كنتُ سآتي إلى إسطنبول/ عمر أردام
طائر الرعد
لو جئتُ إلى الحياة
كنتُ سآتي إلى إسطنبول
ليس مهمّاً في أي منطقة
يكفي أن يكون مكاناً مطلّاً على بعض الأشجار
فبكلّ الأحوال سوف أرى البحر
ستهزمني الرياح الشمالية المنحرفة
والرياح الجنوبية الغربيّة الظالمة
وعندما أذهب إلى المدرسة
ويسألونني عن مكان ولادتي
سأغلق عينيّ وأقول: إسطنبول
وستمرّ من أمامِ عينيّ
كلّ الأشياء التي تجعل المدن الأخرى تغار من إسطنبول:
البرودة تحت شجرة الدُّلب في إميرجان
ودرج جيهانغير الطويل، وكأنه يمتدّ لألف درجة
العبور من بشيكتاش إلى أوسكودار
وفَتْحُ القميص عند تمايل العبَّارة
هطول المطر أثناء النزول في سلطان تبة
وجمع التين من الحدائق المنسية.
مكانُنا المُفضَّل هو الذي نودّ أن نولد فيه
لكننا لدينا الموت أيضاً
وكأنّ ما يحبُّه الإنسان
لا يأخذه إلا بموته.
■ ■ ■
أوسكودار
أوسكودار هي آسيا حتى الصّين
ورغم أن الرياح تترك الفتيات
ذوات الشعر الرّغويّ على الشاطئ
في كلّ شتاء
فسوف يسكنها المطر الغاضب.
“مِحْرِمَة” تشبه ساعة الشمس
بجانبها درجٌ ضيقٌ
ومكتبة أطفال لا يزورها أحد
يعبر الناس من أمامها في صمت.
جامع شمسي باشا المبنيّ من أخشاب شجر الجوز
يطلُّ على جيهانغير بنظرةٍ جانبيةٍ
ومثلما قال طانبينار:
إذا ذهبتْ أوسكودار تذهب إسطنبول
ولا يستطيع الأطفال أن يسيروا في الشوارع.
أوسكودار هي آسيا حتى الصين.
■ ■ ■
الطبيعة الخطأ
في كانون الثاني تسطع الشمس
والرياح الشمالية تتصبّب عرَقاً على الأسلاك الكسولة
الجدران أزهرت منذ زمنٍ بعيد
والمياه التي تُشبع الأرض
تأتي من الشتاء القارس
انقلب حال المواسم
فكيف ينبت الخبز هكذا، وإلى أين تذهب الطبيعة؟
■ ■ ■
الشمس تبقى وحدها
سيكون على الشمس أن تقوم بالكثير من الأعمال هذا الصباح
ليلة أمس، أسقطتِ العاصفةُ المطريّةُ بعض الأشجار؛
شجرة التفاح اليابانية، وشجرة الأكاسيا الفاسدة،
وشَعْرُ الأشجار المُبَعثر.
القططُ عابسةٌ فوق الصخور
والغِربانُ تنتظرُ نبيّاً جديداً
كأنها تسمع أصوات أسماك القاع
وهي تهيم على وجهها في الموج،
وتسمع أصوات الطحالب.
سيكون على الشمس أن تقوم بالكثير من الأعمال هذا الصباح
لكي تُدفّئ وتُضيء كلّ الأشياء المعقّدة
وسوف تهطل السماء المنشقة.
■ ■ ■
فضائح صغيرة
هؤلاء يريدون الفضائح الصغيرة:
تجّارُ البَيض في هذه الأيام
وفرخُ الدّجاجِ الهاربُ
والبيض الطازج الذي سقط وتكسّر.
هكذا سيغطّون سقف المزرعة
وبهذه الطريقة
سوف يُسقون البيضَ للشعب الذي ضعُفت أحباله الصوتية
ليضعَ البائعون أقدامهم بثباتٍ على الأرض في كلّ خطوة
وهم يتجولون والأسبتة فوق ظهورهم
فالفضائح كثيرة في هذا السوق.
■ ■ ■
أغلقت النوافذ بإحكام
هكذا أغلقتِ النوافذَ بإحكام
لدرجة أنها لم تعد تسمع زقزقة العصافير على الأغصان
في قدميها شبشب فضيّ،
ولا تعرف شيئاً عن الذين يضعون الماء فوق الخبز.
أغلقتِ النوافذ بإحكام
وألقت جسدها على السرير
بغرور بندقية صيّاد
وصارت أحلامها تكبر كلّ ليلة.
أغلقت النوافذ بإحكام
وأصبحت ترى الشموس الطفلة في حديقة المدرسة
مثل بعوض الصيف الذي يضرب في زجاج النوافذ.
أغلقت النوافذ بإحكام
حتى صار قلبُها يخفق كلّ صباح
مثل نافذة في رياح لوتوس.
لم يبق شيءٌ صادق معها
غير عظام فكِّها.
■ ■ ■
جندي شامي
في معركة جناق قلعة
تلقّى الشاعر أحمد هاشم
نبأ وفاة الشاعر توفيق فكرت
من أحد الجنود الشوام.
■ ■ ■
سفنكس
في ذاك الصباح
قطفَ سفنكسُ زهرةً من ذيله
ووضعها أمام الشمس، فوق بخار الرمال.
بحثَ عن مرآة، وسأل عنكِ
جلس في ظلِّه، وضرب فوق صدره.
مَن الذي كسر أنفه،
وأيُّ صقر اقتلع عينيه؟
أحْضروا القَصبَ المائي وطمي النيل
أحضروا ابن آوى
هنا كان مَلِكٌ على رقبة صولجانه
يعبد سفنكس كإلهٍ، وليس كمَلِكَة.
■ ■ ■
مليح جودت
بحسب ما ذكر الشاعر مليح جودت
فإن أحد رؤساء الوزراء قد زار مدينة قيصري
في سنوات الحرب العالمية الثانية
وعندما التقى بالشعب في بيت الأمّة
صرخ أحد الرجال من الخلف: “إننا جوعى”.
وبّخه رئيس الوزراء قائلاً:
“وهل مات أحدٌ من الجوع؟”.
كتب مليح جودت في مقالة عنوانها
“الجنون وشرود الذهن وساعات الطعام”:
“إننا فقراء لكننا نتزايد يوماً بعد يوم”.
ترجمة عن التركية: أحمد زكريا وملاك دينيز أوزدمير
بطاقة
Ömer Erdem شاعر تركي ولد في مدينة قونية عام 1967. تخرّج من قسم اللغة التركية وآدابها في “جامعة إسطنبول”. ينشر قصائده منذ بداية التسعينيات. صدرت مجموعته الشعرية الأولى عام 1996 بعنوان “الحبال التي أُسدلت على العالم”، وتبعتْها مجموعات: “الرياح تتأوه بقدر المسافة” (2002)، و”أوسكودار” (2009)، و”جِير” (2011)، و”الأعمى” (2012)، و”الشمس تبقى وحدها” (2021). يعمل حالياً محرّراً في مجلة “كَاشجَار” الأدبية، التي أصدرها للمرّة الأولى عام 1997 مع بعض كُتَّاب جيله.
العربي الجديد