الأحداث التي جرت في الساحل السوريالإعلان الدستوري لسوريا 2025الاتفاق بين "قسد" وأحمد الشرعالتدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدةالعدالة الانتقاليةالعقوبات الأميركية على سوريا الجديدةتشكيل الحكومة السورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

سوريا حرة إلى الأبد: مقالات وتحليلات 26-27 نيسان 2025

حرية إلى الأبد: كل المقالات والتحليلات والحوارات التي تناولت انتصار الثورة السورية اعتبارا من 08 كانون الأول 2024، ملاحقة يومية دون توقف تجدها في الرابط التالي:

سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

——————————–

لماذا الخيبة كبيرة من “الجمهورية”؟!/ شكري الريان

عندما تم إطلاق منصة “الجمهورية” في ربيع 2012، كانت الفكرة أن السوريين، وقد استعادوا أصواتهم، إثر ثورة 2011، بات من الواجب أن يجدوا مساحة مفتوحة للحوار فيما بينهم، كجزء من الفضاء العام، الذي كان السوريون وقتها يقاتلون لإعادة امتلاكه بعد احتكار دام ما يقارب الخمسين عاما، منذ انقلاب الثامن من آذار 1963 حتى ذلك الوقت.

خلال سنوات عملها، لم تف المنصة بوعودها فحسب، بل تحولت إلى منبر يلتفت إليه جميع السوريين في كل شأن يخص وطنهم، خلال ذروة محنتهم الممتدة على مدار أكثر من عقد. ولا أظنني أبالغ إن قلت بأن “الجمهورية” قد غدت، بعد جهد كبير، ساهم فيه كل من شارك في تلك المنصة، سواء من هيئة تحريرها، أو من الكاتبات والكتاب المشاركين، إلى مركز تأثير بنى رصيدا كبيرا جدا بسبب كل ذلك التفاني المبذول، وبسبب استقلالية لافتة للمنصة وللقائمين عليها، في زمن بات التمويل هو المحدد الرئيسي لهوية المشروع الإعلامي. “الجمهورية” كانت خلال كل تلك السنوات علما حقيقيا في سوية الأداء، وفي استقلالية القرار، لدرجة باتت جاذبا حتى لكبار الكتاب العرب لرفدها بمساهمات مشهودة. كل هذا كان والسوريون جميعا إما تحت حكم الاستبداد الأسدي، أو مشتتين في المنافي. إلى أن حانت اللحظة التي انتظروها جميعا، وطار الأسد هاربا، وصارت البلاد مشرعة على كل الاحتمالات، بما فيها تلك التي طالما حلم بها أولئك السوريون الذين أشعلوا فتيل ثورة 2011 فعليا، أي احتمال وطن حر، في ظل دولة ديموقراطية، ولجميع أبنائه بدون أي استثناء.

أقول كل الاحتمالات، وليس احتمالا وحيدا مفضلا على غيره، لأن القوى التي قيل أنها “حررت”، لها تاريخ طويل، ليس فقط في اعتبار الديموقراطية كفرا بواحا، بل وأيضا في وأد أية محاولة للتعبير الحر على الرأي، أو للمشاركة في تقرير مصير وطن، أو حتى قطعة أرض، تعيش عليها مجموعة بشرية تريد أن تشارك في تقرير مصيرها، بحجة أن هذا القرار حكر على شريعة محددة، تحمي حدودها مجموعة من المجاهدين شديدي التطرف والتجهم، مستعدون لتطبيق تلك الحدود ولو أضطرهم الأمر إلى القتل رجما.

هذا ما كانت هيئة تحرير، وكتاب، “الجمهورية” يعرفونه جيدا، بل وبالتفصيل، وقد شكل البحث في ممارسات تلك التنظيمات مادة رئيسية لعملهم، طيلة سنوات. أقلها، تلك السنوات التي تولت فيها “القاعدة”، بتسمياتها المتنوعة، حكم إدلب.

إذا، وفي لحظة سقوط النظام، ودخول القوى الإسلامية الجهادية المتطرفة العاصمة دمشق، كنا جميعا على بينة مما يمكن أن تصل إليه تلك التنظيمات، بما فيها التنظيم القائد “هيئة تحرير الشام”، ليس فقط في أمر إدارة البلاد، بل وأيضا في طرح مشروع وطني جامع، لبلد عانت من حكم استبدادي مطلق، استعدى جميع السوريين على بعضهم البعض، دام أكثر من نصف قرن، وتوج بتدمير كامل لتلك البلد في العقد الأخير، بحيث باتت بأمس الحاجة إلى وجود أرضية مشتركة يتسند إليها جميع السوريين، من مختلف طوائفهم وعرقياتهم. وهو ما كان، أي المشروع الجامع، آخر هموم تلك التنظيمات، وأحد “شعرائها” يعلن أن من يحرر يقرر!

كنا، هيئة تحرير “الجمهورية” وكتابها المشاركين، على بينة، بل كنا نعرف أكثر من غيرنا بكثير، بحكم متابعتنا الحثيثة، لكل شاردة وواردة تتعلق بأساليب حكم تلك التنظيمات، والتجاوزات الهائلة المرتكبة بحق المدنيين الخاضعين لحكمها، التي وصلت إلى درجة القتل العمد في وضح النهار، بحق مجموعة من الناشطين والناشطات المقيمين في تلك المناطق، بل واقتحام منازلهم وقتلهم داخلها. وبالرغم من ذلك، وجد من قال: علينا التريث، سوريا كلها، ليست إدلب!

هذا ما قيل، وما كان تقريبا موضع اتفاق عند كثر، وهو بالمناسبة موقف عنصري جدا- طبعا لا أقصد بأن قائل هذا الكلام شخص، أو جهة، محددين، بل هو تلخيص لموقف عام، صار فجأة موضع إجماع- ولكن مشكلتنا لم تكن هنا فحسب.

كان هناك تهيب غريب بسبب وضع كنا نعرفه أيضا، وبكامل تفاصيله. وأقصد البؤس الهائل الذي عاش فيه أهلنا في المناطق التي كانت تحت سيطرة عصابة الأسد. إذ ما أن انفتح المشهد أمام أعيننا، على هول مطبق، ونقص كامل في كل شيء يمكن أن يخطر في البال، حتى في الاحتياجات الأساسية للحياة، حتى بدأ الذعر والارتباك يدبان في أطراف الجميع. وسرت في الأجواء عبارة واحدة: سوريا بحاجة إلى مهمة إنقاذ فورية، دون أي تأجيل.

وفي وضع كهذا، وعوضا عن التركيز على أهم تلك الأساسيات: وجود مسار واضح نحو نظام حكم ديموقراطي، يضمن لجميع السوريين، بالإضافة إلى إمكانية اختيار أفضل الكفاءات لقيادة البلد في الظرف المستحيل الذي تعيشه حاليا، يضمن أيضا أفقا نحو الاستقرار والتوافق الكامل بين جميع مكونات الشعب السوري، للوصول بالبلاد كلها، بمختلف أجزائها، وإثنياتها، وطوائفها، إلى بر أمان يكون موضع إجماعهم جميعا. عوضا عن التركيز على هذا المسار، بصفته طريق الخلاص الوحيد، ضعنا وسط متاهة الممكن والمتاح، وواقعية مفترضة، وبعض السياسة ولو “على مضض”، وكأننا نريد أن ندرب طفلا يحبو على عبور جبل هائل من الآلام، في الوقت الذي ندرك فيه أن من نسعى إلى تدريبه، ليس طفلا، وهو أسرع منا بالحركة بما لا يقاس، وسيختار عكس الاتجاه الذي نشير إليه، وهذا أصلا دأبه كاملا منذ… اعتقل وأخفى، ومن ثم قتل، رزان وسميرة ووائل وناظم، وغيرهم كثر كثر. مع الاعتذار الشديد عن عدم ذكر أسماء كل ضحايا تلك التنظيمات، لأن المجال لن يتسع مطلقا، وما ذكرت الأسماء أعلاه إلا كأمثلة فقط.

ضعنا وسط… نصف ساعة تغذية كهربائية زيادة مسروقة من ساعات التقنين الطويلة؛ انخفاض سعر كيلو الموز إلى حد ما كان أحد يحلم به قبل يوم واحد فقط من هروب الأسد الصغير؛ وعود بتحسين ظروف المعيشة وبناء ما تم تدميره و.. و… بانتظار رفع العقوبات. وخلالها صار كل من يطالب بأبسط حقوق الناس- ديموقراطية، انتخابات، عدالة انتقالية- مجرد فلول، أو في أحسن الأحوال يهرف بما لا يعرف وما ليس وقته. بل إن هناك من تطوع وطالب بأن نعيد النظر في كل شيء بنينا مقولاتنا السابقة بالاستناد إليه، وأن نغير خطابنا لأن الواقع يتغير بطريقة مذهلة، وعلينا أن نبدأ بالتعلم من جديد.

كل هذا حدث، في الوقت الذي كانت السلطة الجديدة في دمشق تعيد ترتيب كامل المشهد لصالحها، حاذفة منه أي احتمال، ليس احتمالا لديموقراطية أو شفافية أو محاسبة فقط، بل حتى لانتخابات، ولو على طريقة الاستفتاءات الأسدية السابقة، معينة أحمد الشرع رئيسا جديدا للبلاد بقرار من مجلس عسكري، لم يكن يعرف غالبية السوريين شيئا عن معظم أعضائه، إن لم يكن كلهم!

خلال هذه الفترة، كنت دائم النظر باتجاه “الجمهورية” بانتظار كلمة حق تجمعنا، ولا أظن أنني الوحيد الذي كان كذلك، لأفاجأ ببيان “تحصين مستقبل سوريا” الذي لم ترد فيه كلمة ديموقراطية مرة واحدة. لم أفهم لمن تم تقديم هذا “التنازل”، هل لرأي عام يرى، كما النظام الجديد، أن الديموقراطية شركا بالله وحكمه، مثلا؟! ولكن كيف يمكننا أن نعرف إن كان هذا رأيا عاما فعلا، وما هي نسبته بالضبط، إن لم تجر أية انتخابات، ولا استفتاء حتى، على أي شيء، ولا حتى على الإعلان الدستوري، الفضيحة؟!

لم أفهم، وما أزال، وأظن كثر يشاركونني هذا الموقف، من أجل من، ولأي هدف، تم تقديم هذا التنازل؟! ومنذ متى باتت كلمة “ديموقراطية” تسبب حرجا لقائلها، إلا إن كان يتحدث إلى مجموعة من المعاتيه؟! هل غالبية السوريين معاتيه في نظر من وقعوا ذلك البيان، لذلك ضنوا عليهم بأبسط حقوقهم: حكم ديموقراطي؟!

ثم، إن كان الحديث عن السوريين، كل السوريين، فهل العرب السنة، على افتراض أنهم “الحاضنة الشعبية” لحكم القاعدة المستحدث الآن في دمشق، يشكلون فعليا الأغلبية الكاسحة من السوريين؟! على أي أساس، أو إحصاء، أو أي شيء يمكن أن تطاله اليد، استندنا لنصل إلى هذه النتيجة؟! هناك من يقول بأن تعداد العرب السنة في سوريا لا يمكن أن يتجاوز نسبة تراوح بين 60 إلى 65% في أحسن الأحوال، على اعتبار الكرد، وهم سنة في أغلبيتهم الكاسحة أيضا، ليسوا عربا، ولا يريدون أن تفرض عليهم هذه الهوية أصلا. وهناك أيضا من وصل إلى نتيجة بأن العرب السنة، الموجودون في سوريا فعليا، بعد كل هذه الهجرات والهروب من الجحيم الأسدي، ما عادت تتجاوز نسبتهم الـ 48% في أحسن الأحوال. وهناك، أيضا، من يعرف جيدا، أن أولئك العرب السنة ليسوا على قلب رجل واحد، وتفرقهم الكثير من التفاصيل الجهوية والقبلية وسواها، وبالتالي لا يمكن حسم أمر اصطفافهم خلف قيادة أحمد الشرع ونظامه الجديد بشكل كامل.

تكثر الأقاويل والتكهنات، ولا يستند أي منها إلى بحث ميداني موثق، وإحصاء دقيق، بل وحتى استطلاع رأي يمكن الركون إليه. فإلى ماذا استند المتحرجون من ذكر كلمة “ديموقراطية” في تحرجهم؟!

طيلة الأشهر التي مضت، منذ سقوط النظام، مرورا بكل ما أبدته، بل وفعلته، السلطة الجديدة في دمشق، من التوجه نحو حكم استبدادي مطلق، لم نسمع كلاما واضحا بشأن أي مما حدث ويحدث، باستثناء التأكيد على خطورة هذا التوجه، وكأن الأمر يتطلب نصحا، والنظام الحاكم في دمشق أظهر استبداديته بدون أي لبس. ليكتمل المشهد، بمذبحة جماعية ضد العلويين، نعرف جميعا أسبابها وسياقها، ومن هو المحرض عليها والمستفيد منها. ومع ذلك صدر بيان، نشرته الجمهورية، بتوقيع مجموعة من السوريات والسوريين، من ضمنهم أعضاء هيئة التحرير، يستنكر المذبحة، دون كلمة واحدة تشير إلى السياق الذي جرت فيه، ومن يتحمل المسؤولية، وما يجب فعله في مواجهة هكذا جريمة!

النتيجة كانت أن المواقف التي أبدتها “الجمهورية” أو تبنتها أو دعمتها، كمجموعات وأفراد، كانت بمجملها مخيبة، ليس لأنها لم تعارض النظام الجديد منذ لحظة تأسيسه- وهذا في كل الأحوال ما كان واردا مطلقا ولم يكن أحد قد تبين بعد اتجاه الحكم الجديد في دمشق- بل لأنها، كمنصة، وكأفراد عاملين فيها، لم يكلفوا أنفسهم عناء التأكيد على، والتمسك بـ، المسار الوحيد الذي يمكن أن يمضي بنا باتجاه بر أمان: دولة ديموقراطية، تخضع لنتائج صندوق الاقتراع، محايدة تجاه جميع مواطنيها (علمانية دون لبس)، ولهم جميعا بدون أي استثناء، كائنا ما كانت الجهة التي استولت على خيوط السلطة في دمشق.

مضي كل هذا الوقت بدون موقف صريح بهذا الاتجاه، جعلنا، كطيف ديموقراطي سوري- التسمية هذه ما زالت “الجمهورية”، وهيئة تحريرها، يتمسكون بها حتى الآن، بالمناسبة- نعيش حالة من الارتباك. إذ أن المنصة التي يفترض أنها تحقق أكبر إجماع قدرنا على تحقيقه ومراكمته طيلة كل تلك السنوات الماضية، رغم كل الهول الذي شهدناه فيها، هذه المنصة بالذات قصرت فعليا في اتخاذ الموقف المطلوب.

ما هو هذا الموقف المطلوب؟! إنه ببساطة إعلان سحب الشرعية من النظام القائم في دمشق الآن، وليس الاكتفاء بمناشدته بتحقيق أي من المطالب المشروعة لعموم السوريين، تلك المطالب التي لن يسعى ذلك النظام إلى تحقيقها بأي حال من الأحوال، بسبب كل ما أبداه من أوجه التسلط، ومحاولة مأسسة هذا التسلط وتأبيده، والتغطية على المذابح التي وقعت بحق العلويين خلال الشهرين الماضيين، ضمن سياق استعداء السوريين على بعضهم البعض، لمنعهم من المضي نحو وطنهم المنشود، معيدا نفس الصيغة الأسدية الكريهة، ولكن بوجه طائفي مختلف. 

هل الموقف هذا مستحيل، أو فاقد لأي معنى عملي؛ أو يمكن أن يَعزِلَ، بالتالي، جزءا من الرأي العام السوري الذي ما زال يؤيد النظام القائم الآن؟ وهل هناك موقف، يصف ما يحدث فعلا في بلدنا الآن، وينبه إلى الكارثة الماضين إليها، هذا إن لم نصلها فعلا، غير هذا الموقف؟ وهل ترددت الجمهورية، وهيئة تحريرها، وكتابها المشاركين، لحظة في مواجهة نظام الأسد، من قبل، ساحبين الشرعية منه، ومعلنينه نظاما استبداديا لابد من الخلاص منه، عازلين بذلك حفنة مؤيديه، دون النظر إلى حجمهم أو تأثيرهم أو مدى تجذرهم في بيئاتهم المختلفة؟

ومع ذلك، المشكلة ليست في إبداء موقف، عادل وشجاع، والصمت بعده، فهذا الموقف ليس إلا مقدمة لما هو أكثر أهمية وإلحاحا.. مهمة التأسيس لسردية، “حكاية مؤسسة”، جديدة تكون بديلا للسوريين في مواجهة عدميتين تريدان تدمير كل ما فعله السوريون جميعا طيلة سنوات ثورتهم.

العدمية الإسلامية، والتي ترى أن الثورة السورية كانت ثورة سنة مضطهدين من قبل نظام علوي. مع ما يعنيه هذا من نتيجة مضمونة في شد عصب الطائفة السنية خلف نظام الحكم القائم، بحيث يضمن أوسع بيئة حاضنة يمكن أن تدعم بقائه واستمراره.

والعدمية المضادة التي ترى السوريين، السنة تحديدا، حفنة من “الشراشيح” الذين لا يريدون إلا “شرشوحا” مثلهم يحكمهم. وأن كل ما قيل عن الاضطهاد الذي تعرض له سنة سوريا، بصفتهم الطائفية، وعن عمد من جهة النظام الأسدي المجرم، ضمن مشروعه في استعداء السوريين على بعضهم البعض، لم يكن إلا مجموعة من الادعاءات الكاذبة.

كلا العدميتين تنكران على عموم السوريين سعيهم الأصيل نحو الحرية والعدالة والمساواة.  وكلا العدميتين تطعنان بمشروعية الثورة، بسوريتها، وبقدرتها على تمثيل جميع السوريين وحلمهم المشروع بوطن يكون لهم جميعا.

في ظل هكذا تنازع بين سيء جدا، وأكثر سوءا بما لا يقاس، يصبح البحث عن بديل هو طوق النجاة الوحيد الذي يجب أن يكون متاحا، وإلا غرقنا جميعا. فمن غير “الجمهورية”، كإطار، “حيز عام”، منصة، مجال للحوار وتحديد المواقف، من غيرها قادر على طرح ذلك البديل، وهي صاحبة الرصيد الكبير، والسمعة النظيفة، ومن بين أبرز ما نجح السوريون في بنائه خلال سنوات التيه؟

للأسف، هيئة تحرير “الجمهورية” قررت البقاء على السياج، خشية خسارة صفتها كمكان لتجمع العدد الأكبر من السوريين، مهما اختلفت آراؤهم، دون حتى أن تعطينا، أو تعطي نفسها، الفرصة لنعرف من هم أولئك السوريين الذين ما زالوا يساندون فعليا نظام الحكم الحالي، المستبد دون أي لبس، وكم هي نسبتهم، وهل لو أتيحت لهم فرص أخرى، أكثر عدالة وإنسانية، وفعالية، مع سردية متماسكة تثمن تضحياتهم الهائلة، كانوا سيبقون على مساندتهم هذه، إن كانت موجودة فعلا.

بل إن الأسوء من هذا كله، هو المثال شديد التردد في مرحلة لا تحتمل إلا الإقدام والشجاعة، مع تحديد واضح لأسباب المشكلة، المثال الذي يجب أن تتركه مجموعة، منصة، حيز عام، يراد للمشاركين فيه أن يكونوا منخرطين في الشأن العام، دون إغفالٍ للرسالة الأساسية التي جمعتهم معا: المضي باتجاه وطن ديموقراطي حر لجميع أبنائه. البقاء على السياج، لن يمضي بأحد إلى أي اتجاه، ولن يوصله إلى أي مكان.

أرسلت النص أدناه إلى “الجمهورية”، موضحا أسباب خيبتي من موقف هيئة تحرير المنصة من مجمل الأحداث الأخيرة في سوريا، آملا بأن ينشر هناك..

للأسف اعتذروا عن النشر… وها أنا ذا أنشر النص على صفحتي..

الفيس بوك

———————————-

الممتلكات المنهوبة في سورية… اقتصاد خفي وتبادل للأدوار/ ضياء الصحناوي

26 ابريل 2025

في ظلّ تحوُّلات متسارعة تشهدها العاصمة السورية دمشق، كشفت الحملة الموسَّعة التي شنتها مديرية الخدمات في محافظة دمشق، مؤخَّراً، عن مشهدٍ معقَّد لتجارة الممتلكات المسروقة، التي تُدار عبر شبكة من البسطات والأسواق العشوائية.

وجاءت هذه الحملة، بدعم من قوى الأمن العام، ردَّ فعلٍ على تفاقم الفوضى المرورية والتعديات على الممتلكات العامة، لكنها كشفت أيضاً عن طبقات أعمق في الواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه السوريون، إذ تتداخل الحاجة اليومية للبقاء مع استغلال الفرص الناتجة عن سنوات الصراع.

تفاصيل الحملة وكشف الواقع الخفي

أظهرت عمليات الإزالة التي طاولت البسطات في مناطق حيوية مثل البرامكة والصالحية وشارع بغداد، حجمَ التداول غير المنظَّم للسلع، التي تضمُّ مقتنياتٍ تتراوح بين الأثاث المستعمل والأجهزة الكهربائية وقطع الغيار وحتى المواد الصحية والطاقة الشمسية. ووفقاً لملاحظات ميدانية، اعتمد الباعة على مخازنَ متنقلةٍ مخبأة داخل سيارات مركونة قرب مواقع البيع، إذ يعرضون نماذج مصوَّرة من بضائعهم عبر هواتفهم المحمولة، مع تقديم خدمات توصيل فورية بعد الاتفاق على السعر.

اللافت أن هذه الممارسات لم تكن مقتصرةً على باعةٍ هامشيين، بل شارك فيها أفرادٌ يتمتعون بصلات مع جهات حكومية أو عسكرية، وفقاً لشهاداتٍ لباعةٍ وتجار لـ”العربي الجديد”. ففي منطقة البرامكة، التي شهدت تدخُّلاً أمنياً قبل أيام، تبيَّن أن جزءاً كبيراً من العروض يعود إلى ممتلكاتٍ منهوبة من منازل مهجورة، خاصة تلك التابعة لمسؤولين وعناصر في النظام السابق.

بين أكوام الملابس المستعملة والأدوات الكهربائية البالية، يقف أبو علي (اسم مستعار) خلف بسطة متواضعة في أحد أسواق دمشق، والذي يحاول كسب قوت يومه منذ ثلاثة أشهر، لكن ما يلفت انتباهه كما يقول لـ”العربي الجديد” ليس المنافسة، بل “طريقة عمل بعض الباعة الذين يمتلكون حمايةً تُذكّر بعناصر النظام البائد”.

ويروي أبو علي، الذي ينقل بضاعته يومياً من منزله إلى السوق خوفاً من السرقة: “أشاهد باعةً يأتون بسيارات محمّلة بأجهزة كهربائية مستعملة: تلفزيونات، ولابتوبات، وغيرها. يبيعونها بأسعار زهيدة ثم يغادرون خلال ساعات، وكأنهم يخشون المراقبة”، ويشير إلى أن “بعضهم يملك علاقات مع أشخاص من جهات أمنية، ما يسمح لهم بالعمل دون مساءلة”، معيداً هذه الممارسات إلى أيام النظام السابق، حين كانت تُنقل بضائع مهربة أو مُستولى عليها عبر عناصر أمنية تُسيطر على الأسواق، ويضيف: “اليوم، تُباع أجهزة تبدو كأنها من منازل مهجورة بسبب الحرب، فهل نحن نعود لدورات الفساد ذاتها؟”

منظومة متكاملة من النهب إلى البيع

تكشف الروايات الميدانية التي استمع إليها “العربي الجديد” عن سلسلة متكاملة تبدأ بتهريب الممتلكات من المنازل المُهجَّرة في ريف دمشق الجنوبي، مثل السيدة زينب والحجيرة والديماس، وصولاً إلى توريدها للأسواق الشعبية في العاصمة، وأشار أبو محمد أحد سائقي نقل الأثاث، الذي فضَّل عدم الكشف عن اسمه، إلى أن عمليات النقل تجري بتواطؤٍ ضمني، إذ تُنقل غرف النوم والطاقة الشمسية والأدوات الصحية مباشرةً من المنازل المُنهوبة إلى مواقع البيع، مع علمٍ مسبقٍ من المشترين بأصولها غير الشرعية.

فيما يكشف سائق آخر متخصّص بنقل الأثاث المستعمل لـ”العربي الجديد” تفاصيل مثيرة عن شبكة بيع ممتلكاتٍ يُعتقد أنها مُنهوبة من منازل عناصر النظام السابق واتباعه، في مناطق ريف دمشق الجنوبي. وقال مفضّلاً عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية: “أعمل منذ أشهر على نقل غرف نوم، وصالونات، وأدوات صحية، وحتى أنظمة طاقة شمسية، من أحياء مثل السيدة زينب ومساكن نجها والحجيرة والديماس، إلى منازل المشترين”، مضيفاً: “أنا والزبون ندرك أن هذه القطع من مساكن مهجورة أو مُستولى عليها، لكن السعر الزهيد يُغري المشترين”.

وتابع: “أهالي المنطقة يعرفون أن آلاف المنازل نُهبت، ويُشترون أثاثها علناً في أسواق دمشق الشعبية أو عبر مستودعات السيدة زينب”. وتقدِّر تقارير غير رسمية لوسائل إعلام ومنظمات، واستناداً إلى شهادات سكان محليين، أن أكثر من 50 ألف منزل في ريف دمشق الجنوبي تعرَّضت للنهب، ما وفَّر تدفقاً مستمراً من البضائع إلى الأسواق العشوائية، وتُعتبر مناطق مثل سوق السيدة زينب والحجيرة مراكزَ رئيسيةً لهذه التجارة، إذ تُباع المقتنيات بأسعارٍ زهيدة مقارنةً بقيمتها الفعلية، ما يجذب شرائح واسعة من السكان الذين يعانون من تدهور القدرة الشرائية.

تنظيم حكومي ومقاومة من الباعة

في محاولة لاحتواء الفوضى، باشرت محافظة دمشق بتطبيق خطةٍ لتنظيم الأسواق الشعبية، شملت إزالة البسطات العشوائية في مناطق مكتظة مثل الصالحية وشارع بغداد، قبل أن تُصدر إنذارات أخيرة لأصحابها في البرامكة ومقابل وكالة سانا، مع بدء تنفيذ الإزالات بعد انتهاء المهلة المحددة، بالإضافة إلى تخصيص مواقع محدَّدة للبسطات في أحياء مثل كراج صيدنايا والسويقة ونهر عيشة، مع منح أولوية للفئات الأكثر تضرراً مثل أسر الشهداء وذوي الإعاقة.

إلّا أن هذه الخطوة واجهت رفضاً واسعاً من الباعة، الذين اعتبروا المواقع الجديدة “نائية وتفتقر إلى حركة الزبائن”، ما يهدد مصدر رزقهم الهش أساساً.

وأوضح موظف في محافظة دمشق لـ”العربي الجديد” أن الحملة تأتي “مراعاةً للوضع المعيشي الصعب”، مشيراً إلى تخصيص أكثر من 10 مواقع منظمة داخل أحياء شعبية مثل كراج صيدنايا والسويقة وحي الزهور ونهر عيشة والزبلطاني، بالإضافة إلى ساحة جامع الوسيم بمخيّم اليرموك.

وكشف أن 65% من المواقع خُصصت لذوي الشهداء ومصابي الحرب وذوي الاحتياجات الخاصة، بينما يُمنح الباقي للمتقدمين عبر “مركز خدمة المواطن” مقابل رسوم رمزية، وأكد أن المناطق الجديدة “محمية ومراقبة”، داعياً الباعة إلى “الالتزام بالضوابط حفاظاً على المصلحة العامة. فيما عبر محسن أبو شاهين، أحد باعة حي البرامكة، عن استيائه من القرارات الأخيرة، معتبراً أن نقل النشاط إلى مناطق بعيدة سيزيد من التكاليف على الباعة والمشترين.

وقال في حديث لـ”العربي الجديد”: “السلطة تحارب الفقراء بدل أن تدعمهم”، من جهتها، بررت السلطات المحلية إجراءاتها بالحاجة إلى “استعادة النظام العام وحماية الحقوق التجارية لأصحاب المحال النظامية، الذين شكوا من تراجع مبيعاتهم بسبب المنافسة غير العادلة من البسطات”. ورغم الادعاءات الرسمية بـ”المرونة”، يتساءل الباعة عن مدى شمولية الحلول لفئة كبيرة من غير القادرين على دفع الرسوم، وعن مصير من فشلوا في تأمين مواقع بديلة قبل الإزالات القسرية.

تداعيات اقتصادية واجتماعية

أدى انتشار الأسواق العشوائية إلى تحوُّلاتٍ اقتصادية بارزة، منها تراجع الإقبال على الأسواق النظامية، إذ قدَّمت البسطات سلعاً متنوعة بأسعارٍ أقل بفضل مصادرها غير الشرعية، كما ساهمت في تفاقم البطالة بين العاملين في القطاعات الرسمية، مثل الحرفيين وتجار التجزئة، الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن منافسة الأسعار الزهيدة للسلع المنهوبة.

فعلى الصعيد الاجتماعي، خلقت هذه الظاهرة حالةً من التناقض الأخلاقي، إذ يشتري السكان ممتلكاتٍ يعلمون أنها مسروقة، في حين يُجبر آخرون على بيع الممتلكات المنهوبة لتأمين لقمة العيش، سامر الأشقر (اسم مستعار) تاجر بسطة في سوق الصالحية وصف هذا الوضع في حديث لـ”العربي الجديد” بأنه “تبادل للأدوار بين الضحية والجلاد”، مشيراً إلى أن بعض من تعرَّضوا للنهب سابقاً أصبحوا اليوم مشاركين في شبكات البيع نفسها.

من نظام إلى آخر… نفس الأدوات

لا يمكن فصل ازدهار تجارة الممتلكات المنهوبة عن السياق السياسي الأوسع، فخلال السنوات الأولى من الحرب السورية، سمحت الفوضى الأمنية بانتشار عمليات النهب المنظم، غالباً تحت غطاءٍ من التواطؤ من فصائل مسلحة أو جهات نافذة أمنية وعسكرية.

وبحسب شهود عيان، فإنّ العديد من الممتلكات المنقولة إلى الأسواق اليوم تعود إلى منازل كان يقطنها مسؤولون أو عناصر أمنية في النظام السابق، التي استولت عليها لاحقاً جماعات موالية للسلطة الحالية، وتُظهر الوقائع أن هذه الممارسات لم تكن نتاجَ مرحلة انتقالية عابرة، بل تحولت جزءاً من البنية الاقتصادية الجديدة، إذ تُدار التجارة عبر شبكاتٍ تضم عناصر من النظام القديم والسلطة الجديدة، ما يُعمِّق الشعور بالظلم لدى السكان الذين يرون أن “الوجوه لم تتغير، بل الأدوار فحسب”.

فيما يقول عاهد العامر مهجر سوري سابق عاد مؤخراً إلى منزله المدمر في ريف دمشق لـ”العربي الجديد”: “عدنا بعد نزوح دام سنوات لنجد بيوتنا خراباً، فاضطررنا لاستئجار مساكن كان يسكنها عناصر النظام السابق، وشراء أثاث من منازل مهجرين أو هاربين جدد”، ووصف العامر الوضع بـ”المُحزن”، مضيفاً: “لقد تبادلنا الأدوار. نهرب من مكان إلى آخر، ونستولي على ممتلكات بعضنا مجاناً أو بأسعار زهيدة.

التاجر لم يتغير؛ لا تزال العقلية ذاتها، إن لم تكن الوجوه نفسها، تبيع حتى معاناة الناس وآلامهم”، كاشفاً عن مفارقة لاذعة: “المساكن الحكومية المخصّصة سابقاً لعناصر الأمن تُؤجر اليوم لنازحين بلا مأوى، بينما تُباع ممتلكات مهجرين في سوقٍ تشبه ما كان يحدث أيام النظام البائد”، مشيراً إلى ولادة “شبكات استغلال جديدة ورثت الفساد القديم، مستفيدةً من انهيار القانون”.

جوانب أخرى للأزمة

إلى جانب التداعيات الاقتصادية، خلَّفت الأسواق العشوائية أضراراً بيئية واجتماعية، منها تشويه المرافق العامة بسبب التعدي على الأرصفة، وازدحام الطرقات، وانتقال النزاعات بين الباعة وأصحاب المحال إلى الشوارع، كما أدى اختلاط السلع المشبوهة بالبضائع اليومية إلى تآكل الثقة بين المشترين والباعة، إذ لم يعد بالإمكان تمييز الأصل القانوني للسلع المعروضة.

وفي شهادةٍ لافتة، ذكر سامر الجفان، تاجرٌ في سوق الحميدية لـ”العربي الجديد”؛ أن الأصوات العالية للباعة والمناوشات اليومية حول مواقع البيع حوَّلت عملية التسوق إلى تجربةٍ مرهقة، خاصة للنساء والأطفال، ما دفع العديد من العائلات إلى تجنُّب هذه المناطق تماماً.

وتكشف أزمة البسطات وتجارة الممتلكات المنهوبة عن تعقيداتٍ تتجاوز الجانب الأمني، إذ تُشكل الحاجة الاقتصادية المُلحَّة وقوداً رئيسياً لاستمرار هذه الظاهرة، ففي ظلِّ تآكل قيمة الليرة السورية وارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات قياسية تجاوزت 60% حسب بعض التقديرات، تتحوَّل التجارة غير المنظمة ملاذاً للآلاف من العائلات التي تفتقر إلى بدائل عيشٍ كريمة.

ومن هنا، تبرز الحاجة إلى سياساتٍ لا تقتصر على الإجراءات العقابية، بل تشمل إعادة إحياء القطاعات الإنتاجية، وتأمين فرص عملٍ مستدامة، وإعادة توزيع عادل للموارد، فبدون معالجة الجذور الهيكلية للأزمة، ستستمر الدورة نفسها؛ نهبٌ لتعويض النهب، وفقرٌ يغذّي الفقر، وصراعٌ يدفع السوريين إلى تبادل أدوارهم؛ ضحايا وجلّادين في الوقت ذاته، حسب مراقبين.

العربي الجديد

——————————————–

هل يخلع السوريون “الأعداء” قميص التوحش؟/ عبير نصر

26 ابريل 2025

لم نكن بحاجةٍ لعرّافِين أو قارئِي الفنجان كي نتوقع مآل الشعب السوري المتعيّش أصلاً على طائفيةٍ عزّزت النزاعات وحيّدت المشتركات، والغاصّ بأجيالٍ لم تعرف إلاّ الخوف والإذلال، ولم ترَ شيئاً سوى صور الحاكم المقدّس وتماثيله، لذا لم تستطع أن تقلّل من تبعيتها لنظامٍ شكّل أقبح مستنقعات الاستبداد في الشرق الأوسط، وكلّ جيل يتساءل اليوم: من أنا حقيقة وإلى أين أنتمي؟ بالتالي، سياق السقوط المفاجئ لنظام الأسد سيُخرج، حكماً، أسوأ ما في السوريين، ويُفرز اضطراباً مفاهيمياً حول هويةٍ شبّت في مزرعةٍ وصفها الفرنسي ميشيل سورا بالدولة المتوحّشة، ودفع حياته ثمناً لهذا. هكذا غدت عصبية “التوحش الخاملة” شكلاً خالصاً من السلبية والانطواء لسوريين يعيشون عبودية قسرية تديرها سلسلة من السياسات الإكراهية أسهمت في إغراق المجتمع في أتون حربِ استنزافٍ ناعمة، فازدادت مؤشرات تفسخه الوطني وانقساماته الأفقية والعمودية. وضمن مربّعات أمنية محمية، تعاني من تداخلٍ غير قابل للفصل بين المليشوي والدولتي، كان ينمو عالمٌ سفلي من العنف المنظّم والعشوائي منه، لا يصلح لنمو إنسانية السوري، خزّنها على شكل مشاعر كراهية وريبة، وسلوكيات عدائية وإقصائية، سرعان ما تجلّت بأقبح مظاهرها اليوم ضد من تشارك معه السماء والأرض والماء، من تحريض وذبح ونهب وحرق وتنكيل…

هناك بالطبع أجوبة ميتافيزيقية كثيرة تتناول الكينونة السورية ومآلاتها الحاضرة، لكنها غير مقنعة، وسط تعقيداتٍ عزّزتها سياسة الأسد ومهدت الطريق لنمو انتماءات مشوّهة تسعى جميعها إلى التمايز والهيمنة عبر نهج إقصائي بقوالب نمطية وخلفيات أيديولوجية محدّدة. ظهرت هذه النزعات التي كانت موجودة في الظلّ إلى النور بعد عام 2011 عندما دقّت الحرب مسامير الشكّ في المفاهيم الوطنية الجامعة، وعملت على زعزعة الحالة الإيمانية بالآخر وتشويهه، فتغيّرت زاوية النظر إلى كلّ شيء بعد الانتقال الصاروخي من الظلمة الحالكة إلى النور المبهر وبشكل عبثي، خالقاً حالة أشبه بالعمى قادت إلى مستوياتٍ غير مسبوقة من التطرّف، لتتحقق قفزة نوعية وصلت إلى حدّ التوحش، وهكذا عرف السوريون أشكالاً من العنف السياسي لم يعرفوها أبداً.

لندخل صلب المأساة الراهنة دخولاً منطقياً تجنباً للالتباس، ونتفق أنه ومع أوّل تصدّع لنظام الأسد بداية الثورة السورية، تهشّم وجه المجتمع المتناغم ظاهرياً، جزءاً من حركة ارتداد أصولي نحو الهويات الضيقة التي تخاطب العواطف المكبوتة الغاضبة للسوريين، ومن ثم تبدّى الوحش داخل السوري جلياً بعد انهيار مملكة الرعب، فكان فرار بشّار الأسد بمنزلة زلزال مدمّر أحدث حالة من الإرباك، وفجوة قيمية وأخلاقية مروّعة، فصار القائد الرمز مجرّد حثالة شعاراتية، وتحوّل موالوه إلى أعداء يتوجب القصاص منهم، وهذا، ربما، يبرّر “انتقائية التعاطف” مع مجازر العلويين من محسوبين على “الأكثرية”، خاصة أنّ الكراهية استخدمها الأسد ضد الشعب لتفكيكه، مستثمراً في كلّ ما يفرّق قوى المجتمع ومكوّناته، فصارت كلّ طائفة تنظر بحذر إلى الطوائف الأخرى لتتعاظم مشاعر العداء والحقد بصمت، في وقتٍ جرى فيه تبادل الاستثمار في المظلوميات، المُعلن والمسكوت عنه. وفجأة، وجد السوريون أنفسهم في جبهات ملتهبة، يحملون هوياتٍ لم يختاروها، تحوّلت إلى جدران عازلة وشاهقة. في هذا، ترى حنّة أرندت أنّ إحداث العزلة بين الأفراد عبر قالب درامي متكامل الأركان يتكرّر في أولويات سياسات الأنظمة الشمولية، فتقول “إنّ العزلة بداية الإرهاب، وهي، بالتأكيد، الأرض الأكثر خصباً له”.

السؤال الجوهري الواجب طرحه هنا: هل كشف سقوط نظام الأسد عن الحيوان الذي ربّاه داخل كلّ سوري يعاني من عقدة “اللامنتمي”، والذي يزداد جبروتاً مع تصاعد خطاب التفرقة والكراهية، ليصبح التوحش قناة تفريغ مشروعة بذريعة تحميل حاضنة النظام مسؤولية كلّ الدمار الراهن؟ في المقابل، يُعيد مفهوم “التوحش” ضجيج أسئلة لا تنتهي كانت تُشعر الثائر السوري بالغربة والانسلاخ عن الآخرين “الصامتين”. لذا تزيد الحلول التي تستثني تذويب المكونات السورية جميعها في سبيكةٍ واحدة من صعوبة استرداد دور الحامل الوطني الداعم للاستقرار، وهو التحدّي الأبرز أمام الحكومة الجديدة، فما يحدث اليوم ليس إلاّ الوجه المخيف لسوريين “مقهورين” أجبروا على أن يكونوا جلادين على عكس طبيعتهم، عندما أمكنهم ذلك.

في السياق، يأخذنا تناول الوحشية الاستثنائية لنظام الأسد والتي تتجاوز حدود الفهم باتجاه كتاب “حيونة الإنسان” للسوري ممدوح عدوان، الذي أبحر في عواصف النفس البشرية بلغةٍ معبرة ومشهدية أدبية متقنة، وهي بمثابة مشاغباتٍ ذكيةٍ لزعزعة المياه الراكدة في مستنقع الأسد، ليُعيد سبب توحّش السوري إلى ما عاشته بلاده من استباحةٍ فظّة للإنسانية، صنعت بشراً ممتلئين بالنقص، تستشري فيهم الأخلاق المقموعة التي تتغذّى على القهر والخوف. تجعلنا هذه الرؤية السبّاقة للكاتب نتلمس حجم الخسائر السورية الهائلة التي أفرزت مخلوقاتٍ تعاني خللاً في بنيتيها العقلية والنفسية. وعليه، إعطاء الصلاحيات باستخدام القوة المفرطة بلا رادع يُثبط منطق بناء الدولة اليوم، فلا تكون ثمّة مسافة بين حالة الغضب المشروع والفعل العنيف حدّ البربرية. مسافة تجعل السوري غير قادر على اقتلاع الغول الغاضب في أعماقه وهو ينفض عن أكتافه التركة الثقيلة لنظام الأسد، سجون ومقابر جماعية ودمار وجوع وظلم.

في كتاب الصراع العربي الإسرائيلي في مرآة الأدب العربي، يكتب شموئيلي موريه: “في حالات الصراع بين شعبين، يحاول كلّ طرف أن يشوّه شخصية الطرف الآخر، وأن يحقق في سلبياته بواسطة عدسة مكبّرة، للتأكيد على اختلافه وغرابته وتسويغ علاقات الرفض والعداء له”. وعلى خلفية الاستقطاب الطائفي الحادّ حالياً، يجب التساؤل ثانية: هل تحوّل أبناء الشعب السوري إلى أقوام غريبة تعادي بعضها بعضاً، بينما لا تعي أنّ عنفها هو مرآة الخوف المرتبط بمحدّدات قطعية ترفض عودة عهد الأسد البائد وميراث حقبته الفاشية؟ فلا شك أنّ غموضاً مفاهيمياً مزمناً وموجعاً عن معنى الانتماء إلى مزرعةٍ مسكونةٍ بدناوة الضباع طارد السوريين عقوداً. غموض كلما حاولوا الإجابة نه تجدّدت لرؤيويته ميادين جديدة تضليلية غامضة، تشوّش على مفهوم الوطن والمواطنة، ما يقودنا مجدّداً إلى كتاب عدوان الذي يستعرض الآلية التي تحوّل السوري إلى وحشٍ يتغوّل بالقدر الذي يتغذّى على ما مات داخله. موتٌ هو التجلّي الأخير لعدم الإيمان بالعدالة الكونية، بعد اليقين بأنّ الله تخلّى عنه، بالتالي لمَ لا يتخلّى عنه بدوره.

تأسيساً على ما سبق، الامتحان السوري ثقيلٌ، والأزمة معقدة يقود الصراعُ الطائفي فيها دفّة العنف الذي وضع حجر الزاوية لكلّ الأحداث الدامية في “سورية الأسد” سابقاً، ومن الأمثلة الصارخة والطازجة مجزرة حماة (1982)، التي أدّت إلى شروخٍ عميقة بين السوريين انتعشت حالياً وبشكل بديهي، لتأتي مجازر الساحل السوري في الشهر الماضي (مارس/ آذار)، ربما، محاكاة لها.

وكي لا ينحرف ما تقدّم الى سفسطةٍ لا جدوى منها سوى الخوض في وخم “التشبيح” المجاني، تؤكّد لنا الأحداث الراهنة معنى الدولة المتوحشة التي تحدّث عنها ميشيل سورا: إنها وهم العيش المشترك الذي كان تحكماً فجاً ومسخراً لتسويق شرعية نظام الأسد ومشروعه، دفع السوريون ثمنه غالياً بتحويلهم إلى كائناتٍ مشوهة، إنْ لم تخلع عنها قميص التوحش اليوم، فستبقى الطائفية المستثمرة سياسياً والمحصّنة بمباركةٍ دينية أخطرَ ما يهدّد المجتمع السوري على الإطلاق.

العربي الجديد

—————————————–

هل ما زالت سوريا في حاجة لبرلمان وإعلام حر؟/ د. فيصل القاسم

ليس هناك أدنى شك أن العالم تغير اليوم بشكل مذهل لم يسبق له مثيل منذ قرون، وخاصة على الصعيد الإعلامي، فقد حصلت تطورات على مدى العقود القليلة الماضية أكثر مما حصل على مدى قرون مع ثورة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والتطور الخارق لوسائل الاتصال.

وتشير الإحصائيات إلى أن حجم المواد التي نشرتها البشرية خلال الثلاثين سنة الماضية قد توازي ما تم نشره على مدى قرون، وذلك بفضل ظهور الشبكة العنكبوتية التي وفرت لسكان المعمورة فرصة للنشر والتعبير لم يشهدها العالم منذ نشوئه. وقد تحول مليارات البشر بفضل ذلك البركان الإعلامي المدهش إلى ناشرين بعد أن كان مجرد نشر سطر واحد في قسم ردود القراء بأي صحيفة أشبه بحلم بعيد المنال بالنسبة لمليارات البشر.

ويُعد هذا التطور التاريخي في مجال الإعلام نقطة تحول عظمى، لا بل بات يلعب دوراً محورياً في إعادة رسم خارطة الأنظمة السياسية ذاتها، فحتى النظام الديمقراطي نفسه الذي تُعتبر فيه سلطة الإعلام سلطة رابعة أكثر نفوذاً ربما من السلطات الثلاث المعروفة، بات يخضع اليوم لتحولات مذهلة بعد ظهور ما يسمى بظاهرة السماوات المفتوحة، أو العولمة الإعلامية التي جعلت من مصطلح عالم الاجتماع الكندي مارشال ماكلوهان المعروف بـ«القرية الكونية» حقيقة لا لبس فيها. وإذا كانت الفتوحات الإعلامية الخارقة على مدى العقود القليلة الماضية قد باتت تفرض على النظام الديمقراطي نفسه إعادة النظر في تركيبته ومنظومته، فلا شك أنها في الآن ذاته أصبحت تشكل كابوساً غير مسبوق تاريخياً لكل الأنظمة الديكتاتورية الشمولية في العالم.

إن أكثر ما تفتقده الأنظمة العربية والعالم ثالثية غير المنتخبة مثلاً هو افتقادها للبرلمانات المستقلة والصحافة الحرة التي تشكل العمود الفقري للنظام الديمقراطي، مما يجعل الشعوب غير قادرة على التعبير عن مظالمها ومطالبها من الأنظمة الحاكمة، فكما هو معروف فإن ما يسمى بمجالس الشعب في بعض البلدان العربية لها علاقة بالشعب كما لي علاقة بالانشطار النووي، فأعضاؤها في أغلب الأحيان ليسوا منتخبين من الشعب، بل من أجهزة الأمن، وحتى لو شاركت الشعوب في انتخاب ممثليها المزعومين ليمثلوها في البرلمانات والمجالس المزعومة، فيبقى «الأعضاء» مجرد أدوات في أيدي الأنظمة الحاكمة، ولا يتجرؤون أصلاً على الدفاع عن الشعوب أمام السلطة التنفيذية أو النظام بشكل عام، كما كان الوضع في سوريا على مدى حوالي ستة عقود من حكم البعث البائد، وبالتالي فإن الشعب السوري وغيره من الشعوب العربية لم يكن له ممثلون حقيقيون في البرلمانات أو في وسائل الإعلام المؤممة والمسخّرة كلياً للتعبير عن وجهة نظر الحكومات والأنظمة حصراً، لكن الزمن الأول تحول اليوم عالمياً، ولم تعد الشعوب تحتاج إلى برلمانات وصحافة حرة كي تعبر عن آرائها ومطالبها للضغط على الأنظمة والحكومات، فهي باتت تمتلك الآن ما هو أقوى من مجالس الشعب والبرلمانات بكثير، كما بات كل فرد قادراً على أن يكون له صفحته أو جريدته الإلكترونية الخاصة التي يستطيع أن يوصل من خلالها كل احتجاجاته ضد النظام الحاكم. ولو نظرنا اليوم إلى حجم التأثير الهائل الذي صار يمتلكه الرأي العام السوري مثلاً لوجدنا أن الشعب أصبح من خلال منابره الخاصة قادراً على ممارسة دور رقابي كبير وفعال.

وقد باتت السطلة الجديدة في سوريا تتعامل مع الرأي العام السوري عبر وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة مختلفة تماماً، فهي لا تصم أذنيها عن المطالب والشكاوى الشعبية، بل تتفاعل معها إيجابياً بسرعة قياسية مقارنة بالسلطة البائدة. ولا شك أن الوضع الجديد في سوريا لم يعد يسمح بأي حال من الأحوال بتكرار الأساليب السلطوية القديمة، فنحن اليوم في عالم جديد على الصعيدين السياسي والإعلامي كما أسلفت، ولم يعد من الممكن أبداً تجاهل الرأي العام الذي يمتطي صهوة مواقع التواصل ليصبح حاكماً بأمره. كلنا لاحظ أن الحكومة السورية تتحرك فوراً بعد أي حملة شعبية إعلامية على الأثير الإلكتروني لتصحيح الأخطاء أو للاستجابة إلى المطالب الشعبية في هذا المنحى أو ذاك. لأول مرة مثلاً نجد الوزراء يردون على تساؤلات الشعب في مواقع التواصل، أو يقدمون الاعتذارات السريعة عن هذه الهفوة أو تلك أو هذا الخطأ أو ذاك، لا بل إن القصر الجمهوري نفسه بات يصدر التوضيحات العاجلة بشأن هذه القضية أو تلك بعد تداولها بشكل مكثف من قبل السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي. وهذا تطور تاريخي على الساحة السياسية السورية، فقد أصبحت الأصوات الشعبية الحرة تمارس دور البرلمان وأكثر. ولم يعد بمقدور أي حكومة لا في سوريا ولا في غيرها أن تضرب عرض الحائط باحتجاجات وشكاوى الشعوب الإلكترونية، ولا أحد يقول لي إن بعض الحكومات العربية كالنظام التونسي أو غيره مثلاً مازال يتصرف مع الشعب بنفس العقلية الديكتاتورية السابقة، ولا يهمه الرأي العام. نعم مازال قيس سعيد يتصرف بنفس أسلوب النظام الساقط الذي كان يقوده بن علي، لكن إلى حين، وبالتأكيد فإن الثورات التونسية أو غيرها القادمة لن تكون على طريقة البوعزيزي أو الاحتجاجات الشعبية المطلبية اللطيفة، والأيام بيننا، لهذا فلا يظنن أحد في العالم العربي أنه قادر على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. لا أبداً، بل الحكيم هو من يفهم العصر وتطوراته السياسية والإعلامية جيداً، ويعمل بحكمة بمقتضاها، فلم تعد الشعوب تحتاج أصلاً إلى منابر سياسية وإعلامية رسمية طالما باتت هي تمثل نفسها بنفسها ولا تحتاج لمن يمثلها في البرلمانات أو يفسح لها المجال كي تعبر عن نفسها في الإعلام الوطني. لقد باتت تملك الفضاء المفتوح بعد أن رمت الإعلام الرسمي البائد ومجالس الشعب الهزلية في مزابل التاريخ.

كاتب واعلامي سوري

القدس العربي

———————————–

الإمارات توقف عصام بويضاني بملف رزان زيتونة وزملائها

السبت 2025/04/26

أوقفت السلطات الإماراتية القيادي في الجيش السوري عصام بويضاني، في مطار دبي، أثناء محاولته مغادرة البلاد، بحسب ما أكد مصدر مطلع لـ”المدن”.

وأوضح المصدر أن “بويضاني تم تأخير سفره في المطار”، لافتاً إلى أن “الحكومة السورية تتابع القضية بشكل رسمي”، مع ترجيحات بإمكانية الإفراج عنه خلال مدة وجيزة.

ارتباط بانتهاكات سابقة

وكشفت مصادر خاصة لـ”المدن”، أن توقيف بويضاني قد يكون مرتبطاً بملف اختفاء الحقوقية رزان زيتونة وزملائها الثلاثة في مدينة دوما نهاية عام 2013، وهي القضية التي يُحاكم على خلفيتها القيادي السابق في “جيش الإسلام” مجدي نعمة، المعروف بلقب “إسلام علوش”، أمام محكمة الجنايات في باريس، بتهم تشمل التواطؤ في ارتكاب جرائم حرب واختفاء قسري.

وكانت تقارير إعلامية قد رجحت أن الاعتقال تم بموجب مذكرة سابقة قدمها نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد إلى الإنتربول الدولي. غير أن مصادر قانونية استبعدت هذا الاحتمال، مشيرة إلى أن انفتاح نظام الأسد على اللجنة التنفيذية في الأمانة العامة للإنتربول عام 2021، لم يمنحه صلاحية إصدار مذكرات توقيف دولية، نظراً لتورطه في جرائم موثقة دولياً، ووجود مذكرات اعتقال دولية بحق بشار الأسد وعدد من كبار مسؤولي النظام.

من جانبه، اعتبر مدير المكتب الإعلامي في “جيش الإسلام”، حمزة بيرقدار، في تغريدة عبر منصة “إكس”، أن “احتجاز قائد ثوري وقيادي في الحكومة السورية الجديدة مثل الشيخ عصام بويضاني، في مطار دبي، تصرف غير مسؤول ولا مبرر له”، مضيفاً أن بويضاني “ذهب زائراً فلم يُعامل معاملة الضيف”، وفق وصفه.

محاكمة في باريس

وتعود قضية اعتقال مجدي نعمة في مدينة مرسيليا الفرنسية، إلى مطلع العام 2020، بناءً على شكاوى قدمتها منظمات حقوقية دولية، تتهمه بالمشاركة في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال فترة عمله متحدثاً باسم “جيش الإسلام”.

وتضمنت لائحة الاتهام الموجهة إليه التواطؤ في اختفاء الناشطة الحقوقية رزان زيتونة وزملائها، وتجنيد الأطفال، واستخدام أساليب تعذيب ممنهجة داخل مراكز احتجاز تابعة للفصيل.

ورغم إسقاط بعض التهم بحقه مؤخراً، إلا أن القضاء الفرنسي أبقى على محاكمته بتهم تتعلق بالمشاركة في جرائم حرب والانتماء إلى جماعة أنشئت لارتكاب جرائم جسيمة، ومن المقرر أن تبدأ محاكمته في باريس بين 28 نيسان/أبريل و23 أيار/مايو 2025.

تساؤلات حول المعايير

يأتي توقيف القيادي عصام بويضاني في مطار دبي بعد أيام من الإفراج عن المواطن السوري مهند المصري، الذي ظهر إلى جانب الرئيس السوري أحمد الشرع خلال رحلة العودة من الإمارات.

وأوقفت السلطات الإماراتية المصري بتهم تتعلق بغسل أموال لصالح جماعة “جبهة النصرة”، ما أدى إلى مصادرة ممتلكاته وسجنه لمدة ست سنوات، قبل أن يتم إطلاق سراحه بوساطة مباشرة من وزير الخارجية السوري، ضمن ترتيبات سياسية جديدة بين دمشق وأبوظبي.

سجل قيادي بارز

ويُعد عصام بويضاني، الملقب بـ”أبو همام”، من أبرز القيادات العسكرية السورية خلال سنوات النزاع، إذ تولى قيادة “جيش الإسلام” بعد مقتل مؤسسه زهران علوش عام 2015، وقاد عدة معارك في الغوطة الشرقية، قبل سقوطها بيد قوات النظام.

ولد بويضاني عام 1975 في مدينة دوما، وتلقى تعليماً دينياً بالإضافة إلى دراسة إدارة الأعمال، قبل أن يتجه إلى العمل العسكري. وعقب سقوط النظام نهاية 2024، تسلم بويضاني منصباً ضمن وزارة الدفاع في الحكومة السورية الجديدة.

وكانت السلطات الأمنية التابعة لنظام الأسد قد أدرجت اسم بويضاني في مذكرتي اعتقال صدرتا عامي 2009 و2014 عن شعبة الأمن السياسي والإدارة العامة للمخابرات.

جيش الإسلام وهيئة تحرير الشام

تأسس “جيش الإسلام” عام 2013 كواحد من أكبر الفصائل المسلحة في الغوطة الشرقية، قبل أن يندمج لاحقاً في وزارة الدفاع التابعة للحكومة السورية الجديدة.

ورغم ذلك، ظلت علاقته متوترة مع “هيئة تحرير الشام” بقيادة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، نتيجة تباين في الرؤية السياسية والعسكرية، ولاسيما في إدارة المناطق المحيطة بدمشق. وقد ساهم تمركز قوات بويضاني في منطقة دوما، ذات الامتداد الاجتماعي والعسكري العميق، في إبراز هذه الخلافات على المستويين الميداني والإداري.

ويُتهم “جيش الإسلام” بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان خلال فترة سيطرته على الغوطة الشرقية بين عامي 2013 و2018، بما في ذلك الإخفاء القسري، والتعذيب المنهجي، وتجنيد الأطفال، وفرض أنظمة احتجاز خارج نطاق القانون.

وأشارت تقارير حقوقية دولية، بما فيها تقارير الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان والمركز السوري للإعلام وحرية التعبير، إلى مسؤولية الفصيل عن عمليات اعتقال تعسفي طالت ناشطين وصحافيين وحقوقيين، إضافة إلى استخدام مدنيين كدروع بشرية خلال بعض العمليات العسكرية.

المدن

———————————–

التنكيل بتيسير عثمان كاحتفال سوري جماعي/ عمر قدور

السبت 2025/04/26

مساء الأربعاء الفائت شاع خبر القبض على تيسير عثمان، أو تيسير محفوض برواية أخرى، وهو حسب ما صار متداولاً كان رئيس قسم الدراسات في سرية المداهمة التابعة لفرع المخابرات 215. اعتقال تيسير نال اهتماماً واسعاً على السوشيال ميديا والصحف، رغم أنه إلى ما قبل القبض عليه لم يكن شخصية معروفة من قبل السوريين، ولا يُعدّ بين كبار مجرمي عهد الأسد المطلوب القبض عليهم ومحاكمتهم.

أولاً، انتشرت صورة تيسير مقبوضاً عليه، وهناك يدان لشخصين لا تعريف بهما، تمسك كل يد بجزء من شعر رأسه على سبيل الإيلام والتنكيل، بينما يظهر وجهه مع كدمات قليلة وخفيفة نسبياً على خده الأيسر وجبينه من الجهة نفسها. ثم في الليلة ذاتها راج تسجيلان يظهر فيهما الإعلاميان هادي العبدالله وجميل الحسن، حيث يوثّق كلّ منها على حدة توقيف عثمان بوجود عناصر من الأمن العام، بينما يظهر الموقوف بكدمات إضافية وتورّمٍ، وليبنيَ البعض على صورته في التسجيلين صورةً معالَجة فنياً لوجه عثمان، مع المزيد من الكدمات وإضافة الحشرات القارصة فوق الوجه على سبيل التشفّي.

يُذكر أن تسجيل العبدالله نال خلال أقل من 48 ساعة ما يزيد عن مليون ونصف مشاهدة، وخلال المدة نفسها نال تسجيل جميل الحسن على قناته في يوتيوب قرابة 600 ألف مشاهدة، ونشرته صحيفة عربية كبيرة. على العموم يتقاطع تسجيل الحسن بالكثير من التفاصيل مع التسجيل الآخر، وتُظهر تفاصيل المكان ووجود العناصر فيه أنهما حدثا على التوالي.    

يستهل هادي العبدالله تسجيله بالقول أن العدالة الإلهية تتحقق، مشيراً إلى القبض على المجرم تيسير عثمان، مع إشارة بيده إلى المتهم الواقف خلفه بين عناصر الأمن العام. بعد شروحات خطابية عن جرائم المتهم يشير العبدالله إلى أنه كان قد اعتقل عناصرَ الأمن العام الموجودين في التسجيل، وأن العدالة تكفّلت بأن يعتقلوا من اعتقلهم من قبل. ثم يسأل واحداً منهم ليحكي كيف اعتقله المتهم ونكّل به وبأسرته، وكذلك يسأل عنصراً آخر يقول أن أباه عرض على عثمان رشوة كي لا يعتقله، وعند هذا التفصيل ينظر العبدالله ليسأل عثمان عن المبلغ الذي عرضه الأب، وعما إذا كان يتذكر عنصر الأمن العام. ثم يعود العبدالله إلى عنصر الأمن العام الأول ليسأله عمّا يشعر به، ويستبق إجابته بالقول أنه (أي الإعلامي) يشعر بأن معنى حقيقياً للعدالة الإلهية يتجسّد بكونهما من ضمن ضحايا الموقوف، وأن الآية انقلبت فأخذ المظلوم حقه بيده!

في الإجابة يقول عناصر الأمن العام إن فرصة القبض على عثمان تضاهي فرحة النصر قبل شهور، أو فرحة القبض على بشار الأسد (لو أتيح ذلك). ويعاود العبدالله التأكيد على أنه مع ضحايا المجرم، وعلى أن “الأخوة في الأمن العام أخذوا حقهم بأيديهم”! ثم يتوجّه إلى عنصر جالس، يبدو أنه أعلى مرتبة، ليقول أن القبض عليه تمّ بعد ثلاثة شهور من المراقبة، وأنه أبدى مقاومة، ثم قال لهم إنه يتمنى الموت بدل أن يقبضوا عليه، منوّهاً بإنقاذهم إياه من المدنيين الذين نكّلوا به. وبعد حديث عن الرشاوى التي كان يتقاضاها المتهم يسأله العبدالله عن المبلغ الإجمالي لها، وعندما يُنكر التهمة يسخر منه، وكأنّه مخوّل أصلاً باستجوابه.

الحسن يفتتح تسجيله باستثارة المشاعر الدينية مشيراً إلى أن المتهم أتى فيما مضى إلى شخص وسأله: أتعلم من أنا؟ وعندما نفى معرفته به قال له: أنا ربك. في نهاية التسجيل يدعو العنصر الذي تحدث عن الرشوة في تسجيل العبدالله إلى التحدث، فيتوجه العنصر إلى المتهم مذكّراً إياه بما فعله به وبأهله، ليثني في النهاية على العدالة الإلهية. لا تُسمع في التسجيل مخاطبة المتهم بـ”يسعد هالمسا”، لكن الحسن يشير إليها مستغرباً تسامح العنصر الذي قالها، فيرد الأخير بأن الناس الذين في الخارج لم يقصّروا به، ثم يتبادلان الضحك.

لقد احتوى التسجيلان على العديد من العناصر التي تطعن في مهنية القائمين عليه، وفي حصول المقبوض عليه على الحماية القانونية بموجب المواثيق الدولية التي أعلنت الحكومة الحالية التزامها بها. ومن نافل القول إن الحسن والعبدالله لم يذهبا من تلقاء نفسيهما إلى مقر الأمن العام، بل استُدعيا إلى المسرح المعدّ للعرض الذي قدّمه كلّ منهما على التوالي، بما في ذلك التفاصيل التي تتضمن التشفّي بالمتهم، أو التعامل معه بما يتعدّى الأصول المهنية من قبل الإعلاميين.

الخطير هو في تقديم تجاوز مهني من قبيل تسليم المتهم لعناصر لديهم معه ثأر شخصي أصلاً، بل تصويره بمثابة عدالة إلهية، وكأنّ الأمر يتعلق بسيناريو مشوّق لفيلم تقليدي لا برسالة عن العدالة، وضرورة تقديم أمثولة مغايرة لما كان عليه الحال أيام ارتكب المتهم الجرائم والانتهاكات المنسوبة إليه. الخطير هو التطبيع مع فكرة الإعلامي الذي يشارك في التنكيل البصري واللفظي بالمتهم، أو يوجّه له أسئلة ليست من لوازم عمله، وهو ما قد حدث من قبل رفقة الأمن العام أيضاً، ولم تبادر أية مؤسسة إعلامية أو نقابية إلى الاحتجاج على ما يسيء إلى شرف المهنة.

يُذكر أن سوريي الثورة استنكروا ممارسات لإعلاميين تستهين بالكرامة الإنسانية لمعتقلين أو شهداء أيام العهد البائد، بل إن معظم السوريين قبل الثورة كانوا يسخرون من مذيع يقدّم لقاءات مع مدانين بجرائم جنائية. تكرار هذه الممارسات ينتقص من استنكارها في الأمس القريب، ويرسّخ الاستهتار بالقانون، وحتى المحتفلين بذلك الآن سيتسرب إلى أذهانهم شعور بأن التغيير الذي كان يُطالَب به لم يحدث.

واستحضار فكرة العدالة الإلهية، مع التركيز عليها كما ورد في التسجيلين، هذا الاستحضار يحيل مباشرة إلى فكرة الثأر، أكثر بكثير مما يحيل إلى رحابة فكرة العدالة الإلهية لدى عموم المؤمنين. فقد كانت العدالة الإلهية دائماً بمثابة سلوى للضعفاء الذين ينتظرون من الله أن يقتص ممّن أجرم في حقهم، ولم ينظروا إطلاقاً إلى القصاص على أنه من نوع الفعل، وميّزوا جيداً بين العدالة الإلهية والثأر، حيث في الثاني منهما تقتص الضحية لنفسها فلا تنتظر الأولى.

مع مشهد الكدمات التي تفضح ما تعرّض له المُتّهم، تُسرد من قبل الحاضرين في التسجيلين التهمُ الموجّهة إليه، ويُسهَب في شرح توحّشه. هكذا، من دون قولها صراحة، يُبرَّر التنكيل الحالي بالإجرام السابق، بل يبدو عقوبة مخفَّفة لما يستحقه، فضلاً عن الإشارة إلى الجمهور الهائج المتعطّش إلى المزيد. وسواء كانت هذه المقاربة عن جهل أو عن خبث فهي تذهب إلى التطبيع مع العنف والتوحّش، بل تصوّرهما نوعاً من إحقاق العدالة، وترسّخ فكرة أن ما فعله الأسد وشبيحته أشد توحّشاً من أن يتم الاكتفاء بالعدالة التقليدية أو الانتقالية، بسبلهما القانونية المعهودة.

