خالفيز.. قصة موسيقي أنقذ أحفاده السبعة من براثن داعش في سوريا
تمكن الموسيقي السويدي من أصول تشيلية، باتريسيو خالفيز، من إعادة أحفاده السبعة عبر رحلة قاسية ومؤلمة جرى رصد كافة تفاصيلها في فيلم وثائقي مع المخرج وصانع الأفلام، غلاسر مولر، وفقا لما ذكرت صحيفة “نيويورك بوست”.
وعن تلك الرحلة يقول خالفيز، البالغ من العمر 53 عاما، في لقاء مع صحيفة “نيوريوك بوست”: “لم يكن لدي وقت للحزن والعزاء عندما تناهى إلى مسامعي نبأ مقتل ابنتي في سوريا، فكل ما كان يشغل فكري هو كيف أن أعيد أطفالها اليتامى الذين تتراواح أعمارهم بين عامين و9 أعوام إلى الوطن وأنقذهم من سرطان الفكر المتطرف”.
وكانت أماندا، ابنه باتريسيو، قد انتقلت وهي صغيرة للعيش مع والدتها عقب انفصالها عن أبيها، وذلك قبل أن تعنتق الإسلام وهي في سن الثامنة عشرة بتشجيع من أمها، وبعدها حاولت أن تقنع والدها بالسير على خطاها، ولكنه رفض.
ولم يمض وقت طويل حتى ارتبطت أماندا بالنرويجي، مايكل سكرامو، الذي تعرفت عليه عبر مدونة دينية على الإنترنت، وهنا يقول باتريسيو إنه أيقن أنه خسر ابنته بعد ارتباطها بذلك الرجل الذي اختار اتباع الفكر المتطرف عقب اقتناعه الإسلام، ليصبح بعد ذلك “الإرهابي الاسكندفاني” الأكثر خطورة في العالم.
ويتابع سرد قصة ابنته: “رغم زواجها بذلك الرجل واظبت على زيارتها، ومع بلوغها سن الحادية والعشرين كانت قد أنجبت أربعة أطفال، وخلال تلك الفترة ارتدت ابنتي الخمار وكانت ترفض تناول العشاء معي في المطاعم بحجة أنها تقدم الكحول، ومع الأيام ازدادت المسافة بيننا هوة واتساع قبل أن تذهب فجأة إلى سوريا”.
وكان سرامكو الذي يدير مسجدا محليا في مدينة، غونتبرغ السويدية، حيث يقيم باتريسيو، قد غير اسمه إلى أبو إبراهيم السويدي بعد اقتناعه بالفكر المتطرف، ليبدأ بتحريض الشباب المسلم على الالتحاق بداعش وقتل” الكفار” في السويد وأوروبا، وذلك بالتزامن مع قراره اصطحاب زوجته وأطفاله الأربعة إلى سوريا في العام 2014، ووقتها كانت زوجته في الرابعة والعشرين من عمرها، وأنجبت هناك 3 أطفال.
ويضيف باتريسيو الذي كان ترك بلاده بسبب الحكم الديكتاتوري في عهد أوغستو بوتشينه: “ذات يوم اتصلت ابنتي وأخبرتني أنها في تركيا مع زوجها وأطفالها لقضاء إجازة هناك، ولكنهم بعد ذلك دخلوا إلى سوريا للالتحاق بما أسموه دولة الخلافة هناك بزعامة أبو بكر البغدادي”.
من مخرجة إلى متطرفة
وفي يناير من العام 2019 لقيت ابنته، أماندا، حتفها بغارة جوية للتحالف الدولي خلال عمليات تطهير المعقل الأخير لداعش في سوريا والذي كان في بلدة الباغوز بمحافظة دير الزور في سوريا، ويتذكر هنا، باتريسيو كيف أن طفلته المدللة كانت تحلم في صغرها أن تكون مخرجة وصانعة الأفلام مما دفعه إلى اهدائها قبل زواجها آلة تصوير فيديو، بيد أنها رفضت حتى لمسها وبقيت على حالها بحجة أن “الأفلام والتصوير أمور محرمة في الشريعة”.
وبعد شهرين من مقتل أماندا، لقي سرامكو حتفه، وعندها نقلت قوات سوريا الديمقراطية الأطفال السبعة مع أرملة أبيهم الأخرى إلى مخيم الهول شمال شرقي البلاد، وهناك اتصلت تلك المرأة بباتريسيو لتخبره بمعاناة أحفاده الصغار في ذلك المخيم الشاسع الذي كان يفتقد للكثير من مقومات الحياة.
ويردف خالفيز: “كنت بحاجة إلى إخراجهم من ذلك الجحيم بأسرع ما يمكن.. أردت إبعادهم عن أفكار التعصب والتطرف التي تشبه أمراض السرطان الخبيثة”، وعن تلك اللحظة يقول المخرج، مولر، في حديثه لصحيفة “نيويورك بوست”: “قررت مرافقة الأب المكلوم وتوثيق رحلته في استعادة أحفاده من خلف الكاميرا.. وعندما دخلنا سوريا شعرت بنوع من الخوف والرهبة فلم أكن أعلم ماذا ينتظرنا هناك”.
وكان شعور خالفيز بالذنب تجاه ابنته وأنه قصر تجاه الاعتناء والاهتمام بها عندما كانت في حضن والدتها هو الذي غذى لديه الرغبة بانقاذ أطفالها، على حد كلامه، موضحا أنه كان يتشوق لرؤية أحفاده الثلاثة الذين ولدوا في سوريا وأصغرهم كان قد قارب على دخول عامه الثاني، مردفا: “كنت بحاجة للعثور على الأطفال ولذلك كانت مهمتي هي الذهاب إلى سوريا وإنقاذهم”.
وعن تواصله مع ابنته خلال تواجدها في سوريا، يتذكر الأب الحزين عندما اتصلت به في العام 2018 لتطلب منه بعض النقود، قائلة:” أبي، أنت تعلم كم أنا نحيفة، ولكني وصلت إلى مرحلة أصبحت الملابس تسقط عني من شدة اتساعها بالنظر إلى ضآلة حجمي”
وبالعودة إلى مرحلة دخولهما سوريا، يقول الجد والمخرج إنهما شعرا بالغبطة بعد أن تمكنا من دخول سوريا بسلام والحصول على إذن لزيارة مخيم الهول، وهناك وجدا الأطفال يعانون ظروفا قاسية ولا سيما أصغرهم، محمد، الذي كان يعاني هزالا شديدا.
وبعد ذلك توجه الرجلان للإقامة في أحد فنادق أربيل في إقليم كردستان العراق، ليدخل باتريسيو مرحلة قاسية من الانتظار والترقب إلى أن انتهت إجراءات الموافقة على إعادة الأطفال إلى السويد، ولكن قبل ذلك كان الموسيقي الكهل قد تلقى الكثير من رسائل المزعجة عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تطالبه بعدم عودته مع أحفاده إلى البلاد، وبعضها كان يحتوي عبارات مثل “لقد كنت أبا سيئا وأنجبت إرهابية ولا يحق لأبنائها العودة إلى بلادنا”.
وبحسب بعض الاستطلاعات فإن 40 بالمئة من السويديين كانوا يرفضون عودة “أطفال الدواعش” إلى البلاد مقابل موافقة 23 بالمئة على ذلك الأمر.
ولكن متاعب خالفيز، لم تتوقف عند جمع تبرعات لشراء تذاكر الطائرة لأحفاده، فعقب عودته إلى بلده لم يكن قادرا على استقبالهم في منزله الصغير والمتواضع في مدينة غونتبرغ، خاصة وأن لديه طفلين آخرين كانا يعتني بهما، وهنا اضطرت السلطات المختصة إلى أخذ أحفاده منه وتوزيعهم على دور رعاية مختلفة تحت أسماء مستعارة.
ويقول خالفيز أن هيئة الخدمات الاجتماعية رفضت أن تجمع الأخوة تحت سقف واحد، وفضلت توزيعهم على عدة دور ومراكز رعاية تحت أسماء أخرى خوفا من تعرضهم للعنصرية والتنمر بسبب ماضي والديهما، لافتا إلى أنه يحرص على زيارتهم بشكل مستمر.
ويختم حديثه بالقول إنه لا تزال لديه أمنية أخرى وهي الذهاب إلى سوريا والبحث عن قبر ابنته، وحتى ذلك الوقت فإن جهوده منصبة على جمعية خيرية غير ربحية أسسها لإعادة الأطفال السويديين الذين ما زالوا في مخيمات عوائل داعش.
الحرة / ترجمات – دبي