من بينهم مغني في فرقة “بينك فلويد”: كيف استثمر النظام السوريّ شخصيات عالمية في التضليل الإعلامي؟/ كارمن كريم
التضليل حول النزاع السوري، ساهم في تقاعس صنّاع القرار عن اتخاذ خطوات جدية بما يتعلق بالصراع السوري.
“الخوذ البيضاء هي منظمة وهمية موجودة فقط للترويج للجهاديين والإرهابيين.”
موقف كان أطلقه المغني روجر ووترز عضو فرقة “بينك فلويد” المعروفة في إحدى حفلاته في برشلونة عام 2018.
تحريف مباشر للحقائق ثبتت فعاليته في استراتيجية التضليل التي يعتمدها النظام السوري منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011.
خلال عقد من الزمن، ارتكب نظام الأسد عشرات المجازر، وغطى عليها بالتضليل الإعلامي والكذب. أدرك النظام باكراً أهمية اللعب بالحقائق في معركته ضد شعبه، إذ قلب الطاولة وحوّل من معاناة وفقدان الآلاف أحبائهم إلى مجرد كذبة يخترعها إرهابيون.
معركة نظام الأسد الإلكترونية
في دراسة جديدة أصدرها معهد “الحوار الإستراتيجي” (ISD) وحملة “من أجل سوريا”، وصلت إلى واحدة من أعمق الدراسات حول التضليل الإعلامي الممنهج في سوريا. تؤكد الدراسة على أنه، وبالرغم من وجود أدلة دامغة على وحشية النظام وحلفائه، إلا أن مروجي الدعاية السورية بوجود مؤامرة كونية على سوريا، وهي مجموعة صغيرة من المضللين المدعومين في بعض الأحيان من روسيا، نجحوا في تزييف الحقائق وعرّضوا حياة الناس للخطر وعطلوا المجتمع الدولي عن تحقيق أي تغييرات سياسية في سوريا.
حدد الباحثون في معهد “الحوار الإستراتيجي” 28 فرداً ومنفذاً ومنظمة نشروا معلومات مضللة حول النزاع السوري، وتمكنوا من تحديد 47000 تغريدة على تويتر و81 منشوراً على فيسبوك من هذه الحسابات لإنشاء أو نشر معلومات مضللة عن سوريا بين كانون الثاني/يناير 2015 وكانون الأول/ديسمبر 2021 وتمت مشاركة هذا المحتوى مباشرة مع 3 ملايين شخص. ومع ذلك فإن إعادة نشر هذا المحتوى قد نقل رسائله المضللة على نطاق أوسع – وجد بحث ISD أن 19000 منشور مضلل نُشِر من قبل هؤلاء بينما أعيد تغريده أكثر من 670.000 مرة.
كل هذا يشكل نوعاً جديداً من الحروب الإلكترونية التي كانت جزءاً من النزاع السوري، بحسب التقرير، وأطلق الباحثون على هذه الحرب “الوهم الخطير الناتج عن تدفق المعلومات غير المفلترة”.
التضليل الإعلامي للنظام لا يستثني أحداً
بغية الوصول إلى هذه النتائج، استخدم الفريق البحثي تطبيق “براندواتش Brandwatch”، وهو عبارة عن تطبيق تجاري لمتابعة الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى تطبيق “كراود تانغل CrowdTangle”، وهو تطبيق تابع لشركة “ميتا”، بهدف البحث في فحوى المنشورات على منصات تويتر وفيسبوك وإنستغرام، وهكذا تمكنت الدراسة من ملاحقة أهم الصحفيين والمنظمات والجهات التي ساهمت بانتشار دعاية المؤامرة الخاصة بنظام الأسد.
ومن بين الصحفيين الذين دعموا نظرية المؤامرة كانت البريطانية فانيسا بيلي التي تعرّف عن نفسها بالصحافية الحرّة، وصفت لحظة لقاءها بالأسد على أنها “أكثر لحظات حياتي فخراً”. تكمن الخطورة فيما قامت به بيلي من تضليل إعلامي داخل مجلس الأمن، على سبيل المثال روجت إلى أن الهجمات الإرهابية التي استهدفت مقر صحيفة شارلي أبيدو مجرد تمثيلية مزيفة. للمصادفة معظم المنشورات المضللة التي تم نشرها في عام 2015 تعود إلى فانيسيا بيلي.