الخطير جداً أن النظر إلى وحشية هؤلاء، وما يستحقونه وفقها، يحجب عن الأبصار ما يستحقه عموم السوريين، وفي مقدمهم أولياء الضحايا من حيث أن ردّ الاعتبار لكراماتهم الإنسانية لا يكون بهدر الكرامة الإنسانية مرة جديدة. الأمر هنا يتعلق أولاً وأخيراً بكسر تلك الحلقة المرعبة من امتهان كرامة السوريين، ومن المؤسف أن يروّج كثر للمطالبة بالالتزام بالمعايير القانونية الدولية بوصفها نخبويةً، ما يقوّض تالياً أحقيتها في العموم، ويستحضر هؤلاء قسوة معاناة الضحايا للنطق باسمهم.

هناك جمهور سوري واسع متعطّش حقاً للعدالة، ومن المهين له قبل أي اعتبار آخر تصويره متعطّشاً للثأر والتنكيل بالمجرمين. أما الأذى المستدام الذي يحدث بترويج تسجيلات وصور المنكَّل بهم فهو التطبيع مع العنف، مروراً بالتطبيع مع فكرة الثأر، ومما يلفت الانتباه أن توزَّع قبل يومين أيضاً صورة شديدة القسوة للعميد الطيار الذي قُتل حمص، والمتهم خصوصاً بإلقاء البراميل المتفجرة على المناطق الثائرة ضد الأسد. القول إن هذه الصور تشفي غليل الضحايا، وترويجها، هما تعويض عن عدم إحقاق العدالة، لكنه الثمن الذي يدفعه الضحايا مرة ثانية إذ تألف أجيال جديدة مشاهد العنف، وتكون قلة منهم فقط مستعدة لممارسته على الكثرة التي تشبّعت بالاستكانة له.

المدن

————————

هل تبقى للشعّار أي صلاحيات في وزارة الاقتصاد والصناعة؟/ محمد الشيخ

السبت 2025/04/26

مرة جديدة، توضع وزارة “الاقتصاد والصناعة” السورية، على مشرحة النقاش والجدل الحاديّن بالتناقض، حول الصلاحيات التنفيذية الحقيقية لوزيرها نضال الشعار، بعد قراره بتشكيل 3 إدارات عامة، لتحل محل الوزارات المدمجة بوزارته، برئاسة 3 نواب يتبعون للوزير.

وينص قرار الوزير على تشكيل 3 إدارات عامة ضمن وزارته المستحدثة، هي الإدارة العامة للتجارة الداخلية وحماية المستهلك، والإدارة العامة للاقتصاد، والإدارة العامة للصناعة، بحيث تتولى الإدارات المهام والصلاحيات التي كانت منوطة بالوزارات الثلاث، والتي تحمل الاسم نفسه.

الشعار منقوص الصلاحيات؟

تضم وزارة الاقتصاد والصناعة المستحدثة، ثلاث وزارات هي وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، التجارة الداخلية وحماية المستهلك ووزارة الصناعة. وكان لكل من هذه الوزارات الثلاث، وزير بحقيبة مستقلة في عهد نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، لكن الشرع أعلن دمجها خلال الإعلان عن الحكومة الانتقالية الأولى نهاية آذار/مارس الماضي.

واللافت في قرار الوزير، هو أن هذه الإدارات تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المادي والإداري، ويرأس كل إدارة رئيس بمنصب نائب وزير “الاقتصاد والصناعة”، وهو السبب الجوهري وراء تجدد الجدل والتساؤل عن صلاحيات الشعار، ما دام النواب يتمتعون بكل تلك الاستقلالية.

فُتح النقاش المتضاد للمرة الأولى عن صلاحيات الوزير الشعار، بعد أن ظهر إلى جانبه وزير الاقتصاد باسل عبد الحنان، ووزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك ماهر خليل الحسن، في حكومة تسيير الأعمال السابقة، حيث تبين أن عبد الحنان يشغل منصب جديد هو نائب الشعار، بينما من المتوقع أن يشغل الحسن مدير عام إدارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وبالتالي منح وزيرين سابقين على الأقل، صلاحيات تنفيذية واسعة، على حساب تقليص صلاحيات الشعار، المصنف كوزير تكنوقراط، ومعوّل عليه في هذه المرحلة الحساسة للبلاد.

ويرى الخبير الاقتصادي يحيى السيد عمر، أنه في حال منح استقلالية تامة لهذه الإدارات، فإن ذلك سيقلص من صلاحيات الشعّار، ما يعني “إضعاف التخطيط الاستراتيجي وبالتالي التأثير سلباً على أداء الوزارة بشكل عام”، لكنه يوضح في حديث لـ”المدن”، أنه إذا كانت تابعة تنظيمياً للوزير، ستختفي هذه السلبية، “وهذا ما سيتضح في الفترة المقبلة”، وفق قوله.

فيما يقول رجل الأعمال السوري فيصل العطري، صاحب الخبرة الواسعة في الاقتصاد السوري، إن السيرة الذاتية للشعار، توضح أنه “ليس من النوع الذي يقبل بلعب دور رمزي أو شكلي، والقبول بمنصب منقوص الصلاحيات، خصوصاً في مرحلة حساسة كهذه”، معتبراً أن القرار “هو جزء من رؤية أوسع لتنظيم العمل وتحقيق فاعلية أكبر”.

ويضيف العطري لـ”المدن”، أن ما يميز هذه الخطوة “هو وضوحها في تحميل المسؤوليات، فالمدراء سيُحاسبون على تنفيذ الخطط، ولديهم ما يكفي من الصلاحيات لتطبيقها، مما يقلل من البيروقراطية ويفتح الباب أمام مرونة أكبر” في أداء الوزارات المدموجة، وهي التي كانت تعاني من تضارب بالجهود والمهام. ويرى أنه بات بالإمكان “رسم سياسة اقتصادية موحدة، شاملة ومتكاملة”، يشرف عليها الوزير، بينما يتولى المدراء الجدد تنفيذ هذه السياسات ضمن أطر واضحة وتفويض كامل.

دمج الوزارات

النقاش عن مدى حقيقة صلاحيات الشعار، هو جزء أوسع من نقاش بين مؤيد ومعارض، يتمحور حول جدوى دمج تلك الوزارات بوزارة واحد، لأن في ذلك تحميل الشعار عبء إدارة 3 وزارات اقتصادية ثقيلة ومهمة، عانت لعقود من الترهل والتخريب المتعمد من قبل نظام الأسد، بدلاً من توسيع صلاحياتها والإبقاء عليها مستقلة، نظراً لحاجة سويا الماسة إليها خلال هذه المرحلة. وهذا الحال، ينطبق على دمج وزاتي الكهرباء والنفط، بوزارة واحدة هي وزارة الطاقة.

ويؤيد السيد عمر قرار الدمج، ويصفه بـ”الإيجابي”، لأنه يرى فيه نوعاً من إعادة الهيكلة الوزارية، لاسيما أن الحكومة في عهد نظام الأسد كانت موسعة بشكل كبير، وتضم 35 حقيبة، ما شكل عبئاً مالياً وترهلاً إدارياً، لافتاً إلى أن بعض الوزارات لا يصلح أن تكون وزارة مستقلة، لا بد أن تكون مدمجة مع وزارة أخرى.

لكنه في الوقت نفسه، يوضح أن الدمج قد يؤثر سلباً على كفاءة العمل والتخطيط، لأن هذا الدمج حديث، أي لا يوجد وحدة عضوية بين إدارات الصناعة وإدارات الاقتصاد، ويصبح الدمج إداري وشكلي في هذه الحالة، ولا أثر له على أرض الواقع، بمعنى أنه من حيث التنفيذ ما زالت الصناعة مفصولة إجرائياً عن وزارة الاقتصاد. ولهذا السبب، يشير السيد عمر إلى أن استحداث إدارات جديدة، أمر هام.

من جانبه، كان العطري أكثر تفاؤلاً بقرار الدمج، لأنه يرى في الخطوة تصحيحاً للبوصلة الحكومية نحو الاتجاه الصحيح، وقد تفتح الباب أمام إدارة أكثر فعالية وتناسقاً، وتمنح الاقتصاد الوطني دفعة قوية نحو تحقيق إنجازات أكبر، حسب قوله.

المدن

—————————-

الشرع بين فوضى الداخل وحسابات موسكو/ مالك الحافظ

2025.04.26

في السياقات الانتقالية، لا يُبنى الحكم على منطق النجاة من الخطر، بل على القدرة على صياغة أفق سياسي جديد يتجاوز حالة الطوارئ. تُقاس شرعية السلطة المؤقتة، وفق منطق العلوم السياسية، ليس بمدى بقائها، بل بقدرتها على تحويل الوقتي إلى تأسيسي، والاستثنائي إلى دستوري، ومن هنا تصبح اللغة السياسية في هذه المراحل الحاسمة ليست فقط أداةً للتواصل، بل بوصلة لقياس الاتجاه الذي تتجه نحوه الدولة.

في هذا السياق، جاءت تصريحات الرئيس السوري أحمد الشرع في مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز” بتاريخ 23 نيسان الجاري، حين قال إن “أي فوضى في سوريا ستضر بالعالم أجمع، وليس دول الجوار فقط”. رغم ما تحمله العبارة من نبرة تحذيرية شائعة في الخطاب الدبلوماسي، إلا أنها تثير أسئلة جوهرية حول ما إذا كانت تمثل مدخلاً لتثبيت شرعية تقوم على تقديم البدائل، أم أنها إعادة تدوير لخطاب يُراهن على التهويل بدل التخطيط.

الخطورة لا تكمن فقط في مضمون هذه العبارة، بل في ما تفصح عنه بنيتها الرمزية؛ إذ يُعاد تفعيل منطق التهديد بالفوضى بوصفه حلاً ضمنياً، لا احتمالاً مرفوضاً. وهذا النمط من الخطاب، الذي يرتكز إلى التهويل من انهيار الدولة، يُقوض الأساس المفترض للسلطات الانتقالية، التي يُفترض بها تقديم “أفق تأسيسي” لا الانغماس في إنتاج خطاب يدور في حلقة مفرغة من التحذيرات.

يُظهر هذا النوع من الخطاب انتقالاً من السياسة كفعل مؤسسي إلى السياسة كفعل رمزي دفاعي، إذ تسعى السلطة الانتقالية إلى بناء شرعيتها من خلال تصوير استمرارها كحاجز ضد الانهيار، لا كأداة لبناء نظام جديد. في العلوم السياسية، يُطلق على هذا النمط “شرعية النجاة”، وهي شرعية قائمة على فكرة “أبقى لأني أَمنع الأسوأ”، لا “أبقى لأني أقدم الأفضل”. وهذا المنطق، في المدى البعيد، يعزز هشاشة السلطة بدل أن يُرسّخ ثقتها بنفسها أمام مجتمع متعطش لتغيير جوهري في نمط الحكم وأدواته.

ما يزيد الأمر تعقيداً أن الخطاب الانتقالي حتى الآن لم يرتكز على سردية واضحة للمأسسة، إذ تسعى السلطة إلى فرض حضورها من خلال التحذير من الفوضى، لا توجد إشارات عملية إلى هندسة مؤسسية جديدة تعيد تعريف العلاقة بين المواطن والدولة. المفارقة هنا أن الدولة يتم الحديث عنها كجدار أمني، في حين تغيب عن خطاب السلطة آليات العدالة الانتقالية، والرقابة، وتوزيع السلطات، وهي الأعمدة المفصلية لأي انتقال سياسي حقيقي.

غياب هذا البُعد المؤسسي يعيد إلى الواجهة سؤال “الوظيفة السياسية للسلطة” هل نحن أمام سلطة تعبر عن مشروع انتقال، أم أمام سلطة تقف على الأطلال من دون أن تملك خارطة بديلة؟ وإذا كانت الإجابة تميل إلى الخيار الثاني، فإن الشرعية المعلنة تصبح مشروطة بمشهد أمني أكثر منها نتاجاً لعقد سياسي جديد.

في هذا السياق، تزداد دلالة تصريحات الشرع في نفس المقابلة؛ حول عدم تلقي سوريا عروضاً لاستبدال السلاح الروسي، ووجود اتفاقيات طاقة وغذاء مع موسكو. هذه التصريحات، وإن كانت تُفهم ضمن سياق الضرورات الانتقالية، إلا أنها تكشف عن غياب أي محاولة جادة لإعادة هيكلة العلاقات الخارجية على قاعدة جديدة. ما يُثير القلق هنا ليس مجرد استمرار العلاقة مع موسكو، بل غياب أي خطاب يشير إلى “إعادة تعريف” هذه العلاقة وفق أولويات المرحلة الانتقالية.

في النظرية الواقعية للعلاقات الدولية، لا يُلام الفاعلون السياسيون على بناء شراكات مع قوى دولية مؤثرة، ولكن تُلام السلطة إن عجزت عن ضبط شروط هذه الشراكات أو لم تُبدِ رغبة في إعادة التفاوض حولها بما يتناسب مع مشروعها الوطني المُفترض. بمعنى آخر، ليس المطلوب قطع العلاقات، بل إعادة هندستها على قاعدة من المصالح المتبادلة لا الارتهان.

إن أحد الأركان المركزية في الخطاب الانتقالي الناجح هو “الصدق السياسي”، أي قدرة السلطة على مخاطبة جمهورها الداخلي أولاً، وليس المراهنة على الخارج وحده. التمسك بتحالفات استراتيجية من دون مراجعة سيعمّق الارتهان، ويجعل من الدولة نفسها موضوعاً للتفاوض لا فاعلاً فيه.

من هنا، فإن أي خطاب يفتقر إلى البنية المفاهيمية للانتقال – العدالة، الشفافية، الإصلاح المؤسسي، التمثيل – يظل مجرد محاولة لتثبيت واقع مؤقت، لا لتأسيس دولة قادرة على الصمود.

في نهاية المطاف، لا يُلام الشرع وحده على صعوبة الظرف، ولكن يُساءل عن طبيعة الخطاب الذي اختاره. فالشرعية لا تُبنى فقط على إدارة الخطر، بل على تصور شكل الدولة ما بعد الخطر.

تلفزيون سوريا

——————————-

 إعادة إعمار سوريا.. رؤية لمستقبل مستدام/ أحمد زكريا

2025.04.26

سوريا، التي شهدت أكثر من عقد من الصراع المدمر، تقف اليوم على مفترق طرق تاريخي. الحرب لم تترك فقط جروحًا إنسانية عميقة، بل دمرت بنية تحتية كاملة، من مستشفيات ومدارس إلى طرق ومصانع، وألحقت أضرارًا بالغة بالقطاع الزراعي والبيئة.

تقديرات كلفة إعادة الإعمار تتراوح بين 300 و800 مليار دولار، وفقًا لدراسات اقتصادية وتقارير الأمم المتحدة، مما يجعل هذا المشروع واحدًا من أكبر التحديات التنموية في العصر الحديث، ولكن وسط هذا الدمار الهائل، تبرز فرص استثنائية لإعادة تشكيل مستقبل سوريا، مستلهمة تجارب عالمية ناجحة وأفكار مبتكرة تحول الأنقاض إلى أراضٍ جديدة وأمل متجدد.

تجربة لبنان في إعادة إعمار واجهة بيروت البحرية تقدم نموذجًا ملهمًا، ففي أعقاب الحرب الأهلية اللبنانية، قاد الراحل رفيق الحريري مشروعًا طموحًا لردم البحر في منطقة “الكرنتينا” ومناطق أخرى، مضيفًا حوالي 1.1 مليون متر مربع من الأراضي الجديدة.

هذه الأراضي تحولت إلى مركز اقتصادي وسياحي مزدهر، حيث نبتت أبراج سكنية فاخرة ومشاريع تجارية كبرى جذبت استثمارات أجنبية ضخمة. النتيجة لم تقتصر على تحسين البنية التحتية، بل امتدت إلى تعزيز مكانة بيروت كوجهة عالمية، حيث أصبحت الأراضي المردومة من أغلى العقارات في المدينة، وهذا النموذج يكشف عن إمكانية استغلال الموارد المتاحة، حتى في أحلك الظروف، لخلق قيمة اقتصادية مستدامة.

اليابان، بعد الحرب العالمية الثانية، تقدم درسًا آخر في الصمود والابتكار. واجهت البلاد تحديًا هائلاً مع أطنان من الركام الناتج عن القصف، فاختارت حلاً غير تقليدي: استخدام هذه المخلفات لردم البحر، مما أضاف حوالي 0.5% إلى مساحة أراضيها.

هذه الأراضي الجديدة مهدت الطريق لتطوير موانئ ومدن حديثة، أسهمت في نهضة اقتصادية جعلت اليابان واحدة من أقوى اقتصادات العالم. هذا النهج يبرز قدرة الأمم على تحويل الأزمات إلى فرص، من خلال التفكير الإبداعي والتخطيط الاستراتيجي.

وفي سياق أقرب، اقترح المهندس المصري محمد حسن تطبيق نموذج مشابه في غزة، التي دمرها الاحتلال الإسرائيلي، إذ إن الفكرة تقوم على نقل الكتل الخرسانية الكبيرة إلى الشواطئ الضحلة، مثل الخلجان، لردم البحر، ثم إضافة الركام الناعم لتكوين أراضٍ جديدة، وهذه الأراضي يمكن أن تستضيف مشاريع تجارية وسياحية، مما يحل مشكلة تراكم الركام ويخلق فرصًا اقتصادية جديدة.

هذا الاقتراح يحمل إمكانيات كبيرة للتطبيق في سوريا، حيث يمكن أن يكون نموذجًا لإعادة إعمار المناطق المدمرة على نطاق واسع.

سوريا، التي خسرت حوالي 40% من بنيتها التحتية و70 مليار دولار من قطاعها الاقتصادي، بحاجة ماسة إلى مثل هذه الأفكار الجريئة.

إحدى الرؤى المقترحة هي إطلاق مناقصات دولية لشركات عالمية لاستخدام أنقاض المدن والقرى المدمرة في ردم أجزاء من الشاطئ السوري، مثل مناطق اللاذقية أو طرطوس.

الشركات المتعهدة ستستفيد من الأراضي الجديدة لبناء مشاريع تجارية وسياحية متطورة، مقابل إعادة إعمار المناطق المدمرة من دون أي كلفة على السكان المحليين.

وهذا النموذج يحقق أهدافًا متعددة: تنظيف المناطق المدمرة لتمهيد الطريق لمدن حديثة، خلق فرص اقتصادية من خلال الأراضي الجديدة، وتخفيف العبء المالي عن المواطنين الذين عانوا من ويلات الحرب.

لكن هذا المشروع لا يخلو من تحديات: أولها الكلفة اللوجستية لنقل الركام إلى المناطق الساحلية، والتي قد تبدو مرتفعة. لكن إزالة الركام أمر لا مفر منه لإعادة البناء، والاستفادة منه في ردم البحر تضيف قيمة اقتصادية تفوق التكاليف الأولية.

ثانيًا، يتطلب المشروع بيئة سياسية وأمنية مستقرة لجذب المستثمرين، وهو ما يعتمد على تسوية سياسية شاملة ورفع العقوبات الدولية المفروضة على سوريا.

ثالثًا، هناك مخاوف بيئية مرتبطة بردّم البحر، مثل التأثير على النظم البيئية البحرية، لكن دراسات جدوى دقيقة واختيار مواقع مناسبة، مثل الخلجان الضحلة ذات الأمواج المنخفضة، يمكن أن تقلل من هذه المخاطر.

إلى جانب مشاريع ردم البحر، يمكن لسوريا الاستثمار في قطاعها الزراعي لتحقيق انتعاش اقتصادي وبيئي. الحرب أدت إلى تدمير الغطاء النباتي، مع قطع ملايين الأشجار المثمرة والحراجية، مما أثر على البيئة وزاد من التصحر. مشروع طموح لزراعة ملياري شجرة نخيل وزيتون في البادية السورية ومناطق مثل إدلب وحمص وحلب، حيث الهطول المطري مرتفع، يمكن أن يكون حلاً مزدوجًا، في حين أن النخيل والزيتون يتحملان الجفاف ويوفران عائدات مالية طويلة الأمد، سواء من خلال الزيت أو التمور أو المنتجات المشتقة، وبالتالي هذه المشاريع ستعزز الأمن الغذائي وتسهم في تصدير المنتجات الزراعية، مما يرفد خزينة الدولة.

علاوة على ذلك، إنشاء أحزمة نباتية حراجية في المناطق الشرقية، مثل دير الزور والرقة، يمكن أن يحمي المدن من العواصف الغبارية، وهي مشكلة تفاقمت بسبب التصحر.

هذه الأحزمة ستثبت التربة وتحسن جودة الهواء، مما يعزز جودة الحياة. مثل هذه المشاريع ليست مجرد استثمار بيئي، بل اقتصادي واجتماعي أيضًا، حيث ستخلق ملايين فرص العمل، مما يقلل من البطالة ويدعم الاستقرار الاجتماعي في مرحلة ما بعد الحرب.

كما أن المناطق الشمالية الغربية، مثل إدلب وحمص، مؤهلة بشكل خاص لهذه المشاريع بفضل وفرة الأراضي العامة والهطول المطري الكافي.

من الناحية الاقتصادية، إعادة إعمار سوريا تتطلب نهجًا شاملاً يتجاوز إصلاح المباني. الاقتصاد السوري، الذي انهار بسبب الحرب وتدمير المؤسسات، بحاجة إلى مشاريع تحفز النمو وتجذب الاستثمارات.

إن تجربة بيروت تُظهر أن المشاريع الكبرى، مثل تطوير الواجهات البحرية، يمكن أن تكون محركًا للنمو. في سوريا، يمكن أن تصبح الأراضي المردومة مراكز للسياحة والتجارة، مستفيدة من موقع البلاد الاستراتيجي على البحر الأبيض المتوسط، لكن النجاح يعتمد على عوامل حاسمة: الاستقرار السياسي، وإصلاح القوانين لتسهيل الاستثمار، ورفع العقوبات التي تعيق تدفق رؤوس الأموال.

من منظور اجتماعي، إعادة الإعمار ليست مجرد بناء مدن، بل استعادة كرامة الشعب السوري، إذ إن توفير سكن جديد من دون كلفة على السكان، كما يقترح نموذج ردم البحر، يمكن أن يخفف من معاناة ملايين النازحين، كما أن توفير فرص العمل من خلال مشاريع زراعية وبنية تحتية سيعزز الشعور بالانتماء ويمنع الهجرة الجماعية، فالسوريون الذين تحملوا أهوال الحرب، يستحقون مستقبلاً يعكس صمودهم وطموحاتهم.

على المستوى الدولي، إعادة إعمار سوريا لن تكون مسؤولية محلية فقط، خاصة وأن الدول المانحة، المنظمات الدولية، والشركات العالمية ستلعب دورًا محوريًا. لكن يجب أن تكون هذه المساهمات مشروطة بالشفافية والمساءلة لضمان عدم تكرار أخطاء الماضي، مثل الفساد أو سوء تخصيص الموارد. التجارب السابقة، مثل إعادة إعمار العراق، تُظهر أن غياب التخطيط الشامل يمكن أن يؤدي إلى هدر المليارات من دون تحقيق نتائج ملموسة، فسوريا تحتاج إلى نموذج يجمع بين الكفاءة والعدالة، مع التركيز على احتياجات المجتمعات المحلية.

في النهاية، إعادة إعمار سوريا ليست مجرد مشروع هندسي أو اقتصادي، بل رحلة لاستعادة الهوية الوطنية. تجارب مثل بيروت واليابان تثبت أن الدمار يمكن أن يكون بداية للابتكار. من الأنقاض يمكن أن تنبثق مدن حديثة، ومن البحر أراضٍ جديدة، ومن الأرض زراعة مزدهرة، لكن الطريق طويل، وقد تستغرق العملية عقدًا أو أكثر، كما تشير التقديرات.

إعادة إعمار سوريا، كما استعرضت الرؤية، ليست مجرد عملية ترميم لما دمرته الحرب، بل فرصة لإعادة صياغة مستقبل البلاد على أسس مستدامة اقتصاديا وبيئيا واجتماعيا.

ومن خلال استلهام تجارب عالمية مثل بيروت واليابان، وتطبيق أفكار مبتكرة كاستخدام الركام لردم البحر أو إحياء القطاع الزراعي بزراعة ملايين الأشجار، يمكن لسوريا أن تحول تحدياتها إلى محركات للنمو.

هذه الرؤية، رغم طموحها، تتطلب استقرارًا سياسيًا، تعاونًا دوليًا، وتخطيطًا دقيقًا لضمان تحقيق العدالة والكفاءة.

وفي نهاية المطاف، إعادة بناء سوريا هي استثمار في شعبها وهويتها، ودعوة لخلق وطن يعكس صمود السوريين ويحقق طموحاتهم لمستقبل مزدهر.

التحديات هائلة، لكن الفرص أكبر إذا تم استغلالها بحكمة، خاصة وأن السوريين ينتظرون والعالم يراقب، وسوريا الجديدة تستحق رؤية جريئة تحول أحلامها إلى واقع.

تلفزيون سوريا

———————————–

هياكل بلا روح: كيف حول نظام الأسد قبائل سوريا إلى مجرد واجهات؟/ مهند الكاطع

2025.04.26

لا شك أن هناك آراء جدلية واسعة حول القبيلة والعشيرة وعلاقتهما بالدولة في العالم العربي، بين من يأخذ بجزء من نظرية ابن خلدون في أنهما عامل محرك في بناء الدولة، ويغفل الجانب الآخر من النظرية ذاتها التي يرى ابن خلدون من خلالها بأن هذه العصبية سرعان ما تتحول إلى عائق أمام بناء الدولة بعد استقرارها! لأن الحكم يتحول من “العصبية” إلى “الترف”، مما يؤدي إلى ضعف الدولة.

يرى علي الوردي أن النزعة القبلية والولاء لها لا يتماشيان مع متطلبات الدولة المدنية الحديثة، وبالتالي يرى تجاوزها ضرورة للتقدم! ويتوافق ذلك مع رؤية المفكر عبد الله العروي، الذي يرى أن الدولة الحديثة يجب أن تتجاوز البنى التقليدية، وتفرض نموذجاً عقلانياً يتجاوز الانتماءات الأولية.

الواقع أن مفهوم القبيلة والعشيرة يأخذ أبعاداً مختلفة في العالم العربي، تختلف من دولة لأخرى ومن منطقة لأخرى، وهناك عامل إضافي مهم هو عامل الزمن وتطور المعارف اللذان جعلا الدور الذي تلعبه القبيلة يختلف باختلاف الزمن.

في سوريا على سبيل المثال، كانت القبيلة حتى خمسينيات القرن الماضي تلعب الدور الأبرز في ظل ضعف أو غياب الدولة، كذلك كانت القبيلة تلعب دوراً اجتماعياً وسياسياً يمنع تغوّل الدولة في كثير من المواقف، ولا شك أن هذا الدور تراجع مع ضرب كثير من القيم التي كانت تميّز التجمعات القبلية خلال العقود الماضية والآليات التي اتّبعتها أجهزة الدولة خلال حقبة البعث بقيادة منظومة الأسد، والتي تحولت مع الزمن إلى مثابة قبيلة بنزعة عصبية مستأثرة بالسلطة لصالح العائلة والطائفة ومنظومة المستفيدين والمطبلين بالوقت نفسه للسلطة، حتى انتهى المطاف بها إلى الزوال بعد أن استنزفت كل شيء تقريباً في الدولة وكرامة ودماء الشعب، وبالتالي أخطر العصبيات التي يمكن تخيلها هي تلك التي تتبناها وتشرعنها وتمارسها السلطة وتجعلها بديلاً عن الدولة ومؤسساتها وتشريعاتها وكفاءات أفرادها.

لقد تم إفراغ القبيلة من محتواها بشكل كامل، وإبقاؤها هياكل دون أي دور وسلطة حقيقية على اتخاذ القرار، وهذا ما يفسر عدم قدرة شيخ القبيلة على لعب أي دور مجدداً خلال فترة غياب السلطة وضعفها بعد قيام الثورة

على الأسد مثلاً، على العكس تماماً، كانت هياكل القبيلة المتآكلة الأكثر نفاقاً للسلطة، والأكثر شراهة للعب أدوار “مغازلة للسلطة” وهي في قمة بطشها بالشعب، بغض النظر عن شكل السلطة وشرعيتها، محلية كانت أم غازية، كيان رسمي أم ميليشيا، وكل ذلك فقط في سبيل التقرب من سلطة الأمر الواقع وأخذ حظوة مصطنعة بدون أي اعتبارات لأي مواقف أو قيم إنسانية أو حتى قبلية جرى التغني بها لأجيال في المجالس أثناء الحديث عن مآثر وقيم ومروءة وشيم وبطولة الأجداد. لذلك ترى أن هذه الهياكل التقليدية التي تتخذ مواقفها بناء على انتهازية شخصية هي الأكثر قدرة على تبديل مواقفها رأساً على عقب بمجرد تغيير السلطة، فيبدأ على هذا النحو نفاقهم للسلطة الجديدة (عدوة السلطة القديمة)، والغريب أن قلوبهم تبقى لفترة طويلة من الزمن معلقة بالسلطة الدموية البائدة، ربما لعدم ثقتهم بأنها فعلاً باتت من الماضي.

لا شك أن هذه المواقف لا تنسحب على جميع أفراد مجتمع القبيلة، لأنه بالنهاية تطور الزمن والتعليم أتاح لشريحة واسعة من أبناء تلك البنى الاجتماعية الخروج من عباءة الأمراض التي أصابت تلك القيم والتماهي مع مفاهيم أكثر صدقاً متأثرة بالحراك الشعبي ومؤثرة فيه، ومتجاوزة كل المفاهيم القديمة التي كانت تقيدها بنزعة عشائرية وقبلية سلبية فرضت عليها نوعاً من العلاقة الأبوية “الوهمية” مع شخصية رمزية تُسمى (شيخ القبيلة) والذي من أجل ذلك يجب أن يحتل مكانة اجتماعية معينة، حتى لو كانت ممارساته ومواقفه متناقضة مع القيم الأخلاقية التي تغنت بها دواوين قبيلته!

تناقض أخلاقي صارخ يبدو أنه يتجه بشكل متسارع للتحرر من تلك المفاهيم البالية، والعصبية السلبية والفروقات العنصرية المتخيلة، والشباب المتعلم اليوم وبشكل خاص الذي أتيحت له الفرصة للعيش في مجتمعات جديدة داخل وخارج سوريا، هو الفئة الأكثر وعياً وقدرة على تجاوز أمراض العصبيات المدمرة.

لا يعني هذا بالطبع أن نغفل الجانب الإيجابي من مرونة المجتمعات القبلية في قدرتها على تعزيز الروابط الاجتماعية والاستقرار المجتمعي خاصة في ظروف عدم استقرار الدولة، لكن الآثار الجانبية المتمثلة بالعصبيات السلبية هي ما يجب التركيز على تجاوزها، واستبدالها بمعايير أكثر واقعية في العلاقات والولاءات، تعتمد فيها أهمية الفرد على ما يستطيع تقديمه لخدمة مجتمعه والمحيطين به، وعلى مجموعة القيم الأخلاقية التي يحملها الفرد وليس على اسمه وعرقه ودينه.

تلفزيون سوريا

—————————–

سلطة الميديا وأنظمة الحكم/ محمد برو

2025.04.26

منذ بدء الربيع العربي 2011 لعبت الميديا دورا هاما في تحريك وتحشيد الشارع. لكن إلى أي مدى يمكن للميديا بتطوراتها اليومية أن تكون عاملا داعما وباعثا للحراك الشعبي الذي يضغط على السلطة الحاكمة. وأي شكل من هذه الممارسات يجدي نفعا أو يخلق حالة عامة. لم يعد خافيا ما للميديا ومنصات التواصل والصحافة الإلكترونية من دور، في تشكيل الرأي العام على نحو عابر للحدود واللغات والثقافات، وذلك لسهولة الوصول والانتشار ومجانيته، وتوفره بشكل دائم عبر الأجهزة المحمولة التي لا تكاد تهدأ من نقرات أصابع مستخدميها. وقد برزت في السنوات الأخيرة كقوة ضاغطة على السلطات الحاكمة، بقدرتها على التحشيد العالي والسريع، وبفرض الشفافية على القرارات والتسويات والصفقات وحتى على السلوك الشخصي للمتصدرين لإدارة الشأن العام، ولم يعد بالإمكان الضغط على صحيفة أو صحفي أو قناة فضائية، بغية تهذيب الخبر أو إخفائه مراعاة لجهة عليا، فالأمر بات بأيدي الآلاف من المغردين وصانعي المحتوى، الذين يصعب حصرهم أو تطويعهم، ولم تعد المعلومة خبراً محضا يمكن دحضه بخبر معاكس، فالميديا تمتلك اليوم جيشاً من الأسلحة التي يصعب تجاهلها، فمقاطع الفيديو والصورة المجدولة رقميا والتي تنبئ المتحري بلحظة الالتقاط ومكانها جغرافيا، وهل هي صورة أصلية أم تم إنتاجها بالذكاء الصناعي أو تم العبث بمحتواها إلكترونيا.

بهذه الأدوات المتاحة لأصغر الفتيان بات من السهل معرفة معظم تحركات مسؤول ما وأي المطاعم والفنادق يرتاد ومع من يلتقي بشكل متكرر. ناهيك عن كاميرات الفنادق والشركات والمحال التي يمكن التسلل اليها واختراقها من قبل الهواة فما بالنا بالمتخصصين، وهذا يجعل الناس البسطاء يمتلكون أدوات الضغط والمساءلة، ويتعلمون فرض الرقابة اليومية على أداء الحكومة، وقد شاهدنا خلال أسابيع مضت كيف يمكن لجموع الناس متابعة أداء وزير أو سفير وتقييم كلماته وحركاته وحتى لباسه، ومحاسبته على جملة قالها هنا أو وليمة شارك فيها، كما يمكّن الجمهور من المشاركة في فعل التوثيق وتشكيل السرديات التي كانت لوقت قريب حكراً على السلطة الحاكمة أو أجهزة إعلامية متخصصة، ولم يعد بمقدور السلطات مراقبة هذا الفضاء الذي يتسع باضطراد، أو التحكم بعموم الناس وما ينشرون، وهذا ما يدفع المتصدرين للشأن العام لإصدار التوضيح والاعتذار أو التبرير إثر كل قضية تشغل الرأي العام.

تطغى على فضاءات الميديا أشكال متنوعة من الثرثرة الشخصية وكأنها حالة هرج في عرس شرقي. وتشتعل الشجارات والخلافات والهيجانات الشتائمية ويتبارى كل من هب ودب في التنظير والتسفيه وكيل الاتهامات واجتراح النظريات. ولا سبيل إلى وقف هذا السيل الهادر من الآراء التي تتدفق بسبب فضاء الحرية التي تتيحها الميديا وفي الحالة السورية خاصة حيث أصبح الشعور بالحرية عقب سقوط نظام القمع والاستبداد شعوراً طاغيا مملوء بالفرح الذي انتظره السوريون عقوداً.

لن تلغي هذه الأدوات البسيطة والسريعة الانتشار دور الصحافة المتخصصة، بل ستكون رافعة لها ودافعة لتحرير الأبحاث الرصينة والتفصيلية وإجراء التحقيقات المعمقة والمعززة بالشواهد حول أي حدث شغل الرأي العام، ومع انحسار الصحافة الورقية يظهر دور الصحافة الإلكترونية بشكل لا يقل أهمية عن نظيرتها الورقية مع وجود بعض الامتيازات كسهولة النقل ومجانية التوزيع والمشاركة في دقائق معدودة مع آلاف المواقع والمنصات والمجموعات والأفراد، واليوم بتوالي ظهور النماذج المبهرة من أدوات الذكاء الصناعي بات من المتاح أن تطلب منه جمع عشرات المقالات والأبحاث والأخبار والفيديوهات وتلخيصها وتحويلها إلى نص مكتوب أو مسموع.

تشترك الصحافة التقليدية وصحافة المواقع الإلكترونية والمنصات التي تتكاثر يوميا تكاثر الفطر في مشتركات عدة، أهمها نشر المعلومات بشكل عالي الكثافة والشمولية، لكن بالمقارنة تتقدم الصحافة الإلكترونية على الصحافة الورقية التقليدية بنقاط مهمة منها، سرعة الانتشار وعالميته ومجانيته، وقدرته على إنشاء مناخ تفاعلي بين صاحب الرأي ومتابعيه، وفي قدرتها في التأثير على السياسات وصانعيها، محاسبة السلطة وإشاعة الشفافية، صناعة الرأي العام وتشكيله والتشبيك اليسير بين أصحاب التيار الواحد وكذلك نجاتها الى حد كبير من مبضع الرقيب، لكن يعيبها فقدها للمصداقية في كثير من الأحيان كونها سهلة الإنتاج ويمكن لأي كان أن ينتحل صفة شخصية ويؤلف خبرا منحولا. لذا من المهم الاعتماد على منصات معروفة وموثوقة ومشهود لها بتاريخ من المصداقية وهذا يتبلور باستمرار واليوم يدخل الذكاء الصناعي كرقيب ومدقق في هذا الفضاء ويمكن باستخدام تقاناته المتفوقة الوصول إلى مصدر الخبر والتحقق من مدى صدقيته.

جملة القول أنه بدخول الميديا وأدواتها التي تتوسع كل ساعة في حياة واستخدام الشطر الأعظم من الناس، المتخصص منهم وغير المختص، فقد أصبحت هذه المنصات أداة فاعلة بيد جموع الجماهير، ولم يعد بإمكان السلطات السيطرة عليها أو تجاهلها، وبالتالي فهي أداة تحد من تغول السلطات ومن قدرتها على إخفاء تجاوزاتها، أو قمع معارضيها، وربما ستشكل فضاءات الميديا وأدواتها انعطافا حادا في إعادة السلطة إلى الشعب أو فرض التشاركية وإن بالحدود الدنيا، على السلطات التي أدمنت الاستبداد لعقود خلت.

تلفزيون سوريا

——————————

ازدواجية السلطة وبدايات السلطوية: حكم الشيشكلي ومسار الدستور السوري/ طالب الدغيم

2025.04.26

نشأ نتيجة الانقلاب الأول للعقيد أديب الشيشكلي في هيئة الأركان، على اللواء سامي الحناوي، نوع من ازدواجية السلطة بين الجمعية التأسيسية التي كانت تُناقش مواد الدستور، وبين القيادة العسكرية الجديدة.  وحَسم الشيشكلي هذه الازدواجية بانقلابه في أواخر عام1951، وبدأ يعمل على مأسسة نظامه دستورياً، فأصدر دستوراً استفتى عليه السوريين هو دستور 1953.  فعلى الرغم من أن الشيشكلي أعلن إثر انقلابه عن عدم تدخل الجيش في السياسية ، إلا أنه لم يمضِ وقتاً حتى أصدر قراراً  في حزيران/ يونيو 1952، ونص على:

1 ـ يتولى العَقيد فوزي سُلو السلطتين التشريعية والتنفيذية. 

2 ـ يُساعد الرئيس “سُلو” في ممارسة السلطة التنفيذية الأمناء العامون للإدارات الحكومية . 

فكان هذا المرسوم بمنزلةِ إعلانٍ صريحٍ من الشيشكلي عن تولي المجلس العسكري للجيش إدارة أمور البلاد.  وبعد ذلك، أرسل إلى الرئيس مُسودةَ دستورٍ ليَعرضها على الاستفتاء العام .  معلناً بأن الدستور الجديد مطروح للنقاش والنقد، وطالب الصحفيين بنشر ما يرد إليهم من “رسائل الناقدين” بشأن مواد الدستور . 

وأصدر الشيشكلي في تموز/ يوليو 1953 مجموعةً من القرارات التشريعية، لترتيب حيازة السلطة، وأهم تلك القرارات: إبطال العمل بقانون انتخابات الحكومة الأتاسية المؤقتة للعام 1949.  وشكل لجنة مختصة لوضع قانون انتخابي جديد بناء على دستوره.  وفيما بعد، قرر الشيشكلي عزل فوزي سلو عن منصب الرئاسة، وألغى دستور 1950 رسمياً، وأعلن في 10 تموز/يوليو الاستفتاء على دستوره الجديد، وعلى توليه رئاسة الجمهورية.  وبدأت ردود الفعل الأولى تصدر عن المثقفين والحقوقيين، إذ نشرت صحيفة” السوري الجديد “بياناً، وقعه خمسةً وعشرون محامياً استنكروا إجراء الاستفتاء، ووصفوه بأنه شكلٌ من أشكال”القيصرية”.

ومهما يكن، فقد نال الشيشكلي غالبية الأصوات في الاستفتاء، فأصبح رئيساً للجمهورية.  واعتبر أرسلان أن سبب نجاح الشيشكلي في الاستفتاء، ليست لكفاءة منه، أو بسبب شعبيته الواسعة، بل لأنه كان المرشح الوحيد للرئاسة حينذاك، مما جعله يتفرد بها.  وهو ما انعكس على مكانة وهيبة النظام النيابي في سورية في بدايات عقد الخمسينيات. ومع أن الشيشكلي أعلن عن تشكيل حكومةٍ من الخبراء الفنيين يسيرون الأعمال، بينما يتم انتخاب مجلس نيابي جديد، لكنه استمر بإصدار قوانين جديدة بناءً على المراسيم الرئاسية، والتي كانت تصدر باسمه بشكلٍ شبه يومي . 

وفيما بعد، أجريت الانتخابات النيابية، ففازت بها حركة التحرير العربي (التي يتزعمها الشيشكلي) بنحو ثلاثة وسبعين مقعداً من أصل اثنين وثمانين، وباقي المقاعد كانت لصالح الحزب القومي السوري، وبعض المستقلين . إلا أنه قُدمت طعون كثيرة على نتائج الانتخابات من قبل المرشحين الذين خسروها، أو الحزبيين الذين قاطعوها. وبعثوا رسالةً للجنة المشرفة عليها، احتجوا على أن نسبة المقترعين لم تتجاوز 8 % في حمص، و16% في دمشق، و16% في الأرياف.  ولكن، كان من الصعب تأكيد تلك الأرقام، باعتبار أغلبية الناخبين السوريين لم يخرجوا من بيوتهم، مُعتبرين تلك الانتخابات غير سليمة، وبالتالي ستكون نتائجها معروفة سلفاً . 

اشتمل دستور الشيشكلي الجديد على 106 مواد .  ونصت المبادئ العامة على أن سورية جمهورية “عربية ديمقراطية” و”ذات سيادة تامة” (م1).  وأصبحت الهوية العربية على أساسه هوية اجتماعية للسوريين “نحن الشعب السوري العربي” و”وحدة الأمة العربية وحريتها”.  وأعاد السردية التي نصت عليها الدساتير السورية والعربية بعد الاستقلال. فتلك الصيغة تمنح الشعب دستورياً المشاركة في حكم البلاد “حُكم الشعب بالشعب وللشعب(م2)”.  فهل أعطى دستور الشيشكلي المواطنين حق المشاركة السياسية والاجتماعية في الواقع؟ ولماذا وردت تلك المادة في دستور الشيشكلي؟

أدخل الشيشكلي في دستوره مواداً قانونيةً تفصيليةً، ولكنها اكتست طابعاً نظرياً، وتناقضاً “فاضحاً”. فمع أن الدستور كفل حقوق المساواة الاجتماعية والمواطنة العادلة “المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات “(م8)، وصان حرية الفرد السوري(م10)، وأعطى جميع المواطنين حق التعبير والتقرير والرأي(م13)، وتكون الصحافة والطباعة حرتين حرية تامة(م14). ومنح المواطنين حق الاجتماع والتظاهر بالطرق السلمية(م15)، وتأليف الأحزاب السياسية والانتساب لها على أسس ديمقراطية قانونية(م16).  فإن تلك المواد لم تتعدَ الورق الذي كتبت عليه.  وهو ما أثبتته وقائع المرحلة، فقد ألغى المجلس العسكري منذ تسلمه للسلطة الأحزاب السياسية، واعتقل قياداتها البارزة.  ومنع الطلاب وموظفي الدولة من التعبير عن آرائهم عبر التظاهر السلمي أو الإضرابات.  حتى أن دستوره فرض بألا يكون هناك ارتباط بين الأحزاب وأيّ هوية خارجية، وهو ما منحه حَقُّ إلغاء الأحزاب ذات الطابع الأيديولوجي “القومي والإسلامي والشيوعي”. وبهذا، منع تشكيل أيّ معارضة قويةٍ تلغي نفوذه أو تحد من صلاحياته اللامحدودة.   

إن أبرز ما جاء في دستور الشيشكلي، هو دعوته للحفاظ على الملكية الخاصة، وقرنها بحق العمل.  واعتبر العمل ورأس المال عناصر هامة للثروة القومية(م29)، وفرض ضرائب تصاعديةً حسب الأوضاع المادية لكل مواطن(م32)، ومنح حق التَملك للجميع(م34).  فهو بذلك حاول إرضاء البرجوازية الداعمة لحكمه من جهة، وتقديم إصلاحات جزئية نادت بها جميع القوى الشعبية والحزبية اليسارية، فيما يتعلق بمشكلات العمال والفلاحين والطبقات الفقيرة. كونها كانت ثقافة ذلك العصر وخبزه السياسي لدى جميع الحكومات المتعاقبة في الخمسينيات من جهة أخرى.

وإضافة لذلك، فقد حدد دستور الشيشكلي شكل نظام الحكم.  فالشعب يمارس سيادته عبر رئيس الجمهورية ونواب البرلمان(م40). ويتولى البرلمان السلطة التشريعية، بانتخابات شعبيةٍ عامةٍ وسريةٍ ومتساوية(م41). ويتولى رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية، وتسانده الحكومة في إدارة الأمور العامة، ويكون الوزراء مسؤولين أمامه لا أمام البرلمان كما في السابق (م97 و101). 

نجد أنه، وعلى الرغم من أن دستور الشيشكلي احتفظ بكثير من مبادئ دستور الجمعية لعام 1950، لكن الجديد الذي أضافه، هو قلب نظام الحكم من نظامٍ نيابي إلى نظام رئاسي. وذلك أظهر طموحاته في السيطرة، باعتباره كان الرجل الأقوى في سورية.  ليس ذلك فقط، بل كانت فلسفةَ دستوره مزيجاً متبايناً، فما ضمنه من مواد تتعلق بالقيم والثقافة الدستورية الليبرالية، من تعددية سياسية، وديمقراطية، وحريات عامة، واصلاح اقتصادي. وهدف منها تَجنُّب نقمة النخب السياسية والاجتماعية، ولا سيما فئة الشباب اليساريين الاشتراكيين، والذين أخذوا يتسللون إلى الميادين الاجتماعية السياسية والعسكرية. في حين احتشد ضده أنصار الحزب الشيوعي والإخوان المسلمين. وزادت نقمة الفئات الاجتماعية كالأكراد والدروز، الذين قابل تحركاتهم ضد حكمه، بكل صلابة وحزم . 

فالشيشكلي سعى من خلال إجراءاته الدستورية، للتفرد بالسلطة تحت غطاء قانوني شعبي.  وإرضاء عدد لا بأس به من الراغبين بالمشاركة بانتخابات عامة، حتى المرأة نالت في عهده حق الانتخاب والترشح معاً. فكانت جميع الانتخابات الرئاسية والتشريعية في عهده تمر عبر استفتاءات شعبية عامة. ولكن ذلك النهج التسلطي الذي سار عليه الشيشكلي، مجموعة من الحقوقيين والمثقفين تقف ضده، وترسل مذكرةً ناقدة له ولدستوره الجديد. وكما أكدوا أن دستور البلاد الديمقراطي يتم وضعه بطريقتين، وهما:

1 ــ أن يَنتخب الشعب جمعيةً تأسيسيةً تضع دستوراً جديداً للبلاد.

2 ــ تُكلف جمعية بوضع مشروع دستور يُطرح للاستفتاء الشعبي العام . 

كان دستور الشيشكلي في 1953 يمثل دستوراً انقلابياً، على سلطة المدنية البرجوازية القديمة.   وعبر عن إرادة فردية عسكرية تتحكم بالقرار داخل مؤسسات الدولة والجيش. ولكن من المنظار الحقوقي العام، شكل دستور الشيشكلي تجربة إصلاحية ليبرالية تحررية نسبية. فاهتمامه بقضايا التنمية الزراعية والصناعية، وسعيه لتوزيع الأراضي على الفلاحين لبناء نوع من المساواة الاجتماعية والمواطنية. ومنح المرأة حق المشاركة السياسية انتخاباً وترشحاً. وعودة مناقشات دين الدولة شعبياً وحزبياً، جعل الشيشكلي يعد عهده ودستوره الأكثر تقدمية في بلدان الشرق الأوسط وفي بعض الدول الغربية، وسماه بــ “دستور الدساتير”، واعتبره “الأكثر انسجاماً مع طبيعة المجتمع السورية وأصالته الحضارية” .  

هكذا نرى بأن التطوراتِ الدستورية في سورية بعد الاستقلال، لم تكن تطوراتٍ عَرضيةٍ، أو أنها نتاج حركة عسكرية، بدأها حسني الزعيم على النظام النيابي المدني في عهد القوتلي. بل كانت تلك التطوراتُ، وليدةَ عوامل داخلية وخارجية متفاعلة. فالثقافة الدستورية الليبرالية، كانت ثقافة مرحلة ما بعد الاستقلال الوطني لدى النخب السياسية، وكما كان وجود دستور ليبرالي يمنح الحقوق المدنية للناس، هو رهان عملية الاستقلال والإصلاح السياسي والاجتماعي والفكري. وبهذا، فالليبرالية في سورية لم تكن ثقافة غريبة أو طارئة، وبالرغم من استفادة السوريين في دساتيرهم، من تجارب دستورية غربية وشرقية. لكنهم أضافوا لها في نقاشاتهم الدستورية الواسعة مفاهيم وقيماً فكريةً تحررية جديدة، في الفترة بين عامي 1946 و1954.

————————————

الخوف من الحرية/ مضر رياض الدبس

2025.04.26

قد يقول قائلٌ إن الحريةَ لم تأتِ بعدُ كي نكون قادرين على الكتابة تحت عنوان “الخوف من الحرية”، وأن التحرر غير الحرية. ومن أجل هؤلاء نؤكد قبل كلِّ شيء، أن العنوان هو “الخوف من الحرية”، وليس “الحرية”؛ ولو أن الحرية أتت، وذاق طعمَها الخائفون منها، لما كنا مضطرين لتناول مثل هكذا عنوان، لأن حضور الحرية، بطبيعة الحال، يُبدِّدُ الخوفَ منها.

الآن، الحرية تحتاج إلى تَحرُّرِ على مستويين اثنين، مُستوى السلطة، وهو بطبيعة الحال نقاشٌ حاضرٌ دائمًا هذه الأيام، وفيه الكثير من الوعود الإيجابية، وفيه بعض السلبيات والمنغصات؛ وهذا مستوى مُهم؛ ولكن ثمة مستوى آخر لا يقل أهميةً عنه، وهو التَحرُّر من أنفسنا الأمارة بالسوء، ومن عاداتنا السيئة المُتجذرة، وعصبياتنا التي تجعلنا تابعين لا نُفكِّر: يعني التُحرر من تكويننا الرَعوي.

بعد هذه المقدمة، واستنادًا إليها، نبدأ النقاش.

أخطر أنواع الخوف هو الخوف من الحرية، وكان لافتًا منذ سقوط النظام وجودُ نوعٍ من السوريين الذين يمتلكون نمطَ تفكيرٍ يمكن أن نقول، ونحن مرتاحو الضمير، إنَّه نتيجةُ خوفهم من الحرية التي صارت قريبةً وممكنةً بعد التحرير. وهذا الخوف يصنع حافزًا مدهشًا للتمسك بالهُوية، وهو في الأصل نتيجةٌ من نتائج التَهَوُّي: أي إحالة كل شيءٍ على الهُوية، وعلى الجماعة الموروثة السابقة على وجود الفرد، وخياراته الحرة المستقلة النابعة من تفكيره، وأفقه الإبداعي، مثل الدين، والطائفة، والإثنية.

الخوف من الحرية نتيجة منهج تفكيرٍ يبدأ أساسًا من العنوان الذي تختاره الجماعات للمشكلات التي تناقشها، وتُفكِّر في حلِّها، وهذا العنوان في الغالب يعكس طرائق فهم الأفراد، وطرائق اشتغال عقولهم، والذهنية التي تحدد مقارباتهم للحياة، أكثر مِمَّا يعكس طبيعة المشكلات نفسها، ونوعيتها.

مثلًا، إذا قلنا إن وصولَ مدرسة إسلامية إلى حكم سورية مشكلةً سياسيةً بالنسبة إلى كثيرٍ من السوريين، فإن طريقة نقاش هذه المشكلة انطلاقًا من تعزيز الطائفة، أو الدين، في مقابل ذلك، عنوانٌ يعكس تَملُّقَ الذات بوساطة نقد “الآخر”، (أو الذي تتم مقاربته بوصفه آخر)، ومن ثم تدبير هذا الإشكال بوصفه فرصةً لإعادة بناء القطيع الهووي والعودة إليه؛ فهذا لا يعني حلًا للمشكلة، ولا يعني عنوانًا صحيحًا لها، بل يعني إضافةَ مشكلةٍ جديدةٍ إلى القديمة. وبصورة أقرب إلى الواقع، نضرب أيضًا المثال الآتي: التطرف الدرزي ليس حلًا لمشكلة لتطرف السُني، بل مشكلة جديدة تضاف إليها؛ والقومية الكردية ليست حلًا لمشكلة القومية العربية، بل مشكلة جديدة تضاف إليها، وهكذا.

يمتلك الخوف من الحرية قدرةً مدهشةً على تحويل أي مشكلٍ وطني إلى فرصةٍ لإعادة التكور على الذات (الهُووية) الضيقة، لأنه ينطلق من إشكالٍ مع الآخر، ويفكِّر في حل هذا الإشكال، أو إيجاد صيغة تكون مخرجًا للحل؛ فيما المطلوب تغيير هذا الإشكال من أساسه، لأنه لا يفعل شيئًا إلا بناء القطعان الهُووية التي يُقَويها الخوفُ غيرُ العاقل.

في العمق، يخاف القطيعُ الهُوويُ الحريةَ لأنَّه يخشى الانفتاح، ويتوجَس من الآخر، ولأن نعرتَه العصبية تضطرب، وتقلق، وتشعر بالتهديد من إمكان توسيع دائرة الـ “نحن” توسيعًا مدنيًا لا يقيم وزنًا للقرابة، أو العائلة، أو الدين، أو الطائفة، أو العشيرة، أو العرق. مع هذا الخوف من الحرية يصير كلُّ حديثٍ مضطربٍ، وكل نقاشٍ قلق، ويصير كلُّ فعلٍ يهدف في جوهره إلى تسميك السياجات حول الجماعة، ومنع اندماجها مع الآخر، بل ومعاقبة الذين يحاولون عبور السياج إلى الخارج، أو الذين يفتحون النوافذ لبعض الهواء المنعش الجديد. والمدهش قدرة هذا التفكير الهووي على استعمال مصطلحاتٍ حيوية، مثل مصطلح “المدنية”، و “الديمقراطية”. هكذا صار مشهد شيخ عقل الطائفة الدرزية، وهو يحاول تَملُّقَ ذاتِه باستخدام “المدنية” و”العلمانية” و”الديمقراطية” مشهدًا طبيعيًا، في حين أن جلَّ ما يفعله الرجل بتملُّقِ ذاتِه، أنَّه يَسدُّ أفقَ المدنية، ويفتح أفقَ القبيلة، والطائفة، ويُسمِّكُ السياجات حولَ جماعته.

بالطبع، هذا لا يصادر حق الجماعات الطائفية الصغيرة بأن يشعروا بشيءٍ من الارتياب، وعدم الراحة، من تاريخ بعض أفراد السلطة الحالية المُتطرف، ومن حاضر بعضهم أيضًا. ولكن هذا حقٌ ليس حكرًا عليهم وحدهم، ولا يجوز أن يمتلكوه حصريًا لأنه حقٌ وطني وعمومي. وفي هذا السياق، ثمة ظاهراتٍ، لم تعد سرًا، تشي برغبة البعض في بناء سياجٍ حول الذات السُنيَّة السورية أيضًا، فيما يبدو في العمق خوفًا من الحرية، وتحصين الهوية السُنيَّة بالسلطة، مع أن هذا التحصين، لو فكَّرنا قليلًا، لن نجد له أيَّ حاجةٍ، إلا إذا ظل الخوفُ يحكم سُلوكَنا من “حافظ أسدٍ” جديدٍ لن يأتي أبدًا. لذلك، سأقول، مرتاح الضمير أيضًا، إن تطييف السنة يعني أن السنةَ، بأيديهم، يجعلون “حافظ الأسد” خالدًا بحق، لأن الخوفَ من عودة شيءٍ يشبه الإجرام الأسدي، وتضخيم احتمال حضوره، هو أصل القبول بمثل هذا التطييف؛ فلنكن حذرين من هذا الفعل الذي يتأسس على الخوف من الحرية، والذي يحكمه الخوف من شيءٍ ذهب ولن يعود.

يرتبط الخوف من الحرية بمسألةٍ أخرى مهمة، وهي اعتياد الرعاية، وسلوك الرعايا، ومواجهة صعوبة في كسر هذه العادة، وللأمانة هذا مُسوَّغٌ؛ فلقد عشنا كلَّ حياتنا رعيةً؛ ولكن حان الوقت لنخرج خارج دائرة الراحة هذه التي تمنع التفكير، لأن القبول بأننا مجرد رعايا قاصرون، وغيرُ قادرين على ابتكار معنى لحياتنا الاجتماعية والسياسية من دون وصاية شيخٍ، أو زعيم، أو أي وصي؛ يعني بالضرورة أننا قابلين لنتحول إلى أداةِ حربٍ، أو إرهاب، في أي وقت؛ وهذه كارثة حقيقية بالنظر إلى التجربة التي عايشناها على مدار سنواتنا السابقة في هذا البلد، والثمن العظيم الذي دفعناه لنكون أحرارًا.

 الخوف من الحرية هو الذي يحوِّل المستقبل إلى مجرد ورشة إصلاحٍ هُووي للماضي، وهذا ما يخلق مصطلحاتٍ تشبه “الرسالة الخالدة”، وغياب التمييز بيننا وبين آبائنا، وأجدادنا، وأبنائنا؛ هكذا تصير الـ “نا” دالةً على الجماعة نفسها “إلى يوم القيامة”، وكأننا لا نولد ولادةً مثل باقي البشر، بل نتناسخ تناسخًا، ماضينا، مثل حاضرنا، مثل مستقبلنا.

باختصار، “نحن” الجماعات، اعتدنا أن نربي الأيديولوجيا؛ ومع أننا صرنا نعرف أن هذه الأخيرة عندما تكبر تقتلنا، ومع أننا عانينا منها كثيرًا، لكن نربيها من دون وعيٍ مرةً تلو المرة. والأيديولوجيا تبدأ من المساواة بين الذات والفضيلة: “نحن الأفضل”! إننا بهذه التربية، وبما تحتاج إليه من تفعيل عاداتنا الأثيرة في النبش في الماضي، لا نفعل شيئًا إلا أن نلوذَ بأقبيةٍ نأمَن فيها على عالمنا الهُووي الذي يسحبنا إلى الخلف ويقتلنا جوعًا، وحروبًا، ويبعدنا عن ديننا، ووجداننا، وإنسانيتنا، وضمائرنا.

أخيرًا قد يكون هذا النوع من الكتابة فعل ضميرٍ، أكثر مما هو فعلُ تفكير.

تلفزيون سوريا

———————————-

سوريا على مفترق طرق: معركة شاقة نحو السيادة الاقتصادية/ رشا سيروب

بعد أربعة أشهر من سقوط نظام بشار الأسد، تقف سوريا عند مفترق طرق محفوف بالمخاطر، حيث يحل شبح الانهيار الاقتصادي المتسارع وانعدام الأمن محل ذكريات عقد دامٍ من الصراع. تتصاعد المخاوف من تحول سوريا إلى دولة فاشلة، بينما تكافح الحكومة الانتقالية لمواجهة تركة حرب طاحنة وتحديات جسيمة تهدد بتقويض أي أمل في الاستقرار والتعافي المستدام.

تواجه سوريا مهمة شاقة لإحياء اقتصادها المحطم. فقد خلّفت أربعة عشر عامًا من الحرب ندوبًا عميقة وضعتها أمام أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها الحديث. اليوم، يعيش نحو 90% من السوريين تحت خط الفقر، ويعاني منهم 60% من انعدام الأمن الغذائي. وتُفاقم هذه الأرقام المروّعة معدلات بطالة تجاوزت 50%، فيما أكثر من مليوني طفل موجودون خارج مقاعد الدراسة. ويعيش الملايين في خيام وملاجئ مؤقتة، بينما يكافح البنك المركزي السوري لتوفير السيولة اللازمة لدفع الرواتب في ظل شح كارثي في الليرة السورية.

لقد كشف الصراع عن نقاط ضعف بنيوية عميقة، وأصبح الاعتماد على المساعدات الخارجية شريان حياة لملايين السوريين. ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، يعتمد نحو 16.5 مليون شخص على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، وهو رقم مذهل يسلط الضوء على حجم الكارثة الإنسانية ويؤكد على هشاشة الوضع الراهن.

وبموازاة الواقع الاقتصادي المتردّي، يبرز الجانب الأمني بوصفه الأكثر هشاشة في سوريا ما بعد الأسد. فالجماعات المسلحة المتنافسة، والنزاعات الإقليمية العالقة، والتدخلات العسكرية الأجنبية المستمرة، ما زالت تزعزع استقرار البلاد. وبرغم الجهود المبذولة لدمج الميليشيات والفصائل تحت مظلة وزارة الدفاع السورية، فإن انعدام الثقة والتنافس الإقليمي والقضايا المتصلة بالحكم الذاتي الكردي والتوغلات الإسرائيلية في الجنوب، تشكّل جميعها مخاطر مستمرة تهدد بتقويض أي تقدم نحو الاستقرار.

ففي الساحل السوري، لقي أكثر من 1,600 مدني مصرعهم، غالبيتهم من الأقلية العلوية. واندلعت اشتباكات متقطعة مع الأقلية الدرزية خارج دمشق، وتصاعدت وتيرة عمليات الخطف والقتل الانتقامي والعشوائي. وفي خضم هذه الفوضى، برزت رغبة تركيا في تعزيز نفوذها الإقليمي، ليس عبر تدخلها المستمر شمال سوريا فحسب، بل عبر إنشاء قواعد عسكرية أيضًا، الأمر الذي استبقته إسرائيل بشن عشرات الغارات الجوية وبتوغلها البري المستمر في الجنوب.

إن مهمة إصلاح الوضع الاقتصادي المتردي، وفرض الأمن، ومنع انزلاق البلاد إلى تقسيم وتقاتل طائفي، تمثل تحديات جسيمة تواجه الحكومة الانتقالية، علمًا أن تحوّل سوريا إلى دولة فاشلة هو السيناريو الذي تسعى جميع الأطراف الإقليمية والدولية إلى تجنّبه.

في ظلّ هذه التحديات الهائلة – وبينما تحتل المصالحة السياسية والترتيبات الأمنية صدارة الأولويات – تبرز السيادة الاقتصادية كحجر الزاوية في بناء سلام مستدام وإعادة تأسيس الثقة بين الدولة والمواطنين. إنها شرط أساسي لضمان أولوية المصالح الوطنية السورية وتحقيق تقدم اقتصادي شامل على المدى الطويل.

تتجسد السيادة الاقتصادية في قدرة الدولة على إدارة سياساتها الاقتصادية ومواردها وتمويل احتياجاتها دون إملاءات خارجية أو تأثير غير مبرر. ويبدو تحقيق هذا الهدف بعيد المنال في ظل العقوبات الدولية التي تعيق الوصول إلى الاستثمارات والأسواق العالمية، وانهيار المؤسسات الحكومية التي تعاني من ضعف الإدارة والفساد المستشري.

ومع ذلك، يجب على الحكومة الانتقالية أن تضع السيادة الاقتصادية في رأس أولوياتها، فهي أول ضحايا الحرب وآخر ما يُستعاد. فتحقيق السيادة الاقتصادية ليس مجرد تطلّع أو إجراء تقني، بل هو ضرورة سياسية واجتماعية لمنع الانزلاق مرة أخرى إلى دوامة العنف والاضطراب والتبعية الاقتصادية التي قد تحوّل جهود إعادة الإعمار إلى مجرد “استعمار اقتصادي جديد”.

من الجوانب الحاسمة لاستعادة سوريا سيادتها الاقتصادية، استعادة السيطرة الكاملة على مواردها، خصوصًا النفط والغاز المتمركزة في شمال شرق البلاد. لقد كان استغلال هذه الموارد والتنافس عليها عاملًا محوريًا في الديناميكيات الإقليمية المعقدة المحيطة بالصراع.

لذا، فإن إعادة صياغة العلاقة بين السلطة المركزية في دمشق والإدارة الذاتية في شمال شرق البلاد أمر بالغ الأهمية لضمان إدارة شفافة وعادلة لهذه الموارد، بما يعود بالنفع على جميع السوريين، بدلًا من استنزافها من قبل جهات خارجية أو نخب داخلية. ويتطلب ذلك وضع أطر قانونية متينة، وتعزيز الهيئات التنظيمية الوطنية القادرة على مراقبة إنتاج وتصدير النفط والغاز، وتطوير القدرة على رصد ومنع التدفقات المالية غير المشروعة التي قُدرت بمليارات الدولارات خلال سنوات الحرب. أما الفشل في تحقيق ذلك فيُنذر باستمرار حالة عدم الاستقرار وتقويض شرعية الحكومة الانتقالية.

علاوة على ذلك، يُعد استقلال السياسات المالية والنقدية ضرورة حيوية لسوريا لإدارة تعافيها الاقتصادي بفعالية. فقد أنتجت سنوات الحرب، مع العقوبات الدولية التي قيّدت وصول سوريا إلى الأسواق المالية العالمية وجمدت أصولها، تأثيرًا مدمرًا على الليرة السورية التي فقدت وظيفتيها كمخزن للقيمة ووسيلة للتبادل، وارتفع التضخم إلى مستويات قياسية.

غير أن القدرة على صياغة وتنفيذ سياسات مالية مصممة خصيصًا لتلبية الاحتياجات الفريدة لسوريا وإدارة عملتها والسيطرة على التضخم دون ضغوط خارجية، ستبقى أمرًا بالغ الصعوبة ما لم تتمكن الحكومة الانتقالية من ضمان حقوق الإنسان وحماية الأقليات والمرأة وإخراج المقاتلين الأجانب – وهي شروط أساسية للاستفادة من الدعم الدولي ورفع العقوبات.

وحتى في حال استيفاء هذه الشروط، فإن اللجوء المفرط إلى الدول والمؤسسات المالية الخارجية والاعتماد الكبير على حزم المساعدات سيقوّض السيادة الاقتصادية، حيث غالبًا ما تفرض هذه المساعدات إجراءات تقشفية وسياسات تعطي الأولوية للمصالح الخارجية.

وتواجه الحكومة الانتقالية معضلة صعبة في إدارة العلاقة مع المجتمع الدولي. فهي، من جهة، تحتاج إلى المساعدات الفنية والمالية لإعادة الإعمار، ومن جهة أخرى يجب أن تحافظ على مساحة كافية لصنع القرار المستقل، خصوصًا في ظل وجود شخصيات في مناصب وزارية مرتبطة بـ”هيئة تحرير الشام” (“جبهة النصرة” سابقًا) المصنفة على قوائم الإرهاب، الأمر الذي يثير قلقًا دوليًا ويعقّد جهود الحصول على الدعم ورفع العقوبات. الحل الأمثل يكمن في تطوير استراتيجيات ذكية تعتمد على التدرج في تقليل الاعتماد على المساعدات، مع السعي المتوازي لتنويع مصادر التمويل وبناء الشراكات الدولية المتوازنة، خصوصًا مع تراجع المساعدات الدولية.

وإلى جانب هذه المجالات، يتطلب تحقيق السيادة الاقتصادية جهودًا متضافرة لبناء القدرات الوطنية وتعزيز المؤسسات الاقتصادية. ويشمل ذلك الاستثمار المكثف في التعليم والتدريب المهني لإعادة بناء رأس المال البشري الذي هاجرت منه أعداد كبيرة، أو فقد مهاراته بسبب الحرب، وتقديم دعم مستهدف للصناعات المحلية والشركات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز ريادة الأعمال والابتكار، وإنشاء هياكل حوكمة شفافة وخاضعة للمساءلة ومقاومة للفساد. إن اقتصادًا محليًا نابضًا بالحياة ومتنوعًا هو الأساس الأكثر صلابة للسيادة الاقتصادية المستدامة.

وعليه، فإن الطريق نحو السيادة الاقتصادية لسوريا محفوف بتحديات هائلة، تشمل إرث الصراع، وضعف المؤسسات، وتصدع النسيج الاجتماعي، والنفوذ الإقليمي والدولي الكبير. ولا يزال فرض العقوبات الدولية يُحدث تأثيرًا عميقًا على الاقتصاد السوري، وسيشكل التعامل مع هذه العقوبات والدعوة إلى رفعها جانبًا حاسمًا في استعادة السيادة الاقتصادية. من هنا، ستحتاج الحكومة الانتقالية إلى تأسيس توافق وطني واسع حول الأولويات الاقتصادية، وبناء مؤسسات قوية قادرة على تنفيذ السياسات بشكل مستقل.

بناءً على ما سبق، يتطلب التغلب على هذه التحديات نهجًا متعدد الجوانب يتمثل أولًا، بإرادة سياسية قوية وحوار شامل يضم جميع الأطراف السورية لبناء توافق في الآراء حول الأولويات الوطنية، وثانيًا بالتواصل الاستراتيجي والانتقائي مع الجهات الخارجية بهدف تعزيز القدرة التفاوضية وضمان أن تكون شروط المساعدات متوافقة مع الأهداف الوطنية، وثالثًا، عودة سوريا إلى النظام المالي الدولي (SWIFT) وهو أمر يتطلب جهودًا دبلوماسية مكثفة، ورابعًا، تعزيز النمو الاقتصادي الشامل الذي يُفيد جميع فئات المجتمع.

إن تحقيق السيادة الاقتصادية لسوريا هو هدف صعب، لكنه ليس مستحيلًا. إنه حاجة ملحة تتطلب رؤية استراتيجية واضحة وإرادة سياسية صادقة ودعمًا دوليًا يحترم الخصوصية المحلية. ولكي تتحول هذه السيادة إلى واقع ملموس، لا بد أن تترجم إلى سياسات عملية تنعكس إيجابًا على حياة المواطنين وتعزز ثقتهم بمؤسسات الدولة.

أوان

——————————–

في تكريم أصدقاء الثورة السورية/ سلام الكواكبي

27 ابريل 2025

عرف السوريون، منذ بدأت ثورتهم سنة 2011، انعقاد عدّة مؤتمرات تحت عنوان “أصدقاء الشعب السوري” بمشاركة دولية واسعة، بهدف دعم المعارضة السورية والبحث عن حلول سياسية تفضي إلى تخلّي نظام القمع والاستبداد عن الحكم. وبدأت هذه الاجتماعات في عام 2012، واستمرّت خلال السنوات التالية، مع تراجعٍ في وتيرتها بعد عام 2016 إثر التدخل الروسي وسقوط مدينة حلب في قبضة السلطة، وصعود نجم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وبدء تخلّي الغرب عن مواقفه في المشهد السوري، بحجّة تصاعد وتيرة التطرّف الديني، فقد عقد المؤتمر الأوّل في تونس في فبراير/ شباط 2012، وتبنّى الدعوة إلى وقف دوّامة العنف والاعتراف بالمجلس الوطني ممثّلاً شرعياً للشعب السوري. واستضافت إسطنبول المؤتمر الثاني في إبريل/ نيسان 2012 لتأكيد دعم خطّة مبعوث أمين عام الأمم المتحدة حينذاك كوفي عنان، وتجديد الاعتراف بالمجلس الوطني. وفي يوليو/ تموز 2012، التقى “أصدقاء” الشعب السوري في باريس داعين إلى رحيل نظام الأسد وتشديد العقوبات عليه. وعقد المؤتمر الرابع تحت هذه التسمية في مراكش في ديسمبر/ كانون الأول 2012، حيث شهد اعترافاً دولياً واسعاً بالائتلاف الوطني السوري ممثّلاً شرعياً للشعب السوري. وبعده انحصرت اللقاءات ببعض الدول لبحث بعض النقاط المحدّدة، منها تقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوري أو العسكرية للمعارضة. فكانت هناك لقاءات في عمّان وإسطنبول والدوحة وباريس. وفي هذا الإطار، عُقدت اجتماعات عمل أخرى في واشنطن ولاهاي وطوكيو وغيرها، تناولت عدّة قضايا، منها العقوبات والدعم الإنساني. مع مرور الوقت، تراجعت وتيرة هذه الاجتماعات، خاصة بعد 2016، مع تغيّر أولويات الدول المشاركة وتطوّرات الوضع الميداني في سورية.

ولقد غلبت على مواضيع هذه المؤتمرات الخطابات المؤثّرة والمواقف المعلنة وأخرى غير المعلنة. كما سمحت بعقد لقاءات جانبية على درجة أكبر من أهمية ما تشهده القاعات الرئيسية. إن كان بين ممثلي الدول التي كانت معنيةً بالحريق وبالمقتلة في سورية، أو بين شخصيات سياسية تمثّل مجموعات محدّدة ورهانات متعدّدة. لم يستفد السوريون كثيراً وعملياً من هذه اللقاءات سوى تكرار تأكيد ضرورة الانتقال السلمي والتدريجي للسلطة السورية نحو نظام تعدّدي وأوسع ممثّلاً لمختلف شرائح الشعب السوري. ونتيجة لعطبٍ بنيويٍّ وتاريخيٍّ في أجسام المعارضة السياسية السورية، لم تؤدّ هذه اللقاءات من جهة الجسم السياسي للمعارضة إلا إلى تشبيك العلاقات وتبادل البطاقات من دون إنتاج خطاب سياسي واضح وحازم يدفع إلى استنتاج إمكانية وجود إرادة دولية منسجمة لتقديم دعم حقيقي للثورة السورية.

لم يكن أصدقاء الشعب السوري الحقيقيون دولاً ولا منظمّات دولية، بل منظمّات غير حكومية سورية ودولية، كما الأشخاص من كلّ عرق ودين وجنس. قامت المنظمات بعملها الإنساني والحقوقي والتوعوي بقدر ما أتيح لها ذلك مادياً وعملياً نتيجة التزامها بمبادئ ومواثيق ظنّ الناس يوماً، خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية، أنها ستكون المقياس لتطوّر المجتمعات البشرية سلمياً. منها، على سبيل المثال، أطباء بلا حدود وهيومن رايتس ووتش والشبكة السورية لحقوق الإنسان والخوذ البيضاء، التي تحوّلت من جهاز طوارئ إلى رمز دولي للكرامة. وبشأن الأشخاص، وعلى رغم الصورة البشعة والمشوّهة التي أرادت القوى المتحالفة عقائدياً أو مصلحياً مع النظام السوري أن تروّجها، تضامنت عدّة شخصيات دولية تنشط في مجالات مختلفة، كالفن والفكر والصحافة. وبرز هذا الأمر خصوصاً في السنوات الأولى، حيث لم يكن العنف قد فرض كلمته. ومع مرور الوقت، وتأجّج المواجهات العسكرية، تراجع بعضٌ منهم نتيجة قناعات متجذّرة بالنضال اللاعنفي. كذلك، وخصوصاً في بعض الدول العربية، سادت الخشية من التصنيفات الجاهزة لدى المجموعات التخوينية البافلوفية، ما دعا بعضهم إلى الاعتكاف.

واليوم، وبعد مرور أشهر على “انتصار” الثورة مبدئياً وخروج المستبدّ من قصره المحتل، هل سيلتفت السوريون، منظمّات مدنية أو حكومة، إلى تكريم بعض الرموز التي تضامنت معهم خلال سنوات محنتهم الدامية؟ مؤكّد أنّ هذا الأمر يبقى رمزياً، فلا أحد من المتضامنين ينتظره وليس لمن خاض غمار الموقف الإنساني والمبدئي، والذي خاطر دعماً للحقّ، بمنتظرٍ لمقابل. بل في التكريم بعضٌ من عرفان الجميل، وللتكريم دورٌ فعال في بسط السردية الوطنية على مسار الماضي وتحضير مسار المستقبل.

وعموماً، كلما كانت الثورة ذات بُعد تحرّري إنساني، ازداد احتمال تكريم داعميها الخارجيين، أما الثورات ذات الطابع القومي أو العقائدي المغلق، فغالباً ما تقلّل من شأن الدعم الخارجي أو تتجاهله. وفي النهاية، غالباً ما يعيد النظام الجديد كتابة تاريخ الأحداث، بحيث يقصي الداعم الذي لا يخدم سرديّته. ويغيب عن كثيرين أن العدالة ليست فقط محاكمة القتلة، بل أيضاً تكريم من حافظوا على إنسانيتهم في زمن الوحشية.

هل ستتم تسمية شارع رئيسي في دمشق باسم الجراح الفرنسي رافاييل بيتيي الذي أجرى مئات العمليات الجراحية تحت القصف، ومن ثم درّب عشرات من الجرّاحين السوريين؟ مثلاً…

العربي الجديد

———————————-

واقع الديمقراطية في سورية الجديدة/ مضر رياض الدبس

27 ابريل 2025

لا يخشى كاتبُ هذه السطور غيابَ مُفردة الديمقراطية عن الحياة السياسية السورية هذه الأيام، ولكن يخشى فقدانها أثناء الانشغال بتملُّق الهويات الدينية، والطائفية، والقبلية. ولا أتصوّر أن علينا أن نخشى على الديمقراطية من الدين، أو الطائفة، أو القبيلة؛ بل من أدلجة الدين، وتسييس الطوائف، واستعارة منهج القبيلة في السياسة. نخشى عليها من الراياتِ المؤدلجة المرفوعة في ساحاتٍ أنتجتها الثورة بالتفكير، واليوم يُعاد إنتاجها بغياب التفكير. تُولَدُ الخِشيَة في هذه المنطقة السوداء التي صارت مرئيةً أكثر، حيث يمارسُ “لبَّاسو العُبي” سحراً عجيباً يصير معه كلُّ شيءٍ خارج العباءة نوعاً من الإغواء، بما في ذلك الديمقراطية، خصوصاً أن “الشيخ الأصيل” لا يتم إغواؤه، والعباءة تجعل رأسه ثقيلًا جداً، وحركته صعبة إن أراد أن يُغيِّر اتجاه نظره؛ فعند “الشيوخ” إيقاعُ الحياة نمطي، وإيقاعُ الزمان رتيب، ومع ذلك الحياة صاخبة ومليئة بالكلام، والقصص، والتشويق، والفخر. كلُّ هذا ساحرٌ وجاذب، ولكن لا طعم له من منظور التأسيس الديمقراطي، ولا لون. ما ينبغي أن نخشاه، ونتوقف عنده بحق، تَحوُّل الديمقراطيين إلى المشيخة فيما يبدو كأنه قلبٌ للمسار: يعني بدلاً من أن ننجز التحوُّل إلى الديمقراطية، صرنا نعمل في اتجاه تحوُّل الديمقراطيين إلى شيوخ!

في رواية “سمرقند” لأمين معلوف شخصية مدروسة بعناية فائقة الروعة والجمال، اسمها شيرين، وكأن الكاتب أرادها مشتركةً بين الزمان الذي عاش فيه عُمر الخيام أحد أهم أبطال الرواية التاريخيين والعصر الحديث للرواية الذي فيه مخطوطة الرباعيات، وأفكار جمال الدين الأفغاني، وبنجامين، وتايتانيك، في ذلك الحين. وفي رسالةٍ كتبتها شيرين عن ثورة إيران الدستورية التي وقعت بين عامي 1905 و1911، تقول بروحية الشخصية التي تقف على جسرٍ في الزمان: “بلاد فارس مريضة، وعند سريرها عددٌ من الأطباء، عصريين وتقليديين، وكلٌّ يعرض أدويته، والمستقبل رهن بمن يفوز بالشفاء. إذا انتصرت هذه الثورة كان على الملالي أن يتحولوا إلى ديمقراطيين، وإذا أخفقت وجب على الديمقراطيين أن يتحوّلوا إلى ملالي” (انتهى الاقتباس).

يمكن، من منظورٍ سوري راهن، أن نفهم الكثير من عبارة شيرين القصيرة، وهنا أمران: أولاً، أن هذا التحول، من ملالي إلى ديمقراطيين، أو العكس، يرتبط بانتصار الثورة أو إخفاقها؛ فمن جهة، تَحوُّل الملالي إلى ديمقراطيين مؤشّرٌ على انتصار الثورة والعكس. ومن جهةٍ أخرى، تحول الديمقراطيين إلى ملالي مؤشرٌ على إخفاقها، والعكس. وثانياً، تُشكِّل هذه الجملة الرائعة مساحةً واسعةً للتفكير في ظاهرة طغيان الرغبة في الحكم، على الرغبة في الوطن؛ فالتحوُّل في الشخصية بين المُلّا والديمقراطي يتبع بالضرورة التحوّلات التي تحدُث في معايير انتصار الثورة وإخفاقها، وفي ميزان القوة. ويكون هذا التحول، في حالات كثيرةٍ، متداخلاً مع مفهوم التأقلم؛ فيمكن أن تُحرِّكه المصلحة الشخصية المحض، ولا يكون أكثر من تهيئة النفس لتكون انتهازية، تريد “منصباً” يحقق لها القرب من السلطة. وهذا ما أشار إليه معلوف في موضعٍ آخر من الرواية نفسها بوجهٍ مباشر حين قال عُمر الخيام: “المزايا المطلوبة لتولي الأحكام غير المزايا المطلوبة للوصول إلى سُدَّة الحكم”. من دون مواربة، ما يمكن أن يخشاه المرء في سورية أن تتباعد المزايا المطلوبة لتولي الأحكام عن المزايا المطلوبة لتولي سُدَّة الحكم، وتمتلئ السلطة بالمتملقين، وأصحاب العُبي الحديثة بعد أن تحوّلوا من ديمقراطيين إلى ملالي.

ولنكون مباشرين أكثر، نناقش في هذا السياق نفسه ظاهرتين، ثقيلتي الظل، ولكنهما موجودتان في سورية الآن: الأولى نسميها حرمان الديمقراطية من حاملها “السُني”، والذي يساوي ويعني تطييف السنة في سورية، وحرمان السوريين كلهم من حاضنة مشروعهم الوطني التاريخي بهذا التطييف. والثانية بناء أقليات دينية مُناهضة للديمقراطية، وربما لفكرة الوطنية من أصلها. ولنناقش كلَّ واحدةٍ على حدة. تنتمي الظاهرة الأولى إلى احتمال تَحوُّل الحامل الديمقراطي السُني المُطمئِن إلى طائفة، وهذا احتمالٌ ضئيل، ولكنَّه خطير إذا ربطناه بالمعنى الذي أرادته شيرين، إذ يعمل بوصفه معياراً لانتصار الثورة أو إخفاقها، وينبغي أن يعود، كما كان دائماً، إلى خارج دائرة المُمكن. ولنكن واضحين جدّاً، واستباقيين، بالقول إن هذا لا يعني نكران حق الأكثرية في ابتكار دولة تعبر عن أكثريتهم، بل يعني بوضوح عدم تطييف الأكثرية السنّية فحسب، لأن هذا التطييف يعمل ضد الأكثرية نفسها، ومن ثم ضد جميع السوريين. والظاهرة الثانية أن الأقليات الدينية بدأت بادّعاء الديمقراطية، والعلمانية، بطريقةٍ توحي أن المفهومين الأخيرين مرتبطان بها، وملكيتهما حصريةٌ لها! الأمر الذي قد يُذكِّرنا بمُلكية الأقليات الدينية لليسار في مرحلة سابقة، وبأنهم، بادّعاء هذه الملكية، فرَّغوا اليسار من الديالكتيك بأن جعلوا منه “هوية”؛ فيما الديالكتيك، كما يقول أدورنو، هو “الوعي الصارم باللاهوية”. واليوم يُنجِز بعضُ أبناء “الأقليات” انتقالهم الهُووي السلس الاعتيادي من اليسار إلى المشيخة الدينية، بما ينبئ بشيءٍ لا يُبَشِرُ بالخير، وصولًا إلى أن يصير شيخ عقل الدروز حكمت الهجري، في نظر بعضهم مرجعاً ديمقراطياً، وكأن للديمقراطية مقاساً درزياً يُفصَّل تفصيلًا مثل العباءة. في حين يفيد تحليل خطاب الرجل، ومن حوله من تنفيذيين (مسلحين وغير مسلحين)، بأنه لا يقوم بأكثر من تملقٍ لذاته الدرزية بوساطة تعظيم التطرّف السنّي، والغزل بـ”العلمانية”، التي لا يعرف معناها بدقة. والغريب أن كثيرين مِمَّن كانوا حريصين على تقديم أنفسهم “ديمقراطيين” أثناء الثورة يتبنون اليوم هذه المقاربات الطائفية لفكرة الديمقراطية في توليفة غريبة عجيبة، وصولاً إلى بيان تلاه أحد “ديمُقراطيي” الساحل يطالب بانفصال، وحكم علماني يقوم على المواطنة للعلويين! وأيضاً قلاقل كردية مشابهة لهذا الهذيان الهُووي الكارثي، وغير ذلك الكثير الذي نعرفه كلنا.

لا يبدو في هذا المشهد السوري أن جماعةً واحدة في البلد قد نجت من تحكّم الماضي بمقاربات مستقبلها. وظلت الجماعات الدينية على اختلاف قناعاتها وعقائدها وطرائق تكوينها الاجتماعي والنفسي، غير قادرة على تحصين نفسها ضد الإصابة بداء مستقبل الماضي، أو “استمضاء المستقبل”، أي تصوّره وكأنه ماضٍ جديد نريد له أن يتكرّر فحسب. ولا يبدو أن تغيير هذا التصوّر للمستقبل ممكنٌ من دون تطوير فكرة المواطنة، وانحسار فكرة النعرة العصبية. وهذه موهبةٌ يمتلكها الخيال الواسع الطموح المقدام، وسمةٌ من سمات الأفراد، وليست من سمات الجماعات العصبية. ولن تتقدّم الديمقراطية في هذا البلد، إلا ببناء شبكات ثقةٍ مدينية على أنقاض العصبية، تراكم رأس مالٍ اجتماعي وطني يجعل الديمقراطية تعمل (بتعبيرات بوتنام). ويمكن للدين أن يلعب دوراً إيجابيّاً مدهشاً وضرورياً في هذا المسار الأخلاقي الوطني السياسي، كما تلعب أيديولوجيا الدين مساراً هدّاماً وكارثياً.

العربي الجديد

—————————-

سوريا ليست لأحد.. سوريا لجميع السوريين/ ضاهر عيطة

2025.04.27

ربطت حنة أرندت (Hannah Arendt) بين فقدان الوطن وسلب كرامة الإنسان، حين قالت: “فقط عندما يُحرم الإنسان من وطنه، يدرك أن امتلاك وطن ليس أمرًا طبيعيًا، بل سياسي بامتياز”.

ومن هذا المنطلق، يفترض ألا يُطرد أحد من وطنه، وألا يُحرم من خيراته وموارده؛ فالبشر عادة ما يتصارعون ويتخاصمون حول ما يمكن امتلاكه، لكنهم يتوافقون حول ما لا يمكن امتلاكه.

وبهذا المعنى، يصبح الوطن وطنًا فعليًا حين يُنظر إليه كفضاء مشترك، لا كملكية خاصة، ويغدو مصدرًا للجمع بين أبنائه، لا سببًا لتفرقتهم.

وإذا ما كنا جميعًا نحب السماء، فربما يعود ذلك لاستحالة القبض عليها وتملكها. وبهذا المعنى، غدت رمزًا للصفاء والسلام والجمال.

وتحدث إيمانويل كانط (Immanuel Kant) عن فكرة الجمال الخالص الذي لا يتعلق بالرغبة أو المنفعة: “الجمال الحقيقي هو ما يُرضينا بلا رغبة، ويُقدَّر لذاته، لا لشيء آخر.”

ولعل في هذا سرّ الجمال الحقيقي، في أن يكون متحررًا من يد الإنسان، عصيًا على السيطرة، منيعًا على التملك.

فحين لا تعود الأشياء قابلة للشراء والبيع، تتحرر من التنافس، وتغدو محل إجماع.

ويفترض أن تكون الأوطان كما السماء، لا تُباع ولا تُشترى، وألا يقاتل ويقتل أحد لأجل احتكارها. فهي لكل أبنائه، كما السماء، والحب، والإلهام، والجمال، والحرية. وليس من المنطقي أن يستأثر بها طرف على حساب طرف آخر، أو أن يتحكم بمصيرها انطلاقًا من أهوائه ورغباته، كما فعلت الأسدية من قبل؛ إذ دمرت، في سعيها العبثي ذاك، كل شيء: الوطن، والبشر، والجمال، والخير. ونالها من جراء ذلك مصيرٌ ملعون، انهارت فيه أركانها وأسُسها في غمضة عين واحدة، وكأننا أمام لحظة تكثفت فيها صيرورة الزمن إلى أقصى حدودها.

وكأن الأسدية لم تكن أبدًا، سوى بما خلفته وراءها من خراب ودمار، في حين لو أنها أسست، على مدار حكمها الطويل، شيئًا آخر غير الاستئثار بحكم البلد، لما انتهت إلى هذه النهاية المأساوية، ولكان حال سوريا على غير ما هو عليه الآن.

***

ومرة ثانية، يشير هذا إلى أن الأوطان، في معناها الفكري والسياسي والاجتماعي والجمالي، عصية على التملك والاستئثار. ومن يحاول ذلك، سيلقى مصيرًا كمصير الأسدية، التي تعاملت مع سوريا وكأنها سلعة تمتلكها، كمزرعة، كشقة تخصها وحدها؛ تغلق أبوابها حين تشاء، وتطفئ أضواءها حين ترغب، تقتل من لا يعجبها من الناس، أو تعاملهم كعبيد.

تحيي من تريد، وتُجوع من تريد، وتُشبع من تريد، وتسلب، وتسجن من تريد، دون أن يحاسبها أو يسائلها أحد.

وربما لو أن السوريين تأخروا عن تحريرها من هذه العصابة لبضع سنوات، لكان مصيرها إلى الزوال، كما حال مصير من حاول الاستئثار بها.

صحيح أن سوريا تحررت أخيرًا من جحيم الأسدية، لكنها خرجت من هذه التجربة معطوبة، ومثخنة بجراح عميقة، لتجد نفسها بغتة تقف عند بوابات مشرعة على حياة جديدة.

ومن البديهي أن من يخرج من جحيم كهذا، سيخرج متهالكًا، ممزقًا، خائفًا، حذرًا، ومذعورًا.

وفي الآن نفسه، سيخرج فرحًا، منتشيًا، غير مصدق، أنه لا يزال على قيد الحياة، وأن هناك ضوءًا يبصره، ومستقبلًا يستحق التطلع إليه، وأنه بات إنسانًا حرًا، ولم يعد عبدًا.

وكل هذا مرهون بشفاء هذه سوريا الجريحة، الراقدة الآن في غرفة الإنعاش. عظامها هشة إلى حد أن أية محاولة جبر ليست في محلها، قد تكسرها وتفتتها.

ومن هنا، نحن جميعًا محقون في خوفنا عليها، والخوف منها: الخوف من أن تبتلعنا متاهة الدم الراقدة في أعماقها، إن لم نتعلم شيئًا من الدروس.

الخوف من أن تطحننا جماجم رجالها ونسائها وأطفالها المدفونة تحت ركامها، إذا ما كبرت رؤوسنا، وتفشى فيها داء التعالي، والأحقاد، والأنانية، الساعية إلى ابتلاع قصص وذكريات أصحاب تلك الجماجم، التي لم يبقَ منها إلا ما استقر في رؤوسنا، عساها تعلمنا مخاطر تكرار دفع أثمان مماثلة.

ونخاف عليها، نظرًا لمعرفتنا أن فترة بقائها في غرفة الإنعاش قد تطول إلى حين، وقد يقتلها نفاد صبرنا، وإلحاحنا عليها بالنهوض والصحو من غيبوبتها، حتى قبل أن ننهض نحن بفكرنا، وعقلنا، وحبنا، ونعي أن الإشراف على شأن من شؤونها يحتاج إلى اختصاصيين بارعين وماهرين، قادرين على تحويل أسباب المرض إلى دواء، واليأس إلى آمال، والخراب إلى عمران، والأحقاد التي خلفتها الأسدية إلى حب، وتعاون، وعدالة، وتسامح.

وكأني أرى سوريا الآن راقدة هناك في غرفة الإنعاش، تتطلع إلى أبنائها من خلف زجاج شفيف، تحدق في أحلامهم وآمالهم، تساءل نفسها: “أيمكنني أن أحتضنهم وأرعاهم وأصونهم؟”

وبدورهم أبناؤها، يحدقون فيها، يستقرؤون ملامحها، يبحثون عن إمكانية تحقيق ذاتهم وأحلامهم معها، لا فيها وحسب، وهم يدركون ويعون أن الاقتراب منها حد الجدل والصراع والتناحر والتقاتل، سيعود وينكأ جراحها من جديد، وهو ما يشكل خطرًا فادحًا عليها.

السوريون جميعًا بحاجة الآن إلى أن يواسوا بعضهم، وأن يمدوا يد العون لذواتهم، لينتشلوها من حال الهمجية، والصخب، والجنون، والتعب.

إذ كلما تضاعف عدد المجانين، والمتعبين، والمتهورين في الزورق، مال بهم إلى جانب من جوانبه. وإذا ما استمر في الميلان، فإنه سيغرق بمن فيه.

وكما أورد المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد: “لا وطن بلا ذاكرة مشتركة، ولا نهضة بلا شعور جماعي بالألم والأمل”.

فتعالوا، أيها السوريون، إلى الحوار العقلاني. الحوار لا يكون فقط بين الإنسان ونفسه، أو مع من يشبهه، أو يتفق معه، بل مع المختلف، مع من لا يشبهك، لكنه يشترك معك في الانتماء لذات المكان. أنت وهو مجبران على العيش سويًا، وعليكما أن تصيغا معًا تصورًا وبرنامجًا للمستقبل، عماده الحوار والتقارب، لا التنازع والتناحر ورفع السلاح.

فعندما نقصي من يختلف معنا، فإننا لا نزال نتبنى ثقافة الإلغاء، ثقافة التملك والاستئثار، التي ربتنا عليها الأسدية.

ولنعلم أن كل تمزق، كل انكفاء، كل عزلة عن الآخرين، إنما هو علامة على أننا لا نزال نحلم بالكهف، وبأننا فشلنا في أن نكون بشرًا.

هل تقدر أن تمزق عروق دمك، أو تقطع جزءًا من جسدك؟ هل تقدر أن تتعامل فقط مع مرآتك، فلا ترى فيها إلا ذاتك؟ بالتأكيد لا، ولهذا، سوريا ليست لأحد، سوريا لجميع السوريين إلى يوم القيامة، وإلا فلن تقوم لها قيامة

تلفزيون سوريا

—————————–

 هند قبوات تشارك في مراسم تشييع البابا فرنسيس وتلتقي مسؤولين

2025.04.27

شاركت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل في سوريا، هند قبوات، في مراسم تشييع قداسة البابا فرنسيس، التي أقيمت في دولة الفاتيكان، بحضور رسمي واسع من مختلف أرجاء العالم.

وجاءت المشاركة بعد وفاة البابا فرنسيس في 21 من الشهر الجاري، عن عمر ناهز 88 عاماً، بعد أن أمضى 12 عاماً على رأس الكنيسة الكاثوليكية.

وخلال مراسم التشييع، التقت الوزيرة قبوات وزير خارجية سنغافورة، وكذلك رئيس وزراء بنغلاديش.

وأعلن الفاتيكان، يوم الإثنين الماضي، وفاة البابا فرنسيس، أول بابا من أميركا اللاتينية يتولى قيادة الكنيسة الكاثوليكية، منهياً بذلك فترة بابوية دامت 12 عاماً، تميزت بمحاولات إصلاحية وانقسامات داخلية متزايدة.

وأكد بيان مصوّر صادر عن الفاتيكان أن البابا فرنسيس فارق الحياة عن عمر ناهز 88 عاماً، بعد معاناة طويلة مع أمراض متعددة، من بينها التهاب رئوي حاد. وأعلن الكاردينال كيفن فاريل عبر قناة الفاتيكان أن الوفاة حدثت عند الساعة السابعة والنصف صباحاً.

مواقف البابا فرانسيس من الثورة السورية

وفي كل مناسبة، كان البابا فرنسيس يؤكد وقوفه إلى جانب الشعب السوري، وأشار مراراً إلى مأساة الأطفال السوريين، معتبراً أن “دماء أطفال سوريا مسؤولية الجميع”.

وفي مناسبات، ناشد البابا المجتمع الدولي لتقديم الدعم للاجئين والنازحين السوريين، داعياً إلى ضمان أمنهم ومعيشتهم قبل العودة الطوعية. كما واصل البابا خلال عظاته الحديث عن سوريا، مؤكداً ضرورة إعادة الإعمار وتحقيق العدالة، ومطالباً المجتمع الدولي بعدم التخلي عن الشعب السوري.

في 9 من حزيران 2019، أرسل البابا فرنسيس رسالة إلى رئيس النظام المخلوع بشار الأسد، عبر الكردينال بيتر توركسون، حثّه فيها على إنهاء القتال، وضمان عودة النازحين، ومعاملة المعتقلين السياسيين بإنسانية، والدفع نحو مفاوضات سياسية جادة.

وفي أول موقف علني له بعد سقوط نظام بشار الأسد، دعا البابا فرنسيس مقاتلي عملية “ردع العدوان”، الذين أطاحوا بالنظام، إلى تحقيق الاستقرار في سوريا والحكم بطريقة تعزّز الوحدة الوطنية. في عظته الأسبوعية بساحة القديس بطرس، في 11 من كانون الأول 2024.

—————————-

العودة إلى سورية… مغتربون غلبهم الشوق رغم الكلفة والأزمات/ ضياء الصحناوي

27 ابريل 2025

يُتوقع أن يشهد صيف العام الجاري عودة لنسبة أكبر من المغتربين إلى سورية، هؤلاء الذين مضت سنوات طويلة على حرمانهم من وطنهم ومن لقاء عائلاتهم، في ظل بعض التحسينات المشجعة.

بعد أكثر من 14 عاماً من الحرب والعقوبات الدولية، تشهد سورية منذ نهاية عام 2024 تحولات غير مسبوقة دفعت آلاف المغتربين السوريين إلى التخطيط لزيارة البلاد خلال صيف 2025. هذه العودة، التي تُعد الأولى بعد سقوط نظام بشار الأسد، تأتي في ظل تحسن نسبي في الأوضاع الأمنية، وإصلاحات جزئية في البنية التحتية، خاصة في مطار دمشق الدولي والمعابر الحدودية. 

وكشفت مفوضية شؤون اللاجئين الأممية، أن حوالي 400 ألف سوري عادوا من دول الجوار إلى وطنهم الأم منذ سقوط نظام الأسد. وقالت إنه خلال نفس الفترة عاد أكثر من مليون نازح داخليّ في سورية، ليصل إجمالي عدد السوريين الذين عادوا إلى ديارهم إلى أكثر من 1.4 مليون شخص.

يستذكر ميلاد الناصر، المغترب السوري في هولندا، أيام طفولته في المدرسة الابتدائية قبل أن يغادر منذ 11 عاماً. لم ينتظر حلول فصل الصيف لزيارة وطنه، بل فضّل التوجه إلى دمشق في يناير/كانون الثاني الماضي، ليصبح من أوائل المغتربين الذين عادوا بعد التغييرات السياسية. ويقول لـ “العربي الجديد”:” بدأت أبحث إمكانية السفر إلى سورية منذ الأيام الأولى لسقوط النظام السابق. كان هناك رحلات للخطوط الجوية القطرية إلى مطار دمشق. ورغم أن كلفة التذكرة من هولندا مروراً بالدوحة ذهاباً وإياباً تجاوزت 1400 دولار، إلا أن فرحتي بالعودة جعلتني لا أفكر حتى في ساعات الانتظار الطويلة في مطار الدوحة التي وصلت إلى 12 ساعة”.

ويشير الناصر إلى أن مجموع نفقات رحلته التي استمرت 15 يوماً، بما في ذلك الإقامة عند الأقارب والتنقلات وتناول الطعام في المطاعم واستئجار سيارة، لم تتجاوز ثلاثة آلاف دولار. ويضيف: “لولا تكاليف رحلة الطيران المرتفعة، لكان المبلغ الإجمالي أقل من ألفي دولار. أبحث في عروض شركات الطيران للصيف المقبل، مثل العديد من أفراد الجالية السورية في هولندا الذين ينتظرون العطلة الصيفية، وأتوقع أن يشهد يوليو/تموز وأغسطس/آب تجمعاً كبيراً للمغتربين السوريين في العاصمة دمشق”.

كلفة السفر الكبيرة عقبة أمام المغتربين السوريين في أوروبا

وأبدت الإدارة السورية الجديدة اهتماماً بإعادة تأهيل مطار دمشق الدولي والمعابر الحدودية، وقدمت التسهيلات الكبيرة للوافدين، وأمدّت المراكز الحدودية بعناصر مدربة على تقديم الخدمات اللازمة والتسهيلات والتعامل مع العابرين. وبحسب تقارير صادرة عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان عام 2023، فقد كانت الحواجز الأمنية تمثل العائق الأكبر أمام المغتربين، وكانت تُفرض رسوم غير رسمية تصل إلى 300 دولار لكل حاجز في بعض الطرقات. لكن “الوضع اختلف جذرياً بعد إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية”، كما يؤكد منذر السلمان، وهو مغترب سوري في ألمانيا زار بلاده في مارس/آذار الماضي.

يقول السلمان لـ “العربي الجديد”: “الطرقات باتت أكثر أمناً، ولم أدفع سوى 50 دولاراً للتنقل من بيروت إلى دمشق عبر سيارة نقل عام، مقارنة بـ 400 دولار في السابق بسبب الرشاوى. التحسن لم يقتصر على الطرق البرية، بل شمل أيضاً المطار، وتكاليف السفر لم تتعد 500 دولار ذهاباً وإياباً، حيث لا رشى ولا ابتزازات كالسابق من قبل موظفي المطار، ولم تعد تُفرض رسوم جمركية كبيرة على الحمولات، إضافة إلى أمور أخرى منحت السوريين فرصة للزيارة، وأعتقد أن صيف دمشق سيكون مختلفاً هذا العام”.

ولا تقتصر أمور التسهيلات على أجور النقل الداخلية وتخفيض الضرائب، إذ يؤكد تقرير لمنظمة الطيران المدني الدولي مؤخراً أنه بعد إعادة تأهيل مطار دمشق الدولي، انخفض متوسط وقت التفتيش من 3 ساعات إلى 45 دقيقة، الأمر الذي يعتبر نقلة نوعية في التعامل مع المسافرين في حرم المطار.

وفي شهادة تعكس التحول الجذري في طبيعة التعامل الأمني، يروي حسان أبو علي، أحد أهالي السويداء، تجربته أثناء توجهه إلى مطار دمشق الدولي لاستقبال أحد المغتربين. لفت انتباه أحد عناصر الحاجز الأمني لوحة سيارته التي تحمل اسم السويداء، ليقترب منه ضاحكاً ومتسائلاً: “من بيت أبو قعقور أو بيت أبو مالحة؟”، في إشارة إلى المسلسل التلفزيوني “الخربة”.

وأوضح العنصر الأمني الذي تبين أنه من محافظة إدلب، أنه حفظ لهجة أهالي السويداء من المسلسل، وأنه يحلم بزيارة البلدة التي تم تصوير العمل فيها منذ سنوات. ويشدد أبو علي على التغيير الكبير في الحواجز الأمنية، التي تحولت من نقاط للابتزاز وفرض الإتاوات وإذلال المسافرين، إلى مراكز تقدم الخدمات والتسهيلات مع الحفاظ على الأمن. ويؤكد أن اختفاء هذه الممارسات ساهم في إلغاء تكاليف إضافية كانت تثقل كاهل المسافرين، وكانت في بعض الأحيان تفوق كلفة السفر إلى سورية.

رغم ما سبق، تبقى عقبة السفر بالنسبة للمغتربين في أوروبا. وتُظهر بيانات شركة “سكاي سكانر” أن متوسط سعر تذكرة الطيران من أمستردام إلى دمشق عبر الدوحة يصل إلى 1400 دولار، بينما لا يتجاوز 600 دولار من إسطنبول، ما يدفع كثيرين إلى اختيار تركيا كنقطة عبور. وبالنسبة للمغتربين السوريين في الخليج، يُعتبر السفر البري عبر الأردن أو لبنان الخيار الأوفر، وتصل كلفة السيارة الخاصة ذهاباً وإياباً إلى 400 دولار، بما في ذلك رسوم التأمين والحدود، وفقاً لاتحاد النقل البري السوري.

أما التحدي الأكبر، فيبقى في إصدار جوازات السفر. بعد قرار الحكومة الانتقالية خفض رسوم جوازات الحجاج بنسبة 50%، يطالب المغتربون في دول الخليج الحكومة بتعميم هذا القرار ليشمل السوريين غير المعتمرين والحجاج.

ويقول محمد العمري، السوري المقيم في السعودية وأحد أهالي درعا، لـ “العربي الجديد”، إنه قرر وعائلته السفر إلى سورية بسيارتهم الخاصة هذا الصيف. لكن العقبة الكبرى هي تكاليف استصدار الجوازات السورية. ويوضح أن الأسرة المكونة من خمسة أفراد تحتاج إلى حوالي 5000 دولار للحصول على جوازات سفر فورية، بسبب الصعوبات البيروقراطية في منصات الدور الإلكترونية وبطء إصدار الجوازات عبر القنصليات.

ويوجه العمري نداءً إلى الحكومة الجديدة لتعديل تسعيرة الجوازات، مشيراً إلى أن تخفيض الرسوم بنسبة 50% للحجاج يعد سابقة إيجابية يمكن تعميمها. ويعرب عن تفاؤله بأن الحكومة ستقدم المزيد من التسهيلات خلال الفترة المقبلة لجذب المغتربين ورجال الأعمال، ما قد يساهم في عودة السياحة إلى سورية ولبنان بعد غياب دام أكثر من 14 عاماً.

كما يتطرق العمري إلى قضية تذاكر الطيران، قائلاً إن كلفة تذكرة الطيران من السعودية إلى سورية للفرد الواحد تبلغ حوالي 500 دولار، بينما لا تتجاوز الكلفة الإجمالية للسفر براً بسيارة خاصة ذهاباً وإياباً، بما في ذلك رسوم العبور والتصاريح لمدة ثلاثة أشهر، الـ 400 دولار بغض النظر عن عدد الركاب. ويتحدث عن الميزة الإضافية المتمثلة في توفير تكاليف استئجار سيارة داخل سورية، والتي تقدر بما بين 500 دولار و1000 دولار شهرياً. كما يذكر أن تكاليف الإقامة تظل معقولة مقارنة بمستويات المعيشة في دول الاغتراب، خصوصاً للمقيمين في أوروبا.

من جهة أخرى، يقف تدني الخدمات الأساسية في سورية عائقا أمام عودة الكثير من المغتربين. على سبيل المثال، لا يتجاوز معدل التزويد اليومي للكهرباء 4 ساعات في دمشق وساعتين في حلب، وفقاً للمرصد السوري للطاقة. بينما تعتمد بعض المناطق الريفية بالكامل على مولدات خاصة، حيث يصل سعر كيلوواط الساعة فيها إلى 0.5 دولار، مقارنة بـ 0.02 دولار قبل الحرب.

ويقول عمر الحسين من السويداء والمغترب في ألمانيا، لـ “العربي الجديد”، إن “تدهور الخدمات يجعلنا نؤجل فكرة العودة؛ فهنا كل شيء مؤمن. أما في سورية، فجلها متوقف أو منهار ما أثر على الحركة الاقتصادية. وهذا غير مشجع”.

وفي قطاع السياحة، شهدت بعض الفنادق في دمشق انتعاشاً طفيفاً، وارتفع معدل الإشغال من 10% في 2023 إلى 35% في مايو/أيار الماضي، وفقاً لاتحاد الفنادق السورية. لكن الأسعار ما زالت مرتفعة، إذ يبلغ متوسط سعر الغرفة في فندق 4 نجوم 120 دولاراً لليلة الواحدة لغرفة بسرير واحد. وهذا أيضاً يجعل المغتربين الذين فقدوا منازلهم في الحرب يتأخرون عن العودة، كما يقول علي عبد الصمد من ريف دمشق، الذي دمر منزله في القصف.

أما على الصعيد الاقتصادي، فتسعى الحكومة الانتقالية إلى تحفيز المغتربين على الاستثمار، عبر إلغاء بعض القيود المفروضة على تحويل الأموال، وإصدار “جواز المستثمر” بكلفة مخفضة تصل إلى 200 دولار بدلاً من 1000. ونجحت هذه الإجراءات بعض الشيء في جذب 150 مليون دولار من تحويلات المغتربين خلال الربع الأول من 2025، بحسب البنك المركزي السوري. لكن العقبات بقيت كبيرة، خاصة مع استمرار العقوبات الغربية على القطاعات الحيوية مثل النفط والمصارف، ما يحدّ من قدرة المغتربين على ضخ أموالهم. وبحسب الخبير الاقتصادي عاطف رافع، فإن المغتربين الذين يملكون أموالاً ويريدون استثمارها لن يتجرأوا على ذلك حالياً، وقبل أن ترفع العقوبات الاقتصادية عن البلاد.

ويقول لـ “العربي الجديد” إن على الحكومة تقديم ضمانات لجر الاستثمار وتحفيز المستثمرين السوريين المغتربين أكثر، لكن ذلك أيضاً ليس بالأمر السهل ويحتاج إلى سنوات.

العربي الجديد

—————————–

القيادة الجديدة لتجار دمشق.. لئلا تكون شاهد زور مجدداً/ إياد الجعفري

الأحد 2025/04/27

قبل أيام، كتب وزير الاقتصاد والصناعة السوري، محمد نضال الشعار، منشوراً على صفحته الشخصية في “فيسبوك”، يقول: “هل تدخلت وزارة الاقتصاد والصناعة في تشكيل مجلس إدارة غرفة التجارة في دمشق؟ كانت انتخابات حرة ونزيهة. وصلني التشكيل عبر الواتساب. مبروك للجميع.. معاً نبني سوريا”.

كان مضمون المنشور غريباً للمطلعين. فالشعّار يتمتع بثقة كبيرة من جانب فريق واسع من المراقبين والمتخصصين بالشأن الاقتصادي السوري. لكن على منشوره المشار إليه، إشارات استفهام كثيرة. فهو ينفي تدخل وزارته في تشكيل مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق. لكننا نجد أن الغرفة ذاتها قد نشرت على صفحتها الرسمية في “فيسبوك”، قراراً صادراً عن الوزير الشعّار نفسه، بتاريخ 17 نيسان الجاري، يقضي بإضافة 5 أسماء إلى مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق. إضافة الشعّار تلك، جاءت استتباعاً لقرار تعيين مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق في 26 آذار الفائت، والصادر عن وزير التجارة الداخية السابق في حكومة تصريف الأعمال التي سبقت الحكومة الحالية، والتي أدارت مؤسسات البلاد مؤقتاً، منذ سقوط النظام المخلوع في 8 كانون الأول 2024.

أي أن مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، القائم اليوم، مُعيّنٌ من جانب الحكومة السابقة، وتم إضافة أسماء معدودة إلى تشكيلته، من جانب الحكومة الراهنة. فعن أي انتخابات “حرة ونزيهة”، تحدث الوزير في منشوره؟ الجواب يتعلّق بانتخاب المكتب التنفيذي ورئيس غرفة تجارة دمشق، قبل نحو أربعة أيام. أي أن مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، المُعيّن من قبل حكومة تصريف الأعمال السابقة، هو من انتخب القيادة الجديدة للغرفة. وهو ما علّق عليه رئيس الغرفة الجديد، عصام زهير الغريواتي، في حديث لصحيفة “الشرق الأوسط”، بأنه نتاج الوضع الاستثنائي الذي تعيشه سوريا، “ومن ثمّ القرارات التي تصدر في ظل هذا الوضع تكون استثنائية”. لكنه أكد على أن الأعضاء المعينين، جميعهم تجار دمشقيون “أباً عن جد”، “ولديهم كفاءات عالية، ومشهود لهم بالسمعة الحسنة، ولا أظن وجود أي اعتراض عليهم”. فيما وصف انتخاب أعضاء المكتب التنفيذي، بأنه تم “بطريقة حرة”، ليقول إنها “أول مرة تجري الانتخابات بشفافية مطلقة”.

وهكذا، كان مصير غرفة تجارة دمشق، كمصير مختلف المؤسسات التمثيلية القائمة في سوريا، بعيد سقوط النظام السابق. مُعيّنة من جانب السلطة القائمة في دمشق، بحكم المرحلة الانتقالية. مع الإشارة إلى أن مدة تكليفها تنتهي بنهاية الدورة الحالية لإدارة الغرفة. أي بنهاية أيلول 2028، وفق قرار تعيين أعضاء مجلس إدارة الغرفة، الصادر في آذار الفائت.

دعنا نشير بدايةً، إلى أنه لا اعتراض لدينا فعلاً على الشخصيات التي تم انتخابها في المكتب التنفيذي للغرفة. خصوصاً لجهة رئيسها، عصام الغريواتي، وهو نجل رجل الأعمال الدمشقي الكبير، زهير الغريواتي، وشقيق الصناعي البارز، عماد الغريواتي. وهم من أعلام التجارة والصناعة في دمشق وعموم سوريا لعقود خلت. وكانوا ممن غادروا البلاد بعد 2011، إثر رفضهم الانصياع لتوجيهات نظام الأسد بتمويل ميليشيات الشبيحة. وتم إصدار قرارات بالحجز الاحتياطي على أموالهم، في العام 2017.

لكن الاعتراض هو على طريقة تكليفهم بقيادة غرفة تجارة دمشق. فإن كان يمكن تفهّم صعوبة انتخاب رئيس الجمهورية، وانتخاب سلطة تشريعية تمثّل السوريين بالفعل، بذريعة الظروف التي تعيشها البلاد، فكيف يمكن تفهّم صعوبة انتخاب مجلس إدارة لغرفة تجارة دمشق التي تمثّل مجتمعاً من التجار يتجاوز بصورة محدودة 4500 تاجر! مع الإشارة إلى أن العرف الانتخابي في هذه الغرفة التي يعود تأسيسها إلى العام 1830، بقي سارياً حتى في أحلك الظروف، عبر تاريخ البلاد المعاصر. ورغم أن نظام الأسد شوّه هذا العُرف الذي كان تقدمياً للغاية، حين إرسائه، إلا أنه بقي سارياً، حتى مع تشويهه. ومع سقوط النظام السابق، كان من المُفترض إحياء هذا العُرف مجدداً، باتجاه إعادة بث الحياة في المؤسسة التي تمثّل واحدة من أكثر الشرائح الاجتماعية تأثيراً في تشكيل سوريا بعيد العام 1920 وحتى مطلع الستينات. فهم، تجار دمشق، الذين كان لهم باعهم العريض في السياسة والاقتصاد، حتى تمكن النظام السابق من ترويض الكثير منهم، وفق معادلات الولاء والفساد التي أسّس عليها أركان حكمه المديد.

وإن كنا لا نعرف المعايير التي اعتمدها من عيّن أعضاء مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق الجديد، إلا أن هذا الإيحاء نحو تعزيز سيطرة السلطة القائمة، يبقى مقيّداً بعاملين. الأول، حياة جديدة بعثت في مجتمع التجار، منذ سقوط النظام السابق، يمكن التقاط إحدى مؤشراته عبر التفاعل المختلف نوعاً وكماً، على صفحة غرفة التجارة في “فيسبوك”، إذ بات كل منشور يزخر بعشرات التعليقات، وبسقف حرية تعبير غير مسبوق، وبانتقادات ومطالب مباشرة. بما في ذلك، انتقاد تعيين مجلس الإدارة الجديد، والمطالبة بالتراجع عنه. أما العامل الثاني، فهو الرهان على الأسماء الجديدة في المكتب التنفيذي لإدارة الغرفة، والتي تضم قامات بارزة من تجار دمشق، كي يعيدوا الحياة لدور هذه الغرفة العريق، في المشاركة بصنع القرار الاقتصادي الذي يخص التاجر الدمشقي بصورة خاصة، بعد أن مسخ النظام السابق دور هذه الغرفة، حتى انكفأ عنها تجار العاصمة، وانحدرت أعداد المنتسبين إليها إلى نحو النصف خلال السنوات التي تلت 2017. وبدفعٍ من سقف حرية التعبير المرتفع والرغبة العارمة في التغيير، تصبح مسؤولية القيادة الجديدة للغرفة، ألا تسمح للسلطة مجدداً بتدجينها، لتكون شاهد زور على علاقة مشوّهة بين طبقة حيوية، كتجار دمشق، وبين من يقبع في القصر الجمهوري.

المدن

—————————

ظل الشرع خارج القصر..سلامة إلى الشمال السوري لحماية المكتسبات؟/ خالد الخطيب

الأحد 2025/04/27

أثار قرار تعيين عبدالرحمن سلامة، في منصب النائب المشرف لمحافظ حلب على مناطق بريفي حلب الشمالي والشرقي الكثير من التساؤلات، وذلك بسبب توليه منصب صغير في إدارة الدولة بالرغم من كونه إحدى الشخصيات المقربةً من الرئيس السوري أحمد الشرع، وظهوره المتكرر في القصر الجمهوري وملازمته له في العديد من الزيارات واللقاءات الداخلية والخارجية.

وكشفت مصادر متابعة لـ”المدن”، أن إبعاد سلامة عن القصر جاء بعد تسريب معلومات تتحدث عن وقوع خلافات حول قضايا اقتصادية وإدارية بينه وبين أخوة الرئيس الشرع، حازم وماهر. وأضافت أن “ابتعاد سلامة عن القصر وتوجهه نحو مناطق الشال السوري هو قرار شخصي ولم يتم إبعاده بشكل مقصود”.

وبموجب قرار التعيين الذي أصدره محافظ حلب عزام غريب، تسلم سلامة الإشراف على مناطق عفرين وأعزاز في الريف الشمالي والباب، وجرابلس ومنبج، شمال شرقي حلب، وهي مناطق تتواجد فيها الحكومة المؤقتة التي لم توقف أعمالها حتى الآن، وتدار في معظمها عن طريق مجالس محلية بدعم وإشراف تركي، وهي على تماس مباشر مع مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية (قسد) قرب نهر الفرات.

وذكر قرار المحافظ، أن تعيين سلامة يأتي في إطار “تعزيز الإدارة المحلية ورفع مستوى التنسيق الخدمي والأمني في تلك المناطق، ضمن خطة المحافظة لتكثيف الحضور الإداري وتحسين الخدمات المقدمة للسكان”.

أمير حلب

ويعتبر سلامة، الرجل الثاني في هيئة تحرير الشام سابقاً، وهو من مدينة عندان بريف حلب الشمالي، تولى منصب أمير “جبهة النصرة” في حلب سابقاً، وهو كان أحد مؤسسيها.

وبعد سيطرة النظام السابق على كامل مدينة حلب أواخر العام 2016، خرج سلامة مع مقاتليه نحو مناطق إدلب ليتم تكليفه بإدارة الملف الاقتصادي، وإدارة كبرى الشركات التابعة للهيئة حينها وهي شركة “الراقي” للمقاولات، والتي تولت في ما بعد تنفيذ معظم مشاريع الطرق والمباني الحكومية، كالمدارس والمشافي ومباني الجامعة، وكان للشركة دور كبير في النهضة العمرانية التي شهدتها مناطق إدلب في ظل سيطرة الهيئة، وبنت الشركة الكثير من المجمعات التجارية التي كان ريعها يعود إلى خزينة الهيئة ونافذين في صفوفها.

ويرى الباحث السوري يونس الكريم، أن سلامة ليس شخصاً عادياً ليتم إبعاده بهذه السهولة، فهو الذراع الاقتصادية التي كان لها دوراً كبيراً في وصول حكومة إدلب إلى العاصمة دمشق.

ويقول كريم لـ”المدن”، أن ” تعيين سلامة في منصب بمحافظة حلب يهدف إلى منحه صفة قانونية رسمية، وابتعاده عن الشرع الذي كان أشبه بظله في القصر الجمهوري، بهدف الابتعاد عن عيون الناس ووقف الانتقادات المتكررة التي تصله، ولأن لديه مهمة مطلوب منه تأديتها في الشمال، وهي ضبط وتأكيد السيطرة على الجزء الذي كان يُطلق عليه اسم المناطق المحررة”.

ويضيف أن “وجود سلامة في الشمال مهم جداً بالنسبة للشرع في هذه المرحلة، خصوصاً بعدما بات يظهر على أهالي المناطق هناك امتعاض متزايد من سياسات حكومة دمشق، كما يفترض أن يلعب سلامة دوراً في فرض الهيمنة والإشراف المحكم على النشاط العسكري لفصائل الجيش الوطني”.

تطويق الجبهة الشامية؟

ويرى كريم أن وجود سلامة في الشمال من المفترض أن يقلص نفوذ “الجبهة الشامية” المتصاعد (فصيل من الجيش الوطني شارك مع الهيئة في عملية ردع العدوان)، وهي محاولة لتطويق هذا النفوذ، أي تقليص قدراتها الإدارية والتنظيمية والاقتصادية، بالإضافة للدور المفترض لسلامة في فرض السيطرة والرقابة على المعابر الحدودية مع تركيا، ونقل الموارد وجزء من مقدرات الدولة من العاصمة إلى الشمال لحمايتها من التهديدات المحتملة.

وبحسب الكريم، “يظهر أن نقل سلامة نحو مناطق الشمال ليس إجراء روتينياً بل هو جزء من سياسة أوسع للشرع تهدف للسيطرة الشاملة على الشمال، وليس لهذه المهمة إلا سلامة، الرجل القوي في الشمال، والذي يثق فيه الشرع”.

المدن

—————————

هل بات الإسلاميّون مجرّد حدث أمني؟/ حازم صاغية

27 أبريل 2025 م

حُظّرت، في الأردن، «جماعة الإخوان المسلمين» وصُنّفت جمعيّة غير مشروعة، وهذا بعد كشف خليّة اتُّهمت بـ»التخطيط لتنفيذ أعمال إرهابيّة». وكان من الأوصاف شبه الرسميّة التي تداولها الإعلام أنّ «الجماعة»، وهي وثيقة التداخل مع «حماس»، «تعرّض حياة الأردنيّين للمخاطر».

ترافق هذا التطوّر مع اعتقال وزارة الداخلية السوريّة قياديّين في «حركة الجهاد الإسلاميّ»، واكتشاف تورّط لـ»حماس» في إطلاق صواريخ من لبنان، وهو ما يُستبعَد حصوله دون موافقة «حزب الله». وإذ يميل مؤيّدو نظام الشرع إلى وصفه بالإسلاميّ «السابق»، فإنّ الضغط الأكبر عليه يطال تخلّصه من المسلّحين الإسلاميّين غير السوريّين بوصفهم التجسيد الأشدّ نتوءاً لتصادم الإسلام السياسيّ مع الدولة والوطنيّة السوريّتين.

ومستجدّات كهذه باتت توحي أنّ ما يجري من تنازُع ذي طبيعة أمنيّة بات يستولي على الحدث المشرقيّ، وأنّ الجماعات الإسلاميّة التي تنهال عليها الضربات تتقدّم من العالم كعصابات لعنف محض لا تخالطه السياسة إلاّ في الحدّ الأدنى. فلبّ «برامجها» السياسيّة هو عبور الحدود الوطنيّة للدول واستخدامها معابر لعمليّات عنفيّة، والأمر غير شرعيّ تعريفاً. وفي آخر المطاف يلوح السلاح، بامتلاكه وباستعماله، قضيّة قضاياها. فمسألة لبنان الأولى هي اليوم نزع سلاح «حزب الله»، وهي نفسها المسألة التي تقفز بسرعة إلى صدارة الحياة السياسيّة العراقيّة حيث يتزايد المطالبون بتقليم أظافر «الحشد الشعبيّ» وسلاحه، فيما يُرجّح أنّ يتأدّى عن إضعاف إيران تسريع للوجهة هذه.

وتتكفّل اللغة السائدة إيضاح ما لم يتّضح من هذا النشاط. هكذا تتكاثر، عند تناول المسلّحين الإسلاميّين، المصطلحات إيّاها التي تُستعمل في الكلام عن المهرّبين الحدوديّين والخارجين على القانون، كـ «التهريب» و»العصابات» و»المعابر»… وتضيف «حماس» إلى هذا القاموس مصطلح «الخطف»، المألوف في عالم المهرّبين، ليس فقط لخطفها رهائن 7 أكتوبر، بل أيضاً لرفضها تسليم من تبقّى منهم بما يقطع الطريق على حرب نتانياهو الإباديّة.

ويمتدّ التعاطي هذا إلى إيران بوصفها، أقلّه في نظر الدول الغربيّة، «دولة مارقة». وكان لافتاً في الأسبوع الماضي استدعاء الخارجيّة اللبنانيّة السفير الإيرانيّ في لبنان احتجاجاً على تغريدته حول «مؤامرة» نزع سلاح «حزب الله»، وهذا بعدما بات لبنان يحظّر الرحلات الجوّيّة الإيرانيّة إليه، فيما تعكف سلطاته على ضبط حدوده البرّيّة والبحريّة.

بلغة أخرى، فظاهرة الإسلام السياسيّ، بسنّتها وشيعتها، بحاكميها ومحكوميها، بدولتها القائدة وأطرافها المَقودة، تُرسم ظاهرةً أمنيّة أضعافَ أضعافِ رسمَها ظاهرةً سياسيّة. ولئن اتُّهمت الحكومات بتعميم هذه الصورة فإنّ ما ساعدها في ذلك أنّ الإسلاميّين غير معروفين أصلاً بتصوّرات وأفكار سياسيّة تتعدّى عموميّاتهم عن الدين والدولة والجهاد. وبدوره جاء «طوفان الأقصى» ليتوّج هذا الافتقار الى الأفكار والتصوّرات السياسيّة، أو أنّه شكّلَ، هو نفسه، المُعادل العمليّ لذاك الافتقار. وهذا إلى جانب اصطباغ الإسلاميّين، أو معظم حركاتهم، بالميليشيات كحالة غير شرعيّة تناقض الدولة والانتظام السلميّ للحياة.

وحين يردّ الإسلاميّون اليوم على ما ترميهم به الحكومات فكلّ ما يفعلونه هو توكيد خوائهم السياسيّ بالاتّكاء على تهديدات من طبيعة أمنيّة. ففي لبنان مثلاً، يظهر في ذاك الوسط، وبلا توقّف، مَن يمارس التخويف بالحرب الأهليّة، أو «بقطع الأيدي» التي تمتدّ إلى سلاح «الحزب». أمّا الأردن فاتّهمته صحيفة ممانعة بأنّه «يجازف باستقراره» إذ يحظّر «الإخوان»…

وتنحسر «مخاطبة الأمّة وشحذ عزيمتها» إلى مبالغات كلاميّة من صنف يأنفه عقل البَعوض، عن انتصارات متلاحقة وإنجازات تحقّقها التنظيمات المحطّمة في غزّة ولبنان، أشدُّها كاريكاتيريّة إعلانات الحوثيّين اليمنيّين «إصابة أهداف في العمق الإسرائيليّ».

وهكذا يواجهنا طور جديد من الإفلاس الإسلامويّ يتحوّل فصلاً آخر من فصول محو آثار «طوفان الأقصى». فهل نحن ندخل حقبة ما بعد الإسلام السياسيّ؟ والحال أنّ من المبكر تقديم إجابات قاطعة، والإسلاميّون بارعون في التعويل على إخفاق سواهم، ومَن يدري فقد يظهر بين مُحبَطيهم من يبشّر بالانسحاب إلى الإرهاب الصريح، ومن يستعيد سيّد قطب فيرمي المجتمعات بالعيش في الجاهليّة وانتظار الخلاص على يد «عصبة مؤمنة». لكنْ في الأحوال كافّة، يُفترض بالحلّ الأمنيّ أن يكون بداية لا نهاية، أو أنّ هذا ما يصبو إليه الراغب في حلول تتّصف بالديمومة وتمهّد للاستقرار. ذاك أنّ المُلحّ الانكباب على صياغات سياسيّة وفكريّة تجفّف المياه الآسنة للتيّار هذا، فتؤكّدعلى الوطنيّة التي تسدّ ما قد يتركه الضمور الإسلامويّ من فراغ، وتحاصر نزعات نضاليّة، طائفيّة وإثنيّة، قد تعانق هذا الإسلام السياسيّ أو ذاك. ويبقى من الأساسيّ دوماً توسيع الحيّز الذي تُلبّى فيه مصالح المواطنين وحقوقهم، والاشتغال على نظريّة تضمن، على المدى الأبعد، تحرير السياسة ومصادر الشرعيّة ممّا هو غير سياسيّ. وهذا جميعاً يستدعي التخفّف من نظرة ضدّيّة إلى العالم غالباً ما شكّلت تربة صالحة لجموح الإسلامويّين. لكنْ يبقى أنّ وقف القتل الإسرائيليّ في غزّة هو الشرط السابق على كلّ شرط لازم.

الشرق الأوسط

——————————–

السوريون أولا/ عالية منصور

آخر تحديث 26 أبريل 2025

بعد طلبات وردود مباشرة وغير مباشرة بين الحكومة السورية الجديدة والإدارة الأميركية، وصل وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى نيويورك، فكان أول حضور لمسؤول سوري رفيع في مجلس الأمن بعد سقوط الأسد.

لقد ألقى الشيباني كلمة طالب فيها برفع العقوبات المفروضة على سوريا، كما طالب مجلس الأمن بممارسة الضغط على إسرائيل للانسحاب من سوريا، معتبرا أن “العدوان الإسرائيلي المستمر على بلاده يقوض السلام والأمن اللذين نسعى إلى تحقيقهما”.

جاءت كلمة الشيباني عقلانية ومدروسة، تمثل عقلية دولة تسعى للنهوض بعد عقود من الذوبان في مشاريع إقليمية وعقائدية، وأجاب بكلمته على معظم الطلبات الأميركية التي سُلمت له سابقا في بروكسل، وجاءت متماهية مع الرد الذي أرسلته دمشق في وقت سابق.

وفي الواقع، فإن سياسة سوريا الخارجية منذ سقوط نظام الأسد لا تتمتع فقط بالبرغماتية كما يتم وصفها بل بالعقلانية والهدوء، ويدرك المسؤولون السوريون اليوم أن البلاد منهكة وبحاجة لدعم الجميع لرفع العقوبات وإعادة الإعمار وعودة اللاجئين، وقبل ذلك كله لتثبيت الاستقرار وخصوصا مع كثرة المتربصين من إيران التي خسرت مشروعها في المنطقة بسقوط الأسد، وأذرعها التي خسرت ممر التمويل والتسليح وتصنيع المخدرات، إلى بقايا النظام الذين خسروا امتيازاتهم بالنهب والقتل والفساد، وصولا إلى “داعش”.

وتدرك حكومة الرئيس أحمد الشرع أن دول الجوار والإقليم والعالم أجمع عانى لعقود من تصدير نظامي الأسد الأب والولد للفوضى والإرهاب والمخدرات، وأن إعادة بناء الدولة الجديدة يتطلب قطيعة مع تلك الأساليب والسياسات.

في خطاب الشيباني أيضا رسائل للخارج عن الداخل السوري، فقد صرح أنهم بصدد الإعلان “عن خطوات جادة لتشكيل برلمان وطني يمثل الشعب السوري”، وشدد على أن العقوبات “تُقيد قدرتنا على تطبيق العدالة الانتقالية وضمان الأمن”، مؤكدا أن رفع العقوبات سيكون “خطوة هامة تساهم في تحويل سوريا لشريك نشط وقوي في السلام والاقتصاد الدولي”. واعتبر أن “العالم بحاجة إلى سماع متطلبات الشعب السوري، بعد أن كان يتم تمثيله بطريقة خاطئة، فاليوم هناك سوريا جديدة وفرصة جديدة تصنع في المنطقة العربية.

