حسين حمادة: الائتلاف يعاني هشاشة في بنيته التنظيمية وهو مبني من كتل وأحزاب وهمية
غسان ناصر
يستضيف مركز حرمون للدراسات المعاصرة، هذا الأسبوع، المعارض السياسي القاضي بمحكمة النقض السورية المنشق حسين حمادة، رئيس المكتب التنفيذي لـ (الهيئة الوطنية للقانونيين السوريين)، ومدير (المركز السوري للدراسات الإستراتيجية الحقوقية) المختص بالشأن السوري، وهو عضو اللجنة الإدارية في (الهيئة الوطنية السورية) التي أطلقتها شخصيات سورية معارضة من المدنيين والعسكريين، هذا العام، وهي تهدف -بحسب مؤسسيها- إلى إنضاج الرؤية السياسية بما يتوافق مع المستجدات على الساحة، في وقت تعاني فيه البلاد حالة فراغ قيادي يمثل خطـورة كبيرة عليها، في ظل ارتهـان نـظام بشار الأسد والمعـارضة السورية للخارج.
ضيفنا، المقيم حاليًا في ألمانيا، من أبناء حي الخالدية في حلب، حاصل على إجازة في الحقوق من جامعة دمشق 1980، وقد أعلن انشقاقه عن نظام بشار الأسد في عام 2012.وكان قد التحق بالقضاء السوري عام 1982، فشغل مواقع قضائية مهمة في مسقط رأسه، بدءًا من قاضي تحقيق، ثم قاضي صلح مدني، فرئيس نيابة عامة، ثم مستشار في محكمة الجنايات، وأخيرًا رئيسًا لاستئناف الجنح. وذلك بين أعوام 1986 و1999، واختير كعضو في “إدارة التشريع” في وزارة العدل.
بعد عام من انشقاقه عن النظام السوري، عُيّنَ رئيسًا للهيئة القضائية العليا في (مجلس القضاء السوري الحرّ المستقل). أما على الصعيد السياسي، قبل الثورة، فقد انتخب عام 2000 عضوًا في قيادة فرع حزب البعث، وفي عام 2005 أُعفي من هذه المهمة، بناء على استقالة خطية قدّمها إلى القيادة القطرية عن طريق فرع الحزب في حلب. وبعد اندلاع الثورة التي سرعان ما أعلن تأييده لها، أسهم في عام 2013 في تأسيس (التجمع الوطني لإنقاذ سورية في الداخل السوري). وفي العام التالي، انتُخب عضوًا في المكتب التنفيذي لـ (هيئة قوى الثورة في حلب) التي تضم (76) كيانًا ثوريًا مدنيًا وعسكريًا.
وفي العام 2020، تم التوافق على تسميته رئيسًا للمكتب التنفيذي في (الهيئة الوطنية للقانونيين السوريين). وصدر له حديثًا كتابٌ بعنوان «يوميات قاض سوري.. في العمل القضائي والسياسي والثوري» (دار نون للنشر والتوزيع، غازي عنتاب/ تركيا)، يروي فيه ذكرياته عن اللقاءات التي جمعته مع رأس النظام السوري بشار الأسد، راسمًا صورة مقربة له. يقول حمادة: “التقيت به أكثر من مرة.. كان في المرة الأولى مبهرًا بحديثه المتماسك الشامل، وفي المرة الثانية، أعاد الحديث نفسه: حروفه وفواصله ونقاطه، فأدركت أنه يحفظ النصوص جيدًا ويرددها كروبوت آلي! ولقطع الشك باليقين، سألتُهُ عن موضوع خارج السياق، فأجابني جوابًا لا علاقة له بالسؤال، وكان يتحدث، وهو يؤشر بيديه ويحرك فمه ويصدر أصواتًا من فمه دون أن أميّزها: هل هي ضحك أم بكاء!”. يضيف القاضي حسين حمادة معلقًا: “أدركتُ لدرجة اليقين بأنّ صاحبنا مجنون” (صفحة 133).
هنا نص حوارنا معه:
صدر لكم أخيرًا، كتاب بعنوان «يوميات قاض سوري.. في العمل القضائي والسياسي والثوري»، ماذا تحدثنا عنه؟
اعتمدت في تأليف كتابي «يوميات قاض سوري..»لغة مبسطة بطريقة توثيقية، معتمدًا سرد يومياتي التي لها دلالة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية من خلال السياق التالي:
أولًا: في عملي القضائي:
1- في منطقة عين العرب: من واقع عملي، كقاضٍ وحيد في تلك المنطقة بين عامي 1982 و1986، سلّطت الضوء في كتابي على:
أ – الواقع الديموغرافي لسكان تلك المنطقة ونواحيها، وطبيعة العلاقات الاجتماعية السائدة بينهم، والتداخل بين كل مكوّنات تلك المنطقة في العادات والتقاليد واللباس (كلابية وعقال) عربًا وكردًا، والتداخل في النسب والمصاهرة من دون حصول أي مشكلة بين المكوّنات السكانية لأهالي المنطقة على خلفية عرقية.
ب – الإهمال المقصود من قبل السلطة، في تقديم الخدمات بتلك المنطقة (مدارس، مراكز صحية، طرقات.. إلخ).
2- في مدينة حلب، بين عامي 1987 و2000، سلطت الضوء خلالها على أبرز المشكلات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية.
3- في محكمة النقض السورية، بين عامي 2000 و2012، سلطت الضوء على البنية الإدارية الخاطئة لهذه المحكمة، والذهنية الضيقة التي تقاد بها السلطة القضائية.
ثانيًا: في عملي السياسي:
في عام 2000، انتُخبت كعضو في فرع حلب لحزب البعث، وكلفت بين عامي 2000 و2003 برئاسة المكتب الاقتصادي إضافة إلى القانوني، ثم كُلفت بين عامي 2003 و2005 برئاسة مكتب نقابات المهن العلمية وكذلك المكتب القانوني، بعدها قدّمت استقالتي من هذه المهمة في عام 2005. وميزت في كتابي بين هاتين المرحلتين: الأولى، اتّسمت ببوادر جادة في عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي والقانوني والإداري. أما الثانية، فاتّسمت بإحباط أي محاولة جادة في عمليات الإصلاح (سياسيًا، واقتصاديًا، وقانونيًا، وإداريًا).
ثالثًا: في عملي الثوري:
قمت بتدوين أبرز يومياتي في العمل الوطني الثوري، بموضوعية (ما لها وما عليها)، ومنها (التجمّع الوطني السوري للإنقاذ، وهيئة قوى الثورة بحلب، ومجلس القضاء السوري الحرّ المستقل…)، كما دوّنت أبرز الوقائع الدالة على إجهاض كل التجارب الوطنية من قبل قوى داخلية مدعومة إقليميًا ودوليًا، وانتهيت إلى الخلاصة التالية:
1 – النظام السوري قبل الثورة كان فئويًا أمنيًا مستبدًّا، لا يقبل الإصلاح أو المشاركة، لينقلب بعد الثورة إلى عصابة مجرمة تُشكّل خطرًا على الإنسان، أينما وجد. وأصبح وجود هذه العصابة يهدد الأمن والسلم الدوليين، ولذا يجب ملاحقتها أمام القضاء الوطني والدولي.
2 – المعارضة السورية، بحسب بنيتها التنظيمية وذهنيتها القائمة، غيرُ قادرة على أن تكون بديلًا عن النظام، بل إنها أصبحت مشكلة أضيفت إلى المشكلات القائمة.
وأعتقد أنّ كتاب يومياتي هذا يصلح أن يكون مقدمةً لكتاب آخر أنوي نشره قريبًا، وسيحمل عنوان «الخلاص الوطني السوري».
هل ترون أنكم نجحتم فعلًا في إيصال الرسائل التي احتواها الكتّاب للقرّاء بخاصة الجيل الجديد، وكيف؟
من زاوية شخصية، شعرت براحة ضمير عندما دوّنت يومياتي، وأعتقد بأنه سيأتي يوم يقف فيه كثير من السوريين على ما بين السطور. وهذا الكتاب -كما ذكرتُ- هو مقدمة موضوعية لكتابي الثاني «الخلاص الوطني السوري»، وربما يكون بمحتواه شمعة من بين تلك الشموع التي تضيء الطريق للجيل الجديد.
غياب المشروع الوطني السوري
ما الأسباب التي دفعتكم إلى الانشقاق عن النظام السوري؟ ومتى كان ذلك؟
النظام السوري قبل الثورة كان نظامًا فئويًا أمنيًا مستبدًّا، وبمجرّد أن قامت الثورة، انقلب إلى نظام مجرم، وقد دفعني ذلك إلى الانشقاق عنه في عام 2012، كي لا أُحسب على هذا النظام.
الثورة في سورية أخذت أبعادًا، وأصبحت صراعًا مركّبًا، كيف تنظرون إلى طبيعته من موقعكم اليوم؟
لا شك في أنّ الصراع في بلادنا أصبح بجزءٍ كبيرٍ منه صراعًا إقليميًا ودوليًا على سورية، ولكل دولة منها مصالحها الخاصة المتباينة بين الدول الأخرى، وفي مجملها لا تقيم وزنًا أو اعتبارًا للشعب السوري المنكوب، وما زاد من تعقيدات المشهد سوءًا هو غياب المشروع الوطني السوري وشخصياته، الأمر الذي يعيد الصراع الداخلي إلى أصله المتمثّل بين شعب أراد الحرّية والكرامة وبين نظام مجرم دمّر سورية.
في قراءة للمشهد السوري، بعد عشر سنوات من ثورة الحرّية والكرامة، نجد أن كل قوى وأطياف المعارضة أصبحت مرتهنة لدول إقليمية ودولية لها تدخّلاتها في القضية السورية. فهل يمكن التعويل على هذه المعارضة بأنْ تكون البديل أو المنقذ من الكارثة السورية؟
إنّ الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية يعاني هشاشة في بنيته التنظيمية، ومبنيّ من كتل وأحزاب وهمية لا تمثيل شعبيًا لها، ولا تمتلك كفاءة علمية، ومُهيمن عليه من قبل مجموعة أفراد يبنون علاقات فردية ضيقة مصلحية مع بعض الجهات الدولية، ما خلق واقعًا من علاقات الارتهان والتبعية لهذه الدول، وأحدث فجوة واسعة بين الائتلاف من جهة وبين المجتمع السوري بكل أطيافه في الداخل والخارج من جهة ثانية، وبات معظم السوريين لا يرون دورًا إيجابيًا ممكنًا له.
بتقديركم، هل يمكن فكاك قوى المعارضة، بل المعارضات السورية، التي لم تتخلّص من إرثها (العشائري، القومي، الطائفي… إلخ)، عن عجزها وتبعيتها للقوى الإقليمية والدولية، والعودة إلى جمهورها لبناء إطار سياسي شعبي، أو قاعدة دعم شعبي عريضة، والعمل على مشروع وطني سوري يمكنها من قيادة المرحلة القادمة؟
هذه المعارضات أضاعت كلّ الفرص التي أُتيحت لها، وهي عاجزة اليوم عن القيام بأي دور وطني. والقول بعودتها إلى جمهورها في غير محله، لأنها أضحت سببًا معرقلًا في مسار الخلاص الوطني السوري،ولا يمكن لها أن تكون جزءًا من الحلّ، لذا لا بدّ من إعادة إنتاج هيئة وطنية مؤلفة من شخصيات معيارية ذات احترام في وسطها الاجتماعي، وتمتلك كفاءة علمية تمكّنها من استخدام لغة حقوقية سياسية تخاطب فيها الداخل والخارج، ربما تكون مدخلًا لإنقاذ ما بقي من سورية وإعادة بنائها دولة عصرية.
سورية تمرُّ اليوم بحالة تشظي هوياتي
إلى أيّ حدٍّ أضرّ تجميد مسار “جنيف1” باعتباره المظلة الدولية، والتخلي عن مضامين بيان “جنيف 1″، والقرارين الدوليين (2118) و (2254)، مقابل تفعيل مسارات جانبية (أستانا وسوتشي)، بالملف السوري؟
بيان “جنيف1” حدّد المرحلة الانتقالية، وفق الخطوات الرئيسية التالية:
1 – تأسيس هيئة حكم انتقالي بسلطات تنفيذية كاملة، تتضمن أعضاء من الحكومة السورية والمعارضة، ويتم تشكيلها على أساس القبول المتبادل من الطرفين.
2 – مشاركة جميع عناصر وأطياف المجتمع السوري في عملية حوار وطني هادف.
3 – مراجعة النظام الدستوري والقانوني في سورية.
4 – إجراء انتخابات حرة ونزيهة وتعدّدية، لشغل المؤسسات والمناصب الجديدة التي يتم تأسيسها.
5 – تمثيل كامل للمرأة في كافة جوانب المرحلة الانتقالية.
وكان أن صدرت قرارات دولية من مجلس الأمن أيّدت هذا البيان، منها القراران (2118) و (2254).
مما سبق يتبين أنّ الخطوات التنفيذية الواجب اتّباعها، وفق هذا المسار، تبدأ بإنشاء هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، أما مسار (أستانا وسوتشي) فهو يرى أنّ الحلّ السياسي يبدأ بتعديلات دستورية وانتخابات رئاسية برعاية الأمم المتّحدة، وهذا المسار الخاطئ سيؤدي حتمًا إلى إعادة شرعنة بقاء النظام بإرادة سورية مشوّهة، ويبنى على ذلك أمور خطيرة منها:
أ – عدم مساءلة النظام السوري عن الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري، واعتبار أن قام به هو واجب وطني وفي حدود مسؤوليته السياسية.
ب – اعتبار كل من ثار على النظام (إرهابيًا)، ويجب ملاحقته قضائيًا أمام القضاء الوطني والدولي.
