أبحاث

الفاشية الدينية والاستبداد الأسدي/ أحمد الرمح

إن أخطر سلوك قامت به أنظمة الاستبداد، في شرقنا البائس، هو ذلك التحالف التاريخي المدنّس بين الطاغوت والكهنوت، بين الاستبداد وكهنة الدين الموازي! وإذا كانوا قديمًا قد زيّفوا نصوصًا دينية، نسبوها زورًا وبهتانا إلى نبينا الكريم، لشرعنة وجود هذا الطاغوت أو ذاك المستبد، فإن سدنة الدين الموازي اليوم وظفوا هذه النصوص المزيفة، لدعم هذا المستبد أو ذاك، وما يزالون يستحضرونها في كل انتفاضة اجتماعية ضد الطغيان،  لترويض المجتمع للمستبدّ باسم الدين، كما يستحضرونها عند كل ثورة تطالب بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، حتى يُخضعوا الثائرين للطاغية، ليلبّوا نداء هؤلاء السدنة بذريعة أن الطغاة بعضٌ من “قضاء الله وقدره”، فينطلي هذا التزييف على البسطاء والمستضعفين، ليخدم مصالح السدنة الدنيئة، ويمدَّ الاستبداد رجليه غير مبالٍ بآلام المستضعفين. وهكذا تبقى الفاشية الدينية عبر التاريخ تقوم بدور المُحَلل “التيس المستعار”، لإبقاء الطاغية متمكنًا من رقاب المواطنين ([1]).

من هذه النصوص المزيفة، على سبيل المثال لا الحصر:”الصبر على حاكم ظالم ستين سنة خيرٌ من فتنة ساعة”؛ و “من كره من أميره شيئًا فليصبرْ، فإنه من خرج من السلطان شبرًا مات ميتة جاهلية”؛ و “تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع”.

الفاشية الدينية

“الفاشية الدينية” ظهرت كمصطلح في عشرينيات القرن المنصرم في إيطاليا، إبان الحكم الفاشي لموسوليني، عندما تحالف الروم الكاثوليك، وأسسوا حزبًا دينيًا سياسيًا صاغ مبادئه الكاهن المسيحي لويجي ستورزو، لدعم سياسية موسوليني الداخلية ونظامه، ثم اختلف مع موسوليني فنفاه إلى لندن. وبات هذا المصطلح عنوانًا لتحالف رجال الدين مع الطغاة المستبدين، حيث يعملون لإسباغ المشروعية الدينية على سياسة الطغاة ونظام حكمهم، مقابل أن يسمح لهم الطاغية بتنفيذ مفهومهم الديني المنحرف الضامن لمصالحهم الدنيئة.

هذه الفاشية الدينية وُجدت كثيرًا في شرقنا البائس بأسماء وألقاب مختلفة، ولكنها في سورية باتت سائرة على خطا الفاشية الدينية التي تحالفت مع موسوليني يومًا ما، لتضمن مصالحها على آلام الشعب السوري المستضعف؛فقد شرّعوا للطاغية تدمير سورية وتشريد شعبها، وأوغلوا في فاشيتهم الدينية أكثر، عندما باركوا تيارًا دينيًا نسويًا فاشيًا، بالمعنى الذي ذكرناه آنفًا، أُطلِق عليه اسم “القبيسيات”، أوكلت إليه مهمة ترويض الأسرة والمرأة لصالح سياسة الطاغية!

كيف تأسست الفاشية الدينية تاريخيًا؟

علينا أن نواجه الحقيقة، على الرغم من مرارتها، وألا ندفن رأسنا في الرمال، حتى لا يدفع أبناؤنا وأحفادنا ما دفعه آباؤهم وأجدادهم من ذلّ وهوان للمستبدين وأنظمتهم، إذ ندفع نحن اليوم في الربيع العربي الثمن باهظًا. دعونا نأخذ مصطلح الفاشية إلى التاريخ، ونحاول أن نجري مقاربة مع وقائع من تاريخينا تبيّن بذوره، وكيف نشأ عندنا. تأسست الفاشية الدينية منذ أن قيل بأن عثمان بن عفان نطق بها، عندما طولب بالتنحي عن الخلافة نتيجة انتفاضة اجتماعية، بعد تحويل نظام الحكم إلى نظام “أولغاريشي”، سيطر بنو أمية على مفاصله وعاثوا فيه فسادًا، فقال: “والله ما كنتُ لأخلع سربالًا سربلنيه الله” ([2]).

وعلى الرغم من أننا نشك في نسبة هذا الجملة إلى عثمان، كونه قد تربى في مدرسة النبوة، فإنها أسست لثقافة الجبرية، وأن الحاكم “قدر الله”، وأنه موجود بتفويض إلهي! ولكن من زوّر أحاديث على لسان النبي تمجِّد الاستبداد، من السهل عليه أن يزوّر مثل هذا الجملة الخطيرة المؤسسة لثقافة الحكم الجبري، لتمنع الخروج عليه، وليرضى به الناس كيفما كان، وإن كان ظالمًا أو فاسدًا.

تأسست هذا الفاشية الدينية، عندما سكت الفقهاء على تحوّل نظام الحكم في دولة الإسلام الناشئة، من الحالة الشورية إلى الملك العضوض والجبري ([3])، على يد معاوية بن أبي سفيان، عندما أخذ البيعة لابنه يزيد بالقوة لتوريثه، قائلًا: “إن أمر يزيد قضاء وقدر، وليس للعباد الخيرة من أمرهم” ([4]).

سكت الفقهاء على الملك العضوض والجبرية؛ فتأسست تواكلية متدينة مستسلمة متعايشة مع الاستبداد، وكانت النتيجة أن ثار العباسيون على الحكم الأموي، فذبحوا الأمويين شر ذبحة، بذريعة الانتقام لآل بيت النبوة، التي سرعان ماإذ لحق بهم الذبح والتنكيل علىمن أبي العباس السفاح، ليأتي بعده أبو جعفر المنصور، معلنًا -بمباركة الفاشية الدينية- أنه “سلطان الله في أرضه”! ومفوض في رقاب العباد، وله حرية التصرف بالمال العام ينفقه كيف يشاء، إذ خطب بالحُجاج في عرفة قائلًا: “أيها الناس: إنما أنا سلطان الله في أرضه، أسوسكم بتوفيقه، وتسديده وتأييده، وحارسه على ماله، أعمل فيه بمشيئته وإرادته، وأعطيه بإذنه، فقد جعلني الله عليه قفلًا، إن شاء أن يفتحني فتحني لإعطائكم، وقسم أرزاقكم، فإن شاء أن يقفلني عليها أقفلني، فارغبوا إلى الله وسلوه في هذا اليوم الشريف الذي وهب لكم من فضله ما أعلمكم” ([5]). والغريب أن المؤرخ وعالم الشريعة والأديب المصري أحمد زكي صفوت أورد هذه الخطبة الاستبدادية، في كتابه “جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة”، وعدّها من عيون الخطب والبلاغة! ([6]).

هذه بعض من الأمثلة التاريخية على تحالف الفاشية الدينية مع الطغيان والاستبداد، وليست كلها، فالمقام في هذه الورقة لا يتسع لكل تلك الأمثلة التي لطخت تاريخ الإسلام وسمعته.

الفاشية الدينية والاستبداد الأسدي

منذ تلك الأزمنة التي تحدثنا عنها آنفًا، التي لم يجد فيها الثائر الحرّ أبو ذر صاحب رسول الله مَن يعينه في ثورته على الحق، بدأت الفاشية الدينية، وتمت زراعة بذرة الاستبداد، ومنذ أن ترك الفقهاءُ الثائرَ على الاستبداد غيلان الدمشقي، يُذبح ويُصلب، تنامت الفاشية الدينية، ومنذ أن بطش الطاغية الحجاج بن يوسف الثقفي بالعالِم الحر سعيد بن جبير، والفاشية الدينية تتكاثر في شرقنا البائس بشكل سرطاني، لتحط رحالها في أحضان أكبر طاغية في القرن الحادي والعشرين، حتى دمّر سورية، وهجّر أحرارها، ونكل بشبابها في معتقلاته، وصدق في توصيف هذه الفاشية وعلاقتها بالطغاة الثائر عبد الرحمن الكواكبي عندما قال فيهم: “تضافرت آراء أكثر العلماء النّاظرين في التّاريخ الطّبيعي للأديان، على أنَّ الاستبداد السّياسي مُتَوَلِّد من الاستبداد الدِّيني، والبعض يقول: إنْ لم يكنْ هناك توليد، فهما أخوان، أبوهما التَّغلب وأمّهما الرّياسة، أو هما صنوان قويّان، بينهما رابطة الحاجة على التّعاون لتذليل الإنسان، والمشاكلة بينهما أنَّهما حاكمان، أحدهما في مملكة الأجسام والآخر في عالم القلوب” ([7]).

فالمستبد يحتاج لبسط طغيانه إلى داعم ديني، يبرر ديكتاتورته وفردانيته في السلطة! فيكون ظهيرًا وعونًا له في التمكن من رقاب الناس، يسبغ على طغيانه مشروعية دينية تمنع التمرد عليه، ويلوي أعناق النصوص الدينية، ليجعلها خادمة للمستبد وطغيانه، لذا لا يمكن أن يبسط الطغيان سلطانه دون عون من الفاشية الدينية التي تنسب نفسها، زورًا وبهتانًا، إلى السماء. فالفاشية السياسية محتاجة إلى الفاشية الدينية، ولا تستطيع الاستغناء عنها، لأنها الرئة التي تمنح وجودها البقاء الشرعي المزيف، ومتى زالت الفاشية الدينية، انهارت الفاشية السياسية، عاجلًا أم آجلًا.

الفاشية الدينية السورية استحضرت النصوص التاريخية التي ذكرنا بعضها آنفًا، لتبارك الطغيان الأسدي، وتمنح حكمه مشروعيتها الدينية! إنّ كهنة الدين الموازي، سدنة نظام الأسد الطاغية، ليسوا إلا من ذرية الذين نسبوا إلى نبينا الكريم مثل تلك الأقاويل المزيفة، ولووا أعناق النصوص ليمنحوا الطاغية مشروعية دينية لحكمه، فهم ذرية بعضها من بعض، ملعونون أينما ثقفوا.

وها هو الدكتور محمد حبش يتحدث، في مقال رائع له، عما كانت تفعله الفاشية الدينية في ظل جبروت الأسد، وكيف كانوا يعيبون على الأحرار، إذا ما سمعوا صراخهم بكلمات الحق، حيث كان شاهدًا على ذلك السلوك، وقد تبرّأ منه بكل شجاعة، قائلًا: “هكذا كان المشايخ والتجّار يبررون مواقفهم بهذه الطريقة، ويعتبرون تأمين السلامة الشخصية بحد ذاته إنجازًا ونجاحًا وتوفيقًا، وكنا في غمار ذلك نبرّر تقصيرَنا ونفاقنا، بل كنّا نعيب على أهل كلمة الحق موقفهم، ونعتبر وصولهم إلى السجون دليلًا على غبائهم وجهلهم، وكان يتبع ذلك الاستهانة والاستخفاف بكل تضحياتهم التي قدّموها ليقولوا كلمة الحق، وبالطبع، لم يكن الأمر ليتوقف عند حدود كفّ أذى الاستبداد، بل تطور الأمر إلى استمالته والاستعانة به، في سبيل تحقيق مصالح موهومة، كنا نسميها مصلحة الدعوة وحسن التدبير وغير ذلك من المصطلحات الزائفة التي يراد منها الخضوع للمستبد في أشد غرائزه المتوحشة” ([8]).

ونتيجة لما سبق، تأسست الفاشية بسورية إبان حكم الأسد الأب، وتأسس معها الثالوث الفاشي (الديني والاقتصادي والسياسي) وهو ذاته الذي حذّر منه القرآن الكريم، وأوضح أن المجتمع إنْ سكت على ذلك الثالوث، فسيصيبه خراب ودمار لا نظير له، وضرب لنا مثلًا بفرعون الذي مثل الفاشية السياسية، وهامان الممثل للفاشية الدينية، واكتملت أضلاع المثلث الفاشي بوجود قارون ممثل الفاشية الاقتصادية: {وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} الفجر:11ــ14

الفاشية الدينية تتحالف مع الطغيان الأسدي ضد الثوار

إن التحالف المدنّس بين الفاشية الدينية والسياسية تدلّى في دركات الانحطاط الأخلاقي، ليصل إلى مراحل أصبحت خلالها الفاشية الدينية أضحوكة المجتمع، حيث وقف الشيخ البوطي، كاهن الاستبداد الأكبر، ليكذب بكل وقاحة، يوم وفاة باسل ابن حافظ الأسد، فيقسم بأنه رآه في الجنة! وبكى بحرقة على الطاغية الأسد الأب يوم وفاته، وحرّض الجيش الأسدي على قتل المتظاهرين الشباب! ([9]). ثم تغولت الفاشية الدينية، لتحرِّف الأناشيد الدينية من مديح للنبي الكريم، فتجعلها لبشار الأسد، من دون أي حياء أو خلق أو دين ([10]). وها هو أحد سدنة الفاشية الدينية يكذب ويفتري ليجمع سيادة الأسد للوطن، بسيادة الخالق عزّ وجل والنبي الكريم في ليلة القدر، من دون حياء! ([11]). وتمادت الفاشية الدينية في السورية منافقةً للطاغية، وأباحوا له أن يقتل ويدمر ويشرّد دون أن تهتز لهم شعرة خجلًا، أو يتحرك ضميرهم على تلك الأرواح الشابة وهي تُقَتّل وتُعتقل وتهجر، والبلاد تُدَمّر ([12]).

ولعلّ آخر ما قامت به الفاشية الدينية، ما شاهدناه أخيرًا في صلاة العيد منذ أيام، عندما قال خطيب الجامع الأموي: إنّ عظمة الجامع الأموي تجددت اليوم بقدوم الأسد إليه! وإنّ الأسد قد تخَلَّق بأخلاق الله!! والفاشية الدينية تعلمت الديمقراطية من الأسد! ثم مدح صلابته في حربه على شعبه! وتغزّل بحنانه وإنسانيته وحزمه! وأكد أن الفاشية الدينية ستبقى تقاتل معه! وختم خطبته بأن الأسد هو خيارنا! ([13]). وصدق في هذا الخطيب وأمثاله قوله تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} الزخرف:54.

كيف نتخلص من الاستبداد؟

لا شكّ في أن الاستبداد موغل في ثقافتنا الاجتماعية، ومتغول في مفاهيمنا الدينية الخاطئة، وهذا ما يجعل المهمة الأولى للتخلص من الاستبداد مهمة فكرية وثقافية، تتمثل بأن نتحول من حكم الفرد إلى ثقافة العمل المؤسساتي في جوانب الحياة كلها، لنؤسس وطنًا يقوم القرار فيه بشؤون الحياة كلها على قرار مؤسساتي، لا دور للفرد الدكتاتور فيه، إذ إنّ الاستبداد والفردانية المطلقة مفسدة مطلقة، وهذا ما نعانيه، وعلينا أن نتخلص منه بلا رجعة إليه إطلاقًا. وعن تلك الأحادية المطلقة، يتحدث الكواكبي قائلًا: وأشد مراتب الاستبداد التي يُتعوذ بها من الشيطان، هي: حكومة الفرد المطلق، الوارث للعرش، القائد للجيش، الحائز على سلطة دينية ([14]).

وأما الخطوة الثانية فهي ألا يتدخل الدين في السياسية، حيث نرسم حدودًا بيِنَة واضحة، بينهما، فالدولة كائن اعتباري، لا علاقة له بالدين، إنما هي جهاز يعمل لخدمة كل أبناء الوطن بلا تمييز ديني، ولا انحياز طائفي، ولا عنصرية عرقية. ولقد حذر من هذا الخلط ما بين الدين والدولة عميدُ الأدب العربي طه حسين، عندما كتب سنة 1929 عن الأثر السلبي الذي بدأ يظهر في المجتمع المصري، بعد أن حدد دستور 1923 بأن الإسلام دين الدولة، فقال: كانت النتيجة الخطرة لهذا كله أن تَكَوَّنَ في مصر، أو أخذ يَتَكوَّن فيها، حزب رجعي يناهض الحرية والرقي، ويتخذ الدين ورجال الدين تكئة يعتمد عليها في الوصول إلى هذه الغاية… فلم يعرف تاريخ مصر الحديث شيئًا من اضطهاد حرية الرأي باسم السياسة والدين، قبل صدور الدستور! ([15]).

وينبغي لنا أن نحيي ثقافة التشاركية، من خلال البدء بتكوين ثقافة المجتمع المدني للوصول إلى مؤسساته التي تصهر الجميع دون تمييز على أساس طائفي أو مذهبي أو عرقي، حيث الكلّ مواطنون، لهم الحقوق ذاتها، وعليهم الواجبات عينها.

قبل الختام

كي لا نغمط حق الآخرين، ونضع المؤسسة الدينية السورية في سلة واحدة، وهذا غير منصف ولا عادل، نقول إن من العلماء الأحرار من رفض أن يخضع للاستبداد، وانحاز إلى الحق والشعب والثورة، ورفض أن يبيع دينه بدنياه، رافضًا أن يكون من طابور الفاشية الدينية التي طبّلت ونافقت للطاغية على حساب دينها وضميرها. وسيبقى يُذْكر لهم انحيازهم للحق والفضيلة ضد الطاغية، وسيكتب تاريخ الثورة أن الأحرار موجودون، وأن سورية ولَّادة للأحرار، ومن هؤلاء الشيخ كريم راجح (شيخ قراء بلاد الشام) الذي قال كلمة الحق، والدكتور محمد حبش، والشيخ سارية الرفاعي الذي صدع بكلمة الحق من على منبره بدمشق ولم يخش في الله لومة لائم، وكذلك الشيخ راتب النابلسي الذي وصف الطغاة بأنهم أغبى أغبياء البشر، وأن من ينتصر على شعبه سيلحقه العار إلى الأبد، وكذلك الشيخ أسامة الرفاعي، وعلى رأس هؤلاء جميعًا الشيخ الراحل محمد علي الصابوني، الذي وقف موقفًا حرًا، وأفتى بالخروج على الطاغية ([16]).

ختامًا

الإسلام كدين أطهرُ من أن تلوثه الفاشية الدينية ربيبة الاستبداد، فقد جاء بالعدل والإحسان، وجعل الكفران بالطاغوت شرطًا للإيمان بالله، إذ قال: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ} البقرة 256؛ فشرطُ الكفر بكلّ طاغوت يُكره الناس على أي شيء هو شرط مقدَّمٌ على شرط الإيمان بالله، ولذلك حرّر الإسلام عباده من أن يكونوا عبيدًا لأحد. وكل محاولة لإعادة الناس إلى بيت الطاعة الطاغوتي، فالإسلام بريء منها، وكلُّ من يدعو إلى ذلك، مهما علت مرتبته الدينية، هو من علماء السوء الذين توعّدهم الله بالويل ثلاث مرات في آية واحدة، في سابقة قرآنية لم تتكرر في آياته: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ}. البقرة: 79.

{وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون}.

[1] ـ التيس المستعار: مصطلح فقهي يُطلق على الرجل الذي يقوم بالزواج من امرأة ما، طلقها زوجها ثلاث مرات؛ وأصبحت بحاجة إلى مُحلل يقوم بالزواج منها صوريًا، حتى يستطيع زوجها الأول ردها إليه، ويُطلق عليه في اللهجة الشامية (التجحيش) وقد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ألا أنبئكم بالتيس المستعار؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له. رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى.

[2] ـ ابن كثير. البداية والنهاية /الجزء السابع/ صفة قتله رضي الله عنه. رغم أن السيناريو الذي يورده ابن كثير غير مقنع؛ حيث يصور عثمان وكأنه وحيد لا أحد يدافع عنه.

[3] ـ إشارةً إلى ما نُسب للنبي في مسند الإمام أحمد بن حنبل أنه روى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبريًا فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت.

[4] ـ ابن كثير. البداية والنهاية: 8/126.

[5] ـ ابن جرير الطبري. تاريخ الأمم والملوك. 9/ 31. وابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد. 2/ 145.وابن قتيبة الدينوري في كتاب عيون الأخبار. 2/251.

[6] ـ أحمد زكي صفوت. جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة. 3/27 المكتبة العلمية بيروت – لبنان ثلاثة أجزاء.

[7] ـ عبد الرحمن الكواكبي. طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد. ص: 27.

[8] ـ الدكتور محمد حبش. كلمة الحق ثقافة وممارسة. https://bit.ly/3fE9VrM

[9] ـ فيما يلي بعض مما قاله نفاقًا للاستبداد الفيديو: https://bit.ly/3u8OlRm

[10] ـ فيديو للتحريف في الأناشيد الدينية يمجد ويؤله الطاغية: https://bit.ly/3fB0F7R

[11] ـ فيديو التشبيه والتشبيح الفاشي: https://bit.ly/2RDG4b9

[12] ـ فيديو يجمع جلَّ تصريحات الفاشية الدينية السورية:  https://bit.ly/3yozFBj

[13] ـ فيما يلي خطبة العيد الأخيرة لأحد سدنة الفاشية الدينية: https://bit.ly/3ozR7yb

[14] ـ عبد الرحمن الكواكبي: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد: ص: 34.

[15] ـ الدكتور فيصل غازي مجهول. طه حسين المسألة الدينية. مجلة كلية الآداب بجامعة بغداد. العدد:101 مقتطفات من كتابه (من بعيد). https://bit.ly/3oBMBPs

[16] ـ فيديو يُظهر مواقف العلماء الأحرار ضد الاستبداد ووقوفهم مع حق الشعب: https://bit.ly/3wfOW5s

مركز حرمون

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى