بعد تقديمها للرفاعي والمسلط والحكومة التركية.. ما مصير مبادرة “الأرض الحرام”؟/ أحمد طلب الناصر
أثارت مبادرة “الأرض الحرام” التي أُطلقت أخيراً من قبل منظمة “العدالة العالمية” (Global justice) و”التحالف العربي الديمقراطي”، العديد من التساؤلات حول مضمونها ومدى فعاليتها في ظل الأوضاع المريرة التي تشهدها مناطق الشمال السوري الخاضعة لفصائل “الجيش الوطني”.
وزاد اهتمام السوريين بمضمون المبادرة عقب تسليم نسخ منها، رسمياً، إلى كل من وزارة الخارجية التركية ورئيس الائتلاف السوري سالم المسلط ورئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى ورئيس هيئة التفاوض بدر جاموس، قبل أن تجري مراسم تسليمها قبل يومين إلى مفتي الجمهورية العربية السورية أسامة الرفاعي. بهدف العمل على تفعيل محتواها ومطالبة فصائل المعارضة بتطبيقها.
“الأرض الحرام” بيد المفتي الرفاعي
وأول أمس الجمعة، عُقد لقاء جمع بين منظمة (غلوبال جستس)، وهي منظمة حقوقية إنسانية مقرها الولايات المتحدة، ممثلة برئيسها هيثم البزم مع الشيخ أسامة الرفاعي في مكتبه ضمن مقر رابطة علماء الشام في إسطنبول. وتم خلال اللقاء تسليم الرفاعي نسخة من مبادرة “الأرض الحرام” التي تقدّمت بها المنظمة و”التحالف العربي” إلى الرأي العام السوري والقوى الفاعلة فيه، بهدف إنقاذ أوضاع السكان في شمال غربي سوريا ورفع مستواهم المعيشي.
وقبل أيام من لقائه الرفاعي، قدّم البزم نسخاً من المبادرة لكل من رئيس الائتلاف ورئيس الحكومة المؤقتة ورئيس هيئة التفاوض السورية، بالإضافة إلى تسليم نسخة منها لوزارة الخارجية التركية في العاصمة أنقرة.
وبعد تسليمه النسخة، تعهد الشيخ الرفاعي بدعم المبادرة التي شدّدت على “حرمة الدم السوري، وإتاحة الفرصة للمدنيين في هذه المناطق للعيش الكريم، لا سيما في ظل معاناتهم من تدهور الظروف المعيشية والاقتصادية، وتضييق الخناق على السوريين بعد الموقف الروسي الرافض لفتح المعابر والسماح للمساعدات الإنسانية بالدخول” وفق ما تضمنته المبادرة.
ومنحت المنظمة الحقوقية مفتي الجمهورية درعها الخاص “تقديراً لمواقفه وثباته على مبادئ الثورة السورية منذ بداياتها وحتى هذا اليوم”، بحسب ما أفاد البزم لـ موقع تلفزيون سوريا. وأضاف أنه تداول مع المفتي الرأي “حول مسار التطبيع مع رئيس النظام السوري الذي يعمل المفتي والعديد من الشخصيات السورية الفاعلة على التصدي له، سواء ذلك الذي تختطه حركات ومنظمات كـ (حماس) أو ما يحاول غيرها تمريره لإعادة تأهيل الأسد”.
كما ناقش الطرفان أعمال المنظمة في الشمال السوري، وتحديداً في منطقة “نبع السلام” وريف رأس العين والمشاريع الزراعية الخيرية التي أطلقتها “لإعادة اللون الأخضر إلى الأراضي التي أهملها نظام الأسد في الجزيرة والفرات، وجعل مصيرها التصحّر، وجعل من فلاحيها وملاكي آلاف الدونمات فيها فقراء يلاحقهم العوز والحاجة” وفق رئيس المنظمة.
“الاحتكام إلى السلطة المدنية”
عضو الهيئة التنفيذية لـ “التحالف العربي الديمقراطي” والمتحدث باسم هيئة التفاوض السورية، يحيى العريضي، أوضح لـ موقع تلفزيون سوريا أن المبادرة هي “طلب ومناشدة، موجهة إلى أولئك الذين حملوا السلاح في وجه الظلم والاستبداد، والذين ضحّوا بكل ما يملكون من أجله، أن يسهموا وفي ظل التوافق الأميركي التركي الحالي والاستثناء رقم 22، في تحسين حياة السوريين وتخفيف معاناتهم، من خلال الاحتكام إلى السلطة المدنية في تلك المناطق، وإلغاء المظاهر المسلحة من المدن والبلدات وإبقائها محصورة في الثكنات والقطعات العسكرية الخاصة بهم، منعاً لأي تصادمات أو اقتتال داخلي”.
ويضيف العريضي: “نحن لا نراهم إلا أبطالاً دورهم هو الذود عن المدنيين وحمايتهم من كل خطر أو محاولة لتهديد أمنهم. وهذا الفعل هو نوع من تحمّل المسؤولية أمام فرصة تدفق الاستثمارات التي ستريح السوريين هناك، حتى لو لم تكن تلك الاستثمارات كبيرة واقتصارها على المشاريع البسيطة، إلا أن بث الشعور باستتباب الأمن وسيادة القانون الذي يفترض أن تكون الحكومة المؤقتة هي الوحيدة المخولة بتطبيقه، سيشيع مناخاً ملائماً للعمل وتشغيل الأيدي العاملة وتنشيط المناطق المحررة”.
خطاب مبادرة “الأرض الحرام”
ويركّز مضمون المبادرة على تذكير الفصائل العسكرية المنتشرة في شمال غربي سوريا بأن “هذه الأيام هي أيام حرام، وأن الاقتتال فيها محرّم شرعاً وأن دم السوري وماله وعرضه محرمة على الجميع، رابطة ذلك التحريم بالاستثناء الأميركي لتلك المناطق من العقوبات الاقتصادية، ما يمكن أن يحوّلها إلى أنموذج يحتذى لكل سوريا لاحقاً، ويشجع الاستثمارات فيها بإعادة السلطة إلى الشرطة المدنية ومرجعيتها في وزارة الداخلية التابعة للحكومة المؤقتة، والاحتكام إلى القضاء المستقل الذي يتبع لوزارة العدل فيها” بحسب نص المبادرة.
كما دعت المبادرة إلى تنفيذ أمر النبي محمد ﷺ، والالتزام بما تحمله معاني الأشهر الحرم، ومنع أسباب الاقتتال الداخلي التي لن تتوقف إذا لم يتم خلق بيئة أقرب إلى الطبيعة يحكمها القانون وحده.
ويرى متابعون أن تطبيق مثل هذه المبادرة في الأوضاع الحالية، أمرٌ غاية في الصعوبة، نتيجة انتشار المفاهيم الخاطئة بين الفصائل السورية، حول من هو المخوّل بتطبيق القانون وأي القوانين التي يجب الركون إليها.
“مصلحة عليا للسوريين”
ويرى ممتاز الشيخ، المدير العام السابق للإذاعة والتلفزيون في سوريا والقيادي في “التحالف العربي”، إنه وبعد الاستعصاء المزمن في الوضع السوري وبعد تشابك المصالح “كان لابد من مبادرة واعية بعيدة في رؤيتها ومرتكزة على وعي المصلحة العليا للسوريين، وقد جاءت مبادرة الأرض الحرام لتشخص الواقع المؤلم وتنبه بوعي بأهمية الفعل الذي يمكن أن تكون مثل هذه المبادرة رافعة له، والأفعال الكبيرة عادة ما تبدأ بفكرة نعتبرها نحن ذكية وخلاقة كمبادرة الأرض الحرام” وفق ما أفاد لـ موقع تلفزيون سوريا.
“خريطة طريق للثورة السورية”
أما المستشار الاقتصادي أسامة قاضي، فيقول إن المبادرة “تعد بمنزلة خريطة طريق للثورة السورية ومؤسساتها لأنها تعيد المسلحين إلى حيث يجب أن يكونوا على الثغور خارج المدن ويتاح حينذاك لقضاء مستقل حقيقي يعدل بين الناس ويتبع لوزارة العدل على أيدي قضاة منشقين، ومن ينظّم عمل الأمن داخل المدن هي الشرطة التابعة لوزارة الداخلية في الحكومة المؤقتة، ولتعزيز ذلك على الائتلاف حل مقاعد الفصائل فيه حيث لا حاجة لتلك المقاعد بوجود وزير للدفاع”.
ويضيف قاضي في حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا: “إن على السوريين في تلك المدن النضال من أجل تحقيق حلمهم بأن يسود الحكم الرشيد بمبادئه الـ12 التي أوردها الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، بما فيها الشفافية والمحاسبة والانتخابات الحرة النزيهة للمجالس المحلية وأن تكون تابعة إدارياً لوزير الإدارة المحلية وسيادة القانون وغيرها من المؤشرات على الجغرافيا السورية في الشمال الواقعة خارج سيطرة نظام الأسد”.
وختم عضو الهيئة التنفيذية في التحالف بالقول إن السوريين “ثاروا ودفعوا من دماء أبنائهم كثيرا من أجل أن يسود العدل على أرضهم، وعين العدل هو أن يخلي العسكر بينهم وبين الناس وأن يخلي العسكر بين التجار والصناعيين والناس من أجل تهيئة بيئة مناسبة للاستثمار ولو بالحد الأدنى لرفع سوية أهلنا المعيشية وخلق فرص عمل كي يبقى السوري كريما عزيزاً”.
“نبذ الاقتتال وحرمة الدم السوري”
من جهته، أوضح السفير فاروق طه، العضو المؤسس في “التحالف العربي”، لـ موقع تلفزيون سوريا أن هذه المبادرة هي “ميثاق شرف وعقد وعهد على نبذ الاقتتال وحرمة الدم السوري. واقعاً، بل ومنذ زمن، نحن بأمس الحاجة لمبادرة كهذه، لا سيما وأنها تُستلهم من الإرث الروحي والأخلاقي للأمة، وتحاكي الوجدان المجتمعي السوري المتكون عبر التاريخ”.
منظمة “العدالة العالمية” (Global justice)
منظمة أميركية غير ربحية، أسسها هيثم البزم وهو طبيب سوري مهاجر إلى الولايات المتحدة، وتنشط في مجال الأعمال الإنسانية والدعم الاجتماعي والصحي في دول عديدة حول العالم مثل سوريا والأردن وباكستان والقارة الأفريقية وغيرها.
وفي موقف لافت، سلطت المنظمة الضوء على البعد الثقافي في القضية السورية حين كرّمت الكاتبة التركية “بيرين بيرسايجلي موت” في جامع تقسيم بإسطنبول، تقديراً لمواقفها الداعمة والمنصفة للسوريين ولتأسيسها دار نشر “فارابي كتاب” التي تترجم الأدب السوري إلى اللغة التركية واللغات العالمية الأخرى، وتشرف على نشره.
“التحالف العربي الديمقراطي”
جبهة واسعة تشكلت قبل نحو عامين من أحزاب وتيارات وشخصيات سياسية سورية معروفة، وكان على رأس الموقعين على بيان تأسيسه رئيس الوزراء السوري المنشق رياض حجاب ومعاون وزير الخارجية السوري المنشق السفير فاروق طه والعديد من الشخصيات المستقلة والهيئات السياسية للمحافظات السورية المختلفة ومنظمات المجتمع المدني.