لذا، فإنّ ما يسمّى “اللجنة الدستورية” هي في حقيقتها أسلوب التفافي على مخرجات “جنيف1” والقرارات الدولية المتعلقة بالشأن السوري، فضلًا عن البنية الخاطئة لتكوين هذه اللجنة وأسلوب التصويت الخاطئ (3/4 يجب أن يوافقوا على المقترح) وهذا يستحيل تحقيقه، ما دام ممثّلو المعارضة في هذه اللجنة هم الأقلية، أي إذا كان هناك مقترح يتضمن أنه لا يحق للرئيس الحالي (بشار الأسد) أن يترشح لمنصب الرئاسة مجددًا، فإنّ هذا المقترح يجب أن يحوز على موافقة 3/4 من أعضاء “اللجنة الدستورية”، وهذا يستحيل تحقيقه، استنادًا إلى البنية التنظيمية لتشكيل هذه اللجنة، كما يعني بالضرورة تثبيت النص المقترح تعديله، وهذا الأسلوب لا يسمح بالمطلق حتى بإجراء أي تعديل في دستور 2012.
هل الموقف المعادي للجنة الدستورية ولمشاركة الفريق المعارض فيها، أضعف موقف هذا الفريق تجاه خصومه، وجعله معزولًا، وعرضة للهجوم عليه والطعن بشرعيته؟
سبق أن قلت إنّ الغاية من “اللجنة الدستورية” هي إعادة شرعنة النظام السوري، بإرادة داخلية مشوّهة ومزورة، علمًا أنّ جذر المشكلة الحقوقية في سورية ليس المواد الدستورية فحسب، بل هو الحزمة القانونية الكبيرة التي أنتجت مؤسسات قمعية لا تسمح بالانتقال السياسي من نظام فئوي أمني مستبدّ إلى نظام مدني تعدّدي ديمقراطي.
في ظلّ فشل العملية السياسية التفاوضية، وتعنت نظام الأسد عن الانخراط فيها، وما تعانيه المعارضة من انقسامات، ومحاولات بعض الدول للاستيلاء على صوتها. هل من الممكن أن تحظى فكرة “المجلس العسكري الانتقالي” المشترك بين النظام والمعارضة، في مرحلة انتقالية، بقبول أغلبية الشعب السوري، بعد فشل معظم المسارات السياسية للحلّ؟
البعض يعمل على جعل مطلب الشعب السوري هو الأمن والأمان فقط، ومن ثمّ يطرح حلولًا مخالفة لمخرجات “جنيف1″، ومنها “المجلس العسكري الانتقالي”. والقول بمجلس عسكري يقود الدولة والمجتمع هو سيناريو يُعيد سورية إلى المربع الأول.
– الأصل أنّ السلطة الناظمة التي يمكن أن ترأب الصدع الحاصل في المجتمع يجب أن تكون منبثقة من الشعب، بشكل قانوني، وضمن صلاحيات محدّدة وتحت مظلة عمل وطني على مستوى سورية، واستثناءً يجب أن تكون وفق التوافقات الدولية الواردة بمؤتمر “جنيف١” والمؤيَّدة بقرارات دولية، والقول بمجلس عسكري يقود المرحلة الانتقالية لا تنطبق عليه القاعدة والاستثناء.
– الضباط الذين انشقوا عن النظام وعبّروا عن رغبتهم في هذا المشروع، رغم ضبابيته، إنما بسبب تهميشهم في أي عمل كان، سواء في مرحلة عسكرة الثورة أو في المراحل السياسية الأخرى، وكان أن أقدمَ بعض الضباط إبان بدايات عسكرة الثورة على تشكيل نواة “الجيش الوطني”، ولكن أغلق الملف نهائيًا قبل مباشرة العمل به.
– المجلس العسكري الانتقالي المشترك هو دليل أفق سياسي مقفل، وهو ليس حلًّا، وليس علاجًا، إنما وصفة سريعة لا تنفع البلاد.
– الأصوات السياسية التي كانت سببًا في حرف مسار الثورة هي نفسها اليوم تسرد الموضوعية حول المجلس العسكري!
سورية تمرُّ اليوم -بكل فئاتها- بحالة تشظّ هوياتي، وهي الآن بلا هوية وطنية جامعة، لذلك نشوء “مجلس عسكري” يقودنا إلى التذكر كيف انقسم الجيش اللبناني على نفسه، وفق هويات فرعية، ولا يمكن أن يكون ذلك إلّا إذا تمت محاسبة الضباط الذين تلطخت أيديهم بالدماء، وإذا حصل ذلك، فهذا يؤدي إلى تفتت المجلس ونشوء حالة انتقامية داخل مؤسسة الجيش…
الشعب السوري الآن يمرُّ بمرحلة فيها من المعوقات ما يمنع استكمال مرحلة انتقالية، وأذكر من هذه المعوقات: أزمة الهوية بمعنى التشرذم الثقافي، وهو يمنعها من التكامل في إطار وطني واحد. وكذلك أزمة المشاركة بامتناع قطاعات عريضة عن المشاركة في عملية صنع القرار والانخراط في عمل وطني منظم. وأزمة التوزيع وانتفاء صفة العدالة في توزيع المهام في عملية البناء. زد على ذلك أزمة الشرعية، وهي محصلة لما سبق، إضافة إلى نقص في المؤسسات أو عدم فعاليتها أو انخراطها في أعمال بعيدة عن تحقيق ما يصبو إليه الناس في حريتهم. ولذا لا مناص من تطبيق مخرجات “جنيف1” والقرارات الدولية وفق منطوقها والأولويات الواردة فيها.
بعد تزايد الجدل حول “المجلس العسكري الانتقالي”، أصدرت “هيئة القانونيين السوريين” و”التجمع الوطني الحرّ للعاملين في مؤسسات الدولة”، في 14 شباط/ فبراير الماضي، بيانًا مشتركًا يؤيدان فيه مقترح تشكيل هذا المجلس، ليلعب دورًا رئيسًا بإشراف هيئة الحكم الانتقالية التي تضمنتها القرارات الدولية حول الحلّ السياسي في سورية. ما موقفكم أنتم؟
بالإضافة إلى وجود ائتلاف قوى الثورة والمعارضة والمنصات السياسية، هناك المئات من الهيئات والكيانات الوطنية، وهي إلى حدٍّ كبير متطابقة بالمبادئ والأهداف، وكل منها متمترس حول قيادته، الأمر الذي يشكّل مأزقًا لها جميعًا ، والمخرج الوحيد من هذا المأزق الضيق يكون بطرح مشروع لا يقوم على تجميع هذه الكيانات والهيئات، لاستحالته، وإنما على التفاف الشخصيات الوطنية (سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وحقوقية، وضباط شرطة وجيش) سواء كانت داخل تلك الكيانات أو خارجها ليكون الجميع صفًا واحدًا، خلف مشروع وطني حقوقي سياسي يبنى على مفهوم الدولة الوطنية، ويحافظ على وحدة سورية أرضًا وشعبًا خالية من الاستبداد والاحتلال والإرهاب.
مع تعثر المسارات السياسية المتعدّدة في الملف السوري، خرجتْ أخيرًا أصوات من جهات سورية معارضة عدّة، دعت إلى “مؤتمر وطني جامع للسوريين، يبدأ من كل مدينة أو قرية، ليفرز ممثلين لمؤتمر أوسع، يشكّل نواة لمؤتمر وطني سوري على مستوى العالم”. هل مثل هذه الدعوة ممكنة في ظل الوضع الراهن؟
لقد شوّهت القوى الوطنية (عن جهل أو نفاق) العديد من الصيغ التي يمكن أن تكون مدخلًا للحلّ الوطني السوري، وكان مفهوم مؤتمر وطني جامع للسوريين يبدأ من القاعدة هو أحد الحلول التي تم تشويهها من خلال طرح هذه الفكرة دون التأسيس لإنجاحها الذي يستدعي حتمًا توافر إرادتين:
* إرادة سورية: تقوم على شخصيات وطنية من كل مكوّنات الشعب السوري، وهذا يتطلب اعتماد المعايير التالية:
أ – التشاركية، المعيارية، التوافقية، الانتقائية، الانتقالية.
ب – الديموغرافية، المناطقية.
ج – الداخل، الخارج.
* إرادة دولية: تقوم على الاعتراف بمخرجات هذا المؤتمر من دون التدخل فيه.
برأيي، إنّ أي عمل يقوم تحت عنوان مؤتمر وطني جامع للسوريين، لا تتوفر فيه هاتان الإرادتان مع توفير الأمن والأمان والاستقرار، هو عنوان لمسمى آخر لا ينتج الآثار السياسية المعلنة.
الحلّ يكمن في تفعيل القرار الأممي (377)
ذكرت دراسة نشرها معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أنه “عندما أقرّ المشرعون الأميركيون (قانون قيصر)، قاموا ببناء آليات تهدف إلى مقاومة تغييره من قبل الإدارات المستقبلية. لذلك، من المرجّح أن تستمر العقوبات الاقتصادية التي تستهدف نظام بشار الأسد”. وكما تعلمون أقرّ مجلس النواب الأميركي، منتصف شهر شباط/ فبراير الماضي، مشروع قانون حمل اسم الدبلوماسي السوري المنشق “بسام برابندي”، من أجل تحفيز المخبرين على تقديم معلومات حول رؤوس المهربين الذين يتعاملون مع النظام السوري ويسهلون عملياته. سؤالنا: ما انعكاسات هذه القوانين على نظام بشار الأسد واستمرار حكمه لولاية رئاسية جديدة من ناحية؟
قد يسهم هذا القانون، لو أُحسن تطبيقه، في إضعاف النظام السوري بشكل لا يضر بمصالح الشعب في الداخل، لكنّ أمر التخلّص من هذا النظام الذي يهدد في بقائه كامل دول المنطقة، ويشكّل تهديدًا على الأمن والسلم الدوليين، يفرض على مجلس الأمن الدولي أن يباشر القيام بمهامه، ومنها إحالة مرتكبي الفظاعات المنصوص عنها بالمادة (5) من نظام روما الأساسي، إلى المحكمة الجنائية الدولية. وبالوقت نفسه يحتاج إلى إرادة سورية – سورية أولًا، ومن ثم إرادة إقليمية دولية ثانيًا.
هنا لا بدّ من التنبيه إلى أنّ الحلّ -في ظل الهيمنة الروسية والصينية على مجلس الأمن الدولي واستخدام حق النقض “الفيتو”- يكمن في تفعيل القرار (377) الذي يحمل عنوان “الاتّحاد من أجل السلم”، وينص على أنّ للجمعية العامة أن تتّخذ إجراءات، إذا لم يتمكّن مجلس الأمن من التصرف بسبب تصويت سلبي من جانب عضو دائم، إذا ما بدا أنّ هناك تهديدًا للسلم أو خرقًا للقانون الدولي أو هناك عملًا من أعمال العدوان، فعندئذٍ يمكن للجمعية العامة أن تنظر في المسألة على الفور، من أجل إصدار توصيات إلى الأعضاء باتّخاذ تدابير جماعية لصون أو إعادة السلم والأمن الدوليين.
لقد استخدمت الولايات المتّحدة قرار الجمعية العامة رقم (377)، عندما قامت كوريا الشمالية بالهجوم على كوريا الجنوبية عام 1950، وحاولت الولايات المتّحدة التدخل في الحرب لصالح كوريا الجنوبية بإصدار قرار من مجلس الأمن، لإرسال قوات تحت مظلة الأمم المتّحدة، فقام الاتّحاد السوفيتي باستخدام حق النقض “الفيتو”، لمنع اتّخاذ قرار بهذا الخصوص، فقامت الولايات المتّحدة بالالتفاف على ذلك بالذهاب إلى الجمعية العامة، التي كان لها فيها -آنذاك- أغلبية ساحقة، بحجّة أنه لا يجوز منع تهديد الأمن والسلم الدوليين من قِبل أحد الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن باستخدامها حق النقض “الفيتو”، ومنع المجلس من اتّخاذ قرار بهذا الشأن، حينها دعت الولايات المتّحدة الدول الغربية إلى عقد دورة استثنائية خاصة للجمعية العامة عام 1950، تحت عنوان “الاتّحاد من أجل السلم”، وتم فيها اتّخاذ القرار رقم (377)، بتصويت بأغلبية الثلثين.
قرار الجمعية العامة رقم (377) أكّد أنه يحق لدورة خاصة للجمعية العامة تجاوز عدم تصرف مجلس الأمن، نتيجة استخدام حق النقض “الفيتو” من أحد الأعضاء الدائمين، باتّخاذ قرارات بأغلبية الثلثين تكون لها قوة قرارات مجلس الأمن، ومن ضمنها الصلاحيات الممنوحة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتّحدة، وقد تم بموجب هذا القرار إرسال قوات الأمم المتّحدة إلى كوريا الجنوبية. وقد تم عقد الجمعية العامة في دورة استثنائية، بموجب القرار (377) لعام 1950، تحت بند “الاتّحاد من أجل السلم” عام 1956، عندما قامت بريطانيا وفرنسا باستخدام “الفيتو” في حرب السويس، لمنع إرسال قوات فصل بين مصر وإسرائيل. وأصدرت الجمعية العامة قراراها بأغلبية الثلثين بإرسال قوة عسكرية للفصل بين القوات المصرية والإسرائيلية. وفي هذه الحالة، تتمتع توصيات الجمعية العامة بـ “الإلزام”؛ لأنّ أحكام القرار (377) تنص على إصدار مثل هذه التوصيات، في حالة إخفاق مجلس الأمن في التوصل إلى حل للمسألة قيد البحث، وتعتبر أنها تهدد السلم والأمن الدوليين. هذه هي الحالة الوحيدة التي يكون فيها قرار الجمعية العامة إلزاميًا، وليس على شكل توصية، وهذا يفتح المجال لتجاوز “الفيتو” الروسي والصيني ضد جميع القرارات الأممية.
ما موقفكم من عمليات التهجير القسري التي يمارسها نظام الأسد على الأرض، بهدف إجراء تغييرات ديموغرافية تتناسب وما يحقق للأسد دولة (سوريا المفيدة)؟ وكيف تواجهون كنخب سياسية وناشطين حقوقيين هذه السياسات؟
النظام السوري يسعى إلى الاكتفاء بشعب مفيد له، بغض النظر عن مكوّناته، وبأرض مفيدة له بغض النظر عن حجمها، لذا وقبل أن نجيب على سؤالكم كيف يمكن للحقوقيين مواجهته، علينا أن نعرف أنّ الجهة السياسية للمعارضة التي حازت اعترافًا من بعض الدول هي المعنية -من الناحية السياسية والحقوقية- بالقيام بهذا الواجب، لكن ذلك لم يمنع قيام بعض الحقوقيين السوريين بعمل قانوني أسهم بشكل ما في ملاحقة مرتكبي الجرائم، وسلّط الضوء على البنية الحقوقية للنظام السوري في جانبيها الدستوري والقانوني، التي تمنع عملية الانتقال السياسي من نظام فئوي أمني مستبدّ، إلى نظام مدني تعدّدي ديمقراطي، وعلى الرغم من أنّ العمل الفردي للحقوقيين، مهما كان صحيحًا، لا ينتج آثارًا إيجابية كالعمل الجماعي المنظم، وهذا ما نسعى إليه في (الهيئة الوطنية السورية).
في المناطق الخاضعة لنفوذ سلطات الأمر الواقع في شمالي سورية، اعتمدت حكومتا “الإنقاذ” في إدلب و”المؤقتة” بريف حلب، نظامين قضائيين مختلفين، في مصدر التشريع وفي آلية تنفيذ الأحكام القضائية.. هذه الفوضى -في مجال هو من أهم مجالات تنظيم الحياة- كيف يمكن معالجتها؟ ومن المسؤول الأول عنها؟ ومن القادر على إعادة تنظيم وهيكلة القضاء وتوحيد مصادر التشريع القضائي بما يحمي حقوق الأفراد في مناطق المعارضة؟
دعنا نعود للوراء قليلًا، وتحديدًا في بداية عام 2013، عندما طرح بعض المحامين الأحرار مقولة خاطئة تقول بأنّ “القانون العربي الموحد” هو الأصلح للتطبيق، من دون قراءة عميقة لهذا القانون، الذي ينص في القسم الخاص من قانون العقوبات على توصيف الجرائم وتحديد عقوباتها وفقًا للأفكار التي تبناها تنظيم (داعش). هذا الأمر فتح المجال واسعًا أمام بعض القوى السياسية الراديكالية لتحميل مشاريعها السياسية تحت عناوين شتّى، بحيث أصبح لدينا اضطّراب في المنظومة القانونية البديلة، من دون علم قانوني صحيح للمعنى الحقيقي للمنظومة القانونية القائمة في سورية، التي صدرت قبل عام 1960 وأسهم في إنجازها كبار فقهاء القانون والشريعة، ومن دون التمييز بين تلك القوانين وبين القوانين الخاصة التي تكرس مبدأ بقاء النظام السوري مستوليًا على السلطة، الأمر الذي جعل البعض ينظر إلى المنظومة القانونية القائمة في سورية برمتها على أنها من صنع الطغاة، ويجب نسفها بالكامل، وقد أسهم ذلك في بروز أنظمة قضائية عدة في الشمال السوري (بمناطق ما يسمّى بالإدارة الذاتية أو الحكومة المؤقتة أو حكومة الإنقاذ). تلك المؤسسات القضائية شكلٌ لا يمكن وصفه بنظام قضائي علمي يقوم على أسس في حدّها الأدنى (المحاكمة العلنية، والتقاضي على درجتين، وحرية الدفاع، والمرافعات الشفوية، وما إلى ذلك).
بعد اجتياح الفكر الديني المتطرّف للجغرافيا السورية، عبر قوى وتيارات وفصائل متعدّدة تحمل طابعًا إسلاميًا متشدّدًا. سؤالنا: ما درجة خطورة هذا الفكر الجهادي على مستقبل الديمقراطية والتعدّدية في سورية الجديدة، وكيف يمكن اجتثاثه؟
لا شك في أنّ الفكر الديني الراديكالي والفكر القومي الشوفيني يمثّلان كارثة في حياة سورية، وأعتقد أنّ معظم الشعب السوري -بكل مكوّناته- يرفضون هذين الفكرين، ولا يحتاجون إلا إلى أمن وأمان، ليعبّروا عن ذلك.
لا استمرارية للتحالف الروسي الإيراني
بالرغم من وجود منظومات صواريخ “إس – 300″ و”إس – 300 متطور” و”إس – 400″ تابعة للجيش الروسي الذي أقام قاعدتين في طرطوس واللاذقية، لا تزال أجواء سورية «مفتوحة» أمام طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتّحدة، وأمام طائرات العدو الإسرائيلي التي تعلن بعد كل ضربة أنها قصفت “مواقع إيرانية” في سورية. برأيك، لماذا تصمت موسكو عن هذه الضربات، وهل هي راغبة حقًا في إنهاء الوجود العسكري الإيراني في (سوريا الأسد)؟
لا يخفى على أحد العلاقة الوطيدة بين روسيا وإسرائيل، بالمقابل فإنّ التحالف الهش بين روسيا وإيران يقوم على تلاقي المصالح الآنية، وتضارب المصالح الإستراتيجية، ومنها مسألة الغاز الروسي المتدفّق إلى أوروبا، وما قد يشكّله من خطر جراء تدفّق الغاز الإيراني القطري إلى أوروبا. من هنا، نعتقد بأنّ التحالف الروسي الإيراني لن يدوم، لأنه في حقيقته صراع مصالح اقتصادية لا مواقف إستراتيجية أيديولوجية. وأعتقد أنّ على المعارضة السورية أن تعي ذلك، وتحاول بناء علاقات مع روسيا تحقق مصلحة الشعب السوري، من دون إغفال أنّ ما قامت به في سورية هي جرائم حرب ارتكبت بحق الشعب السوري.
ما الأهداف الروسية في سورية اليوم، بعد أن صارت البلاد مسرحًا لموسكو، لاستعراض القوة واستعادة دورها الدولي كقطب عالمي، وبعد استخدامها كحقل تجارب مجاني لتحسين أداء الأسلحة الروسية، وكمعرض بيع دائم لأسلحتها الجديدة؟
كلّنا يعلم أنّ هناك قضايا عالقة بين الولايات المتّحدة الأميركية وروسيا، وأنّ روسيا تحاول أن تلعب دور القطب الثاني في المعادلة الدولية، من دون وزن أو اعتبار لمآسي الشعوب، وهذا ما عبرت عنه موسكو لأكثر من مرة على أنها تعتبر سورية حقل تجارب لأسلحتها الجديدة.
بعد أن أدّت الخلافات الدينية والطائفية والمذهبية إلى تفكيك جسم الثورة، وشتّت هدفها الأساسي: إسقاط نظام الأسد. ما الأولويات اليوم لرأب التصدّعات في المجتمع السوري لبناء سورية المستقبل؟
دائمًا، هناك مساحة للخلاص الوطني، وهذا يتطلب إرادة سورية – سورية، تقوم على توحيد الصف والكلمة، مع مراعاة التفريق بين مرحلة الاستقرار الوطني التي يكون للأحزاب السياسية دور ريادي في قيادتها، أما مرحلة الإنقاذ الوطني التي تعيشها سورية الآن، فهي بحاجة إلى تشكيل هيئة وطنية وفق ما سبق وبيناه. برأيي، إنّ تداخل هاتين المرحلتين بصيغ عملهما وشخصياتهما كان سببًا كارثيًا في حياة الثورة السورية.
سؤالنا الأخير، كيف الخلاص على المدى المنظور، وقد أصبحت سورية أرضًا مستباحةً أمام القوى الإقليمية والدولية المتخاصمة لخوض حروبها وتصفية حساباتها عبر وكلاء سوريّين؟ وهل بتنا أمام لحظة تقاسم مناطق النفوذ؟ وإلى أي حدٍّ من الممكن أن تنجح فكرة الفدرالية في سورية؟
كلّ السيناريوهات مفتوحة، من تعميق الاستبداد إلى تقسيم البلاد، إلى توزيع أجزاء من سورية على دول الجوار، وذلك بسبب غياب المشروع الوطني وشخصياته، وفي هذا السياق، أقول: إنّ البعض يردّد مقولة خاطئة مفادها أنّ المجتمع الدولي يضع “فيتو” على تكوين مشروع سوري كهذا، لكن الحقيقة غير ذلك، وهي أنّ هذا “الفيتو” المزعوم هو ذاتي، فرضته أغلب النخب الوطنية السورية على نفسها، تهربًا من مسؤولياتها الوطنية والأخلاقية، مع تأكيدنا أنّ اللامركزية الإدارية هي مطلبٌ يتماشى مع أهداف الثورة، ويعمّق مشاركة الشعب في إدارة شؤونه، وأنّ الحديث عن اللامركزية الإدارية المنشودة أمرٌ يطول شرحه، لأنه مرتبط بمنظومة دستورية وقانونية واسعة، لا يمكن الحديث عن جزئية منفردة فيها، بينما نظام الفدرالية، في الظروف الحالية التي تعيشها سورية الآن، يؤدي حتمًا إلى جعل سورية الواحدة سوريات متعدّدة.
مركز حرمون