كل ما يتعلق بـ “وثائق باندورا”-مقالات اختيرت بعناية لتدع قارئنا يحيط بالموضوع من كل جوانبه-
آخر المقالات والتحليلات المضافة في نهاية المقال
——————
“وثائق باندورا”: أكبر تعاون صحفي في تاريخ المهنة
الملاذات الضريبية، التي نحن بصدد أكبر كشفٍ صحفي لها، توفر قدرة هائلة على إخفاء ثروات من الضروري و”الصحي” عدم إخفائها، وأصحابها محل شُبهة وريبة في حال لم يُمارسوا شفافية عالية حيالها، فهم رؤساء دول وسياسيون في دول فقيرة ومفلسة، ورجال أعمال كبار راكموا ثرواتهم في محيط العمل العام.
إنها “وثائق باندورا”، الحلقة الثالثة من سلسلة “وثائق بنما” و”وثائق بارادايز”، لكنها الحلقة الأكبر والتي من المتوقع أن تهزّ عروشاً وتفضح ثروات و”تشطب” وجوه نجوم، والأهم أنها ستساعدنا في بناء مستقبل أفضل وأكثر شفافية لأولادنا.
تسريبات “باندورا” هي تحقيق استقصائي في سياق أكبر تعاون صحافي في تاريخ المهنة، يشارك فيه نحو 600 صحافي من العالم بإشراف الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين (ICIJ)، يحقق في ملايين الوثائق التي تكشف أسرار الجنان الضريبية. التحقيق يكشف معلومات تتعلق بالأملاك السرية والثروات المخبأة لعدد كبير من زعماء العالم وشخصيات عامة. ويكشف صفقات لشخصيات هاربة او مدانة ومشاهير ونجوم رياضة.
الملاذات الضريبية، التي نحن بصدد أكبر كشفٍ صحفي لها، توفر قدرة هائلة على إخفاء ثروات من الضروري و”الصحي” عدم إخفائها، وأصحابها محل شُبهة وريبة في حال لم يُمارسوا شفافية عالية حيالها، فهم رؤساء دول وسياسيون في دول فقيرة ومفلسة، ورجال أعمال كبار راكموا ثرواتهم في محيط العمل العام، وهم مشاهير وفنانون ونجوم رياضة من المفترض أن تساهم ثرواتهم في مالية دولهم. والقدرة على إخفاء الأموال والثروات لها تأثير مباشر على وصول أبنائنا إلى تعليم جيد، وأهلنا إلى نظام صحي يحصّن شيخوختهم، وعلى ما قال جيرارد رايل، مدير الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين: “نحن هنا إزاء نظام يؤذي الناس ومن المهم أن يعرفه الناس”.
لكن ثمة فارق بين ما تعنيه الملاذات الضريبية لأصحاب الثروات في الغرب وبين نظرائهم في الشرق، فهناك في الدول الغربية توفر هذه الملاذات لأصحاب الثروات فرصة للهروب من الضرائب، أما في بلادنا فتوفر فرصة لإخفاء الثروات التي تم جنيها في أنظمة فاسدة استعانوا فيها بنفوذهم وتجاوزوا القوانين واستثمروا بالحروب الأهلية. فالثري اللبناني مروان خير الدين أسس شركات في الـ”أوف شور” لإخفاء ثروته ولإجراء تحويلات مالية في ظل ممارسة المصرف الذي يملكه(بنك الموارد) “كابيتال كونترول” غير قانوني على ودائع زبائنه، أما الفنانة العالمية شاكيرا فقد أسست شركة في الملاذات الضريبية لتتهرب من الضرائب على ثروتها الهائلة، وثمة فارق جوهري بين الحالين.
تحقيق “وثائق باندورا” أكبر وأكثر عالمية حتى من تحقيق الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين في “أوراق بنما”، والذي هز العالم في عام 2016، وأدى إلى مداهمات قامت بها الشرطة وإقرار قوانين جديدة في عشرات البلدان وسقوط رئيسي الوزراء في أيسلندا وباكستان. فـ”أوراق بنما” جاءت من ملفات مقدم خدمات خارجي واحد: شركة المحاماة البنامية “موساك فونسيكا”، بينما تسلط أوراق Pandora الضوء على قطاع أوسع بكثير من المحامين والوسطاء، وهي جاءت من 14 شركة محاماة، وتكشف عن الموارد المالية للعديد من قادة الدول والمسؤولين الحكوميين أكثر مما فعلت “أوراق بنما” وتوفر أكثر من ضعف المعلومات حول ملكية الشركات الخارجية. إجمالاً، تكشف التسريبات الجديدة المالكين الحقيقيين لأكثر من 29000 شركة خارجية، جاء أصحابها من أكثر من 200 دولة.
كانت هناك حاجة إلى فريق عالمي لأن 14 من مقدمي الخدمات الخارجيين الذين يمثلون مصدر المستندات المسربة يقعون في جميع أنحاء العالم، من منطقة البحر الكاريبي إلى الخليج الفارسي إلى بحر الصين الجنوبي.
تظهر أوراق “باندورا” أن محاسبًا إنجليزيًا في سويسرا عمل مع محامين في جزر العذراء البريطانية لمساعدة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في شراء 14 منزلًا فخمًا سراً، بقيمة تزيد عن 106 مليون دولار ، في الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة.
في عام 2017 ، اشترى الملك عقارًا بقيمة 23 مليون دولار يطل على شاطئ لركوب الأمواج في كاليفورنيا من خلال شركة في جزر العذراء البريطانية. دفع الملك مبلغًا إضافيًا للحصول على شركة أخرى من جزر فيرجن البريطانية، مملوكة لمديري الثروات السويسريين، لتكون بمثابة المدير “المرشح” لشركة جزر فيرجن البريطانية التي اشترت العقار.
لبنان المجاور للأردن، يشهد أكبر انهيار مالي ومصرفي في التاريخ وطبقة سياسية غارقة في الفساد ومصارف تمارس “كابيتال كونترول” غير قانوني على ودائع أكثر من مليون لبناني، تُظهر “وثائق باندورا” أن شخصيات سياسية ومالية بارزة تبنّت أيضًا استخدام الملاذات الخارجية، ومن بينهم رئيس الوزراء الحالي نجيب ميقاتي وسلفه حسان دياب. ومن بين هؤلاء المسؤول الكبير السابق في مكافحة الفساد في البلاد، محمد بعاصيري، وكذلك رياض سلامة، حاكم البنك المركزي، الذي يخضع للتحقيق في فرنسا بتهمة غسل الأموال. ومن بين من تظهر أسماءهم أيضاً مروان خير الدين، وزير الدولة اللبناني السابق والمدير الثري لبنك الموارد، بالاضافة الى رجال أعمال لبنانيين فرضت عليهم عقوبات اميركية بتهم تبييض أموال لصالح حزب الله مثل صالح عاصي وقاسم حجيج.
في عام 2019، وبخ خير الدين البرلمانيين السابقين لتقاعسهم عن العمل وسط أزمة اقتصادية حادة، قائلاً: “هناك تهرب ضريبي والحكومة بحاجة إلى معالجة ذلك”. كشفت “وثائق باندورا”، أن خير الدين، وفي العام الذي خرج منه هذا التصريح، وقّع وثائق بصفته مالكًا لشركة في جزر العذراء البريطانية تمتلك يختًا بقيمة مليوني دولار. بعد عام، في العام 2020، تم الكشف عن أن خير الدين اشترى شقة في مانهاتن من نجمة هوليوود جينيفر لورانس بقيمة 9 مليون دولار أميركي.
ومن بين الأسماء البارزة في “وثائق باندورا” دان غيرتلر، وهو ملياردير إسرائيلي خاضع لعقوبات أميركية بسبب صفقات تعدين فاسدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية وسبق أن ظهر اسمه في وثائق “باراديز”.
تظهر سجلات “ترايدنت”، وهي المزود الأكبر للتسريبات، أن شركة في جزر فيرجن البريطانية تدعى Ventora Mining Limited تأسست عام 2016 والمساهم الوحيد فيها هي شركة Fleurette Properties Limited ، التي فرضت عليها وزارة الخزانة الأمريكية في العام التالي عقوبات للمساعدة في تسهيل صفقات “التعدين غير الشفافة والفاسدة” لشركة غيرتلر. ينص النموذج على أن فينتورا تمتلك 750 مليون دولار. لم يرد غيرتلر على أسئلة حول الغرض من شركة Ventora Mining Limited، لكن المحامين الذين يمثلونه أخبروا الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين أن تقاريرها “خاطئة و / أو مضللة”.
كانت Trident Trust رائدة في مساعدة العملاء والشركات الأثرياء على استخدام العالم الخارجي لحماية ثرواتهم وتنميتها، وأكثر عملائها من اللبنانيين. أنتجت الشركة دليلاً موسعًا حول كيفية “تقليل الضرائب إلى الحد الأدنى، وحماية الأصول من الاضطرابات السياسية والاقتصادية والثروة العائلية المنقولة بين الأجيال” عبر الصناديق الائتمانية الخارجية. ولاحظنا أن أكثر من 1100 عميل لهذه الشركة، ولغيرها بدرجة أقل، انتقلوا إليها من شركة سيئة السمعة هي “موساك فونسيكا”، بعد نشر “وثائق بنما” التي كشفت ملفات “موساك فونسيكا”.
«وثائق بارادايز»: «آبل بي» لخدمات الأوف شور ترفض قبول شقيق ليلى الطرابلسي بن علي عميلاً لديها وتقبل أمير قطر ووزراء متهمون بالفساد
في وثائق بارادايز: الاسرائيلي دان غرتلر “شريك الجمهورية” في الكونغو ومموّل مستعمرات في الضفة الغربية
امتد احتضان الشركة للسرية ليشمل عملياتها، ولم تكشف ” Trident Trust” لسنوات طويلة عن الكثير من هويات مالكيها. في الإيداعات في العديد من الولايات القضائية الرئيسية، تدرج مكاتب Trident الإقليمية مالكًا مشتركًا لشركاتها الفرعية باسم ” Binder Investments Ltd” وهي شركة صورية مسجلة في جزر فيرجن البريطانية. قال مكتب جزر فيرجن البريطانية في خطاب أرسل عام 2012 إلى مدير ثروة في بنك “كريدي سويس”: “تتمثل سياسة المجموعة في عدم تزويد الأطراف الثالثة غير الحكومية بمعلومات ليست في المجال العام، بما في ذلك تفاصيل ملكيتها”.
ورداً على أسئلة من الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، قامت Trident Trust بتحديث موقعها على الإنترنت لتعكس أن الشركة مملوكة من قبل “صندوق مزايا الموظفين” الذي أخبر الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين أنه يضم حوالي 370 من موظفيها. ردًا على الأسئلة، قالت Trident Trust إن “شركات خدمات الثقة والشركات الخاصة بها تخضع للتنظيم في الولاية القضائية التي تعمل فيها وهي ملتزمة تماماً بالامتثال لجميع اللوائح المعمول بها”. وفي عام 2006 ، تمت تسمية مكتب “جزيرة مان” في Trident Trust في تحقيق لمجلس الشيوخ الأمريكي عن التهرب الضريبي في الخارج. ووفقًا للتقرير، ساعدت الشركة في إدارة الكيانات الخارجية التي شاركت في تجنب الملياردير من تكساس سام ويلي ضرائب تزيد عن مليار دولار.
عملاء بارزون آخرون لـ Triden Trust:
غييرمو لاسو، انتخب حديثا رئيسا للإكوادور. أنشأ لاسو صندوقًا ائتمانيًا في ساوث داكوتا وسط تقارير إعلامية تفيد بأنه طمس مصالحه في أكبر بنك في البلاد من خلال شركات خارجية. ونفى لاسو ارتكاب أي مخالفات ولم توجه له أي تهمة.
جاك ما، أحد أكبر أغنياء الصين ويمكن القول إنه رجل الأعمال الأكثر نفوذاً في البلاد. استخدم Trident Trust لدمج شركة في جزر فيرجن البريطانية تدعى LB Greater China Investment Ltd.
الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة الذي كان رئيس وزراء البحرين. كان خليفة يمتلك شركة Minto Assets Corp في جزر فيرجن البريطانية، التي تمتلك أصولًا في سويسرا وألمانيا بقيمة 60 مليون دولار. توفي في نوفمبر من عام 2020.
“درج” اذ كان جزءاً من هذا التعاون الصحفي، اختبر خلال عمله لأشهر في هذا المشروع أن الجهد المشترك أكثر قدرة على الوصول إلى الحقائق وعلى وضعها في سياق من الشفافية الضرورية، فالتعاون في تحقيق “وثائق باندورا” يمكن أن يوظف في عملية تغيير يضع المهنة في موقعها الأكثر تأثيراً، حتى في الدول التي يصعب فيها على الصحافة أن تصنع فارقاً. التحقيق الذي شارك فيه 600 صحافي سيصنع فارقاً. أما في الدول التي تستعصي على الحقيقة، فهو سيتولى مهمة موازية، وهي أن يضع بين أيدي الرأي العام حقائق موثقة حول الهاربين من مسؤولياتهم حيال مجتمعاتهم، على الرغم من أنهم يتصدرونها في الانتخابات وفي عالم المال والأعمال، فهو سيكشف أنهم يتصدرونها أيضاً في غياب النزاهة والشفافية عن أنشطتهم.
——————————–
وثائق بارادايز: “أوف شور” لبنان منصة لنخب سورية وشراكات لبنانية مع رجال النظام السوري
بات من المُسلّم به أن النخبة المالية السورية تعرضت لتبدلات بعد الحرب السورية مع صعود شخصيات مالية جديدة ترتبط برموز النظام. لكن الجديد أن تراكم العقوبات الدولية على سوريا، مَنَحَ بيروت دوراً أساسياً كواجهة لأركان هذه الطبقة المالية الجديدة، وأحياناً بالتحالف والشراكة مع سياسيين لبنانيين وأقاربهم، وفقاً لوثائق كشفتها “الشبكة الدولية للصحافيين الاستقصائيين”، وأكدتها مصادر ديبلوماسية أوروبية…
بات من المُسلّم به أن النخبة المالية السورية تعرضت لتبدلات بعد الحرب السورية مع صعود شخصيات مالية جديدة ترتبط برموز النظام. لكن الجديد أن تراكم العقوبات الدولية على سوريا، مَنَحَ بيروت دوراً أساسياً كواجهة لأركان هذه الطبقة المالية الجديدة، وأحياناً بالتحالف والشراكة مع سياسيين لبنانيين وأقاربهم، وفقاً لوثائق كشفتها “الشبكة الدولية للصحافيين الاستقصائيين”، وأكدتها مصادر ديبلوماسية أوروبية.
هذه المصادر الأوروبية المعنية بملف العقوبات، تُقسّم النخبة المالية السورية وفقاً لمرجعيتها داخل النظام على الطريقة الآتية: مجموعة رامي وحافظ مخلوف، ماهر الأسد، وأسماء الأخرس. جميعهم يتمتعون بوجود مالي لبناني مُسجّل لدى السلطات هنا، في حين لدى المجموعتين الأولى والثالثة امتدادات خليجية، ويُشتبه في أن للثانية أدواراً أمنية- عسكرية تتجاوز كونها واجهة مالية، بحسب المصادر ذاتها.
أحد أبرز وجوه هذه الشراكة العابرة للحواجز السياسية هو محمد سامر محمد مظهر أفدار. أفدار القريب من حافظ مخلوف منذ أيام الدراسة، هو اليوم مدير عام “وسترن يونيون” في سوريا، واتهم في أول سنوات الثورة بتسليم النظام بيانات كل المحولين الماليين من بلد المصدر، والمتلقين في الداخل السوري. في الشهر السادس من عام 2011، أي بعد 4 شهور على انطلاق الثورة السورية، شارك أفدار مع سياسيين لبنانيين في تأسيس شركة مالية في بيروت اسمها ام – بايمنتس فانتشر هولدنغ ش.م.لM – PAYMENTS VENTURE HOLDING S.A.L.
تُمثل هذه الشركة نموذجاً لهذا التقاطع الصريح بين المال والسياسة، والعابر للانقسامات الداخلية (العلنية على الأقل). رئيس مجلس الإدارة هو النائب في تكتل “التغيير والإصلاح” (التيار العوني) أمل حكمت أبو زيد، وأحد أبرز الشركاء هو عماد صالح المشنوق، شقيق وزير الداخلية الحالي نهاد المشنوق. أبو زيد وابنه يملكان الحصة الأكبر (945 سهماً)، يليهما المحامي توفيق معوض نائب رئيس الرابطة المارونية (405 أسهم)، ومن ثم صُهره عماد المشنوق (270 سهماً، متزوج من جويا توفيق معوض) وأفدار (110 أسهم).
مسؤول أوروبي أبلغ “درج” بأن أفدار، مثله مثل أقطاب شركات الصيرفة في سوريا، على ارتباط بأجهزة الأمن فيها، لا لأسباب مالية بل أيضاً معلوماتية بحتة، إذ تحوي قاعدة بيانات مهمة للمواطنين وأقاربهم في الخارج.
تماماً كأفدار، يملك أبو زيد وتوفيق معوض شركة “OMT” للخدمات والتحويلات المالية (تُقدم خدمات وسترن يونيون) منذ عام 1998، أي في عهد الوصاية السورية. وللشركة امتيازات مالية في لبنان حيث تعمل مثل المصارف بترخيص من البنك المركزي ورقابة منه على الحوالات المالية. ولأبو زيد أيضاً شركة “أوف شور” اسمهاA.N.H GROUP SAL OFF SHORE، أسسها عام 1998 مع معوّض ومواطن بلغاري اسمه بيتر غيورغيف كالباكتشيف. “درج” اقتفت أثر كالباكتشيف عبر مصادر ووسائل اعلام في بلغاريا، فتبين أن اسمه “Petar Georgiev Kalpakchiev”، وهو كان مسؤولاً كبيراً في شركة “كينتكس” البلغارية المُصنّعة للسلاح، وقريباً من تاجر السلاح المعروف ملادن موتافتشسكي المقيم حالياً في لشنشتاين. وكالباكتشيف أيضاً أحد أبرز رموز المحافل الماسونية في بلغاريا، ويملك حالياً شركة استشارية دولية اسمها “كاروني” لها مكاتب في أكثر من دولة.
أبو زيد ممثلاً لموسكو
واللافت في هذا السياق، أن أبو زيد لا يُنظر إليه بصفته لاعباً محلياً يرتبط بشخصيات من النظام، بل يُعتبر امتداداً للنفوذ الروسي المتنامي في المنطقة. فهو على سبيل المثال، يؤسس لعلاقة بين رئيس الجمهورية ميشال عون والكرملين، على أن تُدشن بزيارة رسمية يتخللها توقيع اتفاقات بين البلدين، بحسب وسائل إعلام لبنانية.
وعلاقته مع روسيا قديمة بعض الشيء، ودشّنها بافتتاح مكتب لشركة ADICO، في موسكو عام 2000 بعيد صعود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سُدّة السلطة. بعدها، ووفقاً لمقابلة صحافية، توسعت أشغال أبو زيد في موسكو حيث بات يعمل على “فتح أسواق جديدة للشركات الروسية العاملة في قطاعي النفط والغاز”، كما جاء على لسانه. ومعلوم أن هذا القطاع غير منفصل عن الرئيس الروسي وحلقته القريبة في عالم الأعمال. في المقابلة عينها، يُقر أبو زيد بأنه وبحكم علاقاته مع الشركات الروسية، “طلبتُ منهم المجيء إلى لبنان والقيام بالدراسات اللازمة وقد لبوا الدعوة مشكورين”. ودوره في إطار العلاقات اللبنانية– الروسية “لا ينحصر في مجال النفط والغاز، بل يتعداه إلى الجوانب الثقافية والاجتماعية والسياسية. وكانت لي مساهمة كبيرة في إعادة نسج العلاقات اللبنانية– الروسية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي”. الرجل لاعب روسي أساسي في المنطقة، لا لبنان فحسب، وفقاً لمصادر أوروبية مطّلعة.
لذا فإن وجود أبو زيد في شركة واحدة مع شخصيات سياسية لبنانية وأفدار، لا يخلو من مضامين سياسية، لا سيما أن للأخير تاريخاً مالياً في بيروت سابق لهذه الشركة.
في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2004، أي قبل شهور قليلة من انسحاب النظام السوري من لبنان، أسس أفدار أول شركة له في لبنان، باسم “بطاقات ش.م.ل.” (شركة محدودة المسؤولية)، BITAKAT S.A.L، إلى جانب صيرفي سوري آخر وسياسي لبناني. لأفدار حصة الأسد في الشركة (649 سهماً)، يليه جاد عدنان كوسا (لبناني- سوري، 349 سهماً) ووضاح حنا الشاعر (سهمان فحسب). الشاعر محام لبناني بارز ومسؤول عن تيار المردة في قضاء البترون، ومرشح الدائم للانتخابات النيابية فيها.
ذاك أن الشركة اللبنانية واجهة لشراكات وعلاقات داخل سوريا، حيث يتشابك الأمن والمال. أفدار وكوسا شريكان لمازن وماهر عبد اللطيف الطباع ولوائل مأمون الطباع ومحمد القصار في شركة “ديار إليكترونيك سيرفزس” المالية في سوريا.
الشراكة ذاتها بالأسماء ذاتهاها قائمة في شركة “أوف شور” لبنانية سُجلت عام 2007 باسم “دي. اي. اس. ش.م.ل. أوف شور” وبالإنكليزية (DES S.A.L. OFF SHORE)، وفيها أيضاً وضاح حنا الشاعر المسؤول في تيار “المردة”. ووضاح شريك أيضاً في شركةCrest Oil Services SAL النفطية، وهي مُسجلة عام 2003 كـ”أوف شور” في لبنان، وتضم جميع الأسماء السابقة باستثناء أفدار.
بالأسلوب ذاته، يملك رجل الأعمال السوري عمار مدحت شريف القريب من رامي مخلوف، حصة في المجموعة العالمية للصرافة في سوريا، وله شراكة مالية موازية في لبنان مع رامي مخلوف من خلال شركة “روك انفست” (سُجلت عام 2002، وسبق أن نشر “درج” معلومات عنها).
شبكة ماهر الأسد
تعود الأسماء السابقة إلى رجال أعمال يتحدرون إما من عائلات ثرية أو ميسورة الحال، وهم قريبون من رامي مخلوف ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد، وصاحب أكبر شبكة احتكارات داخل البلاد قبل الحرب.
لكن هناك اليوم شخصيات مالية ثرواتها مستجدة، وعلى ارتباط بماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري، ولها انتشار في لبنان عبر شركات “الأوف شور”. محمد حمشو النائب الحالي في مجلس الشعب، أحد هؤلاء. والده موظف حكومي، وتربى في عائلة متوسطة الحال تُجاور الفقر. منذ نهاية تسعينات القرن الماضي، بات قريباً من ماهر الأسد من خلال مدير مكتبه اللواء غسان بلال.
لحمشو وجود عبر ولديه أحمد صابر وعمرو. الأول يملك حصة في شركتي
EBLA TRADE SERVICES S.A.L. OFF SHORE وInternational Services Company S.A.L. OFF SHORE.
من مجموعة ماهر أيضاً هناك رجل الأعمال أحمد سمحا. سمحا كان يملك محلات بينيتون في سوريا، وانتقل من عباءة رامي مخلوف إلى ماهر الأسد بعد خلاف مالي مع الأول. من شركاته في لبنان Samha Group OFF SHORE S.A.L.
ميليشيات وبراميل
أيمن محرز جابر، أيضاً من هذه المجموعة، لا بل أكثر من يُمثل المستفيدين الكبار من الأزمة السورية، ويظهر مع شقيقه محمد في وثائق “بارادايز”، كأصحاب حصص في شركات “أوف شور” لبنانية. بدأ أيمن حياته مُهرّباً في مرفأ اللاذقية حتى “اكتشفه” كامل الأسد وصاهره. نظراً إلى نشاطه في مجال النفط، اتُهم أيمن على نطاق واسع بصنع البراميل المتفجرة للنظام، في حين أسس شقيقه محمد ميليشيات “صقور الصحراء” الموالية للنظام.
واللافت أن لأيمن أكثر من شركة في لبنان أسسها عامي 2009 و2010، وبينها شركة الجزيرة المتحدة للنقل العام وتجارة المشتقات النفطية والخدمات النفطية ش.م.ل. (أوف شور) التي يملك شقيقه محمد، قائد ميليشيات الصقور، حصةً فيها، وأيضاً الشركة العربية للطاقة ش.م.ل. (أوف شور)، والشركة العربية المتحدة للنقل العام وتجارة المشتقات النفطية والخدمات النفطية ش.م.ل. (أوف شور).
المعلومات السابقة تستجدي الأسئلة الآتية: هل تُموّل هذه الميليشيات عبر لبنان، وما دور هذه الشركات في تأمين المواد الضرورية لصناعة براميل النظام؟ بالتأكيد لن يُقدم السياسيون اللبنانيون “الشركاء” أي إجابات عن هذه الأسئلة.
مفوض المراقبة في الشركات، وهو مُدقق حسابات لبناني الجنسية ويعتبر حارساً للشفافية وفقاً للقانون، اسمه مصباح عبد القادر مجذوب. مجذوب ليس صاحب شركة تدقيق معروفة في لبنان فحسب، ولكنه أيضاً نائب رئيس “الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية- لا فساد”، وعضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى. ربما نجد بعض الإجابات عنده.
——————————–
“وثائق باندورا”: حلفاء النظام السوري في لبنان وعالم تحويل الأموال/ علي نور الدين
في وثائق “باندورا”، يقترن إسم مستشار رئيس الجمهورية اللبنانية أمل أبو أمل زيد كشريك مؤسس ومدير في شركة “آغون هولدينغ أس. أي.”، وهي شركة جرى تسجيلها في جزء العذراء في الأوّل من حزيران 2007.
من الواضح أن النائب اللبناني السابق أمل أبو زيد، حاول طوال الفترة الماضية الاستفادة من تقاطعات المصالح التي يمكن أن ينسجها بين أطراف عدّة، وانطلاقاً من الأدوار المختلفة التي يلعبها في حياته السياسيّة والتجاريّة. فأبو زيد هو مستشار رئيس الجمهوريّة ميشال عون للشؤون الروسيّة، وهو في الوقت نفسه أحد رجال الأعمال الذين يملكون أنشطة استثماريّة وازنة في السوق الروسيّة، وعلاقات مميّزة مع النظام هناك. وإلى جانب كل هذه الأدوار، انخرط الرجل في الماضي في شراكات استراتيجيّة مع رجال الأعمال المحسوبين على النظام السوري، وتحديداً في مجال وسائل الدفع وتحويل الأموال.
كل هذه الأدوار، أهّلت أبو زيد اليوم للسعي للعب أدوار كبيرة تتعدى الشراكات التي دخل فيها تاريخياً في لبنان وروسيا. ولهذا السبب، اندفع أبو زيد للتحضير لزيارات الشركة الروسيّة الأخيرة إلى لبنان، التي طرحت مشاريع ضخمة من قبيل إعادة إعمار مرفأ بيروت، وتحديث مرفأ طرابلس، وصولاً إلى بناء محطات توليد الطاقة وتأهيل مصافي النفط في الزهراني وطرابلس. وبالتوازي مع هذه الزيارات، كانت التقارير الصحفيّة في بيروت تكشف أن هذه الشركة المستحدثة ليست سوى واجهة لرجال الأعمال الروس المتورّطين في صفقات مع نظام الأسد في سوريا.
كل ذلك، يعيدنا إلى أبو زيد وتقاطعات المصالح التي يمثّلها: بين الشركات الروسيّة والتيار العوني والنظام السوري، وعمله الطويل في مجال وسائل الدفع وتحويل الأموال.
شركة آغون: واجهة لأي عمليّات؟
في وثائق “باندورا”، يقترن إسم أبو زيد كشريك مؤسس ومدير في شركة “آغون هولدينغ أس. أي.”، وهي شركة جرى تسجيلها في جزء العذراء في الأوّل من حزيران 2007، وتم حلّها بموجب محضر موقّع من المديرين الثلاثة مؤرّخ في 27/02/2009. بمعنى آخر، لم تعمل الشركة بعد تأسيسها إلا لمدة سنة وثمانية أشهر فقط، فيما لم يطرأ طوال هذه المدّة أي تغيير في حصص الشركاء والمديرين. مجرّد تأسيس الشركة على هذا النحو، ولهذه المدّة القصيرة في جنّة ضريبيّة غير خاضعة لرقابة النظام المالي المحلّي، يوحي بأن الشركة كانت مجرّد واجهة لعمليات قصيرة الأجل أراد الشركاء تمريرها بعيداً عن أي رقابة.
السؤال عن السبب الأساسي لتأسيس الشركة، يقودنا إلى البحث في لائحة المساهمين والعلاقة في ما بينهم، وتوزّع الحصص عليهم. وفي محاضر الشركة، يتبيّن أن رأسمالها بلغ أربعة ملايين دولار أميركي، مقسّمة على مليون سهم، فيما تبلغ قيمة كل سهم أربعة دولارات. أما توزّع الأسهم، فجاء على الشكل التالي:
– أمل أبو زيد: امتلك 539,980 سهم، أي أنّ أمل امتلك وحده نحو 54% من أسهم الشركة.
– المحامي توفيق معوّض: امتلك 180,000 سهم، ما يعني امتلاكه 18% من أسهم الشركة. مع الإشارة إلى أن معوّض هو في الوقت نفسه شريك أمل أبو زيد في شركة OMT لتحويل الأموال، وهو يشغل حالياً منصب رئيس إدارة الشركة، كما شغل في فترة من الفترات منصب نائب رئيس الرابطة المارونيّة. وعلاقة معوّض بأبو زيد في OMT تعود للعام 1998 حين أسّسا معاً الشركة في حقبة الهيمنة السوريّة على لبنان، وتمكنا من الحصول على ترخيص من مصرف لبنان للقيام بالتحويلات الداخليّة والخارجيّة، فيما يملكان حاليّاً الشركة معاً مناصفةً.
أمل أبو زيد
– المحامي وضّاح الشاعر: امتلك 80,000 ألف سهم في الشركة، ما يعطيه نحو 8% من أسهمها. والشاعر محامي ورجل أعمال يحتل موقع قيادي في تيار المردة، كما يظهر أسمه كمساهم وإداري في عشرات الشركات اللبنانيّة التي تعمل في مجالات متنوّعة، بما فيها الأنشطة العقاريّة والسياحيّة وخدمات الاتصالات واستثمار المطاعم والمقاهي وغيرها. وبين هذه الشركات، يظهر إسم الشاعر كشريك مع توفيق معوّض وأمل أبو زيد في شركة ULTIMATE OVERSEAS، التي يصعب العثور على نشاط علني لها.
– نديم حكيم: امتلك 200,000 سهم في الشركة، ما يعطيه نحو 20% من قيمة الأسهم الإجماليّة. وحكيم هو رجل أعمال، يظهر إسمه في الصحافة في عالم الرياضة وكرة السلّة أكثر من ما يظهر في عالم الأنشطة الاستثماريّة، إذ شغل منصب رئيس نادي الحكمة في السابق، بينما يشغل اليوم منصب رئيس نادي بيروت. بخلاف الشاعر وأبو زيد ومعوّض، الذين تظهر بوضوح مساهمتهم معاً في أنشطة تجاريّة أخرى، يصعب تفسير علاقة حكيم بهذه المجموعة.
– منير عبد الستار علم الدين: امتلك حصّة من 20 سهم، وهي نسبة رمزيّة لا تُذكر من أصل أسهم الشركة المليون. وفي العادة، يتم منح هذا النوع من الحصص الرمزيّة لبعض الأشخاص الذين يرغب الشركاء بمنحهم حق التوقيع عن الشركة كشركاء مديرين فيها، لأسباب إداريّة أو لوجستيّة بحت، وهذا ما سيتبيّن لاحقاً.
حقوق التوقيع والإدارة
البحث في الوثائق يظهر أن الشركاء أبو زيد وحكيم وعلم الدين هم المفوّضين بالتوقيع عن الشركة، باتحاد شريكين معاً، ما يعني أن التوقيع عن الشركة يستلزم توقيع شريكين من أصل الثلاثة. وبذلك، يتأكّد وجود علم الدين كشريك رمزي أو شكلي، تم منحه الحصص لإعطائه حق التوقيع بالإتحاد مع أحد الشريكين الفعليين حكيم وأبو زيد. أما وضاح الشاعر، فلم يملك حق التوقيع كسائر الشركاء، لكنّ أسمه ظهر كأمين سر في اجتماعات الجمعيّة العموميّة للشركة، أي الاجتماعات التي يُدعى إليها جميع المساهمين لاتخاذ القرارات الأساسيّة ومنح الصلاحيّات للمديرين. أمّا أبو زيد، صاحب الحصّة الأكبر في الشركة، فترأّس هذه الجمعيّات.
في الأمور الأكثر حساسيّة، كالتوقيع عن الشركة لغاية شراء العقارات أو تنفيذ الرهن على هذه العقارات، تم حصر الصلاحيات بيد الشريكين أبو زيد وحكيم فقط، وبالإتحاد معاً، ما يشير إلى كونهما الشريكين الأكثر سيطرة على الشؤون الاستراتيجيّة داخل الشركة.
البحث عن هدف الشركة
في الواقع، يظهر في محاضر اجتماعات الجمعيّة العموميّة أن الشركاء قاموا بعد أشهر من تأسيس الشركة، وتحديداً في الخامس من تشرين الأوّل 2007، بمنح الشركة حق شراء العقارين 5243/8/المزرعة و5243/10/المزرعة، كما منحا الشركة حق الاقتراض المصرفي لتأمين ثمن هذه العقارات. وفي بند آخر، يعطي الشركاء الشركة حق وضع الرهونات على هذه العقارات، في حال تم تمويل عمليّة الشراء من قروض مصرفيّة. مع الإشارة إلى أن المصارف تطلب في العادة تحديد صلاحيّة المدراء بالتوقيع على عمليّات الإقتراض والرهن، ولا تكتفي المحاضر التي تعطي حق التوقيع بشكل عام لمدراء معيّنين، وهو ما يدل على أن الشركة كانت في مرحلة من المراحلة أداة أو وسيط جرى من خلالها تنفيذ صفقات عقاريّة، قبل حلّها لاحقاً.
في كل الحالات، البحث عن هذه العقارات اليوم يُظهر أن العقار الأساسي 5243/المزرعة، والذي يقع ضمنه القسمين 5243/8 و5243/10، يقع في شارع سامي الصلح في منطقة بدارو، في نفس مبنى المركز الأساسي لشركة OMT لتحويل الأموال، والذي يملكها كل من أبو زيد ومعوّض مناصفةً كما ذكرنا سابقاً. ولذلك، ثمة ما يشير هنا إلى علاقة ما بين الشركة التي تأسيسها في جزر العذراء في ذلك الوقت، ونشاط شركة OMT، على الأقل من ناحية هذه الصفقة العقاريّة.
فهل كانت إحدى غايات الشركة الواجهة المسجّلة في جزر العذراء إجراء هذه الصفقة العقاريّة، للعقار المستخدم من قبل OMT؟ ولأي غاية تم تمليك العقار لشركة أجنبيّة كمرحلة أولى؟ وما علاقة وضّاح الشاعر بنشاط معوّض وأبو زيد في مجال تحويل الأموال؟ هل كان الهدف نقل ملكيّة العقار لشركة أجنبيّة بسعر ما، قبل بيعه للشركة اللبنانيّة بسعر أعلى، لنقل السيولة إلى الخارج بشكل من الأشكال؟
من الناحية العمليّة، يصعب تتبّع طبيعة العمليات المصرفيّة المحيطة بهذه الصفقة العقاريّة، بالنظر إلى قانون السريّة المصرفيّة المعتمد في لبنان. لكن الأكيد هو أن هذا النوع من الصفقات العقاريّة، الذي يجري تمريره من خلال شركات واجهة أو مؤقتة، ومسجّلة في جنات ضريبة بعيدة، غالباً ما يتصل بعمليات ماليّة موازيّة تحاول الالتفاف على قيود أو رقابة معيّنة.
حلفاء النظام السوري
ما علاقة وضّاح الشاعر بعالم تحويل الأموال، وبأمل أبو زيد وتوفيق معوّض تحديداً؟
في “وثائق باراديز” التي نشرت عام 2017 وشارك “درج” في العمل عليها، يظهر إسم وضّاح الشاعر كشريك في شركة “بطاقات ش.م.ل.”، إلى جانب محمد سامر محمد مظهر أفندار، مدير عام شركة ويسترن يونيون لتحويل الأموال في سوريا المحسوب على نظام الأسد، والمتهم بإعطاء داتا شركته للنظام السوري في بدايات الثورة. مع الإشارة إلى أن هذه الشركة تأسست سنة 2004، قبل أشهر من انسحاب الجيش السوري من لبنان. وسنة 2007، قام الشاعر وأفندار بتأسيس شركة DES SAL OFFSHORE، بنفس الشركاء، وفي نفس الفترة التي قام خلالها الشاعر بتأسيس شركة “آغون” مع أبو زيد.
في المقابل، وبعد 4 أشهر من قيام الثورة السوريّة سنة 2011، كان أفندار نفسه يؤسس مع توفيق معوّض وأمل أبو زيد شركة ماليّة في بيروت تحت إسم ام – بايمنتس فانتشر هولدنغ ش.م.ل، والتي يدل إسمها بوضوح على اتصالها بمجال تحويل الأموال وأنظمة الدفع. وحين نتحدّث عن تأسيس شركات الهولدنغ، فنحن نشير إلى نوع من الشركات التي يتم استخدامها تحديداً لتملّك شركات أخرى، تعمل بأسماء مختلفة، وهو ما يسهّل لاحقاً إخفاء أصحاب الحق الاقتصادي من أي نشاط استثماري عبر شبكة من الشركات الواجهة.
رد أبو زيد
من باب إعطائه حق الرد، راسل “درج” أبو زيد للسؤال عن هذه الشركة وهدفها. أبو زيد أوضح أن هناك علاقة “جيرة وصداقة وأخوّة” تربطه بنديم حكيم، الذي قدّمه إلى صديق له يُدعى منير علم الدين، مشيداً بخبرته الواسعة في دبي وسويسرا وبتخصصه في أعمال الأسواق الماليّة. وفقاً لأبو زيد تم تأسيس آغون في جزر العذراء بناءً على توصية علم الدين “لأسباب ضريبيّة”، وتم منح علم الدين الصلاحيات الإداريّة اللازمة لتلعب الشركة دور “الوسيط المالي وتقوم باستثمارات لمصلحة الشركاء وغيرهم”. كما قامت الشركة بشراء الطابق الثاني في البناية التي تشغل عدة أقسام منها شركة OMT، قبل أن تخسر الشركة ووضاح الشاعر مبالغ من المال عام 2008 نتيجة الأزمة الماليّة العالميّة. وبعد إيقاف عمل الشركة، قام الشاعر بشراء العقار الذي تملّكته آغون، ثم قام ببيعه لاحقاً لمصلحة شركة OMT. أبو زيد نفى في ردّه أن يكون لشركة OMT أي دور في آغون، كما نفى أن تكون آغون قد قامت بأي عمليات مع جهات معرّضة لعقوبات دوليّة، أو مع جهات مقرّبة من النظام السوري.
في كل الحالات، لم يقدّم رد أبو زيد أي شرح لطبيعة الاستثمارات التي استهدفت الشركة القيام بها، خصوصاً أن دور “الوسيط المالي” والقيام باستثمارات “لمصلحة الشركاء” عبارات فضفاضة يمكن أن تشمل أي نوع من الأنشطة التجاريّة أو الاستثماريّة دون أي استثناء. كما لم يقدّم الرد أي توضيح بخصوص العلاقة الاستثماريّة التي تجمع الشركاء في الشركاء، والذين يصعب ربط وجودهم معاً بأي نشاط استثماري أو تجاري معروف للعلن، باستثناء ما أعلن عنه الرد من علاقة “الجيرة والصداقة والأخوة” ما بين أبو زيد وحكيم، والتي لا تدل على أي علاقة استثماريّة ملموسة.
في الخلاصة، تبقى المسألة الأكيدة أنّ القاسم المشترك ما بين الشاعر وأبو زيد ومعوّض هو أنهم مثّلوا خلال مراحل مختلفة جزء من مجموعة رجال الأعمال اللبنانيين الذي اندفعوا للشراكة مع محمد أفندار في هذا استثمارات مختلفة، في حين أن أبو زيد ومعوّض وأفندار يتشاركون التخصص في مجال شركات تحويل الأموال. كل هذه الحقائق، لا يمكن أن تؤكّد أو تنفي أي حقيقة بالنسبة إلى طبيعة عمليات شركة آغون، لكنّها تدفعنا حكماً إلى السؤال عن مغزى تسجيل هذه الشركة في الجنة الضريبيّة وحلّها خلال مدة لم تتجاوز السنة والثمانية أشهر.
————————-
5 نقاط ينبغي معرفتها عن الملاذات الضريبية وكيف تؤثر علينا
درج”
——————————–
الغارديان: أوراق بنما تكشف تورط الجميع.. أمريكا ولندن في خدمة الملاجئ الضريبية/ إبراهيم درويش
لندن – “القدس العربي”: كشفت صحيفة “الغارديان” مع المجموعة الدولية للصحافيين الاستقصائيين الأسرار الداخلية لعالم الظل المالي وقدمت لنا العمليات الخفية لاقتصاد الملاجئ الضريبية فيما وراء البحار.
وكشفت ما صارت تعرف بـ “أوراق باندورا” عن نشاطات 100 ملياردير و30 زعيم دولة و300 شخصية عامة. وقالت الصحيفة إن الصفقات والأرصدة المخفية لعدد من أثرى أثرياء العالم وأكثر الشخصيات تأثيرا كشف عنها في خزينة من الوثائق التي سربت في أكبر عملية تسريب بيانات في التاريخ.
وتضم المجموعة 11.9 مليون وثيقة من شركات استأجرها العملاء الأغنياء لخلق بنى مالية فيما وراء البحار وصناديق في الملاجئ الضريبية في بنما ودبي وموناكو وسويسرا وكيمان أيلاندز.
وتفضح الوثائق الشؤون المالية لـ 35 زعيما في نشاطات بما وراء البحار. وتلقي أيضا الضوء على تعاملات 300 شخصية عامة، بما فيها وزراء وقضاة ورؤساء بلديات وجنرالات عسكريون في أكثر من 90 دولة. وتفضح الوثائق تعاملات متبرعين كبار لحزب المحافظين الذي يتزعمه رئيس الوزراء بوريس جونسون في وقت التقى مع قادته في المؤتمر السنوي العام.
وتم الكشف عن تعاملات أكثر من 100 ملياردير في البيانات المسربة وكذا نجوم ومغني روك ورجال أعمال. ويستخدم الكثير منهم شركات وهمية للحفاظ على ممتلكات خاصة وباهظة الثمن مثل العقارات واليخوت وحسابات بنكية سرية. وهناك لوحات فنية رسمها بيكاسو وبانسكي.
وتكشف “أوراق باندورا” عن العمل الداخلي لعالم الظل المالي وتقدم رؤية نادرة عن العمليات الخفية لاقتصاد الملاجئ الضريبية فيما وراء البحار والتي ساعدت أغنى الأغنياء في العالم على إخفاء أموالهم وتجنب دفع ضرائب عالية. وتضم الوثائق رسائل إلكترونية ومذكرات وسجلات شركات وشهادات أسهم وتقارير التزام بالشروط ورسوم بيانية معقدة تكشف عن متاهة من بنى الشركات. وتسمح ولأول مرة بالكشف عن هوية المالكين الحقيقيين للشركات الوهمية. وتم تسريب الملفات لأول مرة للمجموعة الدولية للمحققين الاستقصائيين في واشنطن وشاركت بها الغارديان وبرنامج “بانوراما” في بي بي سي ولوموند وواشنطن بوست وأكثر من 600 صحافي عمل على الملفات كجزء من تحقيق دولي.
وتمثل أوراق باندورا التسريب الأخير والأكبر في تسريبات البيانات التي كشفت عن عالم الملاجئ الضريبية منذ عام 2013. وفتح شركات وهمية في هذه الملاجئ ليس خروجا عن القانون وربما كانت هناك أسباب قانونية تستدعي القيام بهذا مثل الأمن، ولكن السرية التي توفرها الملاجئ الضريبية عادة ما جذبت الغشاشين والمتهربين من دفع الضريبة والباحثين عن طرق لغسل الأموال وتم الكشف عن بعضهم. وكانت أوراق بنما هي التسريب الأكبر قبل التسريب الأخير. ففي ذلك العام 2016، تم تسريب ملفات بحجم 2.6 تيرابايتس من شركة موساك فونيسكا البنمية. وتبع ذلك بعد عام “أوراق براديس” التي تم تسريب أوراق من أبلباي التي أنشئت في بيرمودا وبحجم 1.4 تيرابايتس.
لكن أوراق باندورا جاءت بحجم 2.94 تيرابايتس تعتبر الأضخم حجما، وجاءت من مزودي خدمة ملاجئ ضريبية حول العالم، وعددها 14 في أمكنة تتراوح من فيتنام إلى بيليز وسنغافورة وباهاماس وجزر السيشل.
وقام عدد آخر من الأثرياء والشركات بوضع أرصدتهم فيما وراء البحار من أجل تجنب دفع الضريبة في أمكنة أخرى، وهو نشاط قانوني كلف الحكومات خسارة بمليارات الدولارات من الدخل.
وبعد 18 شهرا من تحليل البيانات من أجل الصالح العام، قامت “الغارديان” وغيرها من وسائل الإعلام بنشر النتائج بدءا من الكشف عن تعاملات الأقوياء والمؤثرين. وتضم النتائج الملك عبد الله الثاني الذي كشفت الوثائق عن ملكيته إمبراطورية عقارية بمئة مليون جنيه استرليني تمتد من ماليبو وواشنطن ولندن.
ورفض الملك الرد على أسئلة معينة ولكنه قال إنه لا يوجد شيء غير قانوني بملكيته بيوتا عبر شركات فيما وراء البحار. ويبدو أن الأردن قام بحجب موقع “المجموعة الدولية للصحافيين الاستقصائيين” بعد ساعات من الإعلان عن أوراق باندورا.
وتشير أوراق باندورا إلى أن عائلة علييف الحاكمة في أذربيجان اشترت عقارات بـ 400 مليون جنيه في السنوات الماضية، وإحدى العقارات تم بيعها إلى ممتلكات الملكة والتي تنظر في الطريقة التي دفعت فيها 67 مليون جنيه إلى شركة واجهة للعائلة التي تتهم وبشكل روتيني بالفساد. ورفضت العائلة التعليق. ومن المتوقع أن تثير الأوراق جدلا للاتحاد الأوروبي، فرئيس الوزراء التشيكي أندريه بابيس الذي سيواجه انتخابات هذا الأسبوع عرضة للأسئلة حول استخدامه شركة في ملجأ ضريبي للحصول على فيلا بـ 22 مليون دولار في جنوب فرنسا. ورفض التعليق. وفي قبرص، والتي هي ملجأ ضريبي، يواجه الرئيس نيكوس اناستاسياديز أسئلة حول شركة قانونية أنشأها متهمة بإخفاء أموال لمليارديرات روس وراء شركات وهمية. وتنفي الشركة القانونية ارتكاب خطأ وأن الرئيس القبرصي لم تعد له علاقة بها بعدما أصبح زعيما للمعارضة في 1997.
وليس كل من ورد اسمه في الأوراق متهم بارتكاب أخطاء، فالأوراق المسربة تكشف أن شيري بلير وزوجها توني بلير، رئيس الوزراء العمالي السابق وفرا 312.000 جنيه بضرائب على عقار اشترياه في لندن ومملوك جزئيا من وزير بحريني معروف. واشترى بلير وزوجته المبنى في شارع مارليبون بمبلغ 6.5 مليون جنيه من خلال تملك شركة في بريتش فيرجين أيلاند، ومع أن التحرك لم يخرق القانون ولا يوجد دليل أنهما حاولا التهرب من الضريبة. ولكن الثغرة القانونية سمحت لملاك العقارات الأثرياء التهرب من دفع الضريبة وهو أمر معروف لدى الناس العاديين في بريطانيا. وتظهر الوثائق الدور المركزي الذي تلعبه لندن من أجل تنسيق عالم الملاجئ الضريبية. وتعتبر العاصمة البريطانية مقرا لمدراء الثروات والشركات القانونية وعملاء تشكيل الشركات والمحاسبين. وكلها موجودة لخدمة الأثرياء. ومعظمهم أغنياء ولدوا في خارج بريطانيا ولا يحملون “المواطنة” وهذا يعني أنهم لا يدفعون الضريبة على أرصدتهم فيما وراء البحار.
ومن الأسماء الأخرى، الرئيس الأوكراني فولدومير زيلنسكي الذي انتخب عام 2019 على وعد بتنظيف الفساد والحد من سيطرة طبقة الأثرياء على الاقتصاد. وفي أثناء الحملة حول زيلنسكي 25% حصته في شركة بما وراء البحار إلى صديق يعمل الآن كمستشار للرئيس. ورفض زيلنسكي التعليق ولا يعرف إن كان منتفعا من الشركة أم لا.
ولا يظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تعتقد الولايات المتحدة أن لديه ثروة سرية بالاسم في الملفات ولكن مقربين له، بمن فيهم أصدقاء الطفولة، مثل بيتر كولبين الذي أطلق عليه النقاد “المحفظة” لثروة بوتين وامرأة يعتقد أن الرئيس الروسي أقام علاقة عاطفية معها.
وتكشف أوراق باندورا الضوء على نظام الملاجئ الضريبية، وهو تطور سيكون محرجا للرئيس جو بايدن الذي تعهد بقيادة جهود دولية للتأكيد على الشفافية في النظام المالي الدولي، وبخاصة أن الولايات المتحدة تظهر من التسريبات كأكبر ملجأ ضريبي. وتكشف الملفات أن ساوث داكوتا، هي ملجأ لمليارات الدولارات المرتبطة بأفراد اتهموا سابقا بجرائم مالية خطيرة. ويمتد طريق الملاجئ الضريبية من أفريقيا إلى أمريكا اللاتينية وآسيا ومن المتوقع أن تثير أسئلة صعبة على الساسة في العالم. ففي باكستان، اتصل مونيس إلهي، الوزير المعروف في حكومة عمران خان، مع شركة في سنغافورة بشأن استثمار 33.7 مليون دولار.
وفي كينيا التي صور فيها الرئيس أوهورو كينياتا نفسه بعدو الفساد ولكنه سيتعرض للفساد لكي يوضح علاقته وأقاربه بثروة 30 مليون دولار في ملاجئ ضريبية، وتشتمل على عقارات في لندن.
وأخبر كينياتا في 2018 بي بي سي “يجب الكشف عن رصيد أي موظف عام ولهذا يمكن للناس طرح سؤال: ما هو المشروع؟” ولم يرد كينياتا على أسئلة حول ثروة أقاربه وإن كانوا أخبروا السلطات المعنية عنها في كينيا.
وتكشف أوراق باندورا عن بعض التداعيات غير المرئية لتسريبات سابقة، أدت لإصلاحات متواضعة كما في بريتش فيرجين أيلاندز والتي تحتفظ بسجلات تشير للمالك الحقيقي للشركات المسجلة فيها. لكن التسريبات تظهر كيفية نقل الأموال إلى أماكن أخرى حيث يحاول الملاك ومستشاروهم التأقلم مع الواقع الجديد. وقام بعض عملاء موساك فونيسكا، التي توقفت وكانت في مركز تسريبات عام 2016 بنقل شركاتهم إلى مزودين منافسين مثل صناديق دولية أو إدارات تجارية لها مكاتب كبيرة في لندن، كما تكشف التسريبات الحالية. وقال عميل معلقا على سبب نقله إلى شركة جديدة “قرار تجاري للخروج بعد أوراق بنما” وقال آخر إن التجارة “تتأقلم” دائما مع الضغوط الخارجية. وتظهر أوراق بنما أن الصناعة حاولت التحايل على تنظيمات الخصوصية. فقد رفض محام سويسري إرسال أسماء عملائه المهمين عبر البريد الإلكتروني وأرسلها بالبريد العادي إلى مزود خدمات في بريتش فيرجين أيلاندز. وأكد على أهمية عدم تخزينها إلكترونيا. وقال المحامي “الهدف للعمل بهذه الطريقة هو مساعدتك على الالتزام بالقوانين في بريتش فيرجين أيلاندز”. وفي إشارة لموساك فونيسكا “أنت مجبر بالحفاظ على سرية عملائنا وعدم الكشف عنها كعميل لنا”. و”قصة بنما التي حدثت لواحد من منافسيك”.
وقال جيرارد رايلي، المدير التنفيذي للمجموعة الدولية للصحافيين الاستقصائيين إن الساسة الذين نظموا ماليتهم حول الملاجئ الضريبية يهمهم بقاء الوضع الراهن على ما هو وسيظلون عقبة أمام أي إصلاح حقيقي “وعندما يكون لديك قادة عالميون وعندما يكون لديك ساسة ومسؤولون كلهم يستخدمون السرية ويعملون من داخل هذا العالم وعندها لن نرى نهاية لهذا”. ويتوقع أن تترك أوراق باندورا أثرا أكبر من التسريبات السابقة وليس أقل لأنها ظهرت وسط وباء عالمي فاقم من التفاوت الاجتماعي وأجبر الحكومات على الاقتراض بمستويات غير مسبوقة ويتحمل كل هذا دافع الضريبة. وهناك 11.3 تريليون دولار على الأقل محفوظة في ملاجئ ضريبية وهذه هي الأموال التي خسرتها الميزانيات حول العالم وكان يمكن استخدامها للتعافي من كوفيد كما يقول رايلي و”ببساطة، نخسر لأن البعض يكسب. وهذا عقد بسيط يجري هنا”.
القدس العربي”
———————
“وثائق باندورا” تكشف الثروات السرية للمشاهير بينهم إلتون جون وخوليو وشاكيرا
بقي صندوق باندورا في الميثولوجيا الإغريقية أسطورة تثير الخوف البشري المزمن من فتح هذا الصندوق المملوء بالشرور. غير أنه لم يكف عن الفتح بين فترة وأخرى، حتى كأن الشرور الأسطورية هي بنت الواقع ومنتجه الأصيل.
لم يجد التحقيق الدولي للصحافيين الاستقصائيين أكثر من اسم “وثائق باندورا” لكشف جشع المال، والذين وراءه ممن خبأوا مليارات الدولارات من الثروات، لتجنب دفع الضرائب ولتجنب معرفة مصادرها.
هذه الوثائق لم تستثنِ المشاهير في عالم الفن والأزياء، وغيرها من الأنشطة الثقافية.
فهؤلاء مغنون مشهورون طاولتهم يد الصحافيين الاستقصائيين، ومنهم الكولومبية شاكيرا، والبريطاني إلتون جون، والإسباني خوليو إغليسياس، والإسباني ميغيل بوسيه، وعارضة الأزياء الألمانية السابقة كلوديا شيفر، وممثل بوليوود الهندي جاكي شروف، وعازف الطبول السابق لفريق البيتلز رينغو ستار.
وفقاً للتحقيق، واصلت شاكيرا فتح أعمال تجارية في ملاذات ضريبية، حتى عندما كانت قيد التحقيق في إسبانيا بتهمة التهرب الضريبي. وذكرت صحيفة “إل باييس” الإسبانية أن المغنية الكولومبية لديها شركات مسجلة في جزر فيرجن البريطانية، وهي منطقة كاريبية غالباً ما يتم اتخاذها ملاذاً لنظامها الضريبي التفضيلي، والسرية التي توفرها.
Shakira, Bosé y Schiffer se suman a lista de Pandora Papers https://t.co/gzxyIPWHWL pic.twitter.com/uoURuhJDz6
— El Diario de Coahuila (@DiarioCoahuila) October 3, 2021
وذكرت صحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية، أن تحقيق الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين يتحدث عن أن المغني البريطاني إلتون جون لديه أكثر من اثنتي عشرة شركة في جزر فيرجن. ويدير ديفيد فورنيش الزوج المثلي لإلتون جون جميع هذه الشركات.
الشيء المثير للاهتمام في قضية إلتون جون، أنه اتخذ مشاريعه الفنية مصدر إلهام لتسمية شركاته.
أما المغني الإسباني خوليو إغليسياس، فورد اسمه في خمس شركات تقع في الملاذ الضريبي لجزر فيرجن، للحصول على عقارات في إنديان كريك، جزيرة ميامي المرغوبة والمعروفة باسم “ملجأ الأغنياء”. وتبلغ القيمة الحالية للمنازل 112 مليون دولار، بحسب بيانات من السجل الرسمي لمقاطعة ميامي ديد.
كما أن عازف الطبول السابق لفريق البيتلز البريطاني رينغو ستار لديه شركتان في جزر الباهاما. تم استخدامهما لشراء عقارات، يقع أحدها في لوس أنجليس بالولايات المتحدة.
#YoSoiTu #Fotos Shakira, Miguel Bosé, Ringo Starr y Elton John vinculados a los Pandora Papers #av https://t.co/ktwaJOAWPS pic.twitter.com/gYhbhBbgJX
— YoSoiTu (@YoSoiTuLSR) October 4, 2021
وقال موقع قناة “لا سيكستا” الإسبانية إنه في ما يتعلق بعارضة الأزياء الشهيرة في التسعينيات، الألمانية كلوديا شيفر، فقد تم الكشف عن تمكنها من إدارة ثرواتها عبر ست شركات خارجية، وتقع في جزر فيرجن البريطانية.
وبعد الكشف عن أوراق باندورا، أعلن فريق شيفر القانوني لوسائل الإعلام الألمانية أنها كانت تدفع ضرائبها بشكل صحيح.
وبحسب صحيفة “إل باييس”، فإن المغني الإسباني ميغيل بوسيه مساهم في شركة بنمية افتتحت من خلال كيان مصرفي سويسري خاص في جنيف. وتمت طباعة اسم المغني على شهادات أسهم الشركة الخارجية في عام 2016، بينما كان يقيم في بنما.
وأضافت أن الشركة، التي لا تزال نشطة، كانت موجودة بالفعل منذ عام 2006، وبحسب “لا كسيستا” فقد كان هناك اجتماع في أغسطس/ آب 2016، لمديري الشركة، حيث تم الاتفاق على إلغاء 10000 سهم لحامل الشركة واستبدالها بنفس العدد من العناوين المسجلة لصالح المغني.
وإلى الهند حيث ورد اسم الممثل جاكي شروف (1957)، الذي لدى دخوله عالم السينما مطلع الثمانينيات لُقِّب بـ”فتى بوليوود”.
Over 300 Indians named in #PandoraPapers leak.
Anil Ambani, Sachin Tendulkar, Jackie Shroff, Kiran Mazumdar-Shaw are among the list that includes politicians, sports stars, royal personalities and more#PandoraLeaks is the biggest paper leak of all time.#PanamaPaper #Pandora pic.twitter.com/sZTGPog5l2
— Indian News Network (@Indiannewsnetw2) October 4, 2021
فقد قالت صحيفة “ذا إنديان إكسبرس” إن شروف هو المستفيد الرئيسي من صندوق أقامته حماته في نيوزيلندا، كما كشفت السجلات أن الممثل الهندي قدم أيضاً “مساهمات كبيرة” لهذا الصندوق الائتماني، الذي كان لديه حساب مصرفي سويسري ويمتلك شركة خارجية مسجلة في جزر فيرجن البريطانية.
وقالت عائشة زوجة شروف: “ليس لدي أنا وعائلتي أي علم على الإطلاق بأي ثقة من هذا القبيل. كانت والدتي، التي توفيت قبل أكثر من عشر سنوات، مواطنة بلجيكية وليست مقيمة في الهند”.
يذكر أن تحقيق “وثائق باندورا” يساهم فيه نحو 600 صحافي، وفحص 11,9 مليون وثيقة مصدرها 14 شركة للخدمات المالية في دول منها قبرص وبيليز والإمارات العربية المتحدة وسنغافورة وسويسرا وجزر فيرجين.
العربي الجديد
—————————-
وثائق باندورا: أثرياء يخفون أصولاً بـ360 مليار دولار في “ساوث داكوتا” الأميركية
كشفت “وثائق باندورا”، التي بدأت في نشر سلسلة من المستندات حول الثروات في العالم والملاذات الضريبية، أن ولاية “داكوتا الجنوبية” الأميركية أو “ساوث داكوتا” South Dakota أصبحت أحد أهم هذه الملاذات التي يلجأ إليها قادة وأثرياء العالم لإخفاء أموالهم والتهرب من الضرائب.
ووفقا لما نقله موقع ” بيزنس إنسايدر businessinsider ” عن الوثائق، فإن الولاية الأميركية وبسبب توافر قوانين السرية المالية فيها، أصبحت مركزًا للأجانب الذين يتطلعون إلى إخفاء أصولهم وحمايتها، والتي بلغت نحو 360 مليار دولار .
داكوتا الجنوبية ولاية تقع في منطقة الغرب الأوسط من الولايات المتحدة. وهي ولاية زراعية بشكل رئيسي، حيث تغطي فيها الأراضي الزراعية ومزارع المواشي نحو 90% من مساحة الأراضي. ويعيش أكثر من نصف سكان الولاية في المناطق الريفية. ويبلغ عدد سكانها نحو 754.8 ألف نسمة.
وسميت الولاية على اسم قبائل لاكوتا من شعب سو الأميركي الأصلي، حيث تؤلف هذه القبائل جزءا كبيرا من السكان، وهيمنت تاريخيا على كامل الإقليم. عاصمة الولاية بيير وأكبر مدنها سو فالز.
يعتمد اقتصاد ولاية داكوتا الجنوبية على اكتشاف المعادن، والذهب هو من أشهر المعادن الموجودة بالولاية. وتلعب السياحة دورا بارزا في توفير التمويل لاقتصاد الولاية وسكانها، كما أن الثروة الحيوانية متمثله في قطيع الأغنام والإبل، وكذلك الزراعة والمحاصيل الزراعية، كفول الصويا والقمح، تمثل مصدرا هاما في اقتصاد الولاية.
وكشفت “وثائق باندورا”، التي أنتجها تحقيق استقصائي عالمي واسع النطاق قاده “الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية” ICIJ، أسراراً مالية لـ35 من قادة العالم الحاليين والسابقين، وأكثر من 330 سياسياً ومسؤولاً عاماً في 91 دولة وإقليماً، ومجموعة عالمية من الفنانين والفارّين والمتهمين بالقتل.
وتكشف الوثائق السرية تعاملات خارجية لملك الأردن ورؤساء أوكرانيا وكينيا والإكوادور ورئيس وزراء التشيك ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.
كذلك تعرض الملفات تفاصيل الأنشطة المالية لمن سمّته “وزير الدعاية غير الرسمي” للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأكثر من 130 مليارديراً من روسيا والولايات المتحدة وتركيا ودول أخرى.
——————————-
ردود دولية على “وثائق باندورا”: الكرملين يرفض “اتهامات لا أساس لها“
تتوالى الردود الدولية على تسريبات “وثائق باندورا”، إذ اعتبرت روسيا، الاثنين، الوثائق بأنها تنطوي، على حد تعبيرها، على “اتهامات لا أساس لها” بعدما سلّط تحقيق نشره الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين الضوء على ثروات جمعها أشخاص على ارتباط بالكرملين.
وأفاد الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف “هذه ليست إلا مجموعة من الاتهامات التي لا أساس لها”، وذلك رداً على اتهامات جاء فيها أن امرأة كانت على علاقة بالرئيس فلاديمير بوتين اشترت عقارا في موناكو بقيمة أربعة ملايين دولار. وأضاف “لا أفهم كيف يمكن اعتبار هذه المعلومات موثوقة”.
ووفقاً للتحقيق الذي شارك فيه نحو 600 صحافي، اشترت سفيتلانا كريفونوغيخ في عام 2003 عقارا تبلغ قيمته أربعة ملايين دولار في موناكو عبر حسابات أوفشور.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أورد موقع “بروكيت” (Proekt) الروسي المتخصص في التحقيقات أن هذه المرأة كانت على علاقة مع بوتين منذ التسعينيات حتى أوائل القرن الحادي والعشرين. وخلال هذه السنوات، جمعت ثروة هائلة. وفقا للموقع الروسي، أنجبا ابنة ولدت عام 2003 سميّت إليزافيتا.
وكان الكرملين قد نفى في السابق مزاعم “بروكيت”، فيما اعتبرها ديمتري بيسكوف في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 “استفزازات”. وفي تموز/يوليو الماضي، أعلنت وزارة العدل الروسية أن “بروكيت” جهة “غير مرغوب فيها”، وبالتالي حظرت كل نشاطاتها.
واحتل الموقع مكانا في المشهد الإعلامي الروسي بفضل تحقيقاته حول فساد النخب الروسية. ونشر العديد من التحقيقات حول متعاونين أثرياء مقربين من فلاديمير بوتين.
وبحسب الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، فإن أحد المقربين المزعومين من الرئيس، بيوتر كولبين، مرتبط بتجمع مربح في الخارج يضم غينادي تيموشينكو المقرب من بوتين أيضا.
ويزعم التحقيق أيضاً أن كونستانتين إرنست، الرئيس التنفيذي للقناة التلفزيونية الأولى في روسيا، حصل بشكل مثير للشك على قطعة أرض ضخمة في موسكو عبر شركة أوفشور.
ويستند التحقيق الذي أُطلق عليه اسم “وثائق باندورا” إلى حوالى 11,9 مليون وثيقة مصدرها 14 شركة للخدمات المالية في دول منها قبرص وبيليز والإمارات العربية المتحدة وسنغافورة وسويسرا وجزر فيرجين. وسلط الضوء على أكثر من 29 ألف شركة أوفشور.
وورد ذكر نحو 35 من القادة والمسؤولين الحاليين والسابقين في الوثائق التي حللها الاتحاد في إطار ادعاءات تراوح بين الفساد وغسل الأموال والتهرب الضريبي.
وفي وقت سابق، أصدر الديوان الملكي الأردني، الاثنين، بياناً حول وثائق “باندورا” التي تحدثت عن إنفاق ملك الأردن أكثر من 70 مليون جنيه إسترليني (أكثر من 100 مليون دولار) لإقامة إمبراطورية عقارية في المملكة المتحدة والولايات المتحدة.
وقال الديوان الملكي في بيانه: “تابع الديوان الملكي تقارير صحافية نشرت أخيراً حول عدد من العقارات للملك عبد الله الثاني في الخارج، احتوى بعضها معلومات غير دقيقة، وتم توظيف بعض آخر من المعلومات بشكل مغلوط، شوّه الحقيقة وقدم مبالغات وتفسيرات غير صحيحة لها”.
العربي الجديد
——————–
وثائق بارادايز: التحدي الإعلامي العربي
لم يكن بديهياً أن يعثر الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين على شريك عربي في “وثائق باردايز”، ذاك أن تسريب الوثائق استهدف بالدرجة الأولى النظام المالي العالمي، والعالم العربي هو جزء من منطقة نشاط هذا النظام، وهو يملك فيه شركاء كبار، والإعلام العربي ليس بعيداً عن هؤلاء الشركاء تمويلاً وتأثيراً ونفوذاً.
لم يكن بديهياً أن يعثر الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين على شريك عربي في “وثائق باردايز”، ذاك أن تسريب الوثائق استهدف بالدرجة الأولى النظام المالي العالمي، والعالم العربي هو جزء من منطقة نشاط هذا النظام، وهو يملك فيه شركاء كبار، والإعلام العربي ليس بعيداً عن هؤلاء الشركاء تمويلاً وتأثيراً ونفوذاً. لهذا السبب تحديداً لم تجد “وثائق بنما” التي نشرت العام الماضي شريكاً بين وسائل الإعلام العربية، على رغم عقدها شراكات بالوكالة، لكن هذه الشراكات لطالما اصطدمت بعجز وسائل الإعلام العربية الكبرى عن الخوض في الوثائق إلا إذا كانت تستهدف خصما من ضمن الانقسام الذي تقع في دائرته.”درج” وضع في هذا الامتحان في أيام انطلاقته الأولى. ها هو شريك الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين في “وثائق بارادايز”، وهو إذ ينشر بالتزامن مع وسائل إعلام عالمية تحقيقات حول الجنان الضريبية التي كشفتها الوثائق، أنجز بدوره تحقيقات عربية على هذا الصعيد.وبالنسبة إلى ـ”درج” تُمثل أيضاً شراكته بالمشروع تحدياً، ذاك أنه منصة لم يمض أيام قليلة على إطلاقها وICIJ الذي اختاره للشراكة وضعه أمام المهمة التي يدعيها تماماً. أي الطموح في مشروع إعلامي عربي مستقل، يُقدم للقارىْ قصة صحافية من خارج منطق الانحياز.بدأت التجربة في شهر نيسان (ابريل) من العام 2017 حين توجهنا إلى مقر صحيفة süddeutsche zeitung في ميونخ، وهي الصحيفة التي وصلتها هذه الوثائق، لنكون ضمن مجموعة من 381 صحافياً من مختلف أنحاء العالم يمثلون مؤسساتهم في المشروع.لا نخفي سراً أننا شعرنا أننا طارئين على نقاش الوثائق، ذاك أن الكشف والتسريب لم يكن يتقدم هواجس الحاضرين، بقدر ما كانت المهنة بتحدياتها الجديدة. فـ”وثائق بارادايز” مسربة، ومنطق السبق الصحفي يتصدر في لحظة من هذا النوع، وهو لا ينسجم مع منطق الشراكة الذي تفترضه مشاركة وسائل إعلام من كل العالم. لكن الإعلام بتحدياته الجديدة تجاوز تقنية السبق الصحافي. المهمة اليوم تقتضي شراكات لكي تكتمل. العالم صار أصغر من أن نتنافس على أسراره. القصة تبدأ في واشنطن وتمر عبر موسكو وتكتمل في بيروت أو القاهرة. القدرة على المنافسة تكمن في القدرة على التخفف من أثقال حسابات النشر، وتوفر الدافع المهني والأخلاقي، والباقي متاح أمام الصحافيين. الكفاءة والتقنيات متوفرة، أو يمكن توفرها، والميديا الجديدة ضيقت الهوة بين الصحفي وبين قدرته على النشر. حين دخلنا المبنى العملاق لصحيفة süddeutsche zeitung في ميونيخ طلب منا المنظمون في قسم التحقيقات الاستقصائية في الصحيفة ومعهم فريق الاتحاد الدول للصحافيين الاستقصائيين ICIJ بإصرار تجنب الاحتكاك بباقي العاملين في الصحيفة، والاكتفاء في حال سألنا أحد عما يفعله هذا الحشد من الصحافيين الدوليين في المبنى أن يكون جوابنا عاما. تجمعنا في طابق واحد على مدى يومين . الاجتماعات مغلقة والتصوير متاح لوقت محدد ولفريق محدد والهواتف مقفلة والطعام يقدم إلينا في القاعة كي لا نخرج. ومرة أخرى لاحت أمامنا مفارقة أن يقرر مجموعة من الصحافيين والصحافيات مشاركة ما يكتشفونه من معلومات واسماء عبر شبكة خاصة بهم وتداولها والتحقق منها وتعميم المعلومة علما أن هذا لا ينسجم مع مسار العمل الصحفي القائم على التفرّد والمنافسة والسبق. بدت تجربة استثنائية أن يتفق صحافيون على أن مهمة مكافحة الفساد وتوحشه تقتضي التعاون لا التنافس. ومجددا نكتشف أن المشاركة العربية في مثل هذا المشروع الاستقصائي الصحفي الضخم تقريبا غير موجودة. وهدف هذه الملاحظة ليس القول بأننا كنا هناك ولكن التأمل في الغياب الصحفي العربي عن عمل استقصائي بالغ الأهمية وتاريخي لجهة كشف حجم الفساد الهائل في النظام الاقتصادي العالمي. كم بدا ذو معنى خلال الجلسات وخلال استعراض أسماء رؤساء الدول أو الشخصيات البارزة الواردة في الملفات المسربة من ضمن “وثائق بارايدايز” التلاصق بين عالمي السياسة والمال وكم بدت شركات الاوف شور أرضا جامعة لكل تناقضات السياسة. الأسماء العربية التي سربتها الملفات توضح حجما مهولا من التهرب من دفع الضرائب خصوصا من بين طبقات الرؤساء والأمراء والملوك والشيوخ ورجال الأعمال.. لا يبدو هذا تفصيلا في منطقة عربية حافلة بالحروب والأزمات والمشاكل الاقتصادية الخانقة، أعني أن تكون النخب العربية والسياسية والاقتصادية جزء من نظام التهرب العالمي من الضريبة في حين يرزح ملايين من أبناء المنطقة تحت وطأة الفقر والموت فتلك مفارقة متوحشة.
——————————-
وثائق باندورا :خفايا الجنان الضريبية لرؤساء وزعماء وشخصيات وقادة من حول العالم
—————————–
من بينهم العاهل الأردني.. تسريبات “باندورا” تكشف عن ثروات سرية هائلة لقادة عالميين في ملاذات ضريبية
عربي بوست
كشفت مجموعة ضخمة من السجلات والوثائق السرية تم تسريبها في ملف ما بات يعرف بـ”وثائق باندورا”، وقد توصلت لها وسائل إعلام عالمية على غرار صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، عن ثروات وممتلكات وأموال سرية لـ35 من القادة الحاليين والسابقين، وأكثر من 300 مسؤول حكومي، بالإضافة إلى عدد من الشركات.
وفق تقرير للصحيفة الأمريكية، الأحد 3 أكتوبر/تشرين الأول 2021، فقد تم فحص هذه الوثائق السرية عبر عملية نظمها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين وشارك فيها أكثر من 650 مراسلاً صحفياً، لتكون بذلك واحدة من أكبر عمليات التسريب التي حدثت في السنوات الأخيرة بعد ملفات فنسين، ووثائق بارادايس، ووثائق بنما ولوكس ليكس.
من جانبها، ذكرت شبكة “بي بي سي” البريطانية، أن عمليات الفحص أسفرت عن الوصول إلى 12 مليون وثيقة من 14 شركة خدمات مالية في دول من بينها جزر العذراء البريطانية، وبنما ودولة بليز وقبرص والإمارات العربية المتحدة وسنغافورة وسويسرا.
حسب الصحيفة نفسها، فقد توصلت بمجموعة من السجلات المالية الخاصة المتعلقة بالنظام الخارجي السري المستخدم لإخفاء مليارات الدولارات من السلطات الضريبية والدائنين والمحققين الجنائيين.
تشير الوثائق نفسها، إلى أن العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني يمتلك بشكل سري مجموعة من العقارات في كل من بريطانيا والولايات المتحدة، كما كشفت أن قيمتها تتجاوز 70 مليون جنيه إسترليني.
كما كشفت أيضاً أن هذه العقارات، وعددها 15 عقاراً، تم شراؤها عبر شبكة من الشركات التي تتخذ من جزر العذراء البريطانية وغيرها من الملاذات الضريبية مقراً لها، وذلك منذ سنة 1999، سنة توليه السلطة.
كذلك ذكرت شبكة “بي بي سي”، أنه من بين العقارات التي يتوفر عليه العاهل الأردني 3 تطل على المحيط الهادئ في ماليبو بولاية كاليفورنيا الأمريكية، وأخرى تتواجد في لندن وأسكوت في بريطانيا.
إلى جانب العاهل الأردني، فإن الوثائق نفسها كشفت عن تمكن توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق وزوجته من التهرب الضريبي، فيما بلغ قيمته 312 ألف جنيه إسترليني، تتعلق برسوم الدمغة لمكتب اشترياه في لندن، وذلك بعد أن أقدما على شراء شركة تتخذ من لندن ملاذاً ضريبياً لها.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التحقيقات كشفت أيضاً عن توفر الرئيس الروسي على أملاك وأصول سرية في إمارة موناكو، بالإضافة إلى أخرى يملكها الرئيس التشيكي في فرنسا، وقيمتها نحو 12 مليون دولار.
حسب الصحيفة الأمريكية، فقد تم تمييز الغالبية العظمى من المستندات بتواريخ تشير إلى أنها تم إنشاؤها بين عامي 1996 و2020، على الرغم من أن بعضها يعود إلى السبعينيات. مع العديد من الوثائق المؤرخة مؤخراً في العام الماضي.
فيما توضح ذاكرة التخزين المؤقت كيف عانى النظام البحري- وهو مصطلح من الوقت الذي كانت فيه الجزر النائية الملاذ الرئيسي لإخفاء الأموال النقدية- من الفضائح وجهود الإصلاح التي أعقبت التحقيقات السابقة.
تتضمن السجلات عشرات المذكرات والرسائل التي تناقش سبل هزيمة قوانين الشفافية الجديدة وإقامة ملاجئ أكثر للأصول.
———————————–
“وثائق باندورا”: الشركات التي تختفي خلفها ثروة ملك الأردن/ ويل فيتزجيبون
شبكة الصحافيين الاستقصائيين الدوليين ICIJ
تُظهر مجموعة من الوثائق المسرّبة التي حصل عليها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين أن الملك عبد الله الثاني، الذي يحكم البلد منذ فترة طويلة، يمتلك سراً 14 منزلاً فاخراً في المملكة المتحدة والولايات المتحدة.
نزل المتظاهرون الأردنيون إلى الشوارع -مجدَّداً- مطالبين بوضع حد للفساد والفقر في النظام الملكي الشرق-أوسطي الذي يعتمد على المساعدات. وفضَّ رجال شرطة ملثّمون التظاهرات واعتقلوا منتقدي قادة البلاد.
ومع ذلك هتف الناس من أجل التغيير.
أخيراً، وفي محاولة لنزع فتيل الأزمة، أطلقت السلطات الأردنية في يونيو/حزيران 2020 حملة على الثروة الخفية، تسعى إلى وقف تدفُّق ما يقدّر بنحو 800 مليون دولار سنوياً إلى خارج البلد.
وقال رئيس الوزراء آنذاك، عمر الرزّاز، إن الحملة كانت ضرورية بشكل خاص لمجابهة تداعيات جائحة فيروس كورونا على مالية الدولة. وقال رئيس الوزراء إن الأردن سيتتبّع كل دينار أخفاه المواطنون في الملاذات الضريبية. وليست هناك ثروة خارجية خارج نطاق التدقيق.
لا شيء خارج نطاق التدقيق، على ما يبدو، باستثناء ثروات الملك.
تُظهر مجموعة من الوثائق المسرّبة التي حصل عليها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين أن الملك عبد الله الثاني، الذي يحكم البلد منذ فترة طويلة، يمتلك سراً 14 منزلاً فاخراً في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، اشتراها بين عامي 2003 و2017 من خلال شركات وهمية مسجلة في الملاذات الضريبية. وتتجاوز القيمة الإجمالية لهذه المنازل 106 مليون دولار.
وتشمل تلك المنازل منزلاً في أسكوت، وهي واحدة من أغلى بلدات إنجلترا؛ وشقق بملايين الدولارات في وسط لندن وثلاث شقق فاخرة في أحد مجمعات واشنطن، ذات إطلالات بانورامية على نهر بوتوماك.
وتشمل المنازل التي يمتلكها الملك أيضاً ثلاثة منازل متجاورة على شاطئ البحر، وهي قيد الإنشاء في “بوينت ديوم”، وهي منطقة فخمة تقع بالقرب من لوس أنجلوس. وأحد هذه المنازل هو قصر من سبع غرف نوم مبني على منحدر يطل على المحيط الهادئ، تم شراؤه في عام 2014 من خلال إحدى شركات الملك الوهمية، “نابيسكو هولدينغز” (لا علاقة لها بشركة البسكويت)، مقابل 33.5 مليون دولار.
وتظهر السجلات أن مستشاري الملك، البالغ من العمر 59 عاماً، والذي يمنح جائزة سنوية للشفافية باسمه، لم يدّخروا أي جهد لإخفاء ممتلكاته العقارية. فقد أسّس المحاسبون والمحامون في سويسرا وجزر العذراء البريطانية شركات وهمية نيابةً عن الملك ووضعوا خططاً ليُبعدوا اسمه عن السجلات الحكومية العامة وحتى السرية منها.
وقد قام مديرو شركة Alemán, Cordero, Galindo & Lee المعروفة اختصاراً باسم “ألكوغال” (Alcogal)، والكائنة في جزر العذراء البريطانية، بوضع علامات في وثيقتين للتصريح والموافقة على عدم مشاركة أي شخص مرتبط بإحدى شركات الملك في السياسة؛ مع أن الملك لديه سلطة تشكيل الحكومات وحل البرلمان والموافقة على التشريعات.
وعند مراسلة المحامين الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين نيابةً عن الملك، نفوا حدوث أي شيء غير لائق بشأن امتلاك منازل من خلال شركات خارجية. وقال المحامون إن الملك غير مُلزم بدفع الضرائب بموجب القانون الأردني.
ويقول الخبراء المطلعون على شؤون المنطقة إن من المحتمل أن يؤدي توقيت عمليات الشراء، إذا تم الإعلان عنه، إلى نفور العديد من الأردنيين وزعماء القبائل الذين يساعدون في إبقاء الملك عبد الله في السلطة. وتجدر الإشارة إلى أن معظم صفقات الملك العقارية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة -وستة منها بأكثر من 5 ملايين دولار- أُبرمت منذ عام 2011، أي بعد احتجاجات الربيع العربي، التي أطاحت بالحكومات في مصر وليبيا وتونس وشكّلت أول تهديد خطير للنظام الملكي الأردني منذ أجيال.
يعتبر الأردن من أفقر دول المنطقة. فيكاد لا يملك نفطاً في أراضيه، ولديه شحّ في الموارد المائية. إضافة إلى أن المملكة تعتمد على المساعدات الخارجية لدعم شعبها وإيواء ورعاية ملايين اللاجئين. وفي العام الماضي وحده، قدّمت الولايات المتحدة للأردن أكثر من 1.5 مليار دولار من المساعدات والتمويل العسكري، ووافق الاتحاد الأوروبي على إمداد المملكة بأكثر من 218 مليون دولار لتخفيف وطأة جائحة فيروس كورونا.
وقالت الدكتورة أنيل شيلين، الخبيرة في شؤون السلطات الدينية والسياسية الشرق-أوسطية، خلال مقابلة مع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين: “ليس لدى الأردن نوع المال الذي يسمح -كما في ممالك الشرق الأوسط الأخرى، كالسعودية- للملك بالتباهي بثروته”. وأضافت شيلين، الزميلة الباحثة في معهد كوينسي بواشنطن: “إذا تباهَى الملك الأردني بثروته علناً، فلن يستعدي ذلك شعبه فحسب، بل سيُثير أيضاً غضبَ المانحين الغربيين الذين قدموا له المال”.
ويقول الخبراء إن الملك عبد الله الذي يسخَر رعاياه من الطريقة التي يتحدث بها العربية بلكنة إنجليزية، ليس لديه مجال للخطأ.
وهذا العام، اعتقلت الشرطة الأردنية 16 شخصاً، بينهم أحد أفراد العائلة المالكة، بسبب مؤامرة مزعومة للإطاحة بالملك عبد الله. ووُضع الأمير حمزة، الأخ الأصغر غير الشقيق للملك، مؤقتاً قيد الإقامة الجبرية لدوره المزعوم في محاولة الانقلاب، فيما نفى -في فيديو مُسرّب صدر بعد عملية مداهمة قامت بها أجهزة المخابرات في البلد- انخراطه في أي مؤامرة.
وقال الأمير حمزة: “أنا لست الشخص المسؤول عما وصلت إليه بنية الحوكمة لدينا من انهيار وفساد وعدم كفاءة على مدى الأعوام الـ15 أو الـ20 الماضية، وهي الأمور التي تفاقمت بحلول العام الحالي”. وأضاف: “لقد قرّر نظام حكم أن مصالحه الشخصية والمالية وفساده أهم من حياة وكرامة ومستقبل 10 ملايين شخص يعيشون هنا”.
واتهم مسؤولون أردنيون حمزة بالتآمر الذي هدّد الأمن القومي. ولم يتهم حمزة أخاه عبد الله بارتكاب فعل مُشين.
فيما قالت شركة “دي إل إيه بايبر” (DLA Piper) للمحاماة، التي تضم محامين بريطانيين عن الملك، إن عبد الله لديه أسباب أمنية مشروعة حاسمة، وأخرى تتعلق بالخصوصية، لحيازة ممتلكات في شركات خارجية، وإن الأمر لا علاقة له بالتهرب الضريبي أو أي غرض آخر غير لائق. وكتب المحامون أن الملك لم يُسِءْ استخدام الأموال العامة أو المساعدات الخارجية، مضيفين أن ثروة الملك عبد الله تأتي من مصادر شخصية. وقال المحامون إن عبد الله يهتم بشدة بالأردن وشعبه، وإنه يعمل بنزاهة وبما يخدم مصالح بلده ومواطنيه على الدوام.
وأضاف المحامون أن معظم الشركات الخارجية إما لم تعد موجودة أو لا علاقة لها بالملك، وأن بعض الممتلكات التي حددها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين على أنها تخص الملك ليست له. وأحجمت “دي إل إيه بايبر” عن توضيح ما يعتبره الملك غير دقيق بسبب مخاوف مزعومة تتعلق بالخصوصية وبأمنه وأمن أسرته.
كل رجال الملك (خارج الحدود)
لطالما كان الملك عبد الله حريصاً على ترسيخ صورته باعتباره شخصية معتدلة وحداثية. فقد تلقّى عبد الله -راكب الدراجات النارية، والحائز على جائزة مصباح السلام- تعليمه في الأكاديمية العسكرية الملكية وجامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة، وغيرهما من المؤسسات التعليمية. تولى زمام الحكم في عام 1999 إثر موت والده الملك حسين. غالباً ما يُنظر للملك وزوجته الملكة رانيا -الفلسطينية المولودة في الكويت- على أنهما الثنائي الحاكم الأكثر “حداثة” في الشرق الأوسط؛ وقد تقابلا في حفل عشاء في عمّان -عاصمة الأردن- حين كانت الملكة المستقبلية والشخصية المؤثرة على موقع “إنستغرام” تعمل في شركة “أبل”.
ويُنظر إلى الأردن في عهد الملك عبد الله -على الأقل من الخارج- على أنها واحة من الاستقرار النسبي؛ إذ يحدها من الشمال والشرق سوريا والعراق البلدان اللذان مزقتهما الحرب، ومن الغرب هناك الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل. ومن ثمّ، يُعدّ الأردن -الذي يبلغ عدد سكانه 10 ملايين نسمة- حليفاً مهماً للولايات المتحدة، واستضاف أيضاً قواعد عسكرية للحلفاء خلال الغزو الأميركي للعراق عام 2003. ويتلقى الأردن مليارات الدولارات كل عام في صورة مساعدات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى، معظمها مخصص للملايين من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين في المخيمات الأردنية.
تنزع المظاهرات المؤيدة للديمقراطية في الأردن إلى أن تكون أكثر سلمية وأصغر حجماً من تلك التي شهدتها تونس ومصر خلال الربيع العربي عام 2011؛ لكن الاقتصاد الراكد والأعداد الكبيرة من اللاجئين أشعلا فتيل غضب الجماهير.
في العام نفسه الذي اشترى فيه الملك ممتلكاته الفارهة في واشنطن -عام 2012- احتشد الآلاف من رعاياه في شوارع المدن والبلدات في جميع أنحاء الأردن احتجاجاً على إلغاء دعم الوقود؛ وهو القرار الذي خشي العديد من الأردنيين أن يغرقهم في فقر مدقع. رقص المحتشدون ورددوا الهتافات المقفّاة، وشبّهوا الملك عبد الله بـ”علي بابا”، ذلك الفقير في قصص “ألف ليلة وليلة” الذي أصبح ثرياً بين ليلة وضحاها فقط بقول “افتح يا سمسم”، ونهب كهف الأربعين لصاً المليء بالذهب والأحجار الكريمة.
إنها المرة الأولى التي يصب فيها المتظاهرون جَامَ غضبهم على شخص الملك مباشرة.
هتف الناس في الشوارع: “يا عبد الله يا ابن حسين، قروش الشعب راحت وين… اللي بيسرق الملايين… [وياللي واقف ع الرصيف]، بكرة بنشحد الرغيف”.
يكشف تحقيق “أوراق باندورا” أن الملك عبد الله لديه ما لا يقل عن 36 شركة واجهة في ملاذات ضريبية سرية؛ واستحوذ الملك أيضاً على معظم العقارات الواردة في التحقيق بين عامي 2008 و2017.
وتظهر عمليات تبادل رسائل البريد الإلكتروني التي عُثِر عليها بين الملفات المسرَّبة، أن مهمة إخفاء علاقة الملك بهذه الشركات والممتلكات التي تحصلت عليها، كانت هي المهمة الأولى والأهم للمستشارين الماليين للملك عبد الله.
كانت فيكتوريا لورين، وهي محامية بريطانية تعيش على ضفاف بحيرة جنيف، واحدة من مرشدي الملك في نشاطاته خارج الحدود، وكانت تملك شركة سويسرية لإدارة الثروات تُدعى Sansa Suisse SA. وقد ساعدت هذه الشركة الملك عبد الله في تشكيل واحدة من أولى شركاته الوهمية، وهي شركة Guinevere Enterprises المحدودة، التي أنشئت في عام 1995 في جزر العذراء البريطانية، بحسب السجلات التي لم تُبيّن السبب وراء إنشاء الشركة.
وكان المرشد الآخر هو الشريك التجاري للورين، وهو المحاسب البريطاني أندرو إيفانز. ووفقاً لملفه الشخصي على موقع LinkedIn، أمضى إيفانز أكثر من عقدين مع المكتب الفرعي لشركة المحاسبة العملاقة PwC في الإمارات العربية المتحدة، قبل إطلاق شركتين لإدارة الثروات في سويسرا؛ الأولى هي “خليج فيدوسيار” Khalij Fiduciaire SA، والثانية “فيديغير” FidiGere SA. وحسب ما تذكر سجلات الشركة السويسرية، فإن لورين شغلت منصب الرئيس بينما شغل إيفانز منصب السكرتير في شركة “خليج فيدوسيار”.
وعبر هذه الشركات، اضطلع إيفانز بدور أحد مديري الثروة الأساسيين للملك وأمين السجلات، وذلك كما يظهر من المراسلات بينه وبين شركة “ألكوغال”.
ويبدو أن عدداً قليلاً من أسماء الشركات الخارجية للملك له جذور جغرافية أو دينية؛ فمثلاً استمدت شركة “قباء المحدودة” اسمَها من أحد أقدم المساجد الإسلامية، كما أن شركة “زاير المحدودة” مشتقة من كلمة “زائر” التي تطلق على السياح الذين يزورون الأماكن المقدسة.
في حين أن المستندات المسرَّبة لا تسرد مفردات مقتنيات الملك، إلا أن بالإمكان العثور على موقعها وتفاصيلها وقيمتها من خلال مطابقة أسماء الشركات الوهمية مع سجلات الملكية العامة. وقد حدد المراسلون 12 شركة مالكة للعقارات من شركات الملك، وتشمل هذه العقارات عمارات سكنية بقيمة 6.5 مليون دولار في حي جورج تاون الفاخر بواشنطن، اشترتها شركة “زاير المحدودة” في عام 2012. وفي عام 2016، حصل ولي العهد الأمير الحسين -ابن الملك عبد الله- على درجة دبلوم في التاريخ الدولي من جامعة جورج تاون، التي تقع على بعد 10 دقائق سيراً على الأقدام من تلك الشقق الفاخرة.
لم تُبيّن الوثائق الغرض الدقيق لهذه الشركات أو أصول الشركات الوهمية الأخرى التي يملكها الملك؛ البعض منها فقط يوصف بأنه يمتلك استثمارات غير محددة في الولايات المتحدة وأوروبا.
وبحسب ما تذكر سجلات التخطيط في كاليفورنيا، يخضع اثنان من قصور الملك الثلاثة في ماليبو لتغييرات كبيرة؛ فأحدهما سيُهدم ويعاد بناؤه على مساحة مضاعفة. والثاني المبني على أرض مجاورة لشاطئ الولاية، سيضم قريباً حمام سباحة وعريشة معدنية ومكاناً فخماً لحفلات الشواء في الهواء الطلق.
عندما زار الصحفيون المنازل مؤخراً، بدت خاوية، وصاح أحد العمال الواقفين فوق السياج قائلاً “نبني مرآباً للمالك”؛ بينما كان ستة منهم يجلسون داخل الهيكل الخشبي لمرأب مستقبلي.
وعلى صوت قواطع الأعشاب ونباح أسود البحر، سار راكبو الأمواج بملابس الغوص أمام منزل الملك في أقصى الغرب، في طريقهم إلى شاطئ بيج دوم؛ فيما قال أحد الجيران الذين خرجوا في نزهة صباحية: “ياله من شارع رائع”.
“تعرفون من هو”
ووفقاً للسجلات، تولى مكتب “ألكوغال” هناك مسؤولية إدارة شؤون الملك في بنما وجزر العذراء البريطانية منذ عام 2007؛ وهذا اختيار طبيعي لشخصية سيادية تسعى للسرية.
تتكون جزر العذراء البريطانية من أكثر من 50 جزيرة وجزر رملية في البحر الكاريبي شرق بورتوريكو؛ ويرجع الفضل في ثراء هذه الجزر لقطاعها المالي. ويتطلب إنشاء وإدارة مئات الآلاف من الشركات الصورية للأجانب توظيف ترسانة من المحامين والمحاسبين وغيرهم؛ ولا تقتصر جاذبية قوانين الخصوصية الصارمة والالتزام التنازلي، من أعلى لأسفل، بقطاع الشركات الخارجية على المشاهير والسياسيين فحسب، بل تجذب المجرمين أيضاً.
ومنذ التسعينيات، ساعد مكتب شركة “ألكوغال” للمحاماة في جزر العذراء البريطانية العملاء على إنشاء وتشغيل شركات صورية، وذلك وفقاً للتحليل الذي أجراه الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين لسجلات الشركة. وقد تأسست “ألكوغال” على يد ابن سفير بنما في الولايات المتحدة ونخبة من المحامين الآخرين، وأصبحت مزوداً رائداً للخدمات الخارجية والقانونية للشركات متعددة الجنسيات والنخب العالمية من جميع الفئات.
أدرك إيفانز، مستشار الملك عبد الله، وموظّفو شركة “ألكوغال” أهمية الحذر والسرية؛ فكان موظّفو الشركة يشيرون للملك بصفته “المستفيد النهائي” المقيم في الأردن، فيما فضّل إيفانز تعبير “تعرفون من هو”.
تتطلّب قوانين جزر العذراء البريطانية وغيرها الكثير من الأحكام، بما في ذلك أحكام الولايات المتحدة، من شركات الخدمات المهنية مثل “ألكوغال” أن تحدد إمكانية حدوث غسيل أموال وغير ذلك من الانتهاكات التي قد يقوم بها عملاؤها. ويُعتبَر السياسيون والمسؤولون الحكوميون “مكشوفين سياسياً”، ومُعرضين بشكل خاص لاتهامات بتلقي الرشاوي والجرائم ذات الصلة. وتنصّ قوانين جزر العذراء البريطانية على غرامات تصل إلى 75 ألف دولار عن كلّ حالة إخفاق في تحديد هذه المخاطر أو الكشف عنها.
ومع ذلك، وضعت شركة “ألكوغال” في فبراير/شباط 2017 علامة “لا” أمام سؤال حول مستند داخلي في الشركة لتقييم المخاطر، وكان يتساءل عما إذا كان أي شخص يرتبط بأيٍّ من شركات الملك يُعتبَر شخصاً مكشوفاً سياسياً، أو بصيغة أخرى سياسياً أو مرتبطاً بأحد السياسيين. وكان المستند نفسه يحوي بيانات منها الاسم الكامل للملك وتاريخ ميلاده ومحل إقامته في قصر رغدان مترامي الأطراف رخاميّ الأرضيّة في عمّان.
وقد بذل إيفانز جهوداً كبيرة لضمان الحفاظ على سرية امتلاك الملك هذه الشركات الصورية.
وفي مسودة اتفاقية عمل عام 2016 بين “ألكوغال” و”فيديغير”، التي يمتلكها إيفانز، أثيرت تساؤلات حول متى وأين ولمن سيتم الكشف عن اسم صاحب السيادة ونشاطاته الخارجية، وذلك وفقاً لمراجعة التغييرات والتعليقات المتعقَّبة في المستند.
وكما كتبت “ألكوغال”، فإن الاتفاقية تطلب من الشركة الخارجية أن تشارك، مع سلطات جزر العذراء البريطانية، معلومات عن أملاك الملك، في حال طلبت دول أجنبية هذه المعلومات لكونها جزءاً من التحقيقات الجنائية. غير أن إيفانز اعترض على هذا، وأراد أن يعرف تحديداً مَن في جزر العذراء البريطانية يمكن إخباره بالحقيقة كاملة، متسائلاً “من فضلكم، هل يمكن تحديد مَن تشمله كلمة ’سلطات‘؟”
لذا أجرى إيفانز تعديلات على الاتفاقية لتشترط على “ألكوغال” مزيداً من الحماية لـ”عملائه ذوي الحساسية غير العادية”. ووفقاً لتعديلاته، فإن على “ألكوغال” الاحتفاظ بالمعلومات التي تتلقّاها حول هؤلاء العملاء في شكل نسخة ورقية فقط، بما يجعلها أقل عُرضةً لتسريب البيانات أو الخطأ البشري، وبما يتيح الوصول إليها “عند الحاجة فحسب”. غير أن الوثائق المسربة لا تخبرنا إن كانت “ألكوغال” قد وافقت على هذه التعديلات؛ لكن شركة المحاماة واصلت عملها مع إيفانز وشركته “فيديغير” بعد مناقشة الاتفاقية.
وفي مسودة اتفاقية 2016، كتب إيفانز “في الوقت الحالي لدينا عميل واحد فقط ضمن هذه الفئة” من العملاء ذوي الحساسية غير العادية. وفي حين أنه لم يُسمِّ الملك أو إحدى شركاته بشكل مباشر، تشير بعض الوثائق الأخرى المُرسَلة في الوقت نفسه تقريباً إلى الملك عبد الله.
وكان إيفانز قلقاً بشكل خاص بشأن ما قد يحدث لجواز سفر الملك. فقد وافق إيفانز على تزويد “ألكوغال” بنسخة إلكترونية منه، لكنه طلب من الشركة تقييد الوصول إليها وتأمينها بكلمة سر، وأعلنت “ألكوغال” امتثالها لهذا.
ومع حل المشكلات المتعلقة بالتعامل مع الوثائق، واجه إيفانز وشركة “ألكوغال” سؤالاً شائكاً حول ما إذا كان عليهم إعلام سلطات جزر العذراء البريطانية أن مالك هذه الشركات هو ملك الأردن.
وقد صعّدت جزر العذراء البريطانية من متطلبات الإفصاح في أعقاب الكشوفات الكبرى لسرية الشركات الخارجية، ومن ذلك تحقيق “أوراق بنما” الذي نفذه الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين في عام 2016. وفي ظل القوانين الجديدة، فإن على الشركات التي تساعد العملاء على تأسيس شركات في جزر العذراء البريطانية أن تقدِّم للسلطات أسماء المُلّاك الحقيقيين، المعروفين بمصطلح “المُلّاك المستفيدين النهائيين”. وتُسجّل المعلومات في سجلات سرية لدى حكومة جزر العذراء البريطانية. وبحكم قوانين هذه الجزر، يجب على “ألكوغال” تسجيل هذه المعلومات حتى المتعلقة بشركات انتقلت لاحقاً إلى ملاذات ضريبية أخرى، مثل بنما، كما كان الحال مع عدد من شركات الملك.
ووفقاً للوثائق المسرَّبة، فقد طلب إيفانز -في رسائل إلكترونية- من “ألكوغال” أن تُدرِج في السجلات السرية إحدى شركتَي إيفانز -“خليج فيدوسيار” أو “فيديغير”- بدلاً من الملك.
يتيح قانون جزر العذراء البريطانية الاستثناء من متطلبات الإفصاح إذا كان مالك الشركة “دولة ذات سيادة”، وقد وجد مسؤول الامتثال بشركة “ألكوغال” في الجزر أن تسجيل إحدى شركتَي إيفانز باعتبارها المالك المستفيد من شركات الملك الوهمية هو أمر ممكن بموجب قانون استثناء أصحاب السيادة، وفقاً لرسالة إلكترونية في يونيو/حزيران 2018. إلا أن مسؤول الامتثال أعلن أيضاً أن استغلال هذا الإعفاء ينتهك على الأقل روح القانون الجديد الذي سعى إلى تبييض صفحة الجزيرة بوصفها ملاذاً للأموال القذرة. ويطلب القانون أيضاً من شركة “ألكوغال” تقديم معلومات المِلكية “دون تأخير”، كما كتب مسؤول الامتثال، ويرى القانون أن إدراج شركة “خليج فيدوسيار” أو شركة “فيديغير” “لا يساعد في تنفيذ جملة ’دون تأخير‘” الواردة في القانون.
وفي تصريح للاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، قال حكيم كريك -المحامي بشركة مارتن كيني وشركاه، وهي شركة محاماة بارزة في جزر العذراء البريطانية- إن صاحب السيادة حين يتصرف بصفته الشخصية “يجب أن يُعلَن عنه باعتباره المالك المستفيد”.
لم يُسجّل في ملفات “ألكوغال” القرار النهائي. وفي رد على الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، قالت الشركة إن القانون لا يُلزِمها بالإفصاح عن الأشخاص المكشوفين سياسياً على أساس علاقاتهم السياسية وحدها. وقالت الشركة أيضاً إنها تُجري فحوصات مطوَّرة في الخلفية حول جميع الأفراد ذوي الارتباطات السياسية. وأضافت أنه نظراً للاجتهادات المتواصلة فقد تغيّرت القوانين بمرور الزمن في البلدان التي تعمل فيها “ألكوغال”.
وصرّح إيفانز لأحد الشركاء الإعلاميين للاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، وهو الناشر الإلكتروني والورقي السويسري تاميديا (Tamedia)، أنه متقاعد ولم يعد يعمل لدى الملك. ولم يُجِب إيفانز على الأسئلة التي وُجّهت إليه. فيما صرّح محامو الملك للاتحاد نفسه أن متخصصين يديرون شركات الملك لضمان الامتثال للالتزامات القانونية والمالية ذات الصلة.
وفي 2018، وبعد عمليات تبادل رسائل البريد الإلكتروني، كان الملك عبد الله لا يزال في صراع مع الاحتجاجات المناهضة للضرائب التي اجتاحت البلاد، حيث يصل متوسط الدخل السنوي 7620 دولاراً. وبعد تعيين [عمر] الرزّاز رئيساً جديداً للوزراء في البلاد، عقد الملك اجتماعاً عاماً مع المحرّرين والصحفيين المعتمَدين لدى القصر.
وأكّد الملك للشعب أنه يتفهّم معاناتهم الاقتصادية، قائلاً إن “على مؤسسات الدولة تبنّي أسلوب عمل يقوم على الشفافية والمُساءلة”.
“أوراق باندورا” هي تعاون صحافي عالمي يرعاه الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين غير الربحي. إذا كنت معجباً بهذا النمط من الصحافة، يُرجَى التبرع للاتحاد لدعم هذا النشاط الصحفي.
———————–
“وثائق باندورا” وثروة رياض سلامة: ما خفي كان أعظم/ عليا ابراهيم
تأتي “وثائق باندورا”، لتزيد من الشبهات المحيطة ليس بالحاكم وحده، إنما بالمنظومة السياسية المرتبطة به على مدى أكثر من ثلاثة عقود والتي تبدو على رغم كل الشبهات المحيطة به، متمسكة ببقائه في منصبه.
لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة في كل عرس قرص! بعد “سويس ليكس” و”وثائق باناما”، ها هي “وثائق باندورا” تلقي مزيداً من الضوء على شبكة الشركات التي أسسها الحاكم على مدى أكثر من 20 عاماً، ليدير ثروة تجاوزت قيمتها مئات ملايين الدولارات على أقل تقدير.
جديد الوثائق شركتان إحداهما AMANIOR مملوكة من الحاكم الذي يشغل أيضاً منصب المدير فيها، والثانية اسمها Toscana مملوكة من ابنه نادي، الذي ظهر اسمه في تحقيقات سابقة كشفها “درج” بالتعاون مع OCCRP.
الوثائق تلقي أيضاً مزيداً من الضوء على شركة Forry Associates Limited التي يمتلك رجا سلامة، شقيق الحاكم الأصغر الحق الاقتصادي الوحيد لها والتي ذاع صيتها إثر التحقيق الذي أطلقه المدعي العام السويسري في كانون الثاني/ يناير الماضي في قضايا غسيل أموال واختلاس محتمل في مصرف لبنان.
“وثائق باندورا”، التي تحمل في تفاصيلها ما يكفي من شبهات لملاحقة الحاكم وعزله، تأتي في لحظة شديدة التعقيد، تتسابق خلالها الملاحقات القضائية دولياً لا سيما في سويسرا وفرنسا، مع المساعي الداخلية لتأمين الحصانات الضرورية لحماية رياض سلامة ومعه المنظومة السياسية التي عمل على خدمة مصالحها على مدى أكثر من ثلاثة عقود.
الحاكم النجم
لحاكم مصرف لبنان علاقة خاصة مع الشهرة، فبعد أكثر من عقدين من النجومية القائمة على النجاح والحافلة بالجوائز العالمية، تحول رياض سلامة خلال السنوات الماضية، إلى واحدة من الشخصيات الأكثر جدلية في لبنان والأكثر غموضاً في العالم. فالحاكم الذي احتُفل به كصاحب “معجزة” تثبيت قيمة الليرة اللبنانية على مدى عقدين نعم خلالها اللبنانيون برخاء لا يتناسب مع اقتصاد بلدهم، هو أيضاً المسؤول عن السياسية المالية التي أوصلت لبنان إلى الانهيار الحاصل والذي يعتبر بحسب البنك الدولي “واحدة من أكثر الأزمات الاقتصادية حدة في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر”.
على المستوى الدولي لا تقل سمعة سلامة التباساً، فهو قد يكون أول حاكم مصرف تفتح في حقه تحقيقات في تهم فساد في أكثر من بلد وهو لا يزال في منصبه الذي لا يبدو أنه سيتركه في وقت قريب.
ضمن إطار هذا المشهد شديد التعقيد، تأتي “وثائق باندورا”، لتزيد من الشبهات المحيطة ليس بالحاكم وحده، إنما بالمنظومة السياسية المرتبطة به على مدى أكثر من ثلاثة عقود والتي تبدو على رغم كل الشبهات المحيطة به، متمسكة ببقائه في منصبه.
مهنة مدير شركة Amanior: حاكم مصرف لبنان
جديد الوثائق، شركة اسمها AMANIOR أسسها سلامة عام 2007، أي بعد نحو 14 عاماً على تسلمه مهمة الحاكمية عام 1993. الشركة ليست الأولى التي يظهر فيها اسم سلامة ولكن أهميتها تكمن بأنها مملوكة منه بشكل كامل، وهو مديرها الوحيد، كما تظهر الوثائق وظيفة سلامة الحقيقية أي “حاكم مصرف لبنان”، وهو ما كان غائباً في حالات أخرى حيث عرف عن نفسه بصفته “مدير بنك”.
رد سلامة على أسئلة الـICIJ المتعلقة بشركة AMANIOR وسبب إقامتها في جزر العذراء عبر محاميه مروان عيسى الخوري، جاء مطابقاً للإجابة التي اعتمدها في كل مرة تم سؤاله فيها عن ثروته وفحواها، إنه قبل تسلمه مهمة الحاكمية كان مصرفياً ناجحاً في “ميريل لينش” وأن ثروته في حينه كانت تتجاوز الـ23 مليون دولار.
“ثروتي شفافة، معلنة ومثبتة بوثائق ولا خلاف حولها حتى من قبل خصومي، فهي تعود الى ما قبل تسلمي منصبي وأنا لدي الحرية لكي أستثمر ثروتي الخاصة. قمت بذلك على مدى 27 عاماً، وقمت بتوكيل أشخاص لدي ثقة بهم لإدارة أملاكي”.
بعيداً من الشق الأخلاقي المتعلق بنجاح سلامة بحماية ثروته الخاصة في ملاذات ضريبية آمنة، مقابل مسؤوليته مع آخرين عن الانهيار المالي الذي أفقد العملة الوطنية 90 في المئة من قيمتها وما رافقها من “كابيتال كونترول” غير رسمي أدى إلى إفقار أكثر من 80 في المئة من اللبنانيين بحسب آخر تقارير منظمة اسكوا، هناك شق قانوني لم يجب عليه سلامة وهو كونه مدير لشركة AMANIOR، الأمر الذي يعتبر بحسب خبراء قانونيين مبرراً كافياً لعزله وملاحقته قضائياً على قاعدة خرق المادة 20 من قانون النقد والتسليف التي تقول صراحة إن على الحاكم ونائبيه أن يتفرغوا بكليتهم لمهماتهم في المصرف.
المحامي نزار صاغية وهو أحد مؤسسي المفكرة القانونية قال لـ”درج” إن “الخرق للمادة 20 من القانون لا لبس قانونياً حوله” وهو كاف لعزل الحاكم من منصبه ولكنه استبعد أن يؤدي ذلك الى تغيير جذري على مستوى المسار القانوني، أقله في لبنان.
يقول صاغية ويلتقي معه خبراء قانونيون إن الشبهات التي أحاطت بسلامة خلال السنوات الماضية كانت كفيلة بملاحقته وهو ما حصل فعلاً في أكثر من دعوى رفعت ضده، إلا أن قرار المحكمة التمييزية الذي صدر في منتصف شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، والذي ردت بموجبه القضايا المرفوعة ضد سلامة، منح حاكم مصرف لبنان الحق الحصري بالادعاء على حاكم مصرف لبنان، ما يعني أن أي ملاحقة لرياض سلامة في لبنان تستوجب الحصول على إذن منه.
“ما يحصل على الصعيد القضائي سخيف بقدر ما هو خطير لأنه يعطي الحاكم كل الحصانات الممكنة لتجنب الملاحقة أو حتى المساءلة” يقول صاغية.
سابين الكيك، استاذة القانون المصرفي في الجامعة اللبنانية والرئيسة التنفيذية لمؤسسة Juriscale اعتبرت أن محكمة التمييز التي اعتمدت في قرارها على تفسيرات حرفية ومبسطة لقانون النقد والتسليف ارتكبت خطأ جسيماً يستوجب مداعاة الدولة عن مسؤولية القضاة العدليين، لأن التفسير المعتمد من قبلها لبعض البنود يتناقض مع كل المبادئ القانونية.
“ما يحصل هرطقة قانونية” تقول الكيك التي اعتبرت مجرد بقاء سلامة في منصبه على رغم شبهات الفساد المحيطة به، أمراً منافياً للمبادئ والأصول.
“هناك تدقيق جنائي في مصرف لبنان، ما يعني أن هناك شبهات بجرائم مالية قد ارتكبت، لا أحد يحقق في مثل هذه الجرائم ويترك الشخص المعني في منصبه” تقول الكيك، معتبرة أن بقاء سلامة في منصبه دليل على أن لا جدية في أي كلام عن الإصلاح.
تسود في أوساط مصرفيين و قانونيين وسياسيين لبنانيين قناعة بأن “تعويم” سلامة أمر مفروغ منه وما تعيينه في اللجنة المفاوضة مع البنك الدولي، إلا مقدمة طبيعية لذلك، كما أن تأمين الحصانات اللازمة لحمايته من أي ملاحقات هو حماية لمصالح المنظومة السياسية كاملة، بما في ذلك خصوم سلامة المفترضون، فضلاً عن المصارف وأصحاب الثروات الكبرى، الذين استفادوا من سياسته المالية على مدى العقود الماضية وبشكل مضاعف مع تفاقم الأزمة المالية وحصول الانهيار.
في “وثائق باندورا” ما يعزز هذا الرأي.
رجا سلامة: من FORRY Associates Limited إلى “سوليدير”
على عكس شركة AMANIOR فان اسم شركة FORRY Associates Limited الوارد في وثائق باندورا ليس جديداً، فهي الشركة التي برز اسمها عند تسريب نص طلب المساعدة الذي توجه به المدعي العام السويسري إلى السلطات اللبنانية، والتي اتهم من خلاله رياض سلامة وشقيقه بتحويل أكثر من 300 مليون دولار هي عبارة عن عمولات دفعها مصرف لبنان مقابل بيع EuroBonds بين عامي 2002 و2014 لمصلحة الشركة التي يستفيد منها رجا سلامة.
اللافت أن معاملات حل الشركة بحسب “وثائق باندورا” بدأت في 14 نيسان/ أبريل 2016 أي بعد أيام قليلة من نشر وثائق باناما في الثالث من الشهر نفسه، وقد تم إغلاقها رسمياً في شهر أيار/ مايو من السنة ذاتها.
رياض سلامة وفي أكثر من مقابلة لم ينف علاقته بالشركة كما لم ينف عمليات تحويل الأموال إلا أنه كرر أن كل “دولار تم صرفه بموافقة المجلس المركزي لمصرف لبنان”.
مرة جديدة إذاً تعود Forry Associates LTD إلى الواجهة، ومعها أسئلة مرتبطة بالتطورات التي تتالت على الصعيدين الداخلي والدولي، فعلى أثر فتح الملف السويسري باشر القضاء اللبناني تحقيقاته واستدعى كل من رياض ورجا سلامة إلى التحقيق ووصلت الأمور إلى ختم مكتب رجا سلامة بالشمع الأحمر بعد مصادرة الهواتف والكمبيوترات التي في داخله من قبل المدعي العام المالي في نيسان الماضي. اللافت أن هذه الشبهات بما فيها تهم بتبييض الأموال واختلاس أموال المصرف المركزي، لم تؤثر في نشاطات رجا سلامة التجارية في بيروت، والدليل إعادة انتخابه في شهر آب/ أغسطس الماضي، كعضو في مجلس إدارة شركة سوليدير التي كانت واحدة من الشركات التي استفادت بشكل كبير خلال الأزمة الاقتصادية.
يلتقي مصرفيون على أن شركة سوليدير ليست وحدها المستفيدة من تعاميم حاكم مصرف لبنان، فمن بين المستفيدين المصارف اللبنانية التي تمكنت عبر “هيركات” غير رسمي أن تخفض ديونها بالعملة الصعبة على حساب المودعين الذين أُجبروا على سحب أموالهم بالعملة المحلية وبقيمة أقل من 30 في المئة من قيمتها الحقيقية.
أما مثال سوليدير فينطبق على شركات أخرى ومتمولين كانوا قد استدانوا من المصارف قبل الأزمة وقاموا بسداد ديونهم بقيمة أقل بكثير من القيمة الأصلية.
كما أن الإقبال على شراء العقارات في سوليدير مقابل شيكات مصرفية أدى إلى تحقيق أرباح صافية بلغت 20.7 مليون دولار مقارنة مع خسائر دفترية بقيمة 112 مليون دولار في العام السابق، فيما ارتفعت قيمة سهم سوليدير أكثر من 150 في المئة.
“سياسيات رياض سلامة والتعاميم التي أصدرها منذ بداية الأزمة زادت من ثروات كل من هم في الشركة… من إذاً سوف يعترض على إعادة انتخاب شقيقه؟” قال مصرفي فضل عدم الكشف عن اسمه.
شركة سوليدير لم ترد على أسئلة “درج” حول المعايير المعتمدة لدى انتخاب أعضاء مجلس الإدارة ولا حول استفادتها من تعاميم مصرف لبنان.
“توسكانا”… سوليدير جديدة؟
الشركة الثالثة التي أظهرتها “وثائق باندورا” والتي ترتبط برياض سلامة اسمها Toscana، أسسها نجله نادي عام 2013، سجل عنوانها في رومية أي على مرمى حجر من “مشروع إنترا للاستثمار” الذي قدرت قيمته بأكثر من مليار دولار. المشروع الذي يعتبر مصرف لبنان من أكبر داعميه بصفته المالك الأكبر في شركة “إنترا”، بقي على مدى سنوات موضع أخذ ورد، بخاصة من قبل وزارة البيئة التي رفضته بسبب ما يعنيه على مستوى قتل ثروة لبنان الحرجية.
هذا بعض ما أظهرته وثائق باندورا، أما صندوق رياض سلامة فالواضح أن ما خفي لا يزال أعظم.
———————————–
“وثائق باندورا”: لبنان (المفلس) الأول عالمياً في الـ”أوف شور” ورؤساؤه ومصرفيوه يتصدرونها/ حازم الأمين – هلا نصرالدين
لبنان المنهار مالياً واقتصادياً، والذي لامست الكارثة فيه حدود المجاعة وأصابت كل قطاعاته، وأفضى الفساد فيه إلى ثاني أكبر انفجار غير نووي في التاريخ، لبنان هذا، يسابق دول العالم لجهة لجوء سياسييه ومصرفييه ورجال أعماله إلى تسجيل شركاتهم في الجنات الضريبية.
قبل نحو أسبوعين، وبينما كنا في مكتب “درج” في بيروت، نعمل على مشروع “وثائق باندورا”، كان رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي يتلو البيان الوزاري الذي نالت على أساسه حكومته ثقة مجلس النواب، وتضمن البيان بنداً عن إصلاحات ضريبية تنوي الحكومة تنفيذها “تعزيزاً لمالية الدولة”، في ظل أكبر انهيار مالي واقتصادي في التاريخ يشهده لبنان، على حدّ وصف الخبير المالي توفيق كسبار.
تسريبات “باندورا” هي تحقيق استقصائي في سياق أكبر تعاون صحافي يشارك فيه نحو 600 صحافي من العالم بإشراف الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية (ICIJ)، يحقق في ملايين الوثائق التي تكشف أسرار الجنات الضريبية. التحقيق يكشف معلومات تتعلق بالأملاك السرية والثروات المخبّأة لعدد كبير من زعماء العالم وشخصيات عامة. ويكشف صفقات لشخصيات هاربة أو مدانة ومشاهير ونجوم ورياضيين.
والرجل الذي كان يلقي خطاب الثقة في مجلس النواب اللبناني، أي نجيب ميقاتي، ظهر اسمه في هذه الوثائق، وكذلك ظهر اسم سلَفه رئيس الحكومة حسان دياب، وغيرهما مئات من الأسماء اللبنانية من بينهم سياسيين ومصرفيين ورجال أعمال مقربين من أهل النظام. وطبعاً لا ينسجم لجوء رئيس الحكومة اللبنانية إلى الجنات الضريبية لتسجيل شركاته الخاصة مع الرغبة في تعزيز مالية الدولة اللبنانية، ذاك أن الوظيفة الأولى لهذه الخطوة هي التهرب من دفع الضرائب، وهو ما دأب عليه الرئيس الآتي إلى العمل السياسي من عالم المال والأعمال.
لكن المفارقة اللبنانية في هذه الملفات لا تقتصر على ذلك، إنما بحقيقة أخرى مذهلة كشفتها الوثائق، وتتمثل في أن لبنان المنهار مالياً واقتصادياً، والذي لامست الكارثة فيه حدود المجاعة وأصابت كل قطاعاته، وأفضى الفساد فيه إلى ثاني أكبر انفجار غير نووي في التاريخ، لبنان هذا، يسابق دول العالم لجهة لجوء سياسييه ومصرفييه ورجال أعماله إلى تسجيل شركاتهم في الجنات الضريبية.
من بين 14 مزوداً للملفات المسربة، وعددها نحو 12 مليون وثيقة، كانت شركة “Trident Trust” الشركة الأكبر من بينها، إذ بلغ عدد الوثائق المسربة منها نحو 3 ملايين وثيقة، ولبنان سبق الدول من حيث لجوء “أوليغارشييه” إلى هذه الشركة لتسجيل شركاتهم في الملاذات الضريبية. فبينما حلت بريطانيا في المرتبة الثانية في قائمة زبائن الشركة بـ 151 ملفاً، حل لبنان في المرتبة الأولى بـ346 ملفاً، لجأ أصحابها اللبنانيون إلى “Trident Trust” لتسجيل شركاتهم في الملاذات الضريبية. العراق حل ثالثاً بـ 85 ملفاً، وهو البلد الغارق بفساد طبقته السياسية، على رغم أن الأرقام تكشف أن الأخيرة حديثة نعمة لجهة خبرات إخفاء الثروات وتهريبها إلى الخارج، لا بل إن تبادلاً للخبرات في مجال الفساد يجري على قدم وساق بين البلدين اللذين تتمتع إيران بنفوذ كبير فيهما.
ففي سياق تقصّينا قصص سياسيين ورجال أعمال لبنانيين ممن وردت أسماؤهم في الوثائق، اكتشفنا أن عدداً منهم امتدت نشاطاته إلى العراق عبر تسهيلات من الفصائل المسلحة المدعومة من إيران أو عبر شراكات مع رجال أعمال عراقيين ممن أصابتهم العقوبات الدولية بسبب سجلاتهم في الفساد فلجأوا إلى واجهات لبنانية، والعكس صحيح أيضاً، ذاك أن لبنانيين صدرت بحقهم عقوبات أميركية عثرنا على أثر لاستثمارات لهم في العراق.
في وثائق “باندورا” أسماء لرئيسيّ حكومة لبنانيين، حالي وسابق، هما نجيب ميقاتي وحسان دياب، ومستشار لرئيس الجمهورية، هو النائب السابق أمل أبو زيد، ووزير سابق ورئيس حالي لمجلس إدارة مصرف هو مروان خير الدين، وغيرهم من أصحاب محطات تلفزيونية كتحسين خياط، ومصرفيين مثل سمير حنا.
وتذهب الوثائق بنا إلى شبهات ترتبط بنقل أموال خلال فترة الـ”كابيتال كونترول” إلى خارج لبنان واستعمالها لشراء منازل وعقارات في بريطانيا وأميركا ودول أخرى، كما هي حال مروان خير الدين، ففي الوقت الذي كانت المصارف اللبنانية تُطمئن مودعيها إلى أن ودائعهم بخير ولن تُمس، أي في أوائل العام 2019 وكان خير الدين ضيفاً دائماً على المحطات التلفزيونية ومدافعاً عن سياسات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المالية، كان يؤسس شركة في الملاذات الضريبية ليشتري عبرها يختاً بقيمة 2 مليون دولار أميركي، وهو اشترى في هذه الفترة منزلاً في نيويورك بقيمة 9 مليون دولار من نجمة هوليوود جانيفر لورانس.
جرى ذلك قبل الـ”كابيتال كونترول” بقليل، وهو ما يدفع إلى الارتياب بأن الرجل كان يهرب أمواله في الوقت الذي كان يدعو فيه اللبنانيين إلى عدم الخوف على ودائعهم!
كما كشفت الوثائق شراكات هدفها تسهيل عملية التهرب من عقوبات دولية على ما يشير الملف المرتبط بأمل أبو زيد، كما يأخذنا الملف المرتبط به إلى تقاطعات المصالح التي يمثّلها الرجل بين الشركات الروسيّة والتيار العوني والنظام السوري، وعمله الطويل في مجال وسائل الدفع وتحويل الأموال. وهنا أيضاً تحضر شركات في الملاذات الضريبية لمن استهدفتهم العقوبات الأميركية بتهم تبييض أموال لصالح حزب الله مثل قاسم حجيج وصالح عاصي.
رؤساء الحكومات في وثائق “باندورا”
أثارت “دموع” رئيس الحكومة الجديد نجيب ميقاتي لدى تشكيل الحكومة الكثير من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، فميقاتي الذي ظهر في صورة الأم المتأثرة بحدّة الأزمة في لبنان متحدّثاً عن مأساة اللبنانيّين، جاء من طرابلس أفقر مدينة على ساحل المتوسّط، بينما يصنّف هو مع أخيه طه كأكبر أغنياء لبنان والشرق الأوسط. فبحسب مجلّة فوربس، تبلغ قيمة ثروة كلّ من الأخوين ميقاتي 2.9 مليار دولار.
تشوب مسيرة ميقاتي العمليّة الكثير من الشبهات، كان آخرها في ميانمار. إذ يوضح تقرير سابق لموقع “درج”، كيف اشترت مجموعة M1 التي يملكها نجيب وطه ميقاتي، شركة Telenor للاتصالات في ميانمار بقيمة 105 مليون دولار في تمّوز/ يوليو 2021 بمبلغ زهيد يوحي بضغوط مورست على الشركة الميانماريّة.
الّا أنّه مؤخّراً، وخلافاً لنجاحه في تشكيل الحكومة اللبنانيّة، تعثّر ميقاتي في “الصفقة الميانماريّة” إذ إنّ السلطات في ميانمار لم توافق بعد على هذه الصفقة بسبب شبهات مرتبطة بعمل مجموعة M1 بالإضافة إلى قربها وقرب الأخوين ميقاتي من النظام السوري، بحسب المصادر التي تحدّثت أيضاً عن وجود ضغوط لإلغاء صفقة البيع هذه.
ولا بدّ هنا من التذكير بالدعوى التي رفعتها القاضية غادة عون على ميقاتي (وابنه وابن أخيه) وعلى بنك عودة بتهمة “الإثراء غير المشروع” فيما يتعلّق بقروض الاسكان، على قاعدة أنّ ميقاتي وعائلته، كانوا قد “استفادوا” من قروض مدعومة كان يخصّصها المصرف المركزي اللبناني لشراء منازل لمحدودي الدخل. بحسب تقارير إعلاميّة سابقة، حصل ميقاتي بين عامي 2010 و2013 على 9/10 من هذه القروض “الإسكانيّة” من بنك “عودة” لشراء منازل في أحد أفخر المباني في بيروت عبر صفقة حرمت الشباب اللبناني من فرصة الحصول على هذه القروض المدعومة.
وفي ردّ لنجل ميقاتي، ماهر ميقاتي إلى شريكنا الإعلامي في المشروع “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيّين” يقول: “والدي ليس لديه أي قروض سكنية باسمه على الإطلاق. جميع ممتلكاته الشخصية في لبنان دفع ثمنها بالكامل بنفسه.
أنا وأبناء عمي لدينا قروض إسكان، ولكن لدينا قروض إسكان عادية، ممنوحة من البنوك التجارية بموجب مخطط منفصل لا علاقة له ببنك الإسكان أو المؤسسة العامة للإسكان. يعود تاريخ القروض التي أخذناها إلى عام 2010… كانت معايير هذه القروض كما يلي:
لا يوجد حد أقصى لمبلغ القرض (تم إدخال سقف من خلال تعميم معدل بعد بضع سنوات)
سقف معدل الفائدة 6٪
قطاعات القروض هي العقارات والصناعة والسياحة والزراعة…
تم منح قروض الإسكان الخاصة بنا بموجب المخططات المذكورة أعلاه (تم سداد معظمها بالكامل). اتفاقية القرض التي وقعت عليها تنص بوضوح على أن هذه القروض لا تستفيد من أي دعم لسعر الفائدة!
…إدّعاء [القاضية غادة عون] ضد والدي وابن عمي وأنا يأتي بتهمة “الإثراء غير المشروع”، وأن والدي أساء استغلال صلاحياته، وضغط على حاكم البنك المركزي لمنح هذه القروض. لقد حضرت أنا وأبي الجلسات أمام القاضي (بناءً على طلب القاضية) مرتين. ربما أبي هو السياسي الوحيد في تاريخ لبنان الذي فعل ذلك! وما زلنا ننتظر القرار النهائي للقاضية في القضية.”
ولا بدّ هنا من التذكير بأنّ آل ميقاتي (نجيب وابنه ماهر وشقيقه طه)، كانوا قد “استفادوا” من قروض مدعومة، مخصصة للإسكان، كان يقدّمها المصرف المركزي اللبناني لشراء منازل. ميقاتي استحوذ على عدد من هذه القروض لشراء منازل في أحد أفخر المباني في بيروت عبر صفقة حرمت الشباب اللبناني من فرصة الحصول على هذه القروض المدعومة. وإذا كان الحديث عن أنّ “استغلال” قروض الإسكان حصل بطريقة قانونيّة الّا أنّها دون أي نقاش غير عادلة ولا تتوافق مع الهدف الحقيقي لهذه القروض، ناهيك عما يمثله استفادة متمول بحجم ميقاتي من قروض مدعومة كان من المفترض أن تمنح إلى محدودي الدخل!
حصل ميقاتي بين عامي 2010 و2013 على 9/10 من هذه القروض “الإسكانيّة” من بنك عودة، وهو مّا كان السبب المباشر للدعوى التي رفعتها القاضية غادة عون عليه وعلى بنك عودة بتهمة “الإثراء غير المشروع”.
ولطالما برز اسم ميقاتي في مشاريع استقصائيّة دوليّة مبنيّة على تسريبات، إذ إنّه ناشط في مجال تأسيس شركات الأوف شور. ففي وثائق بارادايس التي نُشرت عام 2017 وكان “درج” شريكاً في نشرها، ظهر أنّه أسّس شركة Corporate Jet عام 2004.
وكانت وثائق “باناما” التي نُشرت عام 2008 قد كشفت عن امتلاك رئيس الحكومة الحالي، نجيب ميقاتي، شركة Hessville Investment Inc في باناما، منذ 27 نيسان/ أبريل 1994. ويتولّى إدارة الشركة كلّ من:
نجيب ميقاتي (رئيس)
ماهر ميقاتي (أمين الصندوق) وهو ابن رئيس الحكومة.
مصطفى الصلح (سكريتيريا) وهو صهر شقيق نجيب ميقاتي، طه ميقاتي. وعُرف مؤخّراً بالوسيط الذي ساهم بحلّ عقدة الحكومة وسرّع في عمليّة تشكيلها.
فيما تكشف وثائق “باندورا” الجديدة أنّه في 13 شباط/ فبراير من عام 2008، وفي أحد إجتماعات مجلس إدارة الشركة، تقرّر شراء عقار في موناكو بنحو 7 مليون يورو. وبحسب خبراء في شركات الأوف شور، فإنّ شراء عقارات باسم شركة أوف شور يخفّف كثيراً من الأعباء الضريبيّة مقارنةً بتسجيل العقار باسم شخص.
“درج” أرسل أسئلة واستيضاحات للرئيس نجيب ميقاتي بخصوص التسريبات ووصلنا رد من ابنه ماهر بصفته يدير مجموعة ميقاتي ، قال فيه أنّ Hessvile هي شركة مقرّها في باناما. وكتب ماهر ميقاتي في رده: “هي شركة مملوكة بالكامل لوالدي، لغرض وحيد هو امتلاك منزل في موناكو. تم تأسيسها قبل عام 2008 من قبل المالك السابق للشقة في عام 1994، واشترى والدي الأسهم في عام 2005. ثم تمت صفقة أخرى في عام 2008 من خلال شراء الشقة المجاورة، وتم ضم كلا العقارين. لا يزال والدي مالكاً للعقار حتى هذا التاريخ” وأضاف “من العادي جدّاً امتلاك العقارات من خلال الشركات وليس بشكل مباشر. هذا قرار شخصي اتخذناه منذ وقت طويل (معظم عقاراتنا الشخصية مملوكة لشركات)، والغرض الرئيسي هو المرونة الإضافية التي يقدمها ذلك، والهدف منه:
في حالة البيع، أنت تبيع الأسهم. وفي بعض الولايات القضائية، قد يمثل هذا بعض المزايا الضريبية
لتخطيط الميراث.
لتحصين الالتزامات في حال قررت تأجير العقار لطرف ثالث”
وختم “إن اختيار تأسيس الشركات سواء أكانت في باناما أو في جزر العذراء البريطانية يرجع ببساطة إلى العملية السهلة لدمج الشركات الموجودة في كلا السلطتين القضائيتين. في هذه الحالة، كان المالك السابق للشقة يملكها عبر شركة في باناما، وبالتالي احتفظ بها والدي على هذا النحو”.
أمّا رئيس الحكومة السابق، حسّان دياب، فمن الواضح أنّه فهم أصول اللعبة عندما شغل منصب وزير التربية والتعليم العالي في حكومة نجيب ميقاتي بين عاميّ 2011 و2014. فبينما كانت أحد أكبر “نجاحاته” في الوزارة الكتاب الشهير عن “إنجازاته” فيها، يتبين أن الإنجاز الفعلي الذي حقّقه دياب بعد انتهاء ولايته الوزاريّة، تحديداً عام 2015، ولم يذكره مطلقاً على موقعه الرسمي ولا في أي إطلالة إعلاميّة، هو تولّي إدارة شركة أوف شور في جزر العذراء البريطانيّة.
تكشف “وثائق باندورا” أنّ دياب تولّى إدارة شركة eFuturetech Services Ltd منذ شباط 2015 مع كلّ من محمد نبيل بدر وعلي حدّارة. فلماذا لم يشارك دياب هذا الانجاز مع مجمل اللبنانيّين كعادته؟ وهل كان ذلك مذكوراً في سيرته الذاتيّة التي وزّعها خلال زيارته إلى قطر؟
يملك دياب 17 سهماً في الشركة مقابل 67 سهماً لبدر و16 سهماً لحدّارة. وبدر هو رئيس نادي الأنصار اللبناني لكرة القدم منذ شباط/ فبراير 2013. هذا بالإضافة إلى مساهمته في شركات محلية عدة.
وكان بدر مرشّحاً للانتخابات النيابيّة عام 2018 في لائحة “بيروت الوطن” عن دائرة بيروت الثانية، الّا أنّ رهانه على جمهور ناديه (نادي الأنصار)، كان رهاناً خاسراً ولم يحصل بدر على أكثر من 854 صوتاً تفضيلياً.
أمّا علي حدّارة، فهو المدير المالي لمجموعة شديد كابيتال القابضة Chedid Capital Holding. وهو حائز على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال وماجستير إدارة الأعمال في المالية من الجامعة الأمريكية في بيروت. ولديه أكثر من 20 عاماً خبرة في مجال التمويل وعمليات الاستحواذ ورفع التسهيلات المصرفية، وهياكل الشركات والضرائب.
المفارقة أنّه قبيل تقديم استقالته من الحكومة عقب كارثة انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، أعلن حسّان دياب “الحرب” على التهرّب الضريبي ولكنّه عاد بعد استقالته ليقول “مستسلماً” أنّ “الفساد أكبر من الدولة”. وعلى الرغم من أنّ تأسيس شركة أوف شور لا يُعتبر غير قانوني الّا أنّه يثير التساؤلات والشبهات لأنّه في معظم الحالات يكون وسيلة إمّا لأعمال مشبوهة أو لتهرّب ضريبيّ، خصوصاً عند حصول ذلك في الخفاء ومن دون أعمال معروفة ومعلنة للشركة.
علماً أننا أرسلنا أسئلة لدياب منذ أكثر من أسبوع ولم يصلنا منه رد حتى تاريخ نشر هذه المادة.
مصرفيون في وثائق “باندورا”
تظهر التسريبات أنّ خليل ابراهيم الدبس، رئيس الخدمات المصرفية للشركات في بنك عودة، كان مديراً في شركة أوف شور اسمها “فوندال ليمتد” (Fondal Ltd) في جزر العذراء البريطانيّة بين حزيران/ يونيو عام 2015 وكانون الأول/ ديسمبر 2016، واستلم إدارة الشركة بعده، عماد عيتاني. الدبس هو أيضاً رئيس مجلس إدارة بنك عودة – قطر، وعضو في مجلس إدارة بنك عودة – مصر. وهو صهر سمير حنّا، رئيس مجلس إدارة بنك عودة ومديره العام.
“درج” أرسل أسئلة استيضاحية للدبس ووصلنا منه الرد التالي: “تأسست fondal LTD عام 2015 في جزر العذراء البريطانية لغرض وحيد هو تولي عملية استحواذ محتملة نيابة عن بنك عودة على أصول موجودة في الخارج والتي تم اقتراحها على المصرف لتسوية ديون. إلا أن العملية لم تتحقق أبداً”.
وهنا يطل مجدداً اسم رئيس مجلس إدارة بنك الموارد مروان خير الدين الذي كشفت التسريبات عن تأسيسه مع نائب حاكم مصرف لبنان السابق، محمد بعاصيري، لشركات أوف شور. هذا فضلاً عن آل سلامة: رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان، وابنه نادي، وشقيقه الأصغر، رجا. وهنا يطرح تساؤل عما اذا كان ذلك ينطوي على تضارب في المصالح، ما يستدعي أن يكون سلامة والبعاصيري مجدداً أمام مساءلات قانونية.
وكان المدّعي العام المالي القاضي علي إبراهيم قد أمر، في شباط/ فبراير 2020، بتجميد أصول لمدراء البنوك بمن فيهم خير الدين، ووضع اشارة “منع التصرف” على موجودات 21 مصرفاً لبنانياً خصوصاً بعد المعلومات أنّ المصارف اللبنانيّة “هرّبت” ما يقارب 6 مليارات دولار منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2019، على الرغم من منع المصارف للتحويلات إلى الخارج. ولكن سرعان ما أبطل النائب العام التمييزي القاضي غسّان عويدات هذا القرار في دليل واضح على قوّة وسلطة المصرفيّين في لبنان.
عائلة افرام
من أبرز الأسماء التي تكرر ظهورها في وثائق “باندورا” هي عائلة إفرام وأبرزها النائب نعمة افرام وعائلته: منير، فيصل،كريم، مكرم، مروان، جهاد، فادي، شفيق، بهجت، ربيع، منيرة، ثريا، ريا، وسهى.
بالإضافة الى كونه نائباً، نعمة افرام هو أيضاً الرئيس التنفيذي لشركة INDEVCO GROUP متعددة الجنسيات، ومؤسس ورئيس شركة Phoenix Machinery والرئيس السابق لجمعية الصناعيين اللبنانيين. شغل منصب رئيس المؤسسة المارونية في العام من 2016 إلى 2018. سجله يتضمن الكثير من شركات الأوف شور غير المعلن عنها.
لطالما سجل لبنان أرقاماً قياسية على الكثير من المستويات وفي الكثير من المجالات، فقد شهدنا في الرابع من شهر آب أغسطس من العام 2020 في بيروت أكبر انفجار غير نووي، وكان سبقه أكبر انهيار مصرفي في التاريخ، وها نحن نشهد أكبر عدد للشركات في الجنات الضريبية في العالم تعود مكليتها للبنانيين، هذا بالإضافة إلى أكبر صحن حمص وأعظم “منقوشة زعتر” وأكبر كوب ليموناضة. وكل هذه “الإنجازات” تحققت في ظل اقتصاد “الخدمات” الذي أسس لدور الوسيط “الشاطر” الذي ينهي مسيرته بصفقة كبرى يتوارى بعدها في جزيرة بعيدة تعفيه من المساءلة.
——————————-
“وثائق باندورا”: مروان خيرالدّين أو قصّة “رئيس العصابة” وشركات “الأوف شور”!/ هلا نهاد نصرالدين
فيما كان المصرفي والوزير السابق مروان خيرالدين يدافع عن المصارف اللبنانية والمنظومة السياسية التي سببت الانهيار الاقتصادي، كان ينشط في المقابل في انشاء شركات أوف شور خارج لبنان. وثائق “باندورا” كشفت الكثير من تلك الصفقات.
“الدولة هي اللي بتبني القطاع المصرفي مش القطاع المصرفي يلي بيبني الدولة، في دولة بتجي، بتنضرب بتعمل سياسة معيّنة… بدّن نحن ندير الدولة، قد يكون أفضل حلّ، يشرفوا يروحوا عبيوتهم، يسلمونا كل الشركات… بـ 10 سنين منسكّر لكلّ العالم، منردّ كل المصاري ومنردّ لبنان غني كمان”…
هذا هو “الحلّ الجذري” الذي طرحه المصرفي البارز والوزير السابق مروان خير الدّين للخروج من الأزمة الاقتصاديّة الحاليّة في لبنان في واحدة من مقابلاته الاعلامية بعيد الانهيار المصرفي الذي شهده لبنان نهاية عام 2019.
لكن ماذا يعرف خير الدّين، المتموّل ورجل الأعمال “الكبير”، عن الأزمة؟ فهو وزملاؤه المصرفيّون ومعهم السياسيّون اللبنانيون يسمعون عن الأزمة ولكن لا يعرفونها ولا يشعرون بها، بل يسارعون لـ”تهريب” أموالهم إلى الخارج.
فبينما كانت تفرض المصارف في لبنان، ومن بينها مصرف “الموارد” العائد لخيرالدين، منذ بدء الأزمة الاقتصاديّة في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2019 “كابيتال كونترول” غير قانوني على المودعين اللبنانيّين يمنعهم من سحب أموالهم بالدولار أو تحويلها إلى الخارج، استطاع مصرفيّون كخيرالدين وسياسيّون ورجال أعمال لبنانيون من تحويل أموالهم واستثمارها في الخارج.
تكشف تسريبات في سياق مشروع “وثائق باندورا”، وهو تحقيق استقصائي دولي يقوده “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” بمشاركة أكثر من 600 صحافي من 150 مؤسسة صحفيّة من 117 دولة يبحثون في وثائق مسرّبة من أجل الكشف عن صفقات وأصول سريّة في شركات أوف شور، أنّ المصرفيّ اللبناني البارز، مروان خير الدين، هو المدير لشركتي أوف شور في جزر العذراء البريطانيّة (British Virgin Islands). وعلى الرغم من أنّ تأسيس شركات أوف شور هو عمل قانوني الّا أنّه كثيراً ما يكون مخرجاً إمّا للتهرّب الضريبي أو لأعمال “مشبوهة” إذ إنّ الـ BVI تعتمد معايير عالية للسريّة، علماً أنّ إحدى الشركتين اللتين يديرهما خير الدين كانت مرتبطة تاريخيّاً بشخصيّات مشبوهة، تحديداً بصهر رجل كان متورّطاً بأعمال رئيس عصابة وتاجر مخدّرات دوليّ معروف. هذا فضلاً عن تأسيس خير الدّين لشركات عدّة في بريطانيا بين 2019 و2020.
الفترة التي أسس فيها خيرالدين شركاته في الجنات الضريبية هي نفس الفترة التي كان اللبنانيون فيها يكابدون لسحب فتات من ودائعهم التي احتجزتها المصارف اللبنانية والتي يملك خيرالدين واحداً منها.
وفاء أبو حمدان، أرملة تبلغ من العمر 57 عاماً، هي مسؤولة ادارية في مدرسة خاصة وهي واحدة من آلاف اللبنانيين الذين خسروا مدّخراتهم في الانهيار الذي وقع عام 2019. خسرت وفاء ما يعادل 60 ألف دولار، على حد قولها لـ”درج”، “ذهبت كل جهود حياتي سدى. لقد كنت أعمل بشكل مستمر طوال العقود الثلاثة الماضية. ما زلنا نكافح بشكل يومي للحفاظ على معيشتنا بينما “السياسيين والمصرفيين الذين استولوا على مدخراتنا حولوا واستثمروا أموالهم في الخارج”.
من هو خيرالدين
لمن لا يعرف خير الدّين (14 شباط 1968)، هو رئيس مجلس إدارة بنك الموارد الذي أسّسه والده سليم خير الدّين منذ عام 1993، ويشغل أيضاً منصب المدير العام في المصرف الذي تزيد قاعدة أصوله (asset base) عن 2 مليون دولار أميركي مع 17 فرعاً ونحو 500 موظّف.
خير الدّين، البالغ من العمر 53 عاماً، هو أحد مؤسسي الحزب الديمقراطي اللبناني وعضو في المجلس السياسي للحزب منذ تأسيسه عام 2001. تربط خير الدين علاقة عائليّة برئيس الحزب الديمقراطي اللبناني، طلال ارسلان، فهو شقيق زوجة ارسلان. وعُيّن في 2011 كوزير دولة في حكومة نجيب ميقاتي التي استمرّت حتى عام 2014.
كما رافق خير الدّين ارسلان كمستشار له لدى استلامه حقائب السياحة، المغتربين، الشباب والرياضة. وبصفته “مصرفيّ مخضرم”، كان عضواً في مجلس إدارة جمعيّة المصارف في لبنان وعضو مجلس إدارة بورصة بيروت من العام 1994 إلى العام 1999.
أرسل “درج” الى خير الدّين اسئلة واستفسارات بخصوص التسريبات ولكن لم يصلنا منه أي ردّ حتى لحظة نشر التحقيق.
تكشف تسريبات المشروع أنّ خير الدّين يدير شركتي أوف شور في جزر العذراء البريطانيّة وهما:
1- أوكوود انترناشيونال هولدينجز ليمتد (Oakwood International Holdings Limited)، مع هدى الخليل ووسيم خير الدين. وسيم خير الدّين هو شقيق وشريك مروان الدائم. أمّا هدى الخليل فهي والدتهما أي أرملة سليم خير الدّين وشقيقة النائب أنور الخليل.
استلم مروان خير الدّين الإدارة في 27 حزيران/يونيو 2011، بعد استقالة المديرة السابقة جيتندرا مانيكلال كول. ورد اسم كول في تسريبات باناما عام 2016، كعضو في شركة أوف شور مع شخصيّة تدعى أكبر آصف وهو صهر إقبال ميرشي، وفقاً لـ Indian Express.
علماً أنّ ميرشي الذي توفي من نحو 8 سنوات كان مطلوباً من شرطة مومباي بتهم مرتبطة بتاجر المخدّرات ورئيس العصابة الهندي الشهير داوود إبراهيم الذي كان على لائحة “أكثر 10 هاربين مطلوبين في العالم” عام 2011 لدى مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكي.
وتُظهر تسريبات “باندورا” أنّه في اليوم نفسه الذي استقالت فيه المديرة السابقة واستلام مروان خير الدّين الإدارة، انتقلت أسهم شركة أوكوود من شركة موستيك انفستمنت ليمتد Mustique Investment Limited إلى شركة K Three Inc الموجودة في باناما. علماً أنّ شركة موستيك انفستمنت كانت قد حصلت على أسهمها من أكبر آصف وكافيتا تشارلز سينغ. وهنا يجدر السؤال: ألم يسأل خيرالدّين عن خلفيّة وتاريخ الشركة التي اشترى أسهمها واستلم إدارتها؟
لإستلام إدارة شركة أوكوود، قدّمت شركة K Three أوراقها الرسميّة وشهادة عن وضعها القانوني السليم (Certificate of good standing) التي تبيّن أنّ الشركة تملكها عائلة خير الدّين (الأم والشقيقان مروان ووسام) منذ أيلول/ سبتمبر 2010. ومن المرجّح أنّ الـ “ك” ترمز لخير الدّين والرقم ثلاثة لمروان ووسيم ووالدتهما هدى.
2- دريفت وود ليمتد (Driftwood Limited)، استلم مروان خير الدّين إدارتها عقب استقالة مديرها السابق يحيى مولود ونقل أسهمه إلى خير الدّين في 16 نيسان/ أبريل 2019 بعد أن كان مولود مديرها منذ 6 تمّوز/ يوليو 2018.
من هو يحيى مولود؟
ظهر من خلال التسريبات أنّ خير الدّين استلم إدارة شركة دريفت وود ليمتد بعد استقالة يحيى مولود. ومولود هو مهندس لبناني يشغل منصب الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة ميدل ايست باور (Middle East Power (MEP)) التي تعمل في إنتاج الطاقة الكهربائيّة.
مولود هو عضو في نقابة المهندسين في الشمال، وهو أحد مؤسسي “منتدى الشباب الاقتصادي” وانتُخب رئيساً له عام 2011.
وبصفته حائز على درجة الماجستير في هندسة الكهرباء من جامعة البلمند، شغل مولود في جامعته (أو ممثّلاً عن جامعته) مناصب عدّة أبرزها:
وزيراً للثقافة وحقوق الإنسان في أوّل حكومة ظل شبابية ممثلاً عن جامعة البلمند والأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة.
والجدير ذكره أنّ شركة MEP المسجّلة محليّاً وأوف شور، تتضمّن كلّاً من: يحيى مولود، كريم، كرمى وناديا تحسين خياط وغيرهم. فتحسين خيّاط هو أحد أبرز الداعمين لمولود في مسيرته المهنيّة. وكان مولود قد ترشّح على الانتخابات الفرعيّة في طرابلس عام 2019 بعد أن أبطل المجلس الدستوري نيابة ديما جمالي. ويُذكر أنّ مولود ترشّح بصفته خياراً بديلاً للسلطة التقليديّة.
“درج” تواصلت مع مولود بخصوص ورود اسمه في وثائق الشركة. وقال أنّه “مساهم في شركة اشترت قارباً لاستخدام فريقها التنفيذي وشركائها التجاريين. تم تسجيل القارب في جزر العذراء البريطانية….
وبسبب الوضع المالي الصعب في ذلك الوقت، في لبنان، حصلنا على قرض من مروان خير الدين، وتم تحويل المركب إليه كضمان”.
الملفت أنّ خير الدّين حصل من خلال هذه الشركة على يخت بقيمة 2 مليون دولار في نيسان/ أبريل 2019. ورغم أنّ ذلك يعدّ قانونيّاً، لتخفيف عبء الضرائب، وفق خبير قانوني، الّا أنّ توقيت هذه الصفقة، قبل أشهر من الانهيار الاقتصادي في لبنان ومنع المودعين من سحب أموالهم، يوضح كيف أنقذ خير الدّين أمواله بينما سمح، لا بل ساهم، بمصادرة أموال مودعي مصرفه وسائر المودعين.
في إحدى الوثائق المسرّبة التي استخدمها خير الدّين لتأسيس الشركتين أعلاه، منح خير الدّين نفسه رسالة مصداقيّة صادرة عن المصرف الذي يمتلكه:
“نشهد بموجب هذا أن السيد مروان سليم خير الدين، حامل جواز السفر اللبناني …، من مواليد الرابع من شباط 1968، وعنوانه السكني الحالي هو منطقة بيروت المركزية، قرية الصيفي… بيروت – لبنان، هو عميل لمصرفنا منذ 31 ديسمبر 1994.
بموجب هذا، نؤكّد هويته ونذكر كذلك أنه طوال علاقته المهنية مع مصرفنا، كان السيد خير الدين ولا يزال في علاقة جيدة مع المصرف”.
بيد أن خير الدّين لم يقدّم هذه الخدمة لنفسه فحسب، بل اتّسعت خدماته لتشمل صديق الكار نائب حاكم مصرف لبنان السابق، محمد بعاصيري:
“يسعدنا أن نؤكد أننا عرفنا السيد محمد بعاصيري منذ خمسة وعشرين عاماً وأنه لم يتورط أبداً، على حد علمنا واعتقادنا، في أي تهم إفلاس أو جناية أو إجراءات مماثلة. نحن نعتبره موثوقاً من الناحية المالية ويتمتع بمكانة أخلاقية جيدة … هذه الرسالة موجهة إليكم وحدكم ويمكن الاعتماد عليها فقط لتحديد ما إذا كان سيتم تقديم الخدمات إلى السيد بعاصيري أم لا. إنها سرية تماماً ولا يجوز الكشف عنها لأي طرف ثالث إلا بموجب عملية إلزامية من محكمة أو مسؤول كبير أو وكالة أخرى ذات مجال قضائي مختص”.
مصرفي لبناني بارز، يحمل الجنسيّة الأميركيّة. شغل منصب نائب حاكم مصرف لبنان بين 2009 و2019. وهو اليوم المكلّف بعمليّة تصفية “جمّال ترست بنك” منذ أيلول/ سبتمبر 2019.
شغل بعاصيري أيضاً في المصرف المركزي منصب أمين عام “هيئة التحقيق الخاصّة” لمكافحة تبييض الأموال بين 2001 و2009 وتبوأ مناصب هامّة عدّة فهو رئيس مبادرة حوار القطاع الخاص بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ 2006 وكان مستشاراً مقيماً في صندوق النقد الدولي بين 2000 و2001. وجرى تداول اسمه لرئاسة الحكومة في فترة سابقة.
ويظهر اسم بعاصيري في وثائق عدّة بين التسريبات، فبالإضافة إلى رسالة “المصداقيّة” التي قدّمها له خير الدّين من بنك الموارد، هناك رسالتان بإمضاء خير الدّين تفيد إحداهما أنّ بعاصيري لديه 150 ألف دولار في حسابه المصرفي واستخدم الأخير هذه الوثائق لطلب تأسيس شركة أوف شور في جزر العذراء البريطانيّة عام 2016. ولا تبيّن التسريبات أكثر من ذلك.
في تواصل للاتحاد الدولي للصحافيين مع بعاصيري، نفى الأخير امتلاكه لأي شركة في جزر العذراء البريطانية.
اشتهر خير الدّين بظهوره الإعلامي المتكرّر الذي أقلّ ما يقال فيه إنّه مستفزّ، ويجاهر فيه بمواقفه المدافعة عن المصارف والمنتقدة للمتظاهرين إبّان الانتفاضة اللبنانيّة التي اندلعت شرارتها في 17 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2019.
وشاع اسم خير الدّين أيضاً بعد الاعتداء على الصحافي الاقتصادي محمد زبيب الذي وصفه حينها بـ “رئيس العصابة” اذ اعتدى ثلاثة من مرافقي خير الدّين على زبيب بعد إحدى ندواته في منطقة الحمرا بحسب ما ثبتت التحقيقات ومع ذلك لم يلاحق خيرالدين.
كما اشتهر خير الدّين بالدعوى التي رفعها ضدّ الناشط ربيع الأمين عقب منشور للأخير على صفحته على فايسبوك. كذلك برزت انتقادات واسعة لخيرالدين مع شيوع صور له في رحلات صيد يقف خلالها مزهواً على جثث أسود وحيوانات نادرة برية تصيدها، وهو ما أثار غضب الكثير من البيئيين والمدافعين عن الحيوانات والحياة البرية.
شركات خير الدّين في الخارج
مخطئ من يعتقد أنّ نشاط خير الدّين التجاري يقتصر على لبنان فحسب، فهو لم يكتفِ بالسوق المحلّية، بل له ولأخيه وسيم، استثمارات ضخمة في الخارج، تحديداً في بريطانيا:
وان آلدفورد ليمتد ONE ALDFORD LIMITED، تأسست في 28 كانون الثاني/ يناير 2019
تو آلدفورد ليمتد TWO ALDFORD LIMITED، تأسست في 28 كانون الثاني/ يناير 2019
ثري آلدفورد لمتد THREE ALDFORD LIMITED، تأسست في 28 كانون الثاني/ يناير 2019
فور آلدفور ليمتد FOUR ALDFORD LIMITED، تأسست في 28 كانون الثاني/ يناير 2019
فايف آلدفورد ليمتد FIVE ALDFORD LIMITED، تأسست في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020
دانزفيلد هاوس هوتل ليمتد DANESFIELD HOUSE HOTEL LIMITED، تأسست في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 علماً أنّ لوسيم ومروان خير الدّين شركة أخرى بالاسم نفسه، تأسّست عام 1994 وتبدّل مدراؤها مرّات عدّة حتى استلما إدارتها عام 2004.
المثير للتساؤل أنّ معظم الشركات تأسست في التاريخ نفسه أي في 28 كانون الثاني/ يناير 2019 أي قبل أشهر قليلة من بدء الأزمة الاقتصاديّة في لبنان فيما تأسسّت الشركة الأخيرة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020. ومعظم الشركات المذكورة آنفاً تحمل العنوان نفسه وهو التالي: 48 Park Street, London, United Kingdom, W1K 2JH. وتتبّع هذا العنوان عبر خرائط غوغل يقودنا إلى هذا المبنى:
وتُصنّف كل هذه الشركات كشركات صغيرة والتي تُعفى، بموجب المادّة 477 من القانون البريطاني للشركات الصادر عام 2006، من التدقيق في حساباتها وهذا يعني أنه يمكنها اختيار الكشف عن معلومات أقل من الشركات المتوسطة والكبيرة. فهل لهذا السبب اختار خير الدّين تأسيس شركات صغيرة عدّة عوضاً عن شركة واحدة متوسّطة أو كبيرة، وذلك لتجنّب مشاركة معلومات وتفاصيل ماليّة؟
من ناحية أخرى، وقبل أشهر من تأسيس الشركة الأخيرة، تحديداً في آب/اغسطس 2020، اشترى خير الدّين منزلاً في الولايات المتّحدة الأميركيّة، وتحديداً في نيويورك من الممثّلة الأميركيّة الشهيرة جينيفر لورانس التي تكبّدت خسارة هائلة بلغت 5.7 مليون دولار، اذ باعت الأخيرة منزلها لخير الدّين مقابل 9.9 مليون دولار أميركي بعد عام من طرحه في السوق بقيمة 15.6 مليون دولار. وهذا يوضح حجم الاستثمارات الهائلة التي قام بها خير الدّين بين 2019 و2020 وذلك في الفترة التي كان فيها القطاع المصرفي في لبنان ينهش ودائع المودعين. فمن الواضح أنّ استثمارات خير الدّين في الخارج تضاعفت قبيل بدء الانهيار الاقتصادي والمصرفي والمالي في البلاد، فهل هذه صدفة؟ وهل اشترى خير الدّين العقار بأمواله الموجودة في لبنان فيما كانت ودائع اللبنانيّين محتجزة في المصارف اللبنانيّة، بينما كان يحثّ اللبنانيّين على استعمال الليرة؟
الشركات المحليّة التي يساهم فيها خير الدّين
يساهم خير الدّين في الكثير من الشركات المحليّة. وممّا لا شكّ فيه أنّه يتقن جيّداً لعبة الاعلام والسياسة فقد وطّد علاقاته مع أصحاب وسائل الإعلام في لبنان كبيار الضاهر، رئيس مجلس ادارة المؤسسة اللبنانية للإعلام، وأصحاب النفوذ والسياسة كنقولا الصحناوي وموريس نقولا الصحناوي، ميشال غبريال المر، نهاد المشنوق، طلال ومالك ارسلان، مجيد جنبلاط وغيرهم.
أبرز الشركات التي يساهم فيها:
1- المؤسسة اللبنانيّة للإرسال إنترناشيونال (LBC) مع بيار الضاهر وشركاء آخرين. يملك خير الدّين 3700 سهماً من مجموع 7,252,000 سهم.
2- ميغاستور مانجمنت (Megastore management) (مع ميشال غبريال المرّ وزوجة خير الدّين السابقة مايا كميل رسامني وغيرهما)
3- شركة فينيشان انترتاينمت هولدينغ مانجمنت Phoenician Entertainment Management Holding بالشراكة مع نهاد المشنوق وآخرين.
4- المشرق العربي للتسويق والتطوير
5- بارست تلكوم ش. م. ل. Burst Telecom مع زوجته السابقة مايا كميل رسامني
6- إدارة الخدمات المصرفيّة
7- شركة رويال هوتلز أند ريزورتز RHR
8- الأشرفية 3-3625
9- شركة كوموروس فايننس أوف شور Comoros Finance Off Shore مع رالف إميل لحود ونقولا موريس صحناوي وموريس نقولا صحناوي وآخرين.
10- تيك هاب ش. م. ل. TechHub
11- ميناروس هولدينغ Menaros Holding
12- المشرق العربي للتسويق والتطوير
13- السادس ش. م. ل.
14- اي ام فايننشالز ش. م. ل. AM Financials Lebanon SAL التي تعنى بتقديم دراسات واستشارات في الشؤون الماليّة والتجاريّة والقيام بجميع الأعمال التجاريّة
15- شركة ميغاستورز أوف ليبانون مع جهاد غبريال المرّ وغيره.
16- بلو رينغ Blue Ring SAL
17- اروس AROS SAL
18- هاي أون ويلز High On Wheels
19- أمبر فاشن ش. م. م. Amber Fashion مع الأمير مالك فاروق ارسلان وشقيقة مروان خير الدّين زينة ووالدتهما هدى.
20- بالإضافة طبعاً إلى بنك الموارد حيث يملك مروان خير الدّين 400 ألف سهم من أصل 3 ملايين سهم.
خلفية العائلة
وُلد خير الدّين في عائلة عملت تاريخيّاً في القطاع الزراعي خصوصاً في الزيتون وزيت الزيتون في حاصبيا، وفقاً لمقابلة كان أجراها سابقاً، الّا أنّ والده قرّر التوجّه إلى بيروت ودرس إدارة أعمال في الجامعة الأميركيّة عام 1959. وبعدها افتتح سليم خير الدّين وشركاء آخرين وكالة سفر، سرعان ما أصبحت من الأهم والأكبر في لبنان. وافتتحت بعدها فروع في سيدني، نيويورك ولندن. ومن فرع الشركة في لندن الذي أداره سليم خير الدّين، بدأ الأخير بالاستثمار في قطاع العقارات.
عام 1970، استثمر سليم خير الدّين في القطاع المصرفي في لبنان حيث اشترى أسهماً في بنك بيروت والبلاد العربيّة (BBAC)، ولكن بعد أن أصدرت الحكومة اللبنانيّة تراخيص لتأسيس مصارف عام 1979، باع خير الدّين الأب أسهمه في الـ BBAC وأسّس بنك الموارد الذي باشر يالعمل بعد عامٍ واحد أي عام 1980.
على خطى والده، درس خير الدّين إدارة الأعمال في بريطانيا وحاز على ماجستير في إدارة الأعمال من الولايات المتّحدة الأميركيّة. ومن ثمّ عاد إلى لبنان عام 1992 وعمل في بنك والده وأصبح رئيس مجلس الإدارة منذ عام 1993، بحسب صفحته على موقع LinkedIn.
————————–
“وثائق باندورا”: عنقود شركات التهرب والفساد للسياسي الموريتاني محمد عبد الله ولد إياها/ السالك زيد
يكشف هذا التحقيق الذي أعد بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين ICIJ من خلال وثائق “باندورا” عن تهرب ضريبي بطله الوزير السابق ورجل الأعمال محمد عبد الله ولد إياها، الذي تربطه علاقات بالرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وذلك من خلال شركات وهمية في ملاذات ضريبية.
هذه هي المرة الأولى التي يتم إدراج موريتانيا في مشروع لـ ICIJ وشركائها من منظمات ووسائل إعلام دولية منذ بداية عملها على تحقيقات حول الفساد العابر للحدود وشركات الـ”أوف شور”.
في تسعينيات القرن الماضي، بدأ شاب في عمر الثامنة والعشرين يتلمس طريقه كمستثمر في مجال الصيد بموريتانيا، وذلك بعد تخرجه من المدرسة الوطنية العليا للميكانيكا الفرنسية، وما هو إلا وقت يسير حتى بدأ الشاب يضع قدميه ليصبح من بين أبرز المستثمرين في قطاع الصيد الذي يعتبر من أهم ثروات البلد، وهو القطاع الذي يُسيل لعاب الصين ودول أوروبية كثيرة.
لم يكن الطريق صعباً أمام محمد عبد الله ولد إياها الذي يتقن اللغة الفرنسية والانجليزية، والذي سريعا ما قطع خطوات مهمة في مساره كرجل أعمال، حيث أنشأ شركته الأولى MAY Mauritania عام 1994 ثم MIP FRIGO seafood 1998.
مكنته الشركة الأولى من أن يكون أحد أهم شركاء الصين في موريتانيا، وخاصة شركة YAMAHA التي كان ممثلها الحصري في البلاد، وفتحت له الباب واسعا مع المستثمرين الصينيين، الذين تعتبر الدول الإفريقية وجهة مفضلة لديهم.
عين ولد إياها عام 2007 وزيرا لترقية الاستثمار في حكومة أول رئيس مدني منتخب في تاريخ الجمهورية الإسلامية الموريتانية، والتي أطيح بها في انقلاب عسكري قاده الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز بعد عام من تنصيبها، وهو الرجل نفسه الذي سيرتبط اسمه باسم محمد عبد الله ولد إياها لاحقا في ملفات مختلفة.
خرج ولد إياها من منصب الوزير بسلسلة علاقات جديدة، فأنشأ شركة جديدة وهي Maurinvest Goup والتي ستصبح لاحقا جزءً من شركة عملاقة وهي Maurilog التي لا يزال يديرها حتى اللحظة.
البحث عن ملاذ ضريبي
بينما كان الموريتانيون منهمكين في التعديلات الدستورية التي أثارت جدلا كبيرا عام 2017، والانتخابات التشريعية والبلدية بعد ذلك بعام، وسط جو سياسي مشحون، اتسم بلي الأذرع بين نظام محمد ولد عبد العزيز الذي كان يدير البلاد آنذاك والمعارضة الديمقراطية، كان رجل الأعمال محمد عبد الله ولد إياها في اتصال متواصل مع شركة SFM Corporate ومقرها في إمارة دبي في الإمارات العربية المتحدة.
بحسب الوثائق التي حصل عليها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، في مشروع Pandora Papers أكبر مشروع تحقيقات عابر للحدود، يعتبر محمد عبد الله ولد إياها أحد العملاء لدى الشركة، التي تأسست عام 2006 في جنيف، واستحدثت بعد ذلك مكاتب لها في دبي وهونغ كونغ وسيشيل.
تعمل sfm corporate في إنشاء الشركات والحسابات البنكية، وتوفير خدمة الإجابة على رسائل البريد الإلكتروني والهاتف، بالإضافة إلى إنشاء مكاتب افتراضية، في الدول التي تخلق فيها شركات الأوفشور والحسابات البنكية للعملاء الباحثين عن ملاذات ضريبية.
تكشف الوثائق المسربة أن محمد عبد الله ولد إياها دفع آلاف الدولارات لهذه الشركة، من خلال تحويلات مالية إلى حسابها البنكي في دبي، وذلك لإنشاء شركات في كل من “جبل طارق” و “جزر الكناري” وهي الأماكن التي تعتبر ملاذا آمنا للضرائب.
ونزولاً عند طلب محمد عبد الله ولد إياها تم تأسيس شركة MTO oil and gas bunkering ltd في أيلول/ سبتمبر من العام 2017 في كناريا الكبرى.
فيما تم إنشاء الشركة الثانية Oil and Gas services MSGBC في شباط/ فبراير 2018 سجلت هذه الشركة في هذا العنوان SUITE 925 a block 8 وهو العنوان نفسه الذي أثبتت الوثائق أن الكثير من الشركات الأوفشور في جبل طارق مسجلة فيه.
في العام نفسه، غيّر محمد عبد الله اسم الشركة الأولى إلى اسم الشركة التي يملكها في موريتانيا وجعلها تحت عنوان Maurilog Canary Islands ltd وجرى تسجيل مقرها في هذا العنوان Calle franchy Roca, 5 las palmas de gran canaria .
تشير الوثائق إلى أنه استثمر مبلغ 1.576.500 دولار في الشهر الأول من انطلاق عمل الشركة الأخيرة، وخصص في 60 يوما مبلغ 3.326.725 دولار للاستثمار، فيما توقع ولد إياها أن تبلغ مداخيل الشركة في السنة الأولى 17 مليون دولار.
بحسب خطة ولد إياها، جاءت توقعات مداخيل الشركة على هذا النحو:
2018 – 17 مليون دولار
2019- 20 مليون دولار
2020- 25 مليون دولار
2021 -30 مليون دولار
2022- 35 مليون دولار
2023- 42 مليون دولار
أكد ولد إياها في الوثائق شديدة السرية، بأنه أنشأ Maurilog Canary Island ltd من بين أسباب أخرى، للاستخدام في تقديم الفواتير، وضمان دفع المبالغ المقدمة له في موريتانيا وخارجها بالدولار، معتبرا بأن ذلك أفضل من الدفع بالأوقية، بالإضافة إلى البحث عن بلد قليل أو منعدم الضرائب ومريح للاستثمار.
بحسب خطط العمل التي قدم ولد إياها خلال طلب إنشاء هذه الشركات، من المقرر أن يكون الاستثمار في مجالات الصيد والنفط والغاز والتزويد بالوقود.
ويؤكد ولد إياها في الوثائق على امتلاكه رخص عمل في المياه الإقليمية الموريتانية من طرف وزارة البترول والطاقة، لشركة Maurilog islands ltd لممارسة نشاطاتها في المياه الإقليمية لشركته وتمثيل الشركات الشريكة المرتبط بعقود عمل معها.
يصف الخبير الاقتصادي محمد ولد الحسن، إنشاء شركات الأوفشور بهدف التهرب من دفع الضرائب بالإجرام الاقتصادي.
ويربط محمد ولد الحسن وهو أستاذ جامعي بين السنة التي عمل فيها ولد إياها على إنشاء شركات الأوفشور في الملاذات الضريبية لنقل أمواله إلى حسابات بنكية، والمراحل التي كان يعيشها نظام محمد ولد عبد العزيز في بداية العام 2017، حيث يعتبر الخبير الاقتصادي أن رجال الأعمال أحسّوا بقرب نهاية النظام الذي يحميهم، فأرادوا إخراج أموالهم من الدولة، إلى ملاذات آمنة لأعمالهم لا تكون فيها الضرائب مرتفعة.
من يدير شركات ولد إياها ؟
يستعين رجل الأعمال محمد عبد الله ولد إياها في إدارة شركات الأوفشور خاصته برجل اسباني الجنسية يدعى Jorge Manuel Rodriguez De La Nuez خورخي مانويل رودريغيز دا لا نويز.
يعتبر خورخي حسب الوثائق اليد اليمنى لولد إياها في كل ما يتعلق بشركات الأوفشور، حيث يتم استخدام اسمه كمدير لهذه الشركات، وينسق عمليات إنشائها من البداية حتى الحصول على الوثائق النهائية.
عمل خورخي ما بين 2014 إلى 2016 مع Kinross Gold Corp كمدير لوجستي من إسبانيا، ومنذ 2017 يعمل كمدير ل Maurilog Islands و Oil and Gas services ltd اللتين يمتلكهما رجل الأعمال الموريتاني محمد عبد الله ولد إياها.
تضع شركة SFM اسم الاسباني خورخي كمدير لجميع الشركات التي تنشئها لزبونها محمد عبد الله ولد إياها. توفير المديرين والمساهمين من صميم عملها، لكنهم لا يمتلكون صلاحيات وقد لا تكون لديهم معرفة بالمالك الحقيقي.
متهم بالفساد
في بداية عام 2020 صادق البرلمان الموريتاني الغرفة التشريعية الوحيدة في البلاد، على تشكيل لجنة للتحقيق في قضايا فساد إبان حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، الذي غادر كرسي الرئاسة في آب/ أغسطس 2019 وهي المرة الأولى في تاريخ موريتانيا التي يتم فيها إنشاء لجنة كهذه.
برز اسم الجنرال محمد ولد عبد العزيز كقائد لانقلاب عسكري عام 2008، على رئيس مدني منتخب، وفي 2009 ترشح للانتخابات ونجح بنسبة كبيرة، ثم غادر السلطة سبتمبر 2019 بعدما رشح رفيقه في الجيش ووزير الدفاع السابق، محمد الشيخ الغزواني.
من بين عشرات الأسماء التي تم التحقيق معها على مدى أشهر من قبل اللجنة البرلمانية، ورد اسم رجل الأعمال محمد عبد الله ولد إياها وتمت إحالة ملفه بعد ذلك مع آخرين إلى القضاء، ليتم استدعاؤه من طرف شرطة الجرائم الاقتصادية رفقة الرئيس السابق ووزراء ورجال أعمال.
داخل البرلمان التقينا بأحد النواب وكان عضوا في لجنة التحقيق البرلمانية، التي عملت لستة أشهر وهي تحقق في قضايا الفساد خلال عشر سنوات هي مدة حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.
لأسباب مهنية طلب منا النائب حجب هويته وفي جوابه عن سؤال يتعلق بعبد الله ولد إياها، قال إنه يستغرب عدم إحالته إلى القضاء والمحاكمة، فهو بحسب وصف النائب “أحد أكثر المتورطين في الفساد ومن أهم الملفات التي يحضر فيها بقوة ملف اتفاقية موريتانيا وشركة بولي هوندوغ الصينية في مجال الصيد البحري ومدتها 25 عاماً”.
لا يفهم النائب كيف نجا محمد عبد الله ولد إياها من قبضة العدالة، لكنه يرجح أن يكون عمل على تسوية قضيته قبل الوصول إلى القضاء، من خلال إرجاع مبالغ مالية للدولة، مضيفا بأن هذا حصل مع عدد ممن تم التحقيق معهم، خصوصاً في ظل تركيز الدولة على إرجاع الأموال المنهوبة بدل سجن المتورطين في الفساد.
أكدت النيابة العامة الموريتانية كلام النائب البرلماني، وذلك في بيان لها نشرته في شهر آذار/ مارس 2021 حول متابعة المشمولين في ملف قضايا فساد نظام محمد ولد عبد العزيز، وجاء فيه أنه “تم حفظ الدعوى عن مشتبه بهم بعد ضمان مصالح الدولة الاقتصادية والمالية” مما يعني أنهم أعادوا أموالا إلى الدولة لم تعلن النيابة عن قيمتها، لكنها حجزت في الملف كله أكثر من 41 مليار أوقية.
ليست هذه المرة الأولى التي يتم ربط اسم رجل الأعمال محمد عبد الله ولد إياها بالفساد وباسم الرئيس السابق، ففي عام 2017 نشرت “شيربا” وهي منظمة فرنسية لمحاربة الفساد، تقريرا حول الشفافية في موريتانيا، أعطى صورة قاتمة عن الشفافية في البلاد، وذكرت المنظمة حصول بعض المقربين من الرئيس السابق ومن بينهم محمد عبد الله ولد إياها على عقود عمل مع شركات دولية، بضغط من محمد ولد عبد العزيز.
تحدثت المنظمة عن توقيع شركة Maurilog لمالكها ولد إياها عام 2013 عقود عمل مع Kinross وTotal و Kosmos Energy في مجال اللوجستيك.
حذرت “شيربا” المستثمرين الدوليين والمانحين الأوروبيين من الوضعية التي تعيشها موريتانيا في ظل حكم ولد عبد العزيز، معتبرة أن الفساد ينخر كل مفاصل الدولة مما أضعفها اقتصاديا.
واعتبرت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية U.S SEC في تقرير لها عام 2018 أن شركة Kinross العاملة في مجال التعدين في موريتانيا، ودول أخرى، تجاوزت “قانون الممارسات الدولية الفاسدة FCPA” لأنها لم تحترم الإجراءات الداخلية وتم إرغامها من طرف شخص نافذ على العمل مع شركة موريتانية للوجستيك.
تواصلنا مع الرئيس السابق لـ”شيربا” المحامي ويليام بوردون، الذي اعتبر أن كل الأدلة والقرائن تشير إلى أن الرجل النافذ الذي أرغم “Kinross” على توقيع العقد مع الشركة الموريتانية، هو محمد ولد عبد العزيز، الرئيس السابق للبلاد، وبأن الشركة التي تم التوقيع معها ليست سوى Maurilog لمالكها رجل الأعمال محمد عبد الله ولد إياها.
قصة Maurilog
شركة Maurilog هي أكبر شركات رجل الأعمال محمد عبد لله ولد إياها، لكن قصة إنشائها مثيرة تحمل في طياتها الكثير من النفوذ والرشاوى، قبل أن تكون بهذا الحجم الذي هي عليه الآن.
تكشف الوثائق أن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز لعب دوراً كبيراً في تأسيس ” Maurilog” وذلك من خلال الضغط على شركةDB Schenker التي ربطها عقد عمل في 2013 لمدة ثلاث سنوات مع Kinross في مجال توفير خدمات النقل واللوجستيك
لم تصمد الشركة طويلا، فقد واجهتها عام 2014 عقبات ضريبية، حتّمت عليها دفع مبلغ مليون دولار كضرائب، مما جعل رئيسها يفكر في طريقة تخرج شركته من هذا المأزق.
لتفادي مشكلة الضرائب وعدم القدرة على العمل في موريتانيا، قام رئيس الفرع الفرنسي للشركة فيليب دي كريسي بتحويل مبلغ 600 ألف يورو لعضو مجلس الإدارة المختار النش اباب، من أجل إعطاء 400 ألف منها لرئيس مجلس الشيوخ حينها محسن ولد الحاج وهو صديق مقرب من الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
بعدها أمر الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز بإلغاء الدين الضريبي المستحق على شركة DB Schenker غير أن مجلس إدارتها أعلن في العام نفسه عن خسارة مالية لعام 2013 وصلت إلى 4.7 مليون دولار، وكردة فعل قرر مجلس الإدارة أن ينقل أسهم Schenker Mauritania إلى عضو المجلس المختار النش، من خلال شركته EBBEN SARL واتفق المساهمون فيها على تغيير اسمها إلى Mauritania Logistic.
في 2014 اشترى محمد عبد الله ولد إياها حصة المختار النش فيEbben Sarl البالغة 90% والتي أصبحت Maurilog لتصبح الشريك الرئيس لـ DB Schenker وتحصل لاحقا على عقود عمل كثيرة في مجال النقل واللوجستيك وذلك بتدخل من الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
لا يمكن الوصول، إلى الرئيس السابق، لسؤاله عن هذه الإدعاءات، فهو موجود الآن في السجن، بتهمة الفساد وغسيل الأموال، ولا يوجد ناطق باسمه، أما رجل الأعمال محمد عبد الله ولد إياها فقد أرسلنا له عبر بريده الإلكتروني، عددا من الأسئلة في إطار حق الرد، وذكرنا فيها كل ما لدينا من معلومات.
لكننا في المقابل لم نحصل على أُثر للرجل المسمى المختار النش اباب، لا على الانترنت ولا على أرض الواقع، وكأنه توارى عن الأنظار تماما ولم يترك أثراً، وتعذّر علينا التواصل مع رئيس مجلس الشيوخ السابق محسن ولد الحاج.
وعوضا عن التواصل مع الرئيس السابق، أرسلنا الأسئلة لمختار ولد اجاي وهو وزير الاقتصاد والمالية السابق، في عهد ولد عبد العزيز، كان ولد اجاي ممسكاً بكل مفاصل الاقتصاد والمال والاتفاقيات طوال تلك الفترة.
الضرائب لعبة الحكومات
لطالما كانت الضرائب عصا بيد الحكومات الموريتانية المتعاقبة، تستخدمها تارة سيفا مسلطا على رقاب من يعارضها من رجال الأعمال أو من يسبح منهم خارج تيارها، وطوراً تكون طوق نجاة لكل من يسير في فلكها وفرصة لتكديس الأموال من دون دفع حق الدولة من الضرائب.
كان محمد عبد الله ولد إياها أحد رجالات المال الذين يسيرون في فلك النظام السابق ورئيسه محمد ولد عبد العزيز، لكنه عمل على إنشاء شركات أوفشور في جنات ضريبية برؤوس أموال تبلغ ملايين الدولارات.
لدى الخبير الاقتصادي محمد الحسن تفسير لذلك، اذ يعتبر أن كل تلك الأموال ليست بعيدة من الرئيس السابق المسجون حاليا بتهم من بينها الفساد وغسيل الأموال.
وبحسب المفتش المالي في وزارة المالية أحمد صمب، لا توجد إحصائيات رسمية للدولة الموريتانية حول حجم المبالغ التي تخسرها الدولة سنويا بسبب التهرب الضريبي، لكنه يضيف بأنها تقدر بمليارات “الأوقية” وهي العملة المحلية.
تعرف المديرية العامة للضرائب بأن النظام الجبائي في موريتانيا نظام تصريحي، حيث يعتمد على التصاريح المقدمة من قبل المكلفين بالضريبة، وتضيف المديرية أنه يمكنها أن تمارس حقها في الرقابة على تلك التصريحات للتثبت من دقتها من أجل ضمان حق الدولة.
يساعد هذا النظام رجال الأعمال على تقديم المعلومات غير الدقيقة حول رؤوس الأموال والأرباح والمداخيل، مما يساهم في خلق فرص للتهرب الضريبي، في حالة عدم قيام إدارة الضرائب بتفتيش داخلي، أو عمليات تحقيق في المعلومات المقدمة من قبل المصرحين.
تتمثل عقوبة التهرب الضريبي على من يرتكب هذا الجرم، في مضاعفة المبالغ المطالبين بدفعها واحتساب كل الأقساط السنوية التي لم يدفعوها، وفي حال عدم قيامهم بذلك تكون مؤسساتهم معرضة للاقفال و أرصدتهم البنكية معرضة للحجز من قبل الدولة ممثلة بإدارة الضرائب.
أتعرض لحملة تشويه
بعد الكثير من المحاولات من أجل الحصول على تعليق من رجل الأعمال محمد عبد الله ولد إياها، أرسل إلينا أخيرا رده على بعض الأسئلة.
نفى ولد إياها في رده على رسالتنا أن يكون قد اسدعي من قبل لجنة التحقيق البرلمانية، مؤكدا أنها لم تذكر اسمه ولا اسم اي من العاملين معه ولا اياً من شركاته في تقريرها المنشور.
واعتبر رجل الأعمال أنه يتعرض لحملة من منافسيه منذ عام تقريبا، وعملوا على ربط اسمه بقضايا فساد ونشرت مواقع إخبارية ذلك.
وبخصوص التهرب الضريبي من خلال شركات في ملاذات ضريبية مثل جبل طارق وكناريا الكبرى، أجاب محمد عبد الله ولد إياها بأنه قام بتأسيس تلك الشركات استجابة لشروط الحكومة الموريتانية المتعلقة برخص التزوّد بالوقود التي لا تعطى سوى لشركة أجنبية بحسب قانون الترخيص، وأضاف ولد إياها أنه أنشأ Maurilog islands لكي تكون شركة أوفشور معتبرا أن ذلك يعطيها صفة الشركة الأجنبية والقابلية لاستغلال رخصة التزويد بالوقود التي حصل عليها من الحكومة الموريتانية.
واختتم محمد عبد الله ولد إياها رده حول شركات الأوفشور أنه أسس شركة Oil and Gas services Ltd كشركة احتياطية، جاهزة للتفعيل في حال طلبت الحكومة الموريتانية ذلك، مؤكدا انه، وبعد ثلاث سنوات من وجودها بدون أي عمل أو تحقيق أرباح قرر إغلاقها هذا العام(2021).
لكن ولد إياها تجاهل في رده الحديث عن وضعية شركة Maurilog Islands Ltd حالياً ولم يقدم معلومات عنها، وركز على الشركة الاحتياطية والتي أعلن إغلاقها، مما يعني أنها ما تزال تعمل.
أما وزير الاقتصاد والمالية السابق في نظام محمد ولد عبد العزيز المختار ولد اجاي، فقد رد علينا بالقول:
” لا علم لي بأية معاملة خارج القانون مع شركة Maurilog ولا مع غيرها”
لم يعد محمد ولد عبد العزيز في الحكم، وهو الرئيس الذي سهل لرجل الأعمال محمد عبد الله ولد إياها الوصول إلى اتفاقيات لم يكن ليصل إليها بدون شخص نافذ حسب الوثائق، إضافة إلى رخص للعمل في المياه الإقليمية الموريتانية.
أما الرئيس الحالي للبلاد محمد ولد الشيخ الغزواني، فقد صرح بعد مجيئه للحكم عام 2019 بأنه لن يتساهل مع المفسدين، ولن تتوقف حربه على الفساد.
الآن تبدو تعهدات ولد محمد الشيخ الغزواني، أمام تحد جديد، للتعامل مع التركة الثقيلة لسلفه، ومن ضمنها استغلال مقدرات الدولة لرجال الأعمال وفتح الباب أمامهم للتهرب الضريبي، وتحويل أموالهم إلى أوروبا والملاذات الضريبية، في بلد يعاني من ارتفاع نسبة الفقر والبطالة وضعف الخدمات العامة مثل التعليم والصحة والطرق والماء والكهرباء.
————————-
العرب في وثائق بارادايز.. شيوخ وملكات وأمراء/ هشام علام
كشفت وثائق باراديز المسرّبة من داخل ملفات اثنين من أكبر مزودي خدمات الأوف شور في العالم، «أبل بي» و«آسياسيتي»، وتحصلت عليها صحيفة «süddeutsche zeitung» الألمانية والاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين ICIJ، عن العديد من أسماء الشخصيات العربية النافذة والتي استعانت بخدمات تلك الشركات لتأسيس شركات «أوف شور» في الملاذات الضريب
كشفت وثائق باراديز المسرّبة من داخل ملفات اثنين من أكبر مزودي خدمات الأوف شور في العالم، «أبل بي» و«آسياسيتي»، وتحصلت عليها صحيفة «süddeutsche zeitung» الألمانية والاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين ICIJ، عن العديد من أسماء الشخصيات العربية النافذة والتي استعانت بخدمات تلك الشركات لتأسيس شركات «أوف شور» في الملاذات الضريبية.
الوثائق التي تجاوز عددها ال 13.4 مليون وثيقة، ضمت ملكة بريطانيا إليزابيث ومقربين من الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو وصهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وإلى جانب هؤلاء ورد في وثائق بارادايز أسماء لشيوخ وأمراء ووزراء حاليين وسابقين ورجال أعمال عرب.
مزودي خدمات الأوف شور الذين ساعدوا شركات عملاقة مثل «Apple» و«Nike» و«Uber» ورجال أعمال ومشاهير لتجنّب دفع الضرائب في بلدانهم، ضمّوا بين قوائم عملائهم قائمة طويلة من العرب، نذكر الآن أبرزها، غير أن ورود اسم أي شخصية في تلك التسريبات لا يعني بالضرورة ارتكابه أي فعل غير أخلاقي أو خرق قانوني.
الشخصيات العربية الواردة في وثائق بارادايز:
الجزائر: نورالدين آيت الحسين ،وزيرالطاقة والمناجم الأسبق،والرئيس السابق لشركة سوناطراك
العراق: مضر شوكت ،رئيس جبهة الخلاص ،ورجل أعمال جمع ثروته في لعمل في مجال الاتصالات من امتلاكه لشركة أمنية خاصة تدعى سوربابل
الأردن: الملكة نور،أرملة الراحل الملك الحسين.أميريكية المولد تحت اسم ”ليزا نجيب حلبي“،وهي والدة الأمير حمزة ولي العهد السابق.
الكويت: فيصل الحجي بوخضور، نائب رئيس الوزراء سابقا، والمستشار الحالي في ديوان رئيس مجلس الوزراء. عضو مجلسا دارة «جولفا نفيستمنت كوربوريشن»
لبنان: عدنان وفيق قصار، محام ورجل أعمال وسياسي، وهو نجل الدبلوماسي وفيق قصار الذي عمل سفيرا للبنان لدى باكستان وتركيا.
لبنان: ناصرالسعيدي، وزير التجارة الأسبق، والذي شغل منصب نائب رئيس البنك المركزي لعدة مرات.
لبنان: ناظم الخوري، عضو البرلمان ووزير البيئة سابقا.
قطر: حمد بن ناصر بن جاسم آل ثاني، أحد أفراد الأسرة الحاكمة
قطر: خالد بن خليفة بن جاسم فهد آل ثاني، أحد أفراد الأسرة الحاكمة
قطر: علي شريف العمادي، وزير المالية
طر: حمد بن خليفة آل ثاني، الأمير السابق لقطر
قطر: فهد فيصل آل ثاني، نائب رئيس البنك المركزي السابق ،والرئيس السابق للجهاز الوطني لمكافحة الارهاب وغسل الأموال
قطر: عبدالله بن حمد آل ثاني ،نائب أمير قطر
قطر: أحمد بن جاسم بن محمد آل ثاني ،وزيرالمالية السابق، وعضو مجلس إدارة شركة قطر بتروليم
قطر: حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني ، رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق
سلطنة عمان: درويش بن اسماعيل البلوشي ، وزير المالية
السعودية :الأميرة جوهرة ابراهيم الابراهيم ،زوجة الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود
السعودية :الأمير سعود بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود ،نجل ملك السعودية السابق فهد بن عبدالعزيز ،شغل منصب نائب رئيس المخابرات العامة سابقا.
السعودية : الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز آل سعود ،نائب وزير الدفاع سابقا ،الرئيس الفخري لنادي الشباب السعودي
السعودية :عبدالرحمن عبداللها لزامل ،نائب وزير التجارة سابقا، رئيس مجموعة الزامل ومدير الشركة السعودية العالمية للبتروكيماويات
الامارات: أحمد سعيد البادي الظاهري ، وزير الصحة والبترول سابقا
الامارات: محمد بن راشد آل مكتوم ،حاكم دبي
الامارات: محمد بن زايد آل نهيان ،ولى عهد أبوظبي ،ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة
الامارات: الشيخة فاطمة بن هزاع بن زايد آل نهيان والدها هو الابن الخامسل مؤسس الامارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان
اليمن: حسين رشيد جمال الكاف، وزير البترول سابقا
—————————-
الـ”أوف شور” وأيام سعد الحريري الغريبة العجيبة/ حازم الأمين
أليس غريباً ألا نعثر لسعد الحريري على اسم في “وثائق باندورا”؟ الذهول نفسه أصبنا به عندما عثرنا على اسمه متصدراً لائحة المتعرضين للتنصت من قبل السعودية والإمارات في تسريبات “بيغاسوس”. الرجل يعيش أياماً غريبة عجيبة!
في بلادهم يلجأون إلى الـ”أوف شور” لكي يهربوا من الضرائب، أما في بلادنا فكثيرون يذهبون إلى الجنات الضريبية لكي يخبئوا الثروات، ذاك أنهم راكموها في ظل أنظمة الفساد، فتراوحت مصادرها بين أن تكون رشاوى أو سرقات مباشرة أقدم عليها أفراد من الطبقة السياسية.
لا ضرائب في بلادنا لكي يهرب منها الأغنياء، لا بل أن جلهم سبق أن هرب بثروته من بلاد الضرائب إلى بلاد الفساد، ثم عاد وأرسل هذه الثروة إلى مناطق الـ”أوف شور”، وبإمكان هذه الدورة أن تتم عبر عملية غسل للأموال لطالما سمعنا بها في محيط الكثير من الأعمال التجارية الغامضة التي تشهدها بلادنا.
الفشل والفساد والارتهان إلى الخارج، هي السمات الأبرز لمعظم الأنظمة في المشرق العربي ومغربه. الاستبداد لم يعد يشتغل من دون هذه السمات. جيل الحكام الورثة وجد نفسه أمام فرص الاقتصاد الجديد الذي لم يكن الآباء المستبدون يكترثون له كثيراً. الخصخصة لم تكن تستهوي جيل الضباط الذين استولوا على السلطة. أبناؤهم وورثتهم لا يشعرون أن القطاع العام هو ركيزة سلطتهم، ويشعرون بأن عائلاتهم أحق به. قطاع الاتصالات ولد مع جيل الورثة فتقاسموه، وكان مصدراً رئيساً لثرواتهم. الثروات التي تحلق في الجنات الضريبية، وفي المصارف السويسرية. ولبنان هنا ليس بعيداً من هذا المسار، على رغم أن المورثين ليسوا ضباطاً، فالخصخصة لاحت مع رفيق الحريري وبرعاية ضابط سوري، وقطاع الاتصالات ولد في ذلك الزمن، وصولاً إلى الانتقال من رعاية الضابط السوري إلى دولة الظل التي يقودها “حزب الله”.
الغرب ليس بريئاً من هذه الموبقات. الشفافية التي يشترطها على أنشطة رجال الأعمال في بلاده، لا يشترطها على أصحاب الأعمال ورؤوس الأموال من سياسيينا ورجال أعمالنا. حين ضغطت الحكومة الأميركية على المصارف السويسرية لترفع السرية المصرفية عن حسابات مواطنين أميركيين في المصارف السويسرية لاعتقادها بأنهم يتهربون من دفع الضرائب، أو أنهم متورطون بتبييض أموال، استجابت الحكومة السويسرية. لكن هذه الأخيرة لم تقبل (حتى الآن)، ومن المرجح أنها لن تقبل في المستقبل، رفع السرية المصرفية عن حسابات سياسيين ومصرفيين ورجال أعمال لبنانيين يُشَك بمصادر ثرواتهم، على رغم أن المدعي العام السويسري أعلن ارتيابه بمصادر ثرواتهم!
لكن التمييز هذا لا يقتصر على جانبه المصرفي أو القانوني، فبموازاته ثمة تمييز سياسي يبلغ حدوداً “ثقافية”، ففرنسا تقبل بأن تفاوض وأن تعوِم طبقة سياسية فاسدة في لبنان، بذريعة “الواقعية”. نسمع من مسؤوليها كلاماً مذهلاً عن فساد سياسيين لبنانيين، وبعد أيام قليلة نشاهد المسؤولين الفرنسيين أنفسهم يفاوضون السياسيين الذين سبق أن عرضوا أمامنا وقائع عن فسادهم وعن ثرواتهم.
سعد الحريري يعيش في مرحلة أفول سياسي و”أوف شوري”!
يردنا هذا الواقع إلى “الجنات الضريبية”. إنها فسحة إخفاء الثروات بالنسبة إلى سياسيينا، بينما هي “تهرب قانوني من الضرائب” لأصحاب الأعمال في الغرب. لكنها أيضاً مؤشر يجب رصده لوجهة رأس المال. فهذا الأخير في بلادنا ليس ثروة تم تحصيلها في نظام اقتصادي طبيعي. الثروة هنا شديدة الارتباط بشبهة الفساد. هذا ليس كلاماً شعبوياً، إنما هو اختبار مرير كابدناه في لبنان في العقود الثلاثة الفائتة، وتكثف في السنوات الثلاث الفائتة. فهل طبيعي أن لدى المزود الأكبر في تسريبات باندورا، أي شركة trident trust، في جزر العذراء البريطانية 346 عميلاً لبنانياً بينما لا يتعدى عدد عملائها البريطانيين الـ150 عميلاً؟! وهل طبيعي أن يحل العراق في المرتبة الثالثة في لائحة عملائها بعد لبنان وبريطانيا؟ إنه الفساد ولا شيء غير الفساد، وهو الفساد المرعي بنظام الـ”أوف شور” البريطاني والغربي.
أن يعلن المصرف المركزي السويسري أن ودائع اللبنانيين في المصارف السويسرية زادت خلال مرحلة الـ”كابيتال كونترول” غير القانوني الذي مارسته المصارف اللبنانية على ودائع زبائنها بنحو ثلاثة مليارات دولار أميركي، فهذا لا يحتمل إلا تفسيراً واحداً، وهو أن المصارف اللبنانية أتاحت لزبائنها الكبار إجراء تحويلات إلى حساباتهم في سويسرا في الوقت الذي منعت المودع الصغير والمتوسط من الوصول إلى ودائعه. هذه سرقة موصوفة، إلا أن سويسرا التي أعلن مصرفها المركزي عن زيادة الودائع، لا تقبل بأن تقول لنا من هم أصحاب الحسابات التي جرى تحويل الثلاثة مليارات دولار إليها. السرية المصرفية مقدسة في سويسرا، على رغم شبهة الفساد الكبيرة، وهي غير مقدسة في اللحظة التي طلبت فيها الحكومة الأميركية رفعها عن حسابات الأميركيين!
أن لا يلاحظ النظام المالي العالمي تعاظم الـ”أوف شور” اللبناني في لحظة الانهيار الهائل الذي يعيشه هذا البلد، فهذا لعمري مؤشر تواطؤ لا يسعنا، نحن الذين توهمنا أن هذا النظام يليق بنا كما يليق بأهله، إلا أن نسعى به إلى مزيدٍ من “وثائق باندورا”، هذه الوثائق التي تمثل لحظة اعتراض وارتياب بنظام الـ”أوف شور”. وليس أمامنا أيضاً سوى أن نشد على أيدي زملائنا في “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، عساهم يواصلون ما بدأوه في “وثائق بنما” و”وثائق بارادايز” واليوم “وثائق باندورا”.
وهنا لا بد من ملاحظة مؤشر لبناني مواز لمؤشر الـ”أوف شور” وهو أن ظهور أسماء السياسيين والمصرفيين في الجنات الضريبية جاء مترافقاً مع صعودهم سلم تصدر الشأن العام، أو هبوطهم عنه. أليس غريباً ألا نعثر لسعد الحريري على اسم في هذه الوثائق؟ يبدو أن الرجل في مرحلة أفول سياسي و”أوف شوري”. الذهول نفسه أصبنا به عندما عثرنا على اسمه متصدراً لائحة المتعرضين للتنصت من قبل السعودية والإمارات في تسريبات “بيغاسوس”. الرجل يعيش أياماً غريبة عجيبة!
درج
———————————
من هي أبرز الشخصيّات العربيّة التي ظهرت في “وثائق باندورا”؟/ هلا نهاد نصرالدين
كشفت “وثائق باندورا” أنّ حوالى 40 سياسياً ومسؤولاً عاماً من 9 دول في الشرق الأوسط لديهم كيانات خارجية. في ما يلي أكبر الأسماء- بما في ذلك قادة حاليون وسابقون في العالم العربي.
في سياق أكبر تعاون صحافي في تاريخ المهنة، شارك فيه حوالى 600 صحافي من العالم بإشراف “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” (ICIJ)، كشفت ملايين الوثائق أسرار الجنان الضريبية من خلال معلومات تتعلق بالأملاك السرية والثروات المخبأة، العائدة إلى عدد كبير من زعماء العالم وشخصيات عامة.
كشفت “وثائق باندورا” أنّ حوالى 40 سياسياً ومسؤولاً عاماً من 9 دول في الشرق الأوسط لديهم كيانات خارجية. في ما يلي أكبر الأسماء- بما في ذلك قادة حاليون وسابقون في العالم العربي:
ملك الأردن، الملك عبدالله الثاني:
تظهر وثائق “باندورا” أن عبد الله الثاني يمتلك 36 شركة صوريّة في بنما وجزر العذراء البريطانية. تم استخدام الشركات لإخفاء شراء ما لا يقل عن 14 منزلاً فاخراً في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وشملت العقارات منازل في وسط لندن وواشنطن العاصمة وماليبو في كاليفورنيا، حيث دفع 33.5 مليون دولار لقصر ضخم عام 2014. تم شراء العقارات بأكثر من 106 ملايين دولار من 2003 إلى 2017.
رفض مدير الثروات الخاصة للملك عبد الله الثاني، أندرو إيفانز التعليق. قال محامو المملكة المتحدة للملك إنه غير مطالب بدفع الضرائب بموجب القانون الأردني وإن لديه أسباباً أمنية وخصوصية لحيازة ممتلكات في شركات خارجية. قال المحامون أيضاً إن معظم الشركات والممتلكات التي ذكرها “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” ليست لها صلة بالملك أو لم تعد موجودة، لكنهم رفضوا الإدلاء بتفاصيل.
أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني:
تظهر الوثائق المسربة أن الأمير مرتبط بشركتين مسجلتين في جزر العذراء البريطانية، وهما تمتلكان عقارات فخمة في لندن. في أيّار/ مايو 2015، أسس مكتب الشؤون الخاصة التابع لشركة الأمير شركة تدعى Tharb، في قطر لامتلاك عقارات. المدير الوحيد هو سلطان غانم الكواري، عضو مكتب الأمير. أصبحت الشركة المالك الوحيد لـ1 Cornwall Terrace، من أغلى العقارات في لندن، من خلال هيكليّة خارجيّة متقنة. كانت وسائل الإعلام قد أفادت سابقاً بأن والدة تميم، الشيخة موزا بنت ناصر، اشترت العقارات الثلاثة التي تشكل 1 و2 و3 Cornwall Terrace مقابل 187 مليون دولار عام 2013.
في تمّوز/ يوليو 2015، أصبحت Tharb المالك المستفيد الوحيد لشركة Golden Satalite المحدودة، التي تأسست عام 2012. في شباط/ فبراير 2013، تم إدراج نائب رئيس المكتب الخاص لوالد الأمير، محمد القحطاني، كمدير لشركة Golden Satalite، وتم إدراج السكرتير الخاص للأمير، حمد العطية، كمساهم. شركة تابعة لـGolden Satalite هي شركة أخرى في جزر العذراء البريطانية تسمى LND Estates Ltd، تأسست عام 2004، والتي تمتلك مباشرة 1 Cornwall Terrace. قدرت وثيقة صدرت في حزيران/ يونيو 2018 قيمة العقار بـ110 ملايين دولار. كان المالك السابق للشركة التابعة هو Swiru Holding AG، وهي شركة مملوكة لمصرفي سويسري، Alexander-Walter Studhalter. تم تغريم Swiru Holding بمبلغ 1.5 مليون دولار من قبل محكمة فرنسية لمساعدتها سليمان كريموف، الموصوف في إحدى المقالات الإخبارية بأنه “رجل أعمال روسي مرتبط بالكرملين”، لشراء فيلا فاخرة في جنوب فرنسا وتهرّبه من الضرائب.
نفى محامي كريموف وجود أي صلة بين موكله والشركة. ورفض متحدث باسم الحكومة القطرية الرد على طلبات “الاتحاد الدولي للصحافيين” المتكررة للتعليق.
رئيس مجلس الوزراء الاماراتي وحاكم إمارة دبي، محمد بن راشد آل مكتوم
تظهر وثائق “باندورا” أن الشيخ محمد كان مساهماً في ثلاث شركات مسجلة في سلطات قضائية سرية عبر شركة Axiom Limited الإماراتية، التي كانت مملوكة جزئياً لكتلته الاستثماريّة “دبي القابضة”. تم إنشاء الشركات الثلاث – Tandem Investco Limited وTandem DirectorCo Limited في جزر العذراء البريطانية، وAllied International Investments Limited في جزر الباهاما – عام 2008. تم استخدام الشركات لتوسيع أعمال الشركة الأم Axiom Limited على الصعيد العالمي. شركة جزر البهاما معلقة حالياً ولكن لم تتم تصفيتها، بينما تم إغلاق الشركتين في جزر العذراء.
تُظهر وثائق “باندورا” أيضاً أن فيصل البناي، قائد الأعمال التجارية الإلكترونية الإماراتية، شغل منصب المدير الوحيد لشركتي الشيخ محمد في جزر العذراء البريطانية منذ عام 2011. وكان البناي أيضاً أحد المساهمين في شركة Axiom Limited. أظهر تحقيق أجرته “رويترز” عام 2019 أن شركة Dark Matter، عملت عن كثب مع حكومة الإمارات العربية المتحدة على تعزيز جهود المراقبة المثيرة للجدل، بما في ذلك التجسّس على المواطنين الأميركيين بمساعدة عملاء المخابرات الأميركية السابقين. يقر البناي بعلاقة Dark Matter الوثيقة مع حكومة الإمارات، لكنه نفى مشاركتها في برامج قرصنة مدعومة من الدولة.
ولم يستجب الشيخ محمد وفيصل البناي لطلبات “الاتحاد الدولي للصحافيين” المتكررة للتعليق.
رئيس حكومة لبنان، نجيب ميقاتي:
ميقاتي هو مالك شركة Hessville Investment Inc، وهي شركة تم إنشاؤها في بنما عام 1994.
ساعدت شركة M1 Management SAM، ومقرها في موناكو، على تسهيل عمليات الشركة الخارجية. عام 2008، وفقاً لوثائق باندورا، اشترت Hessville Investment عقاراً في موناكو بأكثر من 10 ملايين دولار.
ردّاً على بريد إلكتروني تم إرساله إلى نجيب وماهر ميقاتي، أخبر ماهر ميقاتي “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” والشريك الإعلامي “درج” أنه عام 2005، اشترى والده مسكناً في موناكو من طريق شراء أسهم في Hessville Investment، الشركة البنمية التي تملكها. وبحسب ماهر، فإن مالك الشقة السابق أنشأ الشركة عام 1994. وقال إن والده لا يزال يمتلك العقار.
وقال ماهر “من المعتاد جدّاً امتلاك العقارات من خلال الشركات وليس بشكل مباشر”، مضيفاً أن معظم العقارات الشخصية للعائلة مملوكة لشركات.
قال ماهر إن مثل هذه الشركات توفر “المرونة”، بما في ذلك المزايا الضريبية المحتملة، وتخطيط الميراث، و”لتحصين الالتزامات في حال قرر تأجير العقار لطرف ثالث”.
وقال إن اللبنانيين يستخدمون شركات بنما وجزر العذراء البريطانية “بسبب عملية التأسيس السهلة” وليس للتهرّب من الضرائب.
أمير الكويت السابق، الشيخ صباح الأحمد الصباح
تشير التسريبات إلى أن صباح الأحمد الصباح وعائلته كانوا مستفيدين من شركتين مسجلتين في جزر العذراء البريطانية كانتا تملكان فيلتين في نادي Assoufid Gulf في مراكش في المغرب. تظهر وثائق “باندورا” أن القيمة التقريبية للممتلكات بلغت نحو 1.1 مليون دولار لكل منها.
بموجب مخطط ملكية معقد، تملك شركتان مسجلتان في المغرب، Tiglio SARL وPacato SARL، الفيلتين، والشركتان بدورهما مملوكتان من قبل شركتي Tolland Consultants Ltd وNiteshade Corporation في جزر العذراء البريطانيّة.
منذ عام 2013، أصبحت شركتا جزر العذراء البريطانية مملوكة لشركة شمال إفريقيا القابضة، وهي أداة استثمارية كويتية. وتعد شركة مشاريع الكويت (كيبكو) المساهم الأكبر فيها، وهي أكبر شركة استثمارية مدرجة في الإمارة الخليجية بأصول تبلغ 33 مليار دولار. شركة شمال أفريقيا القابضة هي صاحبة مشروع تطوير نادي Assoufid Gulf. ووفقاً للتسريبات فإن كيبكو “محجوزة لمصلحة أمير الكويت وعائلته”.
الأميرة المغربيّة للا حسناء
تكشف وثائق “باندورا” أن الأميرة للا حسناء تمتلك شركة وهمية في جزر العذراء البريطانية، Oumaila Ltd. أنشئت الشركة عام 2002، واشترت في العام نفسه منزلاً فخماً في غرب لندن، وفقاً لسجلات العقارات في المملكة المتحدة. تبلغ قيمة المنزل ما يقرب من 11 مليون دولار. قامت حسناء بعملية الشراء باستخدام أموال من “العائلة المالكة المغربية”، وفقاً للوثائق المسربة، والتي ذكرت خانة مهنتها أنها “الأميرة”.
لم ترد حسناء على أسئلة وجهها الشريك الإعلامي لـ”الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، “لو ديسك”، إلى القصر الملكي.
رئيس حكومة لبنان السابق، حسان دياب
دياب هو مساهم في شركة صورية في جزر العذراء البريطانية.
في أوائل عام 2015، بعدما ترك دياب منصبه كوزير للتعليم في لبنان، أسس شركة eFuturetech Services Ltd. وكان هدف الشركة هو “التجارة العامة والاستشارات”، وفقاً لسجلات وثائق “باندورا”.
شركاء دياب في الشركة هما: نبيل بدر، أحد أقطاب صناعة الورق والبناء في لبنان، والذي ترشح للانتخابات النيابيّة عام 2018، وعلي حدارة، المدير المالي لشركة استثمار مقرها بيروت، Chedid Capital.
ولم يستجب دياب وبدر وحدارة لطلبات “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” المتكررة للتعليق.
رئيس وزراء البحرين السابق، الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة
تظهر الوثائق المسربة أن خليفة كان يمتلك شركة صورية لها أصول بقيمة 60 مليون دولار. جاءت الأموال من “ثروة العائلة المالكة”، وفقاً للملاحظات المكتوبة بخط اليد على تلك الوثائق. تأسست شركة Minto Assets Corp في جزر العذراء البريطانية عام 1996 ولديها استثمارات في سويسرا وألمانيا.
لم ترد سفارة البحرين في واشنطن على طلب “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” للتعليق.
رئيس وزراء قطر السابق، حمد بن جاسم آل ثاني
تظهر وثائق “باندورا” أن الشيخ حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني يواصل استخدام الكيانات الخارجية للقيام بالاستثمارات وإدارة ثروته وحمايتها لمصلحة أسرته. في الوثائق المسربة الجديدة، يظهر رئيس الوزراء السابق لدولة قطر بأدوار مختلفة، بما في ذلك مالك أو مساهم أو ممثل لأربعة كيانات في أربع ولايات قضائية مختلفة. لا يزال اثنان منهم نشطين: Boomerang Investment Limited في جزر كايمان ومؤسسة عائلة Treetop في بنما.
تمتلك Treetop نحو 3 في المئة من “دويتشه بنك” من خلال فرعها Paramount Services Holdings Limited في جزر العذراء البريطانية، وفقاً لإيداعات الأوراق المالية العامة. تم إدراج دور حمد بن جاسم آل ثاني في هذا الهيكل علناً.
عام 2011، أنشأ ممثلو الشيخ حمد بن جاسم The Boomerang Trust في نيوزيلندا، بهدف حماية جزء من ثروته لعائلته، من خلال إدراج زوجتيه و13 طفلاً، إضافة إلى أي طفل في المستقبل.
طلبت شركة Asiaciti Trust مبلغ 225 ألف دولار لإنشاء الشركة وإدارتها لمدة عام واحد، وفقاً لسجل فواتير Asisciti. تشير وثيقة منفصلة لشركة Asiaciti عام 2013 إلى أن الصندوق “فشل” بسبب عدم تمويله بشكل كافٍ. تنص الوثيقة على أن “الوصي ليس على علم بأي أصول” تم وضعها في الصندوق.
ولم يرد الشيخ حمد بن جاسم على طلب “الاتحاد الدولي للصحافيين” المتكرر للتعليق.
رئيس وزراء الأردن السابق، عبد الكريم الكباريتي
تكشف وثائق “باندورا” أن الكباريتي مرتبط بشركتين خارجيتين تستثمران في البنوك والأسهم والسندات والعقارات. تم إنشاء الشركتين- شركة مشاريع الكويت المحدودة (Kuwait Projects Prospector Ltd) وشركة كويت ويلث القابضة المحدودة (Kuwait Wealth Holding Ltd)- في جزر العذراء البريطانية عام 2013. وتظهر الوثائق أن الكباريتي هو مدير إحداهما والمالك المستفيد في الأخرى، وزوجته وطفلاه مستفيدون من الاثنين.
تشير السجلات المصرفية إلى أنه اعتباراً من عام 2020، كانت الشركتان مساهمتين في الكثير من المؤسسات المالية، بما في ذلك البنك الأردني الكويتي، وشركته الفرعية، المتحدة للاستثمارات المالية، وبنك القاهرة عمان. تظهر الوثائق المسربة أنه عام 2013، كانت لدى الكباريتي حسابات بقيمة 1.5 مليون دولار في البنك الأردني الكويتي.
وقال الكباريتي لـ”الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” إنه لم “يشارك في أي أنشطة غير مشروعة أو غير قانونية سواء كانت مرتبطة بالشركتين المعنيتين أو غير ذلك”. قال إنه طوال حياته المهنية، شغل مناصب تنفيذية في القطاع المالي والمناصب العامة، وأنه افتتح شركات خارجية “لتجنب أي مظهر غير لائق” عندما استثمر ثروته الخاصة.
وقال لـ ICIJ: “حقيقة أنني، في مرحلة ما من عام 2013، قررت استخدام شركتي جزر العذراء البريطانية لأسباب لها علاقة برغبتي في عدم الكشف عن هويتي”. وقال إن نيته كانت “الاستثمار فقط في الأسهم الأردنية للبنوك العاملة في البلاد”، مضيفاً أنه لم يتم التحقيق في أي من شركتي جزر العذراء البريطانية من قبل أي سلطة في الأردن أو في أي مكان آخر.
رئيس وزراء الأردن السابق، نادر الذهبي
تظهر “وثائق باندورا” أن نادر الذهبي كان مرتبطاً بشركة “أوف شور” تم إنشاؤها في جزر العذراء البريطانية. استخدمت الشركة مساهماً صوريّاً مقيماً في سيشل، لحماية هويات المالكين الحقيقيين للشركة.
كان الذهبي مديراً لشركة AND Holding Limited، التي تم إنشاؤها عام 2014 بهدف معلن هو الاستثمار في شركات أخرى. يظهر ابنه أمجد في السجلات على أنه المالك المستفيد. تم إدراج الشركة على أنها غير نشطة في ملف تم تسريبه بتاريخ شباط/ فبراير 2018.
لم يستجب نادر الذهبي لطلب “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” المتكرر للتعليق.
رئيس وزراء تونس السابق، محسن مرزوق
تكشف أوراق باندورا أن مرزوق اشترى شركة صورية في جزر العذراء البريطانية عندما كان مستشاراً لحملة الرئيس السابق الباجي قائد السبسي.
في كانون الأوّل/ ديسمبر 2014، قبل أيام من الانتخابات، أرسل مرزوق بريداً إلكترونياً إلى مزود خارجي SFM لإجراء عملية الشراء. قام بتعيين مدير صوري، وهو تكتيك يمكن استخدامه لإخفاء هوية مالك الشركة عن الجمهور والمنظمين.
تم إنشاء شركة مرزوق، Eagle One Investments Holdings Ltd، من أجل “إدارة ثروة الأسرة، وتوفير مصدر دخل للتقاعد وإنشاء صندوق هبات لتعليم أبنائي”، وفقاً لسجل مكتوب بخط اليد في الملفات المسربة. كتب مرزوق أن أموال الشركة لا علاقة لها بالسياسة، مضيفاً أن الإيرادات جاءت من “20 عاماً من العمل في الاستشارات الدولية”، والمحاضرات وتقديم المشورة للمنظمات غير الحكومية. قام مرزوق بحل الشركة عام 2016، بعد شهر واحد من كشف الصحافيين التونسيين في “انكفاضة”، كجزء من تحقيق أوراق بنما، محاولة مختلفة من قبل مرزوق لإنشاء شركة صورية.
في مقابلة مع الشريك الإعلامي لـ”الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، “انكفاضة”، قال مرزوق إن الشركة لم تكن تعمل قط “كانت الفكرة من وراء إنشاء الشركة هي التحضير لمخططي لترك السياسة واستئناف عملي السابق”. قال مرزوق إنه حصل على معظم دخله من مصادر خارج تونس. وقال إنه لا صلة بين ما كشفته أوراق بنما وإغلاق الشركة الوهمية، مضيفاً أنه اختار مديراً صوريّاً لأنه لم يكن ينوي أن يكون هو نفسه.
حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة
كشفت وثائق “باندورا” امتلاك سلامة شركتين، إحداهما AMANIOR الذي يشغل سلامة منصب المدير فيها، والثانية اسمها Toscana مملوكة من ابنه نادي.
أسّس سلامة AMANIOR عام 2007، أي بعد نحو 14 عاماً على تسلمه مهمة الحاكمية عام 1993. الشركة ليست الأولى التي يظهر فيها اسم سلامة ولكن أهميتها تكمن بأنها مملوكة منه بشكل كامل، وهو مديرها الوحيد، كما تظهر الوثائق وظيفة سلامة الحقيقية أي “حاكم مصرف لبنان”، وهو ما كان غائباً في حالات أخرى حيث عرف عن نفسه بصفته “مدير بنك“.
حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة
الوثائق تلقي أيضاً مزيداً من الضوء على شركة Forry Associates Limited، التي يمتلك رجا سلامة، شقيق الحاكم الأصغر الحق الاقتصادي الوحيد لها والتي ذاع صيتها إثر التحقيق الذي أطلقه المدعي العام السويسري في كانون الثاني/ يناير 2021 في قضايا غسيل أموال واختلاس محتمل في مصرف لبنان.
ردّ سلامة على أسئلة “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، عبر محاميه مروان عيسى الخوري، أنّه قبل تسلمه مهمة الحاكمية، كان مصرفياً ناجحاً في “ميريل لينش”، وأن ثروته في حينه كانت تتجاوز الـ23 مليون دولار. ولكن لم يجب سلامة على الشق القانوني وهو كونه مديراً لشركة AMANIOR، الأمر الذي يعتبر بحسب خبراء قانونيين مبرراً كافياً لعزله وملاحقته قضائياً على قاعدة خرق المادة 20 من قانون النقد والتسليف، التي تقول صراحة إن على الحاكم ونائبيه أن يتفرغوا كلياً لمهماتهم في المصرف.
درج”
———————————
باندورا: لا مفاجأة بل وقاحة/ أرنست خوري
التعليق على كشف استقصائي بحجم “ملفّات باندورا” يحتاج إلى تواضع شديد. موجبات التحفظ تفرضها حقيقة أن الحديث يدور حول جهد 600 صحافي ينتمون إلى 150 مؤسسة إعلامية، فكّكوا طيلة 18 شهراً شفرة 2.94 “تيرابايت” من المعلومات (11,9 مليون وثيقة مكتوبة وصورة وملف وتسجيل صوتي ومصوّر…)، مصدرها 14 شركة تزوّد خدمات الجنات الضريبية والتهرّب الضريبي لمصلحة زبائن خاصين جداً في النظام المالي العالمي من 200 بلد: 130 مليارديراً و33 رئيس دولة (حاليا وسابقا) و330 سياسياً بالإضافة إلى مشاهير ورجال دين ومصرفيين ورياضيين ومهرّبين وتجار مخدرات. التوقيع العريض هو باسم “الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية” (ICIJ) وتحته تندرج لائحة أسماء مؤسسات إعلامية “ماينستريم” وأخرى تُسمى “بديلة” صارت تحتكر صفة “أكبر تعاون صحافي” في العالم منذ بدأت خبطاتها الصحافية في “ملفات بنما” (2016)، ثم “ملفات بارادايز” (2017) وأخيراً “باندورا” (2021).
يصعب اختصار مضمون 11,9 مليون وثيقة تفضح بالأسماء استثمارات وثروات سياسيين ومشاهير وأثرياء يحتالون لتهريب أموالهم من بلدانهم ومن أعين الرقابة والجباية الضريبية. لكن التوقف عند بعض الملاحظات التي تحيط بالسبق الصحافي قد يكون مجدياً: التهرّب الضريبي، وهو أحد الأشكال الأكثر عنفاً للفساد المالي، ظاهرة معولمة، لا حواجز جغرافية أو دينية أو سياسية تفصل بين أبطالها. المناطق الجغرافية الـ200 التي رصد الكشف الاستقصائي خروج أموال منها باتجاه الجنات الضريبية المسجّلة في شركات الجزر البريطانية العذراء وجزر السيشال وهونغ كونغ وبليز وبنما وولاية ساوث داكوتا الأميركية ودبي وموناكو وسويسرا، تمتد من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، ومن شمالي الشمال إلى جنوبي الجنوب. تكشف التسريبات أن الفساد المتمثل بالتهرب الضريبي ينتشر بدرجة أقل في الغرب الأوروبي والأميركي، إلا أنه لا يغيب بالكامل هناك. يرصد الصحافيون الـ17 الذين فرّغتهم “الغارديان” البريطانية للمشاركة في العمل الجماعي، هويتي مسؤولين أوروبيين عضوين في اتحاد القارّة العجوز: رئيس حكومة تشيكيا أندري بابيش والرئيس القبرصي نيكوس أناستاسياديس. كلاهما متورّطان بامتلاك عقارات وشركات تتهرب من الضرائب وغير مصرَّح عنها لأية سلطة جباية. أما المسؤولون الأوروبيون السابقين، فهم كثر، أشهرهم طوني بلير، صاحب الصولات والجولات في شبهات الفساد. وفي جوار الاتحاد الأوروبي، تجد أسماء كالرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي وحاشية فلاديمير بوتين الذي ظلّ أذكى من أن يضع اسمه على ممتلكات تقدر قيمتها بمبالغ طائلة، لكنه زجّ أسماء محيطين كثر فيه، مثل رفيق طفولته و”حافظ محفظته”، بيتر كولبين.
في أخبار الفساد، لا مكان للمفاجآت، بل للوقاحة: الشركات اللبنانية المسجلة في الجنات الضريبية عبر شركة Trident Trust احتلت المرتبة الأولى عالمياً مع 346 شركة، تليها الشركات البريطانية (151). أما المرتبة الثالثة فهي للعراق!
وعلى سيرة لبنان، لا مفاجأة أيضاً في بوح الوثائق بحجم شركات آل ميقاتي اللبنانيين في الجنّات الضريبية. رئيس حكومة بلد منهار ويعتاش على التسوّل، ويملك هو وشقيقه 5,4 مليارات دولار بحسب تصنيف “فوربز”، يملك عقارات وشركات بقيمة هائلة بعيداً عن أعين الرقابة، ويطلب، في الوقت نفسه، من المستثمرين القدوم إلى بلده.
وإن كان لا مفاجأة كبيرة في الكشف عن أن ملك الأردن عبد الله الثاني وظف 100 مليون دولار لإقامة إمبراطورية عقارية في بريطانيا وأميركا، إلا أن المفاجئ نوع ردود الديوان الملكي على الخبر: قال إن نشر “وثائق باندورا” يمثل “تهديدا لسلامة الملك وأسرته”. ثم استدرك أن “أملاك الملك عبد الله في الخارج ليست سرّاً”. بما أنها ليست سرّاً، فما الذي يشكل “تهديدا لسلامة الملك وأسرته”؟ وطالما أنها ليست سرّاً، فلماذا أغلق الأردن موقع الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية على الإنترنت مساء الأحد قبل دقائق من بدء نشر المؤسسات الإعلامية ما لديها من فضائح؟
للعوالم السفلية أسماء كثيرة. للفساد أشكال عديدة، ولهواة الوقاحة عنوان واحد: وثاثق باندورا وأخواتها.
العربي الجديد
————————
“وثائق باندورا”: نافذة على رجال أعمال محسوبين على “حزب الله”/ ديانا مقلد
وجود اسماء رجال أعمال لبنانيين في “وثائق باندورا” ممن جرى ربطهم بحزب الله يقود للبحث عن واحدة من أكثر الملفات تعقيداً، أي تلك المتعلقة بتمويل “حزب الله” ونفوذه السياسي والمالي داخل الطائفة الشيعية.
“الهالة اللي حولي كذبة”، يتمتم ويهزّ رأسه بضيق.
يحاول صالح عاصي دحض الصورة المتداولة عنه كرجل أعمال لبناني ثري له امتدادات مالية وسياسية مشبوهة بين لبنان والكونغو وفرنسا ودول أخرى، معتبراً المتداول عنه وعن تبييضه أموالاً طائلة لصالح “حزب الله” “استهدافاً سياسياً”.
في شقته الفخمة المطلّة على الواجهة البحرية لبيروت في مبنى “بلاتينوم”، وهو المبنى الأغلى ثمناً في لبنان ويقيم فيه أيضاً رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، يقضي عاصي معظم وقته مع عائلته بعدما عرقلت العقوبات الأميركية الكثير من أعماله العابرة للحدود.
الخزانة الأميركية فرضت عام 2019 سلة عقوبات على رجال أعمال لبنانيين بتهم تهريب أموال بمبالغ ضخمة لصالح حزب الله الذي تصنّفه الولايات المتحدة تنظيماً ارهابياً، ومن بين هؤلاء ورد اسم عاصي، لينضم الى لائحة تقارب 90 اسماً لهيئات وكيانات فُرضت عليها عقوبات خلال السنوات الأخيرة.
في “وثائق باندورا”، التي تكشف معلومات غير مسبوقة عن أسرار الجنان الضريبية وشركات الـ”أوف شور” لعدد كبير من زعماء العالم وشخصيات عامة، ظهر اسم عاصي بوصفه المستفيد الوحيد من شركة Veriolia Holdings Limited والتي أسستها شركة “Trident Trust” وهي واحدة من 14 شركة من مقدمي الخدمات الخارجيين الذين يمثلون مصدر المستندات المسرب. التسريبات كشفت عن تبادل رسائل الكترونية مع الشركة المشغلة “Trident Trust” وهذه الرسائل أرسلها شخص من Barclays، وهو بنك استثماري بريطاني متعدد الجنسيات، يطلب فيها من Trident Trust إغلاق الشركة التي يملكها عاصي في 2013 وفعلا تم حلّ الشركة عام 2014.
سبب تأسيس الشركة واقفالها ليس واضحاً، لكن ليس غريباً على الجنات الضريبية إنشاء شركات واقفالها فهذا إجراء قانوني، لكنه يثير تساؤلات حول الأهداف الحقيقية لإنشاء تلك الشركات لمدة محدودة وما إذا كان يهدف إلى تمويه نشاطات أو أسماء ما.
عاصي ينفي تماماً في مقابلته مع “درج” أن تكون هذه الشركة عائدة له وينكر صلته بالوثائق التي وردت في التسريبات، لكنه لم ينف انشاءه العديد من شركات الـ”أوف شور”، بل يجيب بوضوح أنه يفعل ذلك “للتهرب من الضرائب”.
واسم عاصي كان واحداً من بين عشرات الأسماء اللبنانية التي وردت في تلك الوثائق ضمن مجموعة لبنانية وازنة اختارت ملاذات ضريبية لتحمي بها ثرواتها وأموالها إما من الضرائب والرسوم أو لاخفاء الأسماء التي ترتبط بها. واسم عاصي ورد ضمن تسريبات شركة Trident Trust التي كان زبائنها اللبنانيون يتقدمون في العدد على زبائن دول أخرى مثل بريطانيا وفرنسا.
كما ورد في “وثائق باندورا” اسم رجل الأعمال اللبناني قاسم حجيج الموضوع أيضا على لائحة العقوبات الأميركية.
ما يلفت هو أن الشخصيات اللبنانية التي لاذت بجنان ضريبية لاستثمار ثرواتها بعيداً من الأعين تفعل ذلك فيما آلاف اللبنانيين يكابدون لتحصيل مدخراتهم المحتجزة في المصارف بفعل الانهيار المصرفي الكبير عام 2019. هذا الانهيار تسبب به فساد النخبة الحاكمة، وهو وضع أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، بل إن فساد السلطة سبّب انفجاراً هائلاً دمر الواجهة البحرية للمدينة في آب 2020 فقتل وجرح المئات، لكن التركيبة السياسية الطائفية أعاقت تماما آليات المحاسبة. من هنا تبرز حقيقة الاستفادة الكبرى التي تنالها طبقة واسعة من السياسيين النافذين ورجال الأعمال في الجنان الضريبية في بلد مفلس ومنكوب يكافح ابناؤه للحصول على أساسيات العيش من كهرباء ووقود ودواء.
صالح عاصي
من هو صالح عاصي؟
في سيرة صالح عاصي، وهو في العقد الخامس من عمره، الكثير من المفارقات، فهو نشأ في بيئة شيعية فقيرة في جنوب لبنان لعائلة يسارية المزاج وانتسب بعض أفرادها للحزب الشيوعي، ووالده كان شرطياً محدود الدخل.
كان هذا الفقر شائعاً في أوساط شيعة لبنان الذين كانوا على هامش الإزدهار الذي شهده لبنان في ستينات وسبعينات القرن الفائت والذي كان يتمحور حول المسيحيين بدرجة أولى والسنة بدرجة أقل في سياق التركيبة الطائفية القائمة.
في مرحلة ما بعد الحرب ومع صعود حزب الله بدعم إيراني ونمو قوته وتمدده في أوساط شيعة لبنان والخارج، تبدّل هذا الأمر، فباتت نخب مالية شيعية حاضرة بقوة.
يستذكر عاصي فقره السابق وفقر بيئته: “كانوا الشيعة يشتغلوا بالفعالة هلق ليكي وين صاروا”، مشيرا الى مفارقة كونه يسكن المبنى الاغلى ثمنا في لبنان وان هذا المبنى فيه كثير من الأثرياء الشيعة.
سافر صالح عاصي في منتصف الثمانينات الى إيطاليا لاستكمال دراسته في الهندسة وهناك بدأ، كما يقول، عمله كمترجم بين التجار لينطلق بعدها في مجال التجارة ولتوصله أعماله الى انغولا والكونغو في افريقيا.
مطّلعون على مسيرة عاصي يربطون بينه وبين نشاطات مشبوهة متنقلة بين إيطاليا وأفريقيا وعلاقات استفاد منها من خلال نسجه روابط وثيقة مع نخب حاكمة في الكونغو ساهمت في تقوية تجارته مستفيدا، كما كثير من الشخصيات المالية اللبنانية في افريقيا، من صلات مع حكام البلاد لتمتين أعمالهم.
يسخر عاصي من هذه الرواية، ويكرر أن عمله “قانوني” وشفاف وأن استهدافه هو إما سياسي أو من منافسين، ويقدم نفسه كقصة نجاح لشاب من خلفية فقيرة تمكّن من الصعود. وعاصي اسم بارز في تجارة المواد الغذائية في الكونغو حيث تشير تقارير صحفية إلى مشاركته وشركاته في تحديد الأسعار في سوق الخبز حتى انه لقب بـ “ملك الخبز”، فهو يملك مخبزاً صناعياً ضخماً في العاصمة كينشاسا.
يقول عاصي لـ”درج”، “كنت فقيراً وكنت اعتقد ان من معهم مال قذرون. أنا لم آكل اللحم في لبنان لكن أكلته في إيطاليا التي احبها واعتبرها بلدي. انا الان اعمل في قطاع الخبز الذي يأكله الفقير وأربح “على ضهره”. اعمل بالطحين والسمك. الكيلو مثلا يكلف دولاراً أبيعه بـ 2 دولار. بحسب الماركسية هذا غير مقبول لكن هذا في النهاية عمل”.
يحاول عاصي عبر مسار قانوني صعب رفع العقوبات عنه وهو ينكر تماما تهم مساهمته في تبييض أموال لصالح “حزب الله”، ويشكو من أن العقوبات سببت عراقيل له ولعائلته: “هذه افتراءات. اريد ان أبرهن براءتي من تهمة تمويل حزب الله. اذا ابني بدو يفتح حساب بنك ما بيقدر”.
على مدى السنوات الماضية ربطت تقارير عدة بين عاصي وشخصيات أساسية وضعت ايضاً على لوائح العقوبات مثل أدهم طباجة الذي أعلنت الولايات المتحدة مكافأة باهظة لمن يدلي بمعلومات عنه. وتم فرض العقوبات على صالح عاصي لاتهامه بالعمل لصالح طباجة وبالتالي “حزب الله”.
عاصي الذي يعتبر ان عملياته المصرفية شفافة وعبر المصارف اللبنانية. ربطت تقارير صحفية تركية في بدايات عام 2020 بينه وبين رجل الأعمال التركي سيزجين باران كوركماز الذي عقد عاصي شراكة معه لتفادي العقوبات من خلال استخدام تركيا كساحة بديلة. كوركماز تم اعتقاله في النمسا الصيف الماضي بتهم غسيل اموال واحتيال على الخزانة الاميركية بما يزيد عن مليار دولار.
عاصي يقرّ في حديثه لـ”درج” بصداقته ومعرفته بكركماز لكنه نفى انه حاول ان يستخدم تركيا كساحة بديلة علما ان الصحافة التركية نشرت وثائق تثبت شراكات رسمية لعاصي في تركيا.
يكتفي عاصي بالتعليق بأن مشاكل كركماز هي بسبب تضييق اميركي.
تنتشر له على يوتيوب ومنصات اجتماعية فيديوهات فيها الكثير من صوره الشخصية مع العائلة وفي مناسبات اجتماعية مع شخصيات سياسية واغاني تمتدح “كرمه” و”وطنيته”.
قاسم حجيج رجل أعمال لبناني ثري معروف، وهو ممن طالتهم العقوبات الأميركية وتحديداً عام 2015 اذ اتهم بدعم أنشطة “حزب الله” المالية في لبنان والعراق.
يعتبر قاسم حجيج أحد اركان الاغتراب اللبناني وكان رئيس الجالية اللبنانية في الغابون وقنصل الغابون في لبنان، فضلاً عن كونه رئيس بلدية دير انطار في قضاء بنت جبيل جنوب لبنان ورجل اعمال معروف. ويملك آل حجيج مؤسسات استثمارية عدة في لبنان أبرزها فندق «كورال بيتش» وبنك الشرق الاوسط وافريقيا MEAB.
بحسب بيان وزارة الخزانة الأمريكية، فإن حجيج “ساعد في فتح حسابات مصرفية لـ”حزب الله” في لبنان واستثمر في البنية التحتية التي يستخدمها حزب الله في كل من لبنان والعراق “.
تظهر “وثائق باندورا” أن حجيج هو مدير وحيد لشركة طيران خاص هي Comet Jet S.A ، وقد تم تأسيس الشركة بموجب قانون BVI Business Companies لجزر فيرجن البريطانية في 2009، وقد استخدم حجيج في المراسلات كشوف حسابات من مصرفه في لبنان MEAB.
اللافت أن Comet Jet هي أيضًا عضو في Phoenix XXVI Aviation إلى جانب شركة Imperial Jet اللبنانية التي خسرت مؤخرًا تحكيمًا دوليًا ضد الدولة اللبنانية. فقد زعمت الحكومة اللبنانية أن شركة إمبريال جت كانت تعمل بشكل غير آمن، في حين رأت الشركة أنه تم سحب ترخيصها بشكل تعسفي لأسباب سياسية.
هذه التفاصيل تطرح تساؤلات حول وجود علاقة بين Comet Jet التي يملكها حجيج وImperial Jet التي خاضت منازلة قضائية شرسة مع الحكومة اللبنانية، بحيث واجه لبنان احتمال دفع تعويضات محتملة تزيد على مليار دولار.
السؤال يبدو منطقياً خصوصاً أن لا أثر لشركة Comet Jet، اذ لم نجد لها موقعا إلكترونيا، وليس واضحاً، في السجلّات، ما حلّ بها.
“درج” حاول التواصل مع حجيج لكن لم يصلنا أي جواب منه.
“حزب الله” ورجال الاعمال الشيعة: طوق من ماس
وجود اسماء رجال اعمال لبنانيين جرى ربطهم بحزب الله في “وثائق باندورا” يقود للبحث مجدداً عن واحدة من أكثر النقاط تعقيداً وغموضاً، أي تلك المتعلقة بتمويل “حزب الله” ونفوذه السياسي والمالي داخل الطائفة الشيعية والذي تنامى منذ انتهاء الحرب عام 1991 برعاية ايرانية.
شبكة هذا التمويل ترتدي أهمية تحت وطأة الانهيار الذي يشهده لبنان في ظل سلطة مرعية بشكل شبه كامل من “حزب الله” الذي وقف سداً منيعاً لحماية عهد الرئيس ميشال عون ورموزه في وجه التظاهرات الاحتجاجية عام 2019، ومنع محاسبة الكثير من الطبقة السياسية بتهم فساد خصوصاً في جريمة تفجير مرفأ بيروت.
مع الأزمة الاقتصادية المستمرة والمتفاقمة أطلق حزب الله أو دعم العديد من المبادرات الخيرية التي تستهدف الأسر ذات الدخل المنخفض طوال عامي 2020 و 2021، فأصبحت مؤسسة مثل “القرض الحسن” أكبر منظمة تمويل صغرى في البلاد. في سبتمبر 2021 ، استورد “حزب الله” الوقود من إيران عابرًا من سوريا للتعامل مع أزمة الوقود المتصاعدة في لبنان فتم وضع الوقود في مخازن تابعة لشركة الأمانة الخاضعة للعقوبات الاميركية.
يشير الباحث السويسري من أصل سوري والأستاذ في جامعة لوزان في سويسرا ومؤلف كتاب “الاقتصاد السياسي لحزب الله اللبناني” جوزف ضاهر في حديث لـ”درج” الى أن الحزب قدم هذا الشكل من الخدمات بوصفه، “نصرا سياسيا وجهادا ضد الحصار المفروض من أميركا، وعمّق الحزب من شبكات الرعاية الخاصة به للاستجابة للحاجات الاجتماعية الاقتصادية لبيئته. كل تلك الإجراءات ساهمت في تكريس سياسته في تعميق دور الدويلة ضمن الدولة في لبنان”.
وتقوية النفوذ داخل البيئة الشيعية الحاضنة لا يكتمل من دون شيعة المهجر، فالصعود القوي للحزب في العقدين الأخيرين وتمدده عبر الحدود سهّل له الاحاطة الكاملة بالنظام الاجتماعي والمالي لشيعة افريقيا واميركا اللاتينية.
لا أرقام رسمية واضحة لمالية “حزب الله” لكن التقديرات تتحدث عن ميزانية تصل الى نحو مليار دولار سنوياً تذهب في جزئها الأكبر لتغطية رواتب حوالي مئة ألف موظف، فـ”حزب الله” هو ثاني أكبر مشغل بعد الدولة اللبنانية.