ولكن على الجانب الآخر، في سوريا، فإن ما ينتظره الكثير من السوريين هو الخطابات الموجهة إليهم، خطابات بنفس الهدوء والعقلانية، تخاطبهم بشفافية وخصوصا مع زيادة حالات التململ الحاصلة وتحديدا بملف العدالة الانتقالية وبقايا النظام، بعيدا عن العواطف والتعاطف. لماذا لا نسمع خطابا موجها لأهالي الضحايا يخبرهم بأن هيئة العدالة الانتقالية ستشكل قريبا وأن العقوبات، كما قال الشيباني، تعوق انطلاق مسار العدالة؟ لماذا لا يعلم السوريون ما دور الفلول اليوم وهم يأخذون حيزا واسعا من الصورة، هل كان لهم دور في إسقاط النظام؟ هل سيتعاونون بالكشف عن خفاياه؟ تكاد لا تصل معلومة إلى السوريين إلا وهي بحاجة لبحث وتقص.

لا شك أن التحديات كبيرة داخليا وخارجيا، ولا شك أن العقوبات من أبرز العوائق أمام انطلاق العمل بشكل منتظم في سوريا، ولكن بعد 4 شهور على بداية عهد جديد في سوريا، صار من الضروري أن يوجه الخطاب إلى الداخل وأن يطلع السوريون على خطة عملية بإطار زمني واضح، فكما أن الخطاب إلى الخارج عقلاني وهادئ، فإن السوريين يحتاجون إلى خطاب يخاطب عقولهم بعيدا عن شعبوية الشعبويين الذين تفسح لهم الحكومة الحيز الأكبر من عملية صناعة الرأي العام، في ظل غياب إعلام رسمي حقيقي وواعٍ، حتى بات هؤلاء هم مصدر المعلومة الوحيد أمام السوريين، وهذا المصدر تختلط فيه الحقيقة مع السذاجة مع الكثير من الاستعراض.

إن عملية تحقيق الاستقرار تبدأ من بناء جسور الثقة مع الشعب السوري وتقديم خطاب حقيقي عقلاني وهادئ شبيه بالخطابات التي تقدمها الحكومة للرأي العام العالمي، فنجاح الحكومة في إقناع الداخل هو الشرط الأساسي لنجاحها في الخارج، وهذا يتطلب إعادة النظر في كيفية إدارة الخطابين السياسي والإعلامي وعدم ترك السوريين فريسة للمتسلقين ومؤثري “السوشيال ميديا” فهؤلاء ضررهم أكثر من نفعهم.

المجلة

————————–

سورية باتت خطًّا أماميًا لحماية الأمن السعودي/ هشام الغنام

تسعى الرياض إلى إدارة النفوذ الإيراني والإسرائيلي والتركي، بل ومواجهته في الكثير من الأحيان، في إطار لعبة أممٍ جديدة في سورية. أمّا نجاح المملكة في ذلك فيعتمد على قدرة القيادة السورية الجديدة على توحيد البلاد الممزّقة بسبب الحرب.

نشرت في 24 أبريل 2025

إضاءة على النزاعات في المناطق الحدودية

في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا، تستمر النزاعات ويسود اللااستقرار في المناطق الحدودية المتنازَع عليها حيث تتفاعل التوترات المحلية مع الديناميكيات الإقليمية والعالمية. وفي هذا الصدد، تعمل مؤسسة آسيا ومعهد الأخدود العظيم ومركز كارنيغي للشرق الأوسط معاً من أجل تحقيق فهم أفضل لأسباب النزاعات في هذه المناطق الحدودية وتأثيراتها وأبعادها الدولية، ودعم اعتماد أساليب أكثر فاعلية لصنع السياسات وبرمجة التنمية، وبناء قدرات الشركاء المحليين من أجل تفعيل البحوث الآيلة إلى الدفع نحو التغيير السلمي.

للمزيد من المعلومات

مقدّمة

على الرغم من معارضة المملكة العربية السعودية لنظام بشار الأسد، ساورها قلقٌ بالغٌ بشأن مستقبل سورية عَقِب الإطاحة به، وذلك لأسباب عدّة. فتركيا توسّع نفوذها في شمال سورية مستغلّةً انتشارها العسكري هناك ودعمها لفصائل سورية قد تسعى إلى إعادة ترتيب موازين القوى على حساب السعودية. كذلك، شكّل سقوط نظام الأسد ضربةً لاستراتيجية إيران الإقليمية، بعد أن ساهمت في إبقاء النظام في الحكم، وهي الآن تسعى جاهدةً لاستعادة بعضٍ من نفوذها السابق في سورية، وهذا احتمالٌ تودّ الرياض تجنّبه. إضافةً إلى ذلك، تبقى إسرائيل شوكةً في خاصرة السعودية من خلال إضعاف النظام السوري الجديد وضرب القدرات العسكرية السورية، ونسج روابط سياسية واقتصادية مع وجهاء الدروز في سورية من أجل استمالة الطائفة الدرزية.

تشكّل هذه العوامل مدعاة قلق للسعودية، وتشمل بعض شواغلها الملحّة الحؤول دون نشوب صراع طائفي في سورية، وضمان استتباب الأمن على طول حدودها مع الأردن والعراق، المعرّضة للتأثّر بتداعيات ما يحدث في سورية، سواء من خلال الإيديولوجيا الإسلامية السنّية المتشدّدة، أو نشاط الميليشيات الموالية لإيران، أو الإتجار بالكبتاغون. وتقتضي مصالح الرياض على المدى الطويل إعادة إحياء النفوذ السعودي في سورية والمنطقة ككل. ويسود شعورٌ في المملكة بأن عليها تعديل استراتيجيتها تجاه سورية من أجل تحقيق توازنٍ دقيق بين إرساء الاستقرار في البلاد من جهة، ومواجهة النفوذ التركي والإيراني والإسرائيلي المتنامي من جهة أخرى.

التحدّيات الثلاثة للمصالح السعودية في سورية

تتوجّس المملكة من المخطّطات التركية والإسرائيلية والإيرانية في سورية. وعلى الرغم من سعي كلٍّ من الرياض وأنقرة إلى مواجهة النفوذ الإيراني في البلاد، ثمّة تنافسٌ بينهما أيضًا. كذلك، تُعدّ تركيا حليفًا لقطر، التي كان تاريخها مع السعودية حافلًا بالخلافات، لذا تنظر الرياض بعين الريبة إلى مساعي توسيع النفوذ التركي أينما كان. أما إسرائيل، فتستغل الوضع الأمني ​​غير المستقر لمنع وقوع ما تبقّى من مخزون الأسلحة التابع للجيش السوري القديم، أو المعدّات والأسلحة الإيرانية المتروكة، في أيدي الجيش السوري الجديد، محاولةً في الوقت نفسه الاستفادة من علاقاتها المتنامية مع بعض الأقليات السورية، مثل الطائفة الدرزية، لتوسيع نفوذها. وعلى الرغم من تراجع الدور الإيراني في سورية بشكلٍ كبير منذ سقوط نظام الأسد، قد تستعيد طهران نفوذها هناك عبر استغلال الاضطرابات الأمنية المستمرة لإعادة إنشاء جيوب عسكرية في البلاد، وتأمين خطوط إمداد لحزب الله في لبنان. تخشى الرياض أن يؤدّي كل ذلك إلى زعزعة استقرار سورية، وتعزيز مكانة إيران الإقليمية، وتعقيد جهود المملكة الرامية إلى مواجهة وكلاء طهران في مختلف أرجاء الشرق الأوسط.

الواقع أن تركيا تُحكم سيطرتها في شمال سورية والمناطق المحاذية لنهر الفرات. ومنذ العام 2016، نفّذت عمليات عسكرية عدّة في هذه المناطق لكبح نفوذ المجموعات السياسية العسكرية الكردية. هذا وتدعم أنقرة الجيش الوطني السوري، وهو تحالفٌ من الميليشيات يسيطر على مناطق رئيسة في شمال سورية مثل عفرين، وأجزاء من ريف حلب (بما في ذلك منبج وتل رفعت)، وما يُسمّى بمناطق درع الفرات. في الوقت الراهن، يتراوح عدد مقاتلي الجيش الوطني السوري، الذي تَشكّل في العام 2017 بدعم تركي، بين 35 ألفًا و70 ألف عنصر. وتتمثّل مهمّته إلى حدٍّ كبير في تعزيز أهداف تركيا الاستراتيجية من خلال منع قوات سورية الديمقراطية من إرساء حكم ذاتي في شمال شرق سورية. يُشار إلى قوات سورية الديمقراطية هي تحالف يضمّ ميليشيات عرقية يسارية مدعومة من الولايات المتحدة وفصائل متمرّدة تشكّل وحدات حماية الشعب عمودها الفقري، وهذه الأخيرة عبارة عن فصيل كردي تعتبره أنقرة امتدادًا لحزب العمّال الكردستاني، عدوّها اللدود منذ عقودٍ من الزمن. ولا تزال تركيا تتوجّس من هذا الحزب على الرغم من أن زعيمه، عبدالله أوجلان القابع في أحد سجونها، دعا مؤخرًا حزبه إلى حلّ نفسه وإلقاء السلاح.

عمَدت أنقرة، من خلال العمليات العسكرية التي نفّذها الجيش الوطني السوري وسياسات إعادة التوطين التي تُحابي السكان العرب والتركمان، إلى تغيير التركيبة السكانية في مناطق مثل عفرين وتل رفعت، بهدف تقليص عدد السكان الأكراد وإضعاف نفوذهم. إضافةً إلى ذلك، أدخلت تغييرات على الأنظمة التعليمية والإدارية في هذه المناطق لنشر اللغة والثقافة التركيتَين. وشمل ذلك فرض مناهج تعليمية باللغة التركية في المدارس، ودمج الأنظمة الإدارية التركية في البنى التحتية التعليمية، ما عزّز نفوذ أنقرة في جزءٍ كبيرٍ من الشمال السوري. علاوةً على ذلك، شارك الجيش الوطني السوري، إلى جانب هيئة تحرير الشام، وهي الجماعة الإسلامية السنّية التي تتولّى زمام القيادة في سورية، في الهجمات التي أطاحت بنظام الأسد، وبالتالي امتدّ وجوده إلى خارج الشمال السوري. إذًا، تخشى المملكة من أن يؤدّي دور تركيا المتنامي – ولا سيما استخدام الجيش الوطني السوري وعودة اللاجئين السوريين من أجل إعادة تشكيل التركيبة السكانية وضمان قاعدة شعبية موالية لها في البلاد – إلى تغيير موازين القوى الإقليمية، معزّزًا مكانة أنقرة في سورية على حساب تقويض مكانة الرياض.

منذ سقوط الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، أقدمت القوات الإسرائيلية على توسيع انتشارها العسكري في مرتفعات الجولان إلى خارج المناطق التي تحتلّها منذ العام 1967، فدخلت المنطقة العازلة المنزوعة السلاح التي تديرها الأمم المتحدة، ونفّذت عمليات توغلّ برّي داخل الأراضي السورية، وكثّفت غاراتها الجوية على أهداف سورية، وهذه خطوات تقوّض رغبة المملكة في رؤية سورية مستقرّة وموّحدة وخالية من النفوذ الإيراني. وفي 18 آذار/مارس، أدانت وزارة الخارجية السعودية القصف الإسرائيلي للأراضي السورية، واعتبرته انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، متّهمةً إسرائيل بزعزعة أمن سورية واستقرارها من خلال هذه الانتهاكات المتكرّرة. وحثّت كذلك مجلس الأمن الدولي على الوقوف بشكل جادٍّ وحازمٍ أمام هذه الاعتداءات المتواصلة، ومنع اتّساع رقعة الصراع، وتفعيل آليات المحاسبة الدولية على هذه الانتهاكات.

كذلك، يحاول الإسرائيليون التقرّب من دروز سورية من خلال موفق طريف، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل. وعلى الرغم من معارضة قطاعات عدّة من الدروز السوريين، أيّد طريف بشدّة هدف إسرائيل المُعلَن المتمثّل في “حماية” الدروز من النظام الجديد في دمشق، لكن من دون تدخّل مباشر. في غضون ذلك، يبدو أن أحد الوجهاء الدروز في سورية، خلدون الهجري، قد التقى بمسؤولين أميركيين لم يُكشف عن هويتهم في واشنطن العاصمة، حيث حثّ إسرائيل على دعم ثورة مسلّحة على مستوى البلاد ضدّ النظام السوري الجديد. يُشار إلى أن خلدون شريكٌ مقرّب لحكمت الهجري (وتجمعه به صلة قرابة)، الذي هو رجل دين درزي مهم ينتمي لطائفة الموحّدين الدروز في سورية، بيد أن هذا الأخير قال إن خلدون لا يمثّله. في هذه الأثناء، سعت إسرائيل أيضًا إلى استغلال الأوضاع الاقتصادية الصعبة في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، إذ عرضت مساعدات تنموية وفرص عمل لبعض سكانها الدروز في مرتفعات الجولان المحتلّة، وذلك في إطار استراتيجية أوسع لتعزيز نفوذها. وتخشى السعودية من أن يُحدِث هذا التدخل الإسرائيلي في سورية فراغًا في السلطة قد يسمح لطهران، عن غير قصدٍ، بالعودة إلى البلاد. وتُفاقم هذا الهاجس مخاوف إضافية من انعدام الاستقرار الإقليمي الذي قد يهدّد نفوذ المملكة وأمنها.

إن قدرة إيران على إعادة بناء شبكة نفوذها في سورية في مرحلة ما بعد الأسد تعتمد جزئيًا على دورها الاقتصادي، ولا سيما من خلال تجارة الكبتاغون، التي قُدِّرَت قيمتها بنحو 10 مليارات دولار، وانخرطت فيها دمشق وحزب الله وطهران، وتلقّت ضربةً كبيرة بعد سقوط نظام الأسد. وقد برزت جهاتٌ جديدة لملء هذا الفراغ، مع العلم أن بعض الشبكات المرتبطة بإيران لا تزال ناشطة. تراقب السعودية عن كثب جهود إيران الرامية إلى استخدام العراق كنقطة عبورٍ لتوسيع نفوذها العسكري والاقتصادي في سورية. وتخشى الرياض بشكلٍ خاص من إقدام الميليشيات المدعومة من طهران على استغلال حالة انعدام الاستقرار في مرحلة ما بعد الأسد من أجل تحويل مسار تهريب المخدّرات من سورية إلى دول الخليج عبر الحدود العراقية.

في غضون ذلك، شهدت منطقة الساحل السوري أحداثًا أدّت إلى زعزعة استقرار البلاد بشكلٍ أكبر، ومن ضمنها الكمين الذي تعرّض له عناصر من قوات الأمن العام التابعة للنظام الجديد في آذار/مارس الفائت على أيدي متمرّدين علويين، ثم أعمال القتل التي نفّذتها هذه القوات بحقّ مئات المدنيين العلويين. قد يتيح شعور العلويين بالسخط والمظلومية الفرصة أمام إيران لإعادة إدراج نفسها في المعادلة السورية، ما سيعزّز قدرتها على دعم حزب الله المنهك في لبنان من خلال إحياء خطوط الإمداد القائمة أو إنشاء خطوط إمداد جديدة. ترى إسرائيل في عودة زخم النفوذ الإيراني إلى سورية تهديدًا أمنيًا كبيرًا، ما قد يدفعها إلى شنّ ضربة استباقية ضدّ الميليشيات المدعومة من إيران وهي في طور إعادة تنظيم صفوفها. وغالب الظن أن يؤدي ذلك إلى وقوع اشتباكات قد تسفر عن زعزعة الاستقرار الإقليمي على نطاق أوسع، ولا سيما إذا كان حزب الله منخرطًا في الأحداث.

تُعدّ استراتيجيات التدخّل التي تنتهجها تركيا وإسرائيل وإيران في سورية متشعّبة وطموحة، إذ تشمل المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والديموغرافية. وفي حال فشلت السعودية في وقف هذا التدخّل أو على الأقل إبطاء وتيرته، سيتعّرض دورها الراسخ كقوّة إقليمية وحامية للمصالح العربية، إلى انتكاسةٍ كبيرة. هذا الأمر من شأنه أن يشجّع تركيا وإسرائيل وإيران على اتّخاذ خطوات متزايدة، وأن يدفع ببعض الدول العربية، بما فيها دول الخليج المجاورة للسعودية، إلى تجاوز الرياض وتشكيل تحالفات إقليمية جديدة، أو العمل منفردةً لتحقيق أهدافها. في ضوء هذه السيناريوهات المُقلقة، تبذل المملكة جهودًا حثيثة من أجل تشكيل ثقلٍ موازنٍ في وجه النفوذ التركي والإسرائيلي والإيراني في سورية.

كيف تواجه السعودية التحدّيات المتعلقة بسورية

في أعقاب الإطاحة بالأسد، اتّبعت السعودية نهجًا متعدّد المسارات لتشكيل معالم المشهد السياسي في سورية. ويتضمّن ذلك مزيجًا من المساعي الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية الرامية إلى دعم النظام الجديد في دمشق وإعادة دمجه في محيطه العربي، ومنع أي محاولة إيرانية لاستئناف التدخّل في الشؤون السورية، واحتواء التوسّع الإسرائيلي في الأراضي السورية. إضافةً إلى ذلك، تدعو السعودية إلى رفع العقوبات الدولية عن دمشق، مُعتبرةً أن التعافي الاقتصادي أمرٌ ضروري لتحقيق الاستقرار في البلاد على المدى الطويل.

تَبرز استراتيجيتان تتّبعهما السعودية لتحقيق أهدافها في سورية. قد تبدو الاستراتيجية الأولى غير متوقّعة، إذ تستند إلى التعاون مع تركيا، التي تمارس نفوذًا واسعًا في سورية عبر شبكة وكلائها. وتتمثّل الاستراتيجية الثانية في استفادة الرياض من علاقاتها مع القبائل العربية في شمال شرق سورية المتعدّد الأعراق. أما في ما يتعلّق بإحباط المخطّطات الإسرائيلية، فلدى السعودية خيارات أقلّ تكمن في التعويل على السخاء الاقتصادي من أجل استمالة قطاعاتٍ من السوريين إلى جانبها وكسب تأييدهم، والضغط في الوقت نفسه على إسرائيل بالوسائل السياسية أو الدبلوماسية غير المباشرة.

التعاون السعودي التركي

يُعزى التنافس بين أنقرة والرياض إلى تباين مصالحهما من جهة، وإلى تزاحمهما بصورة أعمّ على موقع القيادة الإقليمية. فدعم تركيا للفصائل الإسلامية المتمرّدة، وبعضها جزءٌ من النظام الجديد، وطموحها لممارسة النفوذ أو السيطرة على مناطق مثل إدلب وحلب، يتعارضان مع المصالح السعودية. لكن على الرغم من التنافس القائم، بإمكان الدولتَين التعاون في بعض المجالات. فعلى سبيل المثال، تُعدّ تركيا مورّدًا بارزًا للسلاح إلى السعودية، التي تتطلّع إلى إبرام المزيد من هذه الصفقات، ما يعطي الرياض ورقة ضغط اقتصادية على أنقرة لا يمكن الاستهانة بتأثيرها.

والأهم، تتشارك السعودية وتركيا هدف الحدّ من النفوذ الإيراني في سورية والمنطقة. في الواقع، تعتبر الرياض أن أنقرة شريكٌ ضروري في هذا المسعى، نظرًا إلى الوجود العسكري التركي في سورية والعلاقات التي تجمع أنقرة بفصائل المعارضة السورية. ومنذ سقوط الأسد، عزّزت السعودية وتركيا تعاونهما الذي لم يعد يقتصر على مجرّد تبادل المعلومات الاستخبارية. في الواقع، يحقّق البلَدان تقاربًا متزايدًا في موقفهما من التهديدات الأمنية الناجمة عن رغبة إيران في استعادة دورها في سورية، ويسعيان إلى التصدّي لها من خلال توسيع نطاق نفوذهما في البلاد خلال المرحلة الانتقالية الراهنة.

وثمّة أيضًا إمكانية التنسيق معًا في ملفّ إعادة إعمار سورية، حيث يمكن أن تتضافر الاستثمارات المالية السعودية مع الخبرات التركية في قطاع الإنشاءات. وقد أعلنت المملكة أن المساعدات التي تقدّمها للشعب السوري ضمن الجسر الإغاثي “ليس لها سقف محدّد”، إذ ستبقى مفتوحةً لضمان إعادة إعمار البلاد واستقرار الوضع الإنساني في ظلّ الحكومة الانتقالية. إضافةً إلى ذلك، تشارك السعودية في تعهّد دولي بقيمة 6.5 مليارات دولار لمساعدة الحكومة الانتقالية في إعادة إعمار سورية، فيما أرسلت تركيا شركات هندسية إلى حلب ودمشق لتقييم حاجات البنية التحتية. ولكن التوافق بين الرياض وأنقرة لا يقتصر على الجوانب الاقتصادية، بل تركّز مناقشاتهما أيضًا على إرساء آلية مشتركة للتأثير على العملية الدستورية في سورية، بهدف تهميش حلفاء إيران وتوطيد أركان نموذج حكم سنّي. وقد يؤدّي هذا التعاون بين الجانبَين إلى تشكُّل محورٍ سعودي تركي رسمي حول الشؤون السورية، قد يُعيد ترتيب موازين القوى في منطقة المشرق العربي.

النفوذ السعودي على القبائل السورية

لطالما حرصَت المملكة على توطيد علاقاتها مع القبائل العربية في شمال شرق سورية، مثل شمّر، والبقارة، وطيّ، والبوسرايا، والعكيدات، وعنزة، والظفير، وبني خالد، والجبور، والنعيمي، مُستخدمةً الروابط القبَلية المشتركة، وطرق التجارة التاريخية، والدعم المالي، لخدمة المصالح السعودية. وتُعدّ هذه القبائل، التي تنشط في مناطق دير الزور والحسكة والرقة، أطرافًا رئيسة في الصراعات المحلية على السلطة. وشمل انخراط السعودية مع القبائل توفير الدعم المالي واللوجستي لها، وتَكثَّف هذا الانخراط بعد العام 2014، حين حشدت الرياض بعض القبائل لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية ونظام الأسد.

وهكذا، شكّلت مواجهة الدور الإيراني في الحملة الدولية ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية هدفًا سعوديًا أساسيًا، ولا سيما حين بدت طهران مستعدّة لاستخدام النجاح الذي حقّقه وكلاؤها في ساحات المعركة في شمال العراق من أجل بسط نفوذ أكبر في شمال شرق سورية عبر الحدود. وفي العام 2017، حين خاض كلٌّ من نظام الأسد والتحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة والميليشيات العراقية المدعومة من إيران القتال بشكلٍ منفصل ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية في سورية والعراق، كان الانخراط السعودي في الحملة واضحًا في مناطق مثل دير الزور، حيث دعمت الرياض الشبكات القبلية والقوات التابعة للمعارضة لتقويض كلٍّ من تنظيم الدولة الإسلامية والنفوذ الإيراني.

وفي منتصف العام 2018، كثّفت المملكة اتّصالاتها مع قوات سورية الديمقراطية من أجل تعزيز انخراط القبائل العربية في هذا التحالف الذي يقوده الأكراد. كان هدفها إضعاف النفوذ الإيراني في شرق سورية، ولا سيما في المناطق القريبة من الحدود العراقية، مثل دير الزور، واستخدام المسألة الكردية ورقةً استراتيجيةً للضغط على تركيا. وشملت خطوات المملكة تقديم دعمٍ مالي كبير إلى قوات سورية الديمقراطية، واستثمار 100 مليون دولار في أواخر العام 2019 في إطار جهود إرساء الاستقرار في المناطق المحرّرة من تنظيم الدولة الإسلامية في شرق سورية، ولا سيما في الرقة ودير الزور، وإعادة إعمارها. وكانت الدبلوماسية المباشرة عنصرًا أساسيًا في هذه الاستراتيجية، كما اتّضح من خلال زيارة أجراها وزير الدولة السعودي إلى الأراضي الخاضعة لسيطرة قوات سورية الديمقراطية في دير الزور في أواخر حزيران/يونيو 2019، حين حثّ شيوخ القبائل العربية على المساعدة في الحفاظ على الاستقرار في ظلّ إدارة قوات سورية الديمقراطية؛ وأيضًا من خلال زيارة قام بها وفدٌ من قوات سورية الديمقراطية إلى المملكة في تشرين الثاني/نوفمبر 2019.

وعَقِب الإطاحة بالأسد، كثّفت المملكة جهودها الدبلوماسية المتعلقة بسورية. وتجلّى ذلك بوضوح في مطلع كانون الثاني/يناير 2025، عندما أجرى وزير الخارجية السوري زيارة رسمية إلى الرياض. في الوقت الراهن، ما من دليلٍ مباشر على أن السعودية واصلت استخدام علاقاتها القبلية لدعم المرحلة الانتقالية السورية. مع ذلك، يشير النهج الذي اتّبعته الرياض تاريخيًا إلى أنها تعمل ربما خلف الكواليس على توطيد أركان الحكومة الجديدة وتقويض النفوذ الإيراني بشكلٍ متزايد، من خلال ثروتها الاقتصادية وروابطها مع القبائل العربية.

مواجهة المخطّطات الإسرائيلية

تؤدّي هجمات إسرائيل المستمرّة على المواقع العسكرية وتدخّلها السياسي المتزايد في سورية إلى تقويض الدور القيادي السعودي في العالم العربي من خلال تصوير الرياض على أنها ضعيفة وغير فعّالة. لمواجهة ذلك، حاولت المملكة الضغط على إسرائيل من خلال اتّخاذ إجراءات دبلوماسية والتنديد بالسلوك الإسرائيلي. على سبيل المثال، أدانت وزارة الخارجية السعودية في 10 كانون الأول/ديسمبر 2024 استيلاءَ إسرائيل على المنطقة العازلة في مرتفعات الجولان واعتبرته خطوةً مُخلَّةً بالاستقرار. وأدلت الرياض بتصريحات مماثلة بشأن الغارات الجوية التي شنّتها إسرائيل على سورية، إذ وصفتها بأنها تشكّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، مُتّهمةً إسرائيل بالسعي إلى زعزعة استقرار سورية.

إضافةً إلى ذلك، حشدت السعودية دول مجلس التعاون الخليجي لاتّخاذ موقف موحّد دعمًا لسورية، كما أكّد جاسم البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، متجاوزةً بذلك الخلافات الأولية مع كلٍّ من الإمارات العربية المتحدة وعُمان وقطر.1 هذا الموقف الموحّد لدول مجلس التعاون يعزّز شرعية النظام السوري الجديد، ويشكّل جبهةً عربية معارِضة للنفوذ الإسرائيلي. كذلك، سعت وسائل الإعلام السعودية النافذة المرتبطة بالدولة، مثل قناة العربية، إلى تشكيل الرأي العام العربي والدولي ضدّ التوسّع الإسرائيلي المتنامي من خلال برامجها ومقالاتها وتقاريرها. كذلك، أبدت مجموعةٌ من الحسابات الموالية للدولة على وسائل التواصل الاجتماعي دعمها للنظام السوري الجديد ضدّ إسرائيل من خلال مختلف أشكال الإدانة للغارات الجوية الإسرائيلية على البلاد والتحريض الإسرائيلي المعلوماتي على النظام الجديد في سورية. وتعمل هذه المنصّات على تشكيل سرديّةٍ مؤيّدة للحكومة السورية في أوساط الرأي العام العربي.

تعبّر هذه الجهود مجتمعةً عن تنامي المعارضة السعودية للنفوذ الإسرائيلي في سورية في مرحلة ما بعد الأسد. وتخشى الرياض بشكلٍ أساسي أن تؤدّي عمليات إسرائيل العسكرية وتدخّلها السياسي إلى إضعاف الحكومة الجديدة، ولا سيما أن ذلك قد يفاقم تشرذم سورية، ما قد يسمح لإيران بإعادة فرض سيطرتها على مناطق من البلاد من خلال وكلائها. لذا، تبذل السعودية مساعيَ دبلوماسية من أجل حشد الدعم الدولي لمحاسبة إسرائيل وإرغامها على تغيير نهجها الحالي.

خاتمة

إن المملكة مُلتزمة بدعم النظام السياسي الناشئ في سورية، وحريصة على تحقيقه النجاح على جبهات عدّة. في الواقع، على النظام الجديد أن يحكم البلاد بشكلٍ فعّال، ويمنع عودة نشاط الجماعات الجهادية، ويُعيق محاولات استعادة النفوذ الإيراني، ناهيك عن تفادي الوقوع بالكامل تحت سيطرة تركيا، والحدّ من التوسّع الإسرائيلي، وقطع دابر تجارة الكبتاغون في البلاد. ولمساعدة دمشق على تحقيق هذه الأهداف، قد تزيد المملكة دعمها الاقتصادي المباشر لسورية من خلال الاستثمار في مشاريع إعادة الإعمار وغيرها. على الصعيد الإقليمي، غالب الظن أن تواصل الرياض مبادراتها الدبلوماسية لاستعادة العلاقات السياسية الطبيعية بين دمشق والدول العربية. وعلى الصعيد الدولي، تطالب الرياض برفع العقوبات المفروضة على دمشق وتأمين المساعدات الضرورية للبلاد.

لا بدّ من الانتظار لرؤية ما إذا ستكون هذه المساعي كافية لتعزيز قدرة النظام السوري الجديد على البقاء والاستمرار في ظلّ التحديات الداخلية لشرعيته، والتهديدات الخارجية المُحدقة بسيادة البلاد ووحدة أراضيها. وسيعتمد نجاح المبادرات السعودية إلى حدٍّ كبير على قدرة الحكومة السورية على توحيد بلدٍ ممزّق، وهذه مهمّةٌ ستزداد صعوبةً في حال تأجّجت جذوة التوتّرات الطائفية والعرقية، أو استغلّت القوى الخارجية مكامن ضعف سورية. وفي حال تراجع الدعم المالي والدبلوماسي السعودي، أو اكتسبت دولٌ إقليمية منافسة للمملكة، مثل إيران، نفوذًا أكبر في سورية، قد تواجه القيادة الجديدة في دمشق صعوبةً في توطيد أركان حكمها، ما من شأنه أن يُغرق البلاد مجدّدًا في لُجج انعدام الاستقرار، ويزيد من صعوبة استعادة الرياض نفوذها هناك في المستقبل.

تم إصدار هذه الدراسة بدعمٍ من برنامج X-Border Local Research Network (شبكة البحث المحلية حول القضايا العابرة للحدود الوطنية) الذي يحظى بتمويل من مشروع UK International Development التابع للحكومة البريطانية. إن الآراء الواردة في هذه الدراسة لا تعبّر بالضرورة عن السياسات الرسمية للحكومة البريطانية.

هوامش

    1حصل المؤلّف على معلومات حول مساعي المملكة العربية السعودية لتوحيد موقف دول مجلس التعاون الخليجي بشأن سورية خلال اجتماع خاص عُقِد وفقًا لقاعدة تشاتام هاوس. للمزيد من التفاصيل، يمكن زيارة الرابط التالي:

https://gcc-sg.org/ar/MediaCenter/News/Pages/news2025-2-25-2.aspx

هشام الغنام

هشام الغنام باحث أول ومدير برنامج الدراسات الدولية في مركز الخليج للأبحاث.

————————————-

=========================

واقع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا  تحديث 26-27 نيسان 2025

لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي

دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وأحمد الشرع

——————————–

 الشرع يحذر “قوات سوريا الديمقراطية”: وحدة البلاد خط أحمر

الرئاسة السورية ترفض محاولات “قوات سوريا الديمقراطية إنشاء كيانات منفصلة

الرياض : العربية.نت

27 أبريل ,2025

أصدرت الرئاسة السورية، اليوم الأحد، بيانا، بشأن مستجدات الاتفاق مع قيادة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، مؤكدة رفضها أي محاولات لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة.

وقالت الرئاسة السورية في بيانها: “لقد شكّل الاتفاق الأخير الذي جرى بين الرئيس أحمد الشرع وقيادة “قسد” خطوة إيجابية نحو التهدئة والانفتاح على حل وطني شامل، غير أن التحركات والتصريحات الصادرة مؤخرا عن قيادة “قسد”، والتي تدعو إلى الفيدرالية وتُكرّس واقعا منفصلا على الأرض، تتعارض بشكل صريح مع مضمون الاتفاق وتهدد وحدة البلاد وسلامة ترابها”.

وأكدت الرئاسة السورية أن “الاتفاق كان خطوة بناءة إذا ما نُفّذ بروح وطنية جامعة، بعيدا عن المشاريع الخاصة أو الإقصائية”، مشددة على رفضها “بشكل واضح أي محاولات لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة تحت مسميات الفيدرالية أو الإدارة الذاتية دون توافق وطني شامل”.

وحذرت من أن “وحدة سوريا أرضا وشعبا خط أحمر، وأن أي تجاوز لذلك يُعد خروجا عن الصف الوطني ومساسا بهوية سوريا الجامعة”، معربة عن بالغ قلقها من “الممارسات التي تُشير إلى توجهات خطيرة نحو تغيير ديمغرافي في بعض المناطق، بما يهدد النسيج الاجتماعي السوري ويُضعف فرص الحل الوطني الشامل”.

كما حذرت الرئاسة السورية من “تعطيل عمل مؤسسات الدولة السورية في المناطق التي تُسيطر عليها “قسد”، وتقييد وصول المواطنين إلى خدماتها، واحتكار الموارد الوطنية وتسخيرها خارج إطار الدولة، بما يُسهم في تعميق الانقسام وتهديد السيادة الوطنية”.

وأضافت الرئاسة السورية في بيانها: “لا يمكن لقيادة قسد أن تستأثر بالقرار في منطقة شمال شرقي سوريا، إذ تتعايش مكوّنات أصيلة كالعرب والكرد والمسيحيين وغيرهم. فمصادرة قرار أي مكوّن واحتكار تمثيله أمر مرفوض، فلا استقرار ولا مستقبل من دون شراكة حقيقية وتمثيل عادل لجميع الأطراف”.

كما أكدت أن “حقوق الإخوة الأكراد، كما جميع مكونات الشعب السوري، مصونة ومحفوظة في إطار الدولة السورية الواحدة، على قاعدة المواطنة الكاملة والمساواة أمام القانون، من دون الحاجة لأي تدخل خارجي أو وصاية أجنبية”.

ودعت الرئاسة السورية شركاء الاتفاق، وعلى رأسهم “قسد”، إلى “الالتزام الصادق بالاتفاق المبرم وتغليب المصلحة الوطنية العليا على أي حسابات ضيقة أو خارجية”.

وختمت بيانها بتجديد “موقفها الثابت بأن الحل في سوريا لا يكون إلا سوريا ووطنيا وشاملا، يستند إلى إرادة الشعب، ويُحافظ على وحدة البلاد وسيادتها، ويرفض أي شكل من أشكال الوصاية أو الهيمنة الخارجية”.

———————————–

نيوزويك: خفض القوات الأميركية في سوريا يثير انقسامات بين حلفاء واشنطن/ ربى خدام الجامع

2025.04.27

ذكرت صحيفة “نيوزويك” الأميركية في تقرير موسع أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتقليص عدد القوات الأميركية في سوريا أثار ردود فعل متباينة بين حلفاء واشنطن المحليين، بينما عبر شركاء الولايات المتحدة عن استمرار التهديدات الأمنية، وسط تشكيك بعض الأطراف بجدوى هذا القرار.

يورد موقع تلفزيون سوريا هذه الترجمة لتسليط الضوء على تطورات الموقف الأميركي في سوريا وانعكاساته على الداخل السوري، ويؤكد أن ما ورد في التقرير يعبر عن وجهة نظر صحيفة “نيوزويك” ومصادرها ولا يتبنى بالضرورة كل ما جاء فيه.

فيما يلي الترجمة الكاملة للتقرير:

استقطب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب والقاضي بتقليص عدد القوات الأميركية في سوريا ردود فعل متباينة بين الفصائل المحلية، في حين أعرب شركاء الولايات المتحدة عن بقاء التهديدات على حالها، ورأى منتقدو هذا القرار بأنه لم يحقق إنجازاً كبيراً في ذلك الاتجاه.

بعد مرور أشهر من التوقعات بشأن إمكانية تحرك ترمب لتنفيذ هدفه الذي وضعه خلال ولايته الرئاسية الأولى، والمتمثل بسحب قواته من سوريا، أعلن البنتاغون يوم الجمعة الماضي عن البدء بتعزيز الوجود العسكري الأميركي في سوريا، وبحسب الأخبار الواردة، فإن هذه الحركة قد تؤدي إلى إغلاق ثلاث قواعد وخفض عدد الجنود ليصل إلى ما دون ألف جندي، ليقترب ذلك العدد من عدد القوات التي نشرت في سوريا قبل أن يزيدها الرئيس السابق جو بايدن ليصل عدد الجنود إلى 2500 وذلك بحسب ما أعلن عنه في شهر كانون الأول الماضي.

وجود عسكري غير مشروع

ينقسم الوجود الأميركي في سوريا ما بين الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا والتي تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي يترأسها الكرد، وبين حامية عسكرية موجودة في المنطقة الجنوبية الشرقية من البادية السورية ضمن منطقة تعرف باسم التنف، ويقوم على خدمة تلك القاعدة عناصر تعرف باسم جيش سوريا الحرة.

أعلنت كلتا الجماعتين المدعومتين أميركياً عن مواصلتهما لدعم الوجود الأميركي الحليف لهما على الرغم من أن كلتيهما تسعيان للاندماج ضمن التحالف الذي يقوده إسلاميون والذي عمل على إسقاط الدكتاتور بشار الأسد في شهر كانون الأول الفائت.

ولكن ماتزال هنالك تساؤلات تحيط بأهداف الوجود العسكري الأميركي في سوريا، بما أن الحكام الجدد لهذا البلد يعتبرون الوجود الأميركي بمنزلة احتلال غير مشروع لبلدهم، بعد أن تبنى النظام البائد للبلد ومؤيدوه الرأي نفسه.

في ظل الأخبار التي رشحت عن الانسحاب الأميركي، علقت على ذلك سينام محمد من واشنطن، وهي ممثلة الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية، أي المجلس الديمقراطي السوري، وذلك عندما تحدثت عن القيمة الكبيرة والمستمرة للوجود الأميركي في سوريا، وذلك نظراً لاستمرار التهديد المتمثل بوجود جماعة تنظيم الدولة الإسلامية المقاتلة، وصرحت عن ذلك بقولها: “إن وجود القوات الأميركية مهم عندما نرى في عودة تنظيم الدولة تهديداً للمنطقة بأكملها، فهنالك السجون التي تؤوي الآلاف من مقاتلي تنظيم الدولة، ناهيك عن المخيمات التي تضم أهالي عناصر تنظيم الدولة والتي مابرحت تمثل خطراً وتهديداً، بما أننا نؤمن بأن القوات الأميركية لابد لها أن تمد يد العون ضد أي تهديد من تنظيم الدولة”.

مايزال مصير تلك السجون موضع تساؤل بعد أن أبرمت قوات سوريا الديمقراطية خلال الشهر الفائت اتفاقية تقضي بانضمامها إلى الحكومة المركزية التي يترأسها رئيس سوريا أحمد الشرع، بيد أن محمد ترى بأن الاتفاقية “تسير نحو الأمام على الطريق الصحيح” حتى اللحظة، وتضيف: “نتمنى إقامة نظام لامركزي في سوريا لنحافظ على السلام والاستقرار بشكل دائم”.

إلا أن قوات سوريا الديمقراطية ما فتئت تدخل في صراعات واشتباكات مع غيرها من الجماعات التي كانت في السابق تتبع للمعارضة، والتي أسهمت في إسقاط الأسد، وخاصة الجيش الوطني السوري المدعوم تركياً. ولذلك وقعت أحداث عنف على الرغم من توصل أنقرة إلى اتفاقية لوقف إطلاق النار خلال الشهر الماضي مع حزب العمال الكردستاني ذي النزعة الانفصالية، والذي يتمتع بعلاقات طيبة مع قسد.

كما أن جيش سوريا الحرة، الذي أعلن قائده في كانون الثاني من هذا العام بأن القوات الأميركية بقيت تلعب دوراً مهماً في محاربة تنظيم الدولة، أعلن عن عزمه على الانضمام إلى الحكومة الجديدة التي يترأسها الشرع يوم الجمعة الماضي، على الرغم من مواصلته للتدريب مع الجنود الأميركيين.

وفي الوقت الذي سعى الشرع لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة منذ أن قاد الهجوم الذي أسقط الأسد، أعلن هذا الرجل بأن الوجود الحالي للقوات الأميركية لا يعبر عن التزام بالقانون الدولي، نظراً لعدم وجود اتفاقيات موقعة بهذا الشأن بين دمشق وواشنطن.

يذكر أن الولايات المتحدة لعبت دوراً في مجال الإشراف على توقيع الاتفاق بين حكومة الشرع الجديدة وبين قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، على الرغم من أن الشرع مايزال مصنفاً كشخصية إرهابية من طرف واشنطن وذلك بسبب ارتباطه في السابق بهيئة تحرير الشام والجماعات التي سبقت تشكلها والتي بايعت تنظيم القاعدة.

هذا وقد جرى التواصل مع وزارة الإعلام السورية ومع جيش سوريا الحرة من أجل التعليق على الموضوع.

تصعيد ينتهي بالتراجع عن القرار

تبنت جهات أخرى موقفاً أقوى ضد الوجود العسكري الأميركي، فالجماعة التي تعرف باسم أولي البأس، أو جبهة المقاومة الإسلامية السورية، والتي شاركت في عمليات ضد القوات الإسرائيلية التي سيطرت على مزيد من الأراضي في الجنوب السوري عقب إسقاط الأسد، شككت بتلك الخطوة الأميركية وبكونها تعبر عن تغير أكبر في الاستراتيجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط، إذ أعلن المكتب السياسي لجماعة أولي العزم بأنه: “بداية، فإن فهم أفاعيل الإدارة الأميركية يوضح حقيقة هذا القرار ويظهر وبكل جلاء الدور الذي لعبته الإدارات الأميركية المتعاقبة في سوريا كما يظهر حجم التنسيق والتوجيه الذي قدمته السلطات الحاكمة في دمشق… ثم إن ترمب اتخذ قراراً مماثلاً تماماً خلال فترة ولايته الأولى، إلا أن تنفيذه يعتمد على الوقائع السياسية وعلى اعتبارات تخص المصالح الأميركية”.

أعلن ترمب في أواخر عام 2018 عن عزمه على البدء بسحب القوات الأميركية بشكل كامل من سوريا، إذ بعد سنة من الهزيمة المنكرة التي مني بها تنظيم الدولة بفضل الحملات المنفصلة التي شنتها قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركياً والحملات التي شنها نظام الأسد الذي كانت إيران وروسيا تدعمانه، بدأ ترمب بإصدار أوامره التي تقضي بإجلاء القوات الأميركية عن عدد من المواقع العسكرية المقامة في الشمال السوري وذلك بموجب الاتفاقية الموقعة مع تركيا في عام 2019.

ولكن في العام نفسه، وقعت اشتباكات بين القوات الأميركية الموجودة في سوريا وجارها العراق وبين الميليشيات المحلية المتحالفة مع إيران، وقد حدث تصعيد إثرها دفع ترمب إلى إصدار أوامره التي تقضي بقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وهو الجنرال قاسم سليماني، وذلك في بغداد عام 2020.

ظهر التوتر من جديد أيام إدارة بايدن، وذلك عند مشاركة ميليشيات موجودة في المنطقة في تحالف محور المقاومة الذي تتزعمه إيران والذي بدأ باستهداف المواقع الأميركية إثر دعم واشنطن لإسرائيل في حربها على حركة حماس الفلسطينية في غزة.

غير أن حركة أولي البأس تعتبر نفسها مستقلة عن أي عناصر فاعلة سواء أكانت محلية أم خارجية، على الرغم من أنها تصف نفسها بأنها جزء من محور المقاومة. إذ بعد الضرر الذي مني به هذا التحالف الذي تتزعمه إيران بسبب سقوط الأسد، والضربات القاصمة التي تعرض لها حزب الله في لبنان عند خوضه لحرب مع إسرائيل، ترى حركة أولي البأس بأن الولايات المتحدة تسعى بشكل مقصود لإبقاء سوريا في حالة فوضى، إذ أعلنت في بيان لها بأن: “سحب أقل عدد من الجنود وإغلاق ثلاث قواعد فقط يمثل حالة توازن جغرافية جديدة في سوريا على حساب استقلال هذا البلد ووحدة أراضيه… لأن النظام الأميركي يعمل على سرقة ثروات سوريا وتأمين الإمدادات الضرورية للكيان الإسرائيلي مع فرض واقع قائم على الفوضى يخدم مصالح الدول الوصائية”.

عبرت حركة أولي العزم عن المزاعم نفسها التي لطالما أعرب عنها النظام السوري البائد والتي تتصل بنهب الولايات المتحدة للموارد الطبيعية السورية، بما أن معظم الوجود الأميركي يتركز في مواقع بشمال شرقي سوريا حول حقول النفط والغاز. أما الآن، فترى هذه الجماعة بأن الولايات المتحدة أضحت في موقف أضعف من أن يساعدها على تعزيز موقفها، وذلك بسبب الصراعات السياسية التي تدور في الداخل الأميركي، وهذا ما توضح من خلال قولها: “إن كل ادعاء تطلقه الإدارة الأميركية ما هو إلا استعراض لصورة غير واقعية عن الأهداف والمطامح التي يسعى المشروع الأميركي لتحقيقها، ليس فقط في سوريا، ولكن في عموم المنطقة.. وإننا نعتقد بأن الوجود الأميركي بات أضعف مما كان عليه في السابق، وذلك بسبب الاحتياجات الأميركية التي ظهرت في الداخل، وبسبب العوامل الجديدة التي لابد لها أن تغير النهج الأميركي الساعي للهيمنة وفرض التفوق العرقي على شعوب المنطقة، وعلى رأسها سوريا”.

وبخلاف قسد وجيش سوريا الحرة، لم تعلن أولي البأس عن سيطرتها بشكل رسمي على أي منطقة سورية، على الرغم من تكثيفها لعملياتها ضد الجنود الإسرائيليين خلال الأسابيع القليلة الماضية.

ومنذ فترة قريبة، أكد مسؤول عسكري إسرائيلي وقوع عدد من الاشتباكات بين الجنود الإسرائيليين والميليشيات الموجودة في الجنوب السوري، وذلك عندما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، خلال الأسبوع الماضي، بأن قواته ستبقى هناك إلى أجل غير مسمى، كما أنها ستبقى في أجزاء من غزة ولبنان، وذلك في ظل النزاع الإقليمي الدائر حالياً.

كما أكد مسؤولون إسرائيليون بأن ما يمارسونه في سوريا هدفه الحد من أي خطر يمكن للحكومة السورية الجديدة أن تشكله، بيد أن الغارات الإسرائيلية التي استهدفت سوريا أثارت انتقادات واسعة في عموم الشرق الأوسط.

اتهامات وتحالفات

وفي الوقت الذي دان الشرع الوجود الإسرائيلي وتكرر الغارات التي تشنها طائرات حربية إسرائيلية في سوريا، لم يصدر أي أوامر رسمية بالرد على تلك الغارات، وقد دفع ذلك التقاعس حركة أولي البأس إلى اتهامه بالتواطؤ مع إسرائيل في عملياتها ضد سوريا، وخاصة بعد إلقاء حكومته القبض على عنصرين من حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية يوم الثلاثاء الماضي، بما أن الجهاد الإسلامي يعتبر فصيلاً آخر تابعاً لمحور المقاومة، والذي شارك بشكل مباشر في الحرب ضد إسرائيل.

فما كان من الشرع إلا أن عزز علاقاته مع تركيا، والتي قامت بدورها بتصعيد تحذيراتها ضد إسرائيل وعملياتها في سوريا، مما قد يفسح المجال لظهور تصعيد أكبر بين هاتين الدولتين الحليفتين للولايات المتحدة الأميركية.

ففي مؤتمر صحفي مشترك عقده ترمب في مطلع الشهر الماضي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يشار إليه في بعض الأحيان باسمه الحركي، وهو بيبي، أبدى الرئيس الأميركي إعجابه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعرض الوساطة بين رئيسي الدولتين، شريطة التزام كل منهما بالتعقل والمنطقية.

وخلال ذلك المؤتمر، ورداً على سؤال أحد الصحفيين، قال ترمب: “لقد سبق أن قلت له: “بيبي، إن كانت لديك مشكلة مع تركيا، فأعتقد بأنه بوسعي حلها، إذ كما تعرفون، تربطني علاقة طيبة جداً جداً بتركيا ورئيسها، وأعتقد بأننا بوسعنا حل تلك المشكلة”.

كما أشاد ترمب بأردوغان وبدوره المباشر في إسقاط الأسد وكذلك لأنه “أخذ سوريا” على حد وصفه، على الرغم من إنكار الرئيس التركي ضلوع بلاده بأي دور مباشر في الهجوم المظفر الذي شنه الثوار السوريون لتحقيق ذلك الهدف.

بيد أن إدارة ترمب على مايبدو مايزال يقلقها أمر التدخل المباشر بحكومة الشرع، حتى في الوقت الذي يطالب عدد من أهم الشخصيات في واشنطن بتخفيف العقوبات التي فرضت على سوريا خلال حقبة الأسدين، وعلى رأسهم جين شاهين وجيمس ريش رئيس لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ.

كما أجرى عضوان آخران من الكونغرس وهما كوري ميلز من فلوريدا ومارلين ستوتزمان من إنديانا زيارة غير رسمية لسوريا يوم الجمعة الفائت، أي في اليوم نفسه الذي أكد البنتاغون تقليص الوجود العسكري الأميركي في سوريا، وهناك التقيا بممثلين عن الحكومة السورية المؤقتة.

وفي اليوم نفسه، حذرت السفارة الأميركية في سوريا والتي أغلقت منذ أن قطعت واشنطن علاقاتها مع دمشق بعد عام من اندلاع الحرب السورية في عام 2011 من أن: “وزارة الخارجية الأميركية تتبع معلومات موثوقة تتصل باحتمال وقوع هجمات وشيكة على مقار تشمل أماكن يرتادها السياح”، وأضافت في بيان لها بأنه: “لا يمكن اعتبار أي جزء من سوريا آمناً من العنف، ولذلك تذكر الوزارة المواطنين الأميركيين بأن السياح مايزالون يخططون لعمليات خطف وتفجير وغيرها من الهجمات في سوريا، وقد يشن هؤلاء هجمات من دون سابق إنذار أو بعد تحذير بسيط، ليستهدفوا من خلالها المناسبات العامة والفنادق والنوادي والمطاعم ودور العبادة والمدارس والحدائق ومراكز التسوق ووسائط النقل العامة والمناطق التي تجتمع فيها حشود عريضة… وقد تشتمل أساليب تلك الهجمات على سبيل المثال لا الحصر الاعتماد على مهاجمين أفراد، أو على مسلحين، أو الاستعانة بعبوات ناسفة”.

المصدر: The Newsweek

تلفزيون سوريا

—————————-

عن وزارات الكُرد السياديّة في سوريا/ أحمد قليج

26.04.2025

خطابات وزيري التعليم والثقافة أثناء إعلان التشكيل الحكومي لم تشِ بأيّ تغيّر في عقل الدولة السوريّة، فبدلًا من أن يُبشّر وزير الثقافة بانفتاح وزارته على كل لغات سوريا وثقافاتها، والوعد بإبراز كلّ هذا التنوّع، انطلق بِشِعرٍ يرمز إلى التملّك الأبديّ، كما أسماه، إلى “يوم القيامة” لدمشق.

في ثمانينات القرن العشرين، دخل رجلٌ مبنى وزارة الثقافة السوريّة في دمشق، حاملاً بيده مخطوطةً كان ترجمها من العربيّة، لغة البلاد الرسميّة، إلى اللغة الكُرديّة، متقدّماً بطلب طباعة المخطوطة على حساب الوزارة.

الرجل كان السياسيّ الكُرديّ ابن مدينة عفرين رشيد حمو (1925–2010)، أمّا المخطوطة فكانت عبارة عن خطاب قسمٍ طويل للرئيس السوري حافظ الأسد.

كان غرض رشيد حمو من مغامرته تلك حفرَ ثُقبٍ بإبرة في جبل النكران بين اللغة الكرديّة ومؤسّسات الدولة السوريّة الرسميّة، محاولة لنزع الاعتراف الرسميّ بلغته الأم، حتى لو كان عبر ترجمة خطاب لحافظ الأسد. فالرجل لم يكن مُعجباً به حتماً، ولا بسياساته الإنكاريّة.

ولأنّ الخطاب كان خطاب الرجل الأوّل في سوريا، طلب موظّفو الوزارة بضعة أيّام لدراسة المخطوطة، قبل أن يأتي الرّفض الرسميّ على نقل أقوال الأسد في “جمهوريّة الصّمت” إلى الكُرديّة.

تذكّرتُ الحادثة تلك مع تشكيل الحكومة السوريّة الجديدة، والتي من المفترض أنّها ستعكس وجهة “الجمهوريّة الجديدة”، وإن كان الحديث حول الوزارات السياديّة حاضراً، فأكثر الوزارات التي يمكن أن تعكس تغييراً جوهريّاً في تعاطي مؤسّسات الدولة مع الكُرد وغير العرب ستكون وزاراتي الثقافة والتربية والتعليم، الى درجة يمكننا إطلاق مصطلح “وزارات غير العرب السياديّة في سوريا”.

من خلال عمل هاتين الوزارتين تحديداً، وقراراتهما، سيكتشف الكُرد وغيرهم مدى تغيّر عقل الدولة السوريّة وفهمها تنوّع مجتمعها بلغاته وثقافاته.

وإن كانت خطابات الوزيرين أثناء إعلان التشكيل الحكومي لم تشِ بأيّ تغيّر في عقل الدولة السوريّة – بافتراض أنّ الثورة السوريّة قامت على هذا العقل، وليس فقط بغرض تغيير السّلطة – فبدلًا من أن يُبشّر وزير الثقافة بانفتاح وزارته على كل لغات سوريا وثقافاتها، والوعد بإبراز كلّ هذا التنوّع، انطلق بِشِعرٍ يرمز إلى التملّك الأبديّ، كما أسماه، إلى “يوم القيامة” لدمشق. وهنا نحن نتكلّم عما سُمِّيَ بـ”الحقوق الثقافيّة للكُرد وغير العرب من السوريّين”، لا عن مطالب سياسيّة للجماعات غير العربيّة. تلك الحقوق التي من المفترض أنّها ليست نقاط خلاف من حيث المبدأ، بعدما تطوّعت السلطة لمراعاتها وإحقاقها في الإعلان الدستوري.

ما يزيد تأكيد أنّ معالي الوزير الشاعر يريد أن يكون وزير اللغة العربيّة والثقافة العربيّة فقط في سوريا، هو تداول تصريحات قديمة له، يعتبر فيها اللغة السريانيّة مجرّد لهجة من لهجات العرب، ما يعكس نقصاً معرفيّاً كبيراً بالتنوّع اللغوي والثقافي للمجتمع السوري. هذا التنوّع الذي من المفترض أن تفتح وزارته أبواب مسارحها ومطابعها له، بعدما بقيت هذه الأبواب مغلقة لعقود.

كذلك، وعلى رغم أصول وزير التربية والتعليم الكُرديّة، فإنّه لم يُقدِّم، أو ربما لم يُسمَح له بالإعلان – إلى الآن – عن خطّته، إن وُجدت، لحلّ معضلة التعليم باللغة الأم، التي هي مطلب كُرديّ أساسي، وهي ردّ اعتبار لأجيال من الكُرد السوريّين الذين فشلوا في دخول الجامعات، بسبب اعتبار اللغة العربيّة لغةً مرسِبة، بخاصة الأجيال الأولى منذ تأسيس الدولة السوريّة، حيث كان معظم الكُرد لا يُتقنون يومها العربيّة إلا بالحدّ الأدنى، ربما ما يكفي لأداء الصلوات، أمّا الدخول الكُرديّ المُكثّف للجامعات فلم يبدأ إلا ابتداءً من ثمانينات القرن الماضي  وتسعيناته.

في حادثة شخصية، وصل في نهاية خمسينات القرن العشرين أستاذ للغة العربية قادماً من الساحل السوري إلى قرية جدي في عفرين، فسكن في بيت مجاور. وللصداقة التي تشكلت بينه وبين جدي وتكريماً له، أطلق اسمه على ابنه الذي هو أبي، قبل أن يكبر أبي ويفشل لثلاث سنوات متتالية في اجتياز شهادة الثانوية، بسبب رسوبه في مادة اللغة العربية.

في لقاء تلفزيوني على إحدى القنوات الكُرديّة، قال وزير التربية والتعليم بالكُرديّة إنّه سيجد حلاً لكلّ الـ “Pizikan” – وكان يقصد في السياق “Pirsgirêk” – ربما لم تُسعفه لغته الكُرديّة الأم، التي حُرِم التعلّم بها، في النطق السليم، وكان ذلك ظهوره الإعلاميّ الأوّل بالكُرديّة.

أمّا الفرق بين الكلمتين، فالأولى تعني “الدمامل”، والثانية تعني “المشاكل”، ولا نعلم: هل يريد الوزير إيجاد حلٍّ لمشاكل سوريا التعليميّة، أم فعلاً قصد علاج الدمامل الموجودة على وجه سوريا وجسدها؟

درج

————————————-

«كونفرانس» الحسكة… اتفاق على اللامركزية ووفد كردي موحد للتحاور مع دمشق/ جانبلات شكاي

مع توافق القوى السياسية الكردية السورية ذات المشارب المختلفة على «الرؤية المشتركة حول سوريا والقضية الكردية»، انتقل الملف الكردي إلى مرحلة جديدة يكون فيها التفاوض هذه المرة بين الكرد بوفد مشترك من جهة، والحكومة المركزية في دمشق من جهة ثانية، لتثبيت أو على الأقل للسعي لتثبيت ما يمكن تثبيته من مطالب يريد الكرد لها أن تتحول إلى حقوق دستورية في الدولة السورية الجديدة.

وأعلنت الهيئة الرئاسية لـ»المجلس الوطني الكردي» في بيان صحافي تلقت «القدس العربي» نسخة منه، أنه قد «تم التوافق على موعد انعقاد كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي رسمياً يوم السبت الموافق في 26 نيسان/ابريل الجاري، كخطوة هامة واستحقاقاً سياسياً يعكس طموحات شعبنا الكردي في سوريا».

واعتبر البيان «أن هذا الإنجاز جاء كتعبير عن إرادة أبناء شعبنا الكردي، وجهود دؤوبة بذلها المخلصون من مناضليه، وبدعم كريم من الأشقاء والأصدقاء وخاصة رئيس إقليم كردستان العراق السابق مسعود بارزاني، وقائد قوات سوريا الديمقراطية- (قسد) مظلوم عبدي».

وقال البيان: «نأمل أن يشكّل هذا الكونفرانس نقطة تحوّل نحو مرحلة جديدة من التعاون البنّاء بين أحزاب الحركة السياسية الكردية، ويُعزز الثقة مع الحاضنة الشعبية، ويفتح آفاقاً أرحب لعلاقات وطنية متينة مع سائر مكونات الشعب السوري»، موضحاً أن «وحدة الموقف الكردي تمثّل حاجة وطنية مُلحّة، وخطوة أساسية على طريق تحقيق الشراكة الحقيقية في صياغة مستقبل سوريا الديمقراطية، التعددية، التي تحتضن جميع أبنائها بوئام ومساواة وسلام».

وفي لقاء له مع «القدس العربي» قبيل عقد «الكونفرانس»، أعلن المتحدث الرسمي باسم «المجلس الوطني الكردي في سوريا» فيصل يوسف أن «الاجتماع الموسع مكرس لمناقشة الرؤية الكردية المشتركة حول سوريا والقضية الكردية، وللتصديق على رؤية معدة مسبقاً تم التوصل إليها بين (المجلس الوطني الكردي) وحزب (الاتحاد الديمقراطي) ومن ثم الإعلان عن هذه الرؤية».

بدوره طالب رئيس مكتب العلاقات العامة في حزب الاتحاد الديمقراطي سيهانوك ديبو بأن «لا يتم النظر إلى عقد الكونفرانس الكردي بأنه متعلق فقط بحل القضية الكردية في سوريا، إنما أيضاَ بتصحيح الإعلان الدستوري السوري»، وقال في منشور له عبر صفحته على «فيسبوك» إن «الخطوة الأهم نحو عقد حوار سوري سوري أوسع يتمخض عنه حكم انتقالي وحوكمة مرحلية لكل سوريا»، باعتبار أن «القضية الكردية في سوريا هي قضية وطنية بامتياز».

قوات أمريكية تنسحب

التحرك السياسي الذي أكد حصول الانفراج على مستوى الحوار الكردي الكردي، ترافق مع مباشرة الولايات المتحدة سحب جانب من قواتها العاملة في سوريا ضمن التحالف الدولي المحارب لتنظيم «داعش» الإرهابي، الأمر الذي أعاده البعض إلى كونه أحد أدوات الضغط الأمريكية الرئيسية التي استخدمت لإنجاز التوافق الكردي الكردي بعد سنوات طويلة من الاستعصاء، باعتبار أن المظلة الأمريكية هي التي حالت لسنوات وتحول حتى اليوم، دون عملية عسكرية جادة ضد «قوات سوريا الديمقراطية» سواء من جيش النظام السوري الساقط سابقا، أو من تركيا.

والإعلان عن سحب القوات الأمريكية تم يوم الجمعة قبل الماضي حيث أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» شون بارنيل في بيان أن «وزير الدفاع أعطى اليوم توجيهات بإدماج القوات الأمريكية في سوريا عبر اختيار مواقع محددة»، من دون تحديد المواقع التي سيجري فيها ذلك، وأضاف أن «هذه العملية المدروسة والمشروطة من شأنها خفض عديد القوات الأمريكية في سوريا إلى أقل من ألف جندي أمريكي خلال الأشهر المقبلة».

وخلال الأيام السابقة، شوهدت قوافل كبيرة تنقل معدات عسكرية ولوجستية من أكبر قواعده في حقلي العمر وكونيكو في ريف دير الزور في شرق سوريا على دفعات، باتجاه قاعدته العسكرية في منطقة الشدادي في الحسكة.

كما شوهدت نهاية الأسبوع الماضي عشرات العربات المدرعة والشاحنات تحمل معدات لوجستية، تنسحب من الشدادي باتجاه العراق عبر معبر الوليد الحدودي البري غير النظامي شمالي بلدة اليعربية، إضافة إلى إزالة منطاد المراقبة الموجود في سماء القاعدة الأمريكية وخروج عدد من الحوامات وكميات كبيرة من الآليات العسكرية والعتاد باتجاه العراق.

وكان لافتا أن البدء بسحب مئات الجنود الأمريكيين ترافق مع وصول النائبين الجمهوريين من الكونغرس الأمريكي كوري ميلز ومارلين ستوتزمان، الجمعة قبل الماضي إلى سوريا، في أول زيارة من نوعها منذ إسقاط نظام الأسد، وإجرائهما محادثات مع رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع.

وميلز يترأس لجنتي الشؤون الخارجية في الكونغرس والقوات المسلحة الأمريكية، وفي تصريحات نقلتها عنه قناة «سكاي نيوز عربية»، أوضح أن من مصلحة الولايات المتحدة تحقيق الأمن والاستقرار في سوريا، وقال «ناقشنا مع الشرع ملف العقوبات على دمشق»، واصفاً اللقاء بـ«الإيجابي»، وشدد على أنه «من المهم لنا فهم ما يجري في سوريا بعد سقوط نظام الأسد»، ودعا «لدمج كل الفصائل المسلحة ضمن الجيش السوري»، مؤكداً أن «واشنطن لن تتخلى عن المنطقة ومن مصلحتنا الأمن والاستقرار في سوريا».

مظلوم عبدي في أربيل

وبينما كانت كل التيارات السياسية والاجتماعية الكردية تتحضر للمشاركة في الاجتماع الموسع، كان قائد «قوات سوريا الديمقراطية- قسد» مظلوم عبدي برفقة الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية للإدارة الذاتية في سوريا إلهام أحمد، يجتمعون في مدينة أربيل العراقية عبر لقاءين منفصلين، مع كل من رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني، ووزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو.

واستقبل بارزاني، الأربعاء، عبدي وأحمد، وحسب بيان صادر عن رئاسة الإقليم العراقي: «ناقش الطرفان آخر تطورات الوضع في سوريا وعلاقات (قسد) والأطراف السياسية الكردية في سوريا مع الحكومة السورية الانتقالية، وتبادلا وجهات النظر حول مخاطر الإرهاب ومواجهة تهديدات داعش».

وذكر بيان آخر نشرته الصفحة الرسمية لـ»قسد» على «تلغرام» أن «الجانبين ركزا على ضرورة وأهمية وحدة الصف الكردي، وبحثا الأوضاع السياسية في سوريا ووضع الكرد فيها.

وقال بيان «قسد» إن نيجيرفان «قدم دعمه الكامل للجهود الرامية لعقد المؤتمر القومي الكردي والخروج بنتائج تلبي تطلعات الكرد في سوريا، كما بحث الجانبان مستقبل سوريا والعلاقة ما بين (قسد) والحكومة الانتقالية الجديدة في دمشق، خاصة بعد توقيع عبدي اتفاقية مع الرئيس السوري أحمد الشرع أوائل شهر آذار/مارس الماضي».

وأوضح البيان أن «الجانبين أكدا على ضرورة مشاركة الكرد ومعهم جميع المكونات السورية في العملية السياسية، وضمان حقوقهم الدستورية، كما ناقشا سبل تحسين الوضع الاقتصادي في مناطق شمال وشرق سوريا».

وفيما يتعلق ولقاء عبدي وأحمد مساء الثلاثاء، مع وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو ذكر بيان «قسد» أن «الوزير الفرنسي أشاد بدور قسد في مكافحة الإرهاب، وتطرق إلى أهمية تقديم كل أشكال الدعم لها لأهمية استمرارها في محاربة تنظيم داعش الإرهابي، وأيضاً لدعم الاستقرار والأمن في سوريا عامة».

وقال البيان إنه «تم التأكيد في الاجتماع على ضرورة مشاركة الكرد وجميع المكونات السورية في العملية السياسية وإدارة البلاد، للوصول إلى حالة من الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي والبدء بإعادة إعمار البلاد».

وقبل الاجتماع، نقلت وسائل إعلام عن وزير الخارجية الفرنسي قوله في مؤتمر صحافي مع رئيس إقليم كردستان في أربيل، إن باريس «ستستمر بدعم قسد وقوات الأمن العراقية وقوات البيشمركة في الحرب ضد داعش».

