مجموعات “الواتس آب” السورية وسؤال “ما العمل؟”/ رشيد الحاج صالح
يُطلب من عدد كبير من السوريين الموافقة على إضافتهم على مجموعات (واتساب) يُنشئُها مهتمّون بالوضع السياسي والاجتماعي العام في سورية. في هذه المجموعات، يتناقل السوريون آخر الأخبار والمقالات والمستجدات والدراسات التي تتناول الوضع السوري الراهن، ويعلّقون عليها، ويتناقشون حول كل ما يُنشر في تلك المجموعات، ويحلّلون كلّ شارة وواردة. ويصل عدد المشاركات اليومية، في بعض الأحيان، إلى مئات، وذلك بحسب سخونة الأوضاع العامة والمواضيع التي تُطرح. ولكن إلى أيّ حدّ تُحقّق هذه المجموعات أهدافها الفعلية؟ وكيف تؤثر في متابعيها؟ ولماذا تكاثرت بهذا الأعداد الكبيرة، بالرغم من أن جدواها ليست بحجم تطلعاتها؟ في هذا العجالة، نحاول أن نقف على واقع تلك المجموعات وسُبل تحفيزها للعب دور أكبر في الحياة السياسية في سورية. وسنتناول المجموعات المعارضة للنظام فقط، والتي يقتصر اهتمامها على الشأن السياسي العام.
أهداف مجموعات “واتساب”:
تتعدد الأهداف من وراء إنشاء هذه المجموعات، بين تداول الأخبار الخاصة بسورية، ومعرفة آخر ما يدور في كواليس السياسة، والاطلاع على آخر التحليلات والمقالات المنشورة في الصحف ومراكز الدراسات، فضلًا عن التفكير في مستقبل سورية، ووضع تصورات لما ستؤول إليه الأوضاع، واقتراح الحلول الممكنة. وتعرّف معظم تلك الصفحات نفسَها بأنها مع الثورة السورية، وتسعى للعمل من أجل حقوق السوريين وتحقيق آمالهم في إقامة وطن جديد يقوم على الحريّات والمساواة ووحدة التراب السوري.
يشكّل سؤال (ما العمل؟) الذي يشغل بال غالبية السوريين الخلفيةَ اللاشعورية القابعة خلف تلك المجموعات، على الرغم من أن تلك المجموعات لا توليه الاهتمام الكافي. فغالبية تلك المجموعات تعتقد أنها تُسهم، بشكلٍ ما، في التعاطي مع ذلك السؤال – بشكل مباشر أو غير مباشر- كما تسهم في بلورة وعي سياسي سوري ناضج، يكون قادرًا على مقاربة ذلك السؤال العنيد.
بعض المجموعات اختصت بمنطقة جغرافية محددة من سورية، وبعضها الآخر اقتصر على جانب معين، يتعلق بالاقتصاد، مثلًا. ويسارع المشرفون على تلك الصفحات إلى نقل آخر الأخبار العاجلة وأبرز التصريحات المثيرة للرأي العام، ويركزون على أخبار الانتهاكات التي يعانيها السوريون من قبل النظام والمتعاونين معه. ويخيّم نقد الأوضاع العامة على غالبية الأخبار والتعليقات.
بعد متابعة أحدنا لتلك المجموعات مدة من الزمن (لنقل بضعة أشهر)؛ يشعر بأن تلك المجموعات صفحات إخبارية، مثلها مثل أي جريدة أو تطبيق لمتابعة الأخبار والاطلاع على آخر المستجدات على الساحة السورية، مع بعض المناقشات والتعليقات من قبل أعضاء المجموعة.
أسباب الانتشار:
من أسباب انتشار هذه المجموعات، سهولةُ استخدام تطبيق (واتساب) ومجانتيه؛ ذلك أن بإمكان أي شخص إنشاء مجموعة ودعوة من يريده إليها، من دون أن يكلفه ذلك أي شيء؛ ومن تلك الأسباب أنّ المشرف على المجموعة لا يحتاج إلى أن يتفرّغ أو يخصص جزءًا كبيرًا من وقته اليومي لهذه المجموعة. وهناك سببٌ آخر، يتعلق بدور الأعضاء في المجموعة، وهو أن غالبية وسائل التواصل الاجتماعي تعطي للعضو أو المشترك دورًا مساويًا لدور صاحب الصفحة. وبذلك يجد معظم أعضاء تلك المجموعات أنفسَهم في وضعٍ يشبه وضع الصحفي، أو مصدرًا مهمًّا للمعلومات، أو محللًا سياسيًا، حيث يستطيع أن يطرح ما يريده من آراء تدور في ذهنه أو قصص يعتقد أنه من المفيد أن يطّلع عليها الآخرون. وهذا يعني أن المشترك في المجموعة ينتابه إحساس بأنه “شريك” و “ندّ”، في كلّ ما يطرح، وليس مجرد متلق أو مستمع يهزّ رأسه طوال الوقت، وهو وضع سئمَه السوريون الذين حُرموا من أبسط أشكال التعبير لمدة تزيد عن نصف قرن.