كانت هذه الحملات تزداد زخماً كلما أحتاج النظام تغطية على إحدى المجازر التي ارتكبها، ومع بداية التدخل الروسي عام 2015 تصاعدت حملات التضليل التي استهدفت العاملين والمدافعين عن حقوق الإنسان، على سبيل المثال هاجم مروجو نظرية المؤامرة المدونة السورية بانة العابد، البالغة من العمر آنذاك 7 سنوات، والتي كانت، مع والدتها، تستخدمان تويتر ويوتيوب لمشاركة تجربة العيش تحت الحصار في حلب مع العالم، لم تكتفِ هذه المجموعات بالتغطية الإعلامية إنما نظموا رحلات تهدف إلى زيارة مناطق سيطرة النظام بهدف نشر روايته.
من الجهات التي كانت جزءاً من حملة التضليل الإعلامي موقع “غراي زون Grayzone” والذي يصف نفسه بأنه “موقع إخباري مستقل”. الحقيقة إن الموقع يعمل بشكل منظم على التقليل من شأن ورفض اتهامات انتهاكات حقوق الإنسان ضد الأنظمة الديكتاتورية، مثل محاولة رفض وجود التطهير العرقي المثبت بالدلائل، من قبل الحكومة الصينية ضد شعب الإيغور في إقليم شينجيانغ.
الآثار الخطيرة للتضليل الإعلامي
وصل الأمر بمجموعات التضليل إلى تهديد كلّ من يروي الحكاية الحقيقة. تلقت الصحفية العاملة في صحيفة “الغارديان” أوليفيا سولون تهديدات بالقتل بسبب كتابتها عن التضليل التي تدعمه روسيا والذي يستهدف الخوذ البيضاء بالدرجة الأولى.
استمر التضليل لأكثر من سبع سنوات مع فترات أكثر زخماً من غيرها، كان أكبر حجم للتضليل في نيسان من عام 2018، بحسب التقرير، عندما أسفر هجوم بالغاز الكيميائي في دوما عن مقتل 42 شخصاً على الأقل وإصابة المئات.
كلّف التضليل الإعلامي الناس حياتهم. على سبيل المثال تحوّل محمود رسلان، وهو مصوّر من حلب، إلى هدف لحملات التضليل خلال الحملة العسكرية ضد مدينته، وذلك بعد أن نالت صورة التقطها شهرة كبيرة ووصلته رسائل تهدد بقصف منزله.
ليس هذا وحسب، بل إن التضليل حول النزاع السوري، ساهم في تقاعس صنّاع القرار عن اتخاذ خطوات جدية بما يتعلق بالصراع السوري، وهكذا لم تمتلك القوى العالمية سياسة واضحة بشأن سوريا، ما أدى إلى عجزها عن منع الفظائع التي ارتكبها النظام خوفاً من تحمل المسؤولية فيما لو كانت دعاية نظام الأسد حقيقيةً.
من جهة أخرى ساهم هذا التضليل بمحو التاريخ وإنكار جرائم الحرب وتقول سيرجية عطار وهي مؤسسة ومديرة مؤسسة “كرم” ورئيسة مجلس إدارة حملة “من أجل سوريا”: “ما يقلقني هي عملية محو ذاكرتنا وتاريخنا الذي يتآكل رويداً رويداً. فمع الإرهاق الشديد والألم الناجم عن الصدمات المتكررة، يبدو أنه من الأسهل الابتعاد عوضاً عن متابعة إطلاع العالم بما يحدث”.
الآثار الخطيرة للتضليل لا تنتهي هنا، إذ أدى بطبيعة الحال إلى سياسات معادية للاجئين السوريين في العالم، فوصول معلومات مغلوطة حول تحول سوريا إلى مكان آمن يدفع هذه الدول إلى نبذ اللاجئين، وهو ما فعلته الدنمارك عندما سحبت إقامات حماية اللاجئين السوريين.
من جهة أخرى، وبحسب التقرير، تقاعس المتبرّعون عن تقديم الدعم الإنساني بحجة الخوف من وصوله إلى الإرهابيين، ليس هذا وحسب ففي النهاية استفادت روسيا من دعاية النظام السوري ومهدت الطريق لما يحدث في أوكرانيا ليتحول هذا الخطاب في النهاية إلى وسيلة لتبرير حروب أخرى مسبباً المآسي للمزيد من الشعوب.
درج