وبعد إسقاط نظام الأسد، زار الوزير الفرنسي دمشق وأكد حينها على أهمية الحفاظ على سلامة الأراضي السورية وإعطاء الأقليات حقوقهم السياسية والدينية وخاصة الكرد الذين كانوا شركاء مهمين في محاربة تنظيم داعش.

مرحلة الحرب انتهت

وقبل وصوله إلى أربيل كان مظلوم عبدي يثبت قواعد الاتفاق الذي وقعه مع الرئيس الشرع، وتمت المباشرة بتنفيذه عبر انسحاب قوات سوريا الديمقراطية من منطقتين في مدينة حلب وتسليمها للأمن العام، مع المباشرة بتنفيذ وقف لإطلاق النار في محيط سد تشرين على نهر الفرات شمال الرقة، والمباشرة بنقل السيطرة على السد إلى الإدارة السورية الجديدة.

وخلال زيارة تفقدية له إلى سد تشرين أعلن عبدي الجمعة قبل الماضي أن سوريا «تدخل مرحلة جديدة تبتعد عن الحرب»، مشيراً إلى أن المفاوضات مع الحكومة السورية «تسير بشكل إيجابي، في خطوة قد تمهد لاستقرار طال انتظاره في الشمال السوري».

وذكر عبدي أن «المحادثات الجارية أسفرت عن اتفاق على تحييد سد تشرين عن أي عمليات عسكرية»، مشدداً على أن إدارة السد «ستكون مدنية بالكامل، وسيعود إلى وضعه الطبيعي كمؤسسة وطنية خدمية سورية»، معتبراً أن «مقاومة سد تشرين حققت أهدافها بحماية المنشآت الوطنية، واليوم نؤكد أن مرحلة الحرب انتهت، وسنلجأ كسوريين إلى الحوار لحل جميع الخلافات».

وأكد قائد «قسد» أنه «نخوض محادثات وتفاهمات إيجابية مع الحكومة الانتقالية، ولن نسمح لمثيري الفتن بزعزعة مساعي الحوار السوري السوري».

وفد برلماني أوروبي في الحسكة

وكما نشط ما يمكن وصفهما بالذراعين السياسي والعسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، أي للحزب المتحكم بمفاصل القرار على الأرض في مناطق شمال شرق سوريا، كانت الواجهة السياسة ممثلة بـ«مجلس سوريا الديمقراطية- مسد» تستقبل وفدا برلمانيا أوروبيا في مدينة الحسكة، وحسب بيان صحافي نشرته «مسد» على صفحتها على «تلغرام» فإن وفد البرلمان الأوروبي، ضمّ نواباً من بريطانيا وألمانيا وأعضاء في منظمات المجتمع المدني، وزار مقر «مسد» في مدينة الحسكة، وكان في استقبالهم الرئاسة المشتركة للمجلس، ليلى قره مان ومحمود المسلط، إلى جانب أعضاء من الهيئة الرئاسية.

وذكر بيان «مسد» أنه «جرى خلال اللقاء بحثٌ مستفيض للأوضاع السياسية والعسكرية في سوريا، وتطورات المشهد في شمال وشرق البلاد، وأكد المسلط، أن منطقة شمال وشرق سوريا تمثل نموذجاً فريداً في التعدد والتعايش بين المكونات، حيث يعيش العرب والكرد والسريان الآشوريون والمسيحيون في إطار من الشراكة والمساواة».

وأوضح البيان أن المسلط «شدد على أهمية الدور الدولي في دعم هذا النموذج، داعياً إلى تعزيز العلاقات مع البرلمان الأوروبي والمؤسسات الدولية بما يُسهم في دفع العملية السياسية نحو تسوية شاملة ومستدامة».

ونقل البيان عن قره مان قولها إن «مسد» يعمل على بناء رؤية وطنية شاملة تشمل جميع مناطق سوريا، وأن الحوار مستمر مع مختلف القوى السياسية والمجتمعية»، وأشارت إلى أن «الاتفاقات مع دمشق تسير في الاتجاه الصحيح، وأن المرحلة المقبلة تتطلب دعماً دولياً واضحاً للمشروع الديمقراطي والتشاركي، لضمان استقرار البلد ووضع أسس الحلّ السياسي الشامل».

واعتبر الوفد، حسب البيان، أن «المشروع اللامركزي الذي يطرحه (مسد) يشكل مقاربة مناسبة للواقع السوري، من شأنها أن تضمن حقوق جميع المكونات، وتحول دون العودة إلى سياسات الإقصاء والتهميش، كما أكد الوفد أن تحقيق استقرار حقيقي في سوريا يتطلب البدء بمرحلة انتقالية شاملة، تقوم على مشاركة جميع القوى السياسية والمجتمعية، بعيداً عن الخطوات الأحادية التي تتخذها الحكومة الجديدة في دمشق، واعتبر أن أي حل سياسي لا بد أن يمر عبر تغيير دستوري حقيقي، يضمن تحولاً ديمقراطياً يلقى قبولاً دولياً».

الكونفرانس الكردي

التحركات السياسية وحتى الميدانية السابقة، دلت بما ليس فيه لبس، أن مرحلة التهجم واستبعاد «المجلس الوطني الكردي» منذ تأسيسه في الـ 26 من تشرين الأول/اكتوبر 2011، من المناطق التي تديرها الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا، عبر أذرع حزب الاتحاد الديمقراطي الأمنية والعسكرية، قد انتهت وبدأت صفحة جديدة من الشراكة.

وأعلن المتحدث الرسمي باسم «المجلس الوطني الكردي في سوريا» فيصل يوسف أن «الاجتماع الموسع مقرر ليبارك الاتفاق الذي تم إنجازه بين (المجلس الوطني الكردي) وحزب الاتحاد الديمقراطي ومن ثم الإعلان عنه حتى تصبح هذه الرؤية محل اجماع وتتحول من رؤية حزبية إلى رؤية كردية عامة».

الاجتماع تم بحضور نحو خمسين من الأحزاب الكردية الموجودة في مناطق عفرين وعين العرب والجزيرة، إلى جانب مشاركة أكثر من 30 منظمة مجتمع مدني، وشخصيات مستقلة من وجهاء العشائر ورجال الدين، وتم تمثيل بعض الأحزاب بثلاث شخصيات، وأخرى باثنتين وبعضها بممثل واحد، وحضر عن منظمات المجتمع المدني مندوب واحد لكل منها، وبمجموع وصل في النهاية إلى نحو 350 عضوا.

وفي تصريحه لـ»القدس العربي»، قال يوسف: «تعمدنا هذا الحضور الواسع حتى لا يخرج علينا أحد في المستقبل ويعلن أنه لم تتم استشارته في تثبيت الرؤية الكردية»، موضحاً أن «شخصيات من المقيمين في الولايات المتحدة أو في دول أوروبية وغيرها من الدول بمن فيهم اللاجئون الكرد السوريون إلى كردستان العراق، عبروا عن رغبتهم بالمشاركة، لكننا لم نوجه أي دعوات للمشاركة لأحد من خارج البلاد».

وأكد يوسف أن التفاهمات التي تم إقرارها بين «المجلس الوطني الكردي» وحزب الاتحاد الديمقراطي «تلقى كل الدعم والتأييد من غالبية الأحزاب والقوى الكردية السورية ولن ترتفع لاحقاً أصوات معارضة لها وخصوصاً أن الرؤية المشتركة هي في الواقع توافقات تم إنجازها منذ عام 2012، واليوم جرت عليها بعض التعديلات بعد اسقاط النظام».

المرجعيات السياسية

ولا يعتبر ما توصل إليه الطرفان حتى اللحظة، شيئاً جديداً على الساحة الكردية في سوريا، وهو حسب بحث نشره مركز «جسور للدراسات»، يمثل اتفاقا على تشكيل المرجعية السياسية الكردية بنسب 40 في المئة لكل طرف و20 في المئة لبقية الأحزاب الكردية، على أن يعيّن كل طرف الـ10 في المئة من القوى المحسوبة عليه.

وبحسب المركز ذاته، فإن الاتفاق على مواضيع التجنيد الإلزامي، والتعليم، وعودة بيشمركة روج المحسوبة على «المجلس الوطني» من كردستان العراق، وفك الارتباط بين حزب العمال الكردستاني و«قسد»، هي الملفات الأكثر تعقيداً، مشيراً إلى أن نجاح الاتفاق يعتمد بتطبيقه على الأرض، والالتزام به، ولا سيما من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي والمرتبطين به، مع وجود تجارب فاشلة سابقاً.

اعتماد اللامركزية

وعلى الرغم من إصرار «المجلس الوطني الكردي» خلال الفترة السابقة في اعتماد الفيدرالية كخيار أساسي للمستقبل السياسي للبلاد، نحت معظم التصريحات التي خرجت من قيادات حزب الاتحاد الديمقراطي بأذرعها المختلفة، نحو نظام اللامركزية مع استبعاد مصطلحات الفيدرالية أو الكونفدرالية والتي لطالما نظرت إليها دمشق بأنها باب لتقسيم البلاد ورفضتها إن في عهد النظام السابق، أو من قبل الإدارة الجديدة التي تتمتع بعلاقة طيبة مع تركيا الرافضة تماما للنظام الفيدرالي.

وفيما يمكن وصفه بتحول من قبل «المجلس الوطني الكردي» قال المتحدث الرسمي باسمه في تصريحه لـ»القدس العربي» إن «الرؤية الكردية عن مستقبل سوريا السياسي تسير باتجاه اللامركزية، وإن كنا لم نحدد بعد إن كانت باتجاه اللامركزية الإدارية أو اللامركزية السياسية، لكن جميع الكرد يؤكدون على مسألة سوريا اللامركزية باعتبارها الحل الأفضل»، مشدداً ذات الوقت على أنه «لا توجد أصوات كردية تطالب بالانفصال، ولكننا اكتوينا بنار المركزية وما نريده اليوم أن ينتخب الأهالي في مدنهم سلطاتهم المحلية وأن لا يتم تعيين هؤلاء بقرار مركزي من دمشق».

وشرح يوسف أن «الرؤية الكردية هي في جانب منها تتعلق بشكل وهوية الدولة السورية، والقسم الآخر يتعلق بمطالب الشعب الكردي في إطار الدولة الجديدة».

وقال: «إننا متوافقين على تضمين الحقوق الكردية في الدستور السوري القادم بل وحتى تعديل الإعلان الدستوري الحالي وصولا إلى المطالبة بإجراء تعديل في الحكومة الانتقالية التي تم تشكيلها أخيراً، فنحن في النهاية ننشد الشراكة الوطنية ونؤكد على الإقرار والاعتراف الدستوري بالشعب الكردي وحقوقه القومية في سوريا، وإزالة السياسات التمييزية المطبقة بحقه من الحزام العربي والإحصاء وغيرها، وإلغاء نتائجها، وإعادة الأوضاع إلى ما قبل تطبيق هذه السياسات»، مشيراً إلى أن «تقديرات الأكراد تتحدث عن أنهم يحتلون المرتبة الثانية بعد القومية العربية وبما يعادل 15 في المئة من تعداد سكان سوريا، عدا عن أكراد دمشق والمدن السورية الأخرى، أي أكثر من ثلاثة ملايين نسمة».

وفد كردي موحد إلى دمشق

أحد أبرز مخرجات اجتماع يوم السبت، هو تشكيل وفد كردي موحد لخوض الحوار مع الحكومة المركزية في دمشق، وبين يوسف أن أعضاء الوفد مسؤولون أيضاً عن إدارة الحوار مع كل المكونات السياسية والقومية السورية، وليس فقط مع الإدارة في دمشق.

لكن الحوار مع دمشق لم ينتظر تشكيل الوفد الكردي الموحد، وكانت أحد أهم تجلياته الاتفاق الذي تم التوقيع عليه في العاشر من آذار/مارس الماضي بين الرئيس الشرع وعبدي، وقال يوسف: «إن مظلوم عبدي أبلغنا بأن حواره واتفاقه مع الرئيس الشرع، لم يكن مخصصاً للمسألة الكردية، وإنما المعني سيكون الوفد الكردي الموحد، ونحن كقوى كردية سنتفاوض على مسألة إيجاد حل لقضيتنا وتأمين الحقوق القومية لنا، أما الاتفاقات التي تتم حالياً في بعض أحياء حلب مثل الأشرفية والشيخ مقصود أو في سد تشرين وفي غيرها من المناطق، وتتوصل إليها الإدارة الذاتية مع دمشق، فستكون مختلفة عن طبيعة المحادثات التي سيقودها الوفد الكردي الموحد بعد أن يصل إلى دمشق خلال فترة لن تكون بالبعيدة»، مشدداً على أن «وفود الإدارة الذاتية ستأخذ بعين الاعتبار كل ما هو مرتبط بالمسألة الكردية في حواراتهم مع السلطة بدمشق».

وأشار فيصل في حديثه لتعيين الكردي محمد عبد الرحمن تركو في منصب وزير التربية والتعليم ضمن الحكومة الانتقالية وقال: «أنه يتحدث بلغته على الفضائيات الكردية ولم يتنصل من انتمائه الكردي ولكن ما يهمنا قبل كل شيء هو الاعتراف بالقومية الكردية داخل سوريا وتحقيق شراكتهم في سوريا اللامركزية أما تكليف شخص كردي في منصب وزاري من دون معالجة القضية الكردية فهذا أمر لا نعتبره مؤشراً لإيجاد حل لواحدة من القضايا الأساسية في سوريا».

القدس العربي

————————————-

كيف ترصد أنقرة نتائج الحوار الكردي – الكردي في سوريا؟/ سمير صالحة

2025.04.27

ينطلق في مناطق شمال شرقي سوريا جولة محادثات كردية مكثفة، لبحث مسار ومستقبل العلاقة بين أهم شريحتين في المجتمع السوري، والخيارات الكردية القادمة على ضوء المتغيرات السياسية والميدانية في المشهد السوري بعد سقوط نظام بشار الأسد وانطلاق جولات من المفاوضات بين دمشق و”قوات سوريا الديمقراطية”، في ظل مساعي الإدارة السورية لتوحيد جميع الفصائل وحسم ملف “داعش” ووضع السلاح تحت إشراف وزارة الدفاع.

يواكب الأجواء التي تسبق المؤتمر تحرك محلي وإقليمي على العديد من الجبهات مع كثير من المرونة والانفتاح والواقعية. تأكيد رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني خلال لقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على هامش منتدى الدبلوماسية في أنطاليا قبل أسبوعين، على أن عملية السلام فرصة يجب على الجميع أخذها بجدية تامة وأن لا تُفوت هذه الفرصة بأي شكل من الأشكال. ونتائج الحوار الإيجابي في المكان نفسه بين الرئيس السوري أحمد الشرع وبارزاني، كانت مقدمة مهمة لفتح الطريق أمام التحولات الحاصلة اليوم في المشهد السوري بشقه الكردي.

دخول القيادات الكردية في أربيل على طريق التقريب بين “قسد” وبقية الفصائل الكردية السورية المحسوبة عليها خطوة مهمة. لكنه تحرك سياسي مهم أيضا لتسهيل الحوار الكردي مع دمشق من جهة ومع الجانب التركي نتيجة للعلاقات الإيجابية المتزايدة بين أربيل وأنقرة من جهة أخرى.

سترصد أنقرة مثل غيرها من اللاعبين نتائج توصيات وقرارات المؤتمر الكردي بشقه السوري  خصوصا بعد ما سبقه من اتصالات وجهود محلية وإقليمية مكثفة، بهدف قطع الطريق على فشل محاولة جديدة شاركت العديد من العواصم والقوى الحزبية والسياسية في إيصالها إلى ما هي عليه اليوم. ما سيخرج به المؤتمر من مطالب ورسائل سياسية ودستورية واجتماعية تناقش مع دمشق مهم طبعا، فهو  سيوجز ما تقوله وتريده شريحة أساسية في المجتمع السوري عانت لعقود من الإهمال والتجاهل والحرمان في أبسط حقوقها. لكن أنقرة التي بدأت قبل أشهر حوارا جديدا مع قيادات “حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب” على طريق صناعة اختراق سياسي في الموضوع الكردي، تتطلع أيضا صوب توسيع دائرة المحاولة لتشمل المشهد الكردي في سوريا كذلك. فبعد إزاحة نظام بشار الأسد، وعلى ضوء الاتصالات العلنية والبعيدة عن الأضواء على خط أنقرة – دمشق – أربيل والإصرار على إشراك بغداد رغم العرقلة الإيرانية، وما يحظى به كل ذلك من دعم عربي وغربي واسع، لا بد من فتح الأبواب أمام فرصة نقاشات “كردية إقليمية” سانحة قد لا تعوض.

ما تبحث عنه القيادات التركية أيضا هو خارطة الطريق التي ستناقش بين دمشق والقامشلي وشكل العلاقة الكردية مع الدولة السورية الجديدة. هل ستلتزم “قسد” بالاتفاقيات الموقعة مع دمشق بعد قرارات المؤتمر وتوصياته التي قد تدعو للذهاب باتجاه آخر؟ وما الذي ستطالب به “روجافا” سياسيا ودستوريا وأين ستتوقف مطالبها في نقاشات الحكم الذاتي والفدرالية واللامركزية الإدارية؟ ثم كيف سيأتي الرد من دمشق والقيادة السورية الجديدة، التي أعلنت وكررت أكثر من مرة حدود التفاوض وما لن تقبل به في أي نقاش يطول وحدة الأراضي السورية وتماسكها السياسي والدستوري؟

ستحاول القيادات الكردية في تحالفي “الوحدة الوطنية” و”المجلس الوطني الكردي” الاتفاق على خارطة طريق مشتركة فيما بينها أولا، ثم تحديد شكل الحوار مع السلطة المركزية في دمشق ثانيا. دمشق جاهزة كما يبدو أيضا لطرح ومناقشة مسائل تفصل بين مطالب استعادة الجنسية للأكراد المجردين منها، والاعتراف الدستوري بالشعب الكردي، والانفتاح الواسع على ما سيطرح من مطالب اجتماعية وثقافية ولغوية. لكنها وهي التي تنسق مع أنقرة وتدرك ما يقلق الأخيرة في تحولات المشهد السوري، من الصعب أن تفاوض في مسائل بناء نظام اتحادي أو صيغة حكم ذاتي تحت سقف دولة لامركزية، أو الدخول في نقاشات الوضع الخاص كما رددت القيادات السياسية والعسكرية هناك أكثر من مرة.

يريد الرئيس الأميركي دونالد ترمب تحقيق ما عجز عنه في حقبة حكمه الأولى قبل 7 سنوات، وهو سحب قوات بلاده من سوريا ولكن في إطار تفاهمات بطابع سياسي وأمني واقتصادي محلية وإقليمية. متغيرات ما بعد التاسع من آذار المنصرم وارتباطها بالشق الكردي في شرق الفرات وملف داعش ومجموعات “حزب العمال الكردستاني”، بين ما يتصدر النقاشات الأميركية التركية هناك. من هنا تأتي محاولات بعض اللاعبين الدخول على خط الحوار بين واشنطن وأنقرة لعرقلة أو نسف التفاهمات الحاصلة. فنتائج اتفاقيات دمشق و”قسد” ودخولها حيز التنفيذ بشكل تدريجي، أزعج لاعبين مثل تل أبيب وطهران وباريس وقيادات السليمانية لأنه يحرمهم أوراق مناورات سياسية وميدانية كثيرة.

شكل ونتائج الحوار بين أنقرة وأربيل مهم هنا بالنظر للتقارب والانفتاح الثنائي الذي ترسخ في الأعوام الأخيرة. هذا إلى جانب ما ستقوله واشنطن شريك الطرفين في العديد من الملفات، مثل خطط الحرب على داعش ومصير آلاف سجناء التنظيم في شرقي سوريا، إلى جانب وضع “قوات سوريا الديمقراطية”وسلاحها. تريد واشنطن أن تبقى بعيدة عن الجانب السياسي في الملف الكردي بشقه السوري مكتفية بتكرار ضرورة احترام حقوق الأقليات. التفاهمات التركية الأميركية بهذا الخصوص هي التي تغضب تل أبيب وباريس وطهران.

يتناسى البعض :

-أن أنقرة كانت بين المرحبين بنتائج الاتفاقيات الصادرة عن المفاوضات بين دمشق و”قسد”.

-وأن البداية جاءت من الاتصالات المكثفة على خط أنقرة – أربيل، ثم حراك الداخل التركي قبل أشهر من خلال خطوات التعامل بطريقة جديدة مغايرة مع الملف الكردي في تركيا. وأن دوافع كل ذلك هي التحولات في ملفات كثيرة تعني تركيا وعلى رأسها المشهد الإقليمي بشقه الكردي.

-وأن أبرز نتائج الاتصالات التركية الأميركية كان باتجاه الترجمة العملية لحسم ملف الآف عناصر داعش في سجون شرق الفرات تحت رعاية “قسد” وتسليم الملف بشكل متدرج لدمشق التي بدأت التواصل مع بغداد والعديد من العواصم الغربية لاسترداد من يحملون جنسياتها ومحاكمتهم هناك، أو أن تتولى السلطات السورية هي عمليات محاكمتهم مع آلاف السوريين الذين التحقوا بهذا التنظيم تمهيدا لإغلاق الملف خلال عامين قادمين على أبعد تقدير.

تنتظر أنقرة مسار المشهد الكردي على جبهتين: في الداخل التركي بعد دعوة عبد الله أوجلان أنصاره في السابع والعشرين من شباط المنصرم لحل الحزب وترك السلاح والالتحاق بمفاوضات سياسية تنهي حوالي نصف عقد من التصعيد والاحتقان. وفي الداخل السوري حيث يستعد المؤتمر الكردي لبحث محاولة رسم خريطة طريق في الحوار مع دمشق وتحديد مواقفه ومطالبه.

ليس ما قاله أوجلان حول دعوة العمال الكردستاني لحل نفسه وترك السلاح هو الذي سيناقش فقط في المؤتمر الكردي. فبين ما تنتظره أنقرة هو حسم موضوع العناصر المحسوبة على حزب العمال في شمال شرقي سوريا، وكذلك مسار ومصير العلاقة بين “قسد” والقيادة السورية الجديدة، وتسريع خطوات التفاهم بين دمشق و”قسد” لناحية المسائل العسكرية والأمنية التي تطالب بها تركيا على حدودها الجنوبية، والوصول إلى نتائج تحسم كيفية دمج مقاتلي “قوات سوريا الديمقراطية” في الإطار الأمني السوري، بعيدا عن التكتلات العسكرية المستقلة خارج سلطة الدولة، وهي مسائل لا تقل أهمية عن غيرها في هذا المسار الجديد المطلوب محليا وإقليميا اليوم.

تلفزيون سوريا

——————————————————

أوجلان… ومجازفة “السلام العاجل”/ رستم محمود

الدولة العميقة تعيش أزمة سلطة حقيقية

آخر تحديث 27 أبريل 2025

لزعيم حزب “العمال الكردستاني” عبد الله أوجلان دور محوري في “عملية السلام” الحالية في تركيا، تبعا لموقعه ورمزيته وتاريخه السياسي. لكن ثمة ما يؤشر إلى وجود “خلل” أولي حول دور أوجلان داخل المسار المُشيد، قد يتحول لاحقا إلى عطب كامل يصيب هذه العملية. فأوجلان أخبر زواره بأنه سمع بدعوة/مبادرة زعيم الحركة القومية التركية دولت بهجلي من وسائل الإعلام، لكنه بعد أيام قليلة دعا الآلاف من مقاتلي “الكردستاني” لإلقاء السلاح وتفكيك الحزب، دون أن يعرض أو أن يكون واضحا ما سوف تقدمه الدولة التركية في المقابل، من أفعال سياسية وقانونية ودستورية تجاه المسألة الكردية في البلاد.

جمع الأمرين يعني أن ثمة ما هو غير ناضج. ثمة ما هو غير مدروس ومدقق ومتابع كتفاصيل، وتاليا ثمة شك في إمكانية صمود ما يجري وصلاحه وقدرته على البقاء، وأولا جدارته بتغير الوقائع السياسة في البلاد. فما يجري بين النواة العميقة للدولة وحزب “العمال الكردستاني” يظهر وكأنه نقاط لتلاقي “الرغبات” بين المنخرطين، وفقط كذلك.

الدولة العميقة المؤلفة من زعامة أردوغان وحزب “الحركة القومية” تعيش أزمة سلطة حقيقية، تراجعت شعبيتها للغاية، وصار حزب المعارضة يُهدد حكمها من خلال الانتخابات القادمة بكل جدية. لأجل ذلك تسعى لاستمالة الأكراد، أو تحييدهم على الأقل، والظهور بصورة القادة الاستثنائيين الذين “أنهوا العنف في البلاد”. قُبالتهم، يُريد زعيم الكردستاني إحداث تحولٍ ما في المسألة الكردية في تركيا، أن يخرج هو من السجن بعد أكثر من ربع قرن، وأن يجرب شكلا آخر من الكفاح مع الدولة القومية.

فإن كانت “المصالح والدوافع الذاتية” دائمة الحضور في كل المصالحات كبديهيات. وإن كان إنهاء العنف/الكفاح المسلح قيمة سياسية وحياتية مضافة عليا على الدوام، محل ثناء وتقدير تاريخي، لكنهما لن يلغيا الأسئلة الأساسية المتعلقة بآلية إنهاء صراع مسلح كالذي في تركيا، حيث القضية الكردية بكل ديمومتها وجذريتها، والدولة العميقة هوية بكل صلابتها وتعنتها.

فالنخب والقادة في البلاد، الأتراك والأكراد على حد سواء، من المفترض أن يسألوا اليوم عن أشياء من مثل: أيهما أهم، جوهر إنهاء وتفكيك هذا الصراع الذي غطى قرنا كاملا من تاريخ البلاد أم شكله؟ نتائجه المستقبلية ومفرزاته على الحياة العامة ومستقبل العلاقة بين المجتمعات الداخلية في البلاد، وبينها وبين الدولة كمؤسسات وأنظمة وفضاء عام، أم الاحتفاء بإنهاء الحرب شكلا كحرب ساخنة، مع إبقائه مبارزة باردة مستدامة، تولد مزيدا من الاستقطاب والكراهية، وتبقى مُهددة للسلم الأهلي؟ مع الأمور كلها، السؤال الصميم: مَن أنتج الآخر، هل انعدام العدالة تجاه ملايين الأكراد ما أنتج الكفاح المسلح، أم العكس! وتاليا كيف يُمكن توقع إنهاء النتيجة فيما لو بقيت المنابت والأسس على ما كانت عليها؟

كثيرة هي الحكايات المطابقة لما يجري في تركيا راهنا، حيث كانت الدوافع الذاتية ورغبات القادة الفاعلين لأن يكونوا “زعماء محاطين بهالة وحكاية أسطورية” ديناميكية شبه مطلقة لإنجاز ما هو سريع ومبهر على الورق، لكن دون أن يؤدي ذلك “الورق” إلى تبدلات موضوعية، تُغير مسار الوقائع التي بسببها اندلعت تلك الحروب.

قضى كاتب هذه السطور مثلا أوقاتا طويلة في تتبع ما جرى أثناء مفاوضات أوسلو، بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. التقى مقربين من الرئيس عرفات مرارا، راجع عشرات كتب المذكرات للفاعلين وقتئذ، ومثلها وثائق سُربت على مراحل منذ توقيع تلك الاتفاقية قبل ثلث قرن. مجموع تلك المتابعات كانت تقول إن الراحل ياسر عرفات لو تحلى بمزيد من التمهل ومراجعة الحساب والصبر والتدقيق والمشورة، لكانت اتفاقية أوسلو أكثر رصانة وقدرة على تحقيق تحول تاريخي في الأقدار الفلسطينية، وتاليا المنطقة برمتها. لا يعني الأمر مناهضة السلام أو معاندة مساره، بل غالبا العكس تماما. فالسلام حتى يكون كذلك، لا بد أن يكون متزنا وصلبا وقادرا على العيش المديد.

مثل مسار الرئيس عرفات مع عملية أوسلو، لن ينسى السوريون مثلا حكاية رئيسهم شكري القوتلي أثناء تفاوضه مع الرئيس جمال عبد الناصر عام 1958. فلرغبة عارمة منه بتحقيق “الوحدة”، وأخرى للخلاص من هيمنة العسكر، سلم القوتلي بلاده التي كانت تتحلى بنظام فيه حد أدنى من الديمقراطية والحريات العامة والاقتصاد الحُر، إلى نظام سياسي كان عكس كل ذلك تماما، وتاليا أدخل بلاده في متاهة الشمولية العسكرية والصراخ الأيديولوجي. يدفع السوريون حتى الآن أثمان ذلك.

لا تُختصر الأمثلة على منطقتنا فحسب، فالمؤرخون الأوروبيون مجمعون مثلا على فداحة “اتفاقية ميونيخ” لعام 1938، بين بريطانيا وفرنسا من جهة، وألمانيا النازية من جهة أخرى، فهي من منحت هتلر شعورا متضخما بالتفوق، وتاليا فتحت باب جحيم الحرب.

في تركيا وغيرها من البلدان، تبدو ثنائية إما “سلام شكلي” وإما “حرب مستدامة” تضادا مختلقا فحسب، لأنهما يؤديان إلى المحصلة ذاتها، لأن الواقع الموضوعي يثبت حقيقة أكثر مباشرة، تقول: الحرب هي نتيجة للمجريات الغارقة في سوء العدالة، وعكسها يتطلب دوما تغييرا حقيقيا في الوقائع، لا في صورة الحرب. فتركيا اليوم، وبسبب ما يتبدل حولها وضمن مجتمعاتها، “مجبرة” على تفكيك القضية الكردية، وهذه ليست فرصة لسلام شكلي وورقي احتفالي، بل لتحول في مسار التاريخ، يصنع من تركيا دولة حديثة، ومن الأكراد مجتمعا ذا حقوق معقولة ضمن الدولة التركية.

المجلة

—————————-

تعليق اتفاق الشيخ مقصود في حلب: حرب مقبلة؟

الجمعة 2025/04/25

كشفت مصادر متابعة لـ”المدن” عن تعليق العمل بالاتفاق بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديموقراطية (قسد) في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية وبني زيد في حلب، مؤكدةً أن اللجنة المشتركة المكلفة بتطبيق الاتفاق تواجه تحديات كبيرة في مسألة إكمال عمليات تبادل الأسرى من الجانبين. لكن مصادر في “قسد”، أكدت لـ”المدن” أنه لا نية لدى الأخيرة للانسحاب من الاتفاق مع الرئيس أحمد الشرع.

“قسد”: لا انسحاب

وقالت المصادر إن “ٌقسد” تطالب بتسليمها الأسرى في سجون الجيش الوطني في الشمال، والأخير يطالب بأسراه في سجون “قسد” أي أن الاتفاق خرج من إطار البنود المتعلقة بمدينة حلب.

في المقابل، أكد مصدر في “قسد” لـ”المدن”، أنه لا يوجد قرار للانسحاب من الاتفاق مع الرئيس أحمد الشرع، “لكن هناك توتراً بسبب قصف تركيا أمس، لمقر قيادة وحدات حماية الشعب في ديرك ومقتل 20 مقاتلاً وجرح 18 آخرين”.

وأشار المصدر إلى أنه حصلت مناوشات أيضاً في محيط سد تشرين بين قوات “قسد” وقوات تابعة للجيش الوطني، مشدداً على أن “المشكلة اليوم مع تركيا وليست مع الشرع”.

وأضاف المصدر أن ” (قائد قسد) مظلوم عبدي وإلهام أحمد، اجتمعا أمس مع وفد من الخارجية الفرنسية في أربيل من أجل دعم الحوار الكردي- الكردي، وقد أكد المجتمعون أهمية التوصل إلى اتفاق مع دمشق بالطرق السلمية”.

عودة التوتر

ودعا ناشطون وإعلاميون إلى عدم الاقتراب من الأحياء التي تسيطر عليها “ٌقسد” في حلب، ولا استخدام الطرق التي فتحت أخيراً بعد تطبيق الخطوة الثالثة من الاتفاق، خوفاً من توتر محتمل تعود معه عمليات الاعتقال والخطف وإغلاق الطرق، وهي الحالة التي كانت سائدة قبل التوصل إلى الاتفاق أوائل شهر نيسان/أبريل الحالي.

ويبدو أن التوتر عاد إلى أحياء سيطرة “قسد” في حلب منذ ليلة البارحة، وفي السياق علمت “المدن” من مصدر متابع أن  قوة أمنية تابعة لـ “الأسايش”، أقدمت على تنفيذ حملة دهم في الشيخ مقصود، ومن بين المستهدفين بالحملة شاب كان وصل في الفترة الأخيرة من عفرين لزيارة أقاربه، وكان يرافق الدورية مخبرين يحددون مواقع الأهداف التي ستشملها عمليات الاعتقال، وفق المصدر.

وفي الأثناء، شهدت المنطقة المحيطة بسد تشرين في ريف منطقة منبج شمال شرق محافظة حلب استنفاراً لفصائل الجيش الوطني، واستنفرت أيضاَ الفصائل المتمركزة في منطقة “نبع السلام” على الحدود السورية-التركية شمال محافظة الرقة قواتها استعداداً للتعامل مع أي تطور ميداني. وقال مصدر عسكري لـ”المدن” إن “الفصائل أرسلت إلى المنطقة المحيطة بسد تشرين تعزيزات عسكرية ضخمة، تضم مدرعات وأسلحة ثقيلة، وجرى اجتماع مصغر لقادة غرفة العمليات مع ضباط في الجيش التركي”.

حرب مقبلة؟

 وتعليقاً على المستجدات، رأى الكاتب والسياسي الكردي علي تمي، أن شريحة واسعة من السوريين، تعتقد أن الاتفاق الأخير بين الحكومة السورية و”قسد”، يعد فرصة تاريخية للاندماج السلس والهادئ ضمن الدولة السورية.

وقال تمي لـ”المدن”، إن “مماطلة قسد وتهربها من الالتزامات التي يفرضها عليها الاتفاق، قد لا تؤدي إلى تصعيد من جانب الحكومة السورية، ولكن قد يحدث من قبل تركيا التي ستعاود حتماً عملياتها العسكرية، وبشكل أكثر قوة”. وأضاف: ” قلت منذ اليوم الأول أن حزب العمال الكردستاني لن يسمح بتنفيذ الاتفاق على الأرض بين الحكومة السورية وقسد، وكل ما نفذ حتى الآن، منذ اتفاق آذار في دمشق، هو فقط تبادل جزئي للأسرى، أما بقية التفاصيل والبنود فلم ينفذ أي بند منها، وأعتقد أن الأمور ذاهبة نحو الحرب مع قسد، فالأخيرة تواصل حفر الأنفاق وحشد قواتها، وتنفيذ عمليات انتشار، وهي تحركات تشير إلى أنها تتجهز لمعركة آتية”.

وأوضح تمي، أن “ما تفعله قسد اليوم من تعطيلها للاتفاقات، إنما هو تنفيذ لأوامر حزب العمال الكردستاني، فالأخير لا يريد لأي اتفاق مع الحكومة السورية أن ينجح، فهذا ليس من مصلحته”. وتوقع أن يكون هناك مصلحة إيرانية في إشعال التوتر مجدداً، وضرب الأمن والاستقرار في منطقة شرق الفرات.

المدن

———————————-

المؤتمر الوطني الكردي: ضد التقسيم ومع سوريا لامركزية

السبت 2025/04/26

أكد البيان الختامي لـ”المؤتمر الوطني الكردي الموحد”، اتفاق القوى والأحزاب الكردية المشاركة، على رؤية سياسية لحل عادل للقضية الكردية “في سوريا لامركزية ديمقراطية”، مضيفاً أنه سيتم تشكيل وفد كردي مشترك “في أقرب وقت للعمل على ترجمة هذه الرؤية إلى واقع سياسي”.

وعُقد، اليوم السبت، في مدينة القامشلي في ريف الحسكة (شمال شرق)، “المؤتمر الوطني الكردي الموحد” (وحدة الصف والموقف الكردي)، بهدف اتخاذ القوى الكردية موقفاً موحداً من مستقبل سوريا، وشكل العلاقة مع الحكومة السورية، وحقوق الأكراد في البلاد.

وتتألف الرؤية السياسية الكردية لمستقبل سوريا من قسمين، الأول، مرتبط بشكل الدولة السورية، والثاني، بالحقوق القومية للشعب الكردي.

سوريا لامركزية

وقال البيان الختامي، إن المؤتمر انعقد “بعد حوارات مكثفة” وبمشاركة الأحزاب الكردية، ومنظمات المجتمع المدني، وحركة المرأة والمنظمات النسائية والفعاليات المجتمعية الكردية المستقلة من مختلف المناطق الكردية في سوريا.

وأوضح أن الهدف من المؤتمر هو “اعتماد رؤية كردية موحّدة حول بناء سوريا الجديدة والمشاركة في رسم مستقبلها وحلّ القضية الكردية” ما بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، مشيراً إلى أن الشعب الكردي “ناضل عقوداً طويلة في سبيل إزالة الاضطهاد القومي، لقدوم نظام ديمقراطي تعددي لكل السوريين”.

وأكد البيان خروج المؤتمر بـ”صياغة رؤية سياسية كردية مشتركة تعبر عن إرادة جماعية ومشروعاً واقعياً لحل عادل للقضية الكردية في سوريا كدولة ديمقراطية لامركزية”، مضيفاً أن المشاركين أقروا الرؤية الكردية المشتركة التي قدمت الى المؤتمر، “باعتبارها وثيقة تأسيسية تعبّر عن إرادة جماعية”.

حقوق الأكراد

وأوضح ان الوثيقة “تقدّم مقاربة واقعية لحلّ عادل وشامل للقضية الكردية في إطار سوريا موحّدة، بهويتها المتعددة القوميات والأديان والثقافات، ويضمن دستورها الحقوق القومية للشعب الكردي، ويلتزم بالمواثيق والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان ويصون حرية المرأة وحقوقها ويمكنها من المشاركة الفاعلة في كافة المؤسسات”.

ودعا البيان إلى اعتماد الوثيقة “أساساً للحوار الوطني”، بين القوى السياسية الكردية نفسها، ومع الإدارة السورية الجديدة وسائر القوى الوطنية السورية، لبناء سوريا الجديدة.

وأكدت الوثيقة على عدم إقصاء أو تهميش أي مكون من المكونات السورية واحترام حقوقهم الدستورية، والابتعاد عن الذهنية الأحادية، وأن “تحترم سوريا علاقاتها الإقليمية والدولية وتكون عامل استقرار وأمان في المنطقة”.

ولفت البيان الختامي إلى أن المؤتمر قرر تشكيل وفد كردي مشترك “في أقرب وقت، للعمل على ترجمة هذه الرؤية إلى واقع سياسي، والتواصل والحوار مع الأطراف المعنية لتحقيق مضامينها”.

حكومة سورية وإعلان دستوري

وأبرز ما تم الاتفاق عليه المؤتمر، هو توحيد المناطق الكردية كوحدة سياسية إدارية متكاملة في إطار سوريا اتحادية، الإقرار بالوجود القومي للشعب الكردي في سوريا، الاعتراف الدستوري باللغة الكردية كلغة رسمية إلى جانب العربية في البلاد وضمان التعليم والتعلم بها، ضمان تمثيل الأكراد في مؤسسات الدولة التشريعية والقضائية والتنفيذية والأمنية، إعادة الجنسية السورية للمواطنين الأكراد المجردين منها، تطوير البنية التحتية للمناطق الكردية وتخصيص نسبة من عائدات ثرواتها في التنمية والإعمار.

ودعا البيان إلى إعادة النظر بالتقسيمات الإدارية، وإلغاء نتائج التغيير الديمغرافي وإيقافها في المناطق الكردية وفي كافة المناطق السورية، وتأمين عودة آمنة للنازحين واللاجئين إلى ديارهم، بمن فيهم أبناء رأس العين وتل أبيض وعفرين، وبسط سيادة الدولة عليها، وتشكيل جمعية تأسيسية تضم ممثلي كافة المكونات السورية.

وطالب المجتمعون بإعلان دستوري وحكومة انتقالية من كافة المكونات السورية، على أن يتضمن الدستور حقوق جميع المكونات السورية، وفق نظام برلماني.

عبدي: المؤتمر ليس للتقسيم

وفي كلمته خلال افتتاح المؤتمر، أكد قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، ضرورة ضمان حقوق الأكراد في سوريا الجديدة، مشدداً على أن المؤتمر “ليس من أجل التقسيم بل من اجل وحدة سوريا التي هي من وحدة الأكراد”.

وقال عبدي: “منذ 14 عاماً نحن في حرب ونحارب لأجل شعوب هذه المنطقة، ودفعنا 13 ألف شهيد”، مشيراً إلى أن المؤتمر “عُقد بعد جهود واجتماعات ومباحثات كبيرة بحضور قوى كردستانية”، و”سيوفر أرضية” للمطالبة بحقوق الأكراد، “مطلبنا الأساسي”.

وأضاف “سنناقش برنامجنا السياسي اليوم هنا (في المؤتمر)، وسنصدر قراراً حول تشكيل هيئة مشتركة هنا من أجل النقاش مع حكومة دمشق الجديدة لتحقيق حقوق الشعب الكردي”، مشدداً على الحاجة إلى ” دستور لا مركزي يضم جميع المكونات”.

وبحسب مواقع مقربة من “قسد”، فإن المؤتمر يشهد مشاركة كثر من 400 شخصية كردية من سوريا وشمال وجنوب كردستان-العراق، إلى جانب شخصيات من مختلف المناطق السورية، وممثلين عن القوى والتنظيمات والأحزاب الكردية، والمؤتمر القومي الكردستاني، كما سيشارك وفد من التحالف الدولي لمكافحة تنظيم “داعش”.

————————–

قائد «قسد»: سوريا الجديدة تحتاج إلى دستور لا مركزي يضم جميع المكونات

دمشق: «الشرق الأوسط»

26 أبريل 2025 م

أكد مظلوم عبدي، قائد «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)»، السبت، ضرورة ضمان حقوق الأكراد في سوريا الجديدة، وفق ما نقلت شبكة «رووداو» الكردية.

وقال مظلوم عبدي -في مؤتمر «وحدة الصف والموقف الكردي» الذي عُقد اليوم في مدينة قامشلو بروجافا- إنه «منذ 14 عاماً، ونحن في حرب، ونحارب لأجل شعوب هذه المنطقة، ودفعنا 13 ألف شهيد». وأعرب مظلوم عبدي عن شكره لجهود الرئيس مسعود بارزاني، وعلى دعمه لعقد هذا المؤتمر.

وأضاف قائد «قسد» في تصريح نقله التلفزيون السوري أن «سوريا الجديدة تحتاج إلى دستور لا مركزي، يضم جميع المكونات»، مشدداً على أن واجب «قسد» حماية المكتسبات الموجودة في شمال شرقي سوريا. وتابع أن مؤتمر «وحدة الصف والموقف الكردي» لا يهدف إلى التقسيم، بل هو من أجل وحدة سوريا.

وعقد مختلف الأحزاب الكردية مؤتمراً، السبت، في شمال شرقي سوريا، تهدف عبره إلى تقديم رؤية موحدة لكيفية بناء «سوريا المستقبل»، بعد إطاحة الحكم السابق، ودور المكون الكردي، وفق ما أفاد أحد المشاركين البارزين لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال ألدار خليل، عضو هيئة الرئاسة المشتركة لحزب «الاتحاد الديمقراطي الكردي»، أبرز الأحزاب الكردية، إثر انطلاق أعمال المؤتمر في مدينة القامشلي، إن المجتمعين سيناقشون «كيفية بناء وإنشاء سوريا المستقبل، خصوصاً أن الكُرد مكون رئيسي، ولهم الحق في أن يلعبوا دوراً أساسياً» في ذلك.

وأضاف: «لذلك، لا بد أن يطرح الكرد ورقة حل ومشروعاً ليكون مقترحاً لمستقبل سوريا»، موضحاً رداً على سؤال، أنّ الصيغة الفيدرالية «من ضمن المقترحات المطروحة على الطاولة».

ويشارك وفق «وكالة أنباء هاوار» الكردية، أكثر من 400 شخصية، بينهم ممثلو أحزاب وقوى كردية سورية وتركية ومن إقليم كردستان العراق في المؤتمر الذي يعقد بعنوان «وحدة الموقف والصف الكردي».

ومنذ وصول السلطة الجديدة إلى دمشق، إثر إطاحة حكم بشار الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول)، أبدى الأكراد انفتاحاً، عادّين أن التغيير «فرصة لبناء سوريا جديدة… تضمن حقوق جميع السوريين»، بمن فيهم المكون الكردي الذي عانى خلال حكم عائلة الأسد من التهميش على مدى عقود.

وأبدت السلطات الجديدة من جهتها رفضها لأي محاولات تقسيم أو انفصال، في إشارة ضمنية إلى طموحات الأكراد بتكريس الحكم الذاتي الذي بنوه بعد اندلاع النزاع عام 2011.

ووقَّع الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وقائد «قوات سوريا الديمقراطية» مظلوم عبدي، اتفاقاً في 11 مارس (آذار)، قضى «بدمج» كل المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية، في إطار الدولة السورية.

وأبدى الأكراد اعتراضهم على الإعلان الدستوري الذي قدمته السلطة الجديدة، عادّين أنه لا يعكس التنوع في سوريا.

ومنح الإعلان سلطات مطلقة للشرع في إدارة المرحلة الانتقالية، المحددة بخمس سنوات.

وتُسيطر الإدارة الذاتية الكردية المدعومة أميركياً على مساحات واسعة في شمال سوريا وشرقها، تضم أبرز حقول النفط والغاز. وشكَّلت «قوات سوريا الديمقراطية»، ذراعها العسكرية، رأس حربة في قتال «داعش»، وتمكنت من دحره من آخر معاقل سيطرته في البلاد عام 2019.

وقال ألدار خليل إن المجتمعين سيناقشون كذلك سبل معالجة القضية الكردية، موضحاً: «سيكون للمؤتمر دور أساسي في توجيه بوصلة الديمقراطية في سوريا بشكل عام، وكيفية حل القضية الكردية بشكل خاص».

——————————-

=========================

عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 26-27 نيسان 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة

——————————–

عن دخول شيوخ (دروز) سوريين إلى إسرائيل للمرّة الثانية/ وائل طربية

ما عاد يفيد الكلام بلغة السياسة.. ولا الكلام عن مجد التاريخ يغري – المندلقين من دروز سوريا عند أقدام إسرائيل – حتى على الاصغاء..

ثمّة خلطة عجيبة من التناقضات.. بلادة وصلف وتعالي على أبناء الوطن من جهة، وانسياق وتبعية ودونية واستصغار للذات أمام المحتل، من جهة ثانية..

فما هي اللغة التي يمكن أن تخترق الجدران الصماء لعقول المشاركين، من أصحاب العمائم، بالزيارة، التي ستنطلق بعد ساعات قليلة، إلى مقام النبي شعيب في حطين؟

لنجرب..

بعيداً عن المعاني السياسية لهذه الزيارة وبعيداً عن التعابير  التي يتم تسفيهها هذه الأيام، كالالتزام والانتماء والأخلاق الوطنية.. بعيداً عن الكلام عن انتهاك سيادة البلد وسرقة موارده المائية وتدمير بنيته الدفاعية واحتلال أراضيه والاعتداءات اليومية عليه… بعيدا عن كل هذا النقاش السقيم..

لنتكلم في التفاصيل والأشياء الصغيرة.. 

بعد قليل ستدخل قوات من جيش الاحتلال إلى الأراضي السورية التي احتلتها مؤخراً.. سيكون مئات المشايخ الدروز بانتظارهم، بكامل أناقتهم، وبلباقتهم المعهودة سيلاقون جنود جيش الاحتلال وقواته الأمنية بابتسامات الصباح وبكلمات الشكر والامتنان.. ثم يصعدون الباصات التي ستنقلهم إلى حطين.

يا لروعة هذا المشهد..

كم سيكون مثيراً لو ان طريقهم تمر بجانب القرى السورية المحتلة مؤخراً،  ولو يقُيِّض لهم أن يشاهدوا طرقاتها التي جرّفها الجنود الذين يرافقونهم..

أو لو يتاح لهم أن يشاهدوا التخريب في البنى التحتية من شبكات الماء والكهرباء والصرف الصحي والمرافق العامّة..

أو رؤية الخنادق التي يحفرها جيش دولة  الاحتلال الاستيطاني، الذي يقود رحلتهم، لكي يمنع جيرانهم السوريين من الوصول إلى أراضيهم، بعد أن قام بقطع أشجارها..

أو أن يشاهدوا ركام البيوت التي دمرها وأحرقها جنود الاحتلال في بعض القرى الواقعة في المنطقة العازلة.. أو أن يشموا رائحة الجيف المتفسخة لقطعان الماعز التي أعدمها جنود الاحتلال فقط للتنكيل وقطع أرزاق أقرانهم من المدنيين السوريين (من غير الدروز طبعاً) ..

لا نعرف إذا كان بعض هؤلاء الحجاج، إلى مقام النبي شعيب، قد شارك مؤخراً ضمن وفد المعزّين بشهداء مدينة نوى، الذين سقطوا برصاص جيش دولة الابارتهايد الذي يؤمن “الحماية” لهذه الرحلة الميمونة!!!

وكم سيكون الأمر مدهشاً لو أنهم يمرون بساحة الرفيد ليشاهدوا رماد طرود المساعدات الغذائية التي وزّعها جنود الاحتلال الكرماء.. فقام أهالي الرفيد بحرقها.. مع أنهم يؤمّنون قوت يومهم بشق الأنفس.. (هنالك شيء اسمه الكرامة وعزّة النفس).

يصعب تصديق أن الشيوخ المعروفيين لا يعرفون شيئاً عن التنكيل الذي يتعرض له جيرانهم وأهلهم السوريون في القرى المجاورة على يد الجنود الصهاينة – اللطفاء  مع الدروز دون غيرهم – أو عن محاولات التضييق على سكان القرى لتهجيرهم ودفعهم إلى مغادرة بيوتهم وأراضيهم..

على كل حال، لن تنجح هذه “التفاصيل الصغيرة” في تعكير صفاء الشيوخ “الروحانيين” ورضاهم عن أنفسهم، فزيارتهم، كما يُرَوَّج لها، دينية بحتة.. أي أنها تقع خارج التاريخ.. خارج كل السياقات..

من ضمن “الأمور الصغيرة” والمثيرة التي يمكن التفكير فيها، ما إذا كان المضيفون، من دروز إسرائيل، قد وضعوا المشايخ الضيوف، من دروز سوريا، في صورة الطقوس التي تجري على أرض الواقع خلال الزيارة..

فمنذ سنوات بدأت “عسكرة” هذه الزيارة.

المعنى أنها لم تعد مجرد زيارة وطقس ديني خاص، وإنما تحولت إلى منصة لخطابات جنرالات الجيش الاسرائيلي ومناسبة لإعادة التأكيد على “حلف الدم” الذي تعاقد عليه بعض دروز اسرائيل مع جيش الاحتلال.

طبعا سيكون تقليلا ًمن ذكاء الشيوخ أن نشرح أكثر عن هذا الحلف، وضد من يتحالف الطرفان..

لا نعلم على وجه الدقة، إن كان الضيوف السوريون سيحظون بشرف الاستماع لخطابات جنرالات جيش الاحتلال صبيحة يوم الزيارة، أو إن كان المضيفون قد فطنوا إلى موضوع الترجمة خلال الاعداد اللوجستي.

وبما أن الشيءَ بالشيءِ يُذكر، فإن الكثير من الشيوخ الوطنيين، من إخوانكم في الجولان السوري المحتل منذ 58 عاماً، درجوا منذ سنوات على الذهاب إلى مقام النبي شعيب في هذه المناسبة، حيث يقضون الليلة السابقة على الزيارة في القراءة والعبادة والخلوة الروحية، ويغادرون المكان قبل شروق الشمس، وقبل أن تصل وفود المشاركين.. وذلك كي يتجنبوا إقحامهم في الطقوس القسرية الدخيلة التي أسرلت وأدلجت وعسكرت ما يفترض أنها ممارسة دينية خالصة.

هذه الزيارة لن تكون الأخيرة في مسلسل تدخلات إسرائيل ووكلائها، واستغلالها لبؤس الناس وشرائها لولاءات بعض المرتزقة الدروز ، والأدوار الملتبسة لبعض القيادات الدينية في السويداء حيالها.

قتامة المشهد الحالي مؤقتة ولا تخلخل الثقة بأن الكلمة الفصل في نهاية هذا المخاض ستكون سوريةً خالصة..

ستكون للوطنيين السوريين من بنات وأبناء السويداء.

الفيس بوك

————————————-

من الشرع إلى الشرع.. هل يُزهر خريف التطبيع السوري مع إسرائيل؟/ رامي الأمين

25 أبريل 2025

مع أن الخريف يحمل أحيانا مسحة من الكآبة، كان بالإمكان ملاحظة ابتسامات خفيفة على وجوه الرجال الثلاثة في الصور المؤرخة في الثالث من يناير من العام ٢٠٠٠.

تجمع الصور فاروق الشرع وزير الخارجية السوري آنذاك في عهد حافظ الأسد، ورئيس وزراء إسرائيل إيهود باراك، يتوسطهما الرئيس الأميركي بيل كلينتون.

يسير الثلاثة على ما يبدو أنه جسر حديدي في غابة مليئة بالأشجار التي تتخلى للخريف عن آخر أوراقها اليابسة في ولاية ويست فرجينيا الأميركية. كان كلينتون يحاول أن يعبر بالطرفين من ضفة إلى أخرى، من الحرب المستمرة منذ عقود، إلى سلام أراده أن يكون “عادلاً وشاملاً”.

التطبيع بين سوريا وإسرائيل

كانت تلك الورقة الأخيرة المترنحة في شجرة مفاوضات طويلة ومتقطّعة بين إسرائيل وسوريا، استمرت طوال فترة التسعينيات في مناسبات مختلفة. لكن خريف العلاقات بين الطرفين كان قد حلّ، وسقطت الورقة، وتباطأت في سقوطها “الحر” حتى ارتطمت بالأرض.

كان ذلك آخر لقاء علني مباشر بين مسؤولين سوريين ومسؤولين إسرائيليين على هذا المستوى. لم تفض المفاوضات إلى شيء، وتعرقلت أكثر فأكثر احتمالاتها في السنوات اللاحقة بعد وراثة بشار الأسد رئاسة سوريا عن أبيه الذي توفي في حزيران من العام ٢٠٠٠.

وفشلت جميع المبادرات الأميركية والتركية بين الأعوام ٢٠٠٠ و٢٠١١ لإعادة الجانبين إلى طاولة المفاوضات المباشرة، مع حدوث بعض المحادثات غير المباشرة في إسطنبول في العام ٢٠٠٨، وكان بشار الأسد يجنح شيئاً فشيئا إلى الارتماء تماماً في الحضن الإيراني.

كان الربيع العربي في العام ٢٠١١ أقسى على بشار الأسد من خريف المفاوضات التي خاضها والده في خريف عمره. وإذا كان موت حافظ الأسد شكّل ضربة قاسمة لاحتمالات التسوية السورية- الإسرائيلية، فإن الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر من العام ٢٠٢٤، أعادت على ما يبدو عقارب الزمن ٢٤ عاماً إلى الوراء، لكن هذه المرة مع شرع آخر هو أحمد الشرع.

ومع أن الرئيس السوري، المتحدر من هضبة الجولان، قد يبدو لوهلة أكثر تشدداً من الأسد، إلا أن الرجل يبدو أنه يخطو بخطوات سريعة نحو تسوية مع إسرائيل تكون استكمالاً لاتفاقيات أبراهام التي عقدتها إسرائيل برعاية أميركية مع دول خليجية.

الرئيس السوري قال بشكل صريح للنائب الجمهوري في الكونغرس الأميركي، مارلين ستوتزمان، إنه مستعد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، شريطة الحفاظ على وحدة وسيادة سوريا.

وقال ستوتزمان في مقابلة حصرية مع صحيفة “جيروزاليم بوست”، إن الشرع أعرب عن انفتاحه على الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، مما قد يعزز مكانة سوريا مع إسرائيل ودول الشرق الأوسط والولايات المتحدة، مشدداً على ضرورة وقف الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية ومعالجة قضايا مثل التوغل الإسرائيلي بالقرب من مرتفعات الجولان.

لم يتلق السوريون تصريحات الشرع بصدمة او استغراب. بل على العكس فإن تصريحات الشرع، كما يقول المحلل السياسي مصطفى المقداد، لم تكن مفاجئة للشارع السوري، “فهو منذ وصوله إلى الحكم قام بإرسال إشارات إلى أنه يرغب بأحسن العلاقات مع جميع جيران سوريا، وقد أبدى استعداده للتنازل عن أمور كثيرة، بهدف تأمين استقرار سوريا ووحدتها”.

وينقل مراسل موقع “الحرة” في دمشق حنا هوشان أجواءً عن أن السوريين بمعظمهم، يرغبون بالسلام وتعبوا من الحروب، ولن يمانعوا عودة المفاوضات تحت قيادة الشرع لسوريا.

المقداد رأى في حديث مع “الحرة” أن الجديد والمهم في تصريحات الشرع المنقولة عنه، أنها تصدر بعد تشكيل الحكومة السورية وفي وقت يرفع وزير خارجيته، أسعد الشيباني، علم سوريا في الأمم المتحدة. ويرى المقداد أن المشكلة لا تكمن في الجانب السوري ولا في شخص الشرع، بل “تكمن في الجانب المقابل الذي لا يبدي رغبة حقيقية في قبول هذه المبادرات”.

والجمعة، قال الشيباني في الأمم المتحدة خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي إن “سوريا لن تشكل تهديدا لأي من دول المنطقة، بما فيها إسرائيل”.

تصريحات الشرع قد يكون لها الأثر الأبرز في الأيام المقبلة على النقاشات بين دروز سوريا على الحدود مع هضبة الجولان، المنقسمين حول العلاقة مع إسرائيل وحول العلاقة بحكومة الشرع، مع ما يحمله ذلك من مخاوف يعبّر عنها رموز الطائفة، تارة من الاندماج مع حكومة الشرع، وطوراً بالانفصال والانضمام إلى إسرائيل.

وتأتي تصريحات الشرع حول التطبيع لتفتح الباب لخيار ثالث درزي، قد يبدد المخاوف، لكن ليس هناك ما يضمن ألا يعزّزها.

بين ديسمبر من العام ٢٠٠٠، وأبريل من العام ٢٠٢٥، يقع ربع قرن، توقفت فيه عجلة المفاوضات السورية الإسرائيلية المباشرة. وبين الشرعين -فاروق الشرع وأحمد الشرع- تحمل التطورات احتمالات إنعاش المفاوضات وعودتها إلى الطاولة مع تبدلات جذرية في الظروف وفي اللاعبين. فهل “تزهر” المفاوضات في ربيع العام ٢٠٢٥، بعد أن يبست ورقتها وتساقطت في خريف العام ٢٠٠٠؟

رامي الأمين

الحرة

—————————————

كيف ردت سوريا على شروط تخفيف العقوبات الأمريكية؟

26/4/2025

ردت سوريا كتابيا على قائمة شروط أمريكية لرفع جزئي محتمل للعقوبات، قائلة إنها طبقت معظمها لكن البعض الآخر يتطلب “تفاهمات متبادلة” مع واشنطن.

كانت الولايات المتحدة قد سلمت سوريا، الشهر الماضي، قائمة بـ8 شروط تريد من دمشق الوفاء بها، منها تدمير أي مخزونات متبقية من الأسلحة الكيميائية، وضمان عدم منح أجانب مناصب قيادية في الحكم.

وتحتاج سوريا إلى تخفيف العقوبات حتى يتعافى اقتصادها الذي انهار تحت وطأة حرب امتدت 14 عاما فرضت خلالها الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا عقوبات صارمة في محاولة للضغط على نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.

وأصدرت الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني إعفاء لمدة 6 أشهر من بعض العقوبات لتشجيع المساعدات، لكن تأثير هذا الإجراء كان محدودا.

وقالت مصادر لوكالة “رويترز” في مارس/آذار إن واشنطن ستمدد هذا التعليق لمدة عامين إذا جرت تلبية المطالب الأمريكية جميعها، وربما تصدر إعفاء آخر.

إجراءات لبناء الثقة

كانت ناتاشا فرانشيسكي نائبة مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون بلاد الشام وسوريا قد سلمت قائمة الشروط لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في لقاء جمعهما على هامش مؤتمر المانحين لسوريا في بروكسل في 18 مارس/آذار.

وسعى الشيباني في أول كلمة له أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أمس الجمعة، إلى إظهار أن سوريا تلبي بالفعل هذه المطالب، بما في ذلك ما يتعلق بالأسلحة الكيميائية، والبحث عن أمريكيين مفقودين في سوريا.

وجاءت كلمة الشيباني متوافقة مع محتوى رسالة سوريا الخاصة إلى الولايات المتحدة، التي تتعهد سوريا فيها بإنشاء مكتب اتصال في وزارة الخارجية مهمته البحث عن الصحفي الأمريكي المفقود أوستن تايس.

وأوردت الوثيقة بالتفصيل إجراءات تعتزمها سوريا للتعامل مع مخزونات الأسلحة الكيميائية، ومنها تعزيز روابط الاتصال مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية.

لكن الرسالة لم تورد الكثير من التفاصيل عن مطالب رئيسة أخرى مثل إبعاد المقاتلين الأجانب، ومنح الولايات المتحدة الإذن بشن ضربات لما تسميه “مكافحة الإرهاب”.

وأكد متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن واشنطن تلقت ردا من السلطات السورية على طلب أمريكي باتخاذ “تدابير محددة ومفصلة لبناء الثقة”.

وأضاف “نقيم الآن الرد، وليس لدينا ما نقوله في الوقت الحالي”، وأردف قائلا إن الولايات المتحدة “لا تعترف بأي كيان بوصفه الحكومة السورية، وأي تطبيع للعلاقات في المستقبل سيحدَّد بناء على الإجراءات التي تتخذها السلطات المؤقتة”.

المقاتلون الأجانب

جاء في الرسالة أن المسؤولين السوريين ناقشوا مسألة المقاتلين الأجانب مع المبعوث الأمريكي السابق دانيال روبنستاين، لكن المسألة “تتطلب جلسة مشاورات أوسع”، وأن ما يمكن تأكيده في الوقت الحالي هو أن إصدار الرتب العسكرية تم تعليقه.

وحول طلب الولايات المتحدة التنسيق في مسائل “مكافحة الإرهاب والقدرة على تنفيذ ضربات على أهداف إرهابية”، قالت الرسالة إن “الأمر يتطلب تفاهمات متبادلة”.

وشملت الرسالة تعهدا بأن الحكومة السورية الجديدة لن تتسامح مع أي تهديدات للمصالح الأمريكية أو الغربية في البلاد، وتعهدا باتخاذ “الإجراءات القانونية المناسبة”، دون ذكر تفاصيل.

وفي مقابلة في وقت سابق من هذا العام، قال الرئيس السوري أحمد الشرع إن القوات الأمريكية المنتشرة في سوريا موجودة دون موافقة الحكومة، مضيفا أن أي وجود من هذا النوع يجب أن يتم الاتفاق عليه مع الدولة.

عدم تهديد إسرائيل

وذكرت سوريا في رسالتها أنها تأمل في أن تؤدي الإجراءات المتخذة، التي وصفتها بأنها “ضمانات”، إلى اجتماع لمناقشة كل نقطة بالتفصيل، بما في ذلك إعادة فتح السفارات ورفع العقوبات.

وفيما يتعلق بالمسلحين الفلسطينيين في سوريا، قالت الرسالة إن الشرع شكل لجنة “لمراقبة أنشطة الفصائل الفلسطينية”، وإنه لن يُسمح بوجود فصائل مسلحة خارج سيطرة الدولة.

وجاء إرسال الرسالة قبل أيام فقط من اعتقال سوريا لفلسطينيين اثنين من قياديي حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.

وذكرت الرسالة أنه “في حين يمكن أن تستمر المناقشات حول هذه المسألة، فإن الموقف العام هو أننا لن نسمح بأن تصبح سوريا مصدر تهديد لأي طرف، بما في ذلك إسرائيل”.

وأقرت الرسالة أيضا بوجود “تواصل مستمر” بين سلطات مكافحة الإرهاب السورية وممثلي الولايات المتحدة في العاصمة الأردنية عمّان بشأن مكافحة تنظيم الدولة، وقالت إن سوريا تميل إلى توسيع هذا التعاون.

المصدر : رويترز

—————————————–

في ظل الشروط الأميركية.. هل تفرض إسرائيل “سلام الخاسر” على سوريا؟/ محمد سليمان

26 أبريل 2025

تزداد وتيرة النقاش حول شكل العلاقة المستقبلية بين سوريا وإسرائيل، لا سيما في ظل التصريحات التي أدلى بها عضو الكونغرس الأميركي، كوري ميلز، إثر زيارته إلى دمشق، وكذلك تصريحات الرئيس السوري، أحمد الشرع، في حديثه لصحيفة “نيويورك تايمز”.

وفتحت هذه التصريحات الباب واسعًا أمام التحليل والتأويل، خاصةً مع ارتباطها بالسياق الإقليمي والدولي، وبالمطالب الأميركية وشروط التطبيع. وفي هذا السياق، نقدّم ثلاث مقاربات لثلاثة متحدثين من خلفيات مختلفة: الناشط الحقوقي رامي عزيزة، والناشط السياسي سميح سمرة، والمحلل السياسي بسام السليمان.

فشل الضم وتثبيت الفوضى

الناشط الحقوقي رامي عزيزة أكد أن إسرائيل، على الأرجح، غير مهتمة بضم الأراضي السورية التي تحتلها بشكل رسمي إلى كيانها، باستثناء منطقة القنيطرة. ويُرجع ذلك إلى عجز إسرائيل الديموغرافي عن إشغال هذه المناطق بالسكان، موضحًا أن ضمها دون إجراء تغييرات ديموغرافية أمر غير متوقع، لأن إسرائيل لا ترغب في تحميل جيشها أعباءً أمنية إضافية.

ويتابع عزيزة حديثه قائلًا إن إسرائيل، من وجهة نظره، لا تسعى حاليًا إلى توسيع رقعتها الجغرافية على حساب الأراضي السورية، بل تركّز أولًا على ضم كامل فلسطين التاريخية، وتصفية الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة. ويرى أن الهدف الإسرائيلي في سوريا هو خلق دولة فاشلة وضعيفة، لا تجد أمامها خيارًا سوى التطبيع الأمني كسبيل وحيد لبقاء السلطة وحل أزماتها المعيشية والاقتصادية المتفاقمة.