محتوى المجموعات:
غالبًا ما يُترك أعضاء المجموعة لكي يقوموا بكل شيء بأنفسهم، حيث يمكن لأي شخص نقل أي خبر أو مناقشة أي موضوع، متى شاء. ولعل هذا ما يفسّر تفاوت الآراء والمواضيع التي تُطرح في المجموعة؛ إذ يميل ذوو التوجه الديني إلى تفسير الأمور والأحداث، إما بالتركيز على أهمية إصلاح علاقتنا بديننا، وإما بإلقاء كل شيء على الغير (نظرية المؤامرة)، فضلًا عن التعبير عن رغبة شبه دائمة في تحميل “العلمانية” جزءًا كبيرًا من المسؤولية عن مشكلاتنا. ويردّ ذوو الخلفية العلمانية بطريقة عكسية، ويحمّلون رجال الدين التقليديين وفتاواهم المهادنة للنظام الأسدي مسؤولية الكوارث التي يعانيها السوريون. أما ذوو الخلفية العسكرية، فيميلون إلى طرح خبرتهم العسكرية كخلفية لفهم ما يجري في سورية. أصحاب الخبرة والوظائف الكبرى السابقة يعطون الأهمية الكبرى لخبراتهم، ويتحولون إلى حكواتية بطريقة توضح للناس كيف كانت الأمور تسير. والغالبية لديهم شكوك حول المثقفين ودورهم المشبوه. فنظرية المؤامرة والمؤامرة المعكوسة تخيمان على المشهد العام في تلك المجموعات.
حصة الأسد في محتوى تلك المجموعات هي لـ “جرائم وانتهاكات النظام” التي يعانيها معظم السوريين. النصيب الأقلّ هو لانتهاكات المعارضة، وقلة خبرتها في إدارة كثير من الملفات، وتقصيرها في الأدوار التي عليها أن تقوم بها. بالدرجة الثالثة، يأتي شتم إيران وروسيا، وفضح جرائمهم ودورهم الكبير في توفير الحماية للنظام الأسدي ومنع سقوطه. طبعًا يتم طرح أي خبر أو رأي لتمتد الصفحة، وتتناول كلّ حدث أو تصريح، ولو تعلق الأمر بآخر بقاع الأرض.
إشكالات ومفهوم تقليدي للسياسة:
الأخبار المتداولة في تلك المجموعات تحتمل، في بعض الأحيان، التزوير والاختلاق وعدم الدقة. الأخبار التي مات فيها حسن نصر الله وماهر الأسد تتكرر كل شهر. أما تهويل أي مشكلة تقع للنظام، فيُعد من بديهيات الأخبار حتى إن الذي يطلب التحري والدقة ومصدر تلك المعلومات يُنظر إليه بعين الشك وعدم الارتياح. طبعًا يحاول المشرفون على المجموعة الحدّ من المبالغات والأخبار المضخمة بشكل شبه دائم، ولكن غالبًا ما يضيع مجهودهم وسط حالة من الفوضى في تناقل الأخبار. في بعض الأحيان، تنقلب الصفحات إلى مجلس عزاء، ولو كان المتوفى شخصية غير عامة، كأن يعزّى بقريب أحد أعضاء المجموعة.
غالبًا ما يتناقش الأعضاء حول الأخبار المتداولة، وكثيرًا ما ينقسمون بين رأيين أو تفسيرَين للخبر. ولكن ما يميز تلك الآراء المتداولة هو “صفة الوثوقية”، وتمسّك كل عضو برأيه أو تفسيره، وإنْ لم يكن من ذوي الخبرة أو الاطلاع حول موضوع الخبر. وبعد بضعة أشهر، يتكوّن لدى المتابع لتلك المجموعات انطباعٌ بأن الجميع يعرف كل شيء، ويدرك خلفيات كل الأخبار والتصريحات، وعلى دراية كاملة بما حصل وما سيحصل من مستجدات في سورية!!
تترافق نزعة الوثوقية هذه مع نزعة أخرى، هي نزعة “التطهريّة” التي تخيّم على غالبية تصريحات ومناقشات الأعضاء. الكلّ يعتقد أنه أطهر وأنقى وأشرف من الآخرين، وأنه بريء من الأخطاء وفساد الفاسدين، وأنه يعرف جميع عيوب ونواقص من ارتكب الأخطاء من دون أي انزلاق له في أتون الخطيئة. هكذا يعتقد أغلبية أعضاء تلك المجموعات: أن “الآخرين” وليس “الأنا” هم من يتحمّلون مسؤولية ما يحصل. ومن النادر جدًا أن تقرأ على هذه الصفحات أن سوريًّا قال إنه يتحمّل مسؤولية ما، أو يلوم نفسه على أنه أخطأ في موقعٍ ما، أو في تصرّف معين، حتى المسؤولين والمثقفين وكبار الشخصيات الدينية والاجتماعية!
النزعة الثالثة هي نزعة “التوجيه والتعاُلم”؛ حيث يصطدم المتابع لهذه الصفحات بكميات كبيرة من الرسائل التي تحمل توجيهات لما يجب فعله في موضوع معين، ويكون ذلك أحيانًا من دون أي شرح للأسباب أو تبرير للتوجيهات. هناك عدد كبير من أعضاء تلك المجموعات يقدّم آراءه على شكل أوامر أو حكمة مستخلصة من تجاربه. فالغالبية يلقون التعليمات والنصائح بصيغة الأمر؛ لأنهم يعتقدون أنهم يعرفون أكثر من غيرهم أن معالجة هذا الأمر أو ذاك تتم بهذه الطريقة، وأن تلك المشكلة تعود إلى ذلك السبب بشكل رئيسي!
القضية تتعقد أكثر، عندما تصطدم التوجيهات ببعضها، وتتصارع الوثوقيات بشكل حاد. حيث تنقسم -مثلًا- بين من يجزم بأن النظام سينهار بانهيار الليرة السورية، وبين من يجزم بأن النظام يقف وراء تدهور أسعار الليرة، لأنه يبقى بالرغم من كل شيء أكبر المستفيدين، لأن مخزونه المالي بالعملات الأجنبية. مثلما تنقسم بين الواثقين بأن عسكرة الثورة كانت في حقيقتها جزءًا من “ثورة مضادة”، وبين من يعتقد أن العسكرة شكلت أكبر خطر كاد يطيح بالنظام عام 2013، وأن المصيبة بـ “معارضة الفنادق”. إن تناقض الوثوقيات يكاد يشمل كل شيء: دور تركيا، دور الخليج، الموقف من الأكراد، الموقف من هيئة تحرير الشام، الموقف من منظمات الإغاثة، حماس، دور المثقفين، الائتلاف ومؤسساته، حتى إن تلك الانقسامات الحادة تمتد لتشمل الموقف من الأشخاص: فراس طلاس، حاتم علي، جمال سليمان، فراس الأسد، أعضاء الائتلاف…
تعود تلك الخلافات في غالبيتها إلى استسهال الأعضاء طرح مواقف وآراء جازمة، وإلى اعتقاد الأغلبية أنه يجب أن يكون لهم رأي في كلّ قضية تُطرح، لأنهم يعتبرون موقفهم من قضية ما أهمّ من القضية نفسها. وهذا الأمر يتعلق -في تقديري- بموقف السوري من “الرأي” وربط ذلك بالشخصية؛ لأن الثقافة العامة تذهب إلى أن من ليس لديه رأي ليس لديه شخصية!
السبب الآخر في كثرة تلك الخلافات و”المناكفات” هو عدم تمكن الأغلبية من التحرر من عقلية “المزايدة”، عند مناقشة قضايا السياسة. طبعًا المزايدة هي الطريقة التي يقارب بها النظام السياسة، طوال نصف قرن. بحيث سرعان ما ينقلب النقاش إلى اتهامات بالتخوين والعمالة. هذه الطريقة يفضّلها النظام، لأنها تحوّل النقاش إلى نوع من التصنيف للناس: من هو خائن، ومن هو وطني. في مجموعات (واتساب) السورية تفوح رائحة التخوين بشكل يجعل النقاشات غير بناءة وغير منتجة.
أما أخطر تلك النزعات فهي النزعة “العدمية” التي تعتبر أن كل شيء مخطط له، وأن جميع الأحداث والقرارات وكل شارة وواردة لا تحدث إلا بترتيب من القوى العالمية، ليس على المستوى السوري وحسب، بل على المستوى العالمي أيضًا. فهم يعتقدون أن كل شيء يسير بتدبير وترتيب مسبق: جائحة كورونا مخطط لها، الرئيس الأميركي يعينه “المجلس الماسوني”، وصول حافظ الأسد للسلطة قبل نصف قرن كان بترتيب من تلك القوى. كل رؤساء وقادة العالم مجرد جنود في مخطط عالمي هدفه الكبير تدمير العرب والإسلام. أما إيران فإنها تبقى الفتى المدلل لدى الغرب، على الرغم من العداء الظاهر لها.
هكذا يجد أعضاء تلك المجموعات أنفسهم ينزلقون في تفكير استسلامي، يعاني ما يسميه علماء النفس “الوسواس القهري”، والوقوع في المجال السياسي بما يسمّى بـ “المظلومية” التي يسهل الانزلاق إليها؛ لأنها تريح النفس وتجعلها أكبر ضحية على وجه الأرض. الخطر الأكثر كارثية مع المظلومية أنها ترفع عن كاهل الشخص أيّ شعور بالمسؤولية والتفكير، لأنه مظلوم وليس ظالمًا. في الثقافة التقليدية الدينية، الله هو من سيحاسب من ظلم المظلومين وأكل حقوقهم.
ملاحظات ختامية:
1. تشكل مجموعات (واتساب) السورية مجالًا مهمًّا لكي يناقش السوريون قضيتهم الكبرى ومسالكها التي تزداد تعقيدًا يومًا بعد آخر. وهي مجال مهمّ لكي يطوروا آليات الحوار وقدرتهم على تحليل الأوضاع والمستجدات. ويدل إنشاؤها وتكاثرها على أن السوري ما زال متمسكًا بقضيته ويحمل همومها، ولن يقبل بأن يترك المجال السياسي “للامباليين” الذين فضّلوا التفرغ لشؤونهم العائلية وهجر السياسة بوصفها مجالًا للكذب أو لا جدوى منه. وهي القضية التي حاول النظام الأسدي جاهدًا ترسيخها في ذهن السوريين.
2. غير أن هناك ضبابية في معنى “السياسة” في تلك المجموعات. فالسياسة لا تقتصر على تسجيل المواقف، أو تداول الأخبار أو تناقل تصريحات هنا وهناك، أو التعليق على هذا الخبر، ورفض ذلك التصريح، بل الأمر يتعلق أيضًا بالقعل السياسي، أي ما العمل؟ وهذا يعني أن دور الأعضاء هو التأثير وليس نقل الأخبار، التي هي موجودة على كل حال في كل مكان.
3. يحرص غالبية أعضاء تلك المجموعات على الكلام لا على الاستماع. حتى إن الرغبة العارمة في الكلام حوّلت أغلب تلك الصفحات إلى ما يشبه “حوار الطرشان”، ويكثر الصياح، وكأن المرء في “حمّام مقطوعة ميتو”. وهذا يعني أن تلك الصفحات غير مجدية كثيرًا، إذا لم يتم تعديل قواعد المشاركة والنقاش فيها. يتكلم أغلب الأعضاء من دون شعور بالمسؤولية تجاه ما يقولون، ودون التفكير في ما يقولونه، أو لماذا يقولون هذا الكلام، أو كيف سيفهم الآخر كلامهم!
4. يخيّم على تلك المجموعات قضية شبه مسلّم بها، ألا وهي أن الوضع في سورية بيد القوى العالمية والإقليمية بشكل كامل، وأن السوريين لا حول لهم ولا قوة، وأنهم غير قادرين على التأثير في وضعهم، وهناك خمسة جيوش لدول كبرى داخل الأراضي السورية. في الحقيقة، السياسة تقول إن الشعوب يمكن أن تكون أقوى من الدول (وهذا ما قالته الثورة السورية بكل بساطة)، مثلما تقول إن إي مجموعة بشرية، إذا ما أحسنت تنظيم نفسها، فإنها قادرة على التأثير في أوضاعها أكثر من غيرها. وهناك تجارب كثيرة يعجّ بها التاريخ؛ فالسياسة التي تهم السوريين هي السياسة التي تساعدهم في لعب دور أكبر في أوضاعهم، وليست تلك التي تجعلهم غير قادرين على التأثير في أوضاعهم. وهنا تنشأ مفارقات بسبب هذه التشويش. فمثلًا، تجد نفس الشخص -وهناك نماذج كثيرة لهذه الطريقة في التفكير- يجزم بأن الوضع السوري بيد القوى الكبرى وحدها، وتجده في الوقت نفسه يلوم المعارضة ويخّونها، بسبب تعاونها مع تلك القوى الكبرى. هناك نموذج آخر تجده متشائمًا من المستقبل في بعض الأحيان بطريقة شبه عدمية، وفي يوم آخر تجده متفائلًا ومتيقّنًا بأن الشعب السوري سيهزم الطاغية. وهذا يعكس الخلط بين فكرة الحق بذاتها والوقوف معها من الناحية الأخلاقية، من جهة، وبين أن الحق نفسه يحتاج إلى عمل، وإلا فإنه من السهل ضياعه، من جهة ثانية.
5. يسيطر على أعضاء تلك المجموعات “المحتمل”، أي ما هو محتمل في مستجدات الوضع السوري ومستقبله. وهذا أمرٌ مفهوم، ولكن لا يوجد أي اهتمام بـ “غير المحتمل”. علمًا أن غرائب التاريخ تقول -بحسب المفكر الفرنسي المعروف إدغار موران- إن غير المحتمل يحدث في التاريخ أكثر من المحتمل. فالمحتمل الذي سيطر على الوضع في بداية الحرب العالمية الثانية- مثلًا- هو انتصار ألمانيا النازية، وأن الجميع كان يحضر نفسه لكي يتكيف مع ذلك المحتمل، إلى أن أتت المفاجأة من الجبهة السوفيتية. هنا يتذكر المرء أن الثورة السورية نفسها كانت غير محتملة، وأن هناك كثيرًا من غير المحتمل قد حدث. وهذا يعني أن من غير الحكمة أن يحذف المرء من حساباته “غير المحتمل”.
النقطة الأساسية هنا أن من الأفضل لتلك المجموعات أن تفكّر في غير المحتمل، لتحوّله إلى محتمل، وليس ترديد المحتملات التي هي من صالح النظام. فمثلًا سماح إسرائيل وأميركا من ورائها بخروج الأسد الابن من السلطة أمرٌ غير محتمل حاليًا، ولكن يمكن أن يتحوّل إلى محتمل بكل بساطة. فنظام الأسد لا يتمتع بحصانة شبه مطلقة، كما يحلو لغالبية تلك المجموعات أن تردد. كيف يتحول غير المحتمل إلى محتمل، هذه هي مسؤولية السوريين بالدرجة الأولى. أما ترديد المحتملات على أنها مطلقات، فهذا أحد الأخطاء التي على تلك الصفحات أن تنتبه إليها.
6. هناك مشكلة تتعلق بطريقة مقاربة أعضاء المجموعات للحوارات والنقاشات السياسة التي تكثر في تلك المجموعات. أهمية الحوار تأتي من كونه وسيلة ناجعة لبناء الثقة بين المتناقشين من جهة، ونقد الأوضاع بقصد إيجاد طرق للتأثير فيها والعمل على تغييرها من جهة ثانية. لعل هذا هو السبب الرئيسي الذي دفع النظام الأسدي إلى منع السوريين من تعاطي النقاش في قضايا السياسة لعشرات السنين. أكثر ما يحتاج إليه السوريون في هذه المرحلة هو إعادة بناء الثقة بأنفسهم، وزيادة الثقة بين مختلف المجموعات القومية والدينية والطائفية السورية؛ لأن مصالحها تكاد تكون واحدة، ومصائبها أيضًا تكاد تكون واحدة، وإن تعميق المناطقية والطائفية والانقسامات الأيديولوجية والقومية أخطر عليهم حتى من النظام لأسدي وجيوشه التي تحتلّ سورية، بل إن النظام الأسدي نفسه يفقد جزءًا أساسيًا وكبيرًا من “قوته الناعمة”، بتراجع تلك الانقسامات في الوعي السياسي السوري الذي لا بدّ لمجموعات (واتساب) السورية من إعطائه الأولوية في هذا الوضع الذي يهجس بسؤال: “ما العمل؟”.
مركز حرمون