ليكن كل شيء لعبة فيديو/ أدولفو غارثيا أورتيغا
ولد أدولفو غارثيّا أورتيغا، الشاعر والروائي والقاص الإسباني المعروف، في (بلد الوليد) عام 1958. درس فقه اللغتين الإسبانية والفرنسية، وعمل في حقل الترجمة، جنبًا إلى جنب مع الكتابة، بالإضافة إلى عمله كصحافي ينشر بصفة منتظمة في أهم الصحف الإسبانية، كصحيفة إل باييس، لا بانغوارديا، ودياريو. حاز على العديد من الجوائز، منها جائزة دولثي تشاكون الأدبية عام 2005، وجائزة قشتالة وليون الخامسة في النقد الأدبي 2007، وجائزة ملقة الثانية عشرة عن روايته “قبر في الهواء” عام 2018.
من رواياته: “الأحداث العظيمة التي جرت مع أوسفالدو مندوسا” 1989، و”ذئب” 2007، و”الضوء الساقط” 2021. ومن دواوينه الشعرية العديدة: “هذا العمل الرقميّ” 1983، و”النظرة التي تدوم” 1986، و”أعشقك يا كافكا” 2006، و”عاصمة” 2020، الذي اخترنا منه معظم هذه القصائد التي تكشف عن شاعر متمرد ينتقد اللامسؤولية الاجتماعية من خلال لغة شعرية جريئة يندد فيها بالظلم السياسي والثقافي، مشيرًا إلى التحولات التي تطرأ على حياتنا بحكم التطوّر التكنولوجي والكوارث المحتملة التي يمكن أن تنجم عن الاعتداء المتواصل على البيئة واللامبالاة التي تسم المشهد المعاصر بسبب طغيان ثقافة التسلية واللعب.
(مها عطفة)
حكمة أخرى
أعرف أنّ ضوء الجادة في الليل
يتحلل منحرفًا إلى أضواء حمراء.
أعرف أنّ الغروب يسلب اللبَّ كبطل يتضوع منه العبق.
أعرف أنّ حبال السحب تتشابك مع الأشجار.
أعرف أنّ الناس في الشارع يكدّسون الفرح.
أعرف أنّ الجفن السّاهر يجلب نظرات دامية.
أعرف أنّ أخبار التلفاز هي بستان الوهم.
أعرف أنَ رحمةَ الأسواق المالية مطاطٌ رغويّ.
أعرف أنّه لا بدّ من ترك الصيف ليبرد ومن تناول الشتاء.
أعرف أنّ المبيت في الشارع يعني أنّ الضيافة من الدرجة صفر.
أعرف أنّ القدر يكسب راتبه عند مفترق الطرق.
أعرف أنّ إيماءات السياسيين الأغبياء تُثير هياجَ الناخبين.
أعرف أنّ الناخبين مولعون بالسياسيين الأغبياء.
أعرف أنّ أيام النحس هي أيام سعيدة مقفرة.
أعرف أنّ الحروب يشحنها العقل مثلما يفعل الشيطان.
أعرف أنّه بالنسبة للمُهان فإنّ جلدَ الفيلِ اليوم من ورق.
أعرف أنّ المُهان ليس هو المذلول.
أعرف أنّ العقل يعرف طريقة للوصول إلى الجسد.
أعرف أنني ضفدع يعيش في محرك بورش.
أعرف، أجل، لكني أعرف أيضًا
أن المعرفة لا تُجدي نفعًا بعد الآن.
تغيّر مناخيّ
جنائزيٌّ حبلُ المطر الأسود.
البردُ يخفّ والحرّ ملموس.
العصافيرُ لا تهاجر
والأطفال لا يكبرون.
تكتسح الأمواج بلمسٍ مباغِت.
ترقدُ الأخطبوطات منهكةً على المناشف.
تصدأ الجماجمُ،
هشّةً بِلَونَين.
عجائزُ مُرَوَّضون
يبدون كدرنات مُستأصَلة.
في الأدغال، تصير الأنهار وعرة
والقردة ثعابين.
الذئبُ يرقةٌ بوجه بشري.
والبشرُ شواهدُ قبور بائدٌ تأثيرُها.
يفسد الطعام بدون أوزون.
وتصبح كل بيارة تابوتًا حجريًا.
الأرضُ تحتضر، تسوطُ كل إنشٍ من حُلْمِها.
والغيب يلتهم الرجال والنساء كالقواقعِ،
الغيبُ المعتوه الذي سمّى الوجود ثروة.
أجهضتِ البشريةُ نفسَها،
كما كان متوقّعًا،
ولم يدر الكون بذلك قط.
الغناء ممنوع
يلوون ذراع التعبير،
يدوسون على عنق الكلمة،
يضربون صدغ المقطع الصوتي،
يسحقون عظام الفعل،
يبترون سلاميّات الفكرة،
يقتلعون عينيْ الأغنية،
يبصقون على الأحرف الساكنة،
يقلعون أسنان السّخرية،
يقطعون أذنيْ الأهجوّة،
يذبحون الأدوار،
يخرمون للّغة لسانها،
يحرقون أصوات الأصوات،
يعضّون كاحل النبر،
يخلعون أظافر الفِقْرات،
يطلقون النار على الأحرف الكبيرة،
يشجّون رأس الإدغام،
يعدمون الصفاتِ بالمقصلة،
يفتحون عروق إشارات التعجب،
يقتلون المغنين رميًا بالرّصاص،
يطعنون بالإهانة،
يصلبون الحرية
ونحن لا ننتبه.
لا
الفم الذي يقول “لا” خلّاب
وشقيّ بشكل رهيب.
الفم الذي يقول “لا” دقيق
وسعيد بطبيعتِه.
الفم الذي يقول “لا” ماضٍ
وليس له حدّ.
الفم الذي يقول “لا” هو بداية
ونهاية جليّة.
الفم الذي يقول “لا” خشن وفظ،
لكنه أيضًا مقدِّمة.
الفم الذي يقول “لا” امرأة
وله كلماتُه الخاصةُ به.
الأدب بسلام
لماذا؟
لمَ يصرّون على تسمية
كل ورقة مجلدة أدبًا؟
أيها الفارغون الجوف
ما الذي تقرأونه؟
ما المهم في الأمر؟
انظروا: مئويات الأرجل(1)، الخنافس،
الإبل والغزلان تقرأ،
الدجاج والنمل،
القراد والكافكاويون(2)،
وخفافيش القراءة يقرأون
في الظلام بين أعمدة دوريكية(3)،
هوميروسية، طوطمية مثل تابو فرويد.
أيها القراء المنقرضون،
لقد قرأتم، لن تقرأوا بعد الآن.
دعوا القراءة تموت بسلام.
وليكن كل شيء لعبة فيديو.
البشارة
كثيرًا ما فكرت
كم يستغرق ملاكٌ يهبط
وملاكٌ يصعد
ليصل إلى بيته.
وكم من حياةٍ
بقرونها وصحاريها
يجب أن يعبرها
ملاكٌ يصعد
وملاك يهبط
ليصل إلى بيته.
وكم من الآثار
والأخبار التي يتعذّر تعويضها
على ملاك يصعد
وملاك يهبط أن يمحو
قبل أن يصل إلى بيته.
هم،
ملائكة التاريخ،
رسل الكلمة الأخيرة،
التي تُقال في النّهاية
وتُقال في البداية،
كوجيب القلب عند التعري.
هوامش:
(1) حشرة الحريشة، أو أم أربعة وأربعين.
(2) من فرانس كافكا.
(3) نسبة لأعمدة دوريك.
المترجم: مها عطفة
ضفة ثالثة