كان غرض رشيد حمو من مغامرته تلك حفرَ ثُقبٍ بإبرة في جبل النكران بين اللغة الكرديّة ومؤسّسات الدولة السوريّة الرسميّة، محاولة لنزع الاعتراف الرسميّ بلغته الأم، حتى لو كان عبر ترجمة خطاب لحافظ الأسد. فالرجل لم يكن مُعجباً به حتماً، ولا بسياساته الإنكاريّة.

ولأنّ الخطاب كان خطاب الرجل الأوّل في سوريا، طلب موظّفو الوزارة بضعة أيّام لدراسة المخطوطة، قبل أن يأتي الرّفض الرسميّ على نقل أقوال الأسد في “جمهوريّة الصّمت” إلى الكُرديّة.

تذكّرتُ الحادثة تلك مع تشكيل الحكومة السوريّة الجديدة، والتي من المفترض أنّها ستعكس وجهة “الجمهوريّة الجديدة”، وإن كان الحديث حول الوزارات السياديّة حاضراً، فأكثر الوزارات التي يمكن أن تعكس تغييراً جوهريّاً في تعاطي مؤسّسات الدولة مع الكُرد وغير العرب ستكون وزاراتي الثقافة والتربية والتعليم، الى درجة يمكننا إطلاق مصطلح “وزارات غير العرب السياديّة في سوريا”.

من خلال عمل هاتين الوزارتين تحديداً، وقراراتهما، سيكتشف الكُرد وغيرهم مدى تغيّر عقل الدولة السوريّة وفهمها تنوّع مجتمعها بلغاته وثقافاته.

وإن كانت خطابات الوزيرين أثناء إعلان التشكيل الحكومي لم تشِ بأيّ تغيّر في عقل الدولة السوريّة – بافتراض أنّ الثورة السوريّة قامت على هذا العقل، وليس فقط بغرض تغيير السّلطة – فبدلًا من أن يُبشّر وزير الثقافة بانفتاح وزارته على كل لغات سوريا وثقافاتها، والوعد بإبراز كلّ هذا التنوّع، انطلق بِشِعرٍ يرمز إلى التملّك الأبديّ، كما أسماه، إلى “يوم القيامة” لدمشق. وهنا نحن نتكلّم عما سُمِّيَ بـ”الحقوق الثقافيّة للكُرد وغير العرب من السوريّين”، لا عن مطالب سياسيّة للجماعات غير العربيّة. تلك الحقوق التي من المفترض أنّها ليست نقاط خلاف من حيث المبدأ، بعدما تطوّعت السلطة لمراعاتها وإحقاقها في الإعلان الدستوري.

ما يزيد تأكيد أنّ معالي الوزير الشاعر يريد أن يكون وزير اللغة العربيّة والثقافة العربيّة فقط في سوريا، هو تداول تصريحات قديمة له، يعتبر فيها اللغة السريانيّة مجرّد لهجة من لهجات العرب، ما يعكس نقصاً معرفيّاً كبيراً بالتنوّع اللغوي والثقافي للمجتمع السوري. هذا التنوّع الذي من المفترض أن تفتح وزارته أبواب مسارحها ومطابعها له، بعدما بقيت هذه الأبواب مغلقة لعقود.

كذلك، وعلى رغم أصول وزير التربية والتعليم الكُرديّة، فإنّه لم يُقدِّم، أو ربما لم يُسمَح له بالإعلان – إلى الآن – عن خطّته، إن وُجدت، لحلّ معضلة التعليم باللغة الأم، التي هي مطلب كُرديّ أساسي، وهي ردّ اعتبار لأجيال من الكُرد السوريّين الذين فشلوا في دخول الجامعات، بسبب اعتبار اللغة العربيّة لغةً مرسِبة، بخاصة الأجيال الأولى منذ تأسيس الدولة السوريّة، حيث كان معظم الكُرد لا يُتقنون يومها العربيّة إلا بالحدّ الأدنى، ربما ما يكفي لأداء الصلوات، أمّا الدخول الكُرديّ المُكثّف للجامعات فلم يبدأ إلا ابتداءً من ثمانينات القرن الماضي  وتسعيناته.

في حادثة شخصية، وصل في نهاية خمسينات القرن العشرين أستاذ للغة العربية قادماً من الساحل السوري إلى قرية جدي في عفرين، فسكن في بيت مجاور. وللصداقة التي تشكلت بينه وبين جدي وتكريماً له، أطلق اسمه على ابنه الذي هو أبي، قبل أن يكبر أبي ويفشل لثلاث سنوات متتالية في اجتياز شهادة الثانوية، بسبب رسوبه في مادة اللغة العربية.

في لقاء تلفزيوني على إحدى القنوات الكُرديّة، قال وزير التربية والتعليم بالكُرديّة إنّه سيجد حلاً لكلّ الـ “Pizikan” – وكان يقصد في السياق “Pirsgirêk” – ربما لم تُسعفه لغته الكُرديّة الأم، التي حُرِم التعلّم بها، في النطق السليم، وكان ذلك ظهوره الإعلاميّ الأوّل بالكُرديّة.

أمّا الفرق بين الكلمتين، فالأولى تعني “الدمامل”، والثانية تعني “المشاكل”، ولا نعلم: هل يريد الوزير إيجاد حلٍّ لمشاكل سوريا التعليميّة، أم فعلاً قصد علاج الدمامل الموجودة على وجه سوريا وجسدها؟

درج

————————————-

معضلة وزارة الدفاع/ عبسي سميسم

27 ابريل 2025

لا تزال مهمة إعادة هيكلة وزارة الدفاع من أصعب التحديات التي تواجه الحكومة السورية الحالية، وذلك بسبب مجموعة من التعقيدات التي يرتبط جزء منها بطبيعة العناصر البشرية التي ستشكّل هذه الوزارة، بالإضافة إلى أسباب خارجية تتعلق بمتطلبات وشروط بعض الدول الكبرى والدول الإقليمية حول تشكيلة وهيكلية تلك الوزارة التي لا تزال حتى الآن غير واضحة المعالم، رغم تأسيس بعض الإدارات التي تتبع لها. تضاف إلى ذلك تحديات أخرى تتعلق بدور وزارة الدفاع في مواجهة التحديات الداخلية، والتي يأتي في مقدمتها تحدي مواجهة فلول النظام المخلوع.

على مستوى طبيعة مكونات هذه الوزارة، يبرز التحدي الأكبر في التوفيق بين فصائل قسم منها كانت في الأمس القريب متناحرة فيما بينها، سواء على مستوى الصراعات البينية بين فصائل الشمال أو على مستوى الصراع بين فصائل الشمال و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي من المفترض أن تُدمج جميعاً ضمن وزارة الدفاع، والتي يسعى كل قائد فصيل فيها للحصول على دور ضمن هذه الوزارة. إلا أن التحدي الأكبر في موضوع المكون البشري للوزارة يكمن في مدى القدرة على صهر الفصائل التي ستشكل الوزارة ضمن جسم مؤسساتي يضمن ولاء عناصرها للدولة السورية والتزامهم بالتعليمات وفق التراتبية المؤسسية للوزارة، وليس لقائد الفصيل، وذلك كي لا يتحوّل الجيش السوري إلى مجموعة من الفصائل تحت غطاء وزارة الدفاع، على غرار تجربة “الجيش الوطني” السيئة. كذلك يبرز تحدي ضم قادة فصائل تعتبر نفسها شريكة في تحرير سورية، فيما تُتهم بارتكاب تجاوزات بحق المدنيين في المناطق التي كانت تسيطر عليها، بالإضافة إلى ارتكابها تجاوزات لاحقاً خلال أحداث الساحل السوري. وكذلك يبرز تحدي إشراك الضباط المنشقين عن النظام في تركيبة الوزارة والذين هُمّشوا خلال الفترة السابقة على حساب إعطاء دور لقادة الفصائل من الذين لا يمتلكون خلفيات عسكرية أكاديمية.

وتواجه الحكومة السورية تحدي إرضاء الجهات الدولية في تشكيلة وزارة الدفاع وخاصة تحقيق المطالب التي وضعتها الولايات المتحدة لرفع العقوبات عن سورية، وهي عدم إدخال عناصر أجنبية ضمن تشكيلة الوزارة، وهو تحدٍ ربما ينذر بخلافات داخل الكتلة الصلبة لـ”هيئة تحرير الشام” رغم حلها. كذلك تواجه الحكومة السورية تحدي إرضاء بعض الدول، وخاصة تركيا، بزجّ بعض العناصر المحسوبة عليها ضمن تشكيلة الوزارة واستبعاد عناصر غير مرضي عنهم. يضاف إلى جملة التحديات تحدٍ أساسي يتعلق بدور ومهمة الجيش السوري وعقيدته وتسليحه، الأمر الذي يتعلق أيضاً بتوافقات دولية، وهل سيقتصر دور الجيش على حماية الحدود، أم سيتعداه إلى أدوار في الداخل السوري، خصوصاً بعد التدخّل غير الموفق الذي قام به في مواجهة فلول النظام الذي أدّى إلى انتهاكات بحق المدنيين.

العربي الجديد

———————————-

=========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى