الإخوان المسلمون” وعسكرة الصراع السياسي/ منير أديب
سعت حركة “الإخوان المسلمين” في مصر منذ اللحظة الأولى لإعلان 3 تموز (يوليو) من العام 2013 إلى عسكرة الصراع الذي قادته الجماعة مع المجتمع وخصومها السياسيين، فضلاً عن خيار المسار المسلح مع النظام السياسي الجديد في البلاد، والذي بدت ملامحه مع تظاهرات 30 حزيران (يونيو) من العام نفسه… هذا النوع من الصراع واجهت به خصومها من بقية أطياف المجتمع سواء القضاة أو العلماء أو الباحثين أو حتى المسيحيين، التي قامت الجماعة بحرق دور عبادتهم.
قرار التنظيم عسكرة هذا الصراع نتاج طبيعي للأفكار التي يؤمن بها، كما أن لجوء أعضاء الجماعة إلى هذا الخيار هو نتاج طبيعي أيضاً للمشاريع التربوية التي نشأوا عليها، واستخدام هذه المجموعات للعنف لم يكن نبتة شيطانية وسط واحة خضراء من السلام الذي كانت تنشده الجماعة، فهو نتاج طبيعي للأفكار والمناهج التربوية التي شكلت الوعي الفقهي والفكري للتنظيم ولأبنائه.
نجحت الجماعة في تضخيم مشاعر الاضطهاد لدى أتباعها سواء بعد عام 2013 أو ما قبل هذا التاريخ، وكانت هذه المشاعر بمثابة إفراز الغدة النخامية التي غذّت دوافع الإنتقام لدى بقية الغدد الأخرى، وتمثل ذلك في ردود فعل عنيفة من قبل شباب التنظيم، وهنا نجحت قيادات الجماعة في استغلال مشاعر هؤلاء الشباب فجنحت بهم إلى العمل السري ومنها انتقلوا إلى مربع العنف بإفراز وصل إلى هذه الغدد المنتفخه في الجسد “الإخواني”.
كانت الجماعة تدّعي أنها طلّقت العمل السري طلاقاً بائناً من دون رجعة، وأنه لا يوجد ما يبرر عملها تحت الأرض، وأن فترة العمل السري في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي انتهت بقرار الجماعة حل ذراعها العسكري الذي أنشأته تحت مسمى “النظام الخاص”، والحقيقة أن التنظيم أدمن العمل السري ولا يستطيع أن يتخلى عنه، ولذلك سعى إلى نشأة أذرع عسكريه عدة جديده مثل، “حركة سواعد مصر”… (حسم)، و”لواء الثورة والمقاومة الشعبية” وغيرها، وقد أطلقت على العمل العسكري في هذه المرحله “اللجان النوعية”.
وهذا دليل جديد على أن التنظيمات المؤدلجة لن تتخلى عن فكرة العمل السري، بل ترى أنها لن تستطيع أن تصل إلى أهدافها بعلانية الدعوة والممارسة، ومن هنا أصبح لهذه التنظيمات خطابان، أحدهما علني لا يُعبر عنها وآخر سري موجه لأعضائها يختلف كلياً عن مشروعها الملعن، والنجاح الحقيقي تجسّد في الكشف عن هذا الخطاب، ليس ذلك فقط ولكن في تحليله وإدراك ماهية التنظيم من خلاله واستشراف خطره.
مخطئ من يظن أن عنف “الإخوان المسلمين” رد فعل على السلطة السياسية أو الثورة الشعبية التي أحدثت دوياً في البلاد بعد عام 2013… عنف الجماعة كان حاضراً منذ اللحظة الأولى التي صعدوا فيها إلى السلطة وإن إختلفت طباع هذا العنف وتعددت أدواته ما بين عنف سياسي ولفظي وسلوكي وتهديد بالقتل، ثم ترجمة صور العنف هذه إلى العنف الجنائي الذي يعرفة الناس، وما العنف الجنائي إلا صورة من صور العنف المذكوره.
ممارسة “الإخوان المسلمين” للعنف تمت وفق تقنين شرعي قامت به اللجنة الشرعية التي تم اختيارها من قبل اللجنة الإدارية العليا المنتخبه من جموع “الإخوان المسلمين” كي تقوم بإدارة أنشطة التنظيم بعد غياب أو تغيّب مرشد “الإخوان” ومكتب إرشاده، هذه اللجنة التي ظلت منعقده انعقاداً دائماً لمدة ثلاثة شهور توصلت فيها إلى بحث “المقاومة الشرعية” التي شرعنت من خلاله استخدام العنف ضد الخصوم عملاً بالقاعدة الشرعية “دفع الصائل”، بعدها تم تعميم هذا البحث على كل المكاتب الإدارية لـ”الإخوان” حتى تشرّبه أفراد “الإخوان المسلمين” وعملوا بكل ما ورد فيه.
وهنا نؤكد معنى أن ممارسة “الإخوان المسلمين” للعنف لم تكن عفو الخاطر، ولم تكن لحظة استثنائية من عمر التنظيم ولكن كانت جزءاً من أفكار الجماعة التي أنتجتها ثم سوّقتها وبعد ذلك تبرأت منها كنوع من التحايل والتدليس.
إمعاناً في استغلال هؤلاء الشباب، قامت الجماعة بخلق أدوار جديدة له، حتى يظل التنظيم نقطة جذب ويستمر استغلال هذا الشباب الذي أصبح في ما بعد وقود المعركة مع المجتمع، بعدها تباكت الجماعة على أحكام الإعدام التي صدرت على بعضهم بعدما أدينوا في قضايا قتل، وهنا تم استخدام الشباب واستثماره في العنف ثم استخدام مظلومية التباكي بعد تنفيذ أحكام الإعدام عليهم، حتى يكونوا وقوداً لمن خلفهم، وتظل رحى المعركة دائرة.
تمت مخاطبة اللاشعور في العقل الجماعي لأعضاء التنظيم حتى يتم الاستحواذ على ما تبقى من عقل اعتاد السمع والطاعة في المكره والمنشط بضرورة مقاومة السلطة السياسية عبر شعارات دغدغة المشاعر واستشهادات قرآنية في غير موضعها، هدفها تكريس سلطة العنف والبدء باستخدام آلياته الخاملة… هذا الأمر لم يأخذ وقتاً أو مجهوداً، بل كان قراراً بمجهود معلوم بعدها تحول التنظيم لرأس حربة تقتل من بُعد.
المخاطر المحتملة الناتجة من وجود “الإخوان المسلمين” لا يمكن إنكارها، ولكن يبقى لبعض الأنظمة السياسية في منطقتنا العربية أنها ما زالت تتيح للتنظيم مساحة للعمل والحركة والنشاط، وتراهن على اختلاف النسخة “الإخوانية” في هذه البلدان عن غيرها، وهو رهان في غير محله، فضلاً عن كونه رهاناً خاسراً سوف يُعيد التنظيم من جديد إلى المشهد وسوف تدور دائرة العنف على هذه البلدان في وقت ما.
بعض أنظمتنا العربية تبحث عن استقرارها حتى ولو بقي “الإخوان المسلمون” في المشهد، وقد تستخدمهم في مواجهة التوجه الشيعي، ويقبل “الإخوان” ذلك ليس من باب البحث على ما يحافظ على أمن بلدانهم ولكن من باب الحفاظ على وجودهم، وهم لا مانع لديهم من أن يكونوا جزءاً من معركة على الآخرين مقابل أن يضمن ذلك بقاءهم.
العنف جزء من فكر “الإخوان المسلمين” وسلوكهم، “الإخوان” لا يختلفون كثيراً عن التنظيمات الأكثر تطرفاً مثل تنظيمي “قاعدة الجهاد” و”داعش”، فقد يكون “الإخوان” أخطر على اعتبار أنهم المصدّر الحقيقي لهذه التنظيمات والحاضنه التربوية لكل تنظيمات العنف والتطرف المحلية والعابرة للحدود والقارات، ولذلك من المهم التعامل معها وفق ما يتطلبه التعامل مع التنظيمات المتطرفة بعيداً من خلق مساحات للتقارب السياسي.
يقوم “الإخوان” بعسكرة أي خلاف لهم مع تنظيم آخر أو قوى سياسية أو هيئات أو حتى أفراد، ويتم اغتيال كل هؤلاء معنوياً أو جنائياً، فهم لا يؤمنون بحق الآخرين ويرون أنفسهم أوصياء على العالم وأنهم مُلاّك الحقيقة، وبالتالي يفرضون رؤيتهم أو يطبقونها بكل أريحية حتى ولو تطلب ذلك عنفاً، فقط يختارون وقت استخدام هذا العنف ومقداره.
هذه الرؤية لحركة “الإخوان المسلمين” تتطلب مواجهة لا تقل عن خطر التنظيم وما أحدثه في حياتنا السياسية والاجتماعية، وأن تأخذ هذه المواجهة أبعاداً مختلفة حتى نكون قادرين على مواجهة الفكرة قبل أن نواجه سلوكها العنيف، ولا بد من ألا ننجرف في مواجهة عسكرة الصراع إلى القيام بتفكيك الفكرة والمشروع المسلح لتنظيم “الإخوان المسلمين”.
النهار العربي