التعاملات المالية لـ”حزب الله” نقدية في الغالب كون النظام المصرفي مراقب او تطاله العقوبات، لذلك يصعب معرفة حجم تلك التداولات بدقة، لكن من التقيناهم في سياق هذا التحقيق، يؤكدون أن طرق حقائب المال النقدي لـ”حزب الله” سالكة إلى لبنان.
صحيح أن الدعم الأكبر لـ”حزب الله” يأتي من إيران لكن مع استمرار العقوبات والقيود يواصل الحزب البحث عن مصادر تمويل مختلفة. من هنا يبدو اهتمام “حزب الله” بتعزيز نفوذه وروابطه مع شيعة المهجر خصوصاً في غرب ووسط إفريقيا حيث أنشأ شبكة هامة بين رجال الأعمال.
يشير الباحث جوزف ضاهر الى العلاقة المتشابكة بين “حزب الله” ورجال أعمال شيعة لبنانيين: “مع نمو هيمنة حزب الله في البلاد في العقد الماضي، كان يُنظر إليه على أنه الخيار الأفضل للجزء الشيعي من البرجوازية في لبنان وفي الشتات لخدمة مصالح البلاد على أفضل وجه. والعقوبات التي فُرضت على الحزب وبعض رجال الأعمال دفعت الكثير من رجال الأعمال لإخفاء هذه الصلات لأسباب واضحة. في الوقت نفسه، وبسبب هيمنة حزب الله في لبنان، اندفع بعض رجال الأعمال للتعامل معه للاستفادة من بعض العقود والمزايا”.
هناك أسماء معروفة تم فرض عقوبات عليها من قبل الولايات المتحدة مثل – عائلة تاج الدين، التي أدارت العقارات، وصدّرت الماس، وأسست متاجر كبرى وشركات تصنيع الأغذية في جميع أنحاء أنغولا وغامبيا وسيراليون والكونغو لسنوات عدة. تلعب الشركات الموجودة في غرب إفريقيا والمملوكة لرجال أعمال مقربين أو منتسبين إلى حزب الله دورًا في الدعم المالي من خلال مخطط مالي رسمي أو غير رسمي. بعض الانشطة شملت تجارة السيارات المستعملة والعقارات والاستيراد والتصدير.
وكان لافتاً إفراج الولايات المتحدة عن الشخصية الشيعية الأبرز من بين رجال الأعمال الشيعة المعاقبين أميركياً وهو قاسم تاج الدين الذي كان مداناً ومسجوناً في الولايات المتحدة ومتهماً بتبييض أموال طائلة لـ”حزب الله” لكنه خرج في ملابسات غير واضحة عام 2020، بعدما تم تبرير ذلك بوضعه الصحي وبدفعه غرامات عالية. لكن تقارير صحفية أشارت الى أن تاج الدين خرج بصفقة مبادلة تم بموجبها الإفراج في لبنان عن العميل الاسرائيلي السابق اللبناني الاميركي عامر فاخوري، والذي له سمعة سيئة بوصفه أحد جلادي معتقل الخيام سيئ الذكر خلال الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان.
لتاج الدين موقع بارز على ما يبدو لدى “حزب الله”، يفسر قبول الحزب بالإفراج عن عميل اسرائيلي وتجاهل الغضب الواسع الذي اشتعل في لبنان في داخل البيئة الشيعية جراء ذلك. عند الإفراج عن تاج الدين استقبل استقبالاً حاشداً في بيروت وهو اليوم في لبنان لكنه بعيد عن الحضور العام.
الباحث جوزف ضاهر يرى أن الكلام عن اعتماد “حزب الله” على شبكة رجال أعمال شيعة للتمويل يبقى مضخّماً: “الدعم المالي الرئيسي مصدره إيران، وبشكل خاص ولاية الفقيه، مؤسسة آية الله خامنئي، التي لها ميزانيتها ومصادر تمويلها المنفصلة عن الميزانية الإيرانية. لكن تنوع التمويل هو ضرورة لحزب الله، خاصة مع تصاعد العقوبات والمضاعفات وتنامي نشاط الحزب في لبنان وأماكن أخرى. وتخدم شبكات رجال الأعمال الشيعة المنتسبين للحزب هذا الغرض”.
الانطباع العام عن “حزب الله” بين الكثير من أنصاره وخصومه ايضاً أنه ليس حزباً فاسداً بمعنى أنه من غير المعروف عن قياداته المباشرة مظاهر ثراء بارزة، وهو ما جذب إليه الكثير من التأييد بوصفه أقرب إلى اليسار، على عكس حركة أمل التي يجاهر كثيرون من قلب الحاضنة الشعبية الشيعية باستيائهم من تثبيت دورها كركن أساسي في منظومة الفساد اللبناني.
مهند الحاج علي، مدير الاتصالات والإعلام وباحث مقيم في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت لا يرى أن “اليسارية” المزعومة للحزب لها أرضية فعلية، “حزب الله هنا ليس يسارياً أو صاحب مشروع للنهوض بالشيعة من حالة الفقر وتنمية المناطق المهمشة، بل بالعكس، يتبنى التنظيم سياسة نيوليبيرالية اقتصادياً، ويتحالف مع تجار حديثي النعمة بنوا قدراتهم المالية في افريقيا، وبشكل منفصل عن الاقتصاد العالمي الذي يتطلب قدراً من التعليم والثقافة واللغة غير متوافر غالباً بين هؤلاء. عملياً، لا توجد أساسات فعلية قابلة للصرف في الاقتصاد اللبناني، خارج إطار القوة المفرطة لحزب الله. اذا نظرنا للقطاعات الاقتصادية ما زال الشيعة محدودي التأثير في أغلبها، من الصناعة والسياحة إلى القطاع المالي”.
يرى الحاج علي أن هناك حساسية لدى الثنائي الشيعي المسيطر تجاه البورجوازية والنخب الشيعية التقليدية، “ينقسم الأثرياء إلى أولئك المتحدرين من نخب تقليدية، اجتماعياً (ملاك أراضي وتجار مهاجرون)، وحديثو الثراء من أبناء القرى الجنوبية المهاجرين إلى أفريقيا. “حزب الله” أقصى النخب الشيعية التقليدية وأخرجها من المعادلة برمتها، من الاقتصاد والسياسة بشقيها الوطني والمحلي، وقبض بشكل كامل على الفضاء العام. بدعوى مجابهة أميركا واسرائيل ووسط سردية من المؤامرات اللامتناهية، تسود حالة قمعية بدرجة أعلى من الطوائف الأخرى بحجة تحصين الجبهة الداخلية. في مناطق هيمنة الحزب، لدى حزب الله مفهوم الأمن الشعبي بحيث يلعب الأهالي دوراً أو نوعاً رقابياً مشدداً تجاه الخارجين عن الإجماع تحت غطاء هذه المواجهة الكبرى”.
ويضيف، “لهذا يبقى الإحساس الشيعي العام بالتقدم منسوباً بالكامل لحزب الله وقوته العسكرية، ولا يتجاوزها بأي شكل آخر، لهذا يُمثل رافعة اجتماعية شديدة الفظاظة وغير مستدامة”.
ألماس ولوحات و… مقاومة
الشعور بالصعود الاجتماعي والسياسي بسبب قدرات “حزب الله” العسكرية في مواجهته إسرائيل خلال حرب 2006 وتعاظم نفوذه داخل لبنان، رائج في أوساط كثير من أثرياء الشيعة الذين برزوا في العقدين الأخيرين، الذين يحاولون الموازنة بين علاقاتهم السياسية داخل لبنان وأعمالهم خارجه.
“أنا افتخر انني من جنوب لبنان.. كان ابن الجنوب من 70 سنة لورا ما في بنطلون على جسمه. الفقر كان آكل الدنيا والواحد بدو يتدين مصاري حتى يعمر بيت صغير”، يقول ناظم سعيد أحمد في حديثه لـ”درج” في لقاء في شقته الفخمة في وسط بيروت والتي حولها الى متحف متجدد مليئ باللوحات القيمة والتحف الثمينة، حتى لا يكاد يخلو جدار في منزله أو زاوية من تلك القطع.
تنقّل أحمد في عمله ما بين تجارة الألماس بين أفريقيا وبلجيكا، التي يحمل جنسيتها، وجمع وبيع اللوحات والقطع الفنية. لم يرد اسم أحمد في “وثائق باندورا” لكن اسمه اقترن بصالح عاصي وبقاسم حجيج في ملف العقوبات وكان هذا مدخلاً لمحاولة الاقتراب من قصته.
يسهب أحمد في الحديث عن كفاح عائلته، وكيف هاجر جده من بلدته حاريص جنوب لبنان بسبب الفقر الى افريقيا مطلع القرن الماضي، وكم عانى والده هناك قبل أن يبدأ بتجارة الماس في سيراليون والتي أصبحت تجارة العائلة بين أفريقيا وبلجيكا التي تعتبر مقرا رئيسيا ايضاً في تجارة الالماس.
لكن هذه الاعمال كانت، بحسب الخزانة الاميركية التي فرضت عقوبات على أحمد، مجرد واجهة لتبييض ملايين الدولارات من الأموال لصالح “حزب الله”، بل واتهمت الخزينة الاميركية أحمد في بيان رسمي بأنه يمول أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله شخصياً.
يبتسم ناظم لدى سؤاله عن هذه التهم ولا يجيب عن علاقته بنصرالله وقيادات “حزب الله”، ويختزل تلك التهم بأنها حرب ضد الشيعة، “اتهموني بانني حزب الله. انا جسمي لبيّس لأني اصوم واصلي وانا افتخر بمن نحن ومن اين نحن”.
يلفت أحمد في حديثه الى استمرار حضور نخبة شيعية ثرية في لبنان في مقابل هجرة نخب كثيرة من طوائف أخرى للخارج، “نحنا الشيعة مآمنين بالبلد وما فينا نكون الا هون، خاصة بالحرب اللي قايمة علينا”.
قصة اتهام أحمد بأنه ممول أساسي لـ”حزب الله” بدأت مع بدء ازدهار أعماله كما يقول، وينسب الحملة ضده الى “تقارير استخباراتية بلجيكية” لشخصيات موالية لإسرائيل: “ضريبة النجاح بدأت بعد العام 2020 . بوقتها كنا نبيع بحوالي 450 مليون دولار سنويا. هذا الامر أزعج كثيرين وبدأت المعارك ضدنا.”
“حققوا معي وهذه القضية تبرأت منها في بلجيكا، اتهموني أني أموّل حزب الله وأثير النعرات الطائفية. من فعل ذلك هو ضابط مخابرات بلجيكي يهودي ولاؤه لإسرائيل. انا عندي أصدقاء يهود وليسوا مع اسرائيل ومنهم ضد اسرائيل. هذا عمل موساد. التقرير نشر في صحف بلجيكية وبعدها عقدت لجنة تقصي حقائق عن الكونغو وصدر تقرير عن الأمم المتحدة بأننا نمول حزب الله والقاعدة وهذا هراء لأن التنظيمين ضد بعضهما بعضاً. استغرق الأمر سنوات قبل أن يطوى الملف”.
لكن طي ملف أحمد في بلجيكا لم يمنع استمرار الاتهامات له خصوصاً مع تزايد نشاطه في مجال القطع الفنية الثمينة.
وسوق الفن معرّض بشكل خاص للالتفاف على العقوبات لأنه يمنح المشترين والبائعين درجة عالية من إمكانية إخفاء الهوية مع القليل من الشفافية، وفقًا لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية.
غالبًا ما يتم استخدام الوسطاء والشركات الوهمية لشراء أو بيع أو الاحتفاظ بأعمال فنية باهظة الثمن ولتقديم مدفوعات وتلقيها، مما يسمح للجهات التي تقف خلفها بإخفاء هويتها.
في تبرير العقوبات الاميركية على أحمد ورد اتهام له بأنه خزن بعض أمواله الشخصية في أعمال فنية قيّمة “في محاولة استباقية للتخفيف من آثار العقوبات الأمريكية”.
لا يخفي ناظم أحمد شغفه بجمع القطع الفنية إذ يقوم بتحميل صور “كنوزه” بشكل دائم على صفحته الخاصة على انستغرام، حيث لديه ما يقارب الـ190 ألف متابع منتظم، ويجري من خلالها مقابلات مباشرة مع فنانين في دول مختلفة ويجري نقاشات مع متابعيه.
بعض مجموعاته تعرضت لأضرار جراء انفجار مرفأ بيروت صيف 2020 لكنه أعاد ترميمها .
يفاخر أحمد بمجموعته الفنية في المبثوثة في كافة أنحاء المنزل ويهتم بأن يراها زواره ويلفت إلى قطع عدة للفنان الاسباني خافيير كالينغا” وأنه كان من أوائل من انتبهوا لموهبته، “اشتريت منه 8 لوحات كانت الوحدة بـ 7000 يورو. اليوم لوحته بتوصل لمليون ونص يورو”.
رغم الشغف الذي يظهره أحمد إلا أن الاتهامات الأميركية تشير الى أنه اختار الفن كغطاء لعمله الأساسي باعتباره سمة النخب الراقية البعيدة من الشبهات.
ومسألة الفن وغسل الأموال أمر يدور النقاش حوله منذ مدة لاسيما أنه لا يمكن التحكم في معظم المعاملات التجارية الفنية التي يتم إبرامها، ولا يتم الكشف عن هويات البائعين والمشترين، ولا حتى أماكن تواجدهم، فقيمة الأعمال الفنية تقديرية ونسبية في طبيعتها، لذلك من السهل تضخيمها حسب الحاجة، ما يسمح بنقل مبالغ مالية كبيرة للغاية، إضافة إلى المضاربات، وانتشار الأعمال المزورة.
يدرك أحمد كل هذه الاتهامات ويرد عليها، “عاقبوني بالفن. انعمل قانون من ورايي عن الفن ” لافتاً الى القيود الأميركية التي فرضتها الولايات المتحدة بعد فرض العقوبات عليه واتهامه باستخدام الفن كواجهة أنشطة مشبوهة.
في منزل أحمد يبدو الحديث عن القطع الفنية شأناً عائلياً فابنته الكبرى هند تملك معرضاً فنياً في وسط بيروت،” أنا خليت اولادي يعشقوا الفن .. الله اعطاني عين بتشوف الفن”.
ريما زوجة أحمد وأم ابنائه الستة تقول إنهم منذ ان كانوا في بلجيكا دأبت على أخذ ابنائها الى المتاحف، “زوجي عنده شغف بالفن وزوجي بيقعد من الصبح لليل كل ما يكون عنده وقت او عنده اجتماع بيطّلع بالفن. ببلجيكا كل الوقت كنا نروح على متاحف. نحنا أشبعنا عيون أولادنا فن”.
يتمتع أحمد أيضا بعلاقات مع العديد من ممولي “حزب الله” المصنفين على لوائح العقوبات الأميركية، بما في ذلك قاسم تاج الدين ومحمد بزي، حتى أن العقوبات ربطت بينه وبين صالح عاصي وأدهم طباجة وقاسم حجيج في قضية شراء أرض مقابل 240 مليون دولار اعتبرتها واشنطن واجهة لصفقة لحزب الله وكانت أحد أسباب العقوبات عليه.
يقول أحمد، “انا بعرف كل الناس بالبلد.. انا قاعد هون وعندي علاقات مع الكل.
“اشتريت اراضي فجن وليد جنبلاط وسعد الحريري واتهموا انو حزب الله عم يشتري. معقول يعني حزب الله بحاجة يشتري ارض حتى يبعت صواريخ على فلسطين؟ اشتريت الارض انا والحج قاسم حجيج. كان معي 150 مليون قلت للحج قاسم دقيتلوا ناقصني 70 مليون بتشارك قلي اي”.
ويكمل، “الشيعة مستهدفون. انا معروف بالبلد وما في يوم مشتغل مع حدا.. لا بشتغل لا بالبنزين ولا بالنفط. ومصاري ما عندي هون بالبنوك. رياض سلامة (حاكم مصرف لبنان) سكرلي حساباتي”.
تشابك السياسة والمال
العلاقة مع رجال أعمال شيعة أخذت أبعاداً أكثر تعقيدا مع تقاسم نفوذ الطائفة بين القطبين الأكبرين “حركة أمل” “وحزب الله”. صحيح أن لـ”حزب الله” الحضور الأقوى لكنه ترك هامشاً أساسيا لحليفه رئيس مجلس النواب ورئيس حركة أمل نبيه بري الذي يقترن اسمه واسم افراد من عائلته بالكثير من الصفقات والاثراء غير المشروع.
ولعل قضية صالح عاصي مع القضاء اللبناني نموذج لتشابك العلاقة بين السياسة والمال وتوزيع الادوار بين القطبين الشيعيين، ففي سجل عاصي دعوى قضائية في النيابة العامة الاستئنافية عام 2018 جرى اتهامه فيها باستهداف شخص وتهديده والاعتداء عليه في الكونغو وقد وضع في الدعوى عنوان مختلق لعاصي، وسريعا ما وضعت اشارة على اسمه لاعتقاله فور دخوله مطار بيروت وهو اجراء تسبب بعدم عودة عاصي الى لبنان لنحو عام ونصف إلى أن أبطلت محكمة التمييز هذه الدعوى عام 2020.
لهذه القصة خلفيات أساسية لكن لا يتم الحديث عنها علناً، لكنها نموذج عن امساك الثنائي الشيعي أمل و”حزب الله” بمفاتيح مالية أساسية عند اثرياء الشيعة عبر تقديم تسهيلات من جهة لكن مع أخذ الأثمان من جهة أخرى.
رجل أعمال بارز ومطلع على القضية تحدث لـ”درج” طالبا عدم ذكر اسمه، يعيد قضية ملاحقة عاصي في لبنان الى توتر في العلاقة بين عاصي وبين أحمد البعلبكي وهو المستشار الأمني للرئيس بري.
في بلد ينخره الفساد والطائفية لم يكن صعباً تحريك ملف قضائي في حق عاصي كي يرضخ، “لو كان عاصي محسوباً على حزب الله هل كان سيجرؤ أحد على تهديده؟ ها هو وفيق صفا (مسؤول رفيع في حزب الله) يهدد القاضي بيطار (محقق انفجار مرفأ بيروت). لو كان عاصي ممولا للحزب لما كان غاب عن لبنان لأكثر من سنة ولما كان يعيش الان بعيدا عن الانظار يتحاشى الظهور العام”، يقول رجل الأعمال لـ”درج”.
يعيدنا ذلك إلى حقيقة موازية وهي أن العقوبات أعقد من علاقة رجال الأعمال الشيعة بـ”حزب الله” وان كانت لا تنفيها، والإدارة الأميركية نفسها ليست بعيدة عما تمثله هذه الثروات من احتمالات فساد ومقايضة، وما اللجوء الى الـ”أوف شور” سوى قبول للنظام المالي الذي تتصدره أميركا بأشكال الالتفاف على العقوبات، ولكنه أيضاً قبول بإخفاء مصادر الثروات.
درج
—————————–
خمسة طرق يستخدم فيها المشاهير نظام الملاذات الآمنة/ شون ماكغوي
تكشف أوراق باندورا أن الكثير من المشاهير الذين يكسبون المال من “حقوق الوجه الإعلاني” يقومون بتحويل تلك الأرباح إلى شركات خارجية. فالرياضي، على سبيل المثال، يمكنه إنشاء شركة في ملاذ ضريبي ونقل الحق في الاستفادة من صفقات الاعلانات الخاصة به إلى تلك الشركة.
شاكيرا فعلت ذلك. وكذلك فعل رينغو ستار وكلوديا شيفر وخوليو إغليسياس وأسطورة الكريكيت ساشين تندولكار.
فقد أنشأوا جميعاً شركات “في الملاذات الآمنة”، في أماكن مثل جزر العذراء البريطانية، حيث معدلات الضرائب منخفضة أو منعدمة وحيث تكون أعمالهم- وهوياتهم – مخفية عن الجمهور.
وهم من بين المشاهير والسياسيين وأصحاب البلايين الذين وردت أسماؤهم في مجموعة من الملفات المسربة التي حصل عليها “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”. هذه السجلات المسربة هي جزء من أوراق باندورا، وهي تحقيق في النظام المالي للملاذات الآمنة الذي يسمح للأغنياء والمشاهير بشراء اليخوت والطائرات الخاصة، والاستثمار في العقارات، وحماية ثروة عائلاتهم مع تجنب الخضوع للرقابة.
يعد إنشاء الشركات والصناديق الإئتمانية في الخارج أمراً سهلاً ورخيصاً نسبياً، وفي كثير من الحالات قانوني. فالمشاهير الذين يعيشون في لندن أو لوس أنجلوس، على سبيل المثال، يمكنهم التعاقد مع مزود خدمات مالية في “ولاية قضائية سرية” لإنشاء شركة وتسجيلها.
وإضافة إلى انخفاض معدلات الضرائب أو عدم فرضها، فإن هذه الولايات القضائية لديها قوانين تحمي هويات المالكين، ما يجعل من الصعب تحديد ما إذا كانوا يستخدمون شركاتهم لإخفاء الأصول عن جباة الضرائب أو الدائنين أو وكالات إنفاذ القانون.
وبعض هذه الولايات القضائية يقع حرفياً في جزر في عرض البحر- مثل أنغويلا أو البهاما – بينما هناك ولايات أخرى في أماكن غير ساحلية مثل داكوتا الجنوبية في الولايات المتحدة الأميركية وسويسرا.
في معظم البلدان، بإمكان الأفراد والشركات إنشاء شركات في ملاذات ضريبية وسرية. لكن ربما لا يزال يتعين عليهم الكشف عن تلك الشركات- ودفع الضرائب عليها- في بلدانهم الأصلية.
وتظهر السجلات المسربة أنه مقابل بضع مئات من الدولارات، فتح المشاهير وغيرهم من الأثرياء شركات في الملاذات الآمنة، وفي بعض الحالات، وفروا مئات الآلاف أو حتى ملايين الدولارات من الضرائب.
ولكن هذه المدخرات تأتي على حساب العامة.
من خلال تحويل الدخل والأصول الأخرى، على الورق على الأقل، إلى الملاذات السرية الخارجية حيث معدلات الضرائب المنخفضة، يصبح في إمكان الأغنياء وأصحاب النفوذ تحميل العبء الضريبي على المواطنين البسطاء الذين يدفعون الضرائب حيث يعملون ويعيشون في بلادهم، تاركين إياهم يتكبدون تكاليف الخدمات مثل المدارس أو الطرق المعبدة. ويقول خبراء الاقتصاد إن وجود هذه الممتلكات خارج الدول يحرم الحكومات مئات المليارات من الدولارات من عائدات الضرائب كل عام.
أسرار كشفت
تقدم الوثائق المسربة لمحة عما يفعله المشاهير بأموالهم في الخارج.
أسس ستار Starr، الذي تقدر ثروته الصافية بنحو 400 مليون دولار، شركتين في جزر البهاما كانتا تستخدمان لشراء العقارات، بما في ذلك “مسكن خاص في لوس أنجلوس”.
كما أنشأ لبيتل Beatle ما لا يقل عن خمسة صناديق إئتمانية في بنما. تمتلك ثلاثة من هذه الصناديق بوالص تأمين على الحياة، يستفيد منها أطفاله، ويحتفظ صندوق آخر بإيرادات من عائدات ستار Starr ومن الحفلات الغنائية مباشرة.
وعندما تم الاتصال بممثلي ستار للتعليق عبر الهاتف، رفضوا الإجابة على الأسئلة.
شيفر، عارضة الأزياء الألمانية التي لعبت دور البطولة في إعلانات لشركات تجارية مثل Victoria’s Secret للملابس الداخلية وغيرها وL’Oreal وPepsi، تمتلك ما لا يقل عن ست شركات مسجلة في جزر العذراء البريطانية. تظهر السجلات أيضاً أنها أنشأت صندوقاً هناك لاستثمار أرباحها لمصلحة أسرتها. من خلال محاميها، أخبرت شيفر صحيفة Süddeutsche Zeitung الألمانية شريكة الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين أنها ملتزمة بقانون الضرائب في المملكة المتحدة، حيث تعيش مع زوجها المخرج السينمائي البريطاني ماثيو فون.
الكثير من النجوم والمشاهير في أوراق باندورا هم من عالم الرياضة، بما في ذلك لاعبو كرة القدم والمدربون. روبرتو مانشيني هو مدير المنتخب الإيطالي لكرة القدم الفائز بكأس الأمم الأوروبية 2020. في الفترة من 2009 إلى 2012، أثناء إدارته فريق مانشستر سيتي، امتلك مانشيني طائرة من خلال شركة مقرها جزر فيرجن البريطانية. (أغلق الشركة عام 2012).
لم يستجب مانشيني لطلبات التعليق من صحيفة L’Espresso الإيطالية الشريك الإعلامي لـ”الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”.
أدى الكشف عن الشركات السرية للمشاهير في دول الملاذات الآمنة في السنوات الماضية إلى ردود فعل مثل الإنكار أو فتح التحقيقات وأحيانا السير نحو المزيد من السرية.
عام 2018، أدى استخدام شاكيرا شركات خارجية لإدارة أعمالها الموسيقية العالمية إلى إجراء تحقيق في التهرب الضريبي في إسبانيا. وفي تموز/ يوليو 2021، قرر قاض إسباني أن هناك أدلة كافية على أن المغنية الكولومبية المولد لم تدفع 16.4 مليون دولار كضرائب بين عامي 2012 و2014، حتى تحال قضيتها إلى المحاكمة. وقالت وكالة العلاقات العامة الخاصة بها في ذلك الوقت إنها دفعت الضرائب المستحقة عليها بمجرد علمها بالدين.
تظهر أوراق باندورا أن شاكيرا قامت بتأسيس ثلاث شركات خارجية في عام 2019، على رغم أن استمرار التحقيق الضريبي. وقال ممثلون عن شاكيرا في بيان لصحيفة البايس الاسبانية لـ El País — شريك الاتحاد الدولي للصحافيين إن المغنية تستخدم شركات خارجية لأن معظم دخلها يأتي من خارج إسبانيا وإن سلطات الضرائب الإسبانية على علم بجميع شركاتها.
ونفى ماريو فارغاس لوسا، الروائي الحائز على جائزة نوبل، أن يكون يملك شركة مسجلة في جزر فيرجن البريطانية مدرجة في أوراق بنما، وهو تحقيق سابق أجراه الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين وكشف عن أكثر من 214 ألف كيان موجود في دول الملاذات الآمنة.
لكن وثائق جديدة مسربة تظهر أن لوسا استخدم شركة أخرى مسجلة في جزر فيرجن البريطانية لاستثمار إتاوات الفنية من كتاباته. وأكد ممثل عن لوسا لصحيفة El País أن المؤلف يمتلك الشركة الخارجية المذكورة في أوراق باندورا، لكنه قال إنه تم الإفصاح عنها بشكل كامل للسلطات الضريبية وتم تصفيتها في عام 2017.
وتظهر سجلات أوراق باندورا أن تيندولكار Tendulkar، وهو عضو سابق في البرلمان الهندي الذي كان يسمى “”بفاتن لعبة الكريكيت”، أنه يمتلك شركة مسجلة جزر فيرجن البريطانية، لكنه قام بتصفيتها عام 2016، بعد وقت قصير من نشر “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” لأوراق بنما. لم يتم ذكر اسم شركته في تحقيق عام 2016.
قال ممثل لمؤسسة تندولكار للاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين في رسالة بالبريد الإلكتروني إن الشركة لديها استثمارات مشروعة وأن تندولكار امتثل لالتزاماته الضريبية. كما قال لشريك “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، صحيفة “إنديان إكسبريس” الهندية ، إنه لا يمكن أن يكون هناك “أي نوع من الشك في أن السيد تندولكار قد تورط” في أي ممارسات غير مشروعة.
وقال جيمس هنري، وهو خبير اقتصادي ومحام وصحافي استقصائي أجرى أبحاثاً حول استخدام الملاذات الضريبية، في مقابلة مع “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” إن عدم الكشف عن الهوية الذي تسمح به الشركات الوهمية غالباً ما يكون أولوية للأشخاص الذين يعيشون تحت الأضواء.
وقال إن “المشاهير على وجه الخصوص حساسون للغاية بشأن حياتهم الخاصة في كثير من الحالات، وإلى حد ما، هذا أمر مشروع جداً”.
ومع ذلك، حذر من أن الخصوصية “ليست سوى جزء من القصة” ويمكن أن تظل في بعض الحالات غطاء للتهرب الضريبي الذي لا يمكن الكشف عنه إلا من خلال النظر في الإقرارات الضريبية الفردية.
في ما يلي 5 سبل استخدم فيها المشاهير نظام الملاذات الآمنة والمذكورة في أوراق باندورا.
خوليو إغليسياس قطب العقارات
يملك النجم الإسباني المغني وكاتب الأغاني، الذي تقدر ثروته الصافية بـ936 مليون دولار، أكثر من 20 شركة في جزر فيرجن البريطانية.
وقد اشترت 8 من هذه الشركات عقارات في ميامي وما حولها منذ عام 2008، وفقاً لسجلات الملكية. كما تمتلك شركتان إضافيتين مرتبطتان بإغليسياس عقارات في ميامي، ولكنهما غير مدرجتين في الوثائق المسربة.
الإنتاج: هل يمكن بناء خريطة سريعة لممتلكات إغليسياس العشرة في ميامي؟
تظهر سجلات أوراق باندورا أن المشاهير غالباً ما يستخدمون الشركات الخارجية لحماية هوياتهم عند شراء العقارات. وتساعدهم السرية على منع معجبيهم من معرفة ما يمتلكونه، وفي بعض الحالات، تمنع السلطات من تحصيل الضرائب على ممتلكاتهم.
وكانت شركات إغليسياس تمتلك خمس قطع أرض في جزيرة إنديان كريك، وهي مقاطعة خاصة في فلوريدا تعرف باسم “مخباء الملياردير”، بحماية قوة شرطة خاصة بها ودوريات بحرية مسلحة. باعت شركات إغليسياس قطعتي أرض في الخليج الهندي عام 2020.
وذكرت صحيفة “نيويورك بوست” أن جاريد كوشنر وإيفانكا ترامب اشتريا واحدة من القطع مقابل 32 مليون دولار. ولم يرد ترامب وكوشنر على طلبات التعليق.
شهادة الدخل لشركة “سومرفل” الثانية
بعض شركات إغليسياس الخارجية مؤهلة للحصول على إعفاءات ضريبية على العقارات التي تملكها. بموجب قانون فلوريدا، بإمكان مالكي المنازل المتعددة تعيين أحدها كمسكن أساسي لهم، وتحصل ممتلكاتهم الأخرى تلقائياً على “إعفاء غير المسكن”، ما يقلل من قيمتها.
وتظهر الوثائق المسربة أن راسل كينغ، وهو محام في فلوريدا، هو من أنشأ شركات جزر فيرجن البريطانية إغليسياس مع مزود الخدمات المالية الخارجية “ترايدنت ترست”. كما تم إدراج كينغ في السجلات العامة كجهة اتصال للكثير من شركات إغليسياس في ميامي. إلا أن كينغ رفض التعليق على شركات ايغليسياس الخارجية ومشترياته العقارية، وقال لصحيفة “ميامي هيرالد” إنه “لا يملك الحرية لمناقشة أي تواصل قد يكون لي مع عملاء حاليين أو سابقين”.
ومع ذلك، قال كينغ إن استخدام الشركات الخارجية لشراء العقارات في الولايات المتحدة أمر منطقي للعملاء الذين ليسوا مواطنين أميركيين ولا مقيمين دائمين، لأن لديهم إعفاءات أقل عن ضريبة العقارات. وتطبق الحكومة الأميركية تلك الضريبة على أصول- أو ممتلكات- الشخص المتوفي، قبل أن يمكن توريث تلك الأصول.
بالنسبة إلى ممتلكات غير المقيمين، يتم تطبيق الضريبة على الأصول التي تزيد قيمتها عن 60 ألف دولار. بالنسبة إلى المواطنين والمقيمين في الولايات المتحدة، تُفرض الضريبة على العقارات التي تزيد قيمتها عن 11.7 مليون دولار.
وقال كينغ، “لم أنصح أبداً الزبائن بشراء عقار مباشرة لأن ذلك سيكون هيكلاً أو بنية فظيعة”.
لم يرد إغليسياس على طلبات “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” المتكررة للتعليق.
السير إلتون جون، قطب الأعمال
يملك نجم البوب البريطاني، الذي تقدر ثروته الصافية بأكثر من 530 مليون دولار، أكثر من 12 شركة مسجلة في جزر العزراء البريطانية تتلقى دخلاً من مختلف مصادر أعماله.
إضافة إلى كتابة وتسجيل وأداء أغانيه الخاصة، كتب السير إلتون الموسيقى للعروض المسرحية الشهيرة مثل The Lion King وBilly Elliot: The Musical. تستخدم شركات لجون في جزر العذراء البريطانية أسماء أفلامه الشهيرة مثل: WAB Lion King Ltd و HST Billy Elliot Ltd وما إلى ذلك. كما أنشأ شركات لاستقبال الإيرادات الناتجة عن استخدام علامة تجارية جديدة تم إنشاؤها عام 2017.
في كثير من الحالات، أنشأ جون شركاته بشكل ثنائي: شركة للدخل المتولد في المملكة المتحدة وأخرى للإيرادات المكتسبة خارج المملكة المتحدة. جميع الشركات التي تتلقى دخلاً من داخل المملكة المتحدة سجلت اسم ديفيد فورنيش، زوج جون، كمدير وحيد.
بإمكان المشاهير تصنيف دخلهم من أنشطة مثل التجول في دول العالم لتقديم عروض موسيقية والإتاوات الفنية ومبيعات الأغاني كدخل تجاري – على عكس معظم العمال، الذين تخضع رواتبهم وأجورهم لمعدلات ضريبة دخل شخصية أعلى.
وقال ممثلو جون في رسالة إلى “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” إن شركاته الخارجية تدفع ضريبة الشركات في المملكة المتحدة، وإنه لم يستخدمها لخفض فاتورته الضريبية أو تجنب دفع أي ضرائب مستحقة.
وأوضح ريتشارد مورفي، أستاذ ممارسة المحاسبة في كلية الإدارة بجامعة شيفيلد البريطانية، للاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين أن إنشاء شركة في الخارج للقيام بأعمال تجارية في المملكة المتحدة، من شأنه أن يجعل تلك الشركة مسؤولة عن تقديم ضريبة الشركات في المملكة المتحدة، يتم عادةً من أجل السرية.
وقال مورفي: “أزعم أنه إذا كانت الشركة تحصل على دخل من جميع أنحاء العالم، ولكن يتم إدارتها من المملكة المتحدة، فإن جميع أنشطتها تقع في المملكة المتحدة، على رغم أن مصدر الدخل قد يكون خارج المملكة المتحدة”. وأضاف، “يجب أن تكون هذه الحسابات متاحة للجمهور. ولذلك، ينبغي ألا تكون هناك سرية”.
أنخيل دي ماريا، الوجه الإعلاني للمشاهير
نجم كرة القدم الأرجنتيني يكسب مبلغ 14.5 مليون دولار سنوياً مقابل لعبه لنادي “باريس سان جيرمان”، ولكن لديه أيضاً تدفقات دخل من خارج اللعبة، والتي يديرها من خلال شركة في بنما.
تكشف أوراق باندورا أن الكثير من المشاهير الذين يكسبون المال من “حقوق الوجه الإعلاني” يقومون بتحويل تلك الأرباح إلى شركات خارجية. فالرياضي، على سبيل المثال، يمكنه إنشاء شركة في ملاذ ضريبي ونقل الحق في الاستفادة من صفقات الاعلانات الخاصة به إلى تلك الشركة.
بإمكان هذه الخطوة أن تؤدي إلى خفض الفاتورة الضريبية للرياضي- والتملص كذلك من تدقيق الجهات الحكومية.
في حزيران/ يونيو 2017، اعترف دي ماريا بذنبه في تهمتين بالاحتيال الضريبي في إسبانيا. دفع 2.2 مليون دولار ضرائب وغرامات متأخرة لفشله في الإبلاغ عن دخل حقوق الوجه الإعلاني للفترة من 2012-2013 الذي قام بادارته من خلال شركته البنمية، Sunpex Corporation Inc، أثناء لعبه مع ريال مدريد.
وأكد ممثل اللاعب دي ماريا لـ”الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” أن اللاعب أنشأ Sunpex وباع حقوق الوجه الإعلاني للشركة عام 2009. وتظهر الوثائق المسربة أن الشركة استمرت في كسب الدخل من حقوق دي ماريا في الوجه الإعلاني حتى بعدما دفع الغرامة. وفي آب/ أغسطس 2017، وقع اتفاقية لتحويل دخل الرعاية الخاص بشركة أديداس الرياضية إلى Sunpex.
تظهر السجلات أن العلامات التجارية الأخرى تفاوضت مع شركة دي ماريا في الخارج للترويج لمنتجاتها. في كانون الأول/ ديسمبر 2014، وافقت Sunpex على صفقة رعاية لدي ماريا، الذي كان لاعباً في مانشستر يونايتد، مع العلامة التجارية اليابانية للمشروبات الرياضية YOU. C1000. مقابل ذلك قام دي ماريا بتصوير إعلان تجاري في مانشستر مع زميله في الفريق آنذاك روبن فان بيرسي، ونشره على وسائل التواصل الاجتماعي وتقديم قمصان موقعة، وافقت وكالة التسويق التي أنتجت الإعلان على دفع مبلغ 150 ألف دولار لشركة Sunpex.
وقال ممثل دي ماريا لـ”الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” إن اللاعب أنشأ Sunpex بناء على توصية من “متخصص ضرائب” وقال إن الكثير من اللاعبين الأجانب الآخرين في إسبانيا نصحوا بإنشاء شركات خارجية لاستلام إيرادات حقوق الصورة.
بموجب القانون الإسباني، فإن ما لا يقل عن 85 في المئة من الأموال التي يكسبها اللاعب من ناديه هي راتب يخضع لضريبة الدخل الشخصي. ويمكن تصنيف الباقي على أنه دخل حقوق الوجه الاعلاني ويتم فرض ضرائب عليه بمعدل أقل في كثير من الأحيان. وقد حاولت الحكومة الإسبانية اتخاذ إجراءات صارمة ضد الرياضيين وغيرهم من المشاهير الذين يحولون تلك الأموال من خلال الشركات في الملاذات الضريبية.
ووصف جورج تيرنر، المدير التنفيذي لمؤسسة TaxWatch، وهي مؤسسة بحثية بريطانية تدرس الامتثال الضريبي، استراتيجيات حقوق الصورة أن الإستراتيجيات التي اتبعها دي ماريا بشأن حقوق الوجه الإعلاني بأنها محاولة لفصل المنفعة الاقتصادية عن الشخص المسؤول عنها، قائلاً إنه من الأهمية بمكان أن تتذكر الجهات الرسمية المنظمة لذلك أن الاثنين لا ينفصلان.
وقال: “إن الأمر ليس كما لو أن حقوق الوجه الإعلاني موجودة من تلقاء نفسها بدون اللاعب”.
بيرني إيكلستون وفلافيو برياتوري، متسوقا السلع الفاخرة
استخدم مشاهير الشركات التي تنشأ في دول الملاذات الآمنة لشراء اليخوت أو الطائرات الخاصة. بيرني إيكلستون، الرئيس التنفيذي السابق للمجموعة التي تشرف على بطولات سباقات السيارات المعروفة بـ”فورمولا 1″، وفلافيو برياتوري، المالك السابق لفريق رينو F1، قاما بشراء نادٍ لكرة القدم في لندن.
واستخدما شركة مسجلة في جزر فيرجن البريطانية، وهي “ساريتا كابيتال إنفستمنت” Sarita Capital Investment، لشراء فريق كرة قدم كوينز بارك رينغرز Queens Park Rangers، عام 2007 بمبلغ 28.2 مليون دولار. في ذلك الوقت، كان النادي مديناً ولم يلعب في الدوري الإنجليزي الممتاز لأكثر من عقد من الزمان.
واجه كلا الرجلين في السابق تفتيشاً على تعاملاتهما المالية الخارجية. حيث قام إيكلستون بتسوية تحقيق دام تسع سنوات من قبل السلطات الضريبية في المملكة المتحدة عام 2008 ودفع 100 مليون دولار لإنهاء قضية رشوة في ألمانيا عام 2014. ونفى ارتكاب مخالفات في الحالتين، والتي تضمنت مزاعم تتعلق بصناديق الائتمان الخارجية لعائلته.
عام 2018، أدين برياتوري بعدم دفع 5.5 مليون دولار كضرائب مستحقة على يخت يقول الادعاء إنه يملكه من خلال شركة خارجية. واستأنف برياتوري الحكم. وأمرت المحكمة ببيع اليخت، واشتراه إيكلستون في مزاد علني بمبلغ 9 ملايين دولار.
برياتوري وإكلستون ليسا الثريين الوحيدين ممن يملكون فرق كرة قدم من خلال شركات مسجلة خارج المملكة المتحدة. في تقرير صدر عام 2018 حول الملكية المسجلة في دول الملاذات الآمنة لهذه الرياضة، وجدت “شبكة العدالة الضريبية” Tax Justice Network، أن ما يقرب من واحد من كل أربعة أندية في إنكلترا واسكتلندا لديه حصص ملكية كبيرة خارج المملكة المتحدة.
وقال تيرنر إن نقل ملكية النادي إلى الخارج هو امتداد للثروة المتنامية لكرة القدم. وأوضح أن “الأندية استولى عليها فاحشو الثراء ممن لديهم بالفعل شبكة شركات في دول الملاذات الآمنة”.
كانت هذه الشبكة متورطة عندما اعتزم إيكلستون وبرياتوري إلى بيع حصتهما في النادي عام 2011. في نهاية المطاف أشترى توني فرنانديز، مؤسس AirAsia ومالك فريق اللوتس السابق في سباق الفورمولا 1، النادي من خلال شركة ماليزية، ولكن الوثائق المسربة عن الفترة التي سبقت البيع تكشف عن حجم امتلاك نادي كوينز بارك لكيانات خارجية.
وتشمل الملفات المسربة ورقة “شروط البيع” من شباط/ فبراير 2011 التي وافقت فيها شركة مقرها جيرسي، Exelixi Ltd، على شراء أسهم إيكلستون وساريتا كابيتال للفريق (كانت أسهم برياتوري جزءاً من حصة ساريتا).
وشملت الصفقة المقترحة أيضاً شراء القروض التي قدمت للنادي من قبل إيكلستون وساريتا وأربع شركات خارجية أخرى- مقرها ملاذات جزر العذراء البريطانية وقبرص وديلاوير في الولايات المتحدة.
رسم تالف لشركات “الاوفشور” المملوكة لشركة QPR
لا تكشف الوثائق ماذا حدث لهذه الصفقة أو من يملك LtdExelixi. فرنانديز قال لـ”الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين: عبر الهاتف إن لا علاقة له بـLtd Exelixi ولم يكن يمتلك أي شركات في جيرسي. لكن البيانات المالية لنادي كرة القدم تظهر أن فيرناديز استخدم في نهاية المطاف شركته الماليزية، التي تسمى الآن QPR Asia Sdn. Bhd، لشراء أسهم إيكلستون وساريتا والاستيلاء على قروض النادي.
كما أن الملفات لا توضح إذا ما كان إيكلستون وبرياتوري قد حققا أرباحاً من عملية البيع. لكن النادي كان يحقق خسائر كل عام خلال فترة امتلاكهما إياه، وفقاً للتقارير السنوية للنادي.
يقول خبراء الضرائب إن مثل هذه الخسائر قد يمكن تعويضها من خلال ما حصل عليه اكلستون وبرياتور من إيرادات شخصية وما تم تخفيضه من فواتير ضرائبهم.
وقال تيرنر “في الواقع، فإن ما يقومون به هو حمل دافعي الضرائب على دعم ملكيتهم للنادي”.
في مقابلة هاتفية مع “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، لم يتمكن إيكلستون من تقديم تفاصيل محددة عن ساريتا كابيتال أو شراء وبيع النادي. وقال إنه تورط في ذلك كـ”خدمة” لبرياتوري وإن اسمه كان يستخدم في المقام الأول لجذب مستثمرين ومديرين إضافيين إلى النادي.
كما قال الملياردير البالغ من العمر 90 سنة، إن برياتوري ومستثمرين آخرين كانوا أكثر تفاؤلاً بشأن آمال النادي الرياضية. وقد لعب نادي “كوينز بارك رينغرز” ثلاثة مواسم في الدوري الإنكليزي الممتاز خلال العقد الماضي لكنه احتل المركز الأخير في موسمين منها.
وقال إيكلستون لـ”الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”: “الوحيد الذي لم يكن متحمساً جداً لكرة القدم هو أنا، لأنني واقعي”.
ولم يرد برياتوري على طلبات “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” المتكررة للتعليق.
جاكي شروف، مستفيد من بوليوود
استفاد نجم بوليوود الهندي والمنتج السينمائي من صندوق في دول الملاذ الآمنة، جنباً إلى جنب مع ابنته كريشنا، وابنه جاي “تايغر” وهو أيضاً ممثل.
أنشأت حماة شروف، كلود ماري دوت دي كافي، التي توفيت عام 2010، مؤسسة صندوق الإعلام ومقرها نيوزيلندا عام 2005. أوردت الملفات المسربة فاتورة من الوصي وهي مجموعة لندن الائتمانية، مقابل تأسيس هذا الصندوق وإدارته.
الكثير من المشاهير الموجودين في أوراق باندورا هم إما مستفيدون أو مبتكرو صناديق ائتمان في دول الملاذات الآمنة، والتي يمكن استخدامها لحفظ الأصول لمصلحة أبنائهم وأحفادهم بعيداً من جباة الضرائب.
وتشمل الوثائق المسربة “مذكرة رغبات” تستند إلى مناقشات بين شروف والشركة المشرفة على الصندوق. ووفقاً لتلك الوثيقة، سعى شروف إلى اعتباره المستفيد الرئيسي من صندوق الإعلام، مشيراً إلى أن “احتياجاته يجب أن تكون ذات أهمية قصوى”. ودعا إلى “استثمار أي أموال لتعظيم العائدات، حتى لو كان من خلال اتخاذ درجة أعلى من المخاطر”.
مذكرة رغبات جاكي شروف؟
قال تيرنر إن المستفيدين الذين يحاولون ممارسة تأثير في إدارة الصندوق ينتهكون الحدود الأخلاقية.
وقال تيرنر ” مفتاح الثقة هو أن يمارس الأمناء استقلالية حقيقية بشأن ادارتهم الأصول المعنية”. تصبح الثقة إشكالية عندما لا يكون هذا الاستقلال موجوداً إلا على الورق”.
وقالت عائشة، زوجة شروف، لصحيفة “الإنديان إكسبريس”، الشريك الإعلامي في “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، إنها وزوجها “ليس لديهما أي علم على الإطلاق بأي مؤسسة من هذا القبيل”.
تظهر السجلات أنه تم إغلاق صندوق الإعلام عام 2013.
شارك في التحقيق: ميا زوكركانديل (الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين)، ماركوس غارسيا ري (الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين)، كيفن هول وأنطونيو دلغادو (ميامي هيرالد)، ريتو سارين وسانديب سينغ (إنديان إكسبريس)، خواكين كاستيلون (لا سيكستا)، دانييلي غراسو (إل بايس)، موريشيوس موتش (سودوتشه تسايتونغ)، بينيديكت سترونز (NDR)، ديفيد كون وسيمون غودلي (الغارديان)، ليو سيستي وباولو بيونداني (L’ESPRESSO)، إيفان رويز (Infobae)
درج
—————————–
وثائق باندورا :عائلة بوغربال… ملوك الصيد وشركات “الأوف شور”/ السالك زيد
التهرب الضريبي، وإخفاء الأموال من خلال شركات “أفشور” ليس من الأمور التي يتم الحديث عنها في موريتانيا، لكن وبحسب وثائق باندورا تبدو عملية معروفة عند الكثير من رجال الأعمال، ويعمل بها سراً.
عام 1974 رزق رجل الأعمال مولاي عباس بوغربال وزوجته ريتا، بابن أطلقا عليه مولاي عبد العزيز، وذلك في مدينة لينينغراد الروسية التي تعرف حالياً بـ”سانت بطرسبرغ”.
انتقل الأب بابنه من المدينة التي تقع على دلتا نهر نيفا في روسيا، وتعد ثاني أكبر مدينة روسية، إلى مدينة نواذيبو، التي تقع على شاطئ المحيط الأطلسي وهي ثاني أهم مدينة في موريتانيا وتعتبر العاصمة الاقتصادية للبلد، وموطن السفن والصيد وأنواع الأسماك الأغلى عالمياً.
في العاصمة الاقتصادية نواذيبو بدأ مولاي عباس بوغربال الأب، مزاولة الاستثمار في السمك ومشتقاته، ليلتحق به مولاي عبد العزيز بوغربال الابن، لكن الأخير أضاف إلى استثماراته مجال كرة القدم.
ارتبط اسم الابن مولاي عبد العزيز باسم والده من أول شركة “أوف شور” تم إنشاؤها عام 2005، حيث تقاسما أسهمها، لكن الابن تطور بعد ذلك، ليقف مع نفسه في كل الشركات الأوف شور التي يؤسسها بعد ذلك.
نكشف في هذه التحقيق الذي أعد بالتعاون مع “الاتحاد الدولي للصحافيين”، من خلال مشروع وثائق باندورا، عن أعمال عباس وعبد العزيز بوغربال، ابتداء من مذكرة توقيف دولية ضد الأب، وتحويلات مالية بملايين الدولارات إلى جنات ضريبية يقوم بها الابن.
رجال بين عشية وضحاها يقفزون من عاطلين من العمل، إلى قمة رواد الاستثمار والأعمال، ومؤسسات تابعة للدولة، تنهب ميزانياتها رويداً رويدا حتى تتدهور وتعلن إفلاسها.
ارتبط مولاي عباس بوغربال بعلاقة قوية مع الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، المتابع حاليا قضائيا بتهم من بينها الإثراء غير المشروع وغسيل الأموال.
عام 2018 وشحه بوسام فارس في نظام الاستحقاق الوطني، خلال فعاليات تخليد الذكرى 58 لاستقلال موريتانيا.
وكرمته الاتحادية الوطنية لكرة القدم، بعدها بعام، في حفل تقديم جوائزها السنوية، بصفته أحد أكبر داعمي كرة القدم محلياً.
نسج عباس بوغربال علاقات وطيدة بأهل النفوذ في مجال السياسة وكرة القدم، وقدم نفسه للموريتانيين بصفته رجل الأعمال الوطني، الذي يساهم في تحسين الاقتصاد وامتصاص البطالة ومساعدة المواطنين.
إضافة إلى كونه لعب دوراً كبيراً في مساعدة نظام ولد عبد العزيز، في كل الانتخابات التي خاضها، مقدماً الدعم المالي لحزب النظام، مع عدد من رجال الأعمال المقربين من الرئيس والباحثين عن الحفاظ على مصالحهم.
لكن خلف هذه الصورة الجميلة التي يعمل عباس بوغربال على صنعها عند سكان نواذيبو خصوصاً، والموريتانيين عموماً، وتروجها مواقع إخبارية موريتانية، هناك صورة أخرى مختلفة تماماً، لا يعرف الموريتانيون عنها كثيراً، بل إن كثراً منهم نسوها في ظل توهجه في مجال المال والأعمال والسلطة.
مطلوب دولياً
تعود بداية ظهور اسم عباس بوغربال في موريتانيا بقوة، إلى عام 2004 حينها كان يدير “شركة تطوير الصيد” في مدينة نواذيبو، وكان أنشأ شركة قبل ذلك وهي SEPH 1998، يشغل ابنه مولاي عبد العزيز بوغربال منصب مديرها العام، وهي مختصة في صنع دقيق السمك.
عام 2006 حصل على قرض لشركته SEPH بمبلغ 4 ملايين دولار، من صندوق الأوبك للتنمية، وذلك لتوسيع عمليات مصنع تجهيز الأسماك، مع الاستحواذ على عدد من سفن الصيد، ويشكل هذا القرض جزءاً من تمويل بقيمة 9.5 مليون دولار أميركي.
وقع الاتفاقية بين الصندوق والشركة مولاي عبد العزيز بوغربال، بوصفه مديراً لها.
تظهر الوثائق التي حصل عليها “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” وشاركها مع أكثر من 600 صحافي يعملون في 117 دولة، من بينها موريتانيا، أن عباس بوغربال قام قبل 16 عاماً بالاستيلاء على ثلاث سفن صيد تعود ملكيتها للاتحاد الروسي وذلك في آب/ أغسطس 2004 بالتحديد، وكانت هذه السفن تعمل في المياه الإقليمية الموريتانية.
السفن هي Captain Kononov وYuozas Aleksonis وTrawlmeister Mogutov، وتؤكد الوثائق ملكيتها لروسيا الاتحادية.
قام مولاي عباس بوغربال في أيار/ مايو 2005 ببيع السفن إلى شركة Oceanos Shipping Corp ومقرها في بليز في أميركا الوسطى، على رغم وجود قرار من المحكمة العليا الموريتانية، بتجميد قضية السفن، حتى تحديد ملكيتها النهائية.
وفي 16 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه، راسل مكتب المحاماة الذي يمثل روسيا الاتحادية الشركة، يحذرها من المعاملات غير قانونية بخصوص السفن، المتنازع عليها قضائياً.
لكن الشيء الذي اكتشفناه أثناء التحقيق في هذا الموضوع، كان مثيراً للانتباه، إذ تكشف الوثائق أن الشركة التي اشترت السفن، وحذرها مكتب المحاماة من ذلك، يمتلك رجل الأعمال عباس بوغربال 50 في المئة من أسهمها.
قبل بيع السفن بعام، أي في 29 تشرين الأول/ أكتوبر 2004، قام Kadim Tsakalov وهو روسي الجنسية في لاس بالماس بتوقيع طلب دمج شركات “أوف شور” في دولة بليز في أميركا الوسطى وهي من الملاذات الضريبية المعروفة.
تم دمج ثلاث شركات وهي OCEANOS SHIPPING CORP وNEOMATIC S.L. LTD وKappa International LTD برأسمال بلغ 50 ألف دولار، يتقاسم عباس بوغربال أسهم الشركة بالتساوي مع ابنه مولاي عبد العزيز بوغربال.
أوصلت روسيا الاتحادية قضية السفن، إلى المحاكم في دولة “بليز” حيث مقر الشركة التي يتقاسم أسهمها عباس وعبد العزيز، وتخضع لقانون الشركات في بليز.
استطاعت روسيا أن تصدر مذكرة توقيف دولية من الانتربول، ضد رجل الأعمال مولاي عباس بوغربال، على إثر قضية الاستيلاء على السفن، بحكم من محكمة مقاطعة لومونوفكسي، بتهمة الاحتيال.
مولاي عبد العزيز بوغربال
يشارك مولاي عبد العزيز والده في الكثير من أعماله، إذ يحضر اسمه مرافقاً لاسمه في بعض الوثائق المتعلقة بشركات “أوف شور”، وفي ملفات شركات داخل موريتانيا عاملة في مجال الصيد.
غير أن مولاي عبد العزيز، أضاف إلى الاستثمار في مجال الصيد، الاستثمار في مجال كرة القدم.
يمتلك مولاي عبد العزيز بوغربال نادي “أف سي نواذيبو” وهو أحد أكبر وأقوى الأندية في الدوري الموريتاني الأول لكرة القدم، وهو يوفر أعلى رواتب للاعبين.
وفر للنادي جهازاً فنياً أجنبياً متكاملاً، وهو النادي الوحيد في موريتانيا الذي استطاع أن يكون جهازه الفني من خارج البلد.
هذا الدعم الكبير جعل النادي يشارك في منافسات قارية للأندية، ويخوض معسكرات تدريبية في تركيا وإيطاليا وبلدان أخرى، وهو الأمر الذي لا تحلم به معظم أندية الدرجة الأولى في موريتانيا، بسبب ضعف الموارد وغياب التمويل.
اهتمام مولاي عبد العزيز بناديه وتوفير الدعم المادي له، جعلاه الأكثر تتويجاً بلقب الدوري الموريتاني الأول، إضافة إلى فوزه مرات عدة بكأس رئيس الجمهورية.
الإنفاق على النادي ليس سوى واجهة، تتوارى خلفها أعمال أخرى من بينها إنشاء شركات “أوف شور” وإرسال الأموال إلى جنات ضريبية.
بشكل معلن، يدير مولاي عبد العزيز شركتين، الأولى يمتلكها والده وهي SEPH أما الثانية فهي Omaurci SA التي تعمل في مجال دقيق السمك، ومقرها في نواذيبو، تقدر أرباحها بـ27.72 مليون دولار أميركي.
لكن مولاي عبد العزيز يدير شركات أوف شور بشكل غير معلن، وذلك للحصول على حسابات مصرفية في جزر العذراء، أحد الملاذات الضريبية في أوروبا.
تكشف الوثائق التي قمنا بمراجعتها، أن مولاي عبد العزيز عمل ابتداء من 2017 على الحصول على حسابات مصرفية لشركات “أوف شور” في بنك VP bank Switzerland.
بداية شركات الأوف شور التي يملكها مولاي عبد العزيز كانت بـVeiga traiding and seafood inc، وذلك عام 2017. في تقديم طلب إنشاء الشركة، أكد مولاي عبد العزيز أنه يريد حيازة حساب مصرفي في VP Bank من أجل إيداع مبلغ يتراوح بين 350 و400 مليون دولار.
وعام 2018، دفع مولاي عبد العزيز آلاف الدولارات لشركة trident trust وذلك لإنشاء شركات “أوف شور” أخرى وهي:
Marca Services SA وFrenso Trading inc وProfifish meal and oil S.A وTrenso Traiding inc.
هذه الشركات بحسب الوثائق كانت من أجل الحصول على حسابات مصرفية، لكل منها مبلغ محدد، حيث حدد لشركتي Marca Services وTrenso Traiding مبلغ 200 مليون دولار لكل حساب مصرفي.
امتلك مولاي عبد العزيز إلى جانب والده مولاي عباس قبل إنشاء هذه الشركات، شركة “أوف شور” في بليز عام 2005 وهي FINEMORE INVESTMENTS TRADING CORPORATION، وتم تسجيلها في هذا العنوان 35 Barack Road Beliz City وهو العنوان الذي يحمل عشرات شركات “الأوف شور” من مختلف الدول، لأصحاب التهرب الضريبي.
الفساد في موريتانيا
“سنسهر على مواصلة محاربة الفساد، واستحداث آليات قانونية للقضاء على الرشوة والممارسات المخلة بالحكامة الرشيدة”.
هكذا تعهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في خطابه يوم تنصيبه عام 2014 للمرة الثانية رئيساً للجمهورية الإسلامية الموريتانية.
إلا أن وثائق باندورا التي عملنا على تحليلها وتقصي أخبارها، كشفت عن ارتباطه الوطيد بكل رجال الأعمال الذين وردت أسماؤهم في الوثائق، بل إنه استغل سلطته لمساعدة بعضهم في الحصول على عقود عمل كبيرة، وإنشاء شركات عملاقة.
الفساد هو الوباء الذي يجعل موريتانيا في صف الدول الفقيرة في العالم، على رغم ثروتها الطبيعية الكبيرة، مثل الحديد والذهب والسمك وغيرها، هكذا يقول كل مواطن في البلد المنعزل عن العالم في أقصى شمال غربي القارة السمراء، على شاطئ المحيط الأطلسي.
رجال بين عشية وضحاها يقفزون من عاطلين من العمل، إلى قمة رواد الاستثمار والأعمال، ومؤسسات تابعة للدولة، تنهب ميزانياتها رويداً رويدا حتى تتدهور وتعلن إفلاسها.
وآخرون يخفون رؤوس أموالهم في جنات ضريبية بعيداً من أعين الحكومات وإدارة الضرائب.
حالة ساهمت في تصنيف موريتانيا عام 2019 في المرتبة 137 عالمياً في مؤشر الفساد، خلف لبنان وأمام جزر القمر، لتقفز قليلاً عام 2020 إلى المرتبة 134.
التهرب الضريبي، وإخفاء الأموال من خلال شركات “أفشور” ليس من الأمور التي يتم الحديث عنها في موريتانيا، لكن وبحسب وثائق باندورا تبدو عملية معروفة عند الكثير من رجال الأعمال، ويعمل بها سراً.
يعتبر المحامي سيد المختار سيدي أن اللجوء إلى الملاذات الضريبية ليس جريمة بحد ذاته، إلا أن هذا العمل قد يصاحبه إخفاء جنسية الشركة وهو ما يعتبر جريمة في القانون الجنائي للشركات والقانون الضريبي.
ويؤكد سيد المختار أن التحويلات المالية للعملة الصعبة، إذا لم تحترم قواعد النزاهة المصرفية، تعتبر فعلاً إجرامياً تترتب عليه إثارة المسؤولية الجنائية والمدنية.
تجاهل كل من عباس بوغربال ومولاي عبد العزيز بوغربال الرد على الأسئلة التي وجهناها إليهما عبر البريد الإلكتروني، حول المتابعة الدولية للأب وتهمة التحايل التي اتهم بها، وعن سبب إنشائهما هذه الشركات في جنات ضريبية.
عدنا إلى المحامي سيد المختار سيدي، حول موضوع الشركات خاصة إذا كانت وهمية، فأشار إلى أنها تعتبر تزويراً وتهرباً ضريبياً.
أما وزير العدل في عهد الحكومة الانتقالية التي حكمت عام 2005 محفوظ ولد بتاح، وهي الفترة التي اتهم فيها مولاي عباس بوغربال بالاحتيال وصدرت ضده مذكرة دولية، فقد نفى لنا علمه بهذه القضية:
“لا علم لي بقضية من هذا القبيل تعني رجل الأعمال الذي ذكرت”.
كمحاولة يائسة للحصول على إجابة راسلنا مولاي عبد العزيز بوغربال عبر الهاتف و”واتس آب،” لكنه واصل تجاهل الرسائل.
درج
——————————–
“باندورا” العراق وخميس الخنجر: على قدر أهل “العزم” تأتي الوثائق/ رامي الأمين
لماذا اشترك الخنجر مع آل السلفيتي في تسجيل شركات في جنّات ضريبيّة، وتحديداً جزر العذراء البريطانيّة، عوضاً عن تسجيلها في الدول التي يمارسون فيها أنشطتهم الاستثماريّة والتجاريّة المعروفة؟
حلّ العراق ثالثاً، بحسب وثائق “باندورا”، في عدد شركات الـ”أوف شور” التي أسستها شركة “ترايدنت تراست” بـ85 شركة، بعد لبنان الذي حلّ أولاً بـ346 شركة، وبريطانيا الثانية بـ151 شركة، فيما حل الأردن في المرتبة الرابعة بـ77 شركة. والعراق، “حديث النعمة” في عالم الفساد وإخفائه في الجنّات الضريبية، لكن يبدو أنه بدأ يأخذ “مكانته” بين الدول الأكثر انخراطاً في هذا المجال، فيما يغرق أكثر فأكثر في الفساد والهدر.
يكشف هذا التحقيق الذي أعد بالتعاون مع “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” ICIJ من خلال وثائق باندورا Pandora papers، عن تورّط السياسي ورجل الأعمال العراقي المثير للجدل خميس الخنجر، الذي كانت تربطه علاقة مميزة بعائلة صدام حسين ويخوض الانتخابات النيابية العراقية المقبلة في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر، داعماً وممولاً للوائح تحمل شعار “العزم”، في إنشاء شركات وتسجيلها في جزر العذراء البريطانية، وعلى رغم أنّ تأسيس شركات “أوف شور” هو عمل قانوني، إلّا أنّه كثيراً ما يكون مخرجاً إمّا للتهرّب الضريبي أو لأعمال “مشبوهة”، إذ إنّ جزر العذراء البريطانية BVI تعتمد معايير عالية للسريّة.
اليوم يخوض الخنجر عبر تحالف “العزم” الإنتخابات البرلمانية العراقية في العاشر من تشرين أول/اكتوبر المقبل، في وجه حزب “تقدّم” الذي يقوده رئيس مجلس النواب الحالي محمد الحلبوسي.
“…يؤدّي إلى أمراض خطيرة ومميتة”
في تسعينات القرن الماضي لم يكن شائعاً بعد التعبير المكتوب الذي يتصدّر منتجات التبغ ويحذّر من أن “التدخين يؤدي إلى أمراض خطيرة ومميتة”. كان التدخين حينذاك مادة إعلانية دائمة على وسائل الإعلام، لكنه كان في كواليس التهريب والأسواق السوداء “يؤدي إلى الفساد وتبييض الأموال”. في تلك المرحلة من التسعينات، برز اسم خميس خنجر، حين كان نظام صدام حسين “خطيراً ومميتاً”. اقترن اسم خنجر بعدي صدام حسين، وكان، بحسب عارفيه، الموزع الرئيسي لماركة سجائر تدعى “ميامي” تصنّعها شركة “الاتحاد للسجائر” ومقرها دبي. وكتبت وسائل إعلام في سيرته المنشورة هنا وهناك، أنه عُرف بجمع ثروته من خلال العمل في تهريب التبغ والدخان مع عدي، وأنه غادر العراق عام 1996 ووسّع أعماله بعد سقوط النظام البعثي عام 2003، لتشمل أنشطة في مجالات التصنيع والمصارف والخدمات المالية والعقارات التجارية والسكنية، في أماكن مختلفة من الشرق الأوسط وأوروبا وشمال أفريقيا.
بعدما فرضت الولايات المتحدة الأميركية عقوبات عليه بتهم الفساد في كانون الأول/ ديسمبر 2019، وصفته وزارة الخزانة الأميركية في بيان بأنه “رجل أعمال عراقي ومليونير يتمتع بقوة كبيرة على الصعيدين الإقليمي والدولي”. وأكد البيان، نقلاً عن مسؤول سابق رفيع المستوى في الحكومة العراقية، أن “تأثير الخنجر يرجع في معظمه إلى رغبته وقدرته على استخدام ثروته لرشوة الآخرين”، واتهمه بيان وزارة الخزانة بأنه “قدّم مبالغ كبيرة من المال لشخصيات سياسية عراقية من أجل حشد الدعم وتأمين تعيين أحد مرشحيه لمنصب داخل الحكومة العراقية”.
عام 2015، أصدرت محكمة عراقية أمرا بالقبض على الخنجر، المتحدر من مدينة الفلوجة، وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب وقرر القضاء العراقي في حينه أيضاً حجز الأموال المنقولة وغير المنقولة للخنجر، بعد اتهامه بدعم الإرهاب. وكانت له مواقف حينها “متعاطفة” مع مقاتلي تنظيم “داعش”، قبل أن يتراجع عنها ويعمل على تمويل مقاتلين سنّة تدرّبوا في تركيا، قوامهم ثلاثة آلاف مقاتل، لمحاربة تنظيم “داعش”. ونادى في تلك الفترة، مستنداً إلى ثروته، بإقامة منطقة حكم ذاتي سنّي في العراق، على غرار كردستان. كما يوصف اليوم بأنه رجل قطر الأول في العراق، وهو على علاقة جيدة مع إيران.
اليوم يخوض الخنجر عبر تحالف “العزم” الإنتخابات البرلمانية العراقية في العاشر من تشرين أول/اكتوبر المقبل، في وجه حزب “تقدّم” الذي يقوده رئيس مجلس النواب الحالي محمد الحلبوسي. يحدث ذلك في ظل تساؤلات تطرح في الشارع العراقي عن القوة التي تسمح للخنجر بخوض الإنتخابات علانية، وهو متهم بالفساد من الخزانة الأميركية وبالإرهاب من القضاء العراقي. في البيان الذي أصدرته بعد فرض عقوبات عليه، شرحت وزارة الخزانة أسباب إدراجه على لوائح العقوبات، وذلك لتورّطه في “تقديم المساعدة المادية أو الدعم المالي أو المادي أو التكنولوجي للفساد أو تزويده بالبضائع أو الدعم، بما في ذلك اختلاس أملاك الدولة ومصادرة الأصول الخاصة لتحقيق مكاسب شخصية والفساد المتعلق بالعقود الحكومية أو استخراج الموارد الطبيعية أو الرشوة”.
شبهات حول التهرّب الضريبي
من دون هذه الاتهامات وغيرها الكثير التي تحوم حول شخصية الخنجر، لما كان ظهور اسمه في “وثائق باندورا” ليثير الشبهات، خصوصاً أن شركات “الأوف شور” بحد ذاتها ليست مخالفة للقوانين، وإن كانت تستخدم في معظم الأحيان من أجل التهرب الضريبي وتبييض الأموال وإخفائها بعيداً من العيون. واسم الخنجر ظهر في الوثائق في أكثر من موضع، ومع التدقيق في الشركات التي يمتلكها أو تلك التي يمتلك اسهماً فيها، أو تربطه علاقة شراكة بأصحابها، يتبيّن أن الرجل لديه باع قديم في تسجيل شركاته في جزر العذراء البريطانية، خصوصاً في عمله المرتبط بتجارة السجائر.
وتظهر الوثائق المسرّبة وجود شركة باسم Union cigarettes limited “الاتحاد للسجائر المحدودة” ومقرّها دبي، وهي شركة “أوف شور” مسجّلة في جزر العذراء البريطانية، كان يديرها (حتى عام 2010) خميس الخنجر، مع ولده سرمد، وشريكان آخران هما فيصل السلفيتي وخالد يوسف أحمد الشخاتري. وهذه الشركة التي تأسست بحسب المستندات في كانون الأول/ ديسمبر 2004، مع مديرين آخرين بينهم رجل الأعمال الأردني الراحل رجائي السلفيتي (توفي عام 2013)، والد فيصل، تعزز الفرضيات الشائعة حول جمع الخنجر لثروته من تهريب السجائر.
خضعت الشركة، المؤسسة عام 2004، لنقل أسهم أكثر من مرة إلى شركات أخرى أنشئت في جزر العذراء البريطانية، إذ تظهر الوثائق، في مراسلة يعود تاريخها إلى كانون الثاني/ يناير 2010، مستندات موقّعة من رجائي سلفيتي وخميس الخنجر، لنقل أسهم في “الاتحاد للسجائر” من شركاء إلى آخرين، وتحديداً من أشخاص إلى شركات مسجلة في جزر النعيم الضريبي، بينهم شركة Family union investment limited، والتي يتبين أنها مملوكة من آل السلفيتي، وشركة Aldar investment limited، والتي يتبين انها مملوكة من خميس خنجر وابنه سرمد. وفي مراسلة تعود إلى حزيران/ يونيو 2017، يتبين انه تم نقل أسهم شركة “الاتحاد للسجائر المحدودة”، من ملكية شركة Family union، وهي كانت شريكاً أساسياً في شركة الاتحاد للسجائر مع شركاء آخرين بينهم شركة Aldar investment limited، إلى ملكية شركة في جزر الكايان تدعى RS OVERSEAS، ليتبين أنها مملوكة بشكل أساسي من أولاد رجائي سلفيتي طارق، فيصل وزيد.
الوثائق تظهر أن الشركة انتهت إلى أن تكون مملوكة بالكامل من RS OVERSEAS أي من أولاد السلفيتي الأردنيين، ولم نستطع معرفة مصير الشراكة بين خميس خنجر وآل السلفيتي بعد عام 2017، مع إشارة لا بدّ منها إلى أن ابن خميس خنجر، سرمد، يحمل جواز سفر أردنياً (يعطى لرجال الأعمال ولا يسمح له بالتصويت)، وهناك معلومات متداولة، لم نستطع التأكد منها، عن أن خميس خنجر أيضاً يحمل بدوره جواز سفر أردنياً.
أسئلة معلّقة
حاولنا عبر مراسلة السيّدين عصام السلفيتي، شقيق الراحل رجائي، وطارق السلفيتي، أحد الشركاء الأساسيين في شركة RS OVERSEAS، أن نستفسر عن سبب فتح هذه الشركات في جزر الجنات الضريبية، فيما يتشدد الأردن في ملاحقة المتهربين من الضرائب، وعن طبيعة العلاقة التي تربطهما بخميس الخنجر، وما اذا كانت الشراكة لا تزال قائمة، خصوصاً مع وجود معلومات متداولة في الإعلام عن شراء الخنجر أسهماً في بنك “الاتحاد” التابع للعائلة، والذي يديره عصام السلفيتي، لكننا لم نحصل على ردّ من السيد طارق، وقال السيد عصام إنه “خارج المملكة وأعود في 11 من الشهر الحالي”.
أما السيد خميس الخنجر، فأرسلنا له رسالة على رقمه الخاص، بعدما أخبرنا أحد المرشحين على لائحته أنه لا يستخدم “الإيمايل”، لكنه بدوره لم يجب على اتصالاتنا، لتبقى اسئلتنا معلّقة: لماذا اشترك الخنجر مع آل السلفيتي في تسجيل شركات في جنّات ضريبيّة، وتحديداً جزر العذراء البريطانيّة، عوضاً عن تسجيلها في الدول التي يمارسون فيها أنشطتهم الاستثماريّة والتجاريّة المعروفة؟ هل لا تزال الشراكة قائمة بين الخنجر وآل السلفيتي؟ وما طبيعتها؟ هل فعلاً يمتلك الخنجر أسهماً في بنك “الاتحاد”؟
مفارقة أخيرة: أثناء إعداد هذا التحقيق، وضع رئيس تحالف “العزم” خميس الخنجر على حسابه على “فايسبوك” صورة تجمعه في القصر الحكومي في بيروت برئيس وزراء لبنان نجيب ميقاتي الذي يرأس بدوره تياراً يحمل اسم “العزم”. كلاهما للمفارقة متورّط في تسجيل شركات مشبوهة في الجنات الضريبية كما تكشف وثائق “باندورا”. وهذه المفارقة تغري باللجوء إلى شطر من بيت شعري لأبي الطيب المتنبي مع القليل من التصرّف: “على قدر أهل العزم تأتي الوثائق…”.
درج
—————————————
وثائق باندورا: ماذا وراء إثراء إحدى زوجات الزعيم الكازاخستاني نور سلطان نزارباييف/ بقلم : فياتشيسلاف أبراموف وميراندا باتروتشيتش وإيليا لوزوفسكي
OCCRP – مشروع تتبع الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود وشركاؤه
شارك اثنان ينتميان إلى أقليات عرقية في كازاخستان ومعروفان بقربهما من “زعيم الأمة” في ترتيبات خارجية معقدة انتهت بدفع 30 مليون دولار بشكل غامض لزوجته الثالثة غير الرسمية.
كشفت وثائق خارجية مسربة أن الزوجة الثالثة غير الرسمية لرئيس كازاخستان السابق نور سلطان نزارباييف تلقت 30 مليون دولار مقابل عمل لا شيء تقريباً بحسب ما كشفت تسريب وثائق شركات “أوف شور”.
لم يتم تأكيد علاقة أسيل كورمانباييفا Assel Kurmanbayeva بـ”زعيم الأمة” – وهو لقب يحمله نزارباييف مدى الحياة- أو رفضها بشكل رسمي. لكن شائعات انتشرت حول وضعها كزوجة غير رسمية له، منذ فوزها في مسابقة ملكة جمال كازاخستان عندما كانت مراهقة عام 1999. وأظهرت صور جوازات سفر ابنيها المسربة إلى المواقع الإخبارية أنهما يستخدمان اللقب “نورسلطانولي”، بحسب العادة في كازاخستان لأبناء رجل اسمه نور سلطان.
تبلغ كرمانباييفا الآن 40 سنة، وهي المديرة الفنية لمؤسستين للرقص تابعتين للدولة، وتملك شركات كثيرة عاملة في الباليه والرقص الوطني. ولكن مهما كان الدخل الذي تجنيه من عملها الثقافي فإنه ضئيل مقارنة بالثروة التي حصلت عليها من الدائرة الداخلية العميقة لنزارباييف.
دفع مبلغ 30 مليون دولار بعد سلسلة عمليات نقل الأسهم التي شملت ست شركات خارجية، جميعها، باستثناء واحدة مسجلة في جزر العذراء البريطانية (BVI). كانت العملية ستظل مخفية إلى الأبد لأن المنطقة تعتبر ملاذاً سيئ السمعة للعمليات السرية عابرة الحدود، لولا أوراق باندورا.
كشفت وثائق خارجية مسربة أن الزوجة الثالثة غير الرسمية لرئيس كازاخستان السابق نور سلطان نزارباييف تلقت 30 مليون دولار مقابل عمل لا شيء تقريباً بحسب ما كشفت تسريب وثائق شركات “أوف شور”.
تم تسريب ملايين الوثائق الخارجية إلى “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” ICIJ وتمت مشاركتها مع “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود” OCCRP وشركاء إعلام آخرين حول العالم، ووفرت رؤية أفضل حول كيفية استخدام الأشخاص أصحاب النفوذ والأثرياء، الشركات الوهمية السرية لنقل الأموال.
وفي قضية كورمانباييفا، تكشف الوثائق تورط رجلين لطالما تردد أنهما من ضمن الحلقة الاكثر قرباً من نزارباييف: القطب الأليغاركي فلاديمير ني وفلاديمير كيم، وهما جنيا ثروتيهما من قطاع الموارد الطبيعية المعروف بالفساد في كازاخستان.
تمت هيكلة أو ترتيب المبلغ المدفوع بقيمة 30 مليون دولار إلى كورمانباييفا على أنه عملية بيع، إذ تخلت عن حصتها في شركة غامضة في جزر العذراء البريطانية، لكن يبدو أن هذه الشركة لا تمارس أي نشاط تجاري. استلمت كورمانباييفا المال بعد شهرين من وفاة فلاديمير ني عام 2010 من شركة استولت عليها ابنته؛ وكان فلاديمير كيم شاهداً على عملية الاستلام.
تواصل الصحافيون مع نزارباييف وكيم وعائلة ني وكورمانباييفا للتعليق على هذه القصة. لكن لم يرد أي منهم على طلبات التعليق.
ولادة ثروتين
يمكن تعقب مصادر ثروة ني وكيم ونفوذهما، إلى نتائج خصخصة الموارد المعدنية الهائلة في كازاخستان والتي غيرت شكل اقتصاد البلاد في التسعينات، وخلقت فئة جديدة من الرجال الأقوياء الذين تربطهم صلات بنزارباييف.
كان ني، الذي يشار إليه في كثير من الأحيان باليد اليمنى للرئيس وينظر إليه، على نطاق واسع، على أنه ثاني أقوى رجل في البلاد، هو الأكبر والأكثر نفوذاً بين الأقليتين الحاكمتين حتى وفاته.
ولد ني، وهو من أصل كوري، في روسيا السوفياتية وانتقل إلى كازاخستان عندما كان شاباً للعمل في الحكومة. وفي منتصف الثمانينات، شغل منصب مساعد نزارباييف عندما أصبح الرجل الأكبر سناً رئيس وزراء هذه الجمهورية السوفياتية.
وظل ني قريباً من الهرم بعد استقلال البلاد، حيث كان مسؤولاً أولاً عن جدول مواعيد نزارباييف وغيره من الشؤون الرئاسية الإدارية، ثم لاحقاً إدارة الممتلكات التابعة للجهاز الرئاسي.
وقد وضعه ذلك بالقرب من مركز السلطة في الوقت الذي دخلت فيه شركات التعدين في كازاخستان الحقبة السوفياتية لسيطرة القطاع الخاص. ويقال إن ني قاد في منتصف التسعينات عملية خصخصة لشركة Zhezkazgantsvetmet، إحدى شركات التعدين الرائدة في كازاخستان- بما في ذلك بيع حصة لشركة “سامسونغ” Samsung الكورية متعددة الجنسيات.
وخلال هذه الفترة، فتح ني باب الشركة أمام كيم، تلميذه الأصغر سناً. ومن المحتمل أن الرجلين يعرفان بعضهما بعضاً منذ الحقبة السوفياتية كجزء من الطائفة الكورية العرقية المتماسكة في كازاخستان .
بعدما تحولت الشركة إلى “كازاكميس” Kazakhmys، وهي شركة تعدين عملاقة خاصة إلى حد كبير، تقاعد ني من الخدمة الحكومية وانضم إلى مجلس إدارتها. وبحلول عام 2000، كان كيم الذي تتلمذ على يده قد وصل إلى آفاق جديدة، ليصبح رئيساً للشركة ورئيساً لمجلس الإدارة. (قام الرجلان في وقت لاحق بتبديل الأماكن، وأصبح ني رئيساً بدلاً عن كيم).
بدأت كل من “سامسونغ” والحكومة الكازاخستانية بيع أسهمهما في “كازاكميس” Kazakhmys عام 2001، من دون الكشف عن المشترين حتى جاء عام 2005، عندما طرحت أسهم “كازاخميس” Kazakhmys للاكتتاب العام في لندن. وبعد سنوات، استخدمت “غلوبال ويتنس” Global Witness، وهي مجموعة مدنية لمكافحة الفساد، هذه المعلومات لاكتشاف أن كيم كان أكبر مساهم فيها، إذ يمتلك نحو 39 في المئة من الأسهم.
لم يشرح كيم قط كيف تمكن من توفير الأموال لشراء حصة بهذا الحجم.
قال كيم في إحدى مقابلاته النادرة عام 2007: “بالطبع، لم يعطني أحد أسهماً في كازاكميس Kazakhmys. لقد بدأت في شرائها منذ البداية، لأنني كنت أؤمن بنجاح الإصلاحات التي أجراها رئيسنا”.
ومع ذلك، قدم كيم هدية سخية لمعلمه. وعام 2006، تبرع كيم بحصة قدرها 2.5 في المئة في الشركة لني، مقابل “خدماته العظيمة للشركة”. وقدرت قيمة هذه الحزمة بـ135 مليون جنيه استرليني.
“أنت أكبر من الطائرة”
سلط تسجيل صوتي سري نُشِره عام 2007 صهر نزارباييف السابق، راحات علييف، الضوء على العلاقة بين رئيس كازاخستان آنذاك وكبار رجال الأعمال في البلاد.
تم الكشف عن هذه القصة في تقرير منظمة “غلوبال ويتنس“. وتشير الأصوات التي سمعت في التسجيل، وكذلك الطريقة التي يخاطب بها المتحدثون بعضهم بعضاً، إلى أن المحادثة كانت بين نزارباييف وني وكيم.
في التسجيل، سُمع كيم وهو يقنع الرئيس بأن طائرة “إيرباص A330” التي اشتروها له كانت مناسبة له. يعترض الرئيس: “إنها كبيرة للغاية”.
يجيب كيم: “نور سلطان أبيشيفيتش، أنت نفسك أكبر من الطائرة!”.
يتابع قائلاً: “لقد تم شراؤها بالفعل. هل لي أن أطرح عليك سؤالاً؟ هل تحب الطائرة؟”.
يقول نزارباييف: “بالطبع أفعل. لكنها كبيرة للغاية”.
يجيب كيم: “نور سلطان أبيشيفيتش، دع الرؤساء الكازاخستانيين المقبلين يستخدمون طائرات أصغر”. “لدينا رئيس واحد، دعه يطير في طائرة أكبر. ستكون هذه الطائرة مثل طائرة بوتين”.
وبعد نشر التسجيلات، قال ني وكيم للصحافيين إن التسجيلات مزيفة وأضافا أن شركتهما، “كازاكميس”، اشترت الطائرة لاستخدامها الخاص، وأنهما باعاها بعد ذلك إلى الحكومة.
قصة الـ30 مليون دولار الغامضة
كما هو شائع بالنسبة إلى الأثرياء جداً من هذا الجزء من العالم، امتلك كيم وني عدداً من الشركات في الخارج لأسباب مختلفة، بعضها غير معروف.
ولكن واحدة منها ذات أهمية خاصة: في تموز/ يوليو 2008، أصبح ني المساهم في شركة مسجلة في جزر فيرجن البريطانية تسمى “إي إم إي إس القابضة للتمويل” Holding & Finance EMES (التي شارك فيها كيم أيضاً). وبشكل غير متوقع، كانت شريك ني في هذه الشركة امرأة تبلغ من العمر 27 سنة، غير معروفة بامتلاكها أي ثروة كبيرة: كورمانباييفا، زوجة نزارباييف الثالثة غير الرسمية.
لم يعرف عن “إي إم إي إس” EMES أنها قامت بأي عمل تجاري أو أنها تمتلك أي شيء ذات قيمة، وكان الغرض من تسجيلها غير واضح. ولكن يبدو أنه تم اتخاذ خطوات لإبقائها سراً. بعد ذلك بأسابيع استحوذت على شركة خارجية عامة أخرى، :لادرا سيرفيسز” Ladra Services، التي تم نقل أسهم كورمانباييفا في “إي إم إي إس” EMES إليها.
وعلى مدى العامين التاليين، تغير تكوين مساهمي شركة “إي إم إي إس” EMES مرات عدة لأسباب غير واضحة. وبحلول آذار/ مارس 2010، كانت شركة “إي إم إي إس” EMES مملوكة لشركتين خارجيتين: شركة “لادرا للخدمات” التابعة لكورمانباييفا، وأخرى مملوكة لشركة ني.
عندما توفي ني في أيلول/ سبتمبر، يبدو أن الترتيبات كانت قد وصلت إلى نهايتها. فبعد شهرين فقط من وفاته، دفعت شركة أخرى في جزر فيرجن البريطانية تدعى Godel Partners لكورمانباييفا 30 مليون دولار مقابل شراء شركة “لادرا سيرفيسز” Ladra Services (وحصة 50 في المئة التي تملكها في إي إم إي إس EMES).
على عكس الشركات الأخرى في هذه القصة، يحتوي هيكل ملكية غودل Godel، على طبقة إضافية من السرية. كانت الشركة مملوكة من قبل شركة وصاية أو إشراف، nominee، مصممة بشكل صريح لتكون مالكاً لمئات الشركات والإبقاء على سرية ملكيتها.
ومع ذلك، هناك ثلاثة أدلة منفصلة تربط ني وكيم وكورمانباييفا:
كان كيم شاهداً على الصفقة: توقيعه وتوقيع كورمانباييفا، ظاهران على الوثيقة.
عندما تم حل غوديل Godel بعد 7 سنوات، كان من بين مالكيها المستفيدين فيكتوريا ابنة ني وزوجها.
بعد نحو عامين من شراء “لادرا سيرفيسز” Ladra Services من كورمانباييفا، تخلت الشركة عن أسهمها في “إي إم إي إس” EMES – التي انتقلت إلى شركة مملوكة لابنة ني.
باليه وقاعة حفلات
على رغم أن قرب كورمانباييفا من زعيم الأمة معروف منذ سنوات، إلا أنه لم يتم تناول حياتها في الصحافة الكازاخستانية إلا نادراً.
من الناحية العملية، يفترض أن المعلومات الوحيدة المتاحة جاءت من راحات علييف، الزوج السابق لابنة نزارباييف الكبرى، داريغا، والذي كان موجوداً بالفعل في المنفى عندما يُعتقد أنه نشر صوراً لجواز سفر كورمانباييف وأطفالها أثناء نزاعه مع عائلة نزارباييف. (توفي علييف في سجن نمساوي عام 2015، انتحاراً كما يُزعم).
كانت المرة الأولى والأخيرة التي شوهدت فيها كورمانباييفا ونزارباييف علناً في المكان ذاته عندما كانت من ضمن مئات الذين حضروا آخر خطاب سنوي له إلى الأمة كرئيس في مقر إقامته عام 2018.
لكن سجلات الشركة الكازاخستانية تظهر أن الرئيس وزوجته الثالثة غير الرسمية كانت لهما أيضاً علاقات تجارية.
كما اتضح، كانت كورمانباييفا مؤسسة شركة “أستانا باليه” Astana Ballet عام 2012.
ووفقاً لموقع المجموعة على شبكة الإنترنت، فقد تأسست “بمبادرة من الرئيس الأول لجمهورية كازاخستان، نور سلطان نزارباييف”. واستحوذت مؤسسته على الشركة بعد أقل من عام، ثم نقلتها إلى الحكومة. لا تزال كورمانباييفا تعمل مديرة فنية لها.
والغريب أن مؤسسة نزارباييف تعاملت أيضاً مع كورمانباييفا في مشروع مختلف تماماً. لمدة شهرين عام 2013، كانت تمتلك شركة تسمى “أستاو” Astau أسستها كورمانباييفا عام 2006. ثم أصبحت مالكتها مرة أخرى.
تمتلك الشركة وتدير قاعة احتفالات ومنتجعاً صحياً وصالون تجميل في وسط مدينة نور سلطان.
من خلال مراجعة سجلاتها الضريبية، فإنها لا تقوم بأي أعمال تجارية تذكر. لكن حسابها على “إنستاغرام” يظهر قاعة حفلات متلألئة وضيوفاً سعداء وأطباقاً مملوءة بالطعام.
درج
—————————
لماذا سميت “باندورا”؟/ فاطمة ياسين
تكون الثروة مشكلة أحيانا، ليس بكيفية الاستمتاع بها بل بكيفية إخفائها، ويرغب كثير من الأثرياء حول العالم بوضع ستار كثيف حول ثرواتهم والطريقة التي ينفقون بها الأموال، وقد يزداد الحرص على إبقاء الثروات بعيدة عن الأعين إذا كان مصدرها مشبوها أو مشكوكا فيه.. السياسيون غالبا يندرجون ضمن فئة المشكوك بمصادر ثروتهم، فالمفترض أن يكون السياسي منكبا على عمله في إدارة البلاد ولا يوجد لديه مزيد من الوقت لتكوين ثروة، وفي حال ظهرت لدى هذا السياسي أموال أو أعلن عن وجودها بشكل أو بآخر، يقفز اسمه إلى الواجهة وتنتشر حوله التساؤلات والانتقادات، أما بالنسبة لسياسيي بلدان العالم الثالث فهم مرشحون طبيعيون ليكونوا ضمن فئة الأثرياء الراغبين بإخفاء الثروة أو الاستمتاع بها بعيدا عن أعين الفضوليين والحاسدين!.
أحدث جولة من جولات التسريب الفضائحي، أطلق عليها أصحابها اسم أوراق “باندورا”، فقد استطاع مجموعة من الصحفيين الوصول إلى أوراق شركات تقوم بكل أعمال البيع والشراء وفتح الحسابات والمتاجرة عوضا عن مالكي الثروة الحقيقيين، وتتخذ هذه الشركات مكاتب لها في دول فيها إعفاءات ضريبية كبيرة، لذلك يلجأ الأثرياء لمثل هذه الشركات ليقوموا بأعمالهم في الخفاء وبعيدا عن الأعين أو ليهربوا من الضرائب في بلدانهم الأصلية، ويفاخر ناشروا هذه الوثائق وهم “الاتحاد الدولي لصحفيي التحري”، بأن مجموع هذه الوثائق يبلغ نحو 12 مليون وثيقة، فيما لو مسحت ضوئيا ستشكل ملف “PDF” حجمه 3 تيرا بايت، ويصر موقع هؤلاء الصحفيين على أن معلوماتهم مجانية ولكن من يريد أن يتبرع لهم يمكنه ذلك، مع ذكر طريقة التبرع بالتفصيل، وعند ضغط أي زر في الموقع تنطلق لك نافذة جانبية تذكرك بالتبرع..
تقول الخلاصة التي نتجت عن الإبحار في هذا الكم المهول من الوثائق بأن الكثير من قادة الدول والموظفين الحكوميين والمليارديرات متورطون، وأسماؤهم واردة في الوثائق، بسلوكيات متنوعة ما بين التهرب الضريبي أو إخفاء الثروة، أو شراء عقارات أو ممتلكات بعيدا عن أعين الناس، وترد أسماء دول عربية وبعض قادتها ممن رُبطت أسماؤهم بمبالغ ليست كبيرة فيما لو تمت مقارنتها بالأرقام الضخمة التي تذيعها مجلة فوربس الأميركية بشكل سنوي! وتصر الخلاصة على أن الأعمال والسلوكيات الواردة في هذه الوثائق ليست ممنوعة كليا، فيمكن للإنسان أن يوكل شركة أو شخصا بالقيام بعمل ما، ويمكنه أيضا أن يتحرك ماليا عبر دول لا تطبق الضرائب، وهذه ما فعله رئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير، ولكن هذا العمل قد يكون مدانا أخلاقيا فهو يحرم البلدان الأصلية من ضرائب تساعد ميزانيتها وصندوق مدفوعاتها.
“باندورا” هو اسم لسيدة بحسب الميثيولوجيا اليونانية كانت أول امرأة بشرية، كلف زيوس مساعده هفستوس بصنعها لمعاقبة بروميثيوس الذي أخطأ وسرق نارا أعطاها للإنسان ليساعده على حياته الأرضية. صنع هفستوس تمثالا لامرأة فأعطته أفروديت الجمال ليمنحها إياه، وأثينا أعطته الثياب ليلبسها لها، وهرمز أعطاه قوة النطق وجمال الحديث ليجذب كلامها كل من تخاطبه، كما أعطوها الفضول والمكر، ودزينة من الفضائل البشرية لتتمكن من العيش، وأرسلوها لتتعرف على بروميثيوس ولكن بروميثيوس كان ذكيا، فعرف أن وراء باندورا فخا كبيرا، وتجاهل جمالها وأدار لها ظهره، فتعرفت على شقيق بروميثيوس الذي كان رجلا لطيفا ووسيما، تقرب منها وطلب يدها، وقبل أن يتم الزواج أعطوها جرة مغلقة وأوصوها بعدم فتحها مهما كانت الأسباب وبعد أن تم الزواج لم تقاوم باندورا الفضول، ففتحت الجرة لتتسرب منها كل شرور العالم! لكنها لم تعاقب على فعلتها لأن فتح الجرة كان هو هدف زيوس الأساسي وقد تحقق! ويعتقد ناشرو الوثائق أنهم بفتحهم صندوق الوثائق سينشرون شرا كبيرا، لكن قد يرى بعض المهتمين بتلك المعلومات فائدة مضافة، وبالتالي ليست شرا، وقد يكون إطلاق هذا الاسم عليها غير موفق، فهذه الوثائق تهم شعوبا ترغب في التعرف على معدن زعمائها الحقيقي، وعلى وجه التحديد شعوب تلك الدول التي يتم اختيار القادة فيها بطريقة ديمقراطية، بينما ذات المعلومات لن تفعل شيئا في بلدان العالم الثالث، فمن المعروف أن القادة فاسدون بشكل طبيعي، ومعظمهم لم يوجد في مكانه القيادي دون خاصية الفساد.
————————-
====================
تحديث 07 تشرين الأول 2021
—————————
إدارة الوقاحة والتوحش/ علي سفر
به جيرار ريل رئيس الاتحاد العالمي للصحفيين الاستقصائيين إثر ظهور “وثائق بنما” في العام 2016. وفعلاً لم يتوقف عمل هذا التحقيق المستمر حتى الآن، إذ بعد الخطوة التالية التي كانت “وثائق الجنة” في العام 2017، تظهر الآن “أوراق باندورا”، لتضيف ضلعاً جديداً، للإطار المحيط بمشهد الفساد حول العالم.
آنذاك، وبعد نشر التحقيق الأول، ارتفع الأدرينالين في دم الصحفيين، وهم يرون كيف تُظهر أقلامهم وأبحاثهم الحقائق، من أجل الإطاحة بشركاء الفساد، لكن سرعان ما تبددت الآمال، حينما لم يتغير شيء، ولم تودي الوقائع المثبتة بأي أحد إلى العقاب!
وحينما ظهرت الدفعة الثانية من الوثائق في العام التالي، بدا أن سقف التوقعات قد انخفض كثيراً!
وها نحن نشهد ردود الأفعال على التحقيق الثالث، حيث ترتفع عقيرة المتضررين منه بالبيانات الصارخة المنددة والساخطة، على الصحفيين وعلى تحقيقهم هذا، الذي بات كما ورد في بعض التصريحات “يهدد الأمن المحلي، والاستقرار، والسلم الأهلي”!
تتكثف مرافعات المتضررين بفحوى تقول: إن هذه الوثائق تجاوزٌ للسياسات المعتادة، وخرق للحدود المرسومة، وخروج عن القواعد الموضوعة، التي تجعل عامة الناس، يحترمون الخاصة، أي القادة والسياسيين والوزراء، ويخشونهم، ويرهبون أفعالهم.
وفي بواطن الاعتراض يسأل هؤلاء: “كيف يسمح اتحاد الصحفيين الاستقصائيين هذا، لأفراده، بأن يقتربوا من الحقوق الطبيعية للزعماء والسياسيين؟ أيظن ناشرو هذه الأوراق أنهم سيؤثرون على حقوق أصحاب الملايين في شراء العقارات، والسعي لعدم دفع الضرائب من خلال تسجيلها بأسماء هذه الشركات”؟!
ولعل أفدح ما تفصح عنه هذه الردود هو أن أصحابها يعتقدون أن ما فعلوه جزء من “الخاص والعادي”، الذي لا يجب على أحد النظر فيه، أو الحديث بشأنه!
يذكرني ما يحدث هنا، بكتاب “إدارة الخجل” الذي سبق أن أهملت الاطلاع عليه بسبب عدم الاهتمام، حيث جال عنوانه في رأسي كثيراً، وأوصلني إلى السؤال: ألا يخجل هؤلاء من أنفسهم، وهم يقفون بين عتبة التهرّب الضريبي، وعتبات أخرى أشد قتامة، كتبييض أموال التجارات الممنوعة، والفساد السياسي، ثم يخرجون على الناس، بتصريحات يدافعون فيها عن أنفسهم؟!
لقد باتوا ظاهرة عالمية، وامتداداً جغرافياً وسياسياً، تحالفت فيه نخب دولية مع أخرى “عالم ثالثية”، وبقايا أنظمة مستبدة شبه متهالكة، وأخرى ناهضة اقتصادياً. فضلاً عن دول شيوعية محكومة بأنواع من البرجوازيات البيروقراطية والطفيلية وغيرها، مع الكارتلات العملاقة لتجارة المخدرات والسلاح والدعارة والجريمة المنظمة (المافيا).
يترابط هؤلاء مع بعضهم في شبكة مستترة، فيتساندون، طالما أن المصالح العميقة واحدة. رغم أنهم على السطح يظهرون كمتنافرين، لا يمكن لهم أن يتلاقوا بأيّ حال من الأحوال!
المعترضون على فضائح “باندورا” في الواقع، لم يقوموا بإدارة خجلهم، أو حتى وقاحتهم، ففي عالم المال المكتسب من خلال الهيمنة على مصائر الشعوب، والتحكم بالأموال العامة، وبيع موارد الدول الفقيرة إلى الشركات العابرة للقارات، لا يسمح السياق بالتفكير بهذه الطريقة، التي تبدو مستوردة من عالم الأخلاق، والحقوق والواجبات، حيث لا حاجة للتعاطي مع الصحفيين ومحاولاتهم الوصول إلى الحقائق ونشرها أمام الجمهور، لأنهم غير مؤثرين ببساطة!
فطالما أن القانون العام السائد في كل أصقاع المعمورة هو أن يرتكب المجرمون جرائمهم، أمام أعين الجميع، وأن تكون أقصى ردود الأفعال هي توجيه النظر بعيداً عما يجري، فإن الإفلات من العقاب، لن يكون مخجلاً، لا بل إنه سيضيف إلى كلمة الوقاحة، كلمة أخرى هي “التوحش”!
نبضات الدماء في العمل الصحفي الذي يسعى لكشف فساد النخب الحاكمة والمسيطرة، في الواقع الراهن، تبدو غير مؤثرة، ولا تؤدي إلى التغيير الذي ينشده أصحابها، بعد أن بلغ تحالف النخب الحاكمة شأواً كبيراً، يجعلها ترى هذه التحقيقات على أنها مجرد ترهات، لا تعطل اقتصاداً أسود، ولا تقطع طريقاً محمياً بقوى الأمن وبالجيوش!
تبعاً لهذا، نرى كيف يزداد منسوب التوحش حول العالم، وكيف تستعر خطواته، حيث يصبح قتل البشر مجرد تفصيل على هامش ترسيخ السيطرة، والاستيلاء على الموارد، من أجل خدمة المصالح!
لا يمكن ههنا وضع نموذج صارخ أو مثال محدد يدل على ما يجري، لقد بلغ الأذى الذي يستهدف البسطاء والمقهورين درجة عامة غير مسبوقة، فأينما ولى المرء وجهه، سيعثر على كوارث مشتعلة!
لا تستطيع جهود اتحاد الصحفيين الاستقصائيين الإحاطة بها كلها، خاصة أن عدم الترحيب به، تجاوز منع أفراده من العمل ليصل إلى قتلهم كما جرى في حالة الصحفية والمدونة البارزة دافنه كاروانا غاليزيا، التي تم اغتيالها في العام 2017، بعد أن ساهمت في تحقيق “وثائق بنما” بالكشف عن تورط زوجة رئيس الوزراء المالطي في فضائح مالية.
حادثة لن تنسى، تستهدف في البداية والنهاية جوهر عمل الصحفيين الذين يقارعون الجهات العامة والخاصة محلياً ودولياً، التي بات لسان حال تحالفها الفاسد، يفصح وبكامل توحشه، عن كراهية معلنة للعمل الصحفي الاستقصائي، وللقائمين عليه.
تلفزيون سوريا
—————————
“وثائق باندورا”.. ماريو بارغاس يوسا مالكًا رئيسيًا لشركة “أوفشور”/ مصطفى ديب
لم تقتصر تحقيقات “وثائق باندورا”، التي كشفت عن ثروات سرية ضخمة وعمليات تهرب ضريبي وغسيل أموال، على الشخصيات السياسية والاقتصادية فقط، بل شملت أيضًا عددًا من المشاهير في مجالات فنية وترفيهية مختلفة، مثل المغنية الكولومبية – اللبنانية شاكيرا، والبريطاني جون إلتون، واﻹسباني خوليو إغليسياس، وعارضة اﻷزياء اﻷلمانية كلوديا شيفر، وعازف الدرامز السابق في فرقة “بيتلز” رينغو ستار، وآخرين غيرهم ممن أظهرت المستندات المسربة، التي قدِّرت بنحو 12 مليون مستند، تورطهم في إخفاء ملايين الدولارات عبر شركات “أوفشور”، بهدف التهرب الضريبي.
إلى جانب هذه اﻷسماء، حضر أيضًا الكاتب والروائي البيروفي ماريو بارغاس يوسا، الذي ورد اسمه في “وثائق بنادورا” بصفته المالك الرئيسي لشركة “ميلك للاستثمارات” (Melek Investments)، وهي شركة “أوفشور” مسجلة في جزر العذراء البريطانية، أحد أشهر الملاذات الضريبية في العالم، سنة 2015.
استخدم ماريو بارغاس يوسا هذه الشركة، وفقًا لما جاء في الوثائق، ﻹدارة عائداته من حقوق نشر أعماله اﻷدبية، وبيع عقاراتٍ مختلفة في العاصمة اﻹسبانية مدريد، والبريطانية لندن. ورغم دقة مضمون الوثائق، نفت “وكالة كارمن باسيلس اﻷدبية”، المسؤولة عن تمثيل يوسا، امتلاك اﻷخير للشركة، حيث ذكرت في تصريح لصحيفة “إل باييس” اﻹسبانية، أن الروائي البيروفي لم يكن مقيمًا في إسبانيا أو البيرو، البلدين اللذين يحمل جنسيتهما، عندما أُنشأت الشركة. وأن المحفظة الاستثمارية التي أطلع سلطات الضرائب اﻹسبانية على مضمونها، بعد انتقاله إلى اﻹقامة في إسبانيا عام 2017، كانت باسمه وليس باسم شركة “ميلك للاستثمارات”.
وأضافت الوكالة في تصريحاتها، أن الشركة عبارة عن “هيكل مالي”، أنشأه بنك الاستثمار اﻷمريكي “Jefferies Group LLC”، المسؤول عن إدارة استثمارات يوسا، بعد طلاق اﻷخير من زوجته السابقة باتريشيا يوسا ﻷسبابٍ تتعلق بالخصوصية. كما وأشارت أيضًا إلى أن الشركة المذكورة في “وثائق باندورا”، أدارت ولمدة قصيرة محفظة استثمارية، أسهم وسندات، فقط. وأنها، رغم فك جميع الارتباطات بينها وبين استثمارات يوسا، واصلت العمل بالاسم نفسه.
لا تنفي تصريحات “وكالة كارمن باسيلس” امتلاك الروائي البيروفي للشركة فقط، بل تؤكد أيضًا أن لا علم لها بها، وأنها أدارت بعض شؤونه المالية لمدة قصيرة تحت إشراف “Jefferies Group LLC”. وهذا بالضبط ما تنفيه الوثائق التي حصلت عليها صحيفة “إل باييس”، من “OMC Group”.
تكشف الوثائق عن وجود شركة “ميلك للاستثمارات” منذ نحو 6 سنوات. إلا أن اﻷهم من ذلك، هو العثور على جواز سفر يوسا وتوقيعه، إلى جانب عنوان سكني في مقاطعة بارانكو في العاصمة البيروفية ليما قدّمه بنفسه، بين رسائل البريد اﻹلكتروني والملفات التي تحتفظ بها شركة “OMC” حول شركة “ميلك”. وبحسب الوثائق التي حصلت عليها الصحيفة اﻹسبانية، تشير المحادثات المتبادلة بين محاميّ مجموعة “OMC”، ونظرائهم في مجموعة “RBC” ﻹدارة الثروات، إلى أن إنشاء شركة “ميلك للاستثمارات” كان ضروريًا لفتح حساب مع مجموعة شركات “Jefferies”. وأن يوسا احتاج إلى رسالتي توصية طلبتهما منه مجموعة “OMC”، للتوقيع على إنشاء شركة “ميلك للاستثمارات”.
وقعت ليانا هـ بلات، وهي نائبة رئيس إدارة الثروات في “Jeffeeries”، على التوصية اﻷولى التي قدّمت فيها معلومات كافية حول يوسا. وهو ما فعلته أيضًا وكيلته اﻷدبية، كارمن باسيلس، التي وقعت على رسالة التوصية الثانية المؤرخة في تموز/ يوليو 2015، قبل وفاتها بمدة قصيرة. مما يعني أن الروائي الحائز على جائزة نوبل للآداب، كان مطَّلعًا على جميع تفاصيل إنشاء شركة لـ “أوفشور” الخاصة به.
والملفت للانتباه، وفق ما ذكرته الصحيفة، أن هذه ليست المرة اﻷولى التي تظهر فيها وثائق تكشف امتلاك ماريو بارغاس يوسا لشركات “أوفشور” في ملاذات ضريبية مختلفة، حيث ذكر الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائين “ICIJ”، برفقة صحيفة “Süddeutsche Zeitung” اﻷلمانية في عام 2016، استنادًا إلى ما كشفته تحقيقات “وثائق بنما”؛ أن يوسا وزوجته السابقة، باتريشيا، رتبا ﻹنشاء شركة “أوفشور” عبر شركة المحاماة البنمية “Mossack Fonseca”، عام 2010.
يدفعنا ما كشفته “وثائق باندورا”، إلى استعادة شخصية زوجة الدكتاتور في رواية يوسا الشهيرة “حفلة التيس”، ذلك أن أول ما فكرت به اﻷخيرة بعد اغتيال زوجها، هو تهريب أموالها إلى خارج البلاد بعدما عرفت، بحدسها، أن عهد أسرتها في حكم الدومينكان قد انتهى، وأن أفضل ما تفعله اﻵن هو القفز من الجمهورية بالمال، بدلًا من الخروج منها بخفي حُنين.
يقوم بالاغير، “الرئيس الدمية” كما كان يُلقب، كونه قضى سنوات طويلة يلعب دور الواجهة التي لا تحل ولا تربط، بهدف الحفاظ على شكليات الديمقراطية في بلاد تقوم وتقعد بإمرة الرئيس تروخيو، الحاكم الفعلي للبلاد؛ بمساعدة اﻷرملة على تهريب أموالها بعدما رأى في ذلك أول خطواته السياسية الذكية باتجاه حكم البلاد فعليًا هذه المرة. بينما رأت اﻷرملة في مساعدته فرصة لها كي تنجو بما يمكن النجاة به. السؤال الذي يحضر هنا: هل قرر يوسا، حين أنشأ شركة “أوفشور” خاصة به من أجل التهرب الضريبي، اتخاذ خيار شخصية من شخصيات رواياته؟
الترا صوت
—————————
===================
تحديث 08 تشرين الأول 2021
——————–
وثائق باندورا: كيف أخفى فريد بجاوي ملايين الدولارات عن العدالة الجزائرية والإيطالية؟/ الياس حلاس
أخفى فريد بجاوي عشرات ملايين الدولارات في صناديق ائتمانية بمنأى عن المحاكم الجزائرية والإيطالية وكذلك إدارة الضرائب الكندية. إذ يسمح الهيكل القانوني لهذه الصناديق بالتصرف في هذه الثروة من دون أن يكون مالكها الرسمي.
شقق في دبي ومونتريال ونيويورك، يخت فاخر صممه الإيطالي أندريا باسيغالوبو، لوحات فنية وألماس، سفر في طائرات خاصة وإيجارات باهظة الثمن في أرقى أحياء لندن. كانت حياة البذخ التي يعيشها فريد، ابن شقيق وزير الخارجية الجزائري السابق محمد بجاوي، وعائلته، تفضح أسرار ثروته التي عمل على إخفائها قبل وقوع فضائح شركة “سوناطراك” الجزائرية للنفط والغاز، منذ عام 2009 والمطاردة التي أطلقتها العدالتان، الجزائرية والإيطالية ضده.
وكشف تحقيق أوراق باندورا الذي أداره “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” (ICIJ) الذي ينتمي إليه “توالى”، عن جزء من هذه الثروة الخفية لفريد بجاوي الذي فشلت التحقيقات القضائية في الكشف عنه.
ويعتبر فريد بجاوي من أهم المستفيدين من عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر، بخاصة خلال عهدتيه الاولى والثانية. كما أن العدالة الجزائرية تباطأت في النظر في قضيته خلال العهدتين التاليتين، على رغم فتح تحقيق بشأنه. وازدهرت ثروته في جميع أنحاء العالم بفضل قربه من وزير الطاقة والمناجم السابق، المطلوب أيضاً من قبل العدالة الجزائرية، شكيب خليل. هذا الأخير، كما أشار المحققون في مكتب المدعي العام في ميلانو، يعتبره “ابنه الروحي”.
إن حساب فريد بجاوي في سنغافورة قد تم تمويله من مدخول أعمال الشركة الإماراتية “ريان” لإدارة الأصول وحسابات شخصية أخرى موطنة في بنوك أوروبية كبرى.
فقد جمع فريد بجاوي، الذي كان شريكاً لشقيقه رضا في شركة صغيرة لتجارة المواد الغذائية في كندا حيث هاجرت العائلة في التسعينات، وهي شركة كانت بالكاد توفر لهم نفقات المعيشة- أفاد رضا عن دخل سنوي قدره 75000 دولار كندي- ثروة طائلة من خلال استثماره أموال “سوناطراك”.
عام 2004، أمر شكيب خليل باستثمار ما يقارب المليار دولار من أموال “سوناطراك” في “شركة ريان لإدارة الأصول”، التي أنشأها فريد بجاوي في دبي وكانت موزعاً لصناديق الاستثمار الأميركية، “راسل”، في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ عام 2002. وتم تعزيز هذه الثروة من خلال عقود أخرى، ما دفع فريد بجاوي إلى خلق شبكة شائكة من الشركات غير المقيمة من أجل توزيع العمولات في إطار وساطته مع “سوناطراك”.
ولم يتمكن القضاة الإيطاليون، الذين عملوا على العقود التي حصلت عليها شركة “سايبام”، وهي شركة تابعة للعملاق الطاقوي “إيني”، من “سوناطراك” الجزائرية، من مصادرة هذه الأموال على رغم الجهود المبذولة في الكشف عن الحيل التي سمحت له بأخذ عمولات والكشف عن الكثير من الشركات الوهمية التي كان يستعملها كغطاء لحساباته البنكية.
بينما أكدت أوراق بنما نتائج التحقيق القضائي الإيطالي، تمت تبرئة فريد في نهاية المطاف في كانون الثاني/ يناير 2020 بعد الطعن بالحكم بالسجن الذي صدر في حقه عن المحكمة الابتدائية. إذ قام بتحريك تلك الأموال مرات عدة، مواكبة للفضائح والتحقيقات الصحافية، قبل أن يضعها في صناديق ائتمانية.
صندوق “يوغي”
جعل فريد بجاوي الصناديق الائتمانية في قلب ترتيباته المالية، فهي هيكل قانوني يسمح لك بالتصرف في ثروتك من دون أن تكون مالكها رسمياً. ويمكن أن تحتوي على صناديق ائتمانية أخرى أو تنشئ شركات باسمها، ما يجعلها مبهمة بالنسبة إلى إدارة الضرائب أو العدالة اللتين لا تملكان القدرة على متابعة تفاصيل هذه الترتيبات المالية، ويعقد مصادرة الأصول التي تشكلها.
ما معنى هذا؟ كتب تييري كريتين في مجلة “سار” ما يلي: “تسمح هذه الصناديق بالتفكيك القانوني للملكية بما يعقد ظروف تحديد المستفيدين الاقتصاديين الحقيقيين منها”. هذه المناورة تكسر سلسلة تتبع المال لتفادي السلطات الضريبية أو لخداع المحاكم أو إخفاء الديون.
ببساطة، صندوق الائتمان هو شركة يجمع فيها الشخص سندات ملكية ممتلكاته. يعهد هذا الشخص، المسمى “المستوطن” (المؤسس)، بالشركة إلى “وصي”، مع تعليمات للاستخدام. غالباً ما يكون الوصي بنكاً أو شركة لإدارة الأصول، ما يضمن استثمار الأصول المعهود بها. يتضمن هذا الترتيب أحياناً شخصاً ثالثاً، طبيعياً أو قانونياً، يسمى “الحامي” وله سلطة فصل الوصي. يعين المؤسس ومدير أمواله مستفيداً واحداً أو أكثر. من الناحية النظرية، تبقى الأمانة في يد الوصي الذي يحافظ عليها، ولكن محتواها متاح للمستفيد الذي قد يكون المؤسس نفسه، أو رفيقته، أو أطفاله، أو إخوته، أو أبناء أخيه، أو أبناء أخته ، إلخ.
وفقاً للوثائق التي تمكنا من الاطلاع عليها في إطار تحقيق “أوراق باندورا”، فإن صندوق الائتمان الرئيسي لفريد بجاوي، وهو مؤسسة “يوغي تراست”، يحمل الجنسية النيوزيلندية. كان هذا الصندوق يديره هيكل فارغ موطن في هونغ كونغ اسمه “ياسمين ليميتد”، تم تسجيله في 10 حزيران/ يونيو 2011 من قبل شركة ازياسيتي (Asiasicti) عبر فرع بنك سنغافورة في هونغ كونغ وتم حلها عام 2013. و قدرت الأصول التي جمعها فريد بجاوي في هذا الصندوق بـ18.5 مليون دولار أميركي في 2013.
وأثارت شركة ياسمين غير المقيمة اهتمام شرطة هونغ كونغ في أعقاب فضيحة “سوناطراك” في إيطاليا. وذكر أحد وكلاء مكتب ازياسيتي في سنغافورة، وهو المسؤول عن ضوابط مكافحة غسيل الأموال، في مذكرة بعث بها إلى مقر ازياسيتي أن “ياسمين ليميتد” لم تكن مستهدفة من قبل قضاة التحقيق الإيطاليين، لكنه لم يخف مخاوفه حيال الأمر.
وكتب في مذكرته: “لم تكشف مراجعة نشاط الحساب أي معاملات تتعلق بالشركات قيد التحقيق من قبل مكتب المدعي العام في ميلانو. وعلى رغم أننا لم نجد أي معاملات مشبوهة، ونظراً إلى طبيعة تحقيق شرطة هونغ كونغ والتقارير الإعلامية الأخيرة، ارتأينا أنه من المناسب لفت انتباهكم إلى هذه المسألة”. وقال أيضاً إن حساب فريد بجاوي في سنغافورة قد تم تمويله من مدخول أعمال الشركة الإماراتية “ريان” لإدارة الأصول وحسابات شخصية أخرى موطنة في بنوك أوروبية كبرى.
رضا بجاوي كواجهة لنفسه
وفقاً لوثائق “يوغي تراست”، فإن الأصول التي عهد بها فريد بجاوي كانت لمصلحته هو- مؤسس الصندوق- وكذلك عائلته. ومع ذلك، فإن الأصول الموضوعة في هذا الصندوق لا تظهر في أملاك فريد أو في ممتلكات المستفيدين الآخرين.
فريد بجاوي هو أيضاً المستفيد الاقتصادي من شركة وهمية مسجلة في ساموا تسمى “ايكون غلوبال كابيتول ليميتد” (Icon Global Capital Ltd.). قامت هذه الشركة في عامي 2011 و2012 على التوالي بتحويل 16.5 مليون دولار لزوجته رانيا دلول ومساعده الشخصي سيباستيان دودو وتحويل 6.9 مليون دولار لفريد نفسه. ووصفت آسياسيتي هذه التحويلات بأنها عمليات سداد قروض بإمكان السلطات الضريبية إعادة تصنيفها بسهولة كدخول.
كان فريد بجاوي أيضاً يدفع فواتير أخيه رضا مقابل استخدام يخته “ماكيرا” المملوك لشركة “لونغسون كابيتول انكربورايشن” (Longson Capital Inc.) والذي يعد المستفيد الاقتصادي الأخير من أصولها. صمم اليخت الإيطالي اندريا باسيغالوبو وتم تسليمه من “إيطاليوت” (Italyachs) عام 2010 مقابل 17 مليون دولار أميركي. وتم دفع تكاليف استخدامه لرضا بجاوي من قبل فريد عبر شركته غير المقيمة “جاتواي هولدينغ كوربورايشن” (Jetway Holding Corp.). وهكذا حددت “آسياسيتي” ثلاث فواتير وهمية تتجاوز 220 ألف دولار أميركي.
لقد فضح “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” بالفعل هذه المناورات، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، من خلال الكشف عن “وثائق برادايز” التي تناثرت فيها أسماء رؤساء دول وغيرهم من المشاهير والأثرياء بما في ذلك رضا بجاوي، شقيق فريد وفي الوقت نفسه “المؤسس” و”الحامي” في الكثير من الصناديق الائتمانية التي تستفيد منها العائلة. فقد أنشأت ” أبليبي” (Appleby)، وهي شركة لتسيير الأصول المالية كانت في قلب هذه الفضيحة المعروفة باسم “وثائق برادايز”، فروعاً في عشرات الملاذات الضريبية للسماح لأوصياء زبائنها بشراء ممتلكات وإخفائها بموجب النظام الضريبي لتلك الملاذات.
تقدم أوراق باندورا معلومات جديدة بشأن صندوق ائتمان رضا بجاوي “رادباد هولدينغ ليميتد” (Redbed Holdings Pte Ltd)، الذي تديره شركة غير مقيمة أخرى اسمها “ايديلتون انترناسيونال اس ا” (Idelton International SA)، وتحتوي على صناديق ائتمانية صغيرة أخرى يستفيد منها هو وعائلته. أجرى “رادباد” الذي جمع أصولاً بلغت نحو 8 ملايين دولار عام 2013، منها 4.7 مليون دولار أودعها شقيقه فريد بجاوي بين عامي 2011 و2012، تحويلات إلى حسابات إماراتية لرضا بجاوي، جزء منها موطن في بنك “ميرابو” (Mirabaud). ولقد حددنا نحو عشرة تحويلات تتراوح ما بين 100 ألف و400 ألف دولار أميركي.
تم استخدام هذا الصندوق أيضاً كأداة استثمارية لشراء شقة بأكثر من 2.6 مليون دولار أميركي. وهكذا وضع رضا بجاوي نفسه كموظف واجهة لصندوق الائتمان خاصته. وتعطي اتفاقية موظف الواجهة الخاصة برضا الحق في إدارة واستخدام هذا العقار الواقع في شيربروك في مونتريال من دون أن يكون المالك رسمياً.
مغالاة خليل
في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن يوغي ورادباد ليسا الصناديق الائتمانية الوحيدة التي جُمعت فيها الأصول العائدة لبجاوي. نذكر على سبيل المثال “لياما تروست” (Layama Trust)، الذي أنشأه فريد ووضع أصوله في البنك الصيني الخارجي (OCBC Bank) وكذلك صندوق نامور (Namour). يستفيد من لياما كل من رياض بجاوي، ماريون آدم دي فيلييه، مايا بجاوي، لارا بجاوي وإيما بجاوي. لم نتمكن من تحديد قيمة الأصول المجمعة معاً في هذا الصندوق. أما نمور، فقد أسسه في تموز/ يوليو 2010 رضا بجاوي، وهو المؤسس والحامي، لمصلحة أبنائه: باسم ومالك رضا وجان ليلى.
باختصار، يدين فريد بجاوي وإخوته الذين يتمتعون بالجنسية الثلاثية الجزائرية والفرنسية والكندية بالأصول التي جمعوها في صناديق ائتمانية بمنأى عن المحاكم الجزائرية والإيطالية التي حققت في تورط فريد، أكبر أبناء أخ رئيس المجلس الدستوري السابق (2002-2005) ووزير الخارجية (2005-2007)، محمد بجاوي، لقربهما من السياسيين النافذين في عهد الرئيس الراحل بوتفليقة.
وجاء في تقرير المحكمة الجنائية الفيدرالية السويسرية في 14 كانون الثاني/ يناير 2015، بناء على طلب جزائري للمساعدة القانونية، أن “دور الوسيط الذي لعبه فريد بجاوي في مخطط الرشوة (…) يكون قد فرضه الوزير خليل على سايبم. (…). وتمكن قضاة جزائريون من الكشف عن تحويلات استفادت منها نجاة عرفات، زوجة شكيب خليل “.
تحدث وزير الطاقة والمناجم السابق شكيب خليل على هامش أعمال المجلس الشعبي الوطني، في أيار/ مايو 2010 ، قبل أيام قليلة من إقالته في أعقاب فضيحة “سوناطراك”، رداً على سؤال حول استثمار قرابة مليار دولار عبر شركة فريد بجاوي “ريان لإدارة الأصول”، الموزع الإقليمي لشركة “راسل”، ولم يتردد في تضخيم نتائج هذا الاستثمار.
وقال خليل إن ذلك مكن الشركة من تحقيق ربح قارب 600 مليون دولار: “لقد حققنا مكاسب قدرها 600 مليون دولار من هذا الاستثمار. لقد ربحنا ما يقرب من 60 في المئة من هذه الأموال وقد تم إرجاعها”. إلا أن الأرقام المتعلقة بهذا الاستثمار الذي تم من خلال فريد بجاوي والذي أداره صندوق “راسل” بشكل مباشر، تكذب هذه التصريحات. وتشير هذه الأرقام إلى أن محفظة “سوناطراك” راكمت أرباحاً بنسبة 20.8 في المئة من “تاريخ التأسيس” في الأول من نيسان/ أبريل 2004 حتى نهاية عام 2009. أي ما يزيد قليلاً عن 200 مليون دولار في المجموع في خمس سنوات وليس 600.
لم تمنع نتائج هذا الاستثمار إقالة الوزير شكيب خليل، إذ أصبح عائقاً أمام الرئيس بوتفليقة وزمرته. وقوبلت محاولة بوتفليقة لرد الاعتبار له عام 2016 باستياء شعبي كبير. أما بالنسبة إلى عائلة بجاوي، فقد استمرت في مراكمة الأصول المالية والتمتع بها.
درج
——————–
صندوق باندورا اللبناني: أين بقية الاسماء؟/ ساطع نور الدين
الحسد شرٌ لا مفر منه، إزاء ما خرج من صندوق باندورا، الذي أعاد الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، فتحه أخيراً. أما الحرج الذي شعر به اثرياء وردت أسماؤهم فهو ليس بذي شأن، إذا ما قورن بالشرور واللعنات التي تنذر الاسطورة الاغريقية بإنطلاقها من الصندوق فور رفع الغطاء عنه.
بالتعريف، أولا، الجِنان (أو بتعبير أدق) الملاذات الضريبية، التي لجأ اليها الأثرياء من مختلف أنحاء العالم، ليست دولاً مستقلة ذات سيادة وشرعية دولية. هي محميّات خاصة، لا تُرى بالعين المجردة على خريطة العالم، لكنها تخضع لرعاية او نفوذ دولة كبرى ما. الولايات المتحدة هي الراعي الاول لمثل هذه الملاذات، تليها بريطانيا وفرنسا وغيرهما.. واللائحة تطول لتشمل محميات وهمية ليس لها وجود جغرافي أصلاً، لكنها تضم بنوكاً وشركات إستثمارات وإستشارات عالمية.
بين هذه المحميات حروب طاحنة، على كسب المتهربين من الضرائب في بلدانهم، مثل الحروب الضارية بين الدول الكبرى الراعية لهذه المحميات على جذب هؤلاء المتهربين، وتحويلهم الى مستثمرين شرعيين. وهي حروب تؤدي في بعض الحالات الى إنقلابات عسكرية، وتغييرات لأنظمة الحكم، وإغتيالات سياسية، وإنهيارات مالية، وعقوبات إقتصادية، لكنها كلها تُخاض في الغرف المغلقة للنظام العالمي السري، ولا تظهر الى العلن إلا نادراً، وبعد مرور زمن على حدوثها.
ولكي لا يقفز أحد الى الاستنتاج بأن الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، شريك في هذه الحروب، أو متواطىء مع بعض الأطراف المتحاربة، فإن الادلة والبراهين القاطعة تؤكد أنه مجرد مستفيد، من تلك الحروب العالمية الخفية، التي أشعلتها في الفترة الاخيرة، شبكات الاتصال والتواصل الحديثة، الهائلة القدرات، التي لا تعترف بالحدود الدولية، ولا تبقي سراً لأحد من بني البشر، لا سيما من ذوي الثروات.
صندوق باندورا الذي فتحه الاتحاد، قبل أيام، كان حافلاً بالاسماء المشهورة، مثلما كان غافلاً عن كثيرين سواهم. فَقَد الكشف الجديد عنصر المفاجأة الاول، وتحول الامر الى تقليد عالمي يتكرر بين الحين والآخر، معركة دولية تحتدم لسبب أو لآخر، يتمكن خلالها الاتحاد وصحافيوه الاستقصائيون القديرون، من الوصول الى المزيد من الاسرار والفضائح المالية، فيعمدون الى نشرها، وهو دليل جرأة لا شك فيها، لا سيما إذا ما إستكمل بتحقيقات ومقابلات مباشرة مع المتهمين بالتهرب الضريبي، تؤدي في بعض الحالات الى دعاوى قضائية.
في الحصة العربية من الكشف الاخير، ضعفٌ ظاهرٌ بالمقارنة مع الاسماء التي ظهرت في وثائق بنما قبل ثلاث سنوات على سبيل المثال، وهزالٌ فاضحٌ في حجم الاموال التي هُرّبت الى الملاذات الضريبية، أو التي إنفقت عبر تلك المحميات من غير وجه حق، ومن قبل زعماء ورؤساء لدول فقيرة، ومسؤولين كبار في دول متواضعة بلغت أرقام بعضهم مئات آلاف الدولارات. “فضيحة” ملك الاردن عبد الله الثاني، من هذه الامثلة.
الحصة اللبنانية، الرائدة في عمليات التهرب والتهريب، بالمقارنة مع بقية دول العالم، كانت هي الاخرى “مسيئة” الى سمعة لبنان وأثريائه الكبار، وهي لا تتناسب مع الارقام المعروفة عن عمليات التهرب والتهريب التي تمت في الاعوام الثلاثة الماضية. وهي أيضاً، قاصرة عن شمول الكثير من الاسماء “اللامعة” التي يرددها ويلعنها اللبنانيون كل ساعة. وكذا الامر بالنسبة الى ممولي حزب الله، الذين بدا أنهم إنضموا حديثاً الى نادي الأغنياء، وشرعوا في تأدية المهمة التقليدية الأولى التي يقوم بها أي ثري كل صباح، أي التهرب الضريبي. ويبدو أن فضح إسمائهم لم يكن مجرداً.
إحتل لبنان المرتبة الاولى في العالم على لائحة المهربين والمتهربين التي كشفها الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، لكنه أثبت، في الوقت نفسه، أنه كان وسيظل أكبر من أي صندوق مليء بالفضائح المالية والضريبية. والتراجيديا الاغريقية التي يعيشها شعبه اليوم، خارج الصندوق، خيرُ دليل.
المدن
————————-
==================
تحديث 09 تشرين الأول 2021
———————————
أوراق بندورا .. ماذا بعد فتح الصندوق؟/ محمد أبو الغيط
على الرغم من الأهمية البالغة والاحتفاء المستحق لتسريبات “أوراق بندورا”، إلا أن صورتها الأبعد تبدو كنداء مكرّر ينتظر استجابة لم تأتِ بعد.
العاصفة الجديدة في جوهرها نسخة مكبّرة من تسريبات “أوراق بنما” ثم “أوراق الجنة”، التي نشرها أيضا الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين عامي 2016 و2017، وكلها تكشف جوانب من العالم الخفي لشبكات الملاذات الضريبية والشركات الوهمية.
تتميز الموجة الجديدة بأنها الأقوى، من حيث ضخامة البيانات وحداثة تاريخها وأهمية الأسماء المنضوية تحتها، والتي تشمل أكثر من 330 سياسياً ومسؤولاً عاماً في 91 دولة، منهم 35 من قادة العالم الحاليين، فضلا عن مئات من رجال الأعمال وأهل الفن والرياضة، والإجرام أيضا.
شملت “أوراق بنما” تسريبا من واحد فقط من مقدّمي خدمات تسجيل الشركات الخارجية “أوف شور”، وهو شركة المحاماة موساك فونيسكا التي تعمل في بنما. أما التسريب الجديد فيشمل قطاعا أوسع بكثير يضم 14 مزوّداً، لتظهر الأسماء الخفية لملاك نحو 29 ألف شركة، وهو أكثر من ضعف ما كُشف عنه سابقا.
ومن الخليج إلى أميركا الجنوبية، مرورا بأوروبا، أتت الردود المكرّرة: لم نرتكب أي مخالفات قانونية، هذه أموالنا الخاصة، لم نقصد الإخفاء، بل نقصد مراعاة الخصوصية أو تسهيل الأعمال. ومن الناحية الإجرائية، غالبا ما يكون كلامهم صادقا، هذه ممارسات “تجنّب ضريبي” وليست “تهرّبا ضريبيا”، ولها مكاتب محاماة متخصّصة تفاخر علنا بتقديمها هذه الخدمات القانونية، لكنها تظل سُبّة سياسية وأخلاقية في وجه النظام الاقتصادي العالمي بالكامل.
الأسئلة بديهية: لماذا يدفع مواطن عادي ما يراوح بين 20% و40% من دخله كضرائب، بينما لا يدفع أمير أو وزير أو ملياردير؟ ولماذا يخرج دفق لانهائي من الأموال من الأفقر إلى الدول الغربية مرورا بصناديق وملاذات سرّية تعمل وسيطا؟ حسب دراسةٍ من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، قد يتجاوز حجم دفق الأموال عبر “الأوف شور” 11 تريليون دولار.
تكشف التسريبات أخيرا صورة مُحدثة، فقد اتخذت بعض الدول الغربية إجراءات مثل قوانين شفافة للملكيات العقارية في بريطانيا، كما مارست الولايات المتحدة ضغوطاً على بعض الملاذات، لإلزامها بتسجيل ملاك الشركات الحقيقيين، كما حدث في جزر الباهاما. لكن هذه التعديلات تفتقر إلى العدالة، فالنتيجة كانت ظهور دفق جديد يتجاوز الملاذات الوسيطة إلى الدول الغربية نفسها، مثل لوكسمبورغ وسويسرا وبعض الولايات الأميركية. على سبيل المثال، تحرّكت أموال عائلة نائب رئيس الدومينيكان السابق كارلوس موراليس من الباهاما إلى ولاية ساوث داكوتا الأميركية، والتي تضاعف حجم الأموال في صناديقها الاستثمارية أربع مرات خلال العقد الأخير، بفضل ضمانات سرّية وإعفاءات ضريبية.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أقرّت قانون “فاتكا”، الذراع الطويلة لوزارة الخزانة الأميركية، حيث تجبر بنوك العالم على الإفصاح عن أي رصيد لمواطن أميركي يتجاوز عشرة آلاف دولار، إلا أنها رفضت الانضمام إلى اتفاقيةٍ لمشاركة المعلومات حول أصول الأجانب. إذن، هو الكيل بمكيالين في الاقتصاد كما في السياسة.
وفي الواقع، يستفيد قطاع واسع من المشرّعين الغربيين بشكل شخصي من تلك الأوضاع، وكم كُشف عن ملكياتهم الشخصية المخفية، فضلا عن استفادهم من سياسة “الباب الدوّار”، فكل منهم يخطّط لما بعد تقاعده، حين يصبح عضو مجلس إدارة احدى تلك الشركات أو الصناديق الاستثمارية. “ترزية القوانين” الذين نعرفهم في بلادنا العربية موجودون في الغرب أيضا، على الرغم من أناقة حديثهم وملبسهم.
ذات يوم، كان من القانوني أن يُحرَم السود من حقوقهم المدنية في الولايات المتحدة، وأن يُمنع الأفارقة من المرور في شوارع معينة في جنوب أفريقيا. كان من القانوني أن يعمل الأطفال في مناجم إنكلترا بلا رعاية طبية، وبلا حد أقصى من الساعات حتى الموت.
تُكتب القوانين بموازين القوى، وبنضال البشر. وكما تغيّرت القوانين مرّات بفعل قوى المقاومة المنظمة الواسعة التي تستخدم الأدوات الديمقراطية من المجتمع المدني، والصحافة، والنقابات، فإن هذا الخط النضالي ما زالت عليه مسؤولية تحريك التاريخ وتغيير العالم نحو عدالةٍ أفضل، ولو قليلا.
العربي الجديد
———————————
=================
تحديث 11 تشرين الأول 2021
——————-
أثران بعيدان لثروة صدام حسين في “وثائق باندورا” / حازم الأمين
الوثائق المسربة أسقطت رؤساء وفضحت نجوماً وهزت عروشاً اقتصادية، فلماذا لا نطمح لأن تكون طريقاً لكشف ثروات الزعماء في بلادنا، على الأقل من سقط من بينهم؟
عثرنا في “وثائق باندورا” على أثرين لثروة صدام حسين، وهما وإن كانا بعيدين من المصدر الأول لهذه الثروة، إلا أنهما يضعاننا أمام طريق تقصي مآلات هذه الثروة، فالـ18 عاماً التي تفصلنا عن سقوط النظام، تولت على الأرجح دفع هذه الثروة في أقنية كثيرة صار صعباً معها اقتفاء أثرها. الأثران اللذان نتحدث عنهما هما اسما رجلي الأعمال العراقيين كريم أوجي، شقيق نظمي أوجي الذي ارتبط اسمه بصفقة سفن حربية إيطالية، كان صدام ينوي شراءها من إيطاليا، وخميس الخنجر الذي اقترن اسمه باسم عدي صدام حسين عبر شراكتهما بتجارة التبغ قبيل سقوط النظام في العراق. ومنذ ذلك الحين ونحن نسمع عن أدوارٍ لرجال أعمال عراقيين وأردنيين وسوريين، يتولون غسل أموال النظام العراقي السابق عبر سلسلة فنادق تارة، وتارة أخرى عبر تحولهم إلى واجهات لأنشطة تجارية لابنة صدام رغد. لكن بقيت هذه الأخبار من دون توثيق.
لكن مع “وثائق باندورا” لاحت فرصة للبدء بالبحث، ليس عن ثروة صدام حسين فقط، إنما أيضاً عن ثروات الرؤساء العرب المخلوعين ممن لم يفض سقوطهم إلى كشفٍ عن ثرواتهم، وهي ليست ثروات شخصية طالما أنهم جنوها خلال حكمهم بلادهم. ونحن هنا نتحدث عما يزيد عن 200 مليار دولار، هو الرقم المتوقع الناجم عن جمع ثروات كل من صدام حسين وزين العابدين بن علي وحسني مبارك وعلي عبدالله صالح ومعمر القذافي! وهذا الرقم كفيل طبعاً بانتشال معظم هذه الدول من الفقر القاتل الذي تعيشه إذا ما أحسن استعماله، وطبعاً إذا ما تمكنا من اقتفاء أثره بعد سقوط الأنظمة.
تأتي التسريبات، وآخرها “وثائق باندورا” كأحد أشكال الاعتراض على موبقات هذا النظام غير العادل الذي يحتمي خلفه فساد أنظمة، بعضها سقط، وخلف وراءه حروباً أهلية كان أسس لها عبر تعميم الجهل والفقر، وبعضها ينتظر ويواصل احتماءه بثروات يخبئها في خزائن المصارف الغربية.
أين هي هذه الثروات؟ والسؤال يستمد وجاهته أولاً من حجم هذه الثروات التي من الصعب إخفاؤها من دون نظام إخفاء محكم. سقط زين العابدين بن علي وغادر تونس إلى السعودية، وهناك فارق الحياة. الطائرة التي نقلته إلى الرياض لا تتسع لثروته، فإلى أين توجه بها؟ السؤال نفسه يصح على علي عبدالله صالح، رئيس البلد الذي يمزقه الفقر وتقتل أهله الحرب الأهلية.
ونقول إن “وثائق باندورا” رسمت أفقاً لتقصي هذه الثروات، لأن الجنات الضريبية التي كشفتها هذه الوثائق هي المكان الأمثل لتهريب هذه الثروات. فما تؤمنه الـ”أوف شور” من سرية ومن حماية تجعل منها الوجهة الأولى المتوقعة لهذه الثروات. أبناء علي عبدالله صالح مثلاً، وهم من آلت إليهم ثروته على الأرجح، والتي ذهبت التوقعات إلى تقديرها بنحو 60 مليار دولار، يقيمون في دبي، وهذه الأخيرة تحولت في السنوات الأخيرة إلى إحدى الجنان الضريبية، وصار بإمكان رجال الأعمال التوجه إليها لتسجيل شركاتهم فيها، ومن بين الـ14 شركة التي كشفت “وثائق باندورا” عنها شركة محاماة واحدة مركزها في دبي.
نحن نتحدث عن ثمرات عقود طويلة من الفساد والاستبداد دفعت أثمانها خمسة شعوب تكابد اليوم مستويات غير مسبوقة من الفقر والعوز، إضافة إلى الحروب الأهلية، ويتولى النظام المالي العالمي، وعلى رأسه نظام الـ”أوف شور” حجبها عن أصحاب الحق فيها. وناهيك بما يمثله ذلك من سؤال أخلاقي يصيب أهل هذا النظام، فإن مجتمعات الـ”أوف شور” لم تكن بمنأى عن الشرور التي مثلها تحولها إلى ملاذ لثروات المستبدين ممن سرقوا ثروات بلادهم، وتوجهوا بها إلى أسواق الغرب وإلى ملاذاته الآمنة، ومنها الهجرة والإرهاب المعولم. هذا إذا غضضنا النظر عن حقائق مذهلة موازية لا صلة لمستبدينا بها كحقيقة أن التهرب الضريبي، والـ”أوف شور” إحدى وسائله، يحرم المجتمعات الغربية سنوياً من نحو 600 مليار دولار، يستفيد منها أصحاب رؤوس الأموال ويحرم منها دافع الضرائب متوسط الدخل ومنخفضه في الدول الغربية.
النظام المالي العالمي الذي أتاح الـ”أوف شور” ولم يُعِد النظر بها على رغم الفضائح الممتالية منذ “وثائق بنما” عام 2008 إلى اليوم، لم يواكب تطور منظومة قيم المجتمعات التي صدر منها. المصارف السويسرية تمارس حماية حديدية على ودائع معظم الفاسدين في العالم، ناهيك عن المتهربين من دفع الضرائب، وصولاً إلى مبيضي الأموال. لا بل إن تحقيقات صحافية عدة كشفت مستوى تورط المصارف العالمية بعمليات غسل أموال تجارة المخدرات. مصرف HSBC البريطاني الشهير كان مستعداً لدفع الجزية على دوره في هذه الأعمال مقابل عدم توقفه عنها، ذاك أن الجزية أقل من العائدات منها! هذا ما أثبتته تحقيقات “وثائق بارادايز”، وهذا ما يضعنا وجهاً إلى وجه أمام شراهة المصارف وعدم اكتراثها لما تتطلع إليه المجتمعات التي تعمل فيها.
وبهذا المعنى، تأتي التسريبات، وآخرها “وثائق باندورا” كأحد أشكال الاعتراض على موبقات هذا النظام غير العادل الذي يحتمي خلفه فساد أنظمة، بعضها سقط، وخلف وراءه حروباً أهلية كان أسس لها عبر تعميم الجهل والفقر، وبعضها ينتظر ويواصل احتماءه بثروات يخبئها في خزائن المصارف الغربية. ولنا هنا بواقعة عودة رفعت الأسد إلى سوريا دليل طازج، فالرجل يقف على رأس أكبر مجزرة في تاريخ سوريا، وهذه حقيقة لا تحتاج لمن يثبتها، وعلى رغم ذلك فقد حمل الرجل ثروته في ثمانينات القرن الفائت، وتوجه بها إلى ماربيا وإلى فرنسا، وهناك كان مرحباً به! لم يتولَّ نظام القيم الأوروبي محاسبته، وبعد 40 عاماً من الإقامة الوثيرة في الغرب، عاد إلى سوريا آمناً غانماً.
الوثائق المسربة أسقطت رؤساء وفضحت نجوماً وهزت عروشاً اقتصادية، فلماذا لا نطمح لأن تكون طريقاً لكشف ثروات الزعماء في بلادنا، على الأقل من سقط من بينهم؟
درج
—————————-
==============