حين ابتسم الجلاد وماتت الضحية ضحكاً… الكوميديا كرقصة على جراح الحرب/ علاء رشيدي
هل تتناسب الكوميديا مع التجارب التي تعيشها المنطقة المنكوبة والخالية من الديمقراطية والمحكومة بالعنف؟ وكيف يمكن أن تزدهر الكوميديا في ظل سلطات استبدادية أو دينية متشددة؟
المخرج لاري تشارلز
التراجيديا والكوميديا نوعان مسرحيان. وإن كانت التراجيديا قد تحورت مع الزمن وتحولت إلى الدراما، التي نراها حاضرة في المسلسلات أيضاً. فالكوميديا هي فن ما زال حاضراً بخصائصه ومواصفاته عبر التاريخ وصولاً إلى اللحظة.
لكن هل تتناسب الكوميديا مع التجارب التي تعيشها المنطقة المنكوبة والخالية من الديمقراطية والمحكومة بالعنف؟ وكيف يمكن أن تزدهر الكوميديا في ظل سلطات استبدادية أو دينية متشددة؟ وكيف بإمكان الكوميديا أن تتعلق بموضوعات حساسة مثل الحرب والموت والقتل والإجرام؟
يحملنا وثائقي “عالم الكوميديا الخطرة”، للمخرج لاري تشارلز إلى دول وصراعات وحروب معاصرة وفي مناطق جغرافية متعددة في البحث عن الكوميديا وسط الاستبداد، الحرب، الفكر الإرهابي، صرامة العسكرة، رعب التشدد الديني، ليبرهن أن الكوميديا تولد في عمق استبداد الأنظمة، وفي وسط جنون القتل.
هنا نماذج عن إمكانات فن الكوميديا في ظل السلطات الاستبدادية، القمعية، وفي وجه العنف، وفي تجاوز ذاكرة الحرب والجريمة، وفي التعافي من ندوب الجسد وتطرف الفكر.
الكوميديا كمهنة مهلكة بين الاستبداد والتحريم
برزت ظواهر كوميدية خلال الحرب في العراق، منها برنامج “النهوض من الموت”، أو برنامج “من يربح البترول” المتعلق بالفساد. أما ثنائي الكوميديا ميسون وليلى، فبعد انتشاره الجماهيري، قتل الاثنان بسبب مضامين الحلقات النقدية. كما اغتيل المؤدي الكوميدي وليد حسن عام 2006 بسبب انتقادات عميقة للحكومة، بحسب الوثائقي. أما برنامج “بيزمي بيزم، 1 مليون مشاهد”، فيحاول الترفيه عن العائلات في زمن الحروب، يقول القائم عليه أحمد رواف: “الناس بحاجة إلى الكوميديا للابتعاد من الخوف”. أما برنامج أحمد البشير التلفزيوني فيركز على انتقاد السلطات السياسية والدينية والقومية، فيظهر في برنامجه الساخر دمية على شكل أبو بكر البغدادي ويسألها كأنه يسأل البغدادي “لماذا تذبحون الناس؟”. تجيب الدمية: “لأننا نحب توم آند جيري وأفلام الكرتون، جيري يحرق توم ويكويه ويجمده ويقطع أعضاءه، أليس ذلك مضحكاً؟”. كذلك في مجال الموضوعات المحرمة أو المحظورة، يتطرق البشير إلى الثقافة القمعية للهويات الجنسية والجندرية: “إن لبس ولد ملابس فتاة، فهي مؤامرة”.
يتقصد البشير في كتاباته جميع السلطات التي تمارس العنف، من الاستبداد السياسي إلى التشدد الديني، في أحد كليباته الهزلية، يقدم عملاً نمطياً من الأغاني الدعائية لاستمرار سلطة الحاكم. إنه انتقاد قيمة الأغاني التمجيدية ومضمونها. لقد اكتسب البشير التقنيات التي تمكنه من تحقيق السخرية النقدية على موضوعات حساسة: الاعتقال، التعذيب الذي تعرض له هو نفسه، يقول: “روح النكتة أنقذتني، الدعابة للاستمرار على قيد الحياة”. ويروي حادثة عن تأثير عمله في الجمهور: “قال لي اثنان لو لم نشاهد السكيتش الذي سخرت فيه من داعش لكنا الآن في صفوفه”.
أما فنانو الكوميديا في الصومال فيجرؤون على السخرية من أكثر الحركات المتشددة دينياً عنفاً، “حركة الشباب الصومالية”، ويعتبر تجسيد إرهابيي الشباب الصومالي من موضوعات الكوميديا الصومالية الأساسية والأكثر شجاعة. ويعتبر هؤلاء الكوميديون أن الفكر المتشدد للحركة دخيل على ثقافة مجتمعهم. لذلك، سعى المسلحون في تلك الحركة إلى طمس الهوية الخصوصية لسكان مقديشو لفرض فكر التشدد الديني. فتصبح النكتة هنا تضحية سياسية ترتبط بالانتماء القومي والنضال للتحرر من الدخيل المعتدي على الشعب الأصلي صاحب الأرض. الكوميدي أجوران، كان مقاتلاً من “حركة الشباب الصومالي”، أما الآن فنكاته الكوميدية تتركز في السخرية على سخافة العقيدة التي تؤمن بها الحركة، وتبين كتاباته الكوميدية الشكل الفكري التبسيطي والساذج التي تخاطب به الحركة مقاتليها.
الكاميرا الخفية في حرب عبثية
أن تكون الكاميرا الخفية كتيبة من الجيش الأميركي توقف سيارتك، وتقيدك، وتبدأ بتفتيش السيارة كاملةً، تحادثك بعنف بالإنكليزية وتتهمك بزرع قنبلة في السيارة، أو أن يكون المقلب أن الجيش العراقي أوقفك وأنت في “تاكسي”، لأن هناك عبوة ناسفة في الصندوق، فتلك هي القدرة التخييلية الخارقة للمألوف، لدى الكوميديا العراقية. إنها السخرية على الحواجز العسكرية والموت الحاصل عليها يومياً. على هذه التيمة أنتج برنامج الكاميرا الخفية “خلن بوكا” (2003-2009) ويعني أرسلهم إلى سجن بوكا في البصرة الخاضع للقوات الأميركية. البرنامج من نوع المقالب التي تخطط للإيقاع بالفنانين والمشاهير، لكن البرنامج تلقى الكثير من النقد، وخصوصاً على أثر ردود الفعل الهستيرية لدى الكثير من الفنانين/ات. لكن الواقع العراقي مكون من هذه العناصر وهي مجريات تحدث في الواقع، يقول المنتج: “لقد أردنا أن نبين حياة العراقي اليومية، الحواجز العسكرية، المتفجرات، والعبوات الناسفة حاضرة في الحياة اليومية في الشوارع العراقية. توقف البرنامج وبقي الحاجز”.
درج