ويشير عزيزة إلى أن هذا النوع من “السلام”، الذي يسميه بـ “سلام الخاسر”، يشكّل خطرًا كبيرًا على سيادة سوريا ووحدتها، لأنه يجعل من إسرائيل صاحبة القرار في استقرار سوريا أو زعزعة أمنها مستقبلًا. كما يوضح أن إسرائيل لا تكترث بتطبيع العلاقة بين الشعوب أو تحسين صورتها في وعي السوريين، بل تسعى إلى تطبيع أمني يضمن حدودها وسلامة مستوطناتها من أي تهديد مقاوم في المستقبل.

ويختم عزيزة بالقول إن الخطر الأكبر يكمن في أن تتحول الدولة السورية، كما حدث في بعض الدول المجاورة، إلى حارسة لأمن إسرائيل، ما يضعف شرعية أي إدارة سورية مستقبلية أمام شعبها الرافض للتطبيع، ويجعلها تعتمد على شرعية خارجية مفروضة تخدم مصالح قوى كبرى لا تعنيها مصلحة سوريا.

بدوره، يقول الناشط السياسي سميح سمرة لـ”الترا سوريا” إن توقيع اتفاق سلام بين سوريا والاحتلال الإسرائيلي يُعد مسألة قانونية وغير قانونية في آن معًا. ويوضح أن الحكومات الانتقالية، بحسب الأعراف، لا تقوم بإبرام معاهدات سلام، بل تقتصر مهامها على تهيئة الأرضية القانونية والدستورية والشعبية للانتقال إلى دولة دائمة ومتماسكة، دون التورط في تعقيدات الاتفاقات الدولية.

لكنه يشير في الوقت ذاته إلى أن الإعلان الدستوري الصادر منتصف آذار الماضي منح رئيس الجمهورية، في المادة 37، صلاحية تمثيل الدولة وتولي التوقيع النهائي على الاتفاقات مع الدول والمنظمات الدولية. ومن هنا، يرى سمرة أن مسألة توقيع اتفاق سلام مع الاحتلال الإسرائيلي تظل مفتوحة على التأويل، لأن النص لم يُجز صراحةً إبرام اتفاقات سلام، لكنه لم يستثنها أيضًا، إذ إن اتفاقات السلام تندرج ضمن الاتفاقات الدولية التي يملك الرئيس صلاحية توقيعها.

رسائل مزدوجة في تصريحات الشرع

وحول التصريحات الأخيرة للرئيس أحمد الشرع في صحيفة “نيويورك تايمز”، يؤكد سمرة أنها تنطوي على رسائل مزدوجة. ويشرح أن المسار الأول لفهمها يتمثل في كونها ورقة ضغط على الإدارة الأميركية لتعديل شروطها تجاه دمشق، خاصة عبر التلويح باستمرار التزود بالسلاح الروسي، والتحذير من بقاء الفوضى في سوريا، وخاصة أن هذا الأمر تسعى إسرائيل إلى ترسيخه، كما يشير إلى أن التلميح بعدم السماح لأي وجود أجنبي في سوريا بإلحاق الأذى بدول الجوار، يعكس محاولة لطمأنة الأطراف الإقليمية، خصوصًا في ظل التجاذب الحاصل بين أنقرة وتل أبيب.

أما المسار الثاني، كما يتحدث سمرة، فيكشف عن استعداد دمشق لتقديم ما يلزم من أجل الحفاظ على الهدوء الأمني في الإقليم، بما في ذلك أمن إسرائيل من أي تهديد ينطلق من الأراضي السورية. ويربط سمرة ذلك بتصريحات سابقة للرئيس الشرع التي أكد فيها أن دمشق لن تشكل تهديدًا لأحد. كما يستشهد بما أعلنه عضو الكونغرس الأميركي كوري ميلز خلال زيارته لدمشق، حين قال إن الرئيس الشرع أبدى انفتاحًا على تحسين العلاقات مع إسرائيل والدخول في حوار معها.

ويختصر سمرة هذه المقاربة بأن الرئيس الشرع يحاول تمرير ضمانات أمنية لواشنطن وتحالفها، مقابل الحصول على تعديل في شروطهم، لاسيما في ملفي العقوبات والمقاتلين الأجانب.

وعن شكل العلاقة المتوقعة بين سوريا وإسرائيل، في حال تم توقيع اتفاق مستقبلًا، يتحدث سمرة عن نموذج شبيه بالنمط المصري بعد اتفاقية كامب ديفيد، أي سلام وتطبيع دائمين، وليس حالة مؤقتة كما في اتفاق فصل القوات عام 1974. لكنه يُحذر من أن الواقع السوري الداخلي بعد سنوات الحرب والثورة على نظام الأسد لا يمنح دمشق حاليًا موقع قوة تفاوضي، ما سيجعل الاحتلال قادرًا على فرض شروط قاسية، ليس فقط في المجال الأمني، كإقامة نقاط إنذار مبكر أو الحد من الوجود العسكري السوري جنوبًا، بل أيضًا في المجال الاقتصادي.

ويؤكد سمرة أن دروس تجربتي مصر والأردن مع الاحتلال توضح حجم الضرر الاقتصادي الذي لحق بالبلدين من خلال اتفاقيات اقتصادية غير متكافئة، لم تنعكس على الداخل بأي انتعاشة حقيقية، وهو ما يُخشى أن يتكرر في الحالة السورية.

الجولان خارج المعادلة؟

وفيما يتعلق بقضية الأراضي السورية المحتلة، يلفت سمرة إلى أن الكيان الإسرائيلي يصرح بوضوح أن الجولان بات جزءًا من كيانه بشكل دائم، وهو ما يجعل إمكانية التفاوض على هذه الأراضي أمرًا معقدًا للغاية. ويستدرك قائلًا إن ما يمكن التفاوض عليه فعليًا يتعلق ببعض النقاط التي احتلتها إسرائيل بعد انهيار سلطة الأسد، والتي قد تتخلى عنها لاحقًا مقابل ضمانات أمنية ترتبط بشكل الوجود العسكري السوري في الجنوب، من حيث العدد والتوزيع والتسليح.

وفي سياق متصل يرى المحلل السياسي بسام السليمان أن التصريحات الأخيرة للرئيس أحمد الشرع التي نُشرت في صحيفة “نيويورك تايمز” موجّهة بشكل رئيسي إلى الجمهور الأميركي، ومن خلاله إلى صناع القرار في الغرب، لكونها صادرة عن منبر أميركي مؤثر.

ويؤكد السليمان أن القرار السوري في ما يتعلق بعلاقة محتملة مع الكيان الصهيوني، مرتبط بالمسار الإقليمي الأوسع. ويشير إلى أن سوريا لن تخرج عن إطار الإجماع العربي، وخاصة عن التفاهمات الإقليمية التي ترسمها الرياض والدوحة في المرحلة المقبلة.

ويتحدث السليمان عن الأراضي السورية المحتلة، فيرى أنه من غير المرجح أن تستعيد سوريا هذه الأراضي بسهولة، معتبرًا أن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم بعض المناطق كورقة تفاوض مستقبلية، في حين يسعى إلى البقاء في مناطق أخرى لتعزيز ما يسميه “الحزام الأمني” حول حدوده.

بين قراءة قانونية متأنية، وتحليل سياسي يستند إلى الواقع الإقليمي والدولي، تتقاطع وجهات النظر حول أن شكل العلاقة السورية مع إسرائيل لن يكون إلا نتيجة موازين قوى تفرض شروطها، ويبقى السؤال مفتوحًا: هل السلام السوري المحتمل سيكون ضرورة وطنية، أم ثمنًا يُطلب دفعه مقابل البقاء؟

الترا سوريا

———————————-

نيوزويك: خفض القوات الأميركية في سوريا يثير انقسامات بين حلفاء واشنطن/ ربى خدام الجامع

2025.04.27

ذكرت صحيفة “نيوزويك” الأميركية في تقرير موسع أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتقليص عدد القوات الأميركية في سوريا أثار ردود فعل متباينة بين حلفاء واشنطن المحليين، بينما عبر شركاء الولايات المتحدة عن استمرار التهديدات الأمنية، وسط تشكيك بعض الأطراف بجدوى هذا القرار.

يورد موقع تلفزيون سوريا هذه الترجمة لتسليط الضوء على تطورات الموقف الأميركي في سوريا وانعكاساته على الداخل السوري، ويؤكد أن ما ورد في التقرير يعبر عن وجهة نظر صحيفة “نيوزويك” ومصادرها ولا يتبنى بالضرورة كل ما جاء فيه.

فيما يلي الترجمة الكاملة للتقرير:

استقطب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب والقاضي بتقليص عدد القوات الأميركية في سوريا ردود فعل متباينة بين الفصائل المحلية، في حين أعرب شركاء الولايات المتحدة عن بقاء التهديدات على حالها، ورأى منتقدو هذا القرار بأنه لم يحقق إنجازاً كبيراً في ذلك الاتجاه.

بعد مرور أشهر من التوقعات بشأن إمكانية تحرك ترمب لتنفيذ هدفه الذي وضعه خلال ولايته الرئاسية الأولى، والمتمثل بسحب قواته من سوريا، أعلن البنتاغون يوم الجمعة الماضي عن البدء بتعزيز الوجود العسكري الأميركي في سوريا، وبحسب الأخبار الواردة، فإن هذه الحركة قد تؤدي إلى إغلاق ثلاث قواعد وخفض عدد الجنود ليصل إلى ما دون ألف جندي، ليقترب ذلك العدد من عدد القوات التي نشرت في سوريا قبل أن يزيدها الرئيس السابق جو بايدن ليصل عدد الجنود إلى 2500 وذلك بحسب ما أعلن عنه في شهر كانون الأول الماضي.

وجود عسكري غير مشروع

ينقسم الوجود الأميركي في سوريا ما بين الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا والتي تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي يترأسها الكرد، وبين حامية عسكرية موجودة في المنطقة الجنوبية الشرقية من البادية السورية ضمن منطقة تعرف باسم التنف، ويقوم على خدمة تلك القاعدة عناصر تعرف باسم جيش سوريا الحرة.

أعلنت كلتا الجماعتين المدعومتين أميركياً عن مواصلتهما لدعم الوجود الأميركي الحليف لهما على الرغم من أن كلتيهما تسعيان للاندماج ضمن التحالف الذي يقوده إسلاميون والذي عمل على إسقاط الدكتاتور بشار الأسد في شهر كانون الأول الفائت.

ولكن ماتزال هنالك تساؤلات تحيط بأهداف الوجود العسكري الأميركي في سوريا، بما أن الحكام الجدد لهذا البلد يعتبرون الوجود الأميركي بمنزلة احتلال غير مشروع لبلدهم، بعد أن تبنى النظام البائد للبلد ومؤيدوه الرأي نفسه.

في ظل الأخبار التي رشحت عن الانسحاب الأميركي، علقت على ذلك سينام محمد من واشنطن، وهي ممثلة الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية، أي المجلس الديمقراطي السوري، وذلك عندما تحدثت عن القيمة الكبيرة والمستمرة للوجود الأميركي في سوريا، وذلك نظراً لاستمرار التهديد المتمثل بوجود جماعة تنظيم الدولة الإسلامية المقاتلة، وصرحت عن ذلك بقولها: “إن وجود القوات الأميركية مهم عندما نرى في عودة تنظيم الدولة تهديداً للمنطقة بأكملها، فهنالك السجون التي تؤوي الآلاف من مقاتلي تنظيم الدولة، ناهيك عن المخيمات التي تضم أهالي عناصر تنظيم الدولة والتي مابرحت تمثل خطراً وتهديداً، بما أننا نؤمن بأن القوات الأميركية لابد لها أن تمد يد العون ضد أي تهديد من تنظيم الدولة”.

مايزال مصير تلك السجون موضع تساؤل بعد أن أبرمت قوات سوريا الديمقراطية خلال الشهر الفائت اتفاقية تقضي بانضمامها إلى الحكومة المركزية التي يترأسها رئيس سوريا أحمد الشرع، بيد أن محمد ترى بأن الاتفاقية “تسير نحو الأمام على الطريق الصحيح” حتى اللحظة، وتضيف: “نتمنى إقامة نظام لامركزي في سوريا لنحافظ على السلام والاستقرار بشكل دائم”.

إلا أن قوات سوريا الديمقراطية ما فتئت تدخل في صراعات واشتباكات مع غيرها من الجماعات التي كانت في السابق تتبع للمعارضة، والتي أسهمت في إسقاط الأسد، وخاصة الجيش الوطني السوري المدعوم تركياً. ولذلك وقعت أحداث عنف على الرغم من توصل أنقرة إلى اتفاقية لوقف إطلاق النار خلال الشهر الماضي مع حزب العمال الكردستاني ذي النزعة الانفصالية، والذي يتمتع بعلاقات طيبة مع قسد.

كما أن جيش سوريا الحرة، الذي أعلن قائده في كانون الثاني من هذا العام بأن القوات الأميركية بقيت تلعب دوراً مهماً في محاربة تنظيم الدولة، أعلن عن عزمه على الانضمام إلى الحكومة الجديدة التي يترأسها الشرع يوم الجمعة الماضي، على الرغم من مواصلته للتدريب مع الجنود الأميركيين.

وفي الوقت الذي سعى الشرع لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة منذ أن قاد الهجوم الذي أسقط الأسد، أعلن هذا الرجل بأن الوجود الحالي للقوات الأميركية لا يعبر عن التزام بالقانون الدولي، نظراً لعدم وجود اتفاقيات موقعة بهذا الشأن بين دمشق وواشنطن.

يذكر أن الولايات المتحدة لعبت دوراً في مجال الإشراف على توقيع الاتفاق بين حكومة الشرع الجديدة وبين قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، على الرغم من أن الشرع مايزال مصنفاً كشخصية إرهابية من طرف واشنطن وذلك بسبب ارتباطه في السابق بهيئة تحرير الشام والجماعات التي سبقت تشكلها والتي بايعت تنظيم القاعدة.

هذا وقد جرى التواصل مع وزارة الإعلام السورية ومع جيش سوريا الحرة من أجل التعليق على الموضوع.

تصعيد ينتهي بالتراجع عن القرار

تبنت جهات أخرى موقفاً أقوى ضد الوجود العسكري الأميركي، فالجماعة التي تعرف باسم أولي البأس، أو جبهة المقاومة الإسلامية السورية، والتي شاركت في عمليات ضد القوات الإسرائيلية التي سيطرت على مزيد من الأراضي في الجنوب السوري عقب إسقاط الأسد، شككت بتلك الخطوة الأميركية وبكونها تعبر عن تغير أكبر في الاستراتيجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط، إذ أعلن المكتب السياسي لجماعة أولي العزم بأنه: “بداية، فإن فهم أفاعيل الإدارة الأميركية يوضح حقيقة هذا القرار ويظهر وبكل جلاء الدور الذي لعبته الإدارات الأميركية المتعاقبة في سوريا كما يظهر حجم التنسيق والتوجيه الذي قدمته السلطات الحاكمة في دمشق… ثم إن ترمب اتخذ قراراً مماثلاً تماماً خلال فترة ولايته الأولى، إلا أن تنفيذه يعتمد على الوقائع السياسية وعلى اعتبارات تخص المصالح الأميركية”.

أعلن ترمب في أواخر عام 2018 عن عزمه على البدء بسحب القوات الأميركية بشكل كامل من سوريا، إذ بعد سنة من الهزيمة المنكرة التي مني بها تنظيم الدولة بفضل الحملات المنفصلة التي شنتها قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركياً والحملات التي شنها نظام الأسد الذي كانت إيران وروسيا تدعمانه، بدأ ترمب بإصدار أوامره التي تقضي بإجلاء القوات الأميركية عن عدد من المواقع العسكرية المقامة في الشمال السوري وذلك بموجب الاتفاقية الموقعة مع تركيا في عام 2019.

ولكن في العام نفسه، وقعت اشتباكات بين القوات الأميركية الموجودة في سوريا وجارها العراق وبين الميليشيات المحلية المتحالفة مع إيران، وقد حدث تصعيد إثرها دفع ترمب إلى إصدار أوامره التي تقضي بقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وهو الجنرال قاسم سليماني، وذلك في بغداد عام 2020.

ظهر التوتر من جديد أيام إدارة بايدن، وذلك عند مشاركة ميليشيات موجودة في المنطقة في تحالف محور المقاومة الذي تتزعمه إيران والذي بدأ باستهداف المواقع الأميركية إثر دعم واشنطن لإسرائيل في حربها على حركة حماس الفلسطينية في غزة.

غير أن حركة أولي البأس تعتبر نفسها مستقلة عن أي عناصر فاعلة سواء أكانت محلية أم خارجية، على الرغم من أنها تصف نفسها بأنها جزء من محور المقاومة. إذ بعد الضرر الذي مني به هذا التحالف الذي تتزعمه إيران بسبب سقوط الأسد، والضربات القاصمة التي تعرض لها حزب الله في لبنان عند خوضه لحرب مع إسرائيل، ترى حركة أولي البأس بأن الولايات المتحدة تسعى بشكل مقصود لإبقاء سوريا في حالة فوضى، إذ أعلنت في بيان لها بأن: “سحب أقل عدد من الجنود وإغلاق ثلاث قواعد فقط يمثل حالة توازن جغرافية جديدة في سوريا على حساب استقلال هذا البلد ووحدة أراضيه… لأن النظام الأميركي يعمل على سرقة ثروات سوريا وتأمين الإمدادات الضرورية للكيان الإسرائيلي مع فرض واقع قائم على الفوضى يخدم مصالح الدول الوصائية”.

عبرت حركة أولي العزم عن المزاعم نفسها التي لطالما أعرب عنها النظام السوري البائد والتي تتصل بنهب الولايات المتحدة للموارد الطبيعية السورية، بما أن معظم الوجود الأميركي يتركز في مواقع بشمال شرقي سوريا حول حقول النفط والغاز. أما الآن، فترى هذه الجماعة بأن الولايات المتحدة أضحت في موقف أضعف من أن يساعدها على تعزيز موقفها، وذلك بسبب الصراعات السياسية التي تدور في الداخل الأميركي، وهذا ما توضح من خلال قولها: “إن كل ادعاء تطلقه الإدارة الأميركية ما هو إلا استعراض لصورة غير واقعية عن الأهداف والمطامح التي يسعى المشروع الأميركي لتحقيقها، ليس فقط في سوريا، ولكن في عموم المنطقة.. وإننا نعتقد بأن الوجود الأميركي بات أضعف مما كان عليه في السابق، وذلك بسبب الاحتياجات الأميركية التي ظهرت في الداخل، وبسبب العوامل الجديدة التي لابد لها أن تغير النهج الأميركي الساعي للهيمنة وفرض التفوق العرقي على شعوب المنطقة، وعلى رأسها سوريا”.

وبخلاف قسد وجيش سوريا الحرة، لم تعلن أولي البأس عن سيطرتها بشكل رسمي على أي منطقة سورية، على الرغم من تكثيفها لعملياتها ضد الجنود الإسرائيليين خلال الأسابيع القليلة الماضية.

ومنذ فترة قريبة، أكد مسؤول عسكري إسرائيلي وقوع عدد من الاشتباكات بين الجنود الإسرائيليين والميليشيات الموجودة في الجنوب السوري، وذلك عندما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، خلال الأسبوع الماضي، بأن قواته ستبقى هناك إلى أجل غير مسمى، كما أنها ستبقى في أجزاء من غزة ولبنان، وذلك في ظل النزاع الإقليمي الدائر حالياً.

كما أكد مسؤولون إسرائيليون بأن ما يمارسونه في سوريا هدفه الحد من أي خطر يمكن للحكومة السورية الجديدة أن تشكله، بيد أن الغارات الإسرائيلية التي استهدفت سوريا أثارت انتقادات واسعة في عموم الشرق الأوسط.

اتهامات وتحالفات

وفي الوقت الذي دان الشرع الوجود الإسرائيلي وتكرر الغارات التي تشنها طائرات حربية إسرائيلية في سوريا، لم يصدر أي أوامر رسمية بالرد على تلك الغارات، وقد دفع ذلك التقاعس حركة أولي البأس إلى اتهامه بالتواطؤ مع إسرائيل في عملياتها ضد سوريا، وخاصة بعد إلقاء حكومته القبض على عنصرين من حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية يوم الثلاثاء الماضي، بما أن الجهاد الإسلامي يعتبر فصيلاً آخر تابعاً لمحور المقاومة، والذي شارك بشكل مباشر في الحرب ضد إسرائيل.

فما كان من الشرع إلا أن عزز علاقاته مع تركيا، والتي قامت بدورها بتصعيد تحذيراتها ضد إسرائيل وعملياتها في سوريا، مما قد يفسح المجال لظهور تصعيد أكبر بين هاتين الدولتين الحليفتين للولايات المتحدة الأميركية.

ففي مؤتمر صحفي مشترك عقده ترمب في مطلع الشهر الماضي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يشار إليه في بعض الأحيان باسمه الحركي، وهو بيبي، أبدى الرئيس الأميركي إعجابه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعرض الوساطة بين رئيسي الدولتين، شريطة التزام كل منهما بالتعقل والمنطقية.

وخلال ذلك المؤتمر، ورداً على سؤال أحد الصحفيين، قال ترمب: “لقد سبق أن قلت له: “بيبي، إن كانت لديك مشكلة مع تركيا، فأعتقد بأنه بوسعي حلها، إذ كما تعرفون، تربطني علاقة طيبة جداً جداً بتركيا ورئيسها، وأعتقد بأننا بوسعنا حل تلك المشكلة”.

كما أشاد ترمب بأردوغان وبدوره المباشر في إسقاط الأسد وكذلك لأنه “أخذ سوريا” على حد وصفه، على الرغم من إنكار الرئيس التركي ضلوع بلاده بأي دور مباشر في الهجوم المظفر الذي شنه الثوار السوريون لتحقيق ذلك الهدف.

بيد أن إدارة ترمب على مايبدو مايزال يقلقها أمر التدخل المباشر بحكومة الشرع، حتى في الوقت الذي يطالب عدد من أهم الشخصيات في واشنطن بتخفيف العقوبات التي فرضت على سوريا خلال حقبة الأسدين، وعلى رأسهم جين شاهين وجيمس ريش رئيس لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ.

كما أجرى عضوان آخران من الكونغرس وهما كوري ميلز من فلوريدا ومارلين ستوتزمان من إنديانا زيارة غير رسمية لسوريا يوم الجمعة الفائت، أي في اليوم نفسه الذي أكد البنتاغون تقليص الوجود العسكري الأميركي في سوريا، وهناك التقيا بممثلين عن الحكومة السورية المؤقتة.

وفي اليوم نفسه، حذرت السفارة الأميركية في سوريا والتي أغلقت منذ أن قطعت واشنطن علاقاتها مع دمشق بعد عام من اندلاع الحرب السورية في عام 2011 من أن: “وزارة الخارجية الأميركية تتبع معلومات موثوقة تتصل باحتمال وقوع هجمات وشيكة على مقار تشمل أماكن يرتادها السياح”، وأضافت في بيان لها بأنه: “لا يمكن اعتبار أي جزء من سوريا آمناً من العنف، ولذلك تذكر الوزارة المواطنين الأميركيين بأن السياح مايزالون يخططون لعمليات خطف وتفجير وغيرها من الهجمات في سوريا، وقد يشن هؤلاء هجمات من دون سابق إنذار أو بعد تحذير بسيط، ليستهدفوا من خلالها المناسبات العامة والفنادق والنوادي والمطاعم ودور العبادة والمدارس والحدائق ومراكز التسوق ووسائط النقل العامة والمناطق التي تجتمع فيها حشود عريضة… وقد تشتمل أساليب تلك الهجمات على سبيل المثال لا الحصر الاعتماد على مهاجمين أفراد، أو على مسلحين، أو الاستعانة بعبوات ناسفة”.

المصدر: The Newsweek

تلفزيون سوريا

—————————-

مسؤولة أميركية سابقة: الشرع تعهد بألا تشكل سوريا تهديداً لإسرائيل

2025.04.26

قالت باربرا ليف، المساعدة السابقة لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، إن الرئيس السوري أحمد الشرع تعهّد بأن بلادَه “لن تشكل تهديداً لإسرائيل”.

وأضافت المسؤولة الأميركية السابقة، في مقابلة مع القناة 12 الإسرائيلية، السبت، أن الرئيس السوري أبدى تفهماً كبيراً للمخاوف الإسرائيلية.

وأوضحت ليف أن الشرع أكد خلال لقاء جمعه بها أنه “لن يسمح لأي جهة أو دولة باستخدام الأراضي السورية لتهديد إسرائيل”.

وتابعت أن الشرع يريد علاقات جيدة مع جميع الأطراف الإقليمية، معتبرةً أن هناك أملاً في فتح “فصل جديد” بين سوريا وإسرائيل في ظل قيادته للمرحلة الانتقالية.

وختمت ليف حديثها بالإشارة إلى أن الشرع كان يثير إعجاب المسؤولين الأميركيين السابقين ببراغماتيته ومصداقيته، مضيفةً: “الزمن وحده كفيل بكشف ما إذا كان قد غيّر بالفعل نهجه السياسي”.

الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا

تصاعدت اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على سوريا بشكل كبير عقب سقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول الماضي، حيث شنّت قواته مئات الغارات على المواقع العسكرية التابعة للجيش السوري بهدف تدميرها ومنع إعادة تأهيل بنيتها التحتية.

وتزامنت تلك الهجمات مع عمليات توغل برّي في أرياف دمشق والقنيطرة ودرعا، حيث سيطرت قوات الاحتلال على المنطقة العازلة، ثم انتقلت لتنفيذ عمليات مداهمة في المناطق الحدودية.

وخلال الأيام الماضية، باتت عمليات جيش الاحتلال تأخذ منحى جديداً، إذ لم تعد تقتصر على استهداف المواقع العسكرية، بل بدأت تطول المدنيين أيضاً. ففي 17 من آذار الماضي، قُتل أربعة مدنيين بقصف على درعا، كما قُتل ستة آخرون قبل ذلك بأيام من جرّاء قصف على بلدة كويا في منطقة حوض اليرموك.

ويزعم الاحتلال الإسرائيلي أن هذه العمليات لا تهدف إلى غزو سوريا أو السيطرة على أراضيها، بل تهدف إلى إزالة “التهديدات” من على حدوده الشمالية ومنع “حزب الله” من الحصول على أسلحة جديدة من إيران. ويؤكد مراقبون أن سقوط نظام الأسد غيّر الواقع على الأرض، خصوصاً فيما يتعلق بوجود إيران وميليشياتها.

———————————

تجاوزات إسرائيل الخطرة في سوريا/ شيرا عفرون و داني سيترينوفيتش

هناك رغبة واضحة لدى قيادة تل أبيب في إثبات القوة والعزيمة سواء أمام جيرانها أو جمهورها الداخلي

الأحد 27 أبريل 2025

توسعت العمليات الإسرائيلية في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، بهدف إنشاء مناطق نفوذ وضمان أمنها، رغم أن النظام الجديد بقيادة أحمد الشرع أبدى استعداداً للتعاون وتطبيع العلاقات. استمرار التصعيد الإسرائيلي دون رؤية إستراتيجية يهدد بتأجيج تمرد محلي، ويفوّت على إسرائيل فرصة عزل إيران وتحقيق استقرار إقليمي فعلي.

ازداد النشاط العسكري الإسرائيلي في سوريا عدوانية في الأشهر التي أعقبت انهيار نظام الرئيس بشار الأسد. فقد استولى الجيش الإسرائيلي على المنطقة العازلة التي أنشئت بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 والتي كانت تخضع لرقابة الأمم المتحدة. كذلك نفذ أيضاً ضربات ممنهجة ضد البنية التحتية السورية، إذ قصف شبكات الدفاع الجوي، ومستودعات الأسلحة، وأنظمة الصواريخ، والقدرات الاستخباراتية، وأقام تسعة مواقع عسكرية جديدة. وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، مراراً أن الجيش الإسرائيلي سيبقى في سوريا “إلى أجل غير مسمى”. وفي مارس (آذار) الماضي أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن خطط لإنشاء مناطق نفوذ من خلال عقد تحالفات مع الأقليات داخل سوريا، إضافة إلى إقامة منطقة منزوعة السلاح بطول 30 ميلاً تمتد من الحدود الإسرائيلية إلى دمشق.

يمثل كل هذا تحولاً جذرياً عن نهج إسرائيل الحذر تجاه جارتها الشمالية الشرقية. كثيراً ما رأت إسرائيل أن بإمكانها التعايش مع نظام الأسد والسيطرة على سلوكه. وحين بدأ الجيش الإسرائيلي عملياته العسكرية بعد انهيار النظام في ديسمبر (كانون الأول) 2024، كان الهدف منها في البداية منع وقوع القدرات العسكرية الحساسة في أيدي جهات غير معروفة أو غير موثوقة. أما اليوم، فإن مخاوف إسرائيل من الزعيم السوري الجديد، أحمد الشرع، تبدو مفهومة، نظراً إلى تاريخه السابق مع جماعات إرهابية، ولا سيما أن لقبه العسكري السابق، “الجولاني”، قد يعكس رغبته في تحرير مرتفعات الجولان من الاحتلال الإسرائيلي. ومع ذلك يبدو أن إسرائيل باتت تبالغ في تدخلها. فبعد دخوله دمشق، سارع النظام السوري الجديد إلى تأكيد عدم رغبته في الدخول في صراع مع إسرائيل، بل وطرح احتمال تطبيع العلاقات. صحيح أن من الواجب الحكم على هذا النظام من خلال أفعاله لا أقواله فحسب، لكنه في الوقت الراهن يقدم لإسرائيل فرصة ثمينة لعزل إيران، وتحويل سوريا من خصم إلى جار مسالم، وتحقيق قدر من الاستقرار الإقليمي.

وعلى رغم أن المخاوف الأمنية الحقيقية هي من بين دوافع السلوك الإسرائيلي في سوريا، فإن هناك أيضاً رغبة واضحة لدى القيادة الإسرائيلية في إثبات القوة والعزيمة، سواء أمام جيرانها أو أمام جمهورها الداخلي الذي لا يزال يعاني صدمة فشل الحكومة في حماية حدود البلاد في السابع من أكتوبر 2023. وإذا انساقت القيادة الإسرائيلية خلف رغبة التصعيد والتوسع العسكري، فإنها قد تخلق عدواً جديداً لا وجود له حالياً. كذلك فإنها ستفاقم التوتر مع تركيا، مما قد يدفع البلدين إلى حافة مواجهة عسكرية لا داعي لها. وبدلاً من ذلك، ينبغي على إسرائيل أن توضح أن تدخلها الميداني موقت، وأن تسهم في التخفيف من الأزمة الإنسانية في سوريا، وتتوقف عن تقويض الجهود التركية الهادفة إلى مساعدة الشرع في دعم استقرار البلاد ومواجهة النفوذ الإيراني. كذلك ينبغي على إسرائيل أن تكون مستعدة للعمل مع دمشق، ما دامت الأخيرة لا تقوم بأعمال أو تدعم أطرافاً من شأنها تهديد أمنها.

تحول في التوجه

على مدى نحو ربع قرن من حكم الأسد، أصبحت سوريا جزءاً لا يتجزأ مما يعرف بـ”محور المقاومة” الذي تقوده إيران. عمل الأسد على توثيق تحالفه الإستراتيجي مع “حزب الله”، وأسهم في تحوله إلى قوة مسلحة خطرة من خلال منحه الوصول إلى ترسانة الأسلحة السورية والقدرات الإستراتيجية التي حصل عليها من روسيا، بما في ذلك صواريخ باليستية متقدمة وأنظمة دفاع جوي. وقد تركت حرب عام 2006 ضد “حزب الله” أثراً عميقاً في الوعي الإسرائيلي، إذ اعتبر الحزب تلك الحرب انتصاراً له، بينما قضت إسرائيل العقد التالي وهي محجمة عن محاولة تفكيك هذا التحالف. ومع اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011، سعت إسرائيل إلى منع ترسيخ موطئ قدم لإيران و”حزب الله” داخل الأراضي السورية من خلال ما سمته “الحملة بين الحروب”، وهي سلسلة من العمليات العسكرية التي ركزت أساساً على منع تهريب الأسلحة إلى لبنان. وعلى رغم أن إسرائيل لم تعلن دعمها أياً من أطراف الصراع، فإن قادتها فضلوا بقاء الأسد، واعتبروه في أحاديثهم الخاصة “الشيطان الذي نعرفه”، وحرصوا على ألا تؤدي جهودهم في مواجهة النفوذ الإيراني إلى زعزعة حكمه.

لم يتبدل نهج إسرائيل في سوريا على الفور في أعقاب هجوم “حماس” في السابع من أكتوبر 2023. غير أن هذا الهجوم المدمر أطلق العنان للتغيير. فقد كشف الهجوم عن أن إسرائيل أساءت تقدير نيات وقدرات الخصم، وكان من الواضح أن أجهزة الأمن في البلاد اعتمدت أيضاً بصورة مفرطة على المراقبة الإلكترونية لتأمين الحدود مع غزة. وكان الدرس الذي تعلمه كثير من المسؤولين الإسرائيليين هو أن إستراتيجيتهم “الهدوء مقابل الهدوء”، أي غض الطرف عن الاستفزازات الصغيرة لتجنب الصراع الكبير، قد منيت بالفشل. ونتيجة لذلك، غير الجيش الإسرائيلي عقيدته على طول حدود إسرائيل، فراح يركز على العمل الاستباقي وإيجاد ما يسمى المناطق العازلة داخل أراضي الخصوم.

وعلى مدار الـ18 شهراً الماضية، ازدادت رغبة إسرائيل في ترسيخ المناطق العازلة. في مارس الماضي، صرح وزير الدفاع كاتس بأن العمليات البرية الموسعة للجيش الإسرائيلي في غزة تهدف، جزئياً، إلى “الاستيلاء على أراض واسعة” تضاف بشكل دائم إلى “المناطق الأمنية لدولة إسرائيل”. وفي لبنان، وعلى رغم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع “حزب الله” في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، ومع أن حكومة جديدة أقل تأييداً لـ”حزب الله” قد تولت زمام الأمور في بيروت في فبراير (شباط) الماضي، فإن الجيش الإسرائيلي لا يزال متمركزاً في خمس نقاط إستراتيجية قرب الحدود، بهدف طمأنة المجتمعات الإسرائيلية الحدودية بأنها لن تترك من دون حماية مرة أخرى.

على رغم أن حملة إسرائيل الفتاكة ضد “حزب الله” وجهودها الرادعة ضد إيران، إضافة إلى انشغال روسيا في أوكرانيا، قد تركت الأسد بلا حماية، فإن انهيار نظامه فاجأ إسرائيل. واضطرت إسرائيل إلى تطوير إستراتيجية جديدة حول سوريا على الفور. فتحركت حالاً لتدمير قواعد سلاح الجو السوري والطائرات العسكرية ومستودعات الصواريخ، وعززت تحصيناتها الحدودية، واستولت على المنطقة العازلة التي تراقبها الأمم المتحدة والبالغة مساحتها 145 ميلاً مربعاً. كذلك أقام الجيش الإسرائيلي مواقع جديدة داخل سوريا، وشق طرقاً للوصول إليها، وحفر خنادق، ونشر مئات الجنود هناك.

بداية خاطئة

وعلى رغم ذلك، فإن هذا النهج لا يحمل كثيراً من القيمة الإستراتيجية في الحال السورية، بخلاف ما هو عليه في لبنان، إذ إن النظام السوري الجديد لا يشكل تهديداً وشيكاً لإسرائيل. فقد ظلت الحدود السورية الإسرائيلية هادئة طوال فترة الحرب على غزة، ولم تجبر المجتمعات الإسرائيلية القريبة منها على النزوح. كما شدد القادة الجدد في دمشق مراراً على نيتهم إشراك الأقليات والعلمانيين في الحكم، وبذلوا جهوداً لكسب ثقة الأطراف الغربية. وتخلى نظام الشرع عن الخطاب الرسمي المعادي لإسرائيل، بل تعهد باحترام اتفاق فصل القوات الذي أبرمته سوريا مع إسرائيل عام 1974، والذي نص على وقف إطلاق نار مفتوح الأجل. وقال الشرع في ديسمبر: “لا نريد أي صراع، لا مع إسرائيل ولا مع غيرها”، مضيفاً أنه لن “يسمح باستخدام سوريا كنقطة انطلاق لأية هجمات”.

ولا يزال من غير الواضح إلى أي مدى سيلتزم الشرع هذه الوعود، لكن عوضاً عن التريث وتقييم الموقف، بدأ كثير من القادة الإسرائيليين بالتعامل مع حكومته كما لو أنها عدو محتمل لا محالة. ففي أواخر ديسمبر 2024 غزت قوات الجيش الإسرائيلي منطقتين إضافيتين في الأقل داخل الأراضي السورية، خارج نطاق المنطقة العازلة، ورفعت وتيرة وقوة ضرباتها في عمق سوريا، على رغم أن وتيرة الهجمات انخفضت خلال الأسبوعين الأخيرين. وتقول إسرائيل إن بعض هذه العمليات تهدف إلى حماية الأقليات، ولا سيما الدروز، الذين يعتبرون حلفاء محتملين. لكن كثراً من أبناء الطائفة الدرزية السورية يشككون في صدق نيات إسرائيل، ففي منتصف مارس اندلعت احتجاجات في مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية، اتهم خلالها قادة دروز إسرائيل بتقويض وحدة الأراضي السورية. ويبدو أن مساعي إسرائيل إلى بناء تحالفات مع الأقليات غير السنية تتعارض مع تطلعات معظم السوريين المنهكين من الحرب، الذين يطمحون إلى بلد موحد ومستقر.

في غضون ذلك، يصر نتنياهو على ضرورة “نزع السلاح” من كامل الأراضي السورية الواقعة جنوب دمشق، وهو هدف يصعب على الشرع قبوله، إذ إن تحقيقه يعني عملياً التخلي عن السيطرة على تلك المنطقة. وتسعى إسرائيل إلى تقويض سلطة الشرع عبر الضغط على الولايات المتحدة للإبقاء على العقوبات المفروضة على سوريا، والتنسيق الوثيق مع موسكو لمساعدة روسيا في الحفاظ على قواعدها العسكرية هناك. ويبدو هذا الانفتاح الإسرائيلي على روسيا محيراً، نظراً إلى أن التدخل الروسي لإنقاذ الأسد قبل عقد من الزمن كان من أبرز العوامل التي عززت النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.

ويمثل انعدام ثقة إسرائيل بحكومة الشرع مفارقة أخرى. فقد اتهم القادة الإسرائيليون فريق الشرع بإخفاء نياته الحقيقية، ففي مارس الماضي، صرح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر بأن أعضاء فريق الشرع “كانوا جهاديين ولا يزالون جهاديين، حتى لو ارتدى بعض قادتهم البدلات الرسمية”. ومع ذلك فإن إسرائيل تعول على موقف الشرع المعادي لإيران في منع طهران من إعادة ترسيخ نفوذها الإقليمي. وعلى رغم أن تقويض سلطة الشرع قد يعزز سيطرة إسرائيل على المنطقة العازلة في المدى القصير، فإن مصلحتها الإستراتيجية على المدى البعيد تكمن في وجود سوريا مستقرة.

كذلك تعمل إسرائيل على إحباط محاولات تركيا لترسيخ نفوذها في سوريا، إذ أفشلت جهود أنقرة لإعادة بناء قدرات الجيش السوري من خلال قصف قواعد جوية كانت تركيا تسعى إلى السيطرة عليها. وتصاعد في الخطاب الرسمي الإسرائيلي تصوير تركيا كخصم. فقد أشار تقرير حكومي صدر في يناير (كانون الثاني) الماضي عن لجنة مكلفة مراجعة موازنة الدفاع إلى “التهديد التركي”، مدعياً أن تركيا تسعى إلى تحويل الجيش السوري إلى “وكيل تركي في إطار حلمها بإعادة تاج الدولة العثمانية إلى سابق عهده”، وهو ما “يزيد من خطر نشوب مواجهة مباشرة بين تركيا وإسرائيل”. وفي أواخر مارس الماضي، نشر ساعر تدوينة على وسائل التواصل الاجتماعي وصف فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه “معادٍ للسامية” و”يشكل تهديداً للمنطقة”.

يبدو أن القادة الإسرائيليين مصرون على تصور بلادهم كدولة مهددة، ويميلون إلى استبدال تهديد تركي جديد مفترض بالتهديد المتراجع الذي تمثله إيران وحلفاؤها. وقد أسهم أردوغان في توتير العلاقات، إذ شبه نتنياهو بهتلر عام 2024، واتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة. تسعى أنقرة إلى ضم سوريا إلى دائرة نفوذها، مما قد يحد من حرية الحركة العسكرية الإسرائيلية، ويقرب القوات التركية من حدود إسرائيل. ومع ذلك فتركيا ليست خصماً لإسرائيل، فكلا البلدين حليف للولايات المتحدة، ويجمع بينهما تعاون اقتصادي وأمني قوي، وعلى إسرائيل أن تتجنب استعداء أكبر قوة عسكرية في الـ”ناتو” في وقت تخوض فيه حرباً متعددة الجبهات.

تكلفة الفرصة الضائعة

يعكس موقف إسرائيل بالتأكيد عقلية البلاد الأكثر عدوانية على الصعيد الخارجي في مرحلة ما بعد السابع من أكتوبر 2023. إلا أن ثمة دوافع داخلية أيضاً لهذا الموقف. فقاعدة نتنياهو السياسية تستمتع برؤية منشورات وسائل التواصل الاجتماعي التي تظهر دبابات الجيش الإسرائيلي وهي تجوب سوريا. علاوة على ذلك، من المرجح أن ائتلاف نتنياهو يأمل في أن يؤدي توفير الحماية للدروز في سوريا إلى استمالة أفراد من الطائفة الدرزية الإسرائيلية، وكسب تأييدهم. وهؤلاء الدروز مواطنون إسرائيليون مخلصون يخدمون في الجيش الإسرائيلي ومع ذلك يعانون التمييز مقارنة بالغالبية اليهودية في البلاد.

—————————

=========================

الحكومة السورية الانتقالية: المهام، السير الذاتية للوزراء، مقالات وتحليلات تحديث 26-27 نيسان 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

تشكيل الحكومة السورية الجديدة

——————————–

ملاحظات برسم الإدارة السورية/ بشير البكر

26 ابريل 2025

ليس في وسع الإدارة السورية الجديدة أن تواصل العمل بفلسفة “من يحرّر يقرّر”، وقد كشفت حصيلة عدة أشهر أن المردود العام متواضع، وهناك ارتفاع لمؤشّر المشتكين والمحتجين، ينذر بتراجع تدريجي للرصيد الإيجابي، الذي جنته بفضل إسقاط نظام بشّار الأسد. ومن يتابع وسائل الإعلام ووسائل التواصل من الداخل والخارج يجد أن هناك حالة من عدم الرضى في طريقها لتشكيل تيارات معارضة، قد تلعب دوراً في إعاقة تقدّم التحوّل الجديد الواعد محلياً وعربياً ودولياً. وتتمحور الانتقادات حول جملة من الملاحظات.

أولاً، ضعف الخبرة في إدارة الدولة. وهذا أمر يجد بعض المبرّرات، ولا أحد من السوريين يطالب الحكومة أن تكون كاملة الأوصاف بين يوم وليلة. وعلى هذا، ليس هناك ضير من أن تتعلم الأساليب بالممارسة، شريطة أن تمتلك الاستعداد، وتتحلى بالتواضع. وكما حذّر أكثر من صاحب رأي حريص على النجاح، فإن التجريب، وارتكاب الأخطاء ترفٌ ضارٌّ جداً في هذه المرحلة. ويحضر هنا شأن اختيار أشخاص ليسوا على قدر من الكفاءة، في مواقع متقدّمة، ومثال ذلك وزير الثقافة محمد ياسين صالح. وكان من الأفضل تعيين شخصية على صلة بالكتابة أو المسرح أو السينما. وتشكّل الضجة التي أثارها بظهوره في مضافة شخصية قبلية إشكالية جرس إنذار للقيادة، كي تعيد النظر بالقرار، وتتراجع عنه قبل فوات الأوان، وألا تكرّره في تعيينات أخرى.

ثانياً، الاستئثار بإدارة الدولة، من خلال إسناد الوزارات الأساسية كالخارجية والدفاع والداخلية والعدل لشخصيات من هيئة تحرير الشام، لا تملك تجربة كافية في العمل الحكومي، وبعضها غير متخصّصة في الميادين التي تشغلها، وليس في سجل الآخرين سوى أنه قيادي في “الهيئة”، وهذا لا يكفي، بل لا يمكن الرهان عليه لبناء مؤسّسات فاعلة، وتقديم صورة إيجابية عن سورية الجديدة، التي يهم حاضرها ومستقبلها جميع أبنائها على اختلاف توجّهاتهم السياسية، والفكرية، والطائفية، والعرقية.

ثالثاً، ضعف الفاعلية في التعاطي مع المطالب الخارجية، وفي مقدمها قائمة الشروط الأميركية، التي تسلمتها الحكومة السورية، وردّت عليها. والملاحظ عدم تحقيق الإدارة السورية نتائج جوهرية، بدليل عدم حصول أي تقدم في قضية رفع العقوبات الأميركية، التي تتوقف عليها تلقي مساعدات مالية عربية ودولية، وتسهيل وصول المستثمرين إلى سورية. وهنا يتوجب التوقف أمام مسألتين مهمتين: الأولى، عدم تقديم تنازلاتٍ تتعلق بالسيادة، والموقف من إسرائيل. والثانية، ما لم تتمكّن الحكومة من إدارة هذه الأزمة بنجاح، فإن الإقبال الغربي والعربي نحو سورية لن يتقدّم إلى الأمام، كما أن تصفية التركة السياسية التي تركها نظام الأسد لن يتم وفق حسابات الإدارة، وسيظل أمر استكمال الوحدة الداخلية يراوح في مكانه في الجنوب والشرق. ولن تتمكّن الدولة من إبطال مفعول الألغام السياسية التي تهدّد وحدة البلد، إلا من خلال تحصين الجبهة الداخلية على أسس سليمة، تعتمد على توسيع قاعدة المشاركة في الحكم، والقرار، واحترام التنوّع، والتعدّد.

رابعاً، تأخّر إطلاق مشروع العدالة الانتقالية، وتشكيل الهيئة الخاصة بها. وتعزو أوساط قانونية سورية سبب ما حصل من تجاوزات إلى عدم بدء محاسبة مسؤولي النظام السابق، سواء الذين جرى اعتقالهم، أو الفارّين داخل سورية وخارجها. وقد أدّى هذا الخلل إلى نمو نزعة الثأر، وتحصيل الحقوق بوسائل غير قانونية، تهدّد السلم الأهلي. ومن دون شك، لو تمت المسارعة في إقرار هذا المسار على أساس إحقاق العدالة، لتم حقن الكثير من الدماء في الساحل، ووقف الاعتداءات التي يتعرّض لها الأبرياء بسبب استشراء نزعة الانتقام والكراهية ضد المكوّن السوري العلوي.

العربي الجديد

——————————–

سوريا على مفترق طرق: معركة شاقة نحو السيادة الاقتصادية/ رشا سيروب

بعد أربعة أشهر من سقوط نظام بشار الأسد، تقف سوريا عند مفترق طرق محفوف بالمخاطر، حيث يحل شبح الانهيار الاقتصادي المتسارع وانعدام الأمن محل ذكريات عقد دامٍ من الصراع. تتصاعد المخاوف من تحول سوريا إلى دولة فاشلة، بينما تكافح الحكومة الانتقالية لمواجهة تركة حرب طاحنة وتحديات جسيمة تهدد بتقويض أي أمل في الاستقرار والتعافي المستدام.

تواجه سوريا مهمة شاقة لإحياء اقتصادها المحطم. فقد خلّفت أربعة عشر عامًا من الحرب ندوبًا عميقة وضعتها أمام أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها الحديث. اليوم، يعيش نحو 90% من السوريين تحت خط الفقر، ويعاني منهم 60% من انعدام الأمن الغذائي. وتُفاقم هذه الأرقام المروّعة معدلات بطالة تجاوزت 50%، فيما أكثر من مليوني طفل موجودون خارج مقاعد الدراسة. ويعيش الملايين في خيام وملاجئ مؤقتة، بينما يكافح البنك المركزي السوري لتوفير السيولة اللازمة لدفع الرواتب في ظل شح كارثي في الليرة السورية.

لقد كشف الصراع عن نقاط ضعف بنيوية عميقة، وأصبح الاعتماد على المساعدات الخارجية شريان حياة لملايين السوريين. ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، يعتمد نحو 16.5 مليون شخص على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، وهو رقم مذهل يسلط الضوء على حجم الكارثة الإنسانية ويؤكد على هشاشة الوضع الراهن.

وبموازاة الواقع الاقتصادي المتردّي، يبرز الجانب الأمني بوصفه الأكثر هشاشة في سوريا ما بعد الأسد. فالجماعات المسلحة المتنافسة، والنزاعات الإقليمية العالقة، والتدخلات العسكرية الأجنبية المستمرة، ما زالت تزعزع استقرار البلاد. وبرغم الجهود المبذولة لدمج الميليشيات والفصائل تحت مظلة وزارة الدفاع السورية، فإن انعدام الثقة والتنافس الإقليمي والقضايا المتصلة بالحكم الذاتي الكردي والتوغلات الإسرائيلية في الجنوب، تشكّل جميعها مخاطر مستمرة تهدد بتقويض أي تقدم نحو الاستقرار.

ففي الساحل السوري، لقي أكثر من 1,600 مدني مصرعهم، غالبيتهم من الأقلية العلوية. واندلعت اشتباكات متقطعة مع الأقلية الدرزية خارج دمشق، وتصاعدت وتيرة عمليات الخطف والقتل الانتقامي والعشوائي. وفي خضم هذه الفوضى، برزت رغبة تركيا في تعزيز نفوذها الإقليمي، ليس عبر تدخلها المستمر شمال سوريا فحسب، بل عبر إنشاء قواعد عسكرية أيضًا، الأمر الذي استبقته إسرائيل بشن عشرات الغارات الجوية وبتوغلها البري المستمر في الجنوب.

إن مهمة إصلاح الوضع الاقتصادي المتردي، وفرض الأمن، ومنع انزلاق البلاد إلى تقسيم وتقاتل طائفي، تمثل تحديات جسيمة تواجه الحكومة الانتقالية، علمًا أن تحوّل سوريا إلى دولة فاشلة هو السيناريو الذي تسعى جميع الأطراف الإقليمية والدولية إلى تجنّبه.

في ظلّ هذه التحديات الهائلة – وبينما تحتل المصالحة السياسية والترتيبات الأمنية صدارة الأولويات – تبرز السيادة الاقتصادية كحجر الزاوية في بناء سلام مستدام وإعادة تأسيس الثقة بين الدولة والمواطنين. إنها شرط أساسي لضمان أولوية المصالح الوطنية السورية وتحقيق تقدم اقتصادي شامل على المدى الطويل.

تتجسد السيادة الاقتصادية في قدرة الدولة على إدارة سياساتها الاقتصادية ومواردها وتمويل احتياجاتها دون إملاءات خارجية أو تأثير غير مبرر. ويبدو تحقيق هذا الهدف بعيد المنال في ظل العقوبات الدولية التي تعيق الوصول إلى الاستثمارات والأسواق العالمية، وانهيار المؤسسات الحكومية التي تعاني من ضعف الإدارة والفساد المستشري.

ومع ذلك، يجب على الحكومة الانتقالية أن تضع السيادة الاقتصادية في رأس أولوياتها، فهي أول ضحايا الحرب وآخر ما يُستعاد. فتحقيق السيادة الاقتصادية ليس مجرد تطلّع أو إجراء تقني، بل هو ضرورة سياسية واجتماعية لمنع الانزلاق مرة أخرى إلى دوامة العنف والاضطراب والتبعية الاقتصادية التي قد تحوّل جهود إعادة الإعمار إلى مجرد “استعمار اقتصادي جديد”.

من الجوانب الحاسمة لاستعادة سوريا سيادتها الاقتصادية، استعادة السيطرة الكاملة على مواردها، خصوصًا النفط والغاز المتمركزة في شمال شرق البلاد. لقد كان استغلال هذه الموارد والتنافس عليها عاملًا محوريًا في الديناميكيات الإقليمية المعقدة المحيطة بالصراع.

لذا، فإن إعادة صياغة العلاقة بين السلطة المركزية في دمشق والإدارة الذاتية في شمال شرق البلاد أمر بالغ الأهمية لضمان إدارة شفافة وعادلة لهذه الموارد، بما يعود بالنفع على جميع السوريين، بدلًا من استنزافها من قبل جهات خارجية أو نخب داخلية. ويتطلب ذلك وضع أطر قانونية متينة، وتعزيز الهيئات التنظيمية الوطنية القادرة على مراقبة إنتاج وتصدير النفط والغاز، وتطوير القدرة على رصد ومنع التدفقات المالية غير المشروعة التي قُدرت بمليارات الدولارات خلال سنوات الحرب. أما الفشل في تحقيق ذلك فيُنذر باستمرار حالة عدم الاستقرار وتقويض شرعية الحكومة الانتقالية.

علاوة على ذلك، يُعد استقلال السياسات المالية والنقدية ضرورة حيوية لسوريا لإدارة تعافيها الاقتصادي بفعالية. فقد أنتجت سنوات الحرب، مع العقوبات الدولية التي قيّدت وصول سوريا إلى الأسواق المالية العالمية وجمدت أصولها، تأثيرًا مدمرًا على الليرة السورية التي فقدت وظيفتيها كمخزن للقيمة ووسيلة للتبادل، وارتفع التضخم إلى مستويات قياسية.

غير أن القدرة على صياغة وتنفيذ سياسات مالية مصممة خصيصًا لتلبية الاحتياجات الفريدة لسوريا وإدارة عملتها والسيطرة على التضخم دون ضغوط خارجية، ستبقى أمرًا بالغ الصعوبة ما لم تتمكن الحكومة الانتقالية من ضمان حقوق الإنسان وحماية الأقليات والمرأة وإخراج المقاتلين الأجانب – وهي شروط أساسية للاستفادة من الدعم الدولي ورفع العقوبات.

وحتى في حال استيفاء هذه الشروط، فإن اللجوء المفرط إلى الدول والمؤسسات المالية الخارجية والاعتماد الكبير على حزم المساعدات سيقوّض السيادة الاقتصادية، حيث غالبًا ما تفرض هذه المساعدات إجراءات تقشفية وسياسات تعطي الأولوية للمصالح الخارجية.

وتواجه الحكومة الانتقالية معضلة صعبة في إدارة العلاقة مع المجتمع الدولي. فهي، من جهة، تحتاج إلى المساعدات الفنية والمالية لإعادة الإعمار، ومن جهة أخرى يجب أن تحافظ على مساحة كافية لصنع القرار المستقل، خصوصًا في ظل وجود شخصيات في مناصب وزارية مرتبطة بـ”هيئة تحرير الشام” (“جبهة النصرة” سابقًا) المصنفة على قوائم الإرهاب، الأمر الذي يثير قلقًا دوليًا ويعقّد جهود الحصول على الدعم ورفع العقوبات. الحل الأمثل يكمن في تطوير استراتيجيات ذكية تعتمد على التدرج في تقليل الاعتماد على المساعدات، مع السعي المتوازي لتنويع مصادر التمويل وبناء الشراكات الدولية المتوازنة، خصوصًا مع تراجع المساعدات الدولية.

وإلى جانب هذه المجالات، يتطلب تحقيق السيادة الاقتصادية جهودًا متضافرة لبناء القدرات الوطنية وتعزيز المؤسسات الاقتصادية. ويشمل ذلك الاستثمار المكثف في التعليم والتدريب المهني لإعادة بناء رأس المال البشري الذي هاجرت منه أعداد كبيرة، أو فقد مهاراته بسبب الحرب، وتقديم دعم مستهدف للصناعات المحلية والشركات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز ريادة الأعمال والابتكار، وإنشاء هياكل حوكمة شفافة وخاضعة للمساءلة ومقاومة للفساد. إن اقتصادًا محليًا نابضًا بالحياة ومتنوعًا هو الأساس الأكثر صلابة للسيادة الاقتصادية المستدامة.

وعليه، فإن الطريق نحو السيادة الاقتصادية لسوريا محفوف بتحديات هائلة، تشمل إرث الصراع، وضعف المؤسسات، وتصدع النسيج الاجتماعي، والنفوذ الإقليمي والدولي الكبير. ولا يزال فرض العقوبات الدولية يُحدث تأثيرًا عميقًا على الاقتصاد السوري، وسيشكل التعامل مع هذه العقوبات والدعوة إلى رفعها جانبًا حاسمًا في استعادة السيادة الاقتصادية. من هنا، ستحتاج الحكومة الانتقالية إلى تأسيس توافق وطني واسع حول الأولويات الاقتصادية، وبناء مؤسسات قوية قادرة على تنفيذ السياسات بشكل مستقل.

بناءً على ما سبق، يتطلب التغلب على هذه التحديات نهجًا متعدد الجوانب يتمثل أولًا، بإرادة سياسية قوية وحوار شامل يضم جميع الأطراف السورية لبناء توافق في الآراء حول الأولويات الوطنية، وثانيًا بالتواصل الاستراتيجي والانتقائي مع الجهات الخارجية بهدف تعزيز القدرة التفاوضية وضمان أن تكون شروط المساعدات متوافقة مع الأهداف الوطنية، وثالثًا، عودة سوريا إلى النظام المالي الدولي (SWIFT) وهو أمر يتطلب جهودًا دبلوماسية مكثفة، ورابعًا، تعزيز النمو الاقتصادي الشامل الذي يُفيد جميع فئات المجتمع.

إن تحقيق السيادة الاقتصادية لسوريا هو هدف صعب، لكنه ليس مستحيلًا. إنه حاجة ملحة تتطلب رؤية استراتيجية واضحة وإرادة سياسية صادقة ودعمًا دوليًا يحترم الخصوصية المحلية. ولكي تتحول هذه السيادة إلى واقع ملموس، لا بد أن تترجم إلى سياسات عملية تنعكس إيجابًا على حياة المواطنين وتعزز ثقتهم بمؤسسات الدولة.

أوان

———————————-

عن وزارات الكُرد السياديّة في سوريا/ أحمد قليج

26.04.2025

خطابات وزيري التعليم والثقافة أثناء إعلان التشكيل الحكومي لم تشِ بأيّ تغيّر في عقل الدولة السوريّة، فبدلًا من أن يُبشّر وزير الثقافة بانفتاح وزارته على كل لغات سوريا وثقافاتها، والوعد بإبراز كلّ هذا التنوّع، انطلق بِشِعرٍ يرمز إلى التملّك الأبديّ، كما أسماه، إلى “يوم القيامة” لدمشق.

في ثمانينات القرن العشرين، دخل رجلٌ مبنى وزارة الثقافة السوريّة في دمشق، حاملاً بيده مخطوطةً كان ترجمها من العربيّة، لغة البلاد الرسميّة، إلى اللغة الكُرديّة، متقدّماً بطلب طباعة المخطوطة على حساب الوزارة.

الرجل كان السياسيّ الكُرديّ ابن مدينة عفرين رشيد حمو (1925–2010)، أمّا المخطوطة فكانت عبارة عن خطاب قسمٍ طويل للرئيس السوري حافظ الأسد.

كان غرض رشيد حمو من مغامرته تلك حفرَ ثُقبٍ بإبرة في جبل النكران بين اللغة الكرديّة ومؤسّسات الدولة السوريّة الرسميّة، محاولة لنزع الاعتراف الرسميّ بلغته الأم، حتى لو كان عبر ترجمة خطاب لحافظ الأسد. فالرجل لم يكن مُعجباً به حتماً، ولا بسياساته الإنكاريّة.

ولأنّ الخطاب كان خطاب الرجل الأوّل في سوريا، طلب موظّفو الوزارة بضعة أيّام لدراسة المخطوطة، قبل أن يأتي الرّفض الرسميّ على نقل أقوال الأسد في “جمهوريّة الصّمت” إلى الكُرديّة.

تذكّرتُ الحادثة تلك مع تشكيل الحكومة السوريّة الجديدة، والتي من المفترض أنّها ستعكس وجهة “الجمهوريّة الجديدة”، وإن كان الحديث حول الوزارات السياديّة حاضراً، فأكثر الوزارات التي يمكن أن تعكس تغييراً جوهريّاً في تعاطي مؤسّسات الدولة مع الكُرد وغير العرب ستكون وزاراتي الثقافة والتربية والتعليم، الى درجة يمكننا إطلاق مصطلح “وزارات غير العرب السياديّة في سوريا”.

من خلال عمل هاتين الوزارتين تحديداً، وقراراتهما، سيكتشف الكُرد وغيرهم مدى تغيّر عقل الدولة السوريّة وفهمها تنوّع مجتمعها بلغاته وثقافاته.

وإن كانت خطابات الوزيرين أثناء إعلان التشكيل الحكومي لم تشِ بأيّ تغيّر في عقل الدولة السوريّة – بافتراض أنّ الثورة السوريّة قامت على هذا العقل، وليس فقط بغرض تغيير السّلطة – فبدلًا من أن يُبشّر وزير الثقافة بانفتاح وزارته على كل لغات سوريا وثقافاتها، والوعد بإبراز كلّ هذا التنوّع، انطلق بِشِعرٍ يرمز إلى التملّك الأبديّ، كما أسماه، إلى “يوم القيامة” لدمشق. وهنا نحن نتكلّم عما سُمِّيَ بـ”الحقوق الثقافيّة للكُرد وغير العرب من السوريّين”، لا عن مطالب سياسيّة للجماعات غير العربيّة. تلك الحقوق التي من المفترض أنّها ليست نقاط خلاف من حيث المبدأ، بعدما تطوّعت السلطة لمراعاتها وإحقاقها في الإعلان الدستوري.

ما يزيد تأكيد أنّ معالي الوزير الشاعر يريد أن يكون وزير اللغة العربيّة والثقافة العربيّة فقط في سوريا، هو تداول تصريحات قديمة له، يعتبر فيها اللغة السريانيّة مجرّد لهجة من لهجات العرب، ما يعكس نقصاً معرفيّاً كبيراً بالتنوّع اللغوي والثقافي للمجتمع السوري. هذا التنوّع الذي من المفترض أن تفتح وزارته أبواب مسارحها ومطابعها له، بعدما بقيت هذه الأبواب مغلقة لعقود.

كذلك، وعلى رغم أصول وزير التربية والتعليم الكُرديّة، فإنّه لم يُقدِّم، أو ربما لم يُسمَح له بالإعلان – إلى الآن – عن خطّته، إن وُجدت، لحلّ معضلة التعليم باللغة الأم، التي هي مطلب كُرديّ أساسي، وهي ردّ اعتبار لأجيال من الكُرد السوريّين الذين فشلوا في دخول الجامعات، بسبب اعتبار اللغة العربيّة لغةً مرسِبة، بخاصة الأجيال الأولى منذ تأسيس الدولة السوريّة، حيث كان معظم الكُرد لا يُتقنون يومها العربيّة إلا بالحدّ الأدنى، ربما ما يكفي لأداء الصلوات، أمّا الدخول الكُرديّ المُكثّف للجامعات فلم يبدأ إلا ابتداءً من ثمانينات القرن الماضي  وتسعيناته.

في حادثة شخصية، وصل في نهاية خمسينات القرن العشرين أستاذ للغة العربية قادماً من الساحل السوري إلى قرية جدي في عفرين، فسكن في بيت مجاور. وللصداقة التي تشكلت بينه وبين جدي وتكريماً له، أطلق اسمه على ابنه الذي هو أبي، قبل أن يكبر أبي ويفشل لثلاث سنوات متتالية في اجتياز شهادة الثانوية، بسبب رسوبه في مادة اللغة العربية.

في لقاء تلفزيوني على إحدى القنوات الكُرديّة، قال وزير التربية والتعليم بالكُرديّة إنّه سيجد حلاً لكلّ الـ “Pizikan” – وكان يقصد في السياق “Pirsgirêk” – ربما لم تُسعفه لغته الكُرديّة الأم، التي حُرِم التعلّم بها، في النطق السليم، وكان ذلك ظهوره الإعلاميّ الأوّل بالكُرديّة.

أمّا الفرق بين الكلمتين، فالأولى تعني “الدمامل”، والثانية تعني “المشاكل”، ولا نعلم: هل يريد الوزير إيجاد حلٍّ لمشاكل سوريا التعليميّة، أم فعلاً قصد علاج الدمامل الموجودة على وجه سوريا وجسدها؟

درج

————————————-

معضلة وزارة الدفاع/ عبسي سميسم

27 ابريل 2025

لا تزال مهمة إعادة هيكلة وزارة الدفاع من أصعب التحديات التي تواجه الحكومة السورية الحالية، وذلك بسبب مجموعة من التعقيدات التي يرتبط جزء منها بطبيعة العناصر البشرية التي ستشكّل هذه الوزارة، بالإضافة إلى أسباب خارجية تتعلق بمتطلبات وشروط بعض الدول الكبرى والدول الإقليمية حول تشكيلة وهيكلية تلك الوزارة التي لا تزال حتى الآن غير واضحة المعالم، رغم تأسيس بعض الإدارات التي تتبع لها. تضاف إلى ذلك تحديات أخرى تتعلق بدور وزارة الدفاع في مواجهة التحديات الداخلية، والتي يأتي في مقدمتها تحدي مواجهة فلول النظام المخلوع.

على مستوى طبيعة مكونات هذه الوزارة، يبرز التحدي الأكبر في التوفيق بين فصائل قسم منها كانت في الأمس القريب متناحرة فيما بينها، سواء على مستوى الصراعات البينية بين فصائل الشمال أو على مستوى الصراع بين فصائل الشمال و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي من المفترض أن تُدمج جميعاً ضمن وزارة الدفاع، والتي يسعى كل قائد فصيل فيها للحصول على دور ضمن هذه الوزارة. إلا أن التحدي الأكبر في موضوع المكون البشري للوزارة يكمن في مدى القدرة على صهر الفصائل التي ستشكل الوزارة ضمن جسم مؤسساتي يضمن ولاء عناصرها للدولة السورية والتزامهم بالتعليمات وفق التراتبية المؤسسية للوزارة، وليس لقائد الفصيل، وذلك كي لا يتحوّل الجيش السوري إلى مجموعة من الفصائل تحت غطاء وزارة الدفاع، على غرار تجربة “الجيش الوطني” السيئة. كذلك يبرز تحدي ضم قادة فصائل تعتبر نفسها شريكة في تحرير سورية، فيما تُتهم بارتكاب تجاوزات بحق المدنيين في المناطق التي كانت تسيطر عليها، بالإضافة إلى ارتكابها تجاوزات لاحقاً خلال أحداث الساحل السوري. وكذلك يبرز تحدي إشراك الضباط المنشقين عن النظام في تركيبة الوزارة والذين هُمّشوا خلال الفترة السابقة على حساب إعطاء دور لقادة الفصائل من الذين لا يمتلكون خلفيات عسكرية أكاديمية.

وتواجه الحكومة السورية تحدي إرضاء الجهات الدولية في تشكيلة وزارة الدفاع وخاصة تحقيق المطالب التي وضعتها الولايات المتحدة لرفع العقوبات عن سورية، وهي عدم إدخال عناصر أجنبية ضمن تشكيلة الوزارة، وهو تحدٍ ربما ينذر بخلافات داخل الكتلة الصلبة لـ”هيئة تحرير الشام” رغم حلها. كذلك تواجه الحكومة السورية تحدي إرضاء بعض الدول، وخاصة تركيا، بزجّ بعض العناصر المحسوبة عليها ضمن تشكيلة الوزارة واستبعاد عناصر غير مرضي عنهم. يضاف إلى جملة التحديات تحدٍ أساسي يتعلق بدور ومهمة الجيش السوري وعقيدته وتسليحه، الأمر الذي يتعلق أيضاً بتوافقات دولية، وهل سيقتصر دور الجيش على حماية الحدود، أم سيتعداه إلى أدوار في الداخل السوري، خصوصاً بعد التدخّل غير الموفق الذي قام به في مواجهة فلول النظام الذي أدّى إلى انتهاكات بحق المدنيين.

العربي الجديد

———————————-

=========================

الموقف الأميركي اتجاه سوريا، مسالة رفع العقوبات، الشروط التي تفرضها الولايات المتحدة الاميركية على الحكومة السورية تحديث 26-27 نيسان 2025

لمتابعة هذا الملف التبع الرابط التالي

العقوبات الأميركية على سوريا الجديدة وسبل إلغائها

——————————–

حكومة الشرع وملفّ العقوبات الملحّ/ فاطمة ياسين

27 ابريل 2025

كميّة العقوبات المفروضة على نظام الأسد المخلوع قياسية، تضمّنت حصاراً من كل الفئات والألوان، وشملت عقوبات ذات طبيعة سياسية وأخرى اقتصادية، طاولت أفراداً وكيانات مدنية وهيئات حكومية، بالإضافة إلى عقوبات خصّت المؤسّسات العسكرية. حاولت العقوبات شلَّ كل جوانب حياة النظام السابق وتعطيل مؤسّساته، ولم يطبّقها طرف واحد، بل مجموعة دول ومنظّمات وتجمّعات ذات أهداف عديدة. ورغم كل تلك العقوبات بقي النظام يتنفّس، فقد استطاع التملّص حيناً والتلاعب على القوانين حيناً آخر، وحوّل نفسه آلةً إجرامية تمتهن الخروج عن القوانين بصفة قصدية ونحوٍ منهجيّ، فتاجر بالمخدّرات والبشر، ووصل تأثير تجاوزاته إلى ما هو أبعد من حدود الإقليم المجاور. تعامل الأسد بالممنوعات، ليؤمّن حصّة لأفراده من المال، ويبقى محافظاً على آلات القمع اللازمة للإبقاء على السيطرة. وعندما انهار البنيان فوق رؤوس مسؤوليه الكبار، هربوا جميعاً في ليلة واحدة، وبقيت العقوبات التي ورثها النظام الجديد في ما ورث من مشكلاتٍ مستعصيةٍ وخراب واسع، وأصبحت مسألة رفع العقوبات أولوية ملحّة للبدء بعملية إعادة تنظيم شاملة.

شهدنا في الأيام الأولى لولادة الحكومة الجديدة نشاطاً كبيراً لوزير الخارجية أسعد الشيباني، فرأيناه يقفز من مكان إلى آخر، ويعود إلى دمشق لعقد مزيد من الاجتماعات، وكان رفع العقوبات عنواناً عريضاً لكلّ حراك سياسي قام به. لم تكن الأيام الأولى مبشّرة، وطبيعة الوفود التي جاءت بسرعة إلى دمشق كانت من نمط العلاقات العامّة أو لاستطلاع ما يحدُث، ولم يرافقها رفعٌ مُجدٍ للعقوبات رغم تخفيف بعضها، فكأن الوفد كان يأتي ليعطي دروساً أو يلقي محاضراتٍ ويذهب، بينما الشارع السوري متروكٌ ليتعايش مع الحصار المُطبق. ولم يكن مفهوماً تماماً سببُ عدم رغبة الدول التي فرضت عقوباتها بالأصل على النظام السابق برفعها، بعد أن خرج رأس النظام ومجموعته مدحورين، وكان لدى تلك الدول مطالب محدّدة تريد من النظام السابق تنفيذها لترفع العقوبات، ورفضها بإصرار وعناد.

بعد فترة الأشهر الثلاثة وولادة الحكومة الانتقالية الجديدة التي يترأسها أحمد الشرع، تغيّر الوضع قليلاً. ويبدو أن الحكومة المتشكلة قد لاقت صدى دولياً جيداً، ورحبت بها معظم الدول، وبدأ الجليد يتكسّر ببطء من حول العقوبات المفروضة، فخفّفت معظم الدول منها، لكن الولايات المتحدة التي تتفرد بالحصّة الأكثر فعالية قدّمت شروطاً ثمانية، بعضها، على ما قيل، واجبُ التحقيق، ومنها ما هو في صالح الإدارة الجديدة، لكن منها ما هو بالفعل ذو طبيعة سيادية محضة، ويتطلب التفكيرَ مليّاً، وربما تحتاج الموافقةُ عليه اتفاقاً داخلياً واسعاً، خصوصاً في ما يتعلق بالسماح للولايات المتحدة بتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب على الأراضي السورية ضدّ أي شخصٍ تعتبره واشنطن تهديداً للأمن القومي. يمكن عقد طاولة حوار لذلك البند وإيجاد مخرج له، فالولايات المتحدة التي تقف وراء أفدح العقوبات والقيود الأكثر خطراً على بناء الدولة الجديدة ما زال عتادها العسكري موجوداً في شرق البلاد؛ لذا لا بدَّ من الوصول إلى تفاهم معها لتتمكّن الحكومة من مزاولة عملها بحرية أكبر، وتحقّق الهدف المنشود بإطلاق عملية التنمية الشاملة.

قد تكون بريطانيا من أكثر الدول التي تجاوبت مع الحالة الجديدة، فقد أزالت، قبل أيام، عن قوائم عقوباتها معظم الكيانات الرسمية السورية، التي تخصّ الأمن والجيش، وهي خطوة جيدة لكنها غير كافية، فهذه الكيانات لا تمارس الاقتصاد، لكنها تساعد بالفعل في تحقيق الأمن الضروري لتهيئة المناخ المناسب للبناء… الطريق تكتنفه صعوبات جديّة، ومن المفيد أن تقوم الحكومة الجديدة ببعض المفاوضات التي يمكن أن تفضي إلى إزالة شاملة للعقوبات، ولا بأس بتقديم تنازلات ضرورية لضمان سير العملية، ولا بدّ أنّ حكومة الشرع جادّة في هذا المسعى الذي سيدفع باتجاه عودة سورية إلى أن تكون دولةً طبيعية.

العربي الجديد

———————————-

ملاحظات برسم الإدارة السورية/ بشير البكر

26 ابريل 2025

ليس في وسع الإدارة السورية الجديدة أن تواصل العمل بفلسفة “من يحرّر يقرّر”، وقد كشفت حصيلة عدة أشهر أن المردود العام متواضع، وهناك ارتفاع لمؤشّر المشتكين والمحتجين، ينذر بتراجع تدريجي للرصيد الإيجابي، الذي جنته بفضل إسقاط نظام بشّار الأسد. ومن يتابع وسائل الإعلام ووسائل التواصل من الداخل والخارج يجد أن هناك حالة من عدم الرضى في طريقها لتشكيل تيارات معارضة، قد تلعب دوراً في إعاقة تقدّم التحوّل الجديد الواعد محلياً وعربياً ودولياً. وتتمحور الانتقادات حول جملة من الملاحظات.

أولاً، ضعف الخبرة في إدارة الدولة. وهذا أمر يجد بعض المبرّرات، ولا أحد من السوريين يطالب الحكومة أن تكون كاملة الأوصاف بين يوم وليلة. وعلى هذا، ليس هناك ضير من أن تتعلم الأساليب بالممارسة، شريطة أن تمتلك الاستعداد، وتتحلى بالتواضع. وكما حذّر أكثر من صاحب رأي حريص على النجاح، فإن التجريب، وارتكاب الأخطاء ترفٌ ضارٌّ جداً في هذه المرحلة. ويحضر هنا شأن اختيار أشخاص ليسوا على قدر من الكفاءة، في مواقع متقدّمة، ومثال ذلك وزير الثقافة محمد ياسين صالح. وكان من الأفضل تعيين شخصية على صلة بالكتابة أو المسرح أو السينما. وتشكّل الضجة التي أثارها بظهوره في مضافة شخصية قبلية إشكالية جرس إنذار للقيادة، كي تعيد النظر بالقرار، وتتراجع عنه قبل فوات الأوان، وألا تكرّره في تعيينات أخرى.

ثانياً، الاستئثار بإدارة الدولة، من خلال إسناد الوزارات الأساسية كالخارجية والدفاع والداخلية والعدل لشخصيات من هيئة تحرير الشام، لا تملك تجربة كافية في العمل الحكومي، وبعضها غير متخصّصة في الميادين التي تشغلها، وليس في سجل الآخرين سوى أنه قيادي في “الهيئة”، وهذا لا يكفي، بل لا يمكن الرهان عليه لبناء مؤسّسات فاعلة، وتقديم صورة إيجابية عن سورية الجديدة، التي يهم حاضرها ومستقبلها جميع أبنائها على اختلاف توجّهاتهم السياسية، والفكرية، والطائفية، والعرقية.

ثالثاً، ضعف الفاعلية في التعاطي مع المطالب الخارجية، وفي مقدمها قائمة الشروط الأميركية، التي تسلمتها الحكومة السورية، وردّت عليها. والملاحظ عدم تحقيق الإدارة السورية نتائج جوهرية، بدليل عدم حصول أي تقدم في قضية رفع العقوبات الأميركية، التي تتوقف عليها تلقي مساعدات مالية عربية ودولية، وتسهيل وصول المستثمرين إلى سورية. وهنا يتوجب التوقف أمام مسألتين مهمتين: الأولى، عدم تقديم تنازلاتٍ تتعلق بالسيادة، والموقف من إسرائيل. والثانية، ما لم تتمكّن الحكومة من إدارة هذه الأزمة بنجاح، فإن الإقبال الغربي والعربي نحو سورية لن يتقدّم إلى الأمام، كما أن تصفية التركة السياسية التي تركها نظام الأسد لن يتم وفق حسابات الإدارة، وسيظل أمر استكمال الوحدة الداخلية يراوح في مكانه في الجنوب والشرق. ولن تتمكّن الدولة من إبطال مفعول الألغام السياسية التي تهدّد وحدة البلد، إلا من خلال تحصين الجبهة الداخلية على أسس سليمة، تعتمد على توسيع قاعدة المشاركة في الحكم، والقرار، واحترام التنوّع، والتعدّد.

رابعاً، تأخّر إطلاق مشروع العدالة الانتقالية، وتشكيل الهيئة الخاصة بها. وتعزو أوساط قانونية سورية سبب ما حصل من تجاوزات إلى عدم بدء محاسبة مسؤولي النظام السابق، سواء الذين جرى اعتقالهم، أو الفارّين داخل سورية وخارجها. وقد أدّى هذا الخلل إلى نمو نزعة الثأر، وتحصيل الحقوق بوسائل غير قانونية، تهدّد السلم الأهلي. ومن دون شك، لو تمت المسارعة في إقرار هذا المسار على أساس إحقاق العدالة، لتم حقن الكثير من الدماء في الساحل، ووقف الاعتداءات التي يتعرّض لها الأبرياء بسبب استشراء نزعة الانتقام والكراهية ضد المكوّن السوري العلوي.

العربي الجديد

تحديث 26 نيسان 2025

——————————–

سوريا: كيف لدولة اقتصادها منهار أن تحمي حقوق الإنسان/ علي قاسم

امنحوا الحكومة السورية التي أظهرت حتى هذه اللحظة حسن نواياها مهلة عام أو عامين بعد رفع العقوبات كاملة وإن ثبت أنها تبطن عكس ما تظهر أعيدوا العقوبات ثانية.

السبت 2025/04/26

شعب أنهكته العقوبات

من جاء أولًا، البيضة أم الدجاجة؟ السؤال ليس بسيطًا. هو واحد من أقدم الألغاز وأكثرها إثارة للجدل، استخدمه الفلاسفة الإغريق وسيلة للتفكير في قضايا السببية والتسلسل الزمني، وفي الثقافة الشعبية أصبح رمزًا لتحديات تبدو بلا إجابة.

هذا هو حال العقوبات المفروضة على سوريا وانقسام العالم حولها بين من يرى أن رفع العقوبات يجب أن يأتي أولًا، وبين من يشترط ضمان حرية الإنسان وحقوق الأقليات ومكافحة الإرهاب قبل رفع العقوبات.

لكن، كيف لدولة اقتصادها مفلس ومنهار أن تركز على محاربة الإرهاب وتصون حقوق الإنسان؟ هذا ما تأمل سوريا أن تصل إلى إجابة عليه وتعمل كل ما بوسعها لإرضاء الجميع وإثبات حسن نواياها. وكانت زيارة وزير المالية محمد يسر برنية وحاكم مصرف سوريا المركزي عبدالقادر الحُصرية إلى واشنطن، ومشاركتهما في اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، خطوة في هذا الاتجاه.

الزيارة إلى واشنطن أتت بعد قصة طويلة من العقوبات، بدأت قبل عام 2011، حين صنفت سوريا “دولة داعمة للإرهاب” كان ذلك في ديسمبر 1979. وفي مايو 2004، طُبقت قيود إضافية بموجب القانون الأميركي “قانون محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية”.

رفع العقوبات لن يكون نهاية المطاف، بل بداية الطريق نحو استعادة سوريا مكانتها، وعودة الحياة إلى شعب أنهكته الحروب والسياسات العقابية

ومع اندلاع الحرب الأهلية عام 2011 أصبحت العقوبات أكثر شمولًا، لتطال الحظر التجاري على قطاعات الطاقة والمالية، ومنع الشركات الأميركية من التعامل مع سوريا. واتسع نطاق العقوبات مع تطبيق “قانون قيصر لحماية المدنيين” في يونيو 2020.

فكيف أثرت 45 سنة من العقوبات على سوريا؟

المنظمات الدولية قدّرت مجمل خسائر الناتج المحلي السوري بنحو 800 مليار دولار خلال 14 عاما من النزاع. فتسعة من كل عشرة سوريين يعيشون تحت خط الفقر. وواحد من كل أربعة عاطل عن العمل، فيما انخفض الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من نصف المستوى الذي كان عليه عام 2011.

السوريون اليوم يعانون من أزمة اقتصادية غير مسبوقة تشمل انهيار العملة المحلية وارتفاع معدلات التضخم، ونقصا حادا في الموارد الأساسية، وضعف الخدمات العامة، وتضررا واسع النطاق للطرق والجسور والمستشفيات والمدارس، وانهيار قطاع الطاقة. وهناك الملايين من النازحين، داخليًا وخارجيًا.

كلفة إعادة بناء سوريا تقدر بين 300 و500 مليار دولار، تشمل إصلاح البنية التحتية، مثل الطرق والجسور وشبكات الكهرباء والمياه، بالإضافة إلى إعادة بناء المنشآت الصحية والتعليمية. تضاف إليها كلفة إعادة توطين النازحين التي تتطلب المليارات من الدولارات لتوفير السكن والخدمات الأساسية. وهناك حاجة إلى دعم مالي كبير لإعادة تشغيل الاقتصاد، بما في ذلك استثمارات في الزراعة والصناعة والطاقة.

في ظل معدلات النمو الاقتصادية الحالية لن تتمكن سوريا من استعادة مستوى الناتج المحلي الإجمالي لفترة ما قبل النزاع قبل حلول العام 2080، وفق تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة في فبراير. وبوجود العقوبات تصبح المهمة أكثر تعقيدا.

الأجدر بالمجتمع الدولي التركيز على استهداف الأفراد المسؤولين عن الانتهاكات بدلًا من فرض عقوبات شاملة تُعاقب الشعب بأكمله، وتقديم مساعدات دولية لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة

في 8 ديسمبر 2024 سقط النظام السوري، ولم تسقط العقوبات. وباستثناء تخفيف بعض العقوبات، لا توجد مؤشرات واضحة حتى الآن على رفعها بشكل نهائي.

دول الاتحاد الأوروبي ترى أن أيّ تعليق شامل للعقوبات سيكون مشروطا بالتزام الإدارة السورية الجديدة بمسار انتقال الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان. وهو ما تشاركها فيه بريطانيا والولايات المتحدة، التي تتخذ موقفا أكثر تشددا.

إذا كانت العقوبات طبقت بهدف الضغط على نظام سياسي لم يعد له وجود، فهل هناك ما يبرّر استمرارها في ظل ما تسببه من معاناة للشعب بعد رحيل النظام؟

في حالة سوريا، كانت العقوبات تُبرّر بأنها وسيلة للتأثير على نظام سياسي متهم بارتكاب انتهاكات، لكن مع مرور الوقت، بات واضحًا أن العقوبات التي كان الهدف منها رفع الظلم عن السوريين، تحوّلت إلى أداة للظلم، وسلاح أصاب الشعب السوري في صميم حياته، وسياسة عقابية تتجلى آثارها في كل جوانب الحياة؛ من انهيار البنى التحتية والخدمات الأساسية إلى تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي، يدفع السوريون الثمن الأكبر لها.

رغم ذلك، وفي تناقض صارخ، يطالب المجتمع الدولي الحكومة السورية بمكافحة الإرهاب وتطبيق معايير حقوق الإنسان، في الوقت الذي تعاني فيه من إفلاس اقتصادي وتدمير للبنية التحتية.

كيف يمكن لدولة تعاني من نقص في الموارد أن تُركز على هذه الأولوية؟

الأجدر بالمجتمع الدولي التركيز على استهداف الأفراد المسؤولين عن الانتهاكات بدلًا من فرض عقوبات شاملة تُعاقب الشعب بأكمله، وتقديم مساعدات دولية لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة، بما يُمكّن الشعب السوري من استعادة حياته الطبيعية.

رفع العقوبات يجب أن يُنظر إليه كخطوة إنسانية قبل أن يكون قرارًا سياسيًا.

إذا كانت العقوبات طبقت بهدف الضغط على نظام سياسي لم يعد له وجود، فهل هناك ما يبرّر استمرارها في ظل ما تسببه من معاناة للشعب بعد رحيل النظام؟

المستقبل في سوريا قد يبدو غامضًا، لكنه يحمل أملًا حقيقيًا إذا توفرت الإرادة الدولية لتحقيق تغيير إيجابي. السوريون أثبتوا أنهم قادرون على النهوض رغم الظروف، لكنهم يحتاجون إلى الدعم وليس إلى العوائق، وإلى الشراكة الدولية وليس إلى العقاب الجماعي.

رغم كل هذه المعاناة، أثبت السوريون قدرتهم على النجاح والإبداع حتى في ظروف النزوح واللجوء. لقد أنشأوا أعمالًا، تفوّقوا أكاديميًا، وحققوا إنجازات على مستوى العالم. هذه القدرات تدل على أن لدى السوريين إمكانيات هائلة يمكن استثمارها لإعادة بناء وطنهم إذا رُفعت العقوبات وأُتيحت لهم الفرصة.

في ظل “دجاجة” العقوبات المفروضة على السوريين، يُصبح الحديث عن “بيضة” الديمقراطية وحقوق الإنسان أقرب إلى شعارات فارغة، لأنها لا تأخذ في الحسبان الواقع القاسي الذي يعيشه المواطن السوري.

هل يحمل المستقبل تغييرًا؟ ربما، إذا كانت هناك إرادة دولية تنظر إلى الشعب السوري كشريك في البناء، وليس مجرد لغز غير قابل للحل. زيارة الوفد السوري إلى واشنطن قد تسهم في حل لغز البيضة والدجاجة، وتكسر عزلة سوريا، وتعيد دمجها في النظام المالي العالمي.

رفع العقوبات لن يكون نهاية المطاف، بل بداية الطريق نحو استعادة سوريا مكانتها، وعودة الحياة إلى شعب أنهكته الحروب والسياسات العقابية.

يبدو أن بريطانيا استفاقت، ونأمل أن يحذو حذوها الجميع، ورفعت الخميس تجميد أصول عن وزارتي الدفاع والداخلية وعدد من أجهزة المخابرات كانت قد فرضته في عهد بشار الأسد.

وأظهرت مذكرة نشرتها وزارة المالية البريطانية أن وزارة الداخلية السورية ووزارة الدفاع وإدارة المخابرات العامة من بين 12 كيانا لم تعد خاضعة لتجميد الأصول.

امنحوا حكومة الشرع التي أظهرت حتى هذه اللحظة حسن نيّة، مهلة عام أو عامين – بعد رفع العقوبات كاملة – وإن ثبت أنها تبطن عكس ما تظهر أعيدوا العقوبات ثانية.

كاتب سوري مقيم في تونس

العرب

—————————-

سوريا ترد على الشروط الأميركية: التفاهمات المتبادلة أوّلاً

السبت 2025/04/26

ردت سوريا كتابياً على قائمة الشروط الأميركية لتخفيف جزئي محتمل للعقوبات، مشيرة إلى أنها نفذت معظمها، لكن بعضها الآخر يتطلب “تفاهمات متبادلة” مع واشنطن.

رسالة سوريا

ووفقاً للوثيقة المكونة من 4 صفحات، التي اطلعت عليها “رويترز”، تتعهد سوريا بإنشاء مكتب اتصال في وزارة الخارجية للعثور على الصحافي الأميركي المفقود أوستن تايس، وتفصّل عملها لمعالجة مخزونات الأسلحة الكيميائية، بما في ذلك توثيق العلاقات مع هيئة مراقبة الأسلحة العالمية.

لكنها لم تُقدّم الكثير من التفاصيل في شأن مطالب رئيسية أخرى، بما في ذلك إبعاد المقاتلين الأجانب، ومنح الولايات المتحدة الإذن بشن ضربات لمكافحة الإرهاب، وفقًا للرسالة.

المقاتلون الأجانب

وذكرت الرسالة أن مسؤولين سوريين ناقشوا مسألة المقاتلين الأجانب مع المبعوث الأميركي السابق دانيال روبنشتاين، لكن القضية “تتطلب جلسة تشاورية أوسع”. وقالت الرسالة: “ما يمكن تأكيده حتى الآن هو تعليق إصدار الرتب العسكرية عقب الإعلان السابق في شأن ترقية ستة أفراد”، في إشارة واضحة إلى تعيين مقاتلين أجانب في كانون الأول/ديسمبر، من بينهم أويغور وأردني وتركي، في مناصب في القوات المسلحة السورية.

ولم توضح الرسالة ما إذا كانت الرتب المعينة قد أُزيلت من المقاتلين الأجانب، ولم تُحدد الخطوات المستقبلية التي سيتم اتخاذها.  وقال مصدر مُطلع على نهج الحكومة السورية تجاه هذه القضية إن دمشق ستؤجل معالجتها قدر الإمكان نظراً لرأيها بضرورة معاملة المتمردين غير السوريين الذين ساعدوا في الإطاحة بالأسد معاملة حسنة.

مكافحة الإرهاب

وحول طلب أميركي للتنسيق في مسائل مكافحة الإرهاب والقدرة على تنفيذ ضربات على أهداف إرهابية، قالت الرسالة إن “الأمر يتطلب تفاهمات متبادلة”.

وأعربت سوريا في رسالتها عن أملها في أن تُفضي الإجراءات المُتخذة، والتي وصفتها بـ”الضمانات”، إلى اجتماع لمناقشة كل نقطة بالتفصيل، بما في ذلك إعادة فتح السفارات ورفع العقوبات.

وفي ما يتعلق بالمسلحين الفلسطينيين في سوريا، ذكرت الرسالة أن الرئيس السوري أحمد الشرع شكّل لجنة “لمراقبة أنشطة الفصائل الفلسطينية”، وأنه لن يُسمح للفصائل المسلحة الخارجة عن سيطرة الدولة بالعمل.

وقد أُرسلت الرسالة قبل أيام قليلة من اعتقال سوريا لمسؤولين فلسطينيين من حركة “الجهاد الإسلامي”. وأضافت الرسالة: “في حين أن المناقشات حول هذا الموضوع قابلة للاستمرار، فإن الموقف الشامل هو أننا لن نسمح لسوريا بأن تُصبح مصدر تهديد لأي طرف، بما في ذلك إسرائيل”.

وأقرت الرسالة أيضاً بـ”التواصل المستمر” بين سلطات مكافحة الإرهاب السورية وممثلي الولايات المتحدة في عمان بشأن مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وقالت إن سوريا تميل إلى توسيع هذا التعاون.

وقال مسؤول سوري مُطلع على الرسالة إن المسؤولين السوريين يبحثون سبلاً أخرى لإضعاف المتطرفين من دون منح الولايات المتحدة إذناً صريحاً بتنفيذ ضربات، معتبرين ذلك خطوة مثيرة للجدل بعد سنوات من قصف القوات الجوية الأجنبية لسوريا خلال حربها.

5 مطالب

وصرح دبلوماسي كبير وشخص آخر مُطلع على الرسالة لـ”رويترز” بأنهما يعتبرانها تُعالج خمسة مطالب بالكامل، لكن المطالب المتبقية تُركت “معلقة”. وقال المصدران إن الرسالة أُرسلت في 14 أبريل/نيسان  قبل 10 أيام فقط من وصول وزير الخارجية السورية أسعد الشيباني إلى نيويورك لإلقاء كلمة أمام مجلس الأمن.

وقال مسؤول سوري ومصدر أميركي مُطلع على الرسالة إن الشيباني سيناقش محتواها مع مسؤولين أميركيين خلال زيارته إلى نيويورك.

وبالفعل سعى الشيباني، في أول خطاب له أمام مجلس الأمن أمس، إلى إظهار أن سوريا تُعالج بالفعل المطالب، بما في ذلك الأسلحة الكيميائية والبحث عن الأميركيين المفقودين في سوريا.

وكانت تعليقاته العلنية متوافقة مع محتوى رسالة سوريا الخاصة إلى الولايات المتحدة، والتي اطلعت “رويترز” على نسخة غير مؤرخة منها. ولم يُنشر محتوى الرسالة سابقاً.

الخارجية الأميركية تؤكد تلقي الرد

من جهته، أكد متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية أن واشنطن تلقت رداً من السلطات السورية على طلب أميركي باتخاذ “تدابير محددة ومفصلة لبناء الثقة”. وقال المتحدث: “نقوم الآن بتقييم الرد وليس لدينا ما نُشاركه في الوقت الحالي”، مُضيفاً أن الولايات المتحدة “لا تعترف بأي كيان كحكومة سورية، وأن أي تطبيع مُستقبلي للعلاقات سيُحدد بناءً على إجراءات السلطات المؤقتة. ولم ترد وزارة الخارجية السورية فوراً على طلب للتعليق.

وكانت الولايات المتحدة سلمت سوريا الشهر الماضي قائمة بثمانية شروط تريد من دمشق الوفاء بها، بما في ذلك تدمير أي مخزونات متبقية من الأسلحة الكيميائية، وضمان عدم منح أجانب مناصب قيادية في الحكم.

حاجة سوريا لرفع العقوبات

وتحتاج سوريا إلى تخفيف العقوبات لإنعاش اقتصادها المنهار جراء 14 عاماً من الحرب، فرضت خلالها الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا عقوبات صارمة في محاولة للضغط على الرئيس المخلوع بشار الأسد.

وفي كانون الثاني/يناير، أصدرت الولايات المتحدة إعفاءً لمدة ستة أشهر لبعض العقوبات لتشجيع المساعدات، لكن هذا كان له تأثير محدود.

وفي مقابل تلبية جميع المطالب الأميركية، ستمدد واشنطن هذا التعليق لمدة عامين، وربما تُصدر إعفاءً آخر، بحسب ما أفادت مصادر لـ”رويترز” في آذار/مارس الماضي.

وتعهدت الحكومة السورية الجديدة بعدم التسامح مع أي تهديدات للمصالح الأميركية أو الغربية في سوريا، وتعهدت باتخاذ “الإجراءات القانونية المناسبة”، من دون الخوض في تفاصيل.

وكان الرئيس السوري أحمد الشرع قد صرّح في مقابلة سابقة هذا العام بأن القوات الأميركية المنتشرة في سوريا موجودة هناك من دون موافقة الحكومة، مضيفاً أن أي وجود من هذا القبيل يجب أن يتم بالاتفاق مع الدولة.

———–

كيف ردت سوريا على شروط تخفيف العقوبات الأمريكية؟

26/4/2025

ردت سوريا كتابيا على قائمة شروط أمريكية لرفع جزئي محتمل للعقوبات، قائلة إنها طبقت معظمها لكن البعض الآخر يتطلب “تفاهمات متبادلة” مع واشنطن.

كانت الولايات المتحدة قد سلمت سوريا، الشهر الماضي، قائمة بـ8 شروط تريد من دمشق الوفاء بها، منها تدمير أي مخزونات متبقية من الأسلحة الكيميائية، وضمان عدم منح أجانب مناصب قيادية في الحكم.

وتحتاج سوريا إلى تخفيف العقوبات حتى يتعافى اقتصادها الذي انهار تحت وطأة حرب امتدت 14 عاما فرضت خلالها الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا عقوبات صارمة في محاولة للضغط على نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.

وأصدرت الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني إعفاء لمدة 6 أشهر من بعض العقوبات لتشجيع المساعدات، لكن تأثير هذا الإجراء كان محدودا.

وقالت مصادر لوكالة “رويترز” في مارس/آذار إن واشنطن ستمدد هذا التعليق لمدة عامين إذا جرت تلبية المطالب الأمريكية جميعها، وربما تصدر إعفاء آخر.

إجراءات لبناء الثقة

كانت ناتاشا فرانشيسكي نائبة مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون بلاد الشام وسوريا قد سلمت قائمة الشروط لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في لقاء جمعهما على هامش مؤتمر المانحين لسوريا في بروكسل في 18 مارس/آذار.

وسعى الشيباني في أول كلمة له أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أمس الجمعة، إلى إظهار أن سوريا تلبي بالفعل هذه المطالب، بما في ذلك ما يتعلق بالأسلحة الكيميائية، والبحث عن أمريكيين مفقودين في سوريا.

وجاءت كلمة الشيباني متوافقة مع محتوى رسالة سوريا الخاصة إلى الولايات المتحدة، التي تتعهد سوريا فيها بإنشاء مكتب اتصال في وزارة الخارجية مهمته البحث عن الصحفي الأمريكي المفقود أوستن تايس.

وأوردت الوثيقة بالتفصيل إجراءات تعتزمها سوريا للتعامل مع مخزونات الأسلحة الكيميائية، ومنها تعزيز روابط الاتصال مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية.

لكن الرسالة لم تورد الكثير من التفاصيل عن مطالب رئيسة أخرى مثل إبعاد المقاتلين الأجانب، ومنح الولايات المتحدة الإذن بشن ضربات لما تسميه “مكافحة الإرهاب”.

وأكد متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن واشنطن تلقت ردا من السلطات السورية على طلب أمريكي باتخاذ “تدابير محددة ومفصلة لبناء الثقة”.

وأضاف “نقيم الآن الرد، وليس لدينا ما نقوله في الوقت الحالي”، وأردف قائلا إن الولايات المتحدة “لا تعترف بأي كيان بوصفه الحكومة السورية، وأي تطبيع للعلاقات في المستقبل سيحدَّد بناء على الإجراءات التي تتخذها السلطات المؤقتة”.

المقاتلون الأجانب

جاء في الرسالة أن المسؤولين السوريين ناقشوا مسألة المقاتلين الأجانب مع المبعوث الأمريكي السابق دانيال روبنستاين، لكن المسألة “تتطلب جلسة مشاورات أوسع”، وأن ما يمكن تأكيده في الوقت الحالي هو أن إصدار الرتب العسكرية تم تعليقه.

وحول طلب الولايات المتحدة التنسيق في مسائل “مكافحة الإرهاب والقدرة على تنفيذ ضربات على أهداف إرهابية”، قالت الرسالة إن “الأمر يتطلب تفاهمات متبادلة”.

وشملت الرسالة تعهدا بأن الحكومة السورية الجديدة لن تتسامح مع أي تهديدات للمصالح الأمريكية أو الغربية في البلاد، وتعهدا باتخاذ “الإجراءات القانونية المناسبة”، دون ذكر تفاصيل.

وفي مقابلة في وقت سابق من هذا العام، قال الرئيس السوري أحمد الشرع إن القوات الأمريكية المنتشرة في سوريا موجودة دون موافقة الحكومة، مضيفا أن أي وجود من هذا النوع يجب أن يتم الاتفاق عليه مع الدولة.

عدم تهديد إسرائيل

وذكرت سوريا في رسالتها أنها تأمل في أن تؤدي الإجراءات المتخذة، التي وصفتها بأنها “ضمانات”، إلى اجتماع لمناقشة كل نقطة بالتفصيل، بما في ذلك إعادة فتح السفارات ورفع العقوبات.

وفيما يتعلق بالمسلحين الفلسطينيين في سوريا، قالت الرسالة إن الشرع شكل لجنة “لمراقبة أنشطة الفصائل الفلسطينية”، وإنه لن يُسمح بوجود فصائل مسلحة خارج سيطرة الدولة.

وجاء إرسال الرسالة قبل أيام فقط من اعتقال سوريا لفلسطينيين اثنين من قياديي حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.

وذكرت الرسالة أنه “في حين يمكن أن تستمر المناقشات حول هذه المسألة، فإن الموقف العام هو أننا لن نسمح بأن تصبح سوريا مصدر تهديد لأي طرف، بما في ذلك إسرائيل”.

وأقرت الرسالة أيضا بوجود “تواصل مستمر” بين سلطات مكافحة الإرهاب السورية وممثلي الولايات المتحدة في العاصمة الأردنية عمّان بشأن مكافحة تنظيم الدولة، وقالت إن سوريا تميل إلى توسيع هذا التعاون.

المصدر : رويترز

—————————————–

سوريا ترد على المطالب الأميركية: “تجميد” وضع المقاتلين الأجانب

دمشق بعثت رسالة مكتوبة إلى واشنطن تعهدت فيها بعدم تهديد إسرائيل ومراقبة الفصائل الفلسطينية

 رويترز

السبت 26 أبريل 2025

ملخص

أصدرت الولايات المتحدة في يناير الماضي إعفاءً لمدة ستة أشهر من بعض العقوبات لتشجيع المساعدات لكن تأثير هذا الإجراء كان محدوداً.

ردت سوريا كتابياً على قائمة شروط أميركية لرفع جزئي محتمل للعقوبات، قائلة إنها طبقت معظمها لكن البعض الآخر يتطلب “تفاهمات متبادلة” مع واشنطن.

وسلمت الولايات المتحدة سوريا مارس (آذار) الماضي قائمة بثمانية شروط تريد من دمشق الوفاء بها، منها تدمير أية مخزونات متبقية من الأسلحة الكيماوية وضمان عدم منح أجانب مناصب قيادية في الحكم.

وسوريا في أمسِّ الحاجة إلى تخفيف العقوبات حتى يتعافى اقتصادها الذي انهار تحت وطأة حرب امتدت 14 عاماً، فرضت خلالها الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا عقوبات صارمة في محاولة للضغط على الرئيس السابق بشار الأسد.

وأصدرت الولايات المتحدة في يناير (كانون الثاني) الماضي إعفاء لمدة ستة أشهر من بعض العقوبات لتشجيع المساعدات، لكن تأثير هذا الإجراء كان محدوداً.

ونقلت “رويترز” عن مصادر في مارس الماضي أن واشنطن ستمدد هذا التعليق مدة عامين، إذا لُبيت جميع المطالب الأميركية وربما تصدر إعفاءً آخر.

وسعى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في أول كلمة له أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أمس الجمعة إلى إظهار أن سوريا تلبي بالفعل هذه المطالب، بما في ذلك ما يتعلق بالأسلحة الكيماوية والبحث عن أميركيين مفقودين لديها.

وجاءت كلمته متوافقة مع محتوى رسالة سوريا الخاصة إلى الولايات المتحدة. وفي الوثيقة المكونة من أربع صفحات، تتعهد سوريا إنشاء مكتب اتصال في وزارة الخارجية مهمته البحث عن الصحافي الأميركي المفقود أوستن تايس، كذلك تورد بالتفصيل إجراءاتها للتعامل مع مخزونات الأسلحة الكيماوية، ومنها تعزيز روابط الاتصال مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية.

لكن الرسالة لم تورد كثيراً من التفاصيل عن مطالب رئيسة أخرى مثل إبعاد المسلحين الأجانب ومنح الولايات المتحدة الإذن بشن ضربات لمكافحة الإرهاب.

وأكد متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية أن واشنطن تلقت رداً من السلطات السورية على طلب أميركي باتخاذ “تدابير محددة ومفصلة لبناء الثقة”، وأضاف “نقيم الآن الرد، وليس لدينا ما نقوله (عن الأمر) في الوقت الحالي”، وأردف قائلاً إن الولايات المتحدة “لا تعترف بأي كيان بوصفه الحكومة السورية، وإن أي تطبيع للعلاقات في المستقبل سيحدد بناءً على الإجراءات التي تتخذها السلطات الموقتة”.

ولم ترد وزارة الخارجية السورية حتى الآن على طلب للتعليق.

المقاتلون الأجانب

جاء في الرسالة أن المسؤولين السوريين ناقشوا مسألة المقاتلين الأجانب مع المبعوث الأميركي السابق دانيال روبنستاين لكن المسألة “تتطلب جلسة مشاورات أوسع”.

كما ذكرت الرسالة أن ما يمكن تأكيده في الوقت الحالي هو أن إصدار الرتب العسكرية تم تعليقه بعد الإعلان في وقت سابق عن ترقية ستة أفراد، في إشارة واضحة إلى تعيين مقاتلين أجانب في ديسمبر (كانون الأول) 2024 من بينهم مقاتلون من الويغور وأردني وتركي في مناصب بالقوات المسلحة السورية.

ولم تذكر الرسالة ما إذا كان قد تم تجريد هؤلاء المقاتلين الأجانب من الرتب التي حصلوا عليها، ولم تشر أيضاً إلى الخطوات التي سيتم اتخاذها في المستقبل.

وقال مصدر مطلع على نهج الحكومة السورية في هذا الشأن إن دمشق ستؤجل التعامل مع هذه القضية قدر الإمكان نظراً لأنها ترى أن المقاتلين الذين ساعدوا في إطاحة الأسد من غير السوريين يجب أن يعاملوا معاملة حسنة.

وحول طلب الولايات المتحدة التنسيق في مسائل مكافحة الإرهاب والقدرة على تنفيذ ضربات على أهداف إرهابية، قالت الرسالة إن “الأمر يتطلب تفاهمات متبادلة”.

وشملت الرسالة تعهداً بأن الحكومة السورية الجديدة لن تتسامح مع أي تهديدات للمصالح الأميركية أو الغربية في البلاد، وتعهدا باتخاذ “الإجراءات القانونية المناسبة”، من دون أن تذكر تفاصيل.

وفي مقابلة في وقت سابق من هذا العام، قال الرئيس السوري أحمد الشرع إن القوات الأميركية المنتشرة في سوريا موجودة من دون موافقة الحكومة، مضيفاً أن أي وجود من هذا النوع يجب أن يتم الاتفاق عليه مع الدولة.

وقال مسؤول سوري مطلع على الرسالة إن المسؤولين السوريين يفكرون في سبل أخرى لإضعاف المتطرفين من دون منح الولايات المتحدة إذناً صريحاً بتنفيذ ضربات، باعتبار ذلك خطوة مثيرة للجدل بعد أن تعرضت سوريا لسنوات للقصف من قوات جوية أجنبية خلال الحرب.

تعهد بعدم تهديد إسرائيل

قال دبلوماسي رفيع المستوى ومصدر آخر مطلع على الرسالة إنهما يعتبران أن الرسالة تناولت خمسة مطالب بالكامل لكن بقية المطالب ظلت “معلقة”.

وأشارا إلى أن الرسالة وجهت في 14 أبريل الجاري، أي قبل 10 أيام فقط من وصول الشيباني إلى نيويورك للإدلاء بكلمة أمام مجلس الأمن. ولم يتضح ما إذا كانت الولايات المتحدة أرسلت رداً على الرسالة السورية.

وقال مسؤول سوري ومصدر أميركي مطلع على الرسالة إن الشيباني كان من المقرر أن يناقش محتواها مع مسؤولين أميركيين خلال زيارته لنيويورك.

وذكرت سوريا في رسالتها أنها تأمل في أن تؤدي الإجراءات المتخذة، التي وصفتها بأنها “ضمانات”، إلى اجتماع لمناقشة كل نقطة بالتفصيل، بما في ذلك إعادة فتح السفارات ورفع العقوبات.

وفيما يتعلق بالمسلحين الفلسطينيين في سوريا، قالت الرسالة إن الشرع شكل لجنة “لمراقبة أنشطة الفصائل الفلسطينية”، وإنه لن يُسمح بوجود فصائل مسلحة خارج سيطرة الدولة.

وجاء إرسال الرسالة قبل أيام فقط من اعتقال سوريا لفلسطينيين اثنين من قياديي حركة “الجهاد الإسلامي” المسلحة.

وذكرت الرسالة أنه “في حين يمكن أن تستمر المناقشات حول هذه المسألة، فإن الموقف العام هو أننا لن نسمح بأن تصبح سوريا مصدر تهديد لأي طرف، بما في ذلك إسرائيل”.

وأقرت الرسالة أيضا بوجود “تواصل مستمر” بين سلطات مكافحة الإرهاب السورية وممثلي الولايات المتحدة في العاصمة الأردنية عمّان حول مكافحة تنظيم “داعش” الإرهابي، وقالت إن سوريا تميل إلى توسيع هذا التعاون.

ولم ترد تقارير من قبل عن محادثات مباشرة بين سوريا والولايات المتحدة في عمّان.

———————————-

المقاتلون الأجانب ما بين الفصائل السورية و”داعش”/ عبد الحليم سليمان

استغل تنظيم “القاعدة” في العراق تدهور الأوضاع مع بدء الاحتجاجات الشعبية وتحولها لمواجهات مسلحة ودخل إلى ساحة القتال لمساندة الحركات المعارضة

الجمعة 4 أبريل 2025

لم يشهد التاريخ السوري الحديث نشاطاً لحركات إسلامية مسلحة إلا في ثمانينيات القرن الماضي وكانت على علاقة بجماعة “الإخوان المسلمين” لتعود مجدداً مع المواجهات بين المعارضة والنظام السوري عام 2011 ثم تصل إلى أقصى تشددها مع سيطرة مقاتلين على مناطق واسعة في البلاد، بخاصة مع ظهور تنظيم “داعش” وتوافد عشرات آلاف المجاهدين الأجانب إلى الأراضي السورية.

يعود تاريخ تدفق المقاتلين الأجانب إلى الفصائل السورية للأشهر الأولى من الحرب في سوريا عام 2011، وحمل هذا الانضمام طابعاً قتالياً مناصراً للسوريين في مواجهة قوات نظام بشار الأسد، ولا سيما بعدما تحولت الاحتجاجات الشعبية إلى مواجهات مسلحة في معظم المناطق.

ويعود تاريخ العمل المسلح الديني لتنظيم “الطليعة المقاتلة” التابع لـ”الإخوان المسلمين” الذي تأسس في نهاية الستينيات من القرن الماضي ودخل في مواجهات عدة مع نظام الأسد الأب، إلا أن ذروته كانت معركة حماة عام 1982، معتمداً بذلك على تاريخ السلفية التي برزت في سوريا خلال عشرينيات القرن الماضي وثلاثينياته والتي كانت في حيز فكري من دون الولوج في السياسة والحياة العامة.

ولعل دخول المقاتلين الأجانب إلى سوريا ليس الظاهرة الوحيدة من نوعها في الصراعات المسلحة فإنه يعتبر جهاداً دينياً مسلحاً برز ضمن مناطق عدة في العالم كأفغانستان والشيشان والبلقان وليس انتهاء بالعراق حيث قام نظام بشار الأسد بإرسال المقاتلين إليه عقب سقوط نظام صدام حسين لمواجهة القوات الأميركية والتحالف الدولي هناك، في وقت تحولت دمشق إلى محطة ترانزيت للانتقال إلى داخل الحدود العراقية التي كانت تشهد فوضى وتراخياً، فكان من بين أولئك المقاتلين سوريون أشرفت قوى الأمن السورية على تجنيدهم ومتابعتهم ومراقبتهم لدى تنفيذ مهماتهم داخل الأراضي العراقية في مواجهة القوات الأميركية.

وعمد الأمن السوري إلى اعتقال من كان يعود منهم “حياً” وكان من بينهم أفراد نفذوا عصياناً مسلحاً داخل سجن صيدنايا في الحادثة المشهورة التي وقعت خلال صيف عام 2008.

العراق الرافد الأبرز

وشكلت الأحداث والمواجهات والدعاية الجهادية في العراق قرباً جغرافياً وزمنياً وحتى اجتماعياً مع سوريا التي استعرت فيها المواجهات بين القوات النظامية مع بدء تدفق الدعم الخارجي من جهة، مقابل مجموعات مسلحة أسسها ضباط وعناصر منشقون من الجيش السوري مع مسلحين محليين في مناطق مختلفة لتتحول من حال غير منسقة إلى فصائل تحت مسمى “الجيش السوري الحر” الذي لاقى دعم دول عدة من بينها الولايات المتحدة التي سرعان ما تراجعت وأوقفت دعمها، بخاصة بعد تسليم فصائل من “الجيش الحر كميات” من سلاحها إلى “جبهة النصرة” (“هيئة تحرير الشام” لاحقاً) في منطقة إدلب عام 2015.

ومع احتدام القتال بين السوريين وجد تنظيم “القاعدة” الفرصة سانحة للتغلغل في سوريا، فبدأ عناصر “جبهة النصرة” بالمشاركة في خطوط الجبهات إلى جانب “الجيش الحر” أواخر عام 2011 في مواجهة نظام الأسد، لتعلن عن تأسيسها رسمياً بداية 2012 ويزداد معها تدفق المقاتلين الأجانب إلى داخل الأراضي السورية حيث شكل الصراع في هذا البلد بوابة استقطاب كبيرة لهم، فوصل عددهم إلى 360 ألف شخص بالتناوب ما بين مقاتلين وعائلاتهم حتى نهاية عام 2015 وغالبيتهم قاتلوا في صفوف تنظيم “داعش” وكذلك “جبهة النصرة” ودخل معظمهم عبر الأراضي التركية بمن فيهم المقاتلون العرب وكذلك الأتراك الذين شكلوا النسبة الأكبر من الانضمام إلى هذا القتال.

الانقسام مع “داعش”

وظهر الانقسام بصورة مفاجئة بين “داعش” و”جبهة النصرة” في أبريل (نيسان) عام 2013 عقب كلمة لزعيم التنظيم وقتها أبو بكر البغدادي أعلن خلالها دمج “جبهة النصرة” التي كان يترأسها أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) مع تنظيم “داعش” في العراق لتتشكل “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، مما رفضه الجولاني وطالب بالتحكيم والبيعة لأيمن الظواهري زعيم تنظيم “القاعدة” العالمي الذي بدوره ألغى الدمج الذي أعلنه البغدادي وحكم لمصلحة “جبهة النصرة” بإبقاء الجولاني زعيماً لها، مما أثر في المقاتلين الأجانب الذين استجابوا إلى دعوة البغدادي عند إعلان الدمج، في حين بقيت النسبة الكبرى من المقاتلين السوريين مع “جبهة النصرة”.

وعلى رغم الأساس الجهادي لدى التنظيمين، فإن “النصرة” كانت أكثر مرونة في التعامل مع الكتائب والفصائل السورية وتعمل بصورة مشتركة مع “الجيش الحر”، خصوصاً أن الأخير كان يستغل اندفاع مقاتلي “النصرة” وثباتهم في القتال ولا سيما الانغماسيون منهم الذي كانوا يقودون عربات مفخخة ويفجرونها في تحصينات القوات النظامية، في حين أن “داعش” كان يفرض السيطرة على “الجيش الحر” ودخل في مواجهات قضت على فصائله في معظم المناطق التي سيطر عليها، بل إن كثيراً من عناصر هذه الكتائب قبلوا الانضمام إلى التنظيم وأصبحوا أمراء ومسؤولين فيه.

وعلى رغم هذا الانقسام، فإن العنصر الأجنبي كان موجوداً لدى التنظيمين، بخاصة أن كثيراً منهم يحملون مزايا القتال في سوريا من حيث الفكر الأيديولوجي والإيمان بالقتال حتى النهاية لأنهم في “مهمة مقدسة”، إضافة إلى خبرات عسكرية جلبوها معهم سواء من كانوا عسكريين وضباطاً في جيوش بلادهم أو مجاهدين في مناطق مختلفة بما فيها الشيشان وأفغانستان وراكموا الخبرات في مواجهة الجيوش النظامية في تلك البلدان.

وبعد القضاء على تنظيم “داعش” عسكرياً وإنهاء سيطرته الجغرافية من قبل التحالف الدولي و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) خلال معركة الباغوز، توزع عدد من عناصر التنظيم بمن فيهم الأجانب في مناطق سيطرة المعارضة السورية المدعومة من تركيا في الشمال السوري وكذلك مناطق شمال غربي البلاد التي كانت مختلطة السيطرة ما بين الفصائل و”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة)، في حين أن أكثر من ألفي مقاتل أجنبي وثمانية آلاف من عائلاتهم محتجزون داخل سجون “قسد” ومخيمي الهول وروج في شمال شرقي سوريا.

لكن وزن المقاتلين الأجانب بات في مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” وأصبحت غالبيتهم جزءاً من تشكيلته العسكرية كالحزب التركستاني ومقاتلين عرب وطاجيك وإيغور من خارج سوريا وغيرهم ممن يحملون جنسيات مختلفة، فجرت مكافأتهم على القتال في مواجهة النظام السوري السابق ورُقي عدد منهم كضباط في الجيش السوري الذي يجري تأسيسه، في حين أن مطالب دولية توجه لدمشق بضرورة إبعاد العناصر الأجنبية من مراكز القيادة والسلطة في العهد السوري الجديد.

————————————-

المبعوث الدولي لسوريا غير بيدرسون: العقبة الحقيقية هي العقوبات الأمريكية

في لقاء مع الصحافة المعتمدة في المنظمة الدولية بعد انتهاء جلسة مجلس الأمن الدولي حول سوريا، أجاب غير بيدرسون، الممثل الخاص للأمين العام لسوريا، عن عدد من أسئلة الصحافيين حول التطورات الأخيرة في سوريا.

فقد أظهرت جلسة المجلس نوعا من التوافق في الآراء حول ضرورة مساندة سوريا في المرحلة الانتقالية للوصول إلى الاستقرار والتوصل إلى حل شامل يعكس رغبة السوريين في بناء دولة القانون والحريات والاستقرار والسيادة والازدهار.

وقال بيدرسون إن المطلوب من السلطات السورية حكومة شاملة تمثل كل أطياف الشعب السوري، كما هو مطلوب من المجتمع الدولي أن يأخذ موقفا موحدا من رفع العقوبات وتقديم المساعدات الإنسانية. “سوريا، كما قال وزير الخارجية، لا تريد أن تعتمد على المساعدات الخارجية بل تريد أن تطور اقتصادها. وإذا حدث تقدم في المفاوضات مع قوات سوريا الديمقراطية لتعزيز وحدة البلاد تكون سوريا قد خطت الخطوات الأساسية نحو التعافي”.

وردا على سؤال “القدس العربي” حول انتهاكات إسرائيل المتواصلة للسيادة السورية دون أي رادع مهما تكررت المناشدة بضرورة احترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها، “فهل هناك ما يمكن للمجتمع الدولي أن يعمله لإجبار إسرائيل على وقف انتهاكاتها للسيادة السورية”، قال غير بيدرسون: “لقد سمعتني قبل قليل وقبل ذلك مرارا أتحدث عن ضرورة احترام سيادة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها، وما أقوم به هو تكرار هذا النداء، فما يجري من انتهاكات يجب أن تتوقف، كذلك تابعت بيان مجلس الأمن الرئاسي في آذار/ مارس الماضي الذي دعا إلى احترام سيادة سوريا ووحدتها الترابية، سأبقى أكرر هذا النداء، وقد بحثته بالتفصيل مع السلطات السورية وخاصة مع الرئيس الشرع، وكذلك بحثته مع السلطات الإسرائيلية، وما أستطيع أن أقوم به أن أكرر ندائي بضرورة احترام المبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة”.

وردا على سؤال ثان حول رفع العقوبات التي طالب بها السيد بيدرسون في كلمته أمام مجلس الأمن قال: “في موضوع العقوبات، الموضوع الأساسي هو العقوبات الأمريكية. هناك عقوبات ثانوية مفروضة على سوريا لكن الأساس أن هناك اتصالات بين الإدارتين الأمريكية والسورية حول موضوع العقوبات وآمل أن تؤدي إلى نوع من الانفراج لأن هذا الموضوع مهم وحيوي بالنسبة لسوريا”.

وقال بيدرسون ردا على سؤال آخر لـ”القدس العربي” حول الاجتماعات التي تجري في أذربيجان مع إسرائيل وهل لديه أي معلومات حول موضوع تلك المحادثات، قال: “سؤالك هذا محاولة جيدة، لكن يجب أن توجه السؤال للسلطات الأذربيجانية والتركية، وليس من اختصاصي أن أدخل في هذا الموضوع”.

وحول ما جاء على لسان المندوبة الأمريكية من أن بعض أعضاء الحكومة الانتقالية الحالية غير مؤهلين وقد تمنت المندوبة أن تشمل الحكومة الجديدة أشخاصا أكثر أهلية قال بيدرسون: “هذه الحكومة أفضل من التشكيلة السابقة، لقد كانت التشكيلة الأولى ذات لون واحد، هذه الحكومة ليست لونا واحدا، وثمثل أكثر أطياف الشعب السوري ولكننا نتمنى أن تكون أكثر شمولية، وكذلك نتمنى أن يكون هناك برلمان شامل يعكس كل الأطياف السورية”.

وحول سؤال يتردد هذه الأيام حول نقل الفلسطينيين إلى سوريا قال المبعوث الخاص للأمين العام إن مثل هذه الأخبار الكاذبة لا تستحق الرد بل إنها إشاعات غبية تتناولها وسائل التواصل الاجتماعي.

وحول التحقيقات التي تجري في أحداث الساحل السوري في أوائل شهر آذار/ مارس الماضي والتي ذهب ضحيتها المئات قال بيدرسون إنه اجتمع مع الرئيس الشرع مرتين حول هذا الموضوع وأبدى استعداد الأمم المتحدة التام لتقديم أي نوع من المساعدة قد يحتاجونها أثناء عملية التحقيق، “حاليا نرى أن عملية التحقيق تسير بشكل جيد ونأمل أن نرى النتائج بعد عدة شهور. المهم أن تلتزم عملية التحقيق بالمعايير الدولية، ونحن جاهزون لتقديم أي مساعدة”.

القدس العربي

——————————-

تركيا وروسيا تطالبان برفع العقوبات على سوريا وتدعمان إدارتها

عقدتا اجتماعاً تشاورياً حول التطورات في منطقة الشرق الأوسط

    أنقرة: سعيد عبد الرازق

26 أبريل 2025 م

أكدت تركيا وروسيا ضرورة رفع العقوبات المفروضة على سوريا، وجدّدتا تمسكهما بوحدتها ودعم إدارتها الجديدة لتحقيق الاستقرار، واتفقتا بشأن ضرورة وقف الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية.

وأكد نائب وزير الخارجية التركي ضرورة رفع العقوبات المفروضة على سوريا؛ لأن هذه هي الطريقة الأكثر فاعلية وجدوى لدعم الحكومة السورية سياسياً ومالياً، مشدداً على ضرورة وقف الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية.

وعقد الجانبان: التركي، برئاسة يلماظ، والروسي برئاسة نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، جولة مشاورات جديدة، في إسطنبول، حول التطورات في سوريا، والوضع الأمني في الشرق الأوسط، وطرق تحقيق الاستقرار وإرساء السلام في المنطقة، إلى جانب بحث تطورات الحرب الروسية – الأوكرانية.

وأكد الجانبان، خلال المشاورات التي عقدت، مساء الجمعة، دعمهما الإدارة السورية الجديدة، سياسياً واقتصادياً، من أجل تحقيق الاستقرار في البلاد، وأكدا ضرورة وقف الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية.

وشدد نائب وزير الخارجية التركي نوح يلماظ، خلال الاجتماع، على أن أولوية بلاده في سوريا تتمثل في ضمان الاستقرار والأمن عبر الحفاظ على وحدة وسلامة أراضيها، وأن بلاده تتابع عن كثب مجريات التطورات في سوريا، انطلاقاً من حرصها على حماية أمنها القومي.

واتفق الجانبان على أهمية التصدي للتنظيمات الإرهابية، ودعم الإدارة السورية في مواجهتها.

وجاء الاجتماع التركي – الروسي بعد أيام من تصريحات للرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، بأن هناك مفاوضات حالياً مع تركيا وروسيا بشأن وجودهما العسكري في سوريا، وتلميحه إلى إمكانية تقديمهما دعماً عسكرياً لحكومته.

وقال الشرع إن روسيا زودت الجيش السوري بالأسلحة لعقود، وإنها قدمت الدعم الفني لمحطات الطاقة السورية، ما يعني أن سوريا قد تحتاج إلى روسيا في المستقبل.

وبالنسبة لتركيا، يجري الحديث عن اتفاق عسكري مع الإدارة السورية يمكن أن يساعد في توسيع نفوذها بالقرب من حدود إسرائيل، وتقليص المسلحين الأكراد في شمال البلاد، وإبقاء إيران تحت السيطرة.

وطالب الشرع، في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» الولايات المتحدة برفع العقوبات المفروضة على بلاده، بشكل دائم.

ومنذ تولي الشرع السلطة، خففت أوروبا والولايات المتحدة مؤقتاً بعض العقوبات الصارمة التي فرضت منذ عام 2014 على نظام بشار الأسد. لكن الشرع أكد أن هناك حاجة إلى تخفيف أكبر بكثير حتى يتمكن من إعادة بناء اقتصاد البلاد المنهار.

وأوضح الشرع أن العقوبات يجب أن تُرفع؛ لأنها فُرضت «رداً على الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد بحق الشعب، وهذا النظام لم يعد يتولى السلطة، والعقوبات تعوق حكومته وقدرتها على إعادة بناء اقتصادها».

والشهر الماضي، حدد مسؤولون أميركيون 8 مطالب لرفع العقوبات؛ منها تدمير مخازن الأسلحة الكيماوية، والتعاون في جهود مكافحة الإرهاب، وقال الشرع إن بعض الشروط الأميركية «بحاجة إلى مناقشة أو تعديل»، دون مزيد من التفاصيل.

في السياق ذاته، دعا مندوب تركيا الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير أحمد يلدز، إلى رفع العقوبات عن سوريا، وتقديم الدعم الدولي لإعادة الإعمار من أجل إنجاح عملية الانتقال السياسي.

وقال يلدز، في كلمة خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي بشأن سوريا ليل الجمعة – السبت، شارك فيها وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، إن الحكومة السورية حققت تقدماً كبيراً منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد، وإن هذه التطورات تشكل بداية لعملية انتقالية يتبناها السوريون.

وأكد يلدز ضرورة رفع العقوبات المفروضة على سوريا فوراً، وأن تكون إعادة بناء البنية التحتية، وتوفير الخدمات العامة، وتحسين ظروف المعيشة، «أولوية مشتركة».

ولفت إلى أن تركيا وجهت نداء واضحاً إلى المجتمع الدولي بضرورة تقديم دعم فعال لعملية إعادة إعمار سوريا.

وذكر يلدز أن هذه الاعتداءات الإسرائيلية تنتهك سيادة سوريا، وتشكل تهديداً خطيراً للأمن والسلام الإقليميين، وتقوض الاستقرار الداخلي، وتضر بالقدرة على محاربة تنظيم «داعش» الإرهابي.

وأكد أن تركيا تدين هذه الهجمات بشكل لا لبس فيه، وتدعو مجلس الأمن إلى اتخاذ إجراءات فورية وحاسمة لمنع المزيد من التصعيد، وستظل ملتزمة – بقوة – بدعم الشعب السوري في التغلب على تحديات هذا الفصل الجديد.

—————————–

من الشرع إلى الشرع.. هل يُزهر خريف التطبيع السوري مع إسرائيل؟/ رامي الأمين

25 أبريل 2025

مع أن الخريف يحمل أحيانا مسحة من الكآبة، كان بالإمكان ملاحظة ابتسامات خفيفة على وجوه الرجال الثلاثة في الصور المؤرخة في الثالث من يناير من العام ٢٠٠٠.

تجمع الصور فاروق الشرع وزير الخارجية السوري آنذاك في عهد حافظ الأسد، ورئيس وزراء إسرائيل إيهود باراك، يتوسطهما الرئيس الأميركي بيل كلينتون.

يسير الثلاثة على ما يبدو أنه جسر حديدي في غابة مليئة بالأشجار التي تتخلى للخريف عن آخر أوراقها اليابسة في ولاية ويست فرجينيا الأميركية. كان كلينتون يحاول أن يعبر بالطرفين من ضفة إلى أخرى، من الحرب المستمرة منذ عقود، إلى سلام أراده أن يكون “عادلاً وشاملاً”.

التطبيع بين سوريا وإسرائيل

كانت تلك الورقة الأخيرة المترنحة في شجرة مفاوضات طويلة ومتقطّعة بين إسرائيل وسوريا، استمرت طوال فترة التسعينيات في مناسبات مختلفة. لكن خريف العلاقات بين الطرفين كان قد حلّ، وسقطت الورقة، وتباطأت في سقوطها “الحر” حتى ارتطمت بالأرض.

كان ذلك آخر لقاء علني مباشر بين مسؤولين سوريين ومسؤولين إسرائيليين على هذا المستوى. لم تفض المفاوضات إلى شيء، وتعرقلت أكثر فأكثر احتمالاتها في السنوات اللاحقة بعد وراثة بشار الأسد رئاسة سوريا عن أبيه الذي توفي في حزيران من العام ٢٠٠٠.

وفشلت جميع المبادرات الأميركية والتركية بين الأعوام ٢٠٠٠ و٢٠١١ لإعادة الجانبين إلى طاولة المفاوضات المباشرة، مع حدوث بعض المحادثات غير المباشرة في إسطنبول في العام ٢٠٠٨، وكان بشار الأسد يجنح شيئاً فشيئا إلى الارتماء تماماً في الحضن الإيراني.

كان الربيع العربي في العام ٢٠١١ أقسى على بشار الأسد من خريف المفاوضات التي خاضها والده في خريف عمره. وإذا كان موت حافظ الأسد شكّل ضربة قاسمة لاحتمالات التسوية السورية- الإسرائيلية، فإن الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر من العام ٢٠٢٤، أعادت على ما يبدو عقارب الزمن ٢٤ عاماً إلى الوراء، لكن هذه المرة مع شرع آخر هو أحمد الشرع.

ومع أن الرئيس السوري، المتحدر من هضبة الجولان، قد يبدو لوهلة أكثر تشدداً من الأسد، إلا أن الرجل يبدو أنه يخطو بخطوات سريعة نحو تسوية مع إسرائيل تكون استكمالاً لاتفاقيات أبراهام التي عقدتها إسرائيل برعاية أميركية مع دول خليجية.

الرئيس السوري قال بشكل صريح للنائب الجمهوري في الكونغرس الأميركي، مارلين ستوتزمان، إنه مستعد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، شريطة الحفاظ على وحدة وسيادة سوريا.

وقال ستوتزمان في مقابلة حصرية مع صحيفة “جيروزاليم بوست”، إن الشرع أعرب عن انفتاحه على الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، مما قد يعزز مكانة سوريا مع إسرائيل ودول الشرق الأوسط والولايات المتحدة، مشدداً على ضرورة وقف الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية ومعالجة قضايا مثل التوغل الإسرائيلي بالقرب من مرتفعات الجولان.

لم يتلق السوريون تصريحات الشرع بصدمة او استغراب. بل على العكس فإن تصريحات الشرع، كما يقول المحلل السياسي مصطفى المقداد، لم تكن مفاجئة للشارع السوري، “فهو منذ وصوله إلى الحكم قام بإرسال إشارات إلى أنه يرغب بأحسن العلاقات مع جميع جيران سوريا، وقد أبدى استعداده للتنازل عن أمور كثيرة، بهدف تأمين استقرار سوريا ووحدتها”.

وينقل مراسل موقع “الحرة” في دمشق حنا هوشان أجواءً عن أن السوريين بمعظمهم، يرغبون بالسلام وتعبوا من الحروب، ولن يمانعوا عودة المفاوضات تحت قيادة الشرع لسوريا.

المقداد رأى في حديث مع “الحرة” أن الجديد والمهم في تصريحات الشرع المنقولة عنه، أنها تصدر بعد تشكيل الحكومة السورية وفي وقت يرفع وزير خارجيته، أسعد الشيباني، علم سوريا في الأمم المتحدة. ويرى المقداد أن المشكلة لا تكمن في الجانب السوري ولا في شخص الشرع، بل “تكمن في الجانب المقابل الذي لا يبدي رغبة حقيقية في قبول هذه المبادرات”.

والجمعة، قال الشيباني في الأمم المتحدة خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي إن “سوريا لن تشكل تهديدا لأي من دول المنطقة، بما فيها إسرائيل”.

تصريحات الشرع قد يكون لها الأثر الأبرز في الأيام المقبلة على النقاشات بين دروز سوريا على الحدود مع هضبة الجولان، المنقسمين حول العلاقة مع إسرائيل وحول العلاقة بحكومة الشرع، مع ما يحمله ذلك من مخاوف يعبّر عنها رموز الطائفة، تارة من الاندماج مع حكومة الشرع، وطوراً بالانفصال والانضمام إلى إسرائيل.

وتأتي تصريحات الشرع حول التطبيع لتفتح الباب لخيار ثالث درزي، قد يبدد المخاوف، لكن ليس هناك ما يضمن ألا يعزّزها.

بين ديسمبر من العام ٢٠٠٠، وأبريل من العام ٢٠٢٥، يقع ربع قرن، توقفت فيه عجلة المفاوضات السورية الإسرائيلية المباشرة. وبين الشرعين -فاروق الشرع وأحمد الشرع- تحمل التطورات احتمالات إنعاش المفاوضات وعودتها إلى الطاولة مع تبدلات جذرية في الظروف وفي اللاعبين. فهل “تزهر” المفاوضات في ربيع العام ٢٠٢٥، بعد أن يبست ورقتها وتساقطت في خريف العام ٢٠٠٠؟

رامي الأمين

الحرة

—————————————

في ظل الشروط الأميركية.. هل تفرض إسرائيل “سلام الخاسر” على سوريا؟/ محمد سليمان

26 أبريل 2025

تزداد وتيرة النقاش حول شكل العلاقة المستقبلية بين سوريا وإسرائيل، لا سيما في ظل التصريحات التي أدلى بها عضو الكونغرس الأميركي، كوري ميلز، إثر زيارته إلى دمشق، وكذلك تصريحات الرئيس السوري، أحمد الشرع، في حديثه لصحيفة “نيويورك تايمز”.

وفتحت هذه التصريحات الباب واسعًا أمام التحليل والتأويل، خاصةً مع ارتباطها بالسياق الإقليمي والدولي، وبالمطالب الأميركية وشروط التطبيع. وفي هذا السياق، نقدّم ثلاث مقاربات لثلاثة متحدثين من خلفيات مختلفة: الناشط الحقوقي رامي عزيزة، والناشط السياسي سميح سمرة، والمحلل السياسي بسام السليمان.

فشل الضم وتثبيت الفوضى

الناشط الحقوقي رامي عزيزة أكد أن إسرائيل، على الأرجح، غير مهتمة بضم الأراضي السورية التي تحتلها بشكل رسمي إلى كيانها، باستثناء منطقة القنيطرة. ويُرجع ذلك إلى عجز إسرائيل الديموغرافي عن إشغال هذه المناطق بالسكان، موضحًا أن ضمها دون إجراء تغييرات ديموغرافية أمر غير متوقع، لأن إسرائيل لا ترغب في تحميل جيشها أعباءً أمنية إضافية.

ويتابع عزيزة حديثه قائلًا إن إسرائيل، من وجهة نظره، لا تسعى حاليًا إلى توسيع رقعتها الجغرافية على حساب الأراضي السورية، بل تركّز أولًا على ضم كامل فلسطين التاريخية، وتصفية الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة. ويرى أن الهدف الإسرائيلي في سوريا هو خلق دولة فاشلة وضعيفة، لا تجد أمامها خيارًا سوى التطبيع الأمني كسبيل وحيد لبقاء السلطة وحل أزماتها المعيشية والاقتصادية المتفاقمة.

ويشير عزيزة إلى أن هذا النوع من “السلام”، الذي يسميه بـ “سلام الخاسر”، يشكّل خطرًا كبيرًا على سيادة سوريا ووحدتها، لأنه يجعل من إسرائيل صاحبة القرار في استقرار سوريا أو زعزعة أمنها مستقبلًا. كما يوضح أن إسرائيل لا تكترث بتطبيع العلاقة بين الشعوب أو تحسين صورتها في وعي السوريين، بل تسعى إلى تطبيع أمني يضمن حدودها وسلامة مستوطناتها من أي تهديد مقاوم في المستقبل.

ويختم عزيزة بالقول إن الخطر الأكبر يكمن في أن تتحول الدولة السورية، كما حدث في بعض الدول المجاورة، إلى حارسة لأمن إسرائيل، ما يضعف شرعية أي إدارة سورية مستقبلية أمام شعبها الرافض للتطبيع، ويجعلها تعتمد على شرعية خارجية مفروضة تخدم مصالح قوى كبرى لا تعنيها مصلحة سوريا.

بدوره، يقول الناشط السياسي سميح سمرة لـ”الترا سوريا” إن توقيع اتفاق سلام بين سوريا والاحتلال الإسرائيلي يُعد مسألة قانونية وغير قانونية في آن معًا. ويوضح أن الحكومات الانتقالية، بحسب الأعراف، لا تقوم بإبرام معاهدات سلام، بل تقتصر مهامها على تهيئة الأرضية القانونية والدستورية والشعبية للانتقال إلى دولة دائمة ومتماسكة، دون التورط في تعقيدات الاتفاقات الدولية.

لكنه يشير في الوقت ذاته إلى أن الإعلان الدستوري الصادر منتصف آذار الماضي منح رئيس الجمهورية، في المادة 37، صلاحية تمثيل الدولة وتولي التوقيع النهائي على الاتفاقات مع الدول والمنظمات الدولية. ومن هنا، يرى سمرة أن مسألة توقيع اتفاق سلام مع الاحتلال الإسرائيلي تظل مفتوحة على التأويل، لأن النص لم يُجز صراحةً إبرام اتفاقات سلام، لكنه لم يستثنها أيضًا، إذ إن اتفاقات السلام تندرج ضمن الاتفاقات الدولية التي يملك الرئيس صلاحية توقيعها.

رسائل مزدوجة في تصريحات الشرع

وحول التصريحات الأخيرة للرئيس أحمد الشرع في صحيفة “نيويورك تايمز”، يؤكد سمرة أنها تنطوي على رسائل مزدوجة. ويشرح أن المسار الأول لفهمها يتمثل في كونها ورقة ضغط على الإدارة الأميركية لتعديل شروطها تجاه دمشق، خاصة عبر التلويح باستمرار التزود بالسلاح الروسي، والتحذير من بقاء الفوضى في سوريا، وخاصة أن هذا الأمر تسعى إسرائيل إلى ترسيخه، كما يشير إلى أن التلميح بعدم السماح لأي وجود أجنبي في سوريا بإلحاق الأذى بدول الجوار، يعكس محاولة لطمأنة الأطراف الإقليمية، خصوصًا في ظل التجاذب الحاصل بين أنقرة وتل أبيب.

أما المسار الثاني، كما يتحدث سمرة، فيكشف عن استعداد دمشق لتقديم ما يلزم من أجل الحفاظ على الهدوء الأمني في الإقليم، بما في ذلك أمن إسرائيل من أي تهديد ينطلق من الأراضي السورية. ويربط سمرة ذلك بتصريحات سابقة للرئيس الشرع التي أكد فيها أن دمشق لن تشكل تهديدًا لأحد. كما يستشهد بما أعلنه عضو الكونغرس الأميركي كوري ميلز خلال زيارته لدمشق، حين قال إن الرئيس الشرع أبدى انفتاحًا على تحسين العلاقات مع إسرائيل والدخول في حوار معها.

ويختصر سمرة هذه المقاربة بأن الرئيس الشرع يحاول تمرير ضمانات أمنية لواشنطن وتحالفها، مقابل الحصول على تعديل في شروطهم، لاسيما في ملفي العقوبات والمقاتلين الأجانب.

وعن شكل العلاقة المتوقعة بين سوريا وإسرائيل، في حال تم توقيع اتفاق مستقبلًا، يتحدث سمرة عن نموذج شبيه بالنمط المصري بعد اتفاقية كامب ديفيد، أي سلام وتطبيع دائمين، وليس حالة مؤقتة كما في اتفاق فصل القوات عام 1974. لكنه يُحذر من أن الواقع السوري الداخلي بعد سنوات الحرب والثورة على نظام الأسد لا يمنح دمشق حاليًا موقع قوة تفاوضي، ما سيجعل الاحتلال قادرًا على فرض شروط قاسية، ليس فقط في المجال الأمني، كإقامة نقاط إنذار مبكر أو الحد من الوجود العسكري السوري جنوبًا، بل أيضًا في المجال الاقتصادي.

ويؤكد سمرة أن دروس تجربتي مصر والأردن مع الاحتلال توضح حجم الضرر الاقتصادي الذي لحق بالبلدين من خلال اتفاقيات اقتصادية غير متكافئة، لم تنعكس على الداخل بأي انتعاشة حقيقية، وهو ما يُخشى أن يتكرر في الحالة السورية.

الجولان خارج المعادلة؟

وفيما يتعلق بقضية الأراضي السورية المحتلة، يلفت سمرة إلى أن الكيان الإسرائيلي يصرح بوضوح أن الجولان بات جزءًا من كيانه بشكل دائم، وهو ما يجعل إمكانية التفاوض على هذه الأراضي أمرًا معقدًا للغاية. ويستدرك قائلًا إن ما يمكن التفاوض عليه فعليًا يتعلق ببعض النقاط التي احتلتها إسرائيل بعد انهيار سلطة الأسد، والتي قد تتخلى عنها لاحقًا مقابل ضمانات أمنية ترتبط بشكل الوجود العسكري السوري في الجنوب، من حيث العدد والتوزيع والتسليح.

وفي سياق متصل يرى المحلل السياسي بسام السليمان أن التصريحات الأخيرة للرئيس أحمد الشرع التي نُشرت في صحيفة “نيويورك تايمز” موجّهة بشكل رئيسي إلى الجمهور الأميركي، ومن خلاله إلى صناع القرار في الغرب، لكونها صادرة عن منبر أميركي مؤثر.

ويؤكد السليمان أن القرار السوري في ما يتعلق بعلاقة محتملة مع الكيان الصهيوني، مرتبط بالمسار الإقليمي الأوسع. ويشير إلى أن سوريا لن تخرج عن إطار الإجماع العربي، وخاصة عن التفاهمات الإقليمية التي ترسمها الرياض والدوحة في المرحلة المقبلة.

ويتحدث السليمان عن الأراضي السورية المحتلة، فيرى أنه من غير المرجح أن تستعيد سوريا هذه الأراضي بسهولة، معتبرًا أن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم بعض المناطق كورقة تفاوض مستقبلية، في حين يسعى إلى البقاء في مناطق أخرى لتعزيز ما يسميه “الحزام الأمني” حول حدوده.

بين قراءة قانونية متأنية، وتحليل سياسي يستند إلى الواقع الإقليمي والدولي، تتقاطع وجهات النظر حول أن شكل العلاقة السورية مع إسرائيل لن يكون إلا نتيجة موازين قوى تفرض شروطها، ويبقى السؤال مفتوحًا: هل السلام السوري المحتمل سيكون ضرورة وطنية، أم ثمنًا يُطلب دفعه مقابل البقاء؟

الترا سوريا

———————————-

دمشق تطلب “تفاهمات متبادلة” مع واشنطن رداً على المطالب الأميركية/ محمد أمين

27 ابريل 2025

تعهدت الحكومة السورية بتنفيذ أغلب المطالب الأميركية لـ”بناء الثقة”، ورفع العقوبات المفروضة على البلاد، في تماشٍ مع النهج الذي أعلنته دمشق مراراً منذ تسلّم الإدارة الجديدة مقاليد الأمور في البلاد، بعد إسقاط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

ردّ سوري على المطالب الأميركية

وكشفت وكالة رويترز عن رد مكتوب من سورية على قائمة المطالب الأميركية لرفع جزئي محتمل للعقوبات، قائلة إنها طبّقت معظم الشروط والمطالب، لكن البعض الآخر يتطلب “تفاهمات متبادلة” مع واشنطن. ووفق “رويترز”، سلّمت الولايات المتحدة سورية، في مارس/آذار الماضي، قائمة بثمانية شروط تريد من دمشق الوفاء بها، منها تدمير أي مخزونات متبقية من الأسلحة الكيميائية، وضمان عدم منح أجانب مناصب قيادية في الحكم. وذكرت الوكالة أن المسؤولة الأميركية الكبيرة ناتاشا فرانشيسكي، سلّمت قائمة الشروط لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في لقاء جمعهما على هامش مؤتمر المانحين لسورية في بروكسل في 18 مارس الماضي.

وفي الوثيقة المكونة من أربع صفحات، وفق “رويترز”، تتعهد سورية بإنشاء مكتب اتصال في وزارة الخارجية مهمته البحث عن الصحافي الأميركي المفقود أوستن تايس، وتورد بالتفصيل إجراءاتها للتعامل مع مخزونات الأسلحة الكيميائية، ومنها تعزيز روابط الاتصال مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. لكن الرسالة لم تورد الكثير من التفاصيل عن مطالب رئيسية أخرى، مثل إبعاد المقاتلين الأجانب ومنح الولايات المتحدة الإذن بشن ضربات لمكافحة الإرهاب. وجاء في الرسالة أن المسؤولين السوريين ناقشوا مسألة المقاتلين الأجانب مع المبعوث الأميركي السابق دانيال روبنستاين، لكن المسألة “تتطلب جلسة مشاورات أوسع”. وذكرت الرسالة أن ما يمكن تأكيده في الوقت الحالي، أن إصدار الرتب العسكرية عُلِّق بعد الإعلان في وقت سابق ترقية ستة أفراد، في إشارة واضحة إلى تعيين مقاتلين أجانب في ديسمبر الماضي في مناصب بالقوات المسلحة السورية. وحول طلب الولايات المتحدة التنسيق في مسائل مكافحة الإرهاب والقدرة على تنفيذ ضربات على أهداف إرهابية، قالت الرسالة إن “الأمر يتطلب تفاهمات متبادلة”. وشملت الرسالة تعهداً بأن الحكومة السورية الجديدة لن تتسامح مع أي تهديدات للمصالح الأميركية أو الغربية في البلاد، وتعهداً باتخاذ “الإجراءات القانونية المناسبة”.

وفي ما يتعلق بالمسلحين الفلسطينيين في سورية، قالت الرسالة إن الرئيس أحمد الشرع شكّل لجنة “لمراقبة أنشطة الفصائل الفلسطينية”، وإنه لن يُسمح بوجود فصائل مسلحة خارج سيطرة الدولة. وذكرت الرسالة أنه “فيما يمكن أن تستمر المناقشات حول هذه المسألة، فإن الموقف العام هو أننا لن نسمح بأن تصبح سورية مصدر تهديد لأي طرف، بما في ذلك إسرائيل”. وأقرّت الرسالة بوجود “تواصل مستمر” بين سلطات مكافحة الإرهاب السورية وممثلي الولايات المتحدة في عمّان بشأن مكافحة تنظيم داعش، وقالت إن سورية تميل إلى توسيع هذا التعاون.

وترى دمشق أن غالبية المطالب الأميركية مطبّقة بالفعل، إلا أنها تعلن تحفظها على مطالب تتطلب “تفاهمات متبادلة”، خصوصاً أنها تعد مساساً مباشراً بالسيادة السورية، ولا سيما لجهة السماح للولايات المتحدة باستهداف شخصيات على الأراضي السورية ترى واشنطن أنها تشكل تهديداً لأمنها. كذلك وضعت الإدارة السورية الجديدة حداً لكل المنظمات الفلسطينية التي كانت تنشط إبّان نظام الأسد، فاعتقلت بالفعل قبل أيام قياديين في حركة الجهاد الإسلامي بتهمة التخابر مع إيران.

ملفان معقّدان

في كلمة له أمام مجلس الأمن أول من أمس الجمعة، أكد الشيباني أن سورية تُحارب تنظيم داعش وتتعاون بشكل بنّاء مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التابعة للأمم المتحدة، وتعمل على توحيد الفصائل العسكرية والحفاظ على مؤسسات الدولة وتتخذ خطوات نحو الإصلاح الدستوري. كذلك أعلن وضع “خطوات جادة لتشكيل برلمان وطني يمثل الشعب السوري”. وأضاف أن سورية ستشكل هيئة للمفقودين، وأنها مستعدة للتنسيق مع الولايات المتحدة للبحث عن الأميركيين المفقودين في سورية.

ولا تعترف الولايات المتحدة بالإدارة الجديدة في دمشق بوصفها الحكومة السورية بحسب وزارة الخارجية الأميركية التي أكدت أن “أي تطبيع للعلاقات في المستقبل سيحدَّد بناءً على الإجراءات التي تتخذها السلطات المؤقتة”. وتبدو الإدارة السورية حريصة على تلبية كل المطالب الأميركية لرفع العقوبات عن سورية، فهو أحد المفاتيح الرئيسية للتعافي الاقتصادي الكفيل بترسيخ السلم الأهلي في البلاد المنهكة على المستويات كافة.

وأوضح الباحث السياسي رضوان زيادة، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “دمشق لم تتوصل إلى تفاهمات مع واشنطن حيال موضوع المقاتلين الأجانب”، مستدركاً بالقول: “الجانب السوري أكد أن عملية الترفيع العسكري لقادة أجانب في الجيش السوري الجديد توقفت، وأن هناك حاجة لاستكمال التشاور في دور هؤلاء المقاتلين”. وحول المطلب الأميركي بحرية استهداف أي شخصية يمكن أن تشكل خطراً محتملاً، أوضح زيادة أن الحكومة السورية ترى أن الأمر “يحتاج إلى مشاورات رسمية مع الحكومة الأميركية”، مضيفاً: “دمشق واضحة لجهة عدم التسامح مع أي وجود يهدد المصالح الغربية والأميركية”.

وكانت الإدارة السورية الجديدة قد منحت بعد أيام من سقوط نظام الأسد، رتباً عسكرية كبيرة لعدد من المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا نظام الأسد إلى جانب فصائل سورية، أو في صفوفها، وهو ما أدى إلى إثارة جدل ولغط داخل سورية وخارجها، خصوصاً أن هؤلاء المقاتلين لا يحملون أساساً الجنسية السورية بشكل قانوني. وألمحت الإدارة أكثر من مرة إلى نيّتها منح المقاتلين الأجانب الجنسية، ولا سيما أن البعض منهم قضى أكثر من عشر سنوات في البلاد. ولكن هذا الملف يشكل مصدر قلق واسع للغرب الذي يؤكد أن الدعم الدولي للإدارة الجديدة قد يتبخر ما لم تُتخذ إجراءات حاسمة حياله.

وفي السياق، رأى المحلل السياسي أحمد القربي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن لدى الولايات المتحدة ملفين أمنيين لهما أبعد الأثر في طريقة التعاطي مع الإدارة السورية الجديدة، وهما: الملف الكيميائي، وهو متعلق أساساً بالجانب الإسرائيلي، والثاني ملف المقاتلين الأجانب في سورية. وبالنسبة إلى الملف الأول، أعرب القربي عن اعتقاده بأنه لا توجد مشاكل حياله، خصوصاً أن الحكومة السورية منفتحة إلى حد بعيد لطيّه بشكل واضح، وهي أعلنت التزامها كل المعاهدات الدولية الخاصة بهذا الملف. ورأى أن القضية الخلافية الأبرز بين الطرفين هي “المقاتلون الأجانب”، فـ”الحكومة السورية ترى أن الملف يحتاج إلى وقت وصبر وحذر من أجل المحافظة على السلم الأهلي والاستقرار في البلاد، بينما تريد الإدارة الأميركية تحييد المقاتلين الأجانب عن المناصب القيادية في المؤسسة العسكرية، مع منح واشنطن حرّية التعامل معهم واستهدافهم”. وبرأيه، فإن المطالب الأميركية من دمشق “تمسّ السيادة بشكل واضح وسافر”، مضيفاً أن “الولايات المتحدة، كما يبدو، تريد تطبيق الاستراتيجية التي كانت تطبّقها في شمال غرب سورية قبل سقوط نظام الأسد (في 8 ديسمبر الماضي)، خصوصاً استهداف أي شخص ترى أنه يشكّل خطراً، ولكن الحكومة السورية الحالية ترفض هذا المبدأ، وتطالب بتفاهمات تتضمن تنسيقاً مشتركاً”.

من جهته، أعرب السفير السوري السابق في السويد، بسام العمادي، في تصريح لـ”العربي الجديد”، عن اعتقاده بأن “من الأفضل أن تكون التفاهمات التي ستحصل بين دمشق وواشنطن غير معلنة، لتجنّب ردود فعل غير مرغوب فيها، خصوصاً ما يتعلق بالسيادة والمتعلقة بالأجانب”.

———————————–

معضلة وزارة الدفاع/ عبسي سميسم

27 ابريل 2025

لا تزال مهمة إعادة هيكلة وزارة الدفاع من أصعب التحديات التي تواجه الحكومة السورية الحالية، وذلك بسبب مجموعة من التعقيدات التي يرتبط جزء منها بطبيعة العناصر البشرية التي ستشكّل هذه الوزارة، بالإضافة إلى أسباب خارجية تتعلق بمتطلبات وشروط بعض الدول الكبرى والدول الإقليمية حول تشكيلة وهيكلية تلك الوزارة التي لا تزال حتى الآن غير واضحة المعالم، رغم تأسيس بعض الإدارات التي تتبع لها. تضاف إلى ذلك تحديات أخرى تتعلق بدور وزارة الدفاع في مواجهة التحديات الداخلية، والتي يأتي في مقدمتها تحدي مواجهة فلول النظام المخلوع.

على مستوى طبيعة مكونات هذه الوزارة، يبرز التحدي الأكبر في التوفيق بين فصائل قسم منها كانت في الأمس القريب متناحرة فيما بينها، سواء على مستوى الصراعات البينية بين فصائل الشمال أو على مستوى الصراع بين فصائل الشمال و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي من المفترض أن تُدمج جميعاً ضمن وزارة الدفاع، والتي يسعى كل قائد فصيل فيها للحصول على دور ضمن هذه الوزارة. إلا أن التحدي الأكبر في موضوع المكون البشري للوزارة يكمن في مدى القدرة على صهر الفصائل التي ستشكل الوزارة ضمن جسم مؤسساتي يضمن ولاء عناصرها للدولة السورية والتزامهم بالتعليمات وفق التراتبية المؤسسية للوزارة، وليس لقائد الفصيل، وذلك كي لا يتحوّل الجيش السوري إلى مجموعة من الفصائل تحت غطاء وزارة الدفاع، على غرار تجربة “الجيش الوطني” السيئة. كذلك يبرز تحدي ضم قادة فصائل تعتبر نفسها شريكة في تحرير سورية، فيما تُتهم بارتكاب تجاوزات بحق المدنيين في المناطق التي كانت تسيطر عليها، بالإضافة إلى ارتكابها تجاوزات لاحقاً خلال أحداث الساحل السوري. وكذلك يبرز تحدي إشراك الضباط المنشقين عن النظام في تركيبة الوزارة والذين هُمّشوا خلال الفترة السابقة على حساب إعطاء دور لقادة الفصائل من الذين لا يمتلكون خلفيات عسكرية أكاديمية.

وتواجه الحكومة السورية تحدي إرضاء الجهات الدولية في تشكيلة وزارة الدفاع وخاصة تحقيق المطالب التي وضعتها الولايات المتحدة لرفع العقوبات عن سورية، وهي عدم إدخال عناصر أجنبية ضمن تشكيلة الوزارة، وهو تحدٍ ربما ينذر بخلافات داخل الكتلة الصلبة لـ”هيئة تحرير الشام” رغم حلها. كذلك تواجه الحكومة السورية تحدي إرضاء بعض الدول، وخاصة تركيا، بزجّ بعض العناصر المحسوبة عليها ضمن تشكيلة الوزارة واستبعاد عناصر غير مرضي عنهم. يضاف إلى جملة التحديات تحدٍ أساسي يتعلق بدور ومهمة الجيش السوري وعقيدته وتسليحه، الأمر الذي يتعلق أيضاً بتوافقات دولية، وهل سيقتصر دور الجيش على حماية الحدود، أم سيتعداه إلى أدوار في الداخل السوري، خصوصاً بعد التدخّل غير الموفق الذي قام به في مواجهة فلول النظام الذي أدّى إلى انتهاكات بحق المدنيين.

العربي الجديد

———————————-

مسؤولة أميركية سابقة: الشرع تعهد بألا تشكل سوريا تهديداً لإسرائيل

2025.04.26

قالت باربرا ليف، المساعدة السابقة لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، إن الرئيس السوري أحمد الشرع تعهّد بأن بلادَه “لن تشكل تهديداً لإسرائيل”.

وأضافت المسؤولة الأميركية السابقة، في مقابلة مع القناة 12 الإسرائيلية، السبت، أن الرئيس السوري أبدى تفهماً كبيراً للمخاوف الإسرائيلية.

وأوضحت ليف أن الشرع أكد خلال لقاء جمعه بها أنه “لن يسمح لأي جهة أو دولة باستخدام الأراضي السورية لتهديد إسرائيل”.

وتابعت أن الشرع يريد علاقات جيدة مع جميع الأطراف الإقليمية، معتبرةً أن هناك أملاً في فتح “فصل جديد” بين سوريا وإسرائيل في ظل قيادته للمرحلة الانتقالية.

وختمت ليف حديثها بالإشارة إلى أن الشرع كان يثير إعجاب المسؤولين الأميركيين السابقين ببراغماتيته ومصداقيته، مضيفةً: “الزمن وحده كفيل بكشف ما إذا كان قد غيّر بالفعل نهجه السياسي”.

الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا

تصاعدت اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على سوريا بشكل كبير عقب سقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول الماضي، حيث شنّت قواته مئات الغارات على المواقع العسكرية التابعة للجيش السوري بهدف تدميرها ومنع إعادة تأهيل بنيتها التحتية.

وتزامنت تلك الهجمات مع عمليات توغل برّي في أرياف دمشق والقنيطرة ودرعا، حيث سيطرت قوات الاحتلال على المنطقة العازلة، ثم انتقلت لتنفيذ عمليات مداهمة في المناطق الحدودية.

وخلال الأيام الماضية، باتت عمليات جيش الاحتلال تأخذ منحى جديداً، إذ لم تعد تقتصر على استهداف المواقع العسكرية، بل بدأت تطول المدنيين أيضاً. ففي 17 من آذار الماضي، قُتل أربعة مدنيين بقصف على درعا، كما قُتل ستة آخرون قبل ذلك بأيام من جرّاء قصف على بلدة كويا في منطقة حوض اليرموك.

ويزعم الاحتلال الإسرائيلي أن هذه العمليات لا تهدف إلى غزو سوريا أو السيطرة على أراضيها، بل تهدف إلى إزالة “التهديدات” من على حدوده الشمالية ومنع “حزب الله” من الحصول على أسلحة جديدة من إيران. ويؤكد مراقبون أن سقوط نظام الأسد غيّر الواقع على الأرض، خصوصاً فيما يتعلق بوجود إيران وميليشياتها.

———————————

السوريون أولا/ عالية منصور

آخر تحديث 26 أبريل 2025

بعد طلبات وردود مباشرة وغير مباشرة بين الحكومة السورية الجديدة والإدارة الأميركية، وصل وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى نيويورك، فكان أول حضور لمسؤول سوري رفيع في مجلس الأمن بعد سقوط الأسد.

لقد ألقى الشيباني كلمة طالب فيها برفع العقوبات المفروضة على سوريا، كما طالب مجلس الأمن بممارسة الضغط على إسرائيل للانسحاب من سوريا، معتبرا أن “العدوان الإسرائيلي المستمر على بلاده يقوض السلام والأمن اللذين نسعى إلى تحقيقهما”.

جاءت كلمة الشيباني عقلانية ومدروسة، تمثل عقلية دولة تسعى للنهوض بعد عقود من الذوبان في مشاريع إقليمية وعقائدية، وأجاب بكلمته على معظم الطلبات الأميركية التي سُلمت له سابقا في بروكسل، وجاءت متماهية مع الرد الذي أرسلته دمشق في وقت سابق.

وفي الواقع، فإن سياسة سوريا الخارجية منذ سقوط نظام الأسد لا تتمتع فقط بالبرغماتية كما يتم وصفها بل بالعقلانية والهدوء، ويدرك المسؤولون السوريون اليوم أن البلاد منهكة وبحاجة لدعم الجميع لرفع العقوبات وإعادة الإعمار وعودة اللاجئين، وقبل ذلك كله لتثبيت الاستقرار وخصوصا مع كثرة المتربصين من إيران التي خسرت مشروعها في المنطقة بسقوط الأسد، وأذرعها التي خسرت ممر التمويل والتسليح وتصنيع المخدرات، إلى بقايا النظام الذين خسروا امتيازاتهم بالنهب والقتل والفساد، وصولا إلى “داعش”.

وتدرك حكومة الرئيس أحمد الشرع أن دول الجوار والإقليم والعالم أجمع عانى لعقود من تصدير نظامي الأسد الأب والولد للفوضى والإرهاب والمخدرات، وأن إعادة بناء الدولة الجديدة يتطلب قطيعة مع تلك الأساليب والسياسات.

في خطاب الشيباني أيضا رسائل للخارج عن الداخل السوري، فقد صرح أنهم بصدد الإعلان “عن خطوات جادة لتشكيل برلمان وطني يمثل الشعب السوري”، وشدد على أن العقوبات “تُقيد قدرتنا على تطبيق العدالة الانتقالية وضمان الأمن”، مؤكدا أن رفع العقوبات سيكون “خطوة هامة تساهم في تحويل سوريا لشريك نشط وقوي في السلام والاقتصاد الدولي”. واعتبر أن “العالم بحاجة إلى سماع متطلبات الشعب السوري، بعد أن كان يتم تمثيله بطريقة خاطئة، فاليوم هناك سوريا جديدة وفرصة جديدة تصنع في المنطقة العربية.

ولكن على الجانب الآخر، في سوريا، فإن ما ينتظره الكثير من السوريين هو الخطابات الموجهة إليهم، خطابات بنفس الهدوء والعقلانية، تخاطبهم بشفافية وخصوصا مع زيادة حالات التململ الحاصلة وتحديدا بملف العدالة الانتقالية وبقايا النظام، بعيدا عن العواطف والتعاطف. لماذا لا نسمع خطابا موجها لأهالي الضحايا يخبرهم بأن هيئة العدالة الانتقالية ستشكل قريبا وأن العقوبات، كما قال الشيباني، تعوق انطلاق مسار العدالة؟ لماذا لا يعلم السوريون ما دور الفلول اليوم وهم يأخذون حيزا واسعا من الصورة، هل كان لهم دور في إسقاط النظام؟ هل سيتعاونون بالكشف عن خفاياه؟ تكاد لا تصل معلومة إلى السوريين إلا وهي بحاجة لبحث وتقص.

لا شك أن التحديات كبيرة داخليا وخارجيا، ولا شك أن العقوبات من أبرز العوائق أمام انطلاق العمل بشكل منتظم في سوريا، ولكن بعد 4 شهور على بداية عهد جديد في سوريا، صار من الضروري أن يوجه الخطاب إلى الداخل وأن يطلع السوريون على خطة عملية بإطار زمني واضح، فكما أن الخطاب إلى الخارج عقلاني وهادئ، فإن السوريين يحتاجون إلى خطاب يخاطب عقولهم بعيدا عن شعبوية الشعبويين الذين تفسح لهم الحكومة الحيز الأكبر من عملية صناعة الرأي العام، في ظل غياب إعلام رسمي حقيقي وواعٍ، حتى بات هؤلاء هم مصدر المعلومة الوحيد أمام السوريين، وهذا المصدر تختلط فيه الحقيقة مع السذاجة مع الكثير من الاستعراض.

إن عملية تحقيق الاستقرار تبدأ من بناء جسور الثقة مع الشعب السوري وتقديم خطاب حقيقي عقلاني وهادئ شبيه بالخطابات التي تقدمها الحكومة للرأي العام العالمي، فنجاح الحكومة في إقناع الداخل هو الشرط الأساسي لنجاحها في الخارج، وهذا يتطلب إعادة النظر في كيفية إدارة الخطابين السياسي والإعلامي وعدم ترك السوريين فريسة للمتسلقين ومؤثري “السوشيال ميديا” فهؤلاء ضررهم أكثر من نفعهم.

المجلة

————————–

بريطانيا ترفع العقوبات عن 12 كيانًا سوريًا.. أسئلة عن الدوافع والأثمان/ أحمد العكلة

26 أبريل 2025

أعلنت المملكة المتحدة عن رفع جزء من العقوبات المفروضة على سوريا، في خطوة تهدف إلى دعم جهود إعادة الإعمار. وشملت هذه الخطوة إزالة العقوبات عن وزارات الدفاع والداخلية السورية، بالإضافة إلى مؤسسات إعلامية حكومية مثل الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، و”الوطن”، و”شام برس”، و”سما تي في”. وكانت بريطانيا قامت، في آذار/ مارس 2025، برفع العقوبات عن البنك المركزي السوري وعدد من شركات النفط والبنوك التجارية.

وفي حديث لـ “ألترا سوريا”، يعلق الكاتب والباحث ورئيس تحرير صحيفة نينار برس، أسامة آغي، على القرار البريطاني الأخير مؤكدًا أن أي خطوة نحو تخفيف أو إلغاء العقوبات الغربية المفروضة على سوريا ستكون في مصلحة الشعب السوري مباشرة، نظرًا لما تسببت به هذه العقوبات من آثار اقتصادية كارثية أعاقت التنمية وعرقلت حركة الاستثمار والمشاريع الحيوية.

وأشار إلى أن وصول أحمد الشرع إلى سدة الحكم كان نتيجة طبيعية لانهيار مؤسسات نظام الأسد، لكونه كان حينها قائدًا لقوات ردع العدوان، ونتاجًا لتوافقات بين قوى الداخل والخارج، باستثناء إيران وميليشياتها التي انسحبت من المشهد السوري.

خطوة بريطانية.. ولكن هل هي كافية؟

وأوضح آغي أن القرار البريطاني الأخير برفع العقوبات عن اثني عشر كيانًا سوريًا، من ضمنها وزارتا الداخلية والدفاع ومؤسسات مصرفية، يخفف من عبء هذه العقوبات، لكنه لا يرقى إلى مستوى المطلوب. فالاستثمار يحتاج إلى بيئة آمنة ومستقرة وإلى إلغاء شامل للعقوبات، لا تخفيفها فقط، خاصة بعد زوال المبرر الرئيسي لفرضها، أي سقوط نظام الأسد.

ويعتبر أن هذا القرار ليس خطوة معزولة، بل هو مؤشر على توجّه غربي عام لإعادة تقييم السياسة تجاه سوريا، وفق آلية تدريجية تهدف إلى تشجيع انتقال سياسي شامل يؤسس لوحدة البلاد واستقرارها.

وحول دوافع القرار البريطاني، قال آغي: “في العلاقات الدولية، تبقى المصالح العليا هي المحرك الأساسي للقرارات. ومن هنا، لا أعتقد أن الاقتصاد هو العامل الأهم في القرار البريطاني، خاصة وأن الوضع الاقتصادي السوري لا يزال متدهورًا بشكل كبير ولا يتيح فرصًا حقيقية للاستثمار في الوقت الراهن.”

وأشار آغي إلى أن المساعدات الإنسانية لم تتوقف حتى في ظل العقوبات المفروضة سابقًا، وبالتالي فإن القرار الجديد قد يؤثر بشكل محدود فقط على تدفق الاستثمارات. وأضاف أن رؤوس الأموال العالمية لا تخاطر في بيئة تخضع لعقوبات واسعة تقودها الولايات المتحدة، مما يعني أن الأثر سيكون تدريجيًا ومشروطًا بتغير أوسع في المناخ السياسي والاقتصادي.

وردًا على سؤال حول الضمانات المطلوبة من أجل استفادة الشعب السوري من هذا التخفيف، وليس النخب السياسية فقط، أكد آغي أن بريطانيا لم تتخذ قرارها بمعزل عن متابعة دقيقة للوضع السوري. وأشار إلى وجود لقاءات واجتماعات رسمية مع قيادات الحكومة السورية الجديدة، تتضمن مطالب واضحة بخصوص شمولية العملية السياسية. ويرى أن الضمانات يجب أن تُترجم إلى خطة عمل حكومية واضحة، تحظى بموافقة القوى الغربية، وهو ما لم ترفضه الحكومة السورية الحالية، على الأقل من الناحية الإعلامية أو من خلال التصريحات السياسية.

في كانون الأول/ديسمبر 2024، زار وفد بريطاني رفيع المستوى دمشق والتقى بالرئيس أحمد الشرع، الذي دعا إلى رفع العقوبات الدولية لتسهيل عودة اللاجئين السوريين وبناء دولة قائمة على القانون والمؤسسات. وأكد وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، أن بلاده تدعم عملية سياسية انتقالية شاملة في سوريا.

على الرغم من هذه الخطوات، لا تزال بعض العقوبات قائمة، خاصة تلك التي تستهدف أفرادًا مرتبطين بالنظام السابق، وذلك لضمان المساءلة عن الجرائم المرتكبة خلال النزاع. كما أن الولايات المتحدة لم تعترف رسميًا بالحكومة الجديدة بقيادة الشرع، لكنها خففت بعض القيود المالية مؤقتًا.

وقال العقيد المنشق والباحث العسكري، مصطفى الفرحات، إن القرار البريطاني الأخير برفع العقوبات عن سوريا، والذي شمل الأجهزة الأمنية والجيش السوري الجديد، يعكس مخرجات مؤتمر بروكسل الذي طرح حوافز تشجيعية للإدارة السورية الجديدة. وقد جاء هذا المؤتمر في سياق دعم المانحين، ما يشير إلى تغير في العلاقات الدولية بعد سقوط النظام السابق.

وأوضح الفرحات أن هناك توجهًا أوروبيًا أميركيًا واضحًا لمنع عودة سوريا إلى المحور الذي تقوده إيران، وبذلك يُفهم قرار رفع بعض العقوبات كخطوة أولى ضمن سياسة “خطوة مقابل خطوة”، إذ لم يتم رفع العقوبات بشكل كامل حتى الآن، وإنما تم منح حوافز جزئية.

وأضاف الفرحات أن هذه الحوافز قد تتطور مستقبلًا إلى دعم أكبر ومساعدات أكثر تشجيعًا في حال استمرار الانفتاح السياسي الحالي. أما فيما يتعلق بدوافع بريطانيا، فقد أشار إلى أن الدوافع الإنسانية هامشية في العلاقات الدولية، وأن رفع العقوبات جاء بقرار يعكس رضا الولايات المتحدة عن أداء الإدارة السورية الجديدة، كون بريطانيا تُمثّل ظل السياسة الأميركية.

من بين الدوافع أيضًا، بحسب الفرحات، وجود رغبة دولية في تشكيل عقيدة عسكرية جديدة في سوريا بعيدة عن التسليح الروسي والسوفييتي السابق. وقد تسعى الدول الغربية إلى تزويد الجيش السوري بأسلحة تركية المنشأ، وهي أسلحة تابعة للناتو ومتوفرة لدى دول الغرب، خاصة فيما يتعلق بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة.

كما أن سوريا كانت في السابق مصدرًا للفساد وتجارة الكبتاغون وتهريب السلاح، ما سبّب قلقًا لجيرانها وللمجتمع الدولي. ويُنظر إلى موقعها الجغرافي كعامل محوري يجعل من الأزمة السورية ذات ارتدادات دولية مباشرة.

وقال الفرحات إن سوريا اليوم “مخترقة للنخاع” وكل ما يجري فيها تحت المجهر الأوروبي والأميركي، ما يشكل رقابة حقيقية على أي تطور داخلي.

وفيما يخص تأثير القرار البريطاني على مسار العقوبات الأوروبية، أكد الفرحات أن أوروبا، رغم أنها ليست الطرف الأول في معسكر الناتو، إلا أنها قد تتأثر إيجابيًا بالخطوة البريطانية. وأشار إلى أن المطالب الأميركية لتخفيف العقوبات تختلف عن الأوروبية، حيث إن بعض المطالب الأوروبية تمس السيادة الوطنية السورية، ما يجعل تنفيذها غير مقبول بالنسبة للإدارة الجديدة التي أكدت التزامها بما لا يتعارض مع المصلحة الوطنية.

وحول تدفق المساعدات والاستثمارات بعد القرار، أوضح الفرحات أن المساعدات الإنسانية لم تنقطع أصلًا، لكنها كانت مقيدة بسبب العقوبات على التحويلات المالية والبنوك السورية. رفع العقوبات عن المصرف التجاري والزراعي، وقطاعات مثل النفط، يسمح بقدر من الانفراج، إلا أن ذلك لا يعني فتح الباب واسعًا أمام الاستثمارات، بل يشجع بشكل محدود استثمارات السوريين في الخارج أو من داخل البلاد.

تأتي هذه التطورات في ظل جهود دولية لإعادة الاستقرار إلى سوريا وتشجيع عودة اللاجئين، مع التركيز على دعم حكومة انتقالية شاملة تحترم حقوق الإنسان وتعمل على إعادة بناء البلاد.

الترا سوريا

—————————

=========================

العدالة الانتقالية تحديث 26-27 نيسان 2025

لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي

العدالة الانتقالية في سوريا

—————————–

العدالة الانتقالية في سورية… تفاوت في محاسبة رموز نظام الأسد يثير غضباً/ محمد أمين

27 ابريل 2025

يتابع جهاز الأمن العام في وزارة الداخلية السورية إلقاء القبض على أشخاص من أجهزة النظام المخلوع الأمنية، أو في جيشه المنحل، متهمين بارتكاب مجازر وتصفية واعتقال، وهو ما يجد صدى إيجابياً، لكن تحضر تساؤلات لدى سوريين حيال إفراج الجهاز نفسه عن أشخاص لديهم سجل موثق في الانتهاكات، وعدم تعاطيه مع أمراء حرب يتحركون دون خشية، ما يطرح أيضاً أسئلة بشأن مسار العدالة الانتقالية في سورية.

متهمون بقبضة الأمن وآخرون طلقاء

وأعلنت مديرية أمن حمص أمس السبت أنها ألقت القبض على “المجرم اللواء عساف عيسى النيساني، المتورط بجرائم حرب بحق الشعب السوري”. كما ألقى جهاز الأمن العام السوري، الأربعاء الماضي، القبض على محمد تيسير عثمان، وهو أحد المتهمين بارتكاب جرائم بحق سكان أحياء المزة وكفرسوسة في العاصمة دمشق، كما كان المسؤول السابق عن قسم الدراسات في سرية المداهمة 215 التابعة لاستخبارات نظام الأسد. ونزل سكان أحياء منطقة المزة إلى الشوارع احتفالاً بالقبض على عثمان، الذي اعترف على الفور بأنه قام باعتقال مئات الشبان على خلفيات موقفهم من الثورة ضد النظام، والمشاركة في عمليات تعذيبهم في السجون.

كما أعلنت وزارة الداخلية السورية، الخميس الماضي، إلقاء القبض على عدد من المطلوبين المتورطين في جرائم حرب واعتداءات بحق المدنيين، وذلك في إطار ما وصفته بـ”العمل المتواصل لتعقب مجرمي الحرب وملاحقة كل من تورّط في سفك دماء الأبرياء”. ومن بين هؤلاء، جرى القبض على تيسير محفوض في مدينة طرطوس، شمال غرب سورية، علماً أن محفوض كان يعمل أيضاً ضمن فرع الأمن العسكري 215 (سرية المداهمة)، ومتهم بارتكاب جرائم حرب بحق المدنيين في أحياء المزة وكفرسوسة بدمشق، إضافة إلى مسؤوليته عن تغييب أكثر من 200 شخص، معظمهم من أبناء تلك المناطق، في سجون النظام السابق. كما أعلنت مديرية أمن اللاذقية إلقاء القبض على عروة سليمان، المتهم بارتكاب جرائم قتل بحق مدنيين، ومشاركته في الحملة العسكرية على مناطق الشمال السوري في عام 2019، بالإضافة إلى ضلوعه في هجوم على مواقع تابعة للجيش والأمن في مارس/آذار الماضي.

وخلال الأيام القليلة الماضية، كثّف “الأمن العام” من نشاطه في متابعة الأشخاص المتهمين بارتكاب تجاوزات بحق السوريين، فألقى القبض أيضاً في مدينة اللاذقية على الرئيس السابق لفرع التحقيق في إدارة الاستخبارات الجوية، العميد سالم داغستاني. وكان الجهاز ألقى القبض على عدد من رموز النظام السابق الأمنية والعسكرية، وأبرزهم عاطف نجيب، الرئيس السابق لفرع الأمن السياسي في درعا، وإبراهيم حويجة، رئيس إدارة الاستخبارات الجوية ما بين عامي 1987-2002، والذي كان يُعرف برجل الاغتيالات في النظام السابق إبان عهد حافظ الأسد. كما ألقى جهاز الأمن العام القبض على عدد من أركان النظام الذي تمّ إسقاطه في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ومنهم محمد الشعار، الذي كان وزيراً للداخلية في نظام بشار الأسد.

وفرّ العدد الأكبر من أركان النظام السابق من عسكريين وأمنيين من البلاد بعد ساعات من الإعلان عن سقوط نظام الأسد. ويُعتقد أن عدداً من هؤلاء متوارون عن الأنظار في الداخل السوري، والقبض عليهم يتطلب عمليات تعقب دقيقة، كما حدث مع تيسير عثمان، الذي وقع في قبضة الأمن العام بعد ثلاثة أشهر من الملاحقة والتعقب في الساحل السوري، وفق تصريحات أحد القياديين في الجهاز.

في المقابل، لا يزال العديد من المتهمين بارتكاب مجازر، طلقاء في البلاد، يتحركون تحت مرأى جهاز الأمن العام، لعل أبرزهم فادي صقر، الذي كان أبرز قادة ما كان يُعرف بـ”الدفاع الوطني”، الذي أشرف على عمليات إبادة في جنوب دمشق وفي قلبها، وأشهرها مجزرة التضامن الدامية (إبريل/نيسان 2013). وقد خرج سكان “التضامن” في تظاهرات منددة بزيارة قام بها صقر إلى حيّهم في شهر فبراير/شباط الماضي، برفقة مسؤول في جهاز الأمن العام الذي أجرى “تسوية” مع صقر، رغم أنه أبرز المتهمين بارتكاب مجازر خلال سنوات الثورة السورية من عام 2011 إلى نهاية عام 2024. ولم يحصل السوريون على إجابات حيال عدم إلقاء القبض على أمراء الحرب، الذين لا يزالون في البلاد، سواء من الأمنيين والعسكريين والاقتصاديين، أمثال محمد حمشو، وهو المعروف بأنه كان “واجهة” لنظام الأسد.

وفي السياق، أثار نبأ إطلاق سراح ضباط في نظام الأسد، بعد إلقاء القبض عليهم، موجة غضب واستياء في الشارع السوري، الذي طالب وزيري الداخلية والعدل (أنس خطاب ومظهر الويس) عبر وسائل التواصل، بتوضيحات حيال هذا الأمر. وأُفرج يوم السبت 19 إبريل الحالي، عن 28 ضابطاً وصف ضابط، كانوا في صفوف قوات النظام السوري السابق، من بينهم مصطفى نصر العلي، والذي له سجل موثق بالأدلة في ارتكاب مجازر بحق السوريين.

وبيّن القانوني غزوان قرنفل، في حديث مع “العربي الجديد”، الآليات القانونية المتبعة في التعامل مع الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم وتجاوزات، مشيراً إلى أنه “يتم تنظيم محضر يوضح أسباب القبض مع استجواب أولي، ثم يُحال الشخص إلى النيابة العامة”. وتابع أنه “على ضوء طبيعة الجرائم المرتكبة يُحال المتهم إلى القضاء، فإذا كانت الجرائم جنائية الوصف، تُحال إلى محكمة الجنايات، وإذا كانت جنحية الوصف تُحال إلى محكمة بداية الجزاء”. وأشار إلى أنه “حين تتخذ السلطة قرار تشكيل محكمة خاصة بالنظر في هذه الجرائم، يمثل هؤلاء أمامها مع توفير حق الدفاع لهم”.

سياق ضروري لمسار العدالة الانتقالية في سورية

ولم تتقدم الإدارة السورية الجديدة بأي خطوة قانونية لتشكيل جهة أو هيئة منوط بها تحقيق مبدأ العدالة الانتقالية في البلاد، رغم أنه بات من أكثر الملفات حضوراً في المشهد السوري المعقّد. ومنذ إسقاط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، والمنظمات الحقوقية السورية تحث الإدارة السورية الجديدة على إيلاء هذا الملف كل الاهتمام. وأوضح قرنفل، في هذا السياق، أن مفهوم العدالة الانتقالية “لا يقتصر على المحاكمات فقط”، معتبراً عمليات إلقاء القبض على أشخاص متهمين بارتكاب جرائم بأنها “ليست جزءاً من العدالة الانتقالية”، ومضيفاً أن “هناك سياقات أخرى يجب العمل عليها في حال الاتفاق على برنامج وطني للعدالة الانتقالية”.

من جهته، قال الخبير في مجالات الحوكمة، زيدون الزعبي، في حديث مع “العربي الجديد”، إن الوقت حان للتعاطي مع ملف العدالة الانتقالية في سورية بجدية، مضيفاً أن “هذا هو السبيل لإيقاف الجرائم” في هذا البلد.

وفي السياق ذاته، قدمت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أخيراً، رؤية عن العدالة الانتقالية في سورية بعد سقوط نظام الأسد، مشيرة في تقرير إلى “أن المرحلة الانتقالية الراهنة تشكل منعطفاً تاريخياً، يقتضي الانتقال نحو مرحلة جديدة تعالج الإرث الثقيل من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وترسخ مبادئ العدالة والسلم الأهلي”. وطالبت الشبكة المجلس التشريعي، الذي من المفترض تشكيله بناء على الإعلان الدستوري، بـ”إعداد قانون تأسيسي يُحدِّد مسار العدالة الانتقالية في سورية للمرحلة المقبلة، بالاستناد إلى التشريعات الوطنية ذات الصلة، ويتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

وقالت الشبكة إنها وثقت على مدار 14 عاماً، بشكل يومي دقيق، انتهاكات نظام الأسد، مؤكدة أنها “أنشأت قاعدة بيانات شاملة تضم ملايين الوقائع الموثقة لمختلف أطراف النزاع”. وبحسب التقرير، حدّدت الشبكة هوية الأفراد المتورطين في هذه الانتهاكات، وتمكنت من جمع قائمة موسعة تضم أسماء نحو 16 ألفا و200 متورط، بينهم: 6 آلاف و724 فرداً من القوات الرسمية، التي تشمل الجيش وأجهزة الأمن، و9 آلاف و476 فرداً من القوات الرديفة، التي تضم مليشيات ومجموعات مساندة قاتلت إلى جانب القوات الرسمية. وحدّدت الشبكة أربعة أركان أساسية لتحقيق العدالة الانتقالية في سورية وهي: المحاسبة الجنائية، كشف الحقيقة والمصالحة، جبر الضرر والتعويض وتخليد الذكرى، وإصلاح المؤسسات، تحديداً القضاء والأمن والجيش.

وفي السياق ذاته، دعا القانوني محمد صبرا، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى إنشاء “هيئة وطنية للعدالة الانتقالية، وإصدار التشريعات اللازمة لتسهيل عملها”، معتبراً أنه “في المرحلة الحالية، يجب التحفظ على جميع الموقوفين، والبدء بإجراءات التحقيق وجمع الأدلة حولهم بإشراف قضائي، وضمن القوانين السورية النافذة حالياً”.

العربي الجديد

—————————————-

هل ستكون هناك عدالة انتقالية في سوريا؟/ حسان الأسود

2025.04.27

لطالما شكل مفهوم العدالة الانتقالية ركيزة أساسية في مراحل التحول من الحكم الاستبدادي أو الصراعات الداخلية إلى أنظمة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان والقانون. وفي الحالة السورية، تبرز العدالة الانتقالية كأحد أبرز التحديات وأعمقها تعقيدًا في طريق إعادة بناء الدولة والمجتمع بعد أكثر من ستة عقود من الاستبداد ودمار هائل خلفته سنوات الثورة والحرب.

لطالما شكل مفهوم العدالة الانتقالية ركيزة أساسية في مراحل التحول من الحكم الاستبدادي أو الصراعات الداخلية إلى أنظمة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان والقانون. وفي الحالة السورية، تبرز العدالة الانتقالية كأحد أبرز التحديات وأعمقها تعقيدًا في طريق إعادة بناء الدولة والمجتمع بعد أكثر من ستة عقود من الاستبداد ودمار هائل خلفته سنوات الثورة والحرب.

منذ انقلاب حزب البعث في 8 آذار 1963، دخلت سوريا نفقًا مظلمًا من القمع والهيمنة الأمنية والعسكرة الشاملة للدولة والمجتمع. ثم جاء حكم حافظ الأسد في عام 1970 ليرسّخ ديكتاتورية مطلقة قائمة على حكم الفرد، واستمر ذلك الغصب السياسي من خلال التوريث إلى ابنه بشار عام 2000. هذه العقود الطوال من الحكم الشمولي تميزت بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، كمجزرة حماة في الثمانينات، واعتقال وتعذيب المعارضين، والقمع المنهجي للحريات.

ومع انطلاق الثورة السورية عام 2011، انفجرت كل التراكمات المجتمعية والسياسية، وتحوّلت البلاد إلى مسرح دموي لصراع معقّد شاركت فيه أطراف داخلية وخارجية. ارتُكبت خلالها جرائم ضد الإنسانية، بما فيها القتل الجماعي، التهجير القسري، استخدام الأسلحة الكيميائية، والاعتقال التعسفي الممنهج. لا شكّ بأنّ الثورة لا تتحمّل وزر هذه الجرائم والانتهاكات، لكن لم يبق فصيلٌ عسكري إلا وانغمس فيها بدرجة أو بأخرى. ومن أنواع الانتهاكات الجسيمة غير الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، ثمّة انتهاكات هائلة مسّت اقتصاد البلاد والبيئة ومؤسسات الدولة. هذا كله يجعل من ملف العدالة الانتقالية أكبر ملف يجب العمل عليه، خاصّة وأنّه يرتبط بملفات شائكة أخرى مثل إعادة الإعمار والتعافي المبكر.

إنّ حجم ملف الانتهاكات في سوريا هائل، لدرجة تجعل من أي مشروع للعدالة الانتقالية مهمة تاريخية واستثنائية. ملايين الضحايا، سواء من الشهداء والقتلى أو المفقودين أو المهجرين أو المعتقلين عند سلطات الأمر الواقع التي ما زال بعضها موجودًا مع الأسف، يحتاجون إلى الاعتراف، والجبر، والمحاسبة. وما يزيد من تعقيد هذا الملف هو انخراط أجهزة الدولة جميعها، من القضاء إلى الأجهزة الأمنية إلى الإعلام إلى البنوك والمصارف وحتى مؤسسات التعليم والصحة، في التغطية على هذه الجرائم أو المشاركة فيها.

إن مؤسسات الدولة السورية، التي بقيت تحت سيطرة النظام طوال العقود الماضية، لم تعد مؤهلة قانونيًا ولا أخلاقيًا لأداء أي دور في مرحلة العدالة الانتقالية. فهي مؤسسات فاسدة، غير محايدة، وفاقدة للمصداقية، وتعاني من تآكل كلي في بنيتها وفعاليتها. إن إعادة تأهيل هذه المؤسسات يتطلب مراجعة شاملة للكادر البشري، وفحصًا دقيقًا لخلفيات الموظفين، خصوصًا في القضاء والأمن والإدارة بكل مستوياتها. لم تسلم مؤسسات المجتمع المدني من هذا الدمار، فالنقابات والاتحادات نالت نصيبها من الفساد أيضًا ومن احتكار السلطة والمنافع. حتى المؤسسات الأهلية والجمعيات الخيرية تلوّثت بشكل أو بآخر.

العدالة الانتقالية ليست انتقامًا، بل هي مسارٌ يضع الضحايا في الصميم منه. يجب أن تكون مصالح الضحايا، وحقوقهم، وكرامتهم، هي المحور الأساسي لأي مقاربة سورية للعدالة. لا يتحقق هذا الأمر بمجرد محاسبة بعض المسؤولين، بل بإصلاح عميق للمنظومة السياسية والقانونية، وضمان عدم التكرار، والتعويض المعنوي والمادي، وكتابة التاريخ الحقيقي لما حدث. من أخطر المؤشرات التي تثير القلق حاليًا هو سلوك السلطة الجديدة في التعامل مع رموز النظام السابق. فقد ظهرت تسوياتٌ صادمة مع عددٍ من كبار الضباط، والشبيحة، والفاسدين، بل ووفّرت لهم الحماية وبعضهم يعيش بحرية كاملة من دون أي ملاحقة حقيقية، بل إنّ بعضهم يشغلون مناصب جديدة، ما يرسل رسالة مقلقة بأن الفساد والإجرام لا يُحاسب، بل يُكافأ. هذا النمط من التسويات يُجهض أي أمل في عدالة انتقالية حقيقية، ويُشعر الضحايا بالإهانة، ويقوّض فكرة المحاسبة من جذورها. رأينا تبعات هذا الأمر من خلال إعلانات لم نتأكد بعد من صدقيتها عن تشكيل كتائب أمنية لتنفيذ القصاص بالفلول ورموز النظام وشبيحته، وهذا مؤشر خطير على نفاد صبر المواطنين الذين يرون الحق والعدل يفلت من بين أصابعهم.

في 29 كانون الأول 2024، عقدت الفصائل العسكرية “مؤتمر إعلان النصر” الذي نصب السيد أحمد الشرع رئيسًا مؤقتًا للبلاد. السلطة الراهنة بالعموم، آتية من خلفية إسلامية سلفية جهادية، تمثل بشكل أو بآخر امتدادًا لمنطق الغلبة لا التوافق، وهو ما يثير مخاوف عميقة من أن تتحول المرحلة الانتقالية إلى إعادة إنتاج للسلطوية بلبوس ديني أو فصائلي. لقد حذرت كثيرٌ من القوى السياسية من هذا التفرّد ومن الاتجاه الصريح نحو حكم الجماعة الواحدة وربّما الأسرة ولاحقًا الفرد، بما يعيد إنتاج النظام السلطوي الفردي. هذه السلطة، وإن فرضت نفسها كأمر واقع، لا يمكن أن تُمنح شرعية كاملة إذا لم تلتزم بعملية شاملة للعدالة والمحاسبة وبناء الدولة على أسس المواطنة والتشاركية. بقاء السلطة بشكلها الراهن أحد التحديات الماثلة أمام مسار حقيقي للعدالة الانتقالية.

على صعيد آخر، وبدلًا من أن يكون مؤتمر الحوار الوطني محطة جامعة لإعادة بناء العقد الاجتماعي، جاء هزيلًا ومحدود التمثيل، مستبعدًا طيفًا واسعًا من القوى السياسية والمجتمعية والثورية. كذلك فإن الإعلان الدستوري الذي صدر لاحقًا مثّل خيبة أمل كبيرة، حيث حصَر المحاسبة بجرائم النظام البائد، متجاهلًا الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها فصائل معارضة أو جهات جديدة بعد سقوط النظام. العدالة الانتقالية لا تعني الاقتصار على طرف واحد، بل تقتضي الشمول والحياد، وإلا فإنها تتحول إلى أداة سياسية للانتقام وليس للعدالة. أمّا الحكومة الانتقالية التي تشكلت بعد الإعلان الدستوري فلم تتبنَّ أيًا من المبادئ التشاركية أو التمثيل العادل لمكونات الشعب السوري. إنها أشبه بهيكل إداري مركزي موروث من عقلية النظام السابق، مع غطاء شرعي جديد، من دون تغيير جوهري في طريقة الحكم أو توزيع السلطة. هذا يهدد بتحويل المرحلة الانتقالية من فرصة لإعادة بناء الدولة إلى مرحلة “تقاسم غنائم” بين المنتصرين، ما قد يزرع بذور صراع قادم.

ما الذي نحتاجه فعلًا لتحقيق عدالة انتقالية ذات معنى في سوريا؟ الجواب بسيط ويكمن فيما يلي:

    إطار وطني جامع يتضمن مشاركة جميع مكونات المجتمع، من أحزاب وتيارات سياسية، منظمات مجتمع مدني، ممثلي الضحايا، والعاملين في حقوق الإنسان، دون إقصاء أو احتكار.

    كشف الحقيقة من خلال لجان وطنية، تعمل على توثيق الجرائم والانتهاكات من كافة الأطراف، ونشرها بشفافية أمام الرأي العام.

    آلية محاسبة مستقلة لا تخضع للسلطات الجديدة، بل ترتبط بهيئات دولية أو لجان محايدة تضمن النزاهة والحياد.

    إصلاح المؤسسات عبر إعادة هيكلة القضاء والأمن والإدارة، والتأكد من نظافة سجل من يشغلون المناصب العامة.

    تعويض الضحايا معنويًا وماديًا، وإعادتهم إلى الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الكريمة.

    ضمان عدم التكرار عبر وضع ضمانات دستورية وقانونية لحماية الحريات وحقوق الإنسان.

    إعادة كتابة التاريخ من خلال نشر السرديات المختلفة وتخليد الذكرى.

العدالة الانتقالية في سوريا ليست مجرد أمنية، بل ضرورة حيوية لضمان الاستقرار والمصالحة وبناء دولة المواطنة. لكن الطريق إليها محفوف بالمخاطر، خصوصًا في ظل سلطة الأمر الواقع الحالية التي تبدو غير جادة في تبني معايير العدالة الشاملة. إن لم تتغير هذه المقاربة، فإنّ سوريا ستجد نفسها مرة أخرى أمام دوامة انتقام وعنف، بدلًا من التأسيس لمستقبل يستحقه الشعب السوري بعد كل ما عاناه

تلفزيون سوريا

——————————-

ملاحظات برسم الإدارة السورية/ بشير البكر

26 ابريل 2025

ليس في وسع الإدارة السورية الجديدة أن تواصل العمل بفلسفة “من يحرّر يقرّر”، وقد كشفت حصيلة عدة أشهر أن المردود العام متواضع، وهناك ارتفاع لمؤشّر المشتكين والمحتجين، ينذر بتراجع تدريجي للرصيد الإيجابي، الذي جنته بفضل إسقاط نظام بشّار الأسد. ومن يتابع وسائل الإعلام ووسائل التواصل من الداخل والخارج يجد أن هناك حالة من عدم الرضى في طريقها لتشكيل تيارات معارضة، قد تلعب دوراً في إعاقة تقدّم التحوّل الجديد الواعد محلياً وعربياً ودولياً. وتتمحور الانتقادات حول جملة من الملاحظات.

أولاً، ضعف الخبرة في إدارة الدولة. وهذا أمر يجد بعض المبرّرات، ولا أحد من السوريين يطالب الحكومة أن تكون كاملة الأوصاف بين يوم وليلة. وعلى هذا، ليس هناك ضير من أن تتعلم الأساليب بالممارسة، شريطة أن تمتلك الاستعداد، وتتحلى بالتواضع. وكما حذّر أكثر من صاحب رأي حريص على النجاح، فإن التجريب، وارتكاب الأخطاء ترفٌ ضارٌّ جداً في هذه المرحلة. ويحضر هنا شأن اختيار أشخاص ليسوا على قدر من الكفاءة، في مواقع متقدّمة، ومثال ذلك وزير الثقافة محمد ياسين صالح. وكان من الأفضل تعيين شخصية على صلة بالكتابة أو المسرح أو السينما. وتشكّل الضجة التي أثارها بظهوره في مضافة شخصية قبلية إشكالية جرس إنذار للقيادة، كي تعيد النظر بالقرار، وتتراجع عنه قبل فوات الأوان، وألا تكرّره في تعيينات أخرى.

ثانياً، الاستئثار بإدارة الدولة، من خلال إسناد الوزارات الأساسية كالخارجية والدفاع والداخلية والعدل لشخصيات من هيئة تحرير الشام، لا تملك تجربة كافية في العمل الحكومي، وبعضها غير متخصّصة في الميادين التي تشغلها، وليس في سجل الآخرين سوى أنه قيادي في “الهيئة”، وهذا لا يكفي، بل لا يمكن الرهان عليه لبناء مؤسّسات فاعلة، وتقديم صورة إيجابية عن سورية الجديدة، التي يهم حاضرها ومستقبلها جميع أبنائها على اختلاف توجّهاتهم السياسية، والفكرية، والطائفية، والعرقية.

ثالثاً، ضعف الفاعلية في التعاطي مع المطالب الخارجية، وفي مقدمها قائمة الشروط الأميركية، التي تسلمتها الحكومة السورية، وردّت عليها. والملاحظ عدم تحقيق الإدارة السورية نتائج جوهرية، بدليل عدم حصول أي تقدم في قضية رفع العقوبات الأميركية، التي تتوقف عليها تلقي مساعدات مالية عربية ودولية، وتسهيل وصول المستثمرين إلى سورية. وهنا يتوجب التوقف أمام مسألتين مهمتين: الأولى، عدم تقديم تنازلاتٍ تتعلق بالسيادة، والموقف من إسرائيل. والثانية، ما لم تتمكّن الحكومة من إدارة هذه الأزمة بنجاح، فإن الإقبال الغربي والعربي نحو سورية لن يتقدّم إلى الأمام، كما أن تصفية التركة السياسية التي تركها نظام الأسد لن يتم وفق حسابات الإدارة، وسيظل أمر استكمال الوحدة الداخلية يراوح في مكانه في الجنوب والشرق. ولن تتمكّن الدولة من إبطال مفعول الألغام السياسية التي تهدّد وحدة البلد، إلا من خلال تحصين الجبهة الداخلية على أسس سليمة، تعتمد على توسيع قاعدة المشاركة في الحكم، والقرار، واحترام التنوّع، والتعدّد.

رابعاً، تأخّر إطلاق مشروع العدالة الانتقالية، وتشكيل الهيئة الخاصة بها. وتعزو أوساط قانونية سورية سبب ما حصل من تجاوزات إلى عدم بدء محاسبة مسؤولي النظام السابق، سواء الذين جرى اعتقالهم، أو الفارّين داخل سورية وخارجها. وقد أدّى هذا الخلل إلى نمو نزعة الثأر، وتحصيل الحقوق بوسائل غير قانونية، تهدّد السلم الأهلي. ومن دون شك، لو تمت المسارعة في إقرار هذا المسار على أساس إحقاق العدالة، لتم حقن الكثير من الدماء في الساحل، ووقف الاعتداءات التي يتعرّض لها الأبرياء بسبب استشراء نزعة الانتقام والكراهية ضد المكوّن السوري العلوي.

العربي الجديد

تحديث 26 نيسان 2025

——————————–

=========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى