هل تتصالح تركيا مع النظام السوري؟ -مقالات مختارة-
تحديث 10 آب 2022
—————————
أردوغان والبوابة الروسيّة… إلى سوريا/ خيرالله خيرالله
ليس لدى تركيا في عهد رجب طيب أردوغان ما تفعله غير السعي إلى تفادي الوضوح السياسي. تتفادى تركيا الوضوح السياسي، بما في ذلك ما يخصّ علاقتها بإسرائيل، في عالم معقّد يحتاج إلى الوضوح. يحتاج هذا العالم إلى الوضوح بدل التذبذب واللعب على الحبال في كلّ المجالات.
يبدو أنّ أردوغان شعر فجأة بحاجة الرئيس فلاديمير بوتين إليه كي يخرج الأخير من حضن إيران. لبّى بعض المطلوب منه معتقدا أن ذلك يمثّل نوعا من الحذاقة في وقت ليس في وارد أوروبا، كلّ أوروبا، التعاطي مع روسيا ما دام بوتين في موقع الرئيس.
ساهم أردوغان في إخراج الرئيس الروسي من هذا الحضن الإيراني أم لم يساهم، ثمّة ألاعيب سياسيّة تجاوزها الزمن.
لا تليق هذه الألاعيب لا بدولة مثل روسيا ولا بدولة مثل تركيا، علما أنّه لا بدّ من التمييز بين شخصي أردوغان وبوتين. لم يغرق الرئيس التركي كلّيا بأيّ وحول بعد، باستثناء وحول الإخوان المسلمين وفكرهم المتخلّف الذي عشش في رأسه. لكنّ هناك نصف غرق تركي في الوحول السوريّة. هل يستطيع رجل غارق في الوحول الأوكرانيّة مثل فلاديمير بوتين انتشال الرئيس التركي من الوحول السوريّة أم سيدفعه إلى الغرق فيها أكثر كي يصبح هذا الغرق مكتملا؟
في مقابل نصف الغرق التركي في سوريا، ذهب الرئيس الروسي إلى أوكرانيا متسببا بكارثة عالميّة في مجال الطاقة والغذاء. ستترك الكارثة الناجمة عن سعي بوتين إلى تدمير أوكرانيا آثارها على العالم كلّه، خصوصا على العلاقات الروسيّة – الأوروبيّة. نجح بوتين في عزل روسيا عن أوروبا معتقدا أن احتلال أوكرانيا نزهة. لم يدرك في أيّ لحظة أخطار المغامرة التي أقدم عليها وما الذي تعنيه في داخل كلّ بلد أوروبي. تذكّر كل مواطن أوروبي فجأة صعود هتلر في ثلاثينات القرن الماضي. تذكّر كلّ أوروبي معنى أيّ تهاون مع بوتين بعدما أدّى التهاون مع هتلر إلى الحرب العالميّة الثانيّة.
قبل أيّام، التقى الرئيس التركي الرئيس الروسي في منتجع سوتشي الروسي بعد ثلاثة أسابيع من القمّة الثلاثيّة التي انعقدت في طهران، وهي قمّة استهدفت الردّ على زيارة الرئيس جو بايدن إلى إسرائيل ثم إلى المملكة العربيّة السعوديّة. ليس معروفا، أقلّه إلى الآن، ما الفائدة التركيّة من الذهاب إلى طهران ومشاركة أردوغان في قمّة مع بوتين والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي يرمز إلى كلّ ما تمثله سياسة “الحرس الثوري” في المنطقة. يختزل هذه السياسة مشروع توسّعي لا أفق سياسيا له… باستثناء عقد صفقة مع “الشيطان الأكبر” الأميركي أو “الشيطان الأصغر” الإسرائيلي!
لا بدّ من العودة إلى الوضوح. لا شيء أفضل من الوضوح. في سوريا، يدفع رجب طيب أردوغان ثمن غياب الوضوح. الواقع أنّه يدفع ثمن الاعتقاد أنّ تركيا دولة قادرة على لعب أدوار تفوق حجمها
في سوتشي، طلب بوتين من أردوغان فتح خط مباشر مع نظام بشّار الأسد بغية التعاون من أجل القضاء على “قوات سوريا الديمقراطيّة” (قسد) في الشمال السوري. يعرف الرئيس الروسي تماما أنّ الأكراد نقطة ضعف تركيّة وأنّ في استطاعته استغلال هذه النقطة من أجل إيجاد تقارب بين نظام بشّار الأسد وتركيا. إلى أين يمكن أن يؤدي هذا التقارب وما الفائدة منه في نهاية المطاف؟ لا شكّ في أن خطوة الرئيس الروسي خطوة تكتيكيّة ذكيّة. إنّه يضرب غير عصفور بحجر واحد. فهو يعيد، أوّلا، الاعتبار إلى النظام السوري وإلى الدور الروسي في سوريا. وهذا الدور الروسي تقلّص إلى حد كبير بعدما انشغلت روسيا بحرب أوكرانيا وباتت ايران اللاعب الأوّل في سوريا. بات على بوتين الاستعانة برجب طيّب أردوغان لتعويم روسيا ودورها في سوريا!
حسنا، يظلّ الأكراد همّا تركيا أساسيا، لكن ما الفائدة من دور تركي في إعادة الاعتبار إلى نظام سوري لا يمكن أن تقوم له قيامة في يوم من الأيّام؟ هذا ما يفترض أن يفكّر فيه الرئيس التركي جدّيا قبل إقدامه على خطوة في اتجاه بشّار الأسد خدمة لفلاديمير بوتين الذي وجد نفسه في الحضن الإيراني.
يصعب استبعاد وقوع الرئيس التركي في الفخّ الروسي الذي ينصبه له بوتين. الرجل مغامر من الطراز الأوّل. يعتقد أنّ العالم لا يعرف شيئا عن تركيا ومصاعبها ووضعها الاقتصادي. ما يعرفه العالم أنّ رجب طيّب أردوغان على استعداد دائم للعب كلّ الأوراق المطلوب منه أن يلعبها من أجل البقاء في السلطة. أراد فكّ الحصار عن غزّة في العام 2010. أرسل مواد غذائية على سفينة إلى القطاع. كانت النتيجة اضطراره إلى التراجع ثمّ العمل على إعادة مدّ الجسور مع إسرائيل. ليس ما يدعو إلى إعادة رواية قصة الفشل التركي في التعاطي مع فلسطين والفلسطينيين…
كانت سوريا المكان الوحيد الذي تستطيع فيه تركيا إظهار أنّها دولة جدّية، خصوصا في مرحلة ما بعد اندلاع الثورة الشعبيّة على النظام الأقلّوي الذي حوّل السوريين إلى عبيد في آذار – مارس 2011. فوتت تركيا كلّ الفرص التي أتيحت لها لتكون اللاعب الأساسي في سوريا. تراجعت أمام إيران التي لم يكن لديها من همّ سوى إنقاذ النظام وما لبثت أن تراجعت أمام روسيا.
بعد سلسلة الأخطاء التي ارتكبها أردوغان في سوريا، بات عليه الآن العودة إليها من البوابة الروسيّة. هذه ليست عودة مشرفة وذلك على الرغم من وجود رغبة حقيقيّة في تصفية الحسابات مع أكراد سوريا ومع الكيان شبه المستقلّ الذي أقامته “قسد” في شمال البلد.
لا بدّ من العودة إلى الوضوح. لا شيء أفضل من الوضوح. في سوريا، يدفع رجب طيب أردوغان ثمن غياب الوضوح. الواقع أنّه يدفع ثمن الاعتقاد أنّ تركيا دولة قادرة على لعب أدوار تفوق حجمها. لا يدري أنّ هناك ثمنا لكلّ شيء، بما في ذلك ثمن للتعاون مع إيران وثمن للتعاون مع روسيا في منطقة لا تزال فيها أميركا قادرة، إلى إشعار آخر، على لعب دور في غاية الأهمّية على غير صعيد!
إعلامي لبناني
العرب
——————–
رسائل قمة سوتشي الجديدة/ فراس رضوان أوغلو
لا شك أن قمة سوتشي الأخيرة بين الرئيسين الروسي والتركي تختلف عن سابقاتها من اللقاءات نظرًا للتطورات والمستجدات الدولية والإقليمية، فروسيا اليوم أصبحت أكثر حاجة لتوطيد العلاقات مع تركيا تماشياً مع الاستراتيجيات المستجدة بعد الحرب على أوكرانيا وهذا يعني أن الملفات المختلف عليها لا بد من تليين تناقض مواقف البلدين فيها لزيادة ذلك التعاون بينهما.
ليست هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها الرئيس أردوغان عن تواصل جهاز الاستخبارات التركي مع جهاز الاستخبارات في دمشق، لكن المستجد الجديد هو ذكره أنه إذا سلكت تركيا طريق التعاون مع دمشق لحل مسائل التنظيمات الإرهابية فإن ذلك سيكون أكثر صواباً طالما كان ممكناً وفق رؤية الرئيس بوتين، وهذه الرؤية الروسية ليست جديدة بل كانت تصر عليها منذ عدة سنوات ولكن لم يتم ذكرها من قِبل الجانب التركي سابقًا. علاوة على أن الرئيس أردوغان طالب في مستهل حديثة بالوصول إلى نتائج ملموسة على أرض الميدان في مكافحة الإرهاب وأنه ينتظر دعم صديقه بوتين في هذا الملف، وهذا يتوافق مع تصريحات جاويش أوغلو وزير الخارجية التركي عندما قال إنه من حق دمشق أن تزيل التنظيمات الإرهابية من أراضيها وأنه ليس من الصواب اعتبار المعارضة المعتدلة إرهابيين.
ولو أضفنا على ما سبق توقف العملية العسكرية ضد قسد والتي أعلنت عنها تركيا مراراً وتكراراً تأتي في إطار هذا التنسيق والتفاهم التركي الروسي، وبالطبع إن هذا التنسيق قد مر على طهران ودمشق، لكن هذا لا يعني أن هناك خطوات كبيرة قد اتخذت في هذا الإطار وإنما من الواضح أن تَسارع تلك الخطوات زاد بشكل أكثر وضوحاً من ذي قبل وأن تأثير تبعات الحرب الروسية الأوكرانية وخاصة في مسألة الغذاء والطاقة جعلت الجميع يتأنى ويتراجع عن حدة مواقفه فالسعي نحو التهدئة بات الخيار الاستراتيجي المفضل أكثر لدى أنقرة.
على أوروبا أن تكون ممتنة لتركيا إزاء تدفق الغاز الطبيعي من روسيا إليها دون انقطاع. تصريح هام من الرئيس الروسي يرسل من خلاله رسائل مهمة ويعطي زخماً ودعماً سياسياً لتركيا للاستمرار في سياستها التي تتبعها في ملف الحرب الروسية الأوكرانية، وفي نفس الوقت يقول للأوروبيين والعالم إن العقوبات الغربية على روسيا لم تؤثر عليها وإن أوروبا ما زالت تحتاج الغاز الروسي. وربما الرسالة الأهم أنه ممكن لتركيا أن تلعب دور الوسيط المالي بين روسيا والغرب وخاصةً أن البنوك الروسية تتواجد في تركيا واعتماد خمسة بنوك تركية نظام المدفوعات الروسية مير وأن كثيراً من الشركات الروسية توجهت نحو تركيا التي بدورها رفضت فرض عقوبات على روسيا واعتبرت أنه لا بد من وجود طرف ثالث شبه محايد من أجل إبقاء قنوات التواصل فعالة رغم القطيعة بين روسيا والغرب وفي حال نجحت تركيا في أداء هذا الدور فإن مكاسبها المالية والسياسية وحتى الاستراتيجية ستكون كبيرة جداً وبهذا تكون تركيا نوعاً ما نجحت في تحويل تبعات الحرب الروسية الأوكرانية من تبعات سلبية كارثية إلى تبعات إيجابية تستفيد منها وتستغلها في ملفات أخرى.
تحاول تركيا تكثيف جهودها ضد قسد مستفيدة من التوتر الجديد الحاصل بين الولايات المتحدة الأميركية والصين حول زيارة بيلوسي لجزيرة تايوان، فقمة طهران قد أوضحت أن الفرقاء الثلاثة روسيا وإيران وتركيا متفقون على أن التواجد الأميركي يرسخ فكرة تقسيم الأراضي السورية، علاوة على أن واشنطن هي من تحمي قسد التي تعتبرها تركيا الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، وفي حال خروج الولايات المتحدة الأميركية من الشمال السوري يصبح التفاهم أسهل مع روسيا حول الوضع السياسي في سوريا.
ما يهم تركيا هي الحدود الشمالية لسوريا التي تتواصل مع العراق وتركيا من الناحية الجغرافية، وحتى السكانية أما بقاء الأميركيين في مناطق أخرى من الجغرافية السورية فلا أظن أن هذا يقلق أنقرة أو حتى أنها ممكن أن تنشغل به، ولكن هذا المطلب لا يمكن اعتباره واقعياً فالتواجد الأميركي في سوريا يعتبر مطلباً لبعض الدول العربية من أجل إحقاق التوازن العسكري والاستراتيجي مع روسيا ومع إيران ولذلك لا يمكن لواشنطن أن تستمع لأنقرة وتتجاهل حلفاءها الآخرين في المنطقة.
من الواضح أن قمة سوتشي رسخت التعاون التركي الروسي في مجالات عدة ولعل أهمها القراءة الاستراتيجية المشتركة في ملفات عدة كالطاقة والغذاء والتبادل التجاري المشترك بين الطرفين الذي سيزداد مع الأيام القادمة، وذلك لحاجة روسيا لتركيا في مسائل التحويل المالي والوساطة المالية بين الغرب وروسيا المستفيدة سياسياً وإعلامياً من زيارة أحد قادة الناتو (القوة العسكرية الثانية في الحلف) بعد المقاطعة الغربية لها وفرض عقوبات عليها.
تلفزيون سوريا
——————————–
تركيا ونظام الأسد.. زواج بالإكراه!/ عدنان علي
بعد تسريبات عدة لوسائل إعلام تركية بشأن احتمال حدوث تقارب بين الحكومة التركية والنظام السوري على خلفية عدائهما المشترك لميليشيات قوات سوريا الديمقراطية في الأراضي السورية، أطلق مسؤولون أتراك مؤخرا تصريحات تصب في الاتجاه نفسه، ما يوحي بأن التقارب بين الجانبين، بات يتخطى مرحلة “التنسيق الأمني” الذي يقر به الطرفان علنا، ليشمل محاولة التفاهم على نقاط مشتركة، تستند ربما إلى اتفاقيات سابقة مثل اتفاقية أضنة لعام 1998.
وفي تصريح له خلال عودته من روسيا، قال الرئيس التركي أردوغان للصحفيين على متن الطائرة إنه تباحث مع نظيره الروسي بوتين حول الحل في سوريا، معتبرا أن الحل بالاشتراك مع النظام السوري، هو “الأكثر منطقية” مشيرا إلى أن المخابرات التركية ما زالت تعمل مع نظيرتها السورية.
وتأتي تصريحات أردوغان، عقب تصريح مماثل لوزير خارجيته مولود جاويش أوغلو، بشأن استعداد بلاده لدعم النظام السوري إذا قرر مواجهة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي تصنفها تركية كمنظمة إرهابية باعتبارها مجرد امتداد لحزب العمال الكردستاني المحظور لديها، بينما يصفها النظام السوري بأنها مجموعة انفصالية غير شرعية.
وتثير هذه التصريحات تساؤلات ما إذا كانت تشير إلى تفاهمات جرى التوصل إليها في قمة طهران الأخيرة التي جمعت قادة تركيا وإيران وروسيا، أم هي مجرد تكرار لمواقف تركية قديمة، تدعم أن يحل النظام السوري محل المسلحين الأكراد في السيطرة على المناطق الحدودية مع تركيا.
ولعل هذه التصريحات هي مؤشرات على أن تركيا تقوم بإعادة تقييم لموقفها إزاء “الملف السوري”، بما في ذلك العلاقة مع نظام الأسد، دون أن يعني أن نتيجة هذا التقييم ستكون المباشرة في التطبيع مع النظام، ربما أو على الأرجح مجرد بالونات اختبار لمعرفة ماذا لدى نظام الأسد وروسيا لتقديمه لتركيا، بما يجعلها تستغني عن العملية العسكرية التي تلوح بها منذ فترة في الشمال السوري.
والواقع، أن روسيا أفصحت لتركيا عن بدائلها والمتمثلة في اتفاقيتي أضنة لعام 1998 بين نظام حافظ الأسد وتركيا، واتفاق سوتشي لعام 2019 بين روسيا وتركيا. ويسمح الاتفاق الأول لتركيا بالتوغل لمسافة 5 كم داخل الأراضي السورية لملاحقة “العناصر الإرهابية”، وإن كانت تركيا تطالب بتعديلات على الاتفاق يزيد هذه المسافة إلى أكثر من 30 كم. أما الاتفاق الثاني الذي تم التوصل إليه خلال العملية التركية في الشمال السوري المسماة بـ “نبع السلام”، فقد أكد على مرجعية الاتفاق الأول وعلى ضرورة “إخراج عناصر قسد وأسلحتهم حتى عمق 30 كم من الحدود السورية – التركية، وخروج مقاتليها من مدينتي منبج وتل رفعت”.
كما أن إعادة إحياء اتفاق أضنة قد يعني إعادة فتح السفارة التركية في دمشق، والسفارة السورية في أنقرة، علماً أن القنصلية السورية في إسطنبول لم تغلق أبوابها قط برغم قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ذلك أن اتفاق أضنة يقضي بتعيين ضابط ارتباط أمني في سفارة كل جانب من أجل متابعة التنسيق، إضافة إلى تشكيل لجنة مشتركة وتشغيل خط ساخن، وكل ذلك يمكن أن يصب في خانة الاعتراف التركي بشرعية نظام الأسد.
لكن في المقابل، هل يستطيع نظام الأسد مساعدة تركيا في تحقيق أهدافها؟ الأرجح أنه لا يستطيع وربما لا يريد، حيث تربطه مع تنظيم حزب العمال الكردستاني علاقات قديمة منذ كان يستضيف زعيمه أوجلان في دمشق قبل اتفاق أضنة، وقام بالتنسيق المباشر مع الحزب للسيطرة على مناطق شرق سوريا حتى لا تسقط بيد المعارضة السورية المسلحة، وقد لا يفرط نظام الأسد بسهولة بهذه الورقة، خاصة مع تواصل الوجود الأميركي في شرق سوريا، الأمر الذي يمنعه من التمدد هناك والوصول إلى منافع النفط والأراضي الزراعية الخصبة حتى لو أراد فعلا العمل ضد قسد.
ربما يوفر الانفتاح على النظام السوري لتركيا فرصا سياسية، خاصة لجهة التعاون بشكل أوثق مع روسيا لمحاربة ما تعتبره أنقرة تنظيمات إرهابية كردية على حدودها، إضافة إلى إمكانية توسيع نشاطها العسكري والأمني ضمن الأراضي السورية لمطاردة عناصر تلك التنظيمات بالتعاون مع النظام السوري، لكن هذا التقارب إن حصل قد يواجه تعقيدات إضافية، كأن يطالب النظام السوري تركيا بالانسحاب من الأراضي السورية كشرط للتعاون معها، وهذا يعني تخليها عن المعارضة السورية التي استثمرت فيها أنقرة كثيرا خلال السنوات الماضية، ما يعني خسارة نفوذها في الملف السوري، مع احتفاظها بملايين اللاجئين السوريين الذين يعتبر معظمهم من المعارضين لنظام الأسد، ولا يمكنها إجبارهم على العودة إلى مناطق سيطرته، بينما تخطط حاليا لإعادة الكثير منهم إلى مناطق تسيطر عليها فصائل المعارضة المدعومة من قبلها، هذا إضافة إلى “العبء الأخلاقي” في العلاقة مع نظام طالما وصفه الزعيم التركي أردوغان بالمجرم والمارق وطالب بمحاسبته على انتهاكاته.
وباختصار، ربما يمكن تلخيص هذه التطورات بأنها لعبة جس نبض متبادلة حتى الآن، عرابها روسيا، يختبر كل طرف عبرها ماذا بوسع الطرف الآخر أن يقدم له، لكنها عملية مركبة تتضمن حسابات معقدة بعض الشيء بسبب تداخل الكثير من العوامل فيها، ولن تمضي قدما على الأرجح، إلا في حال كانت خيارا اضطراريا للجانبين اللذين لا يثقان ببعضهما، ويدرك كل منهما حقيقة ما يكنه له الطرف الآخر، بما يسببه الزواج بالإكراه، والذي غالبا ما ينتهي بالفشل، وأحيانا قبل أن يبدأ.
——————————
روسيا وتركيا: “أحبك وأنا لا أحبك أيضا”/ حسناء بو حرفوش
في الوقت الذي تواصل فيه روسيا وتركيا توسيع شبكة العلاقات الاقتصادية، يستمر الخلاف الجيوسياسي بين البلدين على الأغلب، لكن براغماتية العلاقة تظهر حاليا أنه على الرغم من الخلافات التي تفرق بين الاثنين، يحتاج كل منهما للآخر، حسب تحليل للكاتب الصربي المتخصص بالشؤون الروسية والبيلاروسية والأوكرانية، نيكولا ميكوفيتش.
ووفقا لميكوفيتش، “على الرغم من الغزو الأوكراني والتوترات المتزايدة بين أرمينيا وأذربيجان، تحظى مصالح الطاقة لموسكو وأنقرة على ما يبدو بالأولوية مقارنة بالأهداف الجيوسياسية المختلفة للبلدين في أماكن مثل سوريا ومنطقة البحر الأسود وجنوب القوقاز. وعلى الرغم من أنهما على طرفي نقيض في نزاعات مختلفة بالوكالة في جميع أنحاء العالم، تواصل كل من روسيا وتركيا زيادة تعاونهما الاقتصادي. و يلتزم كلا البلدين بالحفاظ على شراكتهما الاقتصادية حتى مع تصاعد التوترات في المناطق التي تتنافس فيها مصالح روسيا وتركيا.
كما تواظب روسيا على أعمالها مع تركيا على الرغم من العقوبات التي فرضها الغرب على الاتحاد الروسي بسبب أفعاله في أوكرانيا. وتقدّر مصادر روسية حجم التجارة بين روسيا وتركيا عام 2021 بنحو 35 مليار دولار وهو رقم يتوقع أن ينمو إلى 50-60 مليار دولار في 2022. وفي الوقت عينه، وفي ظل أزمة الغاز الأوروبية، لا يزال خط أنابيب الغاز الطبيعي ترك ستريم، الذي يربط روسيا وتركيا عبر البحر الأسود، الوحيد الذي يستمر بتوفير الغاز لأوروبا بشكل لا تشوبه شائبة. وفي حين أن قدرة ترك ستريم أقل من نورد ستريم 1 (31.5 مليار متر مكعب مقارنة بـ55 مليار متر مكعب)، إلا أنها تظل كبيرة، خصوصا بعد أن خفضت روسيا حجم الغاز الطبيعي الذي ترسله إلى أوروبا عبر خط أنابيب نورد ستريم 1.
وخلال القمة الأخيرة بين الزعيمين الروسي والتركي التي عقدت في 5 آب، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنظيره التركي رجب طيب أردوغان أن الأوروبيين يجب أن يشعروا بالامتنان لتركيا لضمان النقل غير المنقطع للغاز الروسي إلى الأسواق الأوروبية. وتشير التقارير إلى أن بوتين واردوغان اتفقا على أن تبدأ أنقرة بسداد مدفوعات الغاز الطبيعي الروسي بالروبل. وفي عام 2021، أمّنت روسيا ربع واردات تركيا من النفط تقريبا وما يقرب من نصف مشترياتها من الغاز الطبيعي. لذلك، ليس من المستغرب أن ترفض أنقرة الانضمام إلى العقوبات المناهضة لروسيا وتحاول موازنة تحالفها في الناتو مع علاقاتها الاقتصادية مع موسكو.
عداوة تاريخية وحروب بالوكالة
ومع ذلك، هذا لا يعني أن تركيا ترى روسيا كدولة صديقة. في الواقع، ليست الدولتان صديقتين ولا حليفتين، مع الإشارة إلى العداوة التاريخية التي تفرقهما مع خوض عدة حروب. واليوم، ينخرط البلدان في نزاعين بالوكالة على الأقل: في سوريا، حيث تدعم روسيا الرئيس بشار الأسد، وتدعم تركيا فصائل معارضة مختلفة شمال البلاد، وأيضًا في ليبيا حيث الجيش الوطني الليبي الذي ترعاه روسيا يقاتل حكومة الوفاق الوطني المدعومة من أنقرة. وبالمثل، في منطقة جنوب القوقاز، حيث خاضت أذربيجان وأرمينيا حربًا استمرت 44 يومًا في منطقة ناغورنو كاراباخ الجبلية. وتدعم تركيا بشكل علني باكو في حين أن الكرملين لديه تحالف اسمي مع يريفان من خلال منظمة معاهدة الأمن الجماعي. وبالنظر إلى أن التوتر في ناغورنو كاراباخ قد تصاعد مؤخرًا، من المحتمل جدًا أن تُدرج العلاقات بين أرمينيا وأذربيجان على جدول أعمال قمة سوتشي.
وفي حين أن التوترات المتزايدة في كل من سوريا وجنوب القوقاز قد تسبب مشاكل للشراكة الروسية التركية، قد توفر هاتين النقطتين أيضًا فرصة للبلدين لإيجاد مساحة لاستمرار المفاوضات. في سوريا، تحتاج تركيا للضوء الأخضر الروسي لشن “عمليتها العسكرية الخاصة” ضد الأكراد شمال البلاد. ومع ذلك، تواصل القوات الروسية تعزيز وجودها في المنطقة ودعا الكرملين أنقرة مرارًا إلى عدم شن غزو لشمال سوريا. وبالنسبة لموسكو، يتمثل التحدي في أن أنقرة تزيد بشكل كبير من نفوذها في منطقة جنوب القوقاز. ولا يزال لدى روسيا حوالي 2000 جندي حفظ سلام في ناغورنو كاراباخ، لكنها أثبتت عدم قدرتها على منع أذربيجان من الاستيلاء على أراضٍ إضافية في المنطقة. وقد يعني ذلك أن تركيا قادرة على استخدام نفوذ باكو على يريفان للضغط على موسكو لتقديم تنازلات لأنقرة. وستظهر الأسابيع المقبلة ما إذا كان بوتين وإردوغان قد توصلا لاتفاق.
وبالتزامن، تواصل تركيا، بوصفها عضوًا في الناتو، دعم وتسليح أوكرانيا بينما تغض موسكو الطرف إذ أن مصالح الطاقة ذات أهمية قصوى للكرملين، وبالتالي لن تسمح روسيا بتدهور العلاقات مع أنقرة. وتدرك تركيا ذلك تمامًا، وتسعى لتصوير نفسها على أنها وسيط في الصراع الروسي الأوكراني وزيادة نفوذها في منطقة البحر الأسود. حتى أن بوتين اعترف بمساهمة اردوغان المباشرة، في حل المشكلة المتعلقة بتوريد الحبوب الأوكرانية من موانئ البحر الأسود.
علاوة على ذلك، تملك تركيا فرصة للاستفادة من صفقة الحبوب التي توصلت إليها روسيا وأوكرانيا في إسطنبول في 22 تموز. وقد أعربت الشركات التركية بالفعل عن استعدادها لمعالجة الحبوب الروسية والأوكرانية وبيعها إلى أجزاء أخرى من البلاد والعالم. كما ستتمكن تركيا حاليا من شراء الحبوب من أوكرانيا والاتحاد الروسي بأسعار منخفضة، مما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد التركي المتضرر من التضخم. وكل هذه الحوافز الاقتصادية تؤكد أقله في المستقبل المنظور، على أن العلاقات الروسية التركية ستبقى ديناميكية وعملية قدر الإمكان”.
———————————
كيف يمكن لاتفاقية أضنة تغيير استراتيجية تركيا في سوريا؟
أنقرة (زمان التركية)ــ تناول الباحث لازغين يعقوب، مقالا يحلل فيه العلاقات التركية الروسية، وتأثيرها على الوضع في الداخل السوري، نشرته شبكة (روداو) الكردية العراقية، تطرق من خلاله إلى اتفاقية أضنة التاريخية، لتي تحاول موسكو إحيائها، كبديل عن مخطط “المنطقة الآمنة”.
جاء في المقال على المنشور اليوم:
صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في وقت متأخر من يوم الجمعة الماضي عن وجود اجتماعات جارية بين تركيا وسوريا بشأن القضايا الأمني، وبالأخص مكافحة الجماعات الإرهابية، وقد جاءت تصريحات أردوغان عقب اجتماعه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي يوم الجمعة، حيث قيل إن الأخير طلب من أردوغان التعاون مع سوريا.
وقد صرح أردوغان أيضا بقوله “اتفقنا على القرار بإعطاء الرد اللازم في معركتنا ضد القتلة الذين هاجموا جنودنا وشرطتنا وقواتنا الأمنية ومواطنين مدنيين”.
إلا أن الكرملين كشف في بيان مشترك أن كلا الجانبين اتفقا على “العمل المشترك والتعاون الوثيق لمحاربة جميع المنظمات الإرهابية”مع عدم إعطاء تفاصيل حول جوهر هذا التعاون أو الآلية التي سيتم من خلالها تنفيذه، والحقيقة أن المسؤولون الروس حثوا مرارًا وتكرارًا كلا من سوريا وتركيا على تفعيل اتفاقية أضنة 1998.
والحقيقة أيضا أنه بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية كان البلدان على طرفي نقيض، و قطعت تركيا العلاقات الدبلوماسية مع سوريا في آذار / مارس 2012، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك أكد المسؤولون الأتراك دائمًا أنه عندما يتعلق الأمر بالقضايا الأمنية ومكافحة الإرهاب،كان هناك دائما لقاءات بين البلدين الجارين، لكن دمشق من جانبها تنفي بشكل قاطع مثل هذه المزاعم.
وبعد عقد من قطع العلاقات الدبلوماسية سهلت روسيا في كانون الثاني /يناير 2020 لقاءً بين رئيسي جهازي المخابرات التركية والسورية هاكان فيدان وعلي مملوك في موسكو، وقد تضمن ذلك اللقاء نقاشات لعدة أمور كان من بينها إمكانية العمل معا ضد القوات الكردية، وزعمت وسائل الإعلام التركية أن اجتماعا آخر عقد أيضا في عام 2021 دون أي تعليق من قبل الجهات الرسمية السورية.
ولطالما تأثرت العلاقات التركية السورية بسبب القضايا المتعلقة بالقضية الكردية التي كانت نقطة اختلاف أحيانا وفي أحيان أخرى نقطة التقاء، ومن المعلوم أن معاهدة أنقرة لعام 1921 والمعروفة أيضًا باسم اتفاقية فرانكلين بويون أرست الأساس لترسيم حدود تركيا الجنوبية مع سوريا والتي كانت مدار اختلاف بين الجانبين إلى أن تمت تسويتها نهائيًا وإن لم يكن بشكل دائم في عام 1939.
بينما في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي كادت الحرب تقع بين البلدين بسبب قضية حزب العمال الكردستاني (PKK) وقضية المياه، ومع فشل السياسيين الأتراك في إيجاد حل دبلوماسي لحل مسألة الدعم السوري لحزب العمال الكردستاني،كان الجيش هو الجهة التركية التي اتخذت اجراءا فيما يتعلق بهذا الأمر. لكن نقطة التحول الحقيقية في العلاقات بين الجانب التركي والسوري جاءت في تشرين الأول/أكتوبر 1998 عندما وقع الجانبان على اتفاقية أضنة التي تركز على الأمن والتي أدت إلى تعاون سريع بين الجانبين ليس فقط سياسيًا ولكن اقتصاديًا أيضًا.
وقد تم التوقيع على الاتفاقية في 20 أكتوبر 1998 بعد أحد عشر يومًا من إجبار عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني على مغادرة سوريا، إلا أن ذلك لم يخفف من مخاوف تركيا، إلا أن سوريا اعتبرت حزب العمال الكردستاني جماعة إرهابية ، وتعهدت سوريا بعدم السماح بأي أنشطة لحزب العمال الكردستاني ضد تركيا أو السماح لأعضائها باستخدام أراضيها كموقع عبور.
وهكذا بموجب اتفاقية أضنة تم إغلاق جميع مكاتب حزب العمال الكردستاني على الأراضي السورية وتم حظر أنشطته وملاحقة أعضائه داخل سوريا.
وبالعودة إلى يومنا الحاضر فقد فشل أردوغان الاسبوع الماضي في إقناع نظيريه الروسي والإيراني بدعم عمليته العسكرية المخطط لها ضد قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد في شمال سوريا، حيث يريد أردوغان التوغل 30 كيلومترًا في عمق الأراضي السورية لاستكمال “منطقته الآمنة” التي بدأها منذ سنوات طويلة، محاولا طرد المقاتلين الأكراد.
يوم الاثنين، أعربت إدارة العلاقات الخارجية في كردستان الغربية بسوريا “ روجافا“ -منطقة الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا- في بيان لها عن مخاوفها بشأن التقارير المزعومة عن إحياء اتفاقية أضنة، ومن جهة روسيا فإنها لا تعارض بشكل صريح فكرة “المنطقة الآمنة” لأردوغان في شمال سوريا ، مادام أنها لا تصل إلى حد الإضرار بالمصالح الروسية من خلال المزيد من الاحتلال التركي للأراضي السورية، ومن جهة أخرى تريد كلا من روسيا وإيران إعادة المناطق التي يسيطر عليها الأكراد بالكامل إلى سيطرة قوات النظام السوري.
من خلال الوساطة الروسية بين تركيا وسوريا تحاول روسيا تشجيع كلا الدولتين على حل القضايا العالقة بينهما على طول حدودهما من خلال إحياء اتفاقية. أضنة ، ومع ذلك يؤكد الأتراك أن سوريا لا تملك القدرة على تنفيذ الاتفاق المعني.
إلا أن الجدير بالذكر هنا كون المادة الرابعة من تفاهم سوتشي الروسي التركي لشهر أكتوبر 2019 تنص على أن “كلا الطرفين يعيد تأكيد أهمية اتفاقية أضنة، وأن روسيا من جانبها ستسهل تنفيذ هذه الاتفاقية في ظل الظروف الحالية”.
ورغم أن الأزمة السورية أوقفت اتفاقية أضنة، إلا أن الاتفاق من وجهة النظر الروسية لا يزال ساري المفعول من الناحية الفنية، ووفقًا لوجهة النظر الروسية، فإن اتفاقية أضنة هي الأساس القانوني لأي عمليات تركية داخل الحدود السورية بالتنسيق مع دمشق، وبناءً على ذلك تقول موسكو إنه لا توجد حاجة لأرضية جديدة ،للقيام بعمليات عسكرية تركية في الأراضي السورية وأن هذا كفيل بتحقيق “المنطقة الآمنة لأردوغان” إلا أنه يمكن تعديلها بما يلبي الأوضاع الجديدة التي نشأت في شمال سوريا، واللافت للنظر، أنه خلال الشهر الماضي ، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن بلاده مستعدة للتعاون مع النظام السوري ضد قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد.
أما الجانب الروسي فلديه هدفان أساسيان يعمل على تحقيقهما. أولاً: تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري، أما الهدف الثاني هو تقليص التطلعات التركية في شمال سوريا للتتحول من منطقة آمنة إلى مسألة قلق أمني تركي.
وبحسب اتفاقية أضنة فقد تخلت سوريا عن مطالبتها بولاية هاتاي “الإسكندرونة سابقاً”، كما منحت المادة 4 من اتفاقية أضنة تركيا الحق في اتخاذ جميع الإجراءات الأمنية اللازمة داخل الأراضي السورية على عمق خمسة كيلومترات، لمطاردة أعضاء حزب العمال الكردستاني، وهكذا يزعم أردوغان أن اتفاق أضنة يمنح تركيا الحق في دخول سوريا في حالة حدوث تطور سلبي.
ونظرًا لكون اتفاقيتي تركيا الموقعة بشكل منفصل مع الولايات المتحدة وروسيا في أكتوبر 2019 لا تزال قائمة نظريًا ،فقد يبدو اتفاق أضنة بديلاً جذابًا لأردوغان على الأقل في الوقت الحالي ، مما قد يمثل تغييرًا في موقف تركيا تجاه سوريا.
زمان
—————————–
“الوطني الكردي”: العملية التركية في شمال سورية ربما التغت أو تأجلت
قال بشار أمين، القيادي في “المجلس الوطني الكردي” في سورية، إن هناك “توافقاً” بين روسيا وتركيا وإيران على دعم نظام الأسد، على حساب “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، عبر تحقيق التفاهم بين تركيا والنظام، مشيراً إلى أن خيارات “قسد” تبقى محدودة، “إما الارتماء في أحضان النظام السوري، أو الاعتماد الكلي على أمريكا والتحالف الدولي”.
واستدرك، في حديث لموقع “باسنيوز“، المتخصص بالشأن الكردي، نشرته أمس الثلاثاء: “لكن الجانب الأمريكي قد لا يتخلى عن مناطق نفوذه في شرق نهر الفرات”.
ورأى القيادي الكردي، أن قمة طهران الأخيرة بين روسيا، تركيا وايران “قد أنتجت هذا التصعيد الذي نشاهده، حيث التوافق لدعم النظام السوري على حساب قسد، عبر تحقيق التفاهم بين النظامين التركي والسوري”.
وحول العملية العسكرية التركية التي تهدد أنقرة بتنفيذها في الشمال السوري، رأى أمين بأنها “ربما التغت أو تأجلت إلى أجل غير مسمى، لتستعيض تركيا عنها بهذا التصعيد الخطير وعلى طول الحدود مع سورية تقريباً”، على حد قوله.
وحذر في سياق متصل، من أن “وقع هذا التصعيد على المنطقة هو خطير جداً، قد يؤدي إلى المزيد من النزوح والتهجير، رغم الدعوات المستمرة للأهالي والسكان بالتشبث بالأرض والمسكن والممتلكات، حتى ولو كان على حساب راحتهم”، حسب وصفه.
يُشار إلى أن الرئيسين التركي، رجب طيب أردوغان، والروسي، فلاديمير بوتين، عقدا قمة، السبت الماضي، في مدينة سوتشي الروسية، وبحثا خلالها الملف السوري، والعملية العسكرية التي تهدد أنقرة بتنفيذها شمالي سورية.
وقال أردوغان بعد لقائه بوتين، إن قرار تأسيس “منطقة آمنة” على عمق 30 كيلو متراً عند حدود تركيا الجنوبية، ما زال قائماً، مضيفاً: “قريباً سنوحد حلقات الحزام الأمني بتطهير المناطق الأخيرة، التي يتواجد فيها التنظيم الإرهابي في سورية”.
وتعتبر تركيا، أن “قسد” التي تشكل “وحدات حماية الشعب” عمادها، امتداداً لـ”حزب العمال الكردستاني”، المصنف على لوائح الإرهاب في تركيا ودول كثيرة بينها الولايات المتحدة.
وسبق أن أعلنت إيران الوساطة بين تركيا والنظام للتشاور حول العملية العسكرية شمالي سورية، إذ قال وزير الخارجية الإيراني، أمير عبد اللهيان، خلال زيارته لدمشق الشهر الماضي، إن بلاده تحاول “حل الأزمة” بين تركيا ونظام الأسد بالوسائل السياسية.
وأضاف حينها في تصريح “لوكالة الأنباء الإيرانية”، أنه ناقش مع رئيس النظام، بشار الأسد، إمكانية تركيا لشن عملية عسكرية في شمال سورية، في اجتماع دام أكثر من ساعتين.
ونوه الوزير الإيراني، إلى أن “طهران تحاول حل هذه الأزمة والمشكلة بين البلدين بالوسائل السياسية”، معلناً رفض إيران اللجوء إلى الحرب.
—————————
هل تنجح مساعي موسكو وطهران في إنجاز المصالحة التركية – السورية؟/ سركيس قصارجيان
يتزايد الاعتقاد لدى الأتراك بقرب التطبيع بين حكومتهم ودمشق، الوجهة الإقليمية الوحيدة التي لم تعد العلاقات معها إلى ما قبل “الربيع العربي” ضمن السياسة الجديدة التي ينتهجها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ أكثر من عام بسبب الأزمتين السياسية والاقتصادية اللتين تهددان مستقبله السياسي.
هذا الاعتقاد تدعمه التصريحات الرسمية التركية الصادرة مؤخراً من أعلى المستويات بدءاً من الرئيس أردوغان ووزير خارجيّته، وصولاً إلى صحافيين وكتّاب مقربين من السلطات في أنقرة، وذلك بالتوازي مع ارتفاع حرارة العلاقة التركية مع حلفاء دمشق في طهران وموسكو.
لكن، على عكس مسارات التطبيع مع كل من أبوظبي والرياض وتل أبيب، فإن حسابات أردوغان مع دمشق أشدّ تعقيداً من مثيلاتها مع العواصم الأخرى وأكثر صعوبة. فإذا أخذنا في الاعتبار فشل أنقرة في بلوغ المستوى المأمول في علاقاتها مع القاهرة على الرغم من كل التنازلات التي قدّمتها للأخيرة، سيكون من السهل تصوّر صعوبة انجاز مهمة التطبيع التركي – السوري.
ويعتقد الدبلوماسي السابق والمتدرّج في العديد من الوظائف الوزارية والعسكرية والدبلوماسية التركية قبل عهد “العدالة والتنمية”، ايدين سيزير، في حديث إلى “النهار العربي” أن المصالحة السورية – التركية باتت قريبة جداً، ومن الممكن أن نشهد مفاجأة كهذه في أي لحظة. المؤسسة الاستخباراتية في كلا البلدين على تواصل، كما أن تركيا تصالحت مع الجميع”.
تعاظم دور المؤسسة الاستخباراتية التركية، وكالة المخابرات الوطنية (MIT)، نتيجة الظروف الاستثنائية التي فرضها “الربيع العربي” على المنطقة من جهة، وبسبب تزايد مشاكل تركيا مع الدول الإقليمية والغربية، التي كانت حتى الأمس القريب حليفة لأنقرة، ما أجبرها على اللجوء إلى أساليب غير تقليدية وبعيدة من السياسة أحياناً في إدارة هذه العلاقات، كما الحال بالنسبة إلى استعمال ورقة اللاجئين لابتزاز أوروبا، والمرتزقة في ليبيا وأذربيجان وغيرهما، وهي جميعها تقع في صميم العمل المخابراتي.
الدبلوماسية الاستخباراتية
في هذه الظروف الاستثنائية اعتمدت أنقرة سياسة جديدة سمّاها الرئيس التركي “بالدبلوماسية الاستخباراتية” تقوم على إبقاء قنوات الاتصال الاستخباراتية مفتوحة مع العواصم التي باتت أبواب الدبلوماسية التركية مغلقة معها.
في شباط (فبراير) 2019 قال الرئيس التركي في مقابلة مع قناة “TRT” الحكومية أن “السياسة الخارجية بين تركيا وسوريا مستمرة على مستوى الأجهزة الأمنية، على خلاف المؤسسات الدبلوماسية”، شارحاً في الوقت ذاته أن “المؤسسات الاستخباراتية لا تقوم بما يقوم به السياسيون، عليكم ألا تقطعوا هذا الخيط تماماً (العلاقة مع دمشق)، لأن هذا الخيط يلزمكم في يوم من الأيام”.
وفي منتصف كانون الثاني (يناير) 2020، كشفت وكالة الأنباء الرسمية السورية “سانا” عن لقاء بين اللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني في سوريا ونظيره التركي هاكان فيدان في موسكو، وأكّدته وكالة “رويترز”. كما تحدّث وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في آب (أغسطس) 2021 عن أن “أنقرة تتواصل مع دمشق لكن في القضايا الأمنية المتعلّقة بالإرهاب فقط”، من دون أن يستبعد إمكان تواصل “الدبلوماسيين مع بعضهم بعضاً، لكن ليس السياسيين”.
لطالما حاول الرئيس التركي ووزير خارجيته الإيحاء بوجود اتصالات سرّية مع دمشق التي ردّت على هذه الادعاءات مؤخّراً بلهجة قاسية، مرجعة هذه التصريحات إلى التجاذبات السياسية الداخلية في تركيا، ليعلن وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد في شباط (فبراير) الماضي، شروط دمشق من أجل التطبيع مع أنقرة، مذكّراً أن “سوريا وتركيا جارتان، ويربطنا تاريخ طويل و500 سنة احتلال، تكفي نفهم بعضنا”.
وتتضمن شروط دمشق للتطبيع: سحب تركيا لقواتها من الأراضي السورية، وتوقّفها عن دعم الإرهابيين وكفها عن حرمان السوريين من الموارد المائية، وبناء علاقات مع دمشق على أساس الاحترام المتبادل، وهي شروط تظهر الهوّة الكبيرة في رؤية البلدين السياسية والميدانية. فالعمليات التي تصوّرها أنقرة أنها تهدف إلى تأمين حدودها الجنوبية وإحلال الأمن والاستقرار داخل سوريا، تصفها دمشق “بالاعتداءات” وتعتبر الوجود التركي على أراضيها “احتلالاً”، كما أن دمشق، نقيض أنقرة، لا تعتبر “قسد” وحزب “الاتحاد الديموقراطي الكردي” و”وحدات حماية الشعب”، منظمات إرهابية مثل الميليشيات المتحالفة مع أنقرة أو العاملة تحت إمرتها، ناهيك بكثرة الملفّات الشائكة بين البلدين.
يشير هذا التناقض إلى صعوبة مهمة كل من طهران وموسكو الساعيتين إلى تحقيق المصالحة بين حليفيهما السوري والتركي.
ويشرح سيزير، مؤلف العديد من الكتب السياسية، أن “روسيا ذكّرت أنقرة خلال قمة سوتشي عام 2019 التي أنهت عملية نبع السلام، باتفاقية أضنة، مبيّنة أنها مستعدة للعب دور الوساطة بين البلدين، ولذلك فإن تحقيق المصالحة بين أردوغان وبشار الأسد لم يغب يوماً عن برنامج العمل الروسي، وفلاديمير بوتين يشير لأردوغان نحو دمشق بشكل مستمر”.
تعتقد روسيا أن المصالحة السورية – التركية تحقق هدفين رئيسيين: فهي من جهة تضغط على الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا للتفاهم مع دمشق، ومن جهة أخرى تسهم في تخفيف النفوذ الإيراني في سوريا.
لكن تبقى معضلة “قسد” والموقف التركي العازم على إطلاق عملية عسكرية ضدها عائقاً أمام موسكو للشروع في مهمة المصالحة في ظل تمسّكها برفض أي تحرّك عسكري في سوريا، وهو ما كررته في سوتشي مرفقاً بجملة “تفهّم المخاوف التركية المشروعة”.
توجّه أردوغان إلى سوتشي واضعاً الاقتصاد دون غيره نصب عينيه. وقد شهدت الفترة الفاصلة بين قمتي طهران وسوتشي نشاطاً لزيارات الوفود التقنية الروسية إلى تركيا من أجل البحث في الملفات الاقتصادية. يؤكد سيزير أن “زيارة أردوغان لسوتشي جاءت في سياق الانتخابات التركية وبهدف جذب ما أمكن من الاستثمارات الروسية، بخاصة أن التوقّعات من الإمارات والسعودية بقيت في الحدود الدنيا”.
وبحسب سيريز، الخبير في السياسات الخارجية والمتخصص بالشأن الروسي، فإن “أردوغان كان على علم قبل الذهاب إلى “سوتشي” أنه لن يحصل على ضوء أخضر روسي من أجل عمليته العسكرية في سوريا، فقد تم التحدّث عن كل التفاصيل بشكل واضح وصريح في قمة طهران”.
يشرح سيزير أن “المبادرة في الميدان السوري انتقلت من روسيا إلى إيران، بخاصة في ما يخص التحرّكات العسكرية التركية، لأنه نعلم أن عمليات عفرين وادلب ونبع السلام جاءت في سياق تفاهمات بين تركيا وروسيا، أي أن إيران كانت قد استُبعدت من مسار آستانا، وهو ما أزعجها، لكن روسيا باتت تأخذ إيران على محمل الجد، فقد غدت العلاقات الروسية – الإيرانية تأخذ مظهراً استراتيجياً على خلفية الحرب الأوكرانية، وإيران كما تركيا نافذة مهمة بالنسبة إلى روسيا نحو العالم الخارجي في ظل العقوبات المفروضة عليها، كما أنها تتخذ مواقف صارمة من الغرب مثلها”.
منذ العملية العسكرية التركية الأولى في سوريا، والتي أطلقتها أنقرة بعد 5 أسابيع فقط من محاولة الانقلاب في 15 تموز (يوليو) 2016، كانت العمليّات العسكريّة التركيّة تبدأ في غضون يومين أو ثلاثة أيام غداة حديث أردوغان عنها على أبعد تقدير. هذه المرة أعلن أردوغان عزمه إطلاق عمليّته العسكرية في 23 من أيّار (مايو) الفائت، ورغم مضي أكثر من شهرين على الإعلان إلا أن التحرك العسكري التركي لم يتحقق.
السبب الرئيسي خلف عدم شروع أردوغان بإطلاق عمليّته العسكرية في سوريا هو المعارضة الإيرانية – الروسية لها. شعرت أنقرة بالإهانة عندما أشار المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، لأردوغان إلى بعض الجماعات الجهادية التي تتلقى دعماً من تركيا كمنظّمات إرهابية من دون التطرق إلى “حزب العمال الكردستاني”، ناصحاً أردوغان بالتحدث مع الأسد.
أما بالنسبة إلى روسيا، فقد أثبتت موسكو عدم تهاونها أمام أي تحرّك تركي خارج إطار التنسيق الثنائي، عندما قامت بقصف أو التنسيق لقصف رتل عسكري تركي أدى إلى مقتل 34 جندياً تركياً في 27 شباط (فبراير) 2020، خلال عملية الجيش السوري العسكرية لاستعادة ريف إدلب الجنوبي.
في نهاية اجتماع سوتشي، جاء البيان المشترك بين الزعيمين على ذكر القتال سويّاً ضد كل أنواع التنظيمات الإرهابية في سوريا. لكن، حتى وإن حاولت أنقرة تصوير ذلك كاتفاق على عمليتها العسكرية، فإن تعريف “كل أنواع التنظيمات الإرهابية” يبدد ذلك التصوّر. فروسيا التي لا ترى في “حزب العمال الكردستاني منظّمة إرهابية، تعتبر جماعة “الإخوان المسلمين” أو بعض التنظيمات الجهادية التي تدعمها أنقرة ضد دمشق منظّمات إرهابية.
في المقابل فإن أردوغان في حاجة ماسة إلى تنفيذ عمليّته العسكرية ضد “قسد” و”وحدات حماية الشعب” التي يعتبرها أجنحة “العمال الكردستاني” السورية. فحسب سيزير “في حال فشل أردوغان في شن عمليّة عسكرية ضد طحزب العمال الكردستاني”، والتي تعتبر أهم رموز الوحدة الوطنية في تركيا وأساس تمكين القاعدة الشعبية في البلاد، فإن تقارباً تركياً مع دمشق وبالتالي تحديد خريطة طريق لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم يمكن أن يؤديا دوراً هاماً بالنسبة إلى أردوغان خلال التحضير للانتخابات المقبلة”.
ويضيف سيزير أن “أي تحرّك من قبل أردوغان في سوريا سيكسبه نقاطاً في الانتخابات، وفي المقابل فإن المصالحة تحقق مكاسب لدمشق أيضاً عبر التمهيد لانسحاب تركيا من المناطق التي تحتلها في سوريا، كما أن حكومتها تكتسب المزيد من الشرعية، وسيكون تطوراً هاماً في المجال الاقتصادي، وتمنح الأسد الساعي إلى موازنة النفوذ الإيراني بالروسي وبالعكس خياراً ثالثاً ما يسهّل عليه اقامة هذا التوازن”.
أما بالنسبة إلى إيران المنهكة جراء الحرب في سوريا التي استنزفت الكثير من طاقتها، فإنها بحسب سيزير “ترى في المصالحة السورية – التركية عامل ضغط اضافي على الوجود الأميركي في سوريا، والذي تعتبره تهديداً أمنياً وعسكرياً لها، كما أنها تعتقد أن الحفاظ على وحدة الأراضي السورية لا يكتمل إلا من خلال إنجاز هذه المصالحة”.
ويختم سيزير، كاتب المقالات التحليلية في العديد من الصحف والمواقع السياسية التركية، حديثه بالقول: “رغم ذلك لا يمكنني القول إن خيار شن تركيا عملية عسكرية جديدة في سوريا قد تم إلغاؤه، لأن هذا الملف يعتبر مربحاً دائماً بالنسبة إلى الرأي العام التركي في فترات الانتخابات، لذا سيتم تسخينه بين الحين والآخر وتقديمه للرأي العالم التركي مجدداً. حتى أنّه سيتم ارسال تعزيزات للوحدات العسكرية التركية في سوريا، وذلك مرتبط في الأساس بالسياسة الداخلية”.
وأضاف: “لكن من المؤكد أن تركيا لن تحصل بعد اليوم على أي ضوء أخضر إيراني أو روسي من أجل عملية عسكرية واسعة في سوريا، لذلك فإن ملف العملية العسكرية لن يتّم طيّه مع استحالة القيام بها على نطاق واسع. وفي العموم فإن هذا خاضع لتقلّبات السياسة الداخلية في تركيا”.
النهار العربي
——————————-
اتفاقية أضنة جديدة بين دمشق وأنقرة.. هل تتحقق؟/ رامز الحمصي
عديدة هي التقارير التي أشارت مؤخرا إلى احتمالية أن تتجه كل من دمشق وأنقرة لتوقيع اتفاقية برعاية روسية تكون نسخة مطورة عن اتفاقية أضنة للعام 1998، هذه الاتفاقية تحمل مضامين أمنية جديدة مختلفة عما كان عليه الحال قبل أكثر من عشرين عاما.
الاتفاقية الجديدة تنطلق من افتراض الحديث عن بنود قدمها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، خلال لقائهما في مدينة سوتشي الروسية، يوم الجمعة الماضي (5 آب/أغسطس)، حيث حملت أبرز تلك البنود إشارة صريحة برعاية روسيا لاجتماعات أمنية بين أنقرة ودمشق.
صحيح أن الاجتماعات الأمنية بين الطرفين ليست بالأمر الجديد وهو أمر تم الاعتراف به من قبلهما عبر تصريحات رسمية خلال السنوات الماضية، إلا أن طرح الاجتماعات الأمنية من أجل وقف العملية العسكرية المحتملة في مناطق من الشمال السوري، يحمل في طياته على ما يبدو مسعى روسي لتحديث اتفاقية أضنة من أجل إعطاء أنقرة تطمينات أمنية تحفظ مشروع نفوذها المتغول في الشمال السوري.
تعديل يستثني التوغل البري؟
لا يعني الطرح الروسي إذا ما كان دقيقا حيال رعاية الاجتماعات الأمنية بين دمشق وأنقرة؛ إلى جانب تنسيق عسكري وتعاون مشترك بين دمشق و”قسد” برعاية روسية أيضا، أن هذا أمر قابل للتنفيذ المباشر، فهناك عوائق عدة قد تقف أمام هذه الطروحات، لا سيما وأن التفاهمات بين الطرفين في أحيان كانت مجرد حبر على ورق ولعل اتفاق موسكو (آذار 2020) حول الشمال السوري خير دليل على البنود غير المنفذة بين الطرفين، سواء كان من الجانب الروسي أم التركي، فلم تلتزم أنقرة بوعودها حيال وجود القوى الإرهابية في جنوبي منطقة إدلب، كما لم تلتزم روسيا بالتراجع عن أي منطقة هناك فضلا عن خرق مستمر للتهدئة. لذا فإن ما يحكم الاتفاقات بين الطرفين مدى الخلافات أو التوافقات بينهما حيال ملفات أخرى ارتبط بها الملف السوري عضويا، فضلا عن وجود عوائق ثانية تتعلق بالأطراف الأخرى الفاعلة على الأرض السورية.
احتمالات اتجاه موسكو لتفعيل اتفاقية أضنة جديدة قد تسمح بتدخل تركي أكبر داخل سوريا إذا ما احتاجت أنقرة ذلك تتجاوز المسافة المتفق عليها في اتفاقية أضنة عام 1998، لا يستبعدها الباحث والأكاديمي بالعلاقات الدولية، الدكتور علي بوركو.
ويقول بوركو، لـ”الحل نت”، إن روسيا ربما تقترح على تركيا حلا مناسبا يوقف أي تهديدات عسكرية تركية، من خلال فتح المجال الجوي أمام الطائرات التركية سواء الآلية (بدون طيار) أو الحربية التابعة لسلاح الجوي التركي، فيما ستبقى الاتفاقيات البرية بين الطرفين سارية المفعول.
ويرجع قبول تركيا وتراجعها عن العملية العسكرية برأي بوركو، إلى أنه إذا طبقت سوريا وتركيا اتفاقية أضنة أو أي تعديل عليها، فلن يكون ذلك في مصلحة تركيا لأنها تحد من وجودها العسكري وتجبرها على الاعتراف بالحكومة السورية، والرئيس السوري، بشار الأسد.
إحياء اتفاقية أم مسار جديد؟
تختلف بنود اتفاقية أضنة وبنود الاتفاق التركي – الروسي حيال شمال وشرق سوريا، والذي جرى التوصل إليه عقب العملية العسكرية التركية في تشرين الأول/أكتوبر 2019.
في العام 2019، توصلت تركيا مع روسيا والولايات المتحدة إلى اتفاقين منفصلين، وذلك عقب عملية ما تسمى “نبع السلام”، التي سيطرت فيها تركيا و”الجيش الوطني” المعارض المدعوم من قبلها على منطقتي تل أبيض ورأس العين في شمال شرق سوريا، ونص الاتفاقان حينها على توغل القوات التركية بعمق من 32 إلى 35 كيلومترا لضمان أمن حدودها.
تطبيق الاتفاق الجديد باعتقاد بوركو، يأتي من منطلق الحد من مخاوف تركيا، وأيضا لإيقاف توسيع تواجدها العسكري على الأراضي السورية، ولذلك فإن موسكو ستقبل به، خصوصا وأن المنطقة التي ستستهدفها الطائرات التركية لا توجد فيها قواعد روسية أو قوات تابعة للجيش السوري.
وطبقا لحديث بوركو، فإن قبول موسكو بهذا الاتفاق يمنع توغلات أنقرة الجديدة لربط “جيوبها” العسكرية في شمال سوريا، وهي “درع الفرات” شمال حلب الذي أنشئت عام 2016، و”غصن الزيتون” في عفرين عام 2018، و”نبع السلام” شرق الفرات عام 2019.
ويعتقد الباحث السياسي، أنه مثلما نفذت روسيا اتفاقية “فك الارتباط” بين سوريا وإسرائيل ونشرت قوات دولية في الجولان، فإنها تسعى إلى تفعيل الاتفاقات المؤقتة، وإلى إعادة تفعيل اتفاقية أضنة، والتي من شأنها أن تمهد الطريق لـ “إضفاء الشرعية” على الحكومة السورية.
ما هي اتفاقية أضنة؟
في مدينة أضنة التركية عام 1998، وقعت تركيا وسوريا اتفاقية لنزع فتيل التوتر الذي دفع البلدين إلى شفا الحرب. إذ كانت العلاقات السورية التركية متوترة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وخصوصا حول ترسيم الحدود بين سوريا.
في التسعينيات، وصلت العلاقة إلى نقطة الغليان عندما قررت الحكومة التركية بناء نظام سدود ضخم على نهري دجلة والفرات، والذي يبدأ في شرق تركيا، ويمر عبر سوريا، وينتهي في العراق، مما يهدد تدفق المياه إلى سوريا ويعرض مناطقها الزراعية للخطر، وردا على ذلك، زادت الحكومة السورية من دعمها لـ “حزب العمال الكردستاني” المحظور في تركيا.
جاءت اتفاقية أضنة نتيجة جهود وساطة من جانب مصر وإيران وإرضاء المطالب التركية بأن تنهي سوريا دعمها لـ”حزب العمال الكردستاني”، وإعلان الجماعة منظمة “إرهابية”، وطرد زعيمها عبد الله أوجلان من البلاد.
الاتفاقية لا تزال سارية من الناحية الفنية، إذ بموجب اتفاقية أضنة، يحق لتركيا مطاردة مقاتلي “حزب العمال الكردستاني” لمسافة تصل إلى 5 كيلومترات داخل الحدود مع سوريا دون البقاء لفترة طويلة
الحل نت
———————–
===================
تحديث 12 آب 2022
———————-
كلام في التطبيع المحتمل بين تركيا ونظام الأسد/ بكر صدقي
لاقى الخبر الذي نشرته صحيفة «تركيا» المقربة من الحكم حول التوقعات بشأن تطبيع محتمل بين تركيا ونظام الأسد، صدى واسعاً في الصحف والمنابر الالكترونية العربية، مقابل اهتمام أقل في وسائل الإعلام التركية التي تعرف دوافع زميلتها وغاياتها. الواقع أن الصحيفة المذكورة لها سوابق في إطلاق تكهنات مماثلة، يمكن الافتراض أن الغاية منها تمهيد المناخ السيكولوجي في الرأي العام لتقبل تطورات مفاجئة من قبيل تحول خصومات الأمس إلى علاقات ودية وزيارات متبادلة ومصالح مشتركة. وغالباً ما تعتمد في صياغة أخبارها وتقاريرها على آراء «خبراء» مفترضين في الموضوع أو مصادر غير مذكورة بالاسم، ليضيع قارئ الخبر بين الوقائع والتخمينات والآراء والتكهنات، إضافة إلى دس معلومات لا أساس لها أو غير ذات صلة، كدس اسم الشاعر السوري أدونيس في الخبر الذي يدور حوله الحديث، بوصفه «العقل المرشد» لبشار الأسد وأبيه حافظ الأسد! سأعود إلى هذه النقطة لاحقاً.
بدأت التكهنات بشأن التطبيع المحتمل مع تصريح وزير الخارجية شاويش أوغلو الذي قال إن تركيا ستدعم نظام الأسد في أي حرب محتملة ضد الإرهابيين من قوات سوريا الديموقراطية. ثم تلتها تصريحات أردوغان للصحافيين المرافقين أثناء رحلة عودته من سوتشي حيث اجتمع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فنقل عنه قوله إنه يفضّل أن تنسق تركيا مع النظام السوري في أي عمل عسكري داخل الأراضي السورية. وقال أردوغان في تعليقه على هذا الطلب إن الاتصالات قائمة فعلاً بين أجهزة الاستخبارات في البلدين، لكن العبرة هي في النتائج. يفهم مما نقله أردوغان عن بوتين أن الأخير ما زال رافضاً لأي عملية عسكرية تركية جديدة داخل الأراضي السورية، وأنه ربط موافقته بالتنسيق مع نظام الأسد. أما هل يؤدي ذلك إلى تطبيع العلاقات أم يقتصر على «مكافحة الإرهاب» بمفهومه التركي فهذا ما ترك للتكهنات. غير أن الصحيفة تحدثت عن مساعٍ أخرى للتطبيع تقوم بها «لجنة» مؤلفة من دولة عربية خليجية وأخرى أفريقية إسلامية لم تسمهما لنيل موافقة الطرفين على بدء صفحة جديدة في العلاقات المقطوعة بينهما منذ عشر سنوات، وأن هذا العمل بدأ بلا ضجيج بعد انتهاء قمة طهران الثلاثية.
وتسترسل الصحيفة في سرد الفوائد الجمة التي ستنتج عن هذا التطبيع المحتمل وأهمها، من وجهة نظر تركيا، القضاء على احتمال قيام «الدويلة غير الشرعية» (يقصد «الإدارة الذاتية الكردية») على الحدود الجنوبية لتركيا، والتخلص من عبء ملايين اللاجئين السوريين الموجودين على الأراضي التركية.
وفي هذا الشأن الأخير تكررت تصريحات لمسؤولين أتراك في الآونة الأخيرة تعد الناخب التركي بإعادة السوريين إلى بلادهم «إعادة طوعية» ومنهم وزير الدفاع خلوصي آكار ووزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل. الواقع لا يمكن تحقيق هذه الوعود بغير التنسيق مع روسيا ونظام الأسد كي لا تتحول تلك العودة إلى حمامات دم بقصف من طيران الأسد أو مدفعيته، الأمر الذي يفعله النظام باستمرار في محافظة إدلب التي تتوزع فيها نقاط عسكرية تركية بالعشرات، وكذلك في بعض مناطق ريف حلب التي تسيطر عليها مجموعات مسلحة تابعة لتركيا. وهنا تكمن نقطة القوة الوحيدة في خبر صحيفة «تركيا» فهي تنقل ما يبدو أنه يدور فعلاً في أروقة صنع القرار في انقرة من أفكار حول سوريا واللاجئين، والبدائل التي يمكن الاختيار من بينها بهدف الخروج بمبادرات من شانها استعادة الشعبية المتآكلة للحكومة على مرمى عشرة أشهر من انتخابات «مصيرية».
كل التعليقات والتحليلات التي تناولت مضمون خبر صحيفة «تركيا» ركزت على صعوبة التطبيع المفترض على القيادة التركية، والرئيس أردوغان بالذات، بسبب التراكم الكبير من العداء بينه وبين نظام بشار خلال السنوات العشر الأخيرة، ولم يهتم أحد بموقف النظام السوري المحتمل من مشروع التطبيع الذي يتم الحديث عنه، ربما بالنظر لأن النظام يعيش عزلة دولية وإقليمية شاملة، يستثنى منها فقط إيران وروسيا، وبسبب الأوضاع الكارثية التي تعاني منها مناطق سيطرته اقتصادياً واجتماعياً وخدمياً ومن كافة النواحي الحياتية. لكن احداً لم يفكر بالعنجهية الأسدية التي ستدفعه لرفض أي تطبيع مع القيادة التركية إلا مقابل ما لا يقل عن الانسحاب العسكري الكامل من الأراضي السورية، وربما يطالبها باعتذار وتعويضات مادية! لا نتحدث هنا عن عنجهية لها أساس يبررها، بل عنجهية مستمدة من قوة الاحتلال الروسي والدعم الميليشيوي الإيراني من جهة أولى، وموجهة إلى دعامته الاجتماعية التي ترى فيه «القائد الضرورة الذي لا ينحني ولا يستكين.».. أي أنها الصورة التي يتم بيعها للموالين مهما كانت قائمة على أساس هش. هذا ما نعرفه من سوابق النظام في «المصالحات» مع قادة عرب ولبنانيين خاصموه طوال سنوات ثم «جاءوا إليه» كما قدم إعلام النظام تلك المصالحات.
في عودة لموضوع أدونيس، يتمتع هذا الشاعر السوري بكتلة لا بأس بها من المعجبين بين المثقفين الأتراك، وقد ترجمت معظم أعماله الشعرية وكتبه الأخرى إلى اللغة التركية ونشرتها عدة دور نشر. وفي حزيران الماضي كان أدونيس ضيف شرف على مهرجان هوميروس الثقافي في دورته الأولى التي أقيمت في إحدى المدن في محافظة إزمير، وتم تكريمه بإحدى جوائزه. بعد أيام من هذا الحدث نشرت الكاتبة بيرين بيرسايغلي موت «رسالة مفتوحة» إلى أدونيس في صحيفة «يني شفق» المقربة من الحكومة، هاجمت فيه الشاعر على موقفه المشين من ثورة شعبه على نظام بشار الإجرامي، في نص مؤثر حقاً فضحت فيه انحياز الشاعر للنظام.
أما أن يتم ذكر أدونيس في معرض الجهود المبذولة للمصالحة بين القيادة التركية ونظام بشار فهذا ما لم يخطر في بال أشد كارهي أدونيس. وخاصة وصفه بأنه «عضو في المجلس الملي للعلويين» الذي زعمت الصحيفة التركية أن بشار الأسد لا يمكنه الخروج على توجيهاتها! من المحتمل أن الفقرة الخاصة بأدونيس من خبر الصحيفة التركية مستمدة بالكامل من رأي الرئيس السابق للمجلس التركماني في سوريا الذي استعانت بتحليلاته.
هذا الاستسهال في الدس يخفض كثيراً من قيمة الخبر ككل، وأقصى ما يمكن استخلاصه منه هو أن القيادة التركية منهمكة في طرح البدائل الممكنة للخروج بأقل الخسائر من المشكلة السورية.
كاتب سوري
القدس العربي
———————
تركيا التي تصالح سوريا الاسد/ ساطع نور الدين
هذه المرة سيكون الفراق أصعب وأخطر. ولن يحسب خروج تركيا الوشيك من أهم قواعد نفوذها العربية، القاعدة السورية التي بنت عليها إستراتيجية متكاملة تمحو أخطاء التاريخ المشترك، وتقدم للمشرق العربي نموذجاً سهل الاحتذاء، يصالح العصبية الوطنية والفكرة القومية مع الديموقراطية والاسلام، مجرد إنسحاب تكتيكي، يحافظ على آفاق السياسة والتجارة التركية مع الجيران العرب.
من الآن فصاعداً، اصبحت تركيا دولة بلا مشروع، وبلا طموح مشرقي عربي. عادت الى سيرتها الأولى، السابقة للربيع العربي الموؤد، الذي رفعت رايته طويلاً، قبل ان يخيب أملها السوري الاخير، وتغرق في حرب استنزاف يخوضها المقاتلون الاكراد مع وحداتها العسكرية المنتشرة على الاراضي السورية، وتنفجر في وجهها معضلة اللجوء السوري التي تهدد بتغيير سياسي جذري، ليس فقط في الانتخابات التركية المقررة العام المقبل، بل في طبيعة العلاقات المنشودة بين الشعبين الجارين، اللذين يخوضان مواجهات يومية ليس لها أفق سوى القطيعة التامة، التي سادت منذ الحرب العالمية الاولى وحتى مطلع القرن الحالي، عندما أزال الرئيسان السوري بشار الاسد والتركي رجب طيب اردوغان الحدود المشتركة بين البلدين. وهو مشهد قد يتكرر في المستقبل القريب، من دون أن يتغير الكثير من بروتوكولات السياسة في انقرة وفي دمشق.
لن تكون الثورة السورية، التي كافحت أنقرة لتجنبها، وجاهدت لإقناع الاسد بتفاديها بالإصلاح، سوى محطة عابرة يسهل شطبها من سجلات تاريخ العلاقات الثنائية، بعدما أعلنت وفاتها منذ سنوات، وأرجئت مراسم دفنها التي يبدو أنها ستتم هذه المرة في العاصمة التركية بالذات، بعد أن تنجح تركيا في تنفيذ مهمتها الجديدة التي حددها وزير خارجيتها مولود تشاووش أوغلو بالامس، وهي مصالحة النظام والمعارضة السورية، من دون ان يوضح ما اذا كان يقصد ضم جبهة “تحرير الشام” وقائدها ابو محمد الجولاني الحليف الوثيق لتركيا الى تلك المصالحة..
هو شأن تركيا طبعا، أن تسدل الستار على سياسة سورية إمتدت لعشر سنوات عجاف، باتت حصيلتها النهائية تختصر بالاعتداءات العنصرية شبه اليومية التي يشنها مواطنون أتراك على اللاجئين السوريين، والتي ليس لها مثيل في أي من بلدان الشتات السوري.. وكأنها تستحضر ضغائن التاريخ، لتؤجج كراهيات الحاضر، بعدما عجزت تركيا عن احتواء الاسد، ثم عن تنظيم معارضيه وتجميعهم، بما يؤهلهم للقتال دفاعا عن وطنهم وأرضهم، مثلما قاتل ويقاتل الفلسطينيون كل يوم، ومثلما يحارب الأوكران أيضا، الذين يقدمون أمثولة وطنية مشرفة، في وجه احتلالات متشابهة، بل متطابقة.
الموقف المفاجىء الذي عبر عنه الوزير التركي يطوي حقبة كاملة من التوسع والنفوذ التي أدارها حزب العدالة والتنمية الحاكم، منذ أن فتح الحدود مع سوريا، للنظام ثم لمعارضيه، حتى كاد يتحول الى راعي التغيير في دمشق.. قبل ان يصطدم بالتحدي الإيراني، ثم بالتدخل الروسي، ويصبح همّه الرئيسي الآن هو إقفال تلك الحدود على ثلاثة ملايين لاجىء سوري يطمح الى إعادتهم الى بلادهم، ولاحقاً المساهمة مع النظام في إعادة إعمار سوريا، ولو من بعيد.. ربما قبل تحقيق المصالحة بينه وبين معارضيه الذين لن يحتفظوا بهذه الصفة بعد أن يفقدوا المنصة العسكرية والسياسية التركية الرئيسية لمعارضتهم، ويكتشفوا أنه ليس لها بديلٌ أبداً.
مصلحة تركيا اليوم، وغدا، أن تصالح الاسد، وأن تتخلى عن المعارضة: الاستنتاج ليس بجديد، وقائع الارض السورية حاسمة في هذا الاتجاه. هو أشبه بزلزال سياسي، متوقع منذ أشهر، بل منذ سنوات. الثمن الذي سيدفعه الشعب السوري سيكون باهظاً جداً.. لأن جثة الثورة التي تدفن الآن، ستقع على كاهل نظام لم يولد بعد.
المدن
——————-
تركيا تقود ثورة مضادة في سوريا/ وليد بركسية
لا مفاجأة في الإحباط الذي ساد بين “الثوار” السوريين بعد حديث وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو عن سعي بلاده لمصالحة النظام والمعارضة في سوريا، ولقائه القصير بوزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، عطفاً على “رعاية” أنقرة طويلة الأمد للمعارضة السورية وعلاقتها الوطيدة ليس فقط بشخصيات سياسية معارضة بل بفصائل عسكرية وإسلامية طوال العقد الماضي.
ومردّ الإحباط هو حقيقة أن الثورة لا تعني المعارضة أولاً، وأن حسابات السياسيين مختلفة عن حسابات الثوار والناشطين والشعوب حتى، ضمن السيستم السياسي القائم الذي يبدو عصياً على التغيير الديموقراطي في الشرق الأوسط، حيث لم تنفع ثورات الربيع العربي ولا أحداث بحجم انفجار مرفأ بيروت 2020 وغيرها من كوارث تراكمت منذ العام 2010 سوى في خلق أحلام بتغيير نحو غد ديموقراطي أفضل، قبل أن تتحطم لسبب أو لآخر، ثانياً.
وفي سوريا التي عمت شطرها الشمالي مظاهرات تعارض التقارب التركي مع دمشق، تصدرت عبارة “لا تصالح” مواقع التواصل، في استذكار لقصة حرب البسوس ووصية كليب لأخيه الزير سالم، كان المشهد كئيباً بسبب مستوى العنف غير المسبوق في قمع الثورة السلمية التي طالبت بالحريات والديموقراطية، قبل أن تتحول إلى حرب أهلية تنتشر فيها جماعات إسلامية متطرفة وتلعب فيها الدول الإقليمية دور الرعاية لأطراف النزاع لأهداف سياسية مختلفة ضمن نظام سياسي عالمي أشمل يعاني للحفاظ على نفسه قائماً.
وضمن هذا المشهد المعقد، لم يعد صوت الشعب الثوري وحناجر ثواره، مهماً، مع محاولة كل جهة احتكار “حق” تمثيل الشعب السوري. وفي كل انعطافة لصديق من أصدقاء الثورة خلال السنوات الماضية، كان الإحباط المعارض حاضراً، من المجتمع الدولي الذي لم يدعم البلاد خصوصاً في ما يتعلق بخطوط الرئيس الأميركي باراك أوباما الحمراء بشأن الأسلحة الكيماوية العام 2013 وصولاً إلى الدول الخليجية التي تسابقت على فتح سفاراتها وإعادة علاقاتها مع النظام الأسدي وليس انتهاء بتركيا التي لطالما مهدت إلى النتيجة التي تحدث اليوم بتصريحات وإيماءات دبلوماسية متعددة، خصوصاً أن نتيحة الحرب نفسها فرضت على الدول واقعاً يجب أن تتعامل معه مهما كان ذلك مؤسفاً وغير عادل.
الثورة السورية نفسها انتهت منذ سنوات عندما نجح النظام السوري في احتوائها عندما قاربت على الإطاحة به، ليس فقط بسبب تحالفه الوثيق مع طهران وموسكو، بل بسبب سيطرته على المركز متمثلاً بـ”سوريا المفيدة” في فترة زمنية كانت الأقسى في البلاد من ناحية حجم المعارك العسكرية. ومع المعارك المتتالية التي انتصر فيها من الغوطة الشرقية إلى القلمون وحلب، كانت مسألة الحسم في الأطراف، الأقل أهمية، مسألة وقت لا أكثر، وهو ما حدث لاحقاً في جنوب البلاد على سبيل المثال، او في شرقها.
وكانت البلاد منذ معركة حلب العام 2016 تعيش صراعاً مجمداً على التفاصيل وليس على المشهد العام، بمعنى أن نظام الأسد ضمن بقاءه في السلطة، ولم يعد حتى رحيله مطلباً من مطالب خصومه الإقليميين. وأنقرة اليوم بحديثها العام عن المصالحة بين النظام والمعارضة تقدم أوراق اعتماد للنظام مقابل موافقته على خطة إقليمية أوسع ربما. وهي تتمة لجهود دبلوماسية أوسع في المنطقة لعبت فيها إيران وروسيا دوراً مهماً خلال السنوات الماضية من خلال إنشاء تحالفات متنوعة تبقى فيها خطوط الغاز ذات أهمية كبرى. وتركيا هنا تكرس نفسها كصلة الوصل بين عالمين، ليس فقط لأنها عضو في حلف شمال الأطلسي “ناتو” بل لأن تمايزها كوسيط يضمن لها دائماً دوراً وحضوراً أثبتته السنوات الماضية.
الثوار السوريون لا يهتمون بكل ذلك، بل يرغبون فقط في الاستمرار بثورتهم حتى النصر. يمكن وصف ذلك بأنها رومانسية ثورية أو تورط عاطفي، لكن لا يمكن لوم أصحابه بقدر ما يمكن تفهمهم والشعور بالأسف لما آلت إليه الأمور في سوريا حيث لن يتحقق أي نوع من الاستقرار حتى مع تحقيق مصالحة بين النظام والمعارضة، أياً كان معنى ذلك الكلام العام. حيث أثبتت تجارب دول الجوار المشابهة أيضاً مرة بعد مرة أن الحلول السياسية الهشة التي لا تحقق العدالة وتعتمد على القمع والتهميش، تؤدي إلى تراكم المظالم السياسية والشعور بالإحباط والانفجار المستقبلي، والعراق على سبيل المثال اليوم، يعيش على شفا حرب أهلية، بينما وصل القمع في دول مثل مصر إلى مستوى غير مسبوق وتونس تنحدر نحو عصر ظلامي جديد.
والمخيف أكثر هنا أن كل تلك التجاذبات تحصل على خطوط الهويات الطائفية، وفيما كان النظام العلوي في سوريا يعقد تحالفات مع مفاصل الطائفة السنية الأكبر في البلاد ويتعهد بحماية الأقليات، فإن ذلك العقد الاجتماعي المشوه فشل، عن عمد ربما، في خلق هوية وطنية جامعة خصوصاً أنه يعتمد على فلسفة شمولية تقول أن “المواطنة تعني الخضوع التام للقيادة” وهو ما لم يعد مقبولاً. وبالتالي فإن نصر النظام ومصالحاته المختلفة تحول البلاد إلى قنبلة موقوتة تنتظر الظرف المواتي للانفجار، بصورة تمرد أو ثورة شعبية جديدة يقوم بها جيل سوري جديد أو أعمال إرهابية أو إعادة انبثاق للتنظيمات السلفية. فيما ستحيا البلاد في ظل ذلك، حالة من التوتر الدائم بشكل مشابه للحالة اللبنانية المتوترة منذ نهاية الحرب الأهلية.
وحتى أولئك الذين أحرقوا الأعلام التركية وهتفوا ضد قيادتها، قد يطاولهم قمع من نوع آخر مع تحول الميلشيات المعارضة إلى أدوات تابعة لتركيا منذ سنوات، مارست ضد السوريين في شمال البلاد انتهاكات وثقتها منظمات حقوقية مختلفة، من بينها الاعتقال والتعذيب. ولم يكن مفاجئاً انتشار بيانات تقول أن العلم التركي مقدس ولا يجب المساس به تحت طائلة الملاحقة الأمنية، حيث أن نموذج الميليشيات الوكيلة بات منتشراً في عموم الشرق الأوسط منذ سنوات، وتقدم النوعية نفسها من القمع الذي يقع المدنيون عادة ضحية له.
وهكذا، فإن استذكار حرب البسوس قد يكون استعارة لفظية مثالية تظهر المدى الزمني الطويل لعدم الاستقرار المتوقع في سوريا. وشعور السوريين العام بالإحباط لا يعني أنهم يرغبون في الانتقام بقدر ما يريدون العدالة التي لم تتحقق في البلاد بعد المجازر وانتهاكات حقوق الإنسان المروعة التي ارتكبها النظام حتى قبل ثورة العام 2011. وللأسف يمكن تعميم ذلك على بقية دول المنطقة مع نهاية الربيع العربي الذي أتى بآمال الديموقراطية على شاكلة ثورات شعبية لكنه انتهى لأن الثورة نفسها، كفكرة مجردة، لم تعد قادرة على التغيير المجتمعي الأوسع من دون قيادات حقيقية وأجندات فكرية وحتى علاقات سياسية أشمل تتخطى الغضب اللحظي ومشاعر القهر المتراكمة.
المدن
—————————-
تظاهرات حاشدة في شمال سوريا تنديداً بدعوة تركيا إلى “مصالحة” بين النظام والمعارضة
أ ف ب
خرج آلاف من السوريين، الجمعة، في تظاهرات عدّة في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة للنظام السوري في شمال #سوريا وشمال غربها، منددين بتصريحات لوزير خارجية #تركيا مولود تشاوش أوغلو دعا فيها الى “مصالحة” بين دمشق والمعارضة لتحقيق “سلام دائم”.
وقال تشاوش أوغلو الذي كانت بلاده في بداية النزاع السوري في 2011 من أبرز داعمي المعارضة السورية سياسياً وعسكرياً وديبلوماسياً، خلال مؤتمر صحافي في أنقرة الخميس، “علينا أن نجعل النظام والمعارضة يتصالحان في سوريا، وإلا لن يكون هناك سلام دائم”.
وخرجت، وفق مراسلي فرانس برس، تظاهرات متفرقة عقب صلاة الجمعة في كبرى مدن الشمال السوري كأعزاز والباب وعفرين وجرابلس التي تسيطر عليها القوات التركية وفصائل سورية موالية لها، تحت شعار “لن نصالح”. كما شهدت مدينة إدلب (شمال غرب) ومحيطها الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل أخرى أقل نفوذاً، تحركات مماثلة.
في وسط مدينة الباب، قال النازح ياسين الأحمد (37 عاماً) لوكالة فرانس برس “اجتمعنا هنا كثوار لرفض أي مصالحة مع النظام لأنها تعني دمار وتشريد ملايين السوريين”.
وأضاف “هذه المصالحة ليست بيدنا وليست بيد تركيا (…) هي بالنسبة لنا أشبه بانتحار وجريمة”.
وحمل متظاهرون أعلام المعارضة السورية ولافتات عدة جاء في إحداها “لا تصالح والثورة مستمرة”، وفي أخرى “ضامن وليس وصياً”، في إشارة الى دور تركيا كضامن لوقف إطلاق النار في مناطق الشمال السوري.
وأحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان خروج تظاهرات في أكثر من ثلاثين نقطة في شمال وشمال غرب سوريا الجمعة، وأطلقت دعوات لتظاهرات مماثلة مساء الجمعة.
وقرب نقطة عسكرية تركية في بلدة المسطومة الواقعة على بعد سبعة كيلومترات جنوب مدينة إدلب، تجمّع العشرات من المتظاهرين منددين بالتصريحات التركية ومجددين المطالبة بـ”إسقاط النظام” في سوريا.
وأوضحت سناء العلي على هامش مشاركتها في الوقفة الاحتجاجية لفرانس برس “نحن هنا اليوم لنؤكد أننا لن نصالح ولن ننسى دماء الشهداء ووجع المعتقلين والمجازر”.
وكانت تحركات غاضبة جرت ليلاً، تم خلالها إحراق العلم التركي وإزالته من مدن عدة. وتجمّع العشرات قرب معبر باب السلامة مع تركيا، مرددين هتاف “الموت ولا المذلة”.
– “سلام دائم” –
في أنقرة، صدر الجمعة بيان توضيحي عن المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية تانجو بيلغيتش أكد فيه أن بلاده “ستواصل المساهمة بقوة في الجهود الرامية لإيجاد حل دائم” للنزاع في سوريا “بما يتماشى مع توقعات الشعب السوري”.
وذكّر بـ”الدور الرائد” الذي لعبته بلاده لناحية تثبيت اتفاقات وقف إطلاق النار في سوريا وبـ”الدعم الكامل الذي قدمته للمعارضة وهيئة التفاوض طيلة العملية السياسية” التي اعتبر أنها “لا تمضي قدماً حالياً بسبب مماطلة النظام”.
ورأى معارضون في تصريحات تشاوش أوغلو تحولاً في الموقف التركي. ولطالما وصف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان نظام الرئيس السوري بشار الأسد بـ”القاتل”. وقال في أيار إنه لن يعيد اللاجئين السوريين الموجودين في بلاده الى “أفواه القتلة”.
وتستضيف تركيا أكثر من 3,6 ملايين لاجئ سوري على أراضيها منذ بدء النزاع السوري الذي تسبّب بمقتل نحو نصف مليون شخص وألحق دماراً هائلاً بالبنى التحتية والقطاعات المنتجة وأدى إلى نزوح أو تشريد ملايين السكان داخل البلاد وخارجها.
وكان تشاوش أوغلو قال الخميس إنه بعد مرور 11 عاماً على اندلاع النزاع السوري، “مات كثيرون وغادر عديدون بلدهم. يجب أن يتمكن هؤلاء من العودة، بمن فيهم الموجودون في تركيا. لهذا، يتعيّن أن يكون هناك سلام دائم”.
واعتبر أن مسار أستانا موجود “من أجل التوصل الى حلّ عبر الديبلوماسية والسياسة في سوريا”.
وتجري أنقرة منذ سنوات محادثات مع طهران وموسكو، أبرز داعمي دمشق، في إطار مسار أستانا الهادف الى إيجاد تسوية سياسية للنزاع، بموازاة جهود الأمم المتحدة في جنيف. وأدت اتفاقات تهدئة ضمن هذا المسار الى وقف هجمات عسكرية واسعة نفذتها قوات النظام السوري خصوصاً في إدلب.
– تواصل استخباراتي –
ونفى تشاوش أوغلو وجود أي تواصل مباشر راهناً بين الرئيس التركي ونظيره السوري، رغم مطالبة روسيا بذلك منذ زمن طويل، على حد قوله. لكنه أشار الى عودة التواصل مؤخراً بين أجهزة استخبارات البلدين بعد انقطاع.
وكشف عن لقاء قصير جمعه مع نظيره السوري فيصل المقداد في بلغراد في تشرين الأول أكد خلاله أن “الحل السياسي هو السبيل الوحيد للخروج” من الأزمة، مشدداً في الوقت ذاته على ضرورة “القضاء على الإرهابيين”.
وتلوّح تركيا منذ أيار بشنّ هجوم على منطقتين تحت سيطرة المقاتلين الأكراد في شمال سوريا. وأكد تشاوش أوغلو أن بلاده “ستواصل قتالها ضد الإرهاب في الميدان في سوريا”، بموازاة جهودها للتوصل الى حل سياسي.
وتصنّف تركيا المقاتلين الأكراد الذين يسيطرون على منطقة واسعة في شمال وشمال شرق سوريا “إرهابيين”، وتخشى أن يستقوي المتمردون الأكراد في تركيا بهم.
وخلال مشاركته في تظاهرة مدينة الباب، قال صدام حجار (38 عاماً) بانفعال لفرانس برس “ليفاوض المقاتلين الأكراد ويتصالح معهم (…) نحن لا نبيع دمنا ولا نبيع القضية”.
النهار
—————————–
تركيا: سنواصل جهودنا لإيجاد حل دائم للنزاع في سوريا و”الدعم الكامل للمعارضة”
أنقرة: أكدت وزارة الخارجية التركية أن أنقرة ستواصل جهودها الحثيثة من أجل إيجاد حل دائم للنزاع في سوريا بما يتماشى مع تطلعات الشعب السوري.
جاء ذلك في بيان صادر عن الوزارة، الجمعة، قالت فيه إن ” تضامننا مع الشعب السوري سيتواصل”.
وأضافت أن “تركيا ستواصل تقديم مساهمة قوية في الجهود الرامية لإيجاد حل دائم للنزاع في سوريا بما يتماشى مع تطلعات الشعب السوري“.
وأشارت إلى تقديم أنقرة الدعم الكامل للمعارضة السورية ولهيئة التفاوض.
ولفتت إلى أن المسار السياسي لا يشهد تقدماً حالياً بسبب مماطلة النظام، وأن هذا ما أشار إليه وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو في تصريحاته، الخميس.
(الأناضول)
—————————
قمة أردوغان – بوتين وانطلاق «عبد الحميد خان»/ توران قشلاقجي
تصدرت قضيتان مهمتان حول العلاقات الدولية المشهد السياسي في الشارع التركي خلال الأيام الأخيرة. وتمثلت القضية الأولى في القمة التي عقدها الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، في مدينة سوتشي الروسية السياحية المطلة على البحر الأسود، بتاريخ 5 أغسطس 2022. فيما كانت القضية الثانية تتعلق بانطلاق سفينة التنقيب التركية الرابعة «عبد الحميد الخان» للبحث عن الطاقة في أعماق البحر الأبيض المتوسط.
وتشكل قمة أردوغان – بوتين أهمية كبيرة من نواح كثيرة، نظرا لانعقادها في ظل عالم جديد تشكله المنافسة القائمة بين القوى العظمى، التي تسارعت وتيرتها جراء الحرب في أوكرانيا. فمن المهم أن تحافظ تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) على سياسة التوازن التي تتيح لها إمكانية التفاوض مع روسيا، بهدف ضمان عمل «ممر الحبوب» بطريقة سليمة، والتوصل إلى هدنة توقف الحرب الروسية الأوكرانية في المرحلة المقبلة. وعلى صعيد العلاقات الإقليمية والثنائية، فإنه يمكن اعتبار هذا اللقاء استمرارا للاجتماع الذي عقد بين الرئيسين على هامش قمة طهران بتاريخ 19 يوليو 2022. لأن لقاء سوتشي ركز في مضمونه على وضع اللمسات الأخيرة للقضايا والمقترحات الجديدة التي لم يتم التوصل إلى توافق بشأنها في قمة طهران. ويشمل ذلك العملية التركية المحتملة في شمال سوريا، وقضايا التعاون الاقتصادي الثنائي بين تركيا وروسيا. كما أن مشاركة وزيري الخارجية والدفاع، ورئيسي الاستخبارات والصناعات الدفاعية إلى جانب أردوغان في اللقاء، تشير إلى وجود مفاوضات بين الجانبين حول مجالي الأمن والدفاع. من ناحية أخرى، يدل حضور وزراء الخزانة والمالية والطاقة والزراعة ومحافظ البنك المركزي أيضا على أن الأجندة الاقتصادية للقاء كانت متعددة الأبعاد. وكان لافتا للانتباه أن الزيارة تضمنت اجتماعا على مستوى الوفود وآخر بين الرئيسين فضلا عن إقامة مأدبة عمل. وفيما يتعلق بسفينة البحث والتنقيب «عبد الحميد خان» التي اشترتها تركيا من كوريا الجنوبية، فإنها بدأت مهامها رسميا في «الوطن الأزرق» يوم الثلاثاء الماضي، بمراسم حضرها الرئيس أردوغان. السفينة التي يبلغ طولها 238 مترا وعرضها 42 مترا، ستكون قادرة على الحفر حتى عمق 12 ألفا و200 متر، وتنفيذ عمليات على عمق 3 آلاف و600 متر. وسوف تمارس السفينة أعمال التنقيب بمشاركة طاقم يتكون من 200 فرد، وهي مزودة بتقنيات متطورة من الجيل السابع ونظام تموضع فعال.
في الواقع، كان الثلاثاء يوما تاريخيا ضمن «حملة الطاقة الوطنية» لتركيا. فبعد أزمة أوكرانيا، تضاعفت قيمة الطاقة والزراعة. وحتى هذه السنوات، كنا نعتمد على نتائج عمليات التنقيب التي تجريها أطراف أخرى من أجلنا، وبطبيعة الحال لم نعثر على أي شيء. أمّا اليوم، فقد أصبحنا نمتلك 4 سفن للتنقيب في إطار إجراءات بدأت عندما كان بيرات ألبيرق وزيرا للطاقة. وحان الوقت الآن لجعل تركيا مكتفية ذاتيا في مجال الطاقة، بل قادرة على تصدير منتجات القطاع. أتمنى مسيرة موفقة لسفينتنا «عبد الحميد خان». وكما قال الرئيس أردوغان، ننتظر منها الأنباء السارة في أقرب وقت. ولا شك أنه مع انطلاق سفينة «عبد الحميد خان»، أصبحت تركيا واحدة من الدول القليلة في العالم التي يمكنها تنفيذ أنشطة التنقيب عن موارد الهيدروكربون واستخراجها بإمكانياتها الخاصة.
خلاصة الكلام؛ تتخذ الحكومة التركية بشكل تدريجي خطوات من شأنها الارتقاء بتركيا إلى مستويات متقدمة أكثر في العديد من المجالات. وأثناء لقائه مع بوتين، قال الرئيس أردوغان، إن «صفحة مختلفة جدا» فتحت بين تركيا وروسيا. وكذلك صدرت تصريحات مثيرة للانتباه من بوتين حول المشاريع الاستراتيجية التي تقوم بها تركيا وروسيا، منها قوله إنه «يجب أن تكون أوروبا ممتنة لتركيا إزاء التدفق المستمر للغاز الطبيعي من روسيا». وقال سفير الولايات المتحدة السابق لدى الناتو إيفو دالدر، في مقال نشره موقع بوليتيكو الإخباري، إن تركيا حليف معقد من الصعب العيش معه ومن المستحيل العيش من دونه.
كاتب تركي
القدس العربي
————————–
ماذا يحدث في الشمال السوري؟/ رياض نعسان أغا
تبدو شبكة الولاءات والتوجهات في الشمال السوري شديدة التعقيد، فالأكراد السوريون يعيشون في الشمال الشرقي ذات التشتت الذي يعيشه أقرانهم العرب في ولاءاتهم وانقساماتهم في ضفتي المعارضة والموالاة، ويبدو من مفارقات تعقيد الشبكة أن قسماً ضخماً من جنود وحدات حماية الشعب الكردي هم من الشباب العرب من أبناء المنطقة ومن الذين انضموا لهذه الوحدات لمحاربة «داعش»، ومن الذين كانوا في الجيش الحر الذي انفرط عقده فالتحقوا بالتنظيمات الكردية في الشمال الشرقي، ومع استعادة كثرة من الأكراد لحضور حزب العمال الكردستاني تصاعد القلق التركي الذي سبق أن بلغ ذروته بين عامي 1996- 1998، حيث حشدت تركيا قوات عسكرية على الحدود الشمالية مهددة بتدخل عسكري لكون سوريا تدعم هذا الحزب وتستضيف آنذاك عبد الله أوجلان، وتسمح بأنشطة وتدريبات للحزب في سوريا ولبنان.
وقد ساد النفور في العلاقات السورية التركية، لكن الرئيس حافظ الأسد ابتعد عن أي صدام عسكري مع الأتراك، وقد سارع الرئيس مبارك وجامعة الدول العربية لإطفاء نيران الغضب التركي، وتم الحل في إبعاد أوجلان، وتم التوصل إلى اتفاق أضنة الذي يبقى إلى اليوم نقطة تواصل أمنية مهما حدث من اختلافات.
وقد وقعت منطقة الشمال الشرقي في تجاذبات عسيرة، بين حرص على عدم التمرد على الحكومة السورية وفي حرص معلن على تمتين العلاقة مع روسيا التي رعت المشروع الكردي سياسياً، وفي ولاء معلن أيضاً للولايات المتحدة الأميركية التي اختارت تكليف الأكراد بقتال «داعش»، حين رفض «الجيش الحر» أن يتوقف عن صراعه مع النظام السوري وينصرف لقتال «داعش» فقط، على الرغم من كونه تصدى لـ«داعش» وطردها من كثير من مواقعها في الشمال الغربي وفي عدة محافظات، وقد تم إنهاء دور الجيش الحر بإنهاء دعمه، ومضت تنظيمات عسكرية كردية وعربية إلى قتال داعش متوافقة مع المطلب الأميركي.
وكان السوريون العرب عامة قلقين من احتمال وجود نوايا خفية للمشروع الكردي حين بدأ الحديث عن (روج آفا) وعن (كردستان سوريا)، وبات التخوف أكبر من أن تكون ثمة رغبة كردية في اقتطاع خمس مساحة سوريا لمشروع كردستاني يؤسس لحالات تقسيم سوريا بين طوائفها وانقساماتها العرقية أو المذهبية، لكن فريقاً معتدلاً من الأحزاب الكردية بقي حريصاً على العمل في إطار المعارضة ومؤسساتها مثل الائتلاف الوطني وهيئات التفاوض واللجنة الدستورية وسواها.
ولم يكن السوريون العرب يعارضون مطالب الأكراد وحقوقهم المشروعة، وقد أعلنا عدة مرات في بيانات المعارضة ووثائقها أن القضية الكردية قضية وطنية بامتياز، ومن حق الأكراد أن يتمتعوا بحريات ثقافية وإدارة محلية ضمن النظام العام، ومعاناتهم جزء من معاناة الشعب السوري بكل شرائحه.
لكن السوريين العرب لا يقبلون بظهور أية كيانات تفتح باب التقسيم، وقد أكد لنا كثير من أشقائنا الكرد أنهم لا يسعون إلى انفصال.
لكن تزايد القلق التركي جعل المنطقة تعيش حالة من الترقب الحذر، وبات احتمال قيام تركيا بتدخل عسكري جديد قائماً، ولم تحصل تركيا على توافق مع القوى الفاعلة في الملف السوري، فإيران ترفض هذا التدخل وروسيا تحذر منه وواشنطن ستكون محرجة إذا تباطأت في الدفاع حلفائها الكرد، وفي الوقت ذاته سيكون صعباً أن تدخل في صدام عسكري مع تركيا الشريكة الفاعلة في حلف الناتو، والتي أصبحت أكثر فاعلية في الجسر الذي شيدته بين روسيا وأوكرانيا، ولم يعد سهلاً كذلك أن تتنازل تركيا عن خطتها دون الحفاظ على هيبتها ومكانتها الإقليمية.
ولئن كانت الحكومة السورية تصر على ولاء الشمال السوري الشرقي لها حيث الأهمية الاقتصادية والأمنية، فإنها تخشى من اتساع النفوذ التركي في الشمال السوري، كما تخشى تركيا من تصاعد الرفض الشعبي لديها لبقاء نحو أربعة ملايين سوري يعيشون في أراضيها وقد ضاق كثير من الشعب التركي بحضورهم حيث تنادي المعارضة التركية بطردهم، وتعلن الحكومة التركية عن رغبتها بإقامة منطقة آمنة تعيد السوريين اللاجئين إليها، بينما يظهر احتمال أن تواجه تركيا ملايين جدداً من اللاجئين السوريين على حدودها في حال نشوب أي صدام عسكري في إدلب أو في الشمال الشرقي حيث لا مفر أمامهم غير تركيا.
ويبدو من نوافذ الأمل وسط هذه العواصف أن العلاقات التركية العربية استعادت عافيتها وبخاصة بين تركيا ودولة الإمارات وبينها وبين المملكة العربية السعودية، كما عادت إلى الهدوء مع مصر، وهذا ما يجعل السوريين يتطلعون إلى ظهور حل عربي قادر على تجنب المزيد من الفواجع والمآسي في سوريا.
* نقلا عن “الاتحاد”
————————
السياقات الكاملة للتصريحات التركية والعملية العسكرية/ محمد شيخ يوسف
كان من اللافت مؤخرا صدور تصريحات عديدة من مسؤولين أتراك حول العملية العسكرية التركية وسرد السياقات المتعلقة بها، حيث تم التطرق في تصريح وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو بداية لسياقات مكافحة الإرهاب بالمنطقة والعالم، ومن ثم لاحقا تصريح للرئيس رجب طيب أردوغان عن دعوة روسية للتعاون مع النظام في مكافحة الإرهاب، ومن الملاحظ أن كلا التصريحين لم يتم نقلهما بشكل كامل وحرفي، أو أن معظم الجهات الإعلامية والمتابعين نقلوا جزءا منها دون التطرق إلى السياق الكامل لها، فتولد جو عام لدى السوريين أن للحكومة التركية سياسة جديدة في سوريا، قائمة على التعاون مع النظام مستقبلا في مسألة محاربة الإرهاب.
وزير الخارجية التركي في مقابلته بتاريخ 27 تموز/يوليو الماضي يقول في كامل جوابه عن العمليات العسكرية التركية الجديدة في سوريا، وخاصة تل رفعت ومنبج، متحدثا بشكل مفصل عن حقوق الدول في مكافحة الإرهاب وحق تركيا في هذا الإطار، منتقدا معارضة العملية من قبل الدول المعنية وخاصة أميركا وروسيا وإيران، فتحدث عن هدف بلاده مع استمرار وجود الإرهاب إذ إن “روسيا وأميركا لم تلتزما بالاتفاقيات الموقعة مع تركيا بالعام 2019 بإنهاء وجود الإرهابيين المستمر في المنطقة، متسائلا لماذا تدعم أميركا الإرهابيين، هل تريد تقسيم سوريا أو لتوظيفهم ضد تركيا، ويجب إيضاح ذلك من قبل واشنطن، كما يجب ترك حجة مكافحة داعش بجانب آخر، فأميركا لماذا احتلت العراق واحتلت مع الناتو أفغانستان، قالت هناك إرهابيون وأسلحة دمار شامل فجاؤوا من أميركا كل هذه المسافة لوجود تهديد عليها، فيما تعارض كفاح الحليف التركي الذي يعاني من خطر وجود الإرهابيين على الحدود الجنوبية، والكل شهد كيف أميركا غير صادقة بمكافحة الإرهاب مع الانسحاب من أفغانستان، بالمقابل تأمل روسيا بدمج الإرهابيين مع النظام وهذا خطأ أيضا، أميركا من جهة تدعمهم (قوات سوريا الديمقراطية) لتقسيم سوريا، وروسيا تسعى لدمجهم مع النظام، وروسيا دخلت أوكرانيا لوجود تهديد، فترى نفسها محقة رغم أني أرى ذلك خطأ، فلماذا تمانع كفاح تركيا ضد الإرهاب، وإيران ما هو همها؟ التنظيمات الإرهابية (PKK. YPJ, PJAK) كلها وجوه لشيء واحد، وكانت هناك لقاءات لتركيا مع إيران من أجل كفاح هذه التنظيمات، وتركيا تدعم النظام في قتالها (هذه التنظيمات) سياسيا، ومن حق النظام الطبيعي مكافحة الإرهاب على أراضيها، وبي كي كي تنظيم إرهابي، ولكن من غير الصواب أن يعتبر النظام المعارضة المعتدلة إرهابية، وبالنهاية الكل يقول رأيه ويقدم تقييما، ولكن نرى كل طرف عندما يرى تهديدا ماذا يفعل، والمهم ماذا تقول تركيا عندما تشهد خطرا، وعندها تهدف لتحييد الإرهاب، وهذا الهدف الرئيسي لتركيا من عملياتها العسكرية، ولهذه العمليات فائدة لسوريا بوحدة أراضيها وحدودها وخاصة مع تطهير الأراضي من الإرهابيين وهو أمر مهم لوحدة سوريا”.
هذه التصريحات الكاملة للوزير التركي وسياق الجواب عليها، قرئت إعلاميا بشكل ناقص من قبل السوريين، وخاصة أنها نشرت متجزأة، على أنها اعتراف من أنقرة بحق النظام في قتال الإرهابيين بشكل عام، ولكن حديث الوزير التركي كان يخص تنظيم بي كي كي الإرهابي فقط، وشدد على رفض أنقرة تصنيف النظام للمعارضة السورية بأنها إرهابية، وتسجيل المقابلة موجود بشكل كامل على موقع يوتيوب ويمكن لأي متقن للغة التركية أن يعود إلى المقابلة الكاملة، ومن هنا واضح أن السياق العام لجواب جاويش أوغلو يتعلق بمقاربة الأطراف الرافضة للعملية العسكرية التركية الجديدة في المنطقة وهي أميركا وروسيا وإيران والنظام، ومقاربة كفاح الإرهاب، وأخرجت التصريحات من سياقها العام، ولم تنشر كاملة، ما تسبب في بلبلة كبيرة قرئت على أنها تغير بمواقف تركيا حيال النظام والعمليات العسكرية الجديدة، وجعلت أطرافا سورية تصدر بيانات لتوضح على دور النظام بالتعاون مع الإرهابيين وتصديرهم إلى كل المناطق السورية.
أما تصريح الرئيس أردوغان على متن طائرة العودة من سوتشي إلى تركيا قبل أيام عقب لقائه مع بوتين، حول تعاون أجهزة المخابرات التركية مع نظيرتها لدى النظام، فهي أيضا بدورها تم تناقلها بشكل مجتزأ، وهذا يطرح التساؤل عن تعمد هذا الاجتزاء وسبب النشر منقوصة دون الرجوع للأصل الكامل للتصريحات، حيث قال أردوغان بشكل حرفي “بوتين لديه مقاربة تقوم على تفضيله لجوء تركيا إلى خيار حل مسألة مكافحة الإرهاب مع النظام فتكون خطوة صائبة أكثر، ونحن نقول أجهزة استخباراتنا تتواصل أساسا مع استخبارات النظام حول هذه المواضيع ولكن المهم التوصل إلى نتيجة، فإن كانت أجهزة مخابراتنا تلتقي مع مخابرات النظام ورغم ذلك يسرح الإرهابيون بالمنطقة، فيجب عليكم (روسيا) دعمنا بهذا الأمر، ولدينا اتفاق في هذا الخصوص”.
التصريحات واضحة بأن روسيا لديها مقاربة محددة في مجال مكافحة الإرهاب وهو أمر ليس بجديد لأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أشار عدة مرات لوجود اتفاقية أضنة ولطالما تطلب روسيا من تركيا أن تكون الاتصالات مباشرة مع النظام سياسية ليكسب الأخير شرعية، وهو ما ترفضه تركيا خاصة أن أنقرة قادرة على إجبار النظام على التقيد وتنفيذ الاتفاقيات مع روسيا التي تعتبر المشغل الفعلي للنظام، كما أن أردوغان سبق أن تحدث في تصريحات سابقة عن تعاون استخباري بين تركيا والنظام، وهذا التعاون تحدثت عنه مصادر تركية بأنها كانت من أجل تشكيل المناطق الآمنة ومناطق خفض التصعيد، وهي لقاءات على مستوى متدني، وبالتالي لا جديد في هذه التصريحات وإنما تأكيد للمقاربة الروسية لأي عملية عسكرية تركية في سوريا.
ومع توضيح سياق التصريحات السابقة وفي ظل اللقاءات التركية الروسية قبل أيام في طهران وسوتشي، ومع عزم تركيا على المضي قدما بالعملية العسكرية بعمق 30 كم، فإن ملامح العملية العسكرية التركية بدأت تتوضح، وهي مؤكدة بأنها ستتم، وتوقيتها لا يزال قيد البحث واستكمال التفاهمات، وربما تصل التحضيرات لنهاية الصيف وبداية الخريف، نظرا للحاجة الداخلية التركية على الصعيد السياسي والأمني والاجتماعي والاقتصادي، وفي ظل طرح المقاربات الروسية عن تفضيل قتال التنظيمات الإرهابية مع النظام، تحضر سيناريوهات سابقة في العمليات العسكرية التركية السابقة، فعلى سبيل المثال عند إجراء عملية درع الفرات، وعندما تمكنت تركيا من تطهير المنطقة من عناصر تنظيم داعش، تسلمت قوات النظام مواقع من التنظيمات الانفصالية لتشكل حدود التفاهم في هذه المنطقة وترسيخ وقف إطلاق النار فيها منذ العام 2016.
وانطلاقا من المثال السابق يمكن الحديث عن سيناريو العملية العسكرية الجديدة بالتوافق بين تركيا وروسيا على أن تسيطر قوات الجيش الوطني بدعم تركي على مدينة تل رفعت، وتستلم قوات النظام جنوبها ما يرسم حدود المنطقة ويخضعها لوقف إطلاق النار، والأمر نفسه يتعلق بمدينة منبج التي يمكن أن تسيطر قوات الجيش الوطني بدعم تركي على مركز المدينة، وتتقدم قوات النظام وتسيطر على الطريق الدولية إم4 وتشكل حدود وقف إطلاق النار بالمنطقة، وهذا السيناريو الأقرب للتوافق عليه في ظل البحث عن التوازنات في المنطقة لإتمام التفاهمات بين تركيا وروسيا وهو ما يضمن حلا لمشكلة الميليشيات الإيرانية بالمنطقة التي هددت تركيا باستهدافها في حال عرقلت العملية العسكرية في ظل استمرار الرفض الإيراني لها، أي أن يتم استكمال تشكيل المنطقة الآمنة من قبل تركيا، وتكسب روسيا قوات النظام مزيدا من مناطق السيطرة، وتحديد وتقييد وجود التنظيمات الانفصالية بهذه المنطقة.
تلفزيون سوريا
—————————
السياسة التركية الراهنة والثورة السورية/ عمار ديوب
لا تختلف رؤية تركيا عن الشقيقات العربيات في النظر للثورة السورية، منذ 2011 وإلى الآن، هي ثورة شعبية ويجب تحويلها إلى حركة ضاغطة من أجل إصلاح النظام أو إلى حرب أهلية، وحصرها بحدود هذا البلد، وكذلك حاولوا مع بقية الثورات العربية.
نعم الشعب لم يكن يريد ثورة كاملة، ولكن نفاذ إمكانيات الإصلاح لدى النظام، منذ عام 2000، حيث رفض الإصلاح السياسي وتحدث عن إصلاح إداريٍّ واقتصاديٍّ، ومن هذه الثرثرات، ومنهجيته “النظام” بالقمع، أجبرت الشعب على التخلص من الأوهام الإصلاحية وتبنى الثورة، وهو ما تطوّرت عليه الأوضاع بعد الأشهر الأولى من عام 2011.
تركيا والشقيقات، حاولن جاهدات، وبزيارات مكوكية إلى دمشق ولملاقاة الحراك الشعبي، وتلبية بعض مطالبه وتخميده. رفض النظام ذلك، دفع تلك الدول للانتقال من الإصلاح إلى الانتقام وإغراق سوريا بالحرب الأهلية، إذ شاركت مع النظام في جعلها كذلك، وانحرفت قطاعات كبيرة من الثورة إلى حربٍ أهلية؛ أيديولوجيتها الأديان والطوائف والقبائل والقوميات؛ لم تنظر تركيا إلى الثورة السورية إلّا انطلاقاً من منظورها السابق: إمّا إصلاح النظام وإمّا دعم الإخوان المسلمين ليكونوا في صدارة الثورة والمعارضة، وكان ضعف الإخوان، والتحذيرات الدولية من سياساتهم سبباً في إشراك مجموعات أخرى في المعارضة، ولكن وبما يعطي للإخوان وأحزابهم وشللهم الفاسدة السيطرة على مؤسسات المعارضة.
إذاً لم ترَ تركيا ثورة في سوريا أبداً. رأت النظام والإخوان فقط. هذه الرؤية القاصرة قيدت تلك الرؤية، وكذلك قيدت نفسها بمصالح الدول الكبرى، وبشعورها بالخطر والتورط في حال التدخل العسكري في سوريا. تأخرها ذاك سمح بظهور داعش وجبهة النصرة وجيش الإسلام وسواه، ولاحقاً الاتحاد الدولي لمحاربة الإرهاب 2014 ودخول الروس 2015. بذلك فقدت أية إمكانية للعب دورٍ مركزيٍّ في سوريا، وصارت رهينة إمّا للروس ولاحقاً حتى لإيران وإسرائيل، وإمّا للتحالف الدولي. هذا جعل تركيا تُمركِز أسباب دورها في سوريا بمحاربة الأكراد، وتحديداً التابعين لحزب العمال الكردستاني، وصارت السياسة التركية محكومة بالمعادلات الإقليمية والدولية، وهذا أجبرها على التحالف مع الروس والإيرانيين، والخضوع للأمريكان في أية معركة ضد الأكراد، ومن أجل أمنها الإقليمي كما تدعي، وأصبحت لا تقبل باتفاقية أضنة، 5 كيلومترات، وتريد السيطرة على 30 كيلو متر من الأراضي السورية، عند الحدود السورية.
إن تحالف تركيا مع روسيا وإيران كان سبباً في ازدياد تهجير ملايين السوريين، بدءاً من حلب، ولاحقاً ما سُمي مناطق خفض التصعيد الأربعة، ولم يبق منها إلّا بعض مناطق إدلب وأرياف حماة وحلب واللاذقية. إن تدفق ملايين اللاجئين إلى الأراضي التركية، وإلى كل دول العالم، وهناك من حُشِرَ في مناطق حدودية داخل سوريا أو على الشريط الحدودي ضمن تركيا، وهناك كثافة عدديّة في إدلب؛ كثافة اللاجئين هذه، دفعت تركيا للتفاوض مع روسيا وأمريكا خاصة، وسُمِح لها بإجراء عدّة غزوات للأراضي السورية، وأعادت قسماً من السوريين إليها، والآن تعمل على إعادة أكثر من مليون لاجئ إلى وحدات سكينة، تبنى حالياً، وستكون عودتهم في الأشهر اللاحقة، وبما يساعد حزب أردوغان على الفوز بالانتخابات في 2023؛ وبما يُخرِس أصوات المعارضة التركية، التي ترى أن سوريا آمنة واللاجئين يأكلون قوت الأتراك، ويجب إعادتهم إلى سوريا.
مع إعادة حلب الشرقية للنظام، وتوقيع اتفاقيات خفض التصعيد، افتتح الروس والأتراك خاصة مسار آستانا وسوتشي وجنيف، وسوتشي أردوغان وبوتين، وزيارات مكوكية بين الوفود الدبلوماسية والعسكرية التركية والروسية من أجل تدوير الزوايا وحل الخلافات التي تبرز في مناطق سيطرة كل من تركيا والروس داخل سوريا. كانت الرؤية الروسية أن النظام انتصر، وعلى الأتراك أن يعيدوا علاقاتهم معه. تم ذلك ضمن الاستخبارات، ولاحقاً برزت مواقف عديدة تقول بأن ذلك ممكن، شريطة أن يقبل النظام بالمعارضة، ولكن الأول رفض ذلك، ولم يعطِ المعارضة شيئاً في اللجنة الدستورية، وفي أستانا أعطت المعارضة مناطق خفض التصعيد بالتدريج.
إن روسيا التي تجد تركيا ضعيفة، ومهمشة لدى حلف الناتو وأمريكا، وهي كذلك بالفعل، تريد، أي تركيا، إقامة علاقات اقتصادية وعسكرية قوية مع روسيا، وراحت تتدرج بالتنازلات إزاء النظام، حتى وصل الأمر إلى لقاء وزيري خارجية تركيا وسوريا مؤخراً، والتصريح الذي أصدره التركي، ويفيد بأن الموقف التركي يرى بضرورة تصالح النظام والمعارضة، وهذا جوهر السياسة التركية قبل 2011 وبعده؛ فتركيا ترى أن المشكلة في سوريا، هي اختلاف النظام والمعارضة، وبالتحديد الإخوان وحلفاؤهم، وبالتالي لا بد من التصالح.
ليلة البارحة شعرت بلداتٍ سورية “محررة” بغبنٍ كبيرٍ، وبدأت بمظاهرات واسعة، شملت تقريباً كافة المناطق الخارجة عن النظام باستثناء مناطق قسد، وجوهرها رفض الموقف التركي، بل وحَرقت العلم التركي، وطَردت بعض الدوريات التركية. الموقف الجديد هذا، يأتي كإعلانٍ سياسيٍّ جديدٍ، ومفاده أن السوريين خارج سيطرة النظام ليسوا بجعبة تركيا، ولا ينطلقون من رؤية دينية اتجاهها، وهو ما عمل عليه الإخوان والسلفيون، وأن لديهم قضية وطنية، اسمها سوريا، وجرت بها ثورة، ولشعبها مجموعة من الحقوق، وأوّلها تغيير النظام وليس التصالح معه، وأن كل تسوية سياسية، أو تصالح سياسي، يجب ألّا يتخطى تلك الحقوق.
ردة الفعل هذه، ولن أسميها موقفاً صلباً ورؤية وطنية جادة، حيث يمكن أن تتطور الأوضاع عكس ذلك، سيما أن القوى السورية التابعة لتركيا من عسكريين ومدنيين وأمراء حرب سيعملون فوراً على إيقاف المظاهرات، وسيعمل الأتراك أنفسهم على قراءة مختلفة لتصريح وزير الخارجية التركية، حيث إن تطور المظاهرات قد يفسد كل التحالفات بين تركيا وروسيا وإيران، وطبعاً ليس من مصلحة روسيا أو إيران أن تخرج مناطق سيطرة تركيا أو هيئة تحرير الشام وربما مناطق قسد، وربما مدن سورية أخرى عن السيطرة الإقليمية.
لا شك أن الثورة هزمها النظام وحلفاؤه، وكذلك هزمتها تيارات المعارضة المكرسة وحلفاؤها. مع ذلك، ورغم تجفيف المناطق التي ثارت، فإن معظمها في أحوال سيئة للغاية وقابلة للاشتعال من جديد، وقضاياها لم تتحقق أبداً، بل هم يشاهدون كيف يتقاسم أحلاف النظام والمعارضة سوريا. تلك الهزيمة لا تعني هزيمة كاملة؛ فالنظام لم يعتمد سياسة جديدة، وهناك قوى الأمر الواقع التابعة للدول، وهناك احتلالات، ويأتي الآن الحديث عن التطبيع مع النظام ومحاولة التصالح معه، وهذا يعني شطب كل المظالم والقتل والتهجير، وما جرى منذ 2011، وهذا ما لا يمكن قبوله، ولهذا رأينا تلك التظاهرات، الرافضة ليس للنظام هذه المرّة، بل ولكل من يحاول التصالح معه؛ أي تركيا.
فهل يتجه السوريون نحو خطابٍ وطنيٍّ رافضٍ لقوى الأمر الواقع ولكافة الاحتلالات، وتتشكل رؤية وطنية مواطنية في كل الأرض السورية؛ هي مهمة صعبة للغاية، ولكنها وحدها من تعيد للسوريين صوتهم ودورهم في تقرير مصيرهم.
ليفانت – عمّار ديّوب
—————————
في حاجة أردوغان للأسد عندما حوَّل شمال شرقي سوريا إلى حقل رماية/ خورشيد دلي
على وقع قمة سوتشي بين بوتين وأردوغان، حول الأخير شمال شرقي سوريا إلى حقل رماية للمسيرات التركية، فالأخيرة وبشكل هستيري باتت تقصف كل شيء، موقعة ضحايا وجرحى من عسكريين ومدنيين، أطفالاً وشيوخاً، نساءً ورجالاً، ضحايا في القصف التركي الذي يأخذ شكل الإبادة الجماعية، والتهجير القسري، على مرمى من القوات الأميركية والروسية في المنطقة، وكأن أردوغان يريد جرَّ “قسد” إلى مواجهة غير متكافئة بعد أن فشل في الحصول على ضوء أخضر من موسكو أو واشنطن للقيام بغزو عسكري جديد.
السُلَّم الذي وضعه بوتين لأردوغان للنزول من على الشجرة السورية التي صعد إليها، وجد أردوغان فيه مساراً يمكن السير فيه على إيقاع دبلوماسية القيصر، لطالما تخلى عن شعاراته المطالبة برحيل النظام، وحصر كل أهدافه بوأد الإدارة الذاتية، ولطالما تخلى عن خطوطه الحمراء من حماة إلى حلب، والأدهى أنه بات يرى في طرق باب دمشق طريقاً لترتيب هندسة الداخل التركي، تطلعاً إلى الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وعليه بدأ يرسل رسالة تلو الأخرى إلى دمشق، من رسالة وزير خارجيته مولود تشاويش أوغلو عن استعداد أنقرة لدعم دمشق من أجل التحرك ضد قسد، إلى الرسالة التي سربتها الصحافة التركية عن استعداد لمكالمة هاتفية بين أردوغان والأسد، يرى أردوغان أن طرق باب دمشق سيحقق له جملة فؤائد استراتيجية تصب في الداخل التركي، ولما لا، فهو رجل التحالفات والانقلاب عليها ثم العودة إليها عند المصلحة، أليس هذا ما حصل عندما مارس كل العداء ضد حكومات مصر والإمارات والسعودية وإسرائيل، قبل أن يقدم على طرق بابها، ويقدم لها رأس جماعات الإخوان المسلمين ثمناً للانفتاح عليها؟ فما الذي يمنعه من تقديم رأس الائتلاف والجماعات المسلحة السورية إلى دمشق؟ بالتأكيد لا شيء، بل العكس تماماً قد يجد في الداخل والخارج من يساعده ويشجعه على ذلك.
ففي الداخل التركي، وتحديداً في أوساط المعارضة التركية، ومؤسسة الجيش، والأوساط الشعبية المكتوية بنار العنصرية والعداء للاجئين السوريين في تركيا، لا شيء يمنع كل هؤلاء من دعم أردوغان في خطواته نحو دمشق، بل إن زعيم المعارضة التركية كمال كليجدار أوغلو، سبقه في ذلك، عندما أعلن مراراً استعداده للذهاب إلى دمشق، والبحث معها عن خطة لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم خلال سنتين، وفي الخارج، يرى أردوغان دعماً ورعاية من موسكو وطهران وحتى دولاً عربية، لدفعه في السير في هذا الاتجاه، فيما أردوغان الذي لا يجد من التحالف الدولي ردعاً لوقف عدوانه على شمال شرقي سوريا، بات يتعامل مع هذا التحالف كعدو صامت على ممارسته لهذا العدوان.
في تطلع أردوغان إلى جعل العقد الماضي مجرد فاصل من سوء التفاهم مع دمشق رغم كل الدعم الذي قدمه للجماعات الإرهابية طوال العقد الماضي، تبدو دمشق مرتاحة جداً، وتراقب بدقة التهافت التركي عليها، وتدقق في حساباتها، وتحدد بوصلتها في اشتراط فتح باب المصالحة مع أنقرة بانسحاب تركيا من المناطق التي تحتلها في الشمال السوري، وتقديم رأس الائتلاف لها، دون أن يعني ما سبق أنها تتجاهل البعد الروسي الساعي إلى إحداث تغيير سياسي في بيئة الأزمة السورية، بما يؤدي إلى انتصار مسار أستانا على مسار جنيف، بل ودفن الأخير نهائياً لطالما أن رعاته مشغولون بالأزمة الروسية – الأوكرانية، وحديثاً بالأزمة الصينية – التايوانية، حيث معارك الطاقة تشغل الدبلوماسية الأوروبية ومن خلفها الأميركية، ولعل هذا ما يفسر تسريب دمشق عدم صحة الحديث التركي عن مكالمة بين أردوغان والأسد.
في الحديث عن احتمال تقارب بين دمشق وأنقرة يمكن أن يطوي صفحة الماضي ويفتح صفحة جديدة بينهما، ثمة حديث عن تشكيل لجنة من الخبراء لبحث قضايا الحدود والسياسة، لكن من الواضح أن أجندة الطرفين بعيدة عن التوافق، لطالما التصريحات التركية تتعامل مع الشمال السوري كشأن تركي داخلي وليس كشأن وطني سوري، فالحديث التركي عن إقامة منطقة آمنة داخل الأراضي السورية، وإسكان ملايين اللاجئين السوريين فيها، وإحداث تغيير ديمغرافي فيها، وإقامة حاجز بشري مرتبط بالسياسة والنفوذ التركيين لا يمكن أن يتوافق مع المصالح الوطنية السورية، فيما لا يبدو أردوغان مستعداً للتخلي عن هذه الأجندة، لطالما أن ذلك سيؤثر سلباً على استراتيجية في الداخل، لذلك يبدو أن مسار إعادة الدفء إلى العلاقات بين الجانبين مرهونة بتغيير سياسي داخلي تركي، قد لا يكون بوجود أردوغان، ولعل هذا ما تراهن عليه دمشق، بأن تكون الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة النقطة الفاصلة في تحديد بوصلتها تجاه أنقرة، سواء بوجود أردوغان أو رحيله.
في الانتظار، تبدو معركة “قسد” مع الاستهداف التركي لها، معركة الصبر وتحمل الاعتداءات التركية، وليس الانجرار إلى مواجهة عسكرية يريدها أردوغان، كما أن معركتها في إدارة سياسية براغماتية تجيد الانفتاح على مراكز القوى الفاعلة والمؤثرة في الأزمة السورية، لدفع تركيا إلى الحد من اعتداءاتها، والالتزام بالاتفاقيات التي وقعتها مع موسكو وواشنطن عقب عملية نبع السلام، معركة صعبة في ظل أعداد الضحايا، وحجم التدمير، والخوف وعدم الاستقرار في مناطقها، لكنها في النهاية عناوين في معركة البقاء، وإدارة الصراع، ومواجهة العداء التركي الدفين القادم من عمق التاريخ، وامتداد الجغرافية، وقوة الهوية.
نورث برس
————————-
نيويورك تايمز: علاقة معقدة بين أردوغان وبوتين تدفعها المصالح والعداء المتبادل
إبراهيم درويش
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده ستيفن إرلانغر، حلل فيه ملامح العلاقة المعقدة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، وأشار إلى أنها مدفوعة بالمصالح. فأردوغان يريد تدفق المال والتجارة والغاز الطبيعي ويتطلع لانتخابات حاسمة في العام المقبل، أما بوتين فهو يبحث عن أصدقاء لتجنب العقوبات الغربية.
وقال الكاتب إن الزعيم التركي يواجه مصاعب سياسية قبل انتخابات العام المقبل، اقتصاد في حالة انهيار، وبنك مركزي بدون عملة أجنبية تقريبا، وتضخم عال بنسبة 80% سنويا. أما فلاديمير بوتين فلديه مشاكله النابعة من الحرب في أوكرانيا، والمستنقع الذي خلقته له والعقوبات الاقتصادية القاسية التي ضربت الصناعة الروسية والاقتصاد بشكل عام. ودفعت التحديات المتبادلة الزعيمين للتعاون بشكل وثيق، حيث التقيا مرتين خلال الأسابيع الماضية، آخرهما في منتجع سوتشي الروسي للتخلص من مكامن الضعف وتوسيع ملامح الاتفاق في الشراكة بينهما في المجال الاقتصادي والتي يأمل أردوغان أن تصل إلى 100 مليار دولار. وهذا يثير غضب حلفاء أردوغان في الناتو الذين حاولوا زيادة سقف العقوبات ضد بوتين، وبناء إجماع يوقف حربه في أوكرانيا.
وهناك من يتساءل عن ولاء أردوغان، أبعد من مصالحه الشخصية. وهناك من يشك في أن العلاقة المشتركة أثمرت منافع لأي منهما، وذلك بعد نشر التفاصيل عما جرى بينهما. بالنسبة لبوتين، فالمنافع تشمل الطاقة وصفقات السلاح ورابطة مع دولة عضو في الناتو، التحالف الذي يحاول عزله وهزيمته في أوكرانيا. أما تركيا التي ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي، فقد رفضت فرض العقوبات الغربية ضد روسيا. وهي تحاول البحث عن طرق للعمل مع البنوك الروسية التي فُرضت عليها العقوبات وقبول مدفوعات من خلال القروض الائتمانية الروسية.
ولم يتوقف الغاز الروسي عبر أنبوب “ترك ستريم”. وهناك تقارير عن محاولات روسية للحصول على دعم تركي من خلال “أنظمة فرعية” لأسلحتها التي لم تعد قادرة على الحصول على المكونات الغربية مباشرة. ويعتبر التعاون بالنسبة لأردوغان مصدرا للمال وتدفقه إلى المصرف المركزي والحصول على أهمية دولية وسوق كبير للصادرات الروسية وعودة السياحة الروسية، والموافقة على جهوده لسحق المقاتلين الأكراد الذين يحظون بدعم روسيا وحكومة بشار الأسد. ولكنّ الزعيمين لا يزالان “عدوان صديقان” جمع كلاهما سلطات في يديه، ولا يستشيران إلا نفسيهما.
وعندما التقيا في طهران الشهر الماضي، ترك أردوغان بوتين ينتظر دقيقة، حيث وقف الزعيم الروسي المعروف بهذا التصرف وترك زواره ينتظرون، غير مرتاح أمام عدسات الكاميرا. وتم تفسير التحرك بأنه تعبير لطيف عن تغير ميزان القوة بينهما، فقد ترك بوتين أردوغان منتظرا في السابق، حتى عندما عملا معا، مؤكدا على أن اليد العليا هي له.
وفي النهاية، اتسمت العلاقات بين البلدين عبر العلاقة الشخصية بين الزعيمين، حيث عقدت الاجتماعات خلف الأبواب المغلقة بدون معرفة وزير الخارجية التركي أو الرأي العام لماهية ما يجري بينهما. ويقول إلهان أوزغيل الذي درّس العلوم السياسية بجامعة أنقرة قبل عزله بمرسوم رئاسي: “دخلت السياسة الخارجية التركية مرحلة خطيرة”، و”يلتقي الزعيمان معا ويتفاوضان، ولكنهما يجلسان في القصر إلى جانب عدد قليل من الأشخاص، ولا يعرف محتوى هذه المفاوضات سوى مجموعة صغيرة”.
واشترى أردوغان نظام دفاع صاروخي روسي متقدم، وهدد باستخدام الفيتو لمنع انضمام كل من السويد وفنلندا إلى حلف الناتو، وهناك معوقات أخرى قبل أن يصادق البرلمان التركي على انضمام الدولتين رسميا.
وتراقب واشنطن الوضع عن قرب، وقالت: “لقد حذرنا تركيا من عدم تحولها إلى ملجأ آمن للأرصدة والعقود الروسية غير الشرعية” وحثت تركيا على تخفيف اعتمادها على الطاقة الروسية. وجاء في بيان واشنطن، أن تركيا تدعم سيادة الأراضي الأوكرانية وتعتبر الغزو الروسي “غير مقبول”. وبالتأكيد فقد عارضت تركيا الغزو الروسي، ومنعت مرور البوارج الحربية الروسية عبر المضائق التركية إلى البحر الأسود، كما باعت الطائرات المسيرات لأوكرانيا والتي ساهمت في قتل الجنود الروس.
وبالنسبة للغرب، فتعامل أردوغان مع بوتين لم يكن سيئا، فقد حافظت تركيا على علاقاتها الدبلوماسية مع موسكو، وأصبحت الوسيط بين روسيا وأوكرانيا لتصدير القمح، وعقدت جولات لسلام ممكن. ويتحدث أردوغان ومساعدوه مع بوتين والرئيس الأوكراني فولديمير زيلينسكي بشكل منتظم.
وقال إيفو دالدر، السفير الأمريكي السابق في الناتو: “ترك أردوغان كل خياراته مفتوحة، وهو ما تفعله الدول عندما تفكر بمصالحها الذاتية، وما لا تفعله الدول الحليفة. لقد وجد طريقا لممارسة لعبته، لكنه يلعبها على حساب التحالف المهم لأمنه”. لكن دالدر أشار إلى أن وجود حليف بالناتو على علاقة مع بوتين أمر جيد “طالما قال الأمور الصحيحة، وحاول حل الموضوعات المترابطة مع أهداف التحالف وليس إضعافه”.
ويتفق المحللون الأتراك على أن الهدف الرئيسي لأردوغان هو إعادة انتخابه، والمساعدة لمواجهة الإرهاب الكردي في سوريا والداخل. ويقول أوزغيل: “أهداف حكومة أردوغان لا علاقة لها بتخفيف الضغط عن بوتين، لكن الطريق الصحيح لها في مسار الانتخابات”، ويضيف: “يواجه أردوغان ثلاث مظاهر قلق: الأول، إخبار الغرب أنه يستطيع التعامل مع بوتين، الثاني: يتوقع وصول المال من روسيا لكي يخفف معدلات العملة، وثالثا: يريد أن يكون متفقا مع روسيا في عملية التوغل التي يريد القيام بها في سوريا”.
وتراجعت شعبية أردوغان في استطلاعات الرأي قبل الانتخابات في العام المقبل، وتظل نقطة ضعفه هي الاقتصاد والتعب الشعبي والسخط على وجود ملايين اللاجئين السوريين في تركيا. وتقول أصلي أيدنطشباش، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “في كلا الموضعين لدى بوتين نفوذ كبير على أردوغان”. فروسيا هي مصدر العملة الصعبة والطاقة الرخيصة والوظائف. ولن تحتاج روسيا إلا لعدد من الغارات الجوية على شمال سوريا لكي تدفع بمليوني لاجئ سوري إلى تركيا.
وفي ملف التهديدات الأمنية، تحتاج تركيا لعلاقات عمل متوازنة مع روسيا، كما يقول سنان أولغين من معهد إيدام في إسطنبول، فقد دعمت تركيا أذربيجان في الحرب لاستعادة إقليم ناغورنو كارباخ، أما روسيا فقد تدخلت لإنقاذ أرمينيا. وقال أولغين: “تريد تركيا شراكة دبلوماسية مع روسيا في جوارنا، وفي ظل مناطق النزاع من ناغورنو كارباخ إلى سوريا، ولا تستطيع عزل روسيا”.
ويرى أولغين أن قدرة أردوغان على استضافة وزيري الخارجية الروسي والأوكراني والتوصل لصفقة مرور القمح الروسي والأوكراني عبر البحر الأسود “تثبت نهج تركيا المتوازن من روسيا”، مضيفا: “تركيا كانت داعمة لأوكرانيا بدون معاداة روسيا”. وقال إن المسؤولين الأتراك يعون حساسية الوضع من ناحية تنفيذ العقوبات ومنح انطباع أنهم يساعدون روسيا على تجنبها.
وتقول أيدنطشباش، إن العلاقة بين بوتين وأردوغان غريبة من ناحية أن كلا البلدين يتعاونان ويشاركان في الوقت نفسه بحروب وكالة في سوريا وليبيا، وفي الوقت نفسه تريد تركيا موافقة موسكو على التوغل في سوريا لمواجهة الأكراد هناك والحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار الهش. وتضيف: “لا أحد في أنقرة راض عن سيطرة روسيا على جزء من المجال الشمالي لتركيا على البحر الأسود وأجزاء من مجالها الجنوبي في سوريا، ولكنهم يعرفون أن هناك حاجة لإقامة علاقات مع روسيا والتفاوض على تسويات مؤقتة لأن الخيار الآخر هو القتال”.
——————————-
مظاهرات في 35 مدينة وبلدة شمالي سورية رفضاً للمصالحة مع النظام
عدنان الإمام
تظاهر آلاف السوريين، اليوم الجمعة، تحت شعار “لن نصالح”، في أكثر من 35 مدينة وبلدة ضمن مناطق سيطرة المعارضة السورية، شمال غربي سورية، رداً على تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، ورفضاً للمصالحة بين النظام والمعارضة، وتأكيداً على مطالب الثورة السورية وثوابتها.
ورصد “العربي الجديد” خروج آلاف السوريين في مظاهرات غاضبة، بعدة صلاة الجمعة في الساحات ضمن مدن وبلدات أعزاز وعفرين وجرابلس ومارع والباب وأخترين وجنديرس وراجو وسجو وصوران ومعبطلي وبزاعة ودارة عزة والأتارب والراعي وإبين سمعان والزيادية والجينة بأرياف محافظة حلب، ورأس العين بريف الحسكة الشمالي، وسلوك وتل أبيض بريف الرقة الشمالي، ومدينة إدلب وسرمدا والدانا وحارم وسلقين وكفر تخاريم وأطمة ومخيمات تل الكرامة ومعرة مصرين وجسر الشغور ودركوش وحزانو وكفر لوسين وكفر كرمين والمسطومة وترمانين بأرياف محافظة إدلب، معبرين عن رفضهم المُطلق للمصالحة مع النظام، ومؤكدين على ثوابت الثورة السورية، ومطالبين بتحقيق العدالة للسوريين، ومحاسبة رأس النظام السوري بشار الأسد.
وحاول بعض المتظاهرين المحتجين أمام القاعدة العسكرية التركية في معسكر المسطومة، القريبة من مدينة أريحا، غربي محافظة إدلب؛ تسلّق جدران القاعدة، الأمر الذي رد عليه عناصر الجيش التركي بإطلاق قنبلة غاز مسيل للدموع لمنع المتظاهرين من الدخول إلى النقطة.
وفي جرابلس شمال حلب، توجّه المتظاهرون إلى بوابة جرابلس الحدودية، ودخلوا إلى بوابة الجانب التركي وتظاهروا أمامها، مرددين شعارات رافضة للتطبيع والصلح مع النظام بأي شكلٍ من الأشكال.
وكان “الائتلاف الوطني السوري” قد طالب في بيانٍ اليوم الجمعة، بـ”ضرورة العمل الجاد من كل دول العالم الحر من أجل بناء تحالف دولي لمحاسبة نظام الأسد الكيماوي الذي قتل مليون شهيد وهجّر أكثر من نصف الشعب السوري”، مؤكداً أن “هذا ما يسعى إليه الائتلاف الوطني وكل القوى الوطنية السورية”.
وأوضح أن “الائتلاف الوطني السوري منذ مساء أمس تواصل مع الجهات التركية الرسمية حول تصريحات وزير الخارجية التركي، وأكدوا دعمهم الكامل لتطلعات الشعب السوري المشروعة وتنفيذ القرار 2254”. في حين نشر معظم قادة “الجيش الوطني السوري” الحليف لتركيا، إلى جانب وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، تحت وسم “#لن_نصالح”، تغريدات وبيانات على “تويتر” رداً على تصريحات وزير الخارجية التركي.
العربي الجديد
—————————
بدائل العملية العسكرية التركية: “بشمركة روج أفا” عوضاً عن “قسد” على الحدود؟/ سلام حسن
على الرغم من أن الرفض الغربي والروسي والإيراني للعملية العسكرية التي كانت أنقرة تهدد بشنّها في شمال شرقي سورية قد أدى إلى تجميدها، إلا أن إصرار تركيا على دحر المجموعات الكردية عن حدودها بحوالي 30 كيلومتراً، على طول الحدود، يدفع للبحث عن بدائل.
وكان يعوّل على الحوار الكردي – الكردي بين أحزاب الوحدة الوطنية الكردية التي يقودها “حزب الاتحاد الديمقراطي”، المتهم بكونه الذراع السورية لـ”حزب العمال الكردستاني” (تصنفه أنقرة إرهابياً) من جهة، والأحزاب المنضوية تحت راية “المجلس الوطني الكردي” المقرب من تركيا من جهة أخرى. وتركزت الآمال على أنه من الممكن أن يجد “توليفة” قد ترضي أنقرة، وذلك بالعودة إلى بعض الاتفاقات الموقعة بين الطرفين الكرديين، في أعوام سابقة، لا سيما “هولير1″ (2012)، و”هولير 2” (2013)، ودهوك (2014). غير أن هذا الحوار الذي رعته واشنطن على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، أصيب بالتعثر.
وارتفع أخيراً منسوب التصعيد التركي في شمال شرقي سورية ضد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) التي يشكل الأكراد القوام الرئيسي لقياداتها. وقالت مصادر كردية مقربة من “الإدارة الذاتية” الكردية لشمال وشرق سورية، لـ”العربي الجديد”، إن التصعيد التركي ضد “قسد” يعود سببه إلى الفشل في التوصل إلى صيغة توافقية بين الطرفين الكرديين، لا سيما مع تعنّت “قسد” و”الاتحاد الديمقراطي” في فرض رؤيتهما للتوافق، من دون تقديم أي تنازل تفاوضي.
قوات “بشمركة روج آفا – سورية” بديلٌ ممكن
ولفتت المصادر إلى أن بعض القوى الكردية الموالية لـ”الاتحاد الديمقراطي”، وحتى إلى تيار داخل الحزب، باتت تؤيد إكمال الحوار، بما يفضي إلى إدارة تشاركية بصيغة مرضية لدول الجوار بدعم من واشنطن و”التحالف الدولي” بطبيعة الحال، وحكومة إقليم كردستان العراق، على أن يتضمن ذلك فتح خطوط شراكة سياسية واقتصادية مع مناطق سيطرة المعارضة السورية في شمال غربي سورية.
ورأت المصادر أن أحد السيناريوهات الأقرب للواقع، يذهب باتجاه انسحاب “قسد” من الشريط الحدودي مع تركيا، وإحلال قوات “بشمركة روج آفا – سورية” وأذرعها المدنية مكانها، مضيفة أن هذا السيناريو ربما تقبله تركيا على مضض حالياً، علماً أنه كان مقبولاً من أنقرة في أوقات سابقة.
و”بشمركة روج آفا – سورية”، هي الذراع العسكرية للمجلس الوطني الكردي، وتتخذ من إقليم كردستان العراق قاعدة لها، وشاركت البشمركة العراقية في المعارك ضد تنظيم “داعش” في العراق ضمن قوة مكافحة الإرهاب الكردية العراقية، المعروفة باسم “زيرفاني”، وحالياً تنتظم “بشمركة – روج آفا” ضمن هيكلها وتنظيمها.
لكن محمد موسى، سكرتير حزب “اليسار”، أحد أحزاب “الإدارة الذاتية”، يرى أنه “لا يوجد بديل ديمقراطي للإدارة الذاتية، ولا يوجد بديل للوضع القائم عموماً على المستوى السوري”. ويؤكد موسى، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنهم في حزب “اليسار” يرون أن “الخيار الوحيد أمامهم في غرب كردستان (في إشارة إلى شمال شرقي سورية) هو تعزيز الجبهة الداخلية، من خلال مستويين، سياسي وشعبي أو جماهيري”. ويشرح أنه “على المستوى السياسي، فإننا نعمل على تحقيق التفاهمات المطلوبة بين القوى السياسية عموماً”.
ويلفت موسى إلى أن الحوار الكردي “لم يستطع الوصول إلى اتفاق أو إلى الحل المنشود شعبياً وسياسياً، ونحن نطالب باتفاق القوى الكردية، وبين كافة مكونات المجتمع السوري على مستوى شمال وشرق سورية، لمواجهة كافة المخاطر التي تحيط بهذه المنطقة”.
وحول فرضية إحلال قوات “بشمركة – روج آفا” كبديل عن انتشار “العمال الكردستاني” و”قسد” في شمال شرقي سورية، يعتبر موسى أن هذا الطرح “لا يمكن قبوله بأي شكل”، مضيفاً أنه “إذا كان لحزب العمال دور معين في شمال وشرقي سورية، إلا أن الحراك المجتمعي والسياسي غير مقتصر على القريبين من العمال، بل يشمل كافة المكونات من عرب وكرد وسريان وآخرين”. ويجزم بأن “ما تحقق بدماء أبناء وبنات شعبنا من مكاسب، متمسكون به من دون تفريط”، متحدثاً عن “استحالة الانتقال من جانب إلى آخر بمثل هذا الطرح لإرضاء تركيا”. ويقول في هذا الشأن: “إن خياراتنا مختلفة وتتمثل في الدفاع، والآخرين عليهم فتح باب الحوار”.
حظوظ العملية التركية والتوافقات المطلوبة
وهناك العديد من القوى والتيارات التي تنشط في شمال وشرق سورية، والتي تطرح نفسها كبديل للقوى المسيطرة، منها “جبهة السلام والحرية” التي يقودها الرئيس السابق للائتلاف الوطني السوري المعارض، أحمد الجربة، وتتشكل من خليط قومي متعدد (عربي، كردي، سرياني، تركماني). ويرى عماد برهو، المنسق الإعلامي لـ”جبهة السلام والحرية”، أن الجبهة بمكوناتها المتعددة “خير بديل ديمقراطي معتدل التوجهات ضمن المعارضة السورية، ورؤيتها للحل الشامل في سورية، وهي الممثل الحقيقي لأبناء مناطق شمال وشمال شرقي سورية، وبالتالي في حال حدوث فراغ مفاجئ للقوى المسيطرة حالياً على هذه المناطق، والمتمثلة في قسد، والإدارة الذاتية، فإنها بمثابة البديل الأفضل والأكثر قبولاً من قبل أبناء المنطقة، والدول الإقليمية والدولية”.
وبالنسبة لإمكانية قيام تركيا بتنفيذ عملية عسكرية واسعة في مناطق سيطرة “قسد”، فهي بحسب برهو، تأتي ضمن اتفاقياتها الدولية مع روسيا والولايات المتحدة بشأن تشكيل منطقة آمنة على طول حدودها مع سورية على مسافة 30 كيلومتراً، مضيفاً أن “قوات قسد قد وقّعت عليها”. ويرى أن “بدء تركيا شن عمليات نوعية داخل الأراضي السورية عبر طائرات مسيّرة، مؤشر واضح بأنها قد تلقت الضوء الأخضر، أو ربما غضّ الطرف عن تدخلها العسكري، وماضية في تنفيذ خطتها لإخراج قسد وكوادر حزب العمال الكردستاني من المنطقة، والتي هي بالتالي ذاهبة إلى فراغ وفوضى”.
ويشدّد برهو على ضرورة “إيجاد بديل من القوى المحلية، يكون ذا سياسات معتدلة التوجهات، ولديه قوات عسكرية لم تتلطخ أيديها بدماء الشعب السوري”. والبديل السوري الوحيد في هذه المناطق هو “جبهة السلام والحرية”، بحسب قوله.
بدوره، يرى الأكاديمي والباحث الكردي فريد سعدون، أن سكوت الأميركيين عن التصعيد التركي الحالي، دليل على التزامهم باتفاق أكتوبر 2019، وكذلك الروس الذين وقّعوا على الاتفاق الذي يقضي بانسحاب “قسد” مسافة 32 كيلومتراً عن الحدود التركية. ويشير سعدون، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن “قسد” ضربت بالاتفاق عرض الحائط بعدما أعادت القوات الأميركية انتشارها في المنطقة.
وحول البديل لمشروع “الإدارة الذاتية” و”قسد”، ينوه سعدون إلى أن دخول البشمركة كان مطروحاً وكذلك سيطرتها من شرق القامشلي إلى الحدود، على أن تستلم قوات عشائرية المنطقة المتبقية حتى نهر الفرات، مذكراً بأن الأميركيين كان لديهم هذه الفكرة، أي تشكيل إدارة محلية حقيقية وهم يعملون على تحقيقها. أما الأتراك، فموافقون برأيه، “لكون أنقرة ترى في عودة النظام السوري تهديداً أيضاً لأمنها”. ويعرب سعدون عن اعتقاده بأن “هذا المخطط سيتم بتوافق روسي أميركي تركي، وبإشراف من حكومة كردستان العراق”.
من جهته، يشير الكاتب الكردي شفان إبراهيم، إلى أن إخراج “قسد” و”العمال الكردستاني” من شمال شرقي سورية، وتحديداً من الشريط الحدودي مع تركيا، يعتمد على الإرادة الدولية لتحقيقه، مشدداً على أن البديل “يجب أن يكون بتوافق كل مكونات المنطقة”. ويلفت إبراهيم، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن قوات البشمركة “تحظى بقبول تركي وأميركي ما يرشحها لكي تكون بديلاً توافقياً، على عكس قوات “الجيش الوطني” (قوات المعارضة السورية) الحليف لتركيا، والذي تتحفظ واشنطن على انتشارها في المنطقة كبديل”.
————————
تركيا والنظام السوري.. “سوء فهم” أم مؤشرات تطبيع؟
ضياء عودة – إسطنبول
أشعلت تصريحات أدلى بها وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، يوم الخميس، موجة من الغضب بين أوساط المعارضين السوريين، بعدما اعتبر أنه “من الضروري تحقيق مصالحة بين المعارضة والنظام في سوريا، بطريقة ما”، فيما كشف عن “لقاء قصير” جمعه قبل عشرة أشهر مع نظيره السوري، فيصل المقداد، في بلغراد.
ورغم أن اللقاء مع المقداد كان قبل عشرة أشهر (أكتوبر 2021) على هامش اجتماع “حركة عدم الانحياز” و”لم يكن رسميا”، إلا أنه يعتبر أول اتصال دبلوماسي بين تركيا والنظام السوري، منذ عام 2011.
ومما أدلى به الوزير التركي: “لن يكون هناك سلام دائم في سوريا دون تحقيق المصالحة”، مضيفا: “يجب أن تكون هناك إرادة قوية لمنع انقسام البلاد”، وأن “الإرادة التي يمكنها السيطرة على كل أراضي البلاد لا تقوم إلا من خلال وحدة الصف”.
وسرعان ما انعكس حديثه على أوساط المعارضين السوريين، والذين اتجهوا، مساء الخميس، إلى تنظيم احتجاجات شعبية غاضبة في المدن والمناطق الحدودية، في ريف حلب الشمالي ومحافظة إدلب.
وبينما استمرت الاحتجاجات، وتبعتها دعوات لتنظيم أخرى عقب صلاة يوم الجمعة، وهو ما حدث بالفعل، أصدرت وزارة الخارجية التركية ردا توضيحيا لتصريحات تشاووش أوغلو.
وجاء الرد ضمن ثلاثة مسارات، حيث قالت الخارجية إن “تركيا لعبت دورا رائدا في الحفاظ على وقف إطلاق النار على الأرض، وتشكيل اللجنة الدستورية عبر عمليتي أستانا وجنيف، وقدمت الدعم الكامل للمعارضة ولجنة التفاوض في العملية السياسية”.
ووفقا للخارجية: “تواصل تركيا، التي توفر الحماية المؤقتة لملايين السوريين، الإسهام الفعال في الجهود المبذولة لتهيئة الظروف المناسبة للعودة الطوعية والآمنة للاجئين وإيجاد حل للنزاع، وفقا لخارطة الطريق المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن الدولي 2254”.
“تعاطي تحكمه المتغيرات”
وعُقد آخر اجتماع بين تركيا والنظام السوري على مستوى وزراء الخارجية في عام 2011، عندما اندلعت أحداث الثورة السورية، خلال زيارة وزير الخارجية آنذاك، أحمد داود أوغلو، إلى دمشق، في أغسطس.
والتقى داود أوغلو بوزير الخارجية السوري الراحل، وليد المعلم، وكذلك رأس النظام، بشار الأسد. وعقب الاجتماع انقطع التواصل السياسي بين الطرفين.
وكانت تركيا قد قدمت، عقب عام 2011، دعما قويا سياسيا وعسكريا للمعارضة السورية، من أجل إسقاط النظام، وبقيت على هذا المسار، إلى أن تدخلت روسيا عسكريا في عام 2015.
وبعد عام 2015، وبينما بقي الدعم المذكور قائما وبشكل معلن مع اختلاف موازين القوى على الأرض، تحوّل الموقف إلى مرحلة جديدة مع بداية 2017، في أثناء انطلاق مسار “أستانة”.
وعقب هذه الفترة بدا ملاحظا أن تركيا لم تعد ترى رحيل الأسد خيارا قائما، لا سيما مع تغيّر المواقف الدولية التي اختلفت أيضا في أولى سنوات الثورة، عن تلك التي تبعتها بعد ذلك، بشكل تدريجي.
وتعتبر تركيا إحدى الدول الفاعلة في الملف السوري، سياسيا من خلال مسار “أستانة” الذي بلغ عدد جولاته 18 وآخر يتعلق بـ”سوتشي”، كما أنها تستضيف أكثر من 4 ملايين لاجئ سوري.
أما عسكريا فيظهر الدور الفاعل لتركيا جليا استنادا إلى الواقع الميداني المفروض من قبل قواتها والفصائل السورية التي تدعمها على طول الحدود، والمتمثلة بتحالف “الجيش الوطني السوري”.
وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية بدت ملامح الرؤية التركية بشأن الملف السوري، محصورة بعدة أهداف، من بينها إبعاد أي تهديد لأمنها القومي على طول الحدود الشمالية من سوريا، بينما تصاعد الحديث وبشكل كبير مؤخرا عن “ملف اللاجئين” والمنطقة الآمنة، الخاصة بهم.
علاوة على ذلك، لطالما أعلنت أنقرة مرارا أنها تدعم “العملية السياسية الخاصة بسوريا”، وأنها تؤيد أيضا لمخرجات مسار أستانة، والذي كان له الدور الأكبر في تثبيت حدود السيطرة العسكرية، بشكلها الحالي.
“الجدل بالسياق”
لم يثر الموقف الذي أعلنه وزير الخارجية التركي غضبا واحتجاجات فقط، بل أسفر أيضا عن حالة جدلية، انعكست بأسئلة من قبيل: هل ما طُرح مؤشر لإعادة تطبيع العلاقات؟ أم أنها عملية “جس نبض”؟
وفي وقت تضاربت فيه آراء المحليين والمراقبين بشأن العلاقة المستقبلية التي قد تقبل عليها تركيا والنظام جاء بيان وزارة الخارجية التركي، يوم الجمعة، ليعطي رسالة مفادها أن “السوريين أساؤوا فهم الموضوع”.
لكن ما زاد من حالة الجدل أكثر أن الطرح الذي تحدث به وزير الخارجية التركي جاء ضمن سياق لافت، وبالتزامن مع سلسلة من التسريبات الصحفية التي نشرتها وسائل إعلام تركية، خلال الأيام الماضية.
ورجحت وسائل إعلامية أن تكون هناك “بداية لعودة العلاقات”، وحتى أن البعض منها توقع، قبل أيام، حصول اتصال هاتفي بين رجب طيب إردوغان وبشار الأسد.
وكان تشاووش أوغلو قد نفى احتمالية أي اتصال هاتفي بين إردوغان والأسد، مؤكدا على أنه “لا توجد اتصالات دبلوماسية في الوقت الحالي”، وأن العلاقة مقتصرة على “الاستخبارات”، والذي انقطع التعاون فيه مؤخرا، واستؤنف اليوم.
ولم يخف الوزير التركي معلومة أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عرض على إردوغان في قمة “سوتشي” الأخيرة التواصل مع نظام الأسد، من أجل حل المشاكل الأمنية في الشمال السوري، لكنه أضاف أن الرئيس التركي “فضّل البقاء على التواصل الاستخباراتي فقط”.
وفي بداية هذا الشهر، كان هناك اجتماع بين إردوغان وبوتين في سوتشي، وأثيرت فيه قضية “علاقة أنقرة بدمشق”، كما نوقشت القضية أيضا في الطائرة الرئاسية التركية العائدة إلى أنقرة.
وبعد يومين من تصريحات إردوغان، كتب فاتح شكرجي، على صحيفة “حرييت” المقربة من الحكومة: “هل يمكن أن تتحول القضية إلى احتمال أن ترتفع المحادثات بين البلدين إلى مستوى الاستخبارات؟ إذا كانت هناك نتيجة جادة ضد الإرهاب، فإن الاتصال سيكون شديدا للغاية”.
وبعده بيومين قالت الصحفية هاندي فيرات، التي رافقت إردوغان خلال زيارته الأخيرة إلى سوتشي، إن “روسيا طرحت على تركيا مراجعة اتفاقية أضنة المبرمة مع النظام السوري منذ عام 1998”.
وأضافت أن “تركيا رأت المقترح الروسي غير واقعي في هذه المرحلة”.
وإضافة إلى ذلك، نشر الصحفي، يلماز بيلغين تقريرا على “صحيفة تركيا” أثار من خلاله الجدل على نحو كبير، حيث زعم أن “دولة خليجية وأخرى إفريقية تحاول ترتيب اتصال بين إردوغان والأسد”.
وتابع الصحفي أن لقاء إردوغان-الأسد الذي تصفه أنقرة بـ”المبكر جدا” يمكن أن يتم بواسطة اتصال هاتفي، وأن السلطات التركية والسورية، وصلتا إلى مرحلة تشكيل “لجنة من الخبراء المثقفين” من الطرفين المختصين بالشأن السوري، وبهذا ينتقل التفاوض بين البلدين إلى مستوى جديد.
ما الذي يحصل؟
حتى الآن لم يصدر أي تعليق من جانب النظام السوري، بشأن ما يجري من حديث تركي، لكنه سبق وأن أصدر سلسلة بيانات طالب القوات التركية بالخروج من البلاد، واصفا إياها بـ”الاحتلال”.
وكان آخر تعليق لفيصل المقداد حيال أنقرة، في يوم 20 من شهر يوليو الماضي، حيث اعتبر أنه “لا فائدة لتركيا من دخول حدود سوريا”، في تعليق منه على التهديدات التركية بشن عملية عسكرية جديدة.
واعتبر المقداد في حديثه على هامش “قمة طهران” أن حدوث ذلك (العملية التركية) سيؤدي إلى “صراع بين الحكومة السورية وتركيا، ويؤثر على الشعبين الصديقين والشقيقين”.
ويقول يوسف إريم، وهو صحفي مختص بتحليل السياسات الخارجية التركية: “لا تزال العلاقة أو عدم وجود علاقة بين تركيا ونظام الأسد مجمدة، لأن أنقرة لم ترَ دمشق تتخذ أي خطوات تتطلب إعادة تقييم العلاقات الدبلوماسية”.
ويرى الصحفي في حديث لموقع “الحرة” أنه ولكي تدخل العلاقات في مرحلة جديدة، “سيتطلب تركياً رؤية تقدم في عدد قليل من القضايا الحاسمة التي يمكن أن تشمل عملية الحل السياسي، وضمانات أمنية جادة، والعفو عن أعضاء المعارضة السورية، ونهج أكثر صرامة تجاه وحدات حماية الشعب وخارطة طريق نحو الحرية والنزاهة. وانتخابات”.
وبذلك يضيف إريم أن “احتمالية حدوث تقدم في هذه القضايا مع وجود بشار الأسد في السلطة ضعيفة”.
وليس سرا أن أكبر داعمين للنظام السوري (روسيا وإيران) يريدان استعادة العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة ودمشق.
وقد أعرب الرئيس الروسي عن هذه الرغبة عدة مرات، كان آخرها في قمة سوتشي خلال اجتماعه الثنائي مع نظيره التركي في وقت سابق من هذا الشهر.
ويوضح إريم: “لكن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو أوضح أن الاتصال الهاتفي بين إردوغان والأسد ليس على جدول أعمال تركيا”.
من جانبه، يقول الباحث بالشأن السياسي التركي، هشام جوناي، إن ما نراه في الوقت الحالي “هو تغير في السياسية الخارجية التركية”، مضيفا “ربما لم نتوقع هذه التصريحات من وزير الخارجية، لكن واضح جدا أن قمتي سوتشي وطهران أثرتا كثيرا على القرار السياسي التركي”.
ويعتقد جوناي في حديث لموقع “الحرة” أن “الضغوط التي مارستها موسكو على إردوغان أتت بنتائج ملموسة لصالح المصالح الروسية، وأيضا لمصلحة نظام الأسد”.
كما يعتقد أن “تركيا الآن ترجّح أن يكون بجوارها وعلى حدودها دولة سورية برئاسة الأسد بدلا عن كيان كردي حتى شبه مستقل يهدد أمنها واستقرارها”.
هل يعتبر التطبيع سهلا؟
وبينما لا تبدو ملامح أي قواسم مشتركة بين أنقرة ودمشق حتى الآن، تبقى علاقة الأولى مع حلفاء الأخيرة (روسيا وتركيا) الرابط الوحيد، والذي يتراوح الإعلان عن تفاصيله ما بين “السياسة والميدان”.
كما أن هناك رابطا آخر، سبق أن تحدث عنه المسؤولون، يتعلق بالتواصل الاستخباراتي.
وهناك سلسلة من “ملفات العداء” التي تحكم العلاقة بين تركيا والنظام، حسب مراقبين، وذلك ما يشي بأن “عملية إعادة العلاقات لن تكون سهلة على المدى المنظور”.
عقب قمتي “طهران” و”سوتشي” أشار إردوغان مرتين إلى أن الروابط الأخيرة في الحزام الأمني للقوات المسلحة التركية يجب أن تكتمل، في إشارة منه إلى “المنطقة الآمنة” التي تريد أنقرة إنشاءها على طول الحدود الشمالية لسوريا.
علاوة على ذلك، من بين معوقات العملية السياسية بين تركيا والأسد هي عدم وجود توافق بين النظام والمعارضة داخل سوريا، إضافة إلى غياب التوافق بين أنقرة ودمشق حول “مكافحة الإرهاب”، وملف اللاجئين والنازحين، المقدّرة أعدادهم بالملايين.
ومنذ اندلاع الحرب الأهلية السورية، كانت المراسلات الوحيدة بين تركيا والنظام على “مستوى استخباراتي”.
ولكن، وبحسب الصحفي إريم: “مع كون الهجرة قضية رئيسية واستمرار تنظيم وحدات حماية الشعب الإرهابية في خلق مخاوف أمنية وطنية رئيسية لتركيا. قد يكون استكشاف طرق إنشاء قناة دبلوماسية منخفضة إلى متوسطة المستوى نهجا عمليا قد يؤدي إلى إحراز تقدم بشأن هذه القضايا”.
وفي حين أن عقد اجتماع رفيع المستوى بين إردوغان والأسد “أمر غير مرجح إلى حد كبير”، يشير الصحفي التركي إلى أن “هذا لا يغير حقيقة أن الأسد ونظامه يمثلان حقيقة على الأرض يجب على تركيا التعامل معها”.
ويتابع: “يمكن لخطوة مثل تعيين مبعوث خاص أن تخلق قناة قد تؤدي إلى إحراز تقدم في العديد من القضايا، التي تم تجميدها لسنوات”.
لكن الباحث، هشام جوناي، يرى أن “عودة العلاقات ستكون صعبة في ظل المعطيات السياسية الموجودة أولا”.
“الخطاب التصالحي مع الأسد جاء من المعارضة التركية وليس من الحكومة. الأخيرة كانت ترفض بقاء الأسد سابقا حتى في نقاشات الدستور، وفي المسارات الدولية في أستانة وجنيف”.
ويوضح جوناي: “في الوقت الراهن أعتقد أنه في حال أعادت الحكومة وتراجعت عن سياستها السابقة سيتم استخدام الأمر من جانب المعارضة في الداخل ضدها. سيقال إن الحكومة رضخت لضغوط دولية، وغيّرت من سياساتها. هو أمر لن يقنع الرأي العام التركي”.
ويقول الباحث التركي: “هناك بالفعل تلميح من الحكومة التركية ربما بنية التصالح، لكنه جاء في سياق مختلف، وبضغط من إيران وروسيا، وليس بإرادة إردوغان بحد ذاته”.
“تعاون لا علاقات”
وقد أدى الاستقطاب الذي شهدناه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال “الربيع العربي” إلى إفساح المجال للبراغماتية والمصالحة، خلال العامين الماضيين.
ويقول الصحفي إريم: “لقد رأينا ذلك مع إنهاء حصار قطر في قمة العلا واتفاقات إبراهيم وتطبيع تركيا مع الإمارات والسعودية وإسرائيل”.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الظروف التي تفصل بين تركيا والنظام السوري لا تزال سارية وواضحة.
ويضيف الصحفي: “لا أرى عودة العلاقات الدبلوماسية في المستقبل القريب. ولكن قد يكون هناك مجال للتعاون والتفاهم بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك”.
ومن هذه القضايا، وعلى سبيل المثال: “حل وحدات حماية الشعب وتشتيتها في صفوف جيش النظام”، وفق الصحفي، متابعا: “ستكون هذه خطوة من شأنها أن تخفف من مخاوف تركيا على الأمن القومي، وتغيّر رأيها فيما يتعلق بعملية عسكرية ضد المجموعة”.
وتشكل “وحدات حماية الشعب” عمادا عسكريا لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي تدعمها الولايات المتحدة الأميركية، في سياق الحرب ضد تنظيم “داعش”.
وبشأن موقف الشارع المعارض للنظام السوري، والذي انتفض باحتجاجات كبيرة انسحبت على معظم مناطق الشمال السوري، اعتبر الصحفي التركي أنه “كان من المحبط للغاية رؤية الاحتجاجات وحرق العلم التركي من قبل عناصر تُعرّف نفسها على أنها المعارضة السورية”.
ويؤكد إريم أن “تركيا كانت أقوى داعم للمعارضة منذ بداية الحرب الأهلية. أنفقت أنقرة مليارات الدولارات على اللاجئين، واستضافت ملايين المهاجرين في تركيا وفقدت الجنود الأتراك الذين يحمون السوريين ضد النظام”.
ويتابع في إشارة لمخاوف أوساط المعارضين: “تركيا لديها سجل قوي من الدعم والولاء تجاه الحلفاء والشركاء. من حكومة الوفاق الوطني في ليبيا إلى أذربيجان في حرب كاراباخ. قدمت تركيا دعما قويا لحلفائها وحققت نتائج إيجابية، وليست لديها خطط للتخلي عن شركائها السوريين المحليين”.
وأضاف “مع ذلك، فإن هذه الأنواع من الاحتجاجات وصور حرق العلم يمكن أن تخلق مشاعر سلبية داخل تركيا وتضر بمستقبل الشراكة”.
ضياء عودة
الحرة
————————
الخارجية التركية عن تصريحات أوغلو:بذلنا أكبر جهد للحل بسوريا
أصدرت الخارجية التركية بياناً تعقيباً على تصريحات وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو، المتعلقة بالسعي للمصالحة بين النظام السوري والمعارضة السورية، التي أدت إلى ردود فعل غاضبة في مناطق مختلفة بالشمال السوري.
وقال المتحدث باسم الخارجية تانجو بيلجيتش الجمعة في بيان: “رداً على ما تم تداوله في وسائل الإعلام في ما يتعلق بنهج تركيا في الصراع السوري، الدولة التي بذلت أكبر جهد لإيجاد حلّ في هذا الاتجاه… لعبت تركيا دوراً رائداً في الحفاظ على وقف إطلاق النار على الأرض وإنشاء اللجنة الدستورية من خلال عمليتي أستانة وجنيف وقدمت الدعم الكامل للمعارضة ولجنة التفاوض في العملية السياسية”.
وأكدت وزارة الخارجية التركية أن أنقرة ستواصل جهودها الحثيثة من أجل إيجاد حل دائم للنزاع في سوريا بما يتماشى مع تطلعات الشعب السوري وتقديم الدعم الكامل للمعارضة السورية وهيئة التفاوض.
ولفتت الوزارة إلى أن المسار السياسي لا يشهد تقدماً حالياً بسبب مماطلة النظام، وأن هذا ما أشار إليه وزير الخارجية التركية في تصريحاته الخميس.
مصالحة سورية
وكشف أوغلو الخميس، عن إجرائه محادثة قصيرة مع نظيره السوري فيصل المقداد، على هامش اجتماع لحركة عدم الانحياز أقيم في بلغراد في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي. ويعد هذا اللقاء، الأول الذي يجمع بين دبلوماسي تركي رفيع ومسؤول لدى النظام السوري منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011.
وقال أوغلو في تصريحات نقلتها وكالة “الأناضول” إنه “علينا أن نصالح المعارضة والنظام في سوريا بطريقة ما وإلا فلن يكون هناك سلام دائم”.
وأشار أوغلو إلى ضرورة وجود إدارة قوية في سوريا لمنع أي تقسيم للبلد، مضيفاً أن “الإرادة التي يمكن أن تسيطر على جميع أنحاء البلاد لا يمكن تحقيقها إلا من خلال الوحدة والتضامن”.
وتدعم تركيا مجموعات معارضة سورية وفصائل مسلحة مختلفة، كما نفذت القوات التركية العديد من العمليات العسكرية عبر الحدود مع سوريا خلال السنوات الماضية.
وتجري أنقرة منذ سنوات محادثات مع طهران وموسكو، أبرز داعمي دمشق، في إطار مسار أستانة الهادف الى إيجاد تسوية سياسية للنزاع بموازاة جهود الأمم المتحدة في جنيف. وأدت اتفاقات تهدئة ضمن هذا المسار إلى وقف هجمات عسكرية واسعة نفذتها قوات النظام السوري خصوصاً في إدلب.
ونفى تشاووش أوغلو وجود أي تواصل مباشر راهناً بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد، رغم مطالبة روسيا بذلك منذ زمن طويل على حدّ قوله. لكنه أشار إلى عودة التواصل مؤخراً بين أجهزة استخبارات البلدين بعد انقطاع.
—————————
تشاووش أوغلو خلط أوراق اللعبة السورية..وافتتح مساراً جديداً/ مصطفى محمد
تؤشر تصريحات وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو الأخيرة إلى توجه تركيا نحو مقاربة سياسية جديدة للملف السوري، محركها التخلص من “عبء اللاجئين السوريين” على أراضيها لحسابات استقطاب الناخب التركي، وعنوانها دعم أنقرة ل”المصالحة” بين المعارضة والنظام السوري.
وبعد كشفه عن لقاء جمعه مع وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، قبل 10 أشهر خلال مؤتمر حركة عدم الانحياز في العاصمة الصربية بلغراد، أكد تشاووش أوغلو على وجوب تحقيق مصالحة بين المعارضة والنظام في سوريا بطريقة ما، معتبراً أنه لن يكون هناك سلام دائم من دون تحقيق ذلك، مشيراً إلى دعم بلاده للسلام في سوريا الذي ينعكس عليها إيجاباً.
ويشكل حديث الوزير التركي أول إعلان مباشر حول رغبة أنقرة بترميم العلاقة مع النظام السوري، لما تضمنه من حديث عن إعادة إعمار سوريا مقابل “المصالحة” التي ترى فيها تركيا مخرجاً من الأزمة السورية التي لم تعد تحظى باهتمام دولي.
ومن وجهة نظر المعارضة، تأتي خطورة تصريحات تشاووش أوغلو عن لقاء المقداد و”المصالحة” من أنها جاءت متزامنة مع الأنباء عن احتمال إجراء اتصال بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام بشار الأسد، لتسود حالة من اليقين في أوساط المعارضة بأن كل ما جرى وسيجري في هذا الجانب لن يكون في صالحها، وهو ما يمكن تلمسه من خلال الغضب الذي خيم على الشمال السوري بعيد التصريحات.
مسار سياسي “أممي” جديد
لكن المحلل السياسي التركي المقرب من حزب “العدالة والتنمية” يوسف كاتب أوغلو يضع الكشف عن لقاء تشاووش أوغلو بالمقداد، في إطار الرد من الوزير التركي على تساؤلات الصحافيين، مضيفاً “رغم أن اللقاء كان عابراً وقصيراً، إلا أن الكشف عنه في هذا التوقيت يعبّر عن دعم تركيا لمسار سياسي جديد برعاية أممية، وهو مسار التفاوض السياسي والحوار لإيجاد حل سياسي شامل للملف السوري”.
ويضيف ل”المدن”، أن تركيا بقيت وحيدة في الملف السوري المتأزم بعد أن تخلى العالم عن هذا الملف وأدار ظهره للمعارضة، وهي لا زالت تعاني من التبعات السورية (النزوح واللجوء) والخطر الذي تشكله الميليشيات المسلحة (قسد) على الأمن القومي التركي.
ويقول كاتب أوغلو إن هناك “من يريد إشعال الحرب بين تركيا والنظام السوري، لا تريد تركيا أن تتورط بها، لكنها بالمقابل لن تتهاون في الدفاع عن أمنها القومي وهو ما أظهرته العمليات العسكرية التي نفذها الجيش التركي في الشمال السوري، وهي عمليات مشروعة استناداً إلى القانون الدولي الذي يشرعن التدخل في الدول المجاورة في حال انعدام السيادة ووجود تهديدات إرهابية”.
من جانب آخر، يشير المحلل التركي إلى وجود مخططات إقليمية ودولية لتقسيم سوريا على أساس عرقي، وهي المخططات التي إن نفذت ستكون لها نتائج كارثية على المنطقة وتركيا، ويقول: “لذلك تصر تركيا على تنفيذ المزيد من العمليات العسكرية في الشمال، وإنشاء مناطق آمنة لإعادة اللاجئين وهو ما يمنع التغيير الديموغرافي”.
كذلك، طبقاً لكاتب أوغلو، تريد تركيا الانتهاء من حالة عدم الاستقرار، عبر إيجاد حلول جذرية تنهي مأساة الشعب السوري.
مسار طويل
وعن الخطوات اللاحقة بخصوص إصلاح العلاقة بين تركيا والنظام السوري، يرى كاتب أوغلو أن هذا المسار يحتاج إلى فترات زمنية طويلة، لافتاً إلى أن “النظام ما زال يظهر العداء لتركيا، ويصفها بأنها دولة احتلال، أما تركيا فلا زالت ترى في النظام سبباً رئيسياً للمشكلة السورية”.
ويقول إن تركيا “لا يمكن أن تثق بالنظام، ولذلك يرفض أردوغان التواصل المباشر مع الأسد، نزولاً عند رغبة روسيا، وهو ما أكد عليه تشاووش أوغلو أيضاً”.
ولأن الثقة مفقودة بين الجانبين، تشترط تركيا وفق كاتب أوغلو، أن يكون الحل السياسي السوري تحت عهدة الأمم المتحدة، لأن كل المسارات الأخرى (مسار أستانة) لم تعط نتائج إيجابية.
شروط تركيا
وما تخشى منه المعارضة السورية قد لا يقع حالياً، لأن احتمال أن تكون تصريحات تشاووش أغلو في إطار المناورة السياسية تبقى قائمة.
وفي هذا الجانب، يقول مدير معهد “إسطنبول للفكر” باكير أتاجان ل”المدن”، إنه بعيداً عن لقاء “الصدفة” الذي جمع تشاووش أوغلو بفيصل المقداد، والذي لا يُبنى عليه كثيراً، فإن دعوة الوزير التركي إلى “المصالحة” مشروطة بوجود ضمانات دولية، وضمن المسارات التي تحددها القرارات الأممية أي دستور جديد وتشاركية سياسية، بمعنى أن تركيا تعلن دعمها للحل الأممي.
ويتساءل أتاجان: “أيعقل أن يُفهم من حديث تشاووش أغلو، أن تركيا تدفع بالسوريين إلى مصالحة من دون شروط تضمن العدالة؟ (…) الأمور لا تسير على هذا النحو، وهي ليست بهذه البساطة، لدينا آلاف المعتقلين، ونحو مليوني شهيد وجريح على يد النظام، وأمامنا مفاوضات طويلة في حال قبلت الأطراف السورية”.
بدورها، تقول مصادر من دمشق ل”المدن”: “نحن أمام مسار طويل نظراً لحدة الخلافات بين تركيا والمعارضة من جهة، ودمشق من جهة أخرى”. وتضيف المصدر، أن مساراً جديداً لا بد أن يبدأ، معقباً بقوله: “مسار أستانة أنهى مسار جنيف، ويبدو أننا أمام مسار طويل سينهي مسار أستانة أيضاً”.
وترى تركيا أنه يحق لها وهي التي تعاني من الملف السوري، أن تبحث عن حلول رغم إدراكها أن ذلك يتطلب منها تقديم “تنازلات” للنظام السوري.
———————————
المعارضة السورية تردّ على أوغلو:لا مصالحة مع النظام
أعلن قياديون في المعارضة المسلحة رفضهم لأي مصالحة مع النظام السوري، وذلك بعد كلام لوزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو قال فيه إنه “يجب المصالحة بين المعارضة والنظام”.
وقال القائد العام لحركة “ثائرون” أحد أكبر تشكيلات المعارضة المسلحة، فهيم عيسى إن “بشار الأسد رأس الإرهاب في سوريا ومصدره”، و”لا مصالحة مع الأسد، لا مصالحة مع الإرهاب والقتلة، لا مكان للأسد أو النظام في مستقبل سوريا”. وأضاف “لن نخون دماء شهدائنا، ولن نخون ثورة البلد”.
من جهته، قال وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة حسن الحمادة: “عند أول صيحة (الشعب يريد إسقاط النظام)، كانت نقطة اللاعودة للوراء. انتهى، لا بديل عن إسقاط الأسد”.
بدورها، أكدت إدارة التوجيه المعنوي، التابعة لهيئة الأركان العامة في الحكومة السورية المؤقتة، في بيان، أن “نظام الأسد خطر على الشعب السوري والتركي والمنطقة، وهو مخلب إيران وذيل روسيا”، مشيرة إلى أنه “من مسؤولية الجيش الوطني التصدي له بالوسائل المشروعة كافة إلى حين خضوعه لإرادة الثورة وقرارات المجتمع الدولي في تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات، لا مكان فيها لنظام الأسد”.
#بيان صادر عن:#إدارة_التوجيه_المعنوي
تلغرام: https://t.co/n3JAsx1Q77 pic.twitter.com/mjSe7FQ3aD
— التوجيه المعنوي (@tawjih_syria) August 11, 2022
من جهتها، قالت إدارة الشؤون السياسية في حكومة الإنقاذ، صاحبة النفوذ في إدلب: “تابعنا باستنكار شديد هذه التصريحات التي أساءت للشعب السوري وثورته العظيمة وكذلك لمواقف الدول التي تعاطفت ودعمت وساندت هذه الثورة المباركة، انطلاقًا من مبادئها الأخلاقية والإنسانية وفي مقدمتها الجمهورية التركية وحكومتها الكريمة، وتأتي هذه التصريحات في سياق مصلحي لا يليق بمبادئ السياسة التركية المنحازة للقضايا العادلة للشعوب المظلومة”.
فيما أشار قائد فصيل “الجبهة الشامية” أبو أحمد نور في تغريدة، إلى أنه ” نعم قد نصالح، إذا حضر الصلح غياث مطر ووافق عليه حمزة الخطيب ووقع عليه حجي مارع، وإذا خرج الغارقون من البحار، وإذا عادت المدن المدمرة شامخةً كما كانت قبل براميل بشار، وإذا وافقت أمهات الشهداء واندملت جراحات المصابين وزالت الخيام ونسي المعتقلون ليالي البؤس.. وقتها قد نصالح”.
وأكدت في بيان، أن الثورة السورية ليست ملكاً لجهة أو دولة لتستخدم “كورقة سياسية مقابل دعمها وتبني مواقفها”.
وشهدت كبرى المدن والبلدات الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، شمال غربي البلاد، ليل الخميس، خروج محتجين على تصريحات تشاووش أوغلو. وتجمّع المحتجون في مدن وبلدات الباب وأعزاز وسجو وجرابلس والراعي ومارع في ريف حلب، وسلقين وإدلب في محافظة إدلب، وسلوك وتل أبيض في الرقة، منددين بتصريحات وزير الخارجية التركية، داعين إلى مواصلة الاحتجاجات وإقامة تظاهرات في سائر المنطقة الجمعة.
ناشطون في بلدة #سجو بريف حلب الشمالي يؤكدون على مطالب الثورة بإسقاط نظام #الأسد#تلفزيون_سوريا pic.twitter.com/9BHN66GQin
— تلفزيون سوريا (@syr_television) August 11, 2022
——————————-
انقلاب في موقف تركيا من الأسد: مصالحة المعارضة والنظام
جاويش أوغلو يلتقي المقداد ويتحدث عن وحدة الصف وضرورة منع انقسام سوريا.
أنقرة – كشفت تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الخميس، بشأن المصالحة بين المعارضة السورية والنظام وضرورة منع انقسام سوريا، عن انقلاب شامل في الموقف التركي وسط حديث عن تسوية بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد بعد فشل مساعي أردوغان لإسقاط الأسد خلال عشر سنوات.
وشن معارضون سوريون هجوما على أردوغان ووصفوا تصريحات وزير الخارجية التركي بأنها طعنة تركية للمعارضة، وأنها كانت متوقعة من “رئيس منافق” ومستعد لبيع أي قضية من أجل الوصول إلى أهدافه، متسائلين عن شروط المصالحة التي يعرضها أردوغان بين المعارضة ونظام يرفض تقديم أي تنازلات.
مولود جاويش أوغلو: منع انقسام سوريا لا يقوم إلا من خلال وحدة الصف
وقال جاويش أوغلو إنه أجرى “محادثة قصيرة” مع وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، على هامش اجتماع حركة عدم الانحياز الذي عقد في أكتوبر الماضي بالعاصمة الصربية بلغراد.
وشدد وزير الخارجية التركي على “ضرورة تحقيق مصالحة بين المعارضة والنظام في سوريا بطريقة ما”، مبينا أنه “لن يكون هناك سلام دائم دون تحقيق ذلك”.
وأضاف “يجب أن تكون هناك إرادة قوية لمنع انقسام سوريا، والإرادة التي يمكنها السيطرة على كل أراضي البلاد لا تقوم إلا من خلال وحدة الصف”.
ويعتبر مراقبون سوريون أن تصريحات وزير الخارجية التركي هي إعلان عن تخلي تركيا عن المعارضة وتنصّلها من التزامها تجاه الملايين من اللاجئين الذين فروا إليها بحثا عن الأمن، وأنها تخلت عن الملف ككل من أجل تحقيق مصالحة مع الأسد مقابل ضمانات منه ومن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن محاصرة الأكراد.
وكانت صحيفة “التركية”، المعروفة بقربها من الحكومة، كشفت منذ أيام أنه صار بإمكان أردوغان والأسد التحدث عبر الهاتف بعد تهيئة الظروف المناسبة لذلك، كمقدمة تسبق اللقاء المباشر بينهما الذي يبدو أن الظروف الحالية غير مهيأة له.
وذكرت أنه “في محادثات طهران وسوتشي الأخيرة، تمّ اتخاذ قرارات مهمة من شأنها أن تنعكس على الساحة السورية، حيث عرضت تركيا مع روسيا وإيران ونظام الأسد عملية مشتركة ضد حزب العمال الكردستاني في شرق البلاد ومحاولاته الانفصالية”.
وقال المراقبون إن الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها تركيا قادت أردوغان إلى استدارة تامة في الملف السوري مقابل مزايا من بينها أن تتحول تركيا إلى معبر للغاز الروسي نحو أوروبا بدلا من أوكرانيا.
وتوقع هؤلاء المراقبون أن تطلب تركيا من قيادات المعارضة مغادرة أراضيها ووقف كل اجتماعاتها وأنشطتها، ولم يستبعدوا أن يتم تسليم أخطر المطلوبين للنظام خاصة من القيادات العسكرية المنشقة، وهو ما سيخلق أزمة كبرى للمعارضة ويدفعها إلى القبول بمصالحة غير مشروطة مع الأسد خوفا من طردها من الأراضي التركية.
من المتوقع أن تطلب تركيا من قيادات المعارضة مغادرة أراضيها، وليس مستبعدا تسليم أبرز المطلوبين لدى الأسد
كما ينتظر أن تزيد وتيرة دفع المهاجرين إلى “العودة الطوعية” من تركيا إلى سوريا ضمن خطة تركيا للتخلص من هذا العبء الكبير، الذي بدأ يثير غضب الأتراك على رئيسهم بسبب تورطه في الملف السوري وتحميل المواطنين الأكراد أعباء ذلك من خلال استضافة الملايين من السوريين الذين باتوا ينافسون الأتراك على الوظائف والمواد الغذائية.
وأقامت عدة ولايات تركية الأربعاء مراسم لتوديع لاجئين سوريين قرروا العودة إلى بلادهم طوعا.
ومن شأن الاستدارة التي يقوم بها الرئيس التركي تجاه سوريا والبحث عن تسوية مع الأسد أن تقود إلى مراجعة خطته لإقامة منطقة عازلة بعرض ثلاثين كيلومترا في العمق السوري وعلى طول الحدود، خاصة بعد أن فشل في تسويق هذه الخطة لدى الدول المؤثرة في الملف السوري ولاسيما روسيا والولايات المتحدة.
وتعتبر الولايات المتحدة الأكراد في شمال سوريا حليفًا رئيسيّا في الحرب ضد داعش. وتقول إن أي حملة عسكرية تركية في المنطقة ستشكل خطرا على القوات التي تقاتل تنظيم داعش.
ومن جانبها ترفض روسيا شن عملية واسعة شمال سوريا، وتعتبر أنها ستقود إلى المس من وحدة الأراضي السورية، وتعرض على أنقرة التعاون مع النظام السوري لمواجهة الإرهاب بدلاً من شن عملية عسكرية غير مضمونة.
Thumbnail
ويبدو أن تركيا قد اقتنعت أخيرا بوجوب التراجع عن مغامرة المنطقة العازلة، وأنها قررت التعاون مع روسيا والأسد من أجل التوصل إلى تسوية بمقومات جديدة.
وكشفت منظمات حقوقية، نقلاً عن مصادر أهلية، أن القوات التركية انسحبت من قاعدتين بريف تل أبيض الغربي شمال سوريا، في قريتيْ حرقلي وتانوز.
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان ، وهو مراقب حرب حقوقي مقره المملكة المتحدة، أن الجيش التركي نفّذ الانسحاب بالتنسيق مع القوات الروسية في المنطقة.
ومن المرجح أن تحل القوات الروسية وقوات النظام السوري في تل أبيض محل القوات التركية في اتفاق غير معلن بين موسكو وأنقرة.
العرب
———————–
احتجاجات غاضبة في الشمال السوري تنديدا بدعوة تركيا للمصالحة مع النظام
محتجون في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية يصفون دعوة تركيا للمصالحة مع النظام بالخيانة العظمى، ويشددون على أن لا بديل لهم سوى إسقاط الأسد.
دمشق – شهدت كبرى المدن والبلدات الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، شمال غربي البلاد، مساء الخميس، خروج محتجين على تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، حول إعادة العلاقات مع النظام السوري، وعن دعم تركيا للسلام بين النظام والمعارضة، فيما أعلن قياديون في المعارضة المسلحة أن لا مصالحة مع “الأسد”.
وكان كشف جاويش أوغلو، أنه التقى بوزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، في العاصمة الصربية بلغراد في وقت سابق.
وقال جاويش أوغلو” للصحافيين، الخميس، “أجريت محادثة قصيرة مع وزير الخارجية السوري في اجتماع دول عدم الانحياز ببلغراد. علينا أن نصالح المعارضة والنظام في سوريا بطريقة ما وإلا فلن يكون هناك سلام دائم”.
وخرجت مظاهرات غاضبة في العديد من المدن والبلدات في مناطق الشمال السوري، أبرزها إعزاز ومارع والباب وجرابلس وعفرين بريف حلب، وفي مناطق عدة بمحافظة إدلب، ورأس العين بريف الحسكة، وتل أبيض بريف الرقة منددين بتصريحات وزير الخارجية التركي، داعين إلى مواصلة الاحتجاجات وإقامة تظاهرات في سائر المنطقة، بعد صلاة الجمعة.
ووصف نشطاء تصريحات وزير الخارجية التركي بأن الحل في سوريا لا يمكن أن يكون إلا في المصالحة بين المعارضة والنظام بـ”الخيانة العظمى”.
واعتبر الناشط السياسي المعارض إبراهيم الحاجي بأن قرار السلم والحرب بأيدي من أسماهم بـ”الثوار” مشيرا إلى مصالحهم تتعارض مع مصالح تركيا الساعية للتطبيع مع النظام السوري.
ومن جانبه، طالب الناشط السياسي المعارض صالح الغانم وزير الخارجية التركي بإعلان المصالحة أولا مع المعارض الإسلامي المقيم في الولايات المتحدة عبدالله غولن ومع حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا تنظيما إرهابيا، ليفكروا بعدها بالمصالحة مع النظام السوري.
شهدت إعزاز شمالي حلب، اقتحام المتظاهرين لمديرية الأمن بالمدينة وتوجهوا إلى مبنى المجلس المحلي وقاموا بإنزال العلم التركي وإحراقه، وسط دعوات لإزالة العلم التركي من جميع المناطق الخاضعة لنفوذ الفصائل، كما منع المتظاهرون من مرور رتل تركي على طريق عفرين-اعزاز، والدخول إلى مدينة اعزاز. في حين خط المحتجون عبارات على الجدران جاء بأبرزها “تسقط تركيا ويسقط النظام”.
وفي بلدة الراعي، منع المحتجون دورية تركية من المرور بأحد الطرقات الرئيسية، وأشعلوا إطارات، وأغلقوا الطريق بالحجارة، كما ردّدوا شعارات رافضة للتصريحات التركية، وأحرق محتجون آخرون العلم التركي، وشطبوا أسماء بعض المرافق التي تحمل دلالات تركية.
إلى ذلك، أعلن قياديون في المعارضة المسلحة رفضهم لأي مصالحة مع النظام السوري.
وقال القيادي في “الجيش الوطني” و”فرقة المعتصم”، الفاروق أبوبكر “لا شأن لنا في موازين السياسة وتقلباتها لا كلمة لنا إلا ما صدحنا بها من أول يوم في ثورتنا لن نركع ولن نصالح المجرمين ولن نجالس قتلة الأبرياء ولن نتنازل عن حقوقنا في الحرية والكرامة”.
أما القائد السابق للفيلق الثالث في “الجيش الوطني” أبوأحمد نور، فوضع عدة شروط للصلح مع نظام الأسد، وقال عبر حسابه على تويتر، “إذا حضر الصلح الشهيد غياث مطر ووافق عليه حمزة الخطيب ووقع عليه حجي مارع، وإذا خرج الغارقون من البحار، وإذا عادت المدن المدمرة شامخة كما كانت قبل براميل بشار الأسد، وإذا وافقت أمهات الشهداء واندملت جراحات المصابين وزالت الخيام ونسي المعتقلون ليالي البؤس، وقتها قد نصالح”.
وقال وزير الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة”، حسن حماة، إنه “عند أول صيحة (الشعب يريد إسقاط النظام)، هي نقطة اللاعودة. انتهى”، مؤكداً أنه “لا بديل عن إسقاط الأسد”.
وفي بيان لإدارة التوجيه المعنوي، التابعة لهيئة الأركان العامة في الحكومة السورية المؤقتة، أكّدت أن نظام الأسد خطر على الشعب السوري والتركي والمنطقة، وهو مخلب إيران وذيل روسيا، مشيرة إلى أن من مسؤولية الجيش الوطني التصدي له بالوسائل المشروعة كافة إلى حين خضوعه لإرادة الثورة وقرارات المجتمع الدولي في تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات، لا مكان فيها لنظام الأسد.
ولاحظ مراقبون أن أمراء الحرب والمنتفعون من بقاء الوضع على ماهو عليه هم من سارعوا برفض المصالحة مع النظام السوري، فطيلة السنوات الماضية كانوا يسبحون بحمد أردوغان ونظامه، لكن مع شعورهم باقتراب نهايتهم انقلبوا عليه وكالوا له الصاع صاعين، إذ تمثل المصالحة فقدانهم لمناطق سيطرتهم وانقطاع ما يجنوه من منظمات حقوق الإنسان، وأيضا ما يحصدوه من التهريب من منافع جمة من عمليات التهريب.
وتكشف تصريحات وزير الخارجية التركي عن انقلاب شامل في الموقف التركي وسط حديث عن تسوية بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد بعد فشل مساعي أردوغان لإسقاط الأسد خلال عشر سنوات.
وقبل يومين ذكرت صحيفة “تركيا” المقربة من دوائر حكومية، أن هناك أنباء عن محادثة هاتفية محتملة بين أردوغان والأسد. وبينت الصحيفة أن الزعيم الروسي دعا الأطراف للاجتماع لإجراء مناقشات.
وقالت الرئاسة الروسية “الكرملين”، إن الإجابة بخصوص المزاعم عن خطة اتصال بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس النظام السوري بشار الأسد باقتراح من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يمكن لموسكو إعطاء تعليق عليها.
وأوضح المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، الثلاثاء الماضي، أن الشؤون السورية تمت مناقشتها من قبل قادة روسيا الاتحادية وتركيا، ما تبقى هي القضايا الثنائية للنظام السوري وأنقرة، وفق وكالة ريا نوفوستي.
وقال بيسكوف للصحافيين “تمت مناقشة الشؤون السورية خلال اجتماع عقد مؤخراً في سوتشي، أما بالنسبة لآفاق الاتصالات الثنائية عبر الهاتف، فيجب أن تسأل الجانب التركي أو الجانب السوري”.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قال خلال رحلة عودته من سوتشي عقب لقائه نظيره الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي “بوتين لديه مقاربة تقوم على تفضيله لجوء تركيا إلى خيار حل مسألة مكافحة الإرهاب مع النظام”.
وأضاف “ونحن نقول إن أجهزة استخباراتنا تتواصل أساساً مع استخبارات النظام حول هذه المواضيع، ولكن المهم التوصل إلى نتيجة، فإن كانت أجهزة استخباراتنا تلتقي مع مخابرات النظام، ورغم ذلك يتحرك الإرهابيون في المنطقة، فيجب عليكم (روسيا) دعمنا في هذا الأمر، ولدينا اتفاق بهذا الخصوص”.
ومن شأن انقلاب الموقف التركي تجاه سوريا والبحث عن تسوية مع الأسد أن تقود إلى مراجعة خطته لإقامة منطقة عازلة بعرض ثلاثين كيلومترا في العمق السوري وعلى طول الحدود، خاصة بعد أن فشل في تسويق هذه الخطة لدى الدول المؤثرة في الملف السوري ولاسيما روسيا والولايات المتحدة.
وتعتبر الولايات المتحدة الأكراد في شمال سوريا حليفًا رئيسيًا في الحرب ضد داعش. وتقول إن أي حملة عسكرية تركية في المنطقة ستشكل خطرا على القوات التي تقاتل تنظيم داعش.
كما تتحدى الدول الأوروبية أي توغل تركي جديد.
ومن جانبها ترفض روسيا شن عملية واسعة شمال سوريا، وتعتبر أنها ستقود إلى المس من وحدة الأراضي السورية، وتعرض على أنقرة التعاون مع النظام السوري لمواجهة الإرهاب بدلاً من شن عملية عسكرية غير مضمونة.
كشفت منظمات حقوقية، نقلاً عن مصادر أهلية، أن القوات التركية انسحبت من قاعدتين بريف تل أبيض الغربي شمال سوريا، في قريتي حرقلي وتانوز.
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو مراقب حرب حقوقي مقره المملكة المتحدة، أن الجيش التركي نفّذ الانسحاب بالتنسيق مع القوات الروسية في المنطقة.
ومن المرجح أن تحل القوات الروسية وقوات النظام السوري في تل أبيض محل القوات التركية في اتفاق غير معلن بين موسكو وأنقرة.
————————-
ردود غاضبة ومظاهرات ضد تركيا شمال سوريا
رفضاً لتصريحات جاويش أوغلو عن «المصالحة» بين النظام والمعارضة
إدلب: فراس كرم دمشق – لندن: «الشرق الأوسط»
شارك آلاف السوريين مساء أمس (الخميس)، في مظاهرات حاشدة شهدتها كبرى المدن السورية الخاضعة لسيطرة المعارضة، شمال غربي سوريا، احتجاجاً على تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، حول إعادة العلاقات مع النظام السوري، وعن دعم تركيا للمصالحة بين النظام والمعارضة، فيما أعلن قياديون في المعارضة المسلحة وناشطون أنْ «لا مصالحة» مع نظام الرئيس بشار الأسد، وسط دعوات للخروج في مظاهرات في عموم ما تصفه المعارضة بـ«المناطق المحررة».
ولم يصدر في دمشق أي تعليق رسمي فوري على كشف تركيا عن لقاء جمع وزير خارجيتها جاويش أوغلو بنظيره السوري فيصل المقداد على هامش اجتماع لدول عدم الانحياز في بلغراد في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي. لكنّ وكالة «سانا» الرسمية واصلت في تقاريرها استخدام عبارة «الاحتلال التركي» لوصف نشاطات القوات التركية في شمال وشمال شرقي البلاد. في المقابل، شن ناشطون مؤيدون لحكومة دمشق انتقادات واسعة لسياسة تركيا في سوريا ورفضوا المصالحة معها بحجة أنها مسؤولة عن الدمار الذي لحق بالبلاد نتيجة دعمها فصائل المعارضة المسلحة الثائرة ضد النظام.
وأشارت صحيفة تركية قبل أيام إلى اتصال متوقع بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ونظيره السوري بشار الأسد، بناءً على طلب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لكنّ وزير الخارجية التركي قال مساء أمس، إنه يستبعد حصول مثل هذا الاتصال في الوقت الحالي، مع دعوته إلى «مصالحة» بين النظام والمعارضة، وهو موقف أثار غضباً واسعاً بين المعارضين الذين يخشون تخلي تركيا عنهم.
وقال نشطاء إن مدن إدلب وبلدات الراعي ومارع والباب وأعزاز وجرابلس وسجو بريف حلب، إضافةً إلى مناطق تل أبيض وسلوك ورأس العين في الرقة والحسكة، شهدت مساء أمس، «مظاهرات حاشدة» للسوريين نددوا خلالها بالتصريحات التي أتت على لسان وزير الخارجية التركي، في مؤتمر صحافي عقده أمس، في ختام أعمال المؤتمر الـ13 لسفراء تركيا في الخارج الذي عُقد بالعاصمة أنقرة، وقوله: «إن الحل في سوريا لا يمكن أن يكون إلا بالمصالحة بين المعارضة والنظام السوري». وأكد المتظاهرون، حسبما قال الناشطون، أنه «لا مصالحة مع النظام السوري، وأن الخيار الوحيد للسوريين هو الاستمرار بالثورة حتى إسقاط النظام وأركانه». وأشارت المصادر نفسها إلى أن المحتجين منعوا دورية تركية من المرور بإحدى الطرقات الرئيسية في بلدة الراعي شمال حلب، وأشعلوا عدداً من الإطارات، وأغلقوا الطريق بالحجارة، ورددوا شعارات رافضة للتصريحات التركية، فيما أحرق محتجون آخرون العلم التركي، وقاموا بشطب أسماء بعض المرافق التي تحمل دلالات تركية في الكثير من المدن شمال حلب.
من جهته قال حسن الحمادة وهو «وزير الدفاع» في الحكومة المؤقتة التي تشكّلها المعارضة في شمال غربي البلاد، إن «صيحة (الشعب يريد إسقاط النظام) هي نقطة اللاعودة للوراء. انتهى، لا بديل عن إسقاط الأسد»، بينما قالت إدارة التوجيه المعنوي في «الجيش الوطني السوري»، المدعوم من أنقرة، إن «نظام الأسد خطر على الشعب السوري والتركي والمنطقة، وهو مخلب إيران وذيل روسيا، وراعي الإرهاب الداعشي والقسدي (أي قوات سوريا الديمقراطية – قسد)، والمصالحة مع نظام الإجرام والإرهاب والطائفية خيانة وتدمير للمنطقة وتسليمها للفوضى والتكفير والخراب».
وقال سيف بولاد، وهو القائد العام لفرقة الحمزة في «الجيش الوطني السوري»، إنه «لا شأن لنا بموازين السياسة وتقلباتها، لا كلمة لنا إلا ما صدحنا بها من أول يوم في ثورتنا؛ لن نركع ولن نصالح المجرمين، لن نجالس قتلة الأبرياء، لن نتنازل عن حقوقنا في الحرية والكرامة، بشار هو رأس الإرهاب الكبير ومنبع للتنظيمات الأخرى».
أما القائد السابق للفيلق الثالث في الجيش الوطني السوري أبو أحمد نور، فقال في تغريدة له على حسابه في «تويتر»: «إذا حضر الصلح الشهيد غياث مطر ووافق عليه حمزة الخطيب ووقّع عليه حجي مارع (في إشارة إلى رموز وقادة في صفوف الثوار)، وإذا خرج الغارقون من البحار، وإذا عادت المدن المدمَّرة شامخة كما كانت قبل براميل بشار الأسد، وإذا وافقت أمهات الشهداء واندملت جراحات المصابين وزالت الخيام ونسي المعتقلون ليالي البؤس، وقتها قد نصالح».
ودعا ناشطون سوريون للخروج في مظاهرات اليوم (الجمعة)، في عموم «المناطق المحررة» شمال غربي سوريا، (إدلب وحلب وأرياف حماة واللاذقية والرقة والحسكة)، احتجاجاً على تصريحات وزير الخارجية التركي.
———————–
كيف تفاعلت المعارضة وكياناتها مع دعوة “مصالحة” نظام الأسد؟
أصدر “المجلس الإسلامي السوري”، اليوم الجمعة، بياناً رد فيه على تصريحات وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، الداعية إلى “تحقيق مصالحة بين المعارضة والنظام في سورية بطريقة ما”.
ورفض بيان نشره المجلس التصريح، مؤكداً أن “الدعوة للمصالحة مع نظام الأسد تعني المصالحة مع أكبر إرهاب في المنطقة، وتُناقض كل القرارات الدولية التي صدرت بهذا الشأن”.
وشدد البيان، على أن “المصالحة مع النظام بنظر الشعب السوري، لا تقل عن المصالحة مع المنظمات الإرهابية التي تعاني منها شعوب المنطقة كداعش وpkk وأمثالها”.
وتساءل المجلس في بيانه: “هل يجرؤ أحد على المطالبة بالمصالحة مع هذه المنظمات؟”، مؤكداً على مطالب “إسقاط النظام بكل مؤسساته القمعية والأمنية”.
بيان “المجلس الإسلامي” الصادر ظهر الجمعة، كان أول تعليق من جانب الكيانات المحسوبة على المعارضة السورية.
وبعد بيان توضيحي نشرته “الخارجية التركية” لحديث جاويش أوغلو غرّد رئيس “هيئة التفاوض”، بدر جاموس عبر “تويتر” بأن “الجهات التركية الرسمية” (لم يسمها) أكدت بعد التواصل معها، على استمرار دعم الشعب السوري وتطبيق القرار الدولي 2254″.
وأضاف: “نحن ملتزمون بثوابت ثورتنا وفي الوصول إلى حل سياسي يشمل الانتقال السياسي والإفراج عن المعتقلين وعودة المهجّرين ومحاسبة المجرمين”.
تواصلنا مع الجهات التركية الرسمية، وأكدوا على استمرار دعم الشعب السوري وتطبيق القرار الدولي 2254.
نحن ملتزمون بثوابت ثورتنا وفي الوصول إلى حل سياسي يشمل الانتقال السياسي والإفراج عن المعتقلين وعودة المهجّرين ومحاسبة المجرمين.
— د بدر جاموس Dr Bader Jamous (@JamousBader) August 12, 2022
وبالتزامن مع تعليق جاموس قال رئيس وفد المعارضة في “اللجنة الدستورية السورية”، هادي البحرة، عبر “تويتر” إن “السلام المستدام”، يتحقق “عند ضمان سيادة القانون وحقوق الإنسان وتحقيق العدالة ومحاسبة مجرمي الحرب التي عانى منها السوريون. لا يمكن تحقيق ذلك، إلا عبر إجراء انتقال سياسي شامل وحازم”.
يتحقق السلام المستدام عند ضمان سيادة القانون وحقوق الإنسان وتحقيق العدالة ومحاسبة مجرمي الحرب التي عانى منها السوريون. لا يمكن تحقيق ذلك الا عبر إجراء انتقال سياسي شامل وحازم، على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254 وبيان جنيف لعام 2012. هذا فقط ما يمكن أن يؤدي إلى سلام حقيقي. #سوريا
— Hadi Albahra (@hadialbahra) August 11, 2022
“الحكومة السورية المؤقتة”، نشرت بعد ذلك، بياناً أثنت فيه على “وقوف تركيا إلى جانب السوريين طيلة السنوات السابقة”.
وأضافت: “مستمرون في الدفاع عن حقوق السوريين، والتزامهم الكامل بتطبيق القرارات المنصوص عليها في مجلس الأمن الدولي”.
من جانبه نشر “الائتلاف الوطني السوري” بياناً، أكد فيه أن “الشعب السوري اختار طريق الثورة وحدد أهدافه منذ أحد عشر عاماً، وبذل في سبيل ذلك مئات الآلاف من الشهداء وملايين المصابين والمعتقلين والمهجّرين، سعياً للوصول إلى الحرية والكرامة والعدالة، بعيداً عن نظام الأسد المجرم”.
وأضاف “الائتلاف” أنه أجرى مساء أمس العديد من التواصلات مع الجهات التركية الرسمية حول تصريحات وزير الخارجية التركي، وأنه “أكد دعمهم الكامل لتطلعات الشعب السوري المشروعة وتنفيذ القرار 2254”.
وقفت تركيا شعباً وحكومة الى جانب السوريين طيلة السنوات السابقة وكانت السند الأقوى في كافة المحافل، ومن خلال بيانهم أكدوا استمرارهم بالدفاع عن حقوق السوريين وإلتزامهم الكامل بتطبيق القرارات الدولية المنصوص عليها في مجلس الأمن الدولي pic.twitter.com/r3InxEmLSC
— Abdurrahman Mustafa (@STMAbdurrahman) August 12, 2022
وكان وزير خارجية تركيا، قد كشف أمس الخميس، عن “لقاء قصير” جمعه مع وزير خارجية نظام الأسد، فيصل المقداد في بلغراد، في أكتوبر / تشرين الأول عام 2021، ودعا إلى “مصالحة النظام والمعارضة” في سورية.
وأثار هذا الموقف احتجاجات شعبية خرجت في مناطق ريف حلب الشمالي، بالإضافة إلى محافظة إدلب، بينما دفعت العديد من قادة فصائل “الجيش الوطني” للتأكيد على أنه “لا مصالحة مع النظام السوري”.
ونشر ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات مصورة، أظهرت مئات المدنيين، وهم يهتفون “لا مصالحة مع الأسد”، منتقدين تصريحات جاويش أوغلو.
واستمرت الاحتجاجات في شمال سورية، اليوم عقب صلاة الجمعة، وجاءت استجابة لدعوات نشرها ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
———————————-
بـ 3 مسارات.. تركيا ترد بعد جدل تصريحات العلاقة مع الأسد
نشرت وزارة الخارجية التركية رداً توضيحياً بعد الجدل الذي أثارته تصريحات الوزير مولود جاويش أوغلو، بشأن موقف بلاده الحالي من سورية، والعلاقة مع نظام الأسد.
وجاء في الرد الذي أصدره الناطق باسم الخارجية، تانجو بيلغيتش، اليوم الجمعة ضمن 3 مسارات.
وجاء في بيان الرد: “منذ بداية الصراع السوري، كانت تركيا الدولة التي بذلت أكبر جهد لإيجاد حل للأزمة في هذا البلد، بما يتماشى مع التوقعات المشروعة للشعب”.
وفي هذا السياق، أضافت الخارجية: “لعبت تركيا دوراً رائداً في الحفاظ على وقف إطلاق النار على الأرض وتشكيل اللجنة الدستورية عبر عمليتي أستانة وجنيف، وقدمت الدعم الكامل للمعارضة ولجنة التفاوض في العملية السياسية”.
وفي الوقت الحالي أشارت تركيا إلى أن العملية السياسية لا تتقدم، محمّلة الأسباب للنظام السوري، مؤكدة أن “القضايا التي عبّر عنها جاويش أوغلو بالأمس تشير إلى ذلك”.
وتواصل تركيا، “التي توفر الحماية المؤقتة لملايين السوريين، الإسهام الفعال في الجهود المبذولة لتهيئة الظروف المناسبة للعودة الطوعية والآمنة للاجئين وإيجاد حل للنزاع، وفقاً لخارطة الطريق المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن الدولي. 2254”.
كما أنها تواصل بحسب “الرد” “التعاون مع جميع أصحاب المصلحة في المجتمع الدولي، والمساهمة بقوة في الجهود المبذولة لإيجاد حل دائم لهذا الصراع بما يتماشى مع تطلعات الشعب السوري”.
واختتم البيان بعبارة: “سيستمر تضامننا مع الشعب السوري”.
وكان وزير خارجية تركيا، مولود جاويش أوغلو قد نفى أمس، صحة الأنباء المتوقعة لحدوث اتصال هاتفي بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان ورأس النظام، بشار الأسد.
لكنه كشف عن “لقاء قصير” جمعه مع وزير خارجية نظام الأسد، فيصل المقداد في بلغراد، في أكتوبر / تشرين الأول عام 2021، وأنه “من الضروري تحقيق مصالحة بين المعارضة والنظام في سورية بطريقة ما”.
وأثارت هذا الموقف احتجاجات شعبية خرجت في مناطق ريف حلب الشمالي، بالإضافة إلى محافظة إدلب، بينما دفعت العديد من قادة فصائل “الجيش الوطني” للتأكيد على أنه “لا مصالحة مع النظام السوري”.
—————————–
====================
تحديث 17 آب 2022
————————-
هل تتصالح تركيا مع النظام السوري؟/ عمار ديوب
أثارت المواقف التركية، أخيرا، تجاه العلاقة مع النظام في سورية، وجوهرها التصالح معه، موجةً من التظاهرات الشعبية العارمة في المناطق الخارجة عن سلطة النظام. شاب التظاهرات حرق العلم التركي، ولم تتأخر المعارضة، ممثلة بمؤسساتها، عن الاعتذار عن الحرق، ولا الاستخبارات التركية في اعتقال الحارقين. والسؤال: هل استفاق الشعب السوري من جديد، معلناً رفض التصالح، وهل في المقدور إيقافه؟
تقول التظاهرات إن الشعب شعر بأنه يُباع في سوق المصالح الإقليمية والدولية، فتظاهر محاولاً التأكيد بأن قضيته لم تمت بعد، رغم أنّه هُجّرَ إلى أصقاع الأرض وحُشِرَ على الحدود التركية، وبالتالي، يجب أخذ مصالحه بالاعتبار في أية مفاوضات أو تسويات سياسية. المشكلة التي تواجه الشعب السوري أن مصالحه لم تعد بضاعة غالية الثمن، بعد أن فقد أغلبية المدن السورية، وصار سهلاً على روسيا أن تضغط على تركيا من أجل إعادة العلاقات السياسية مع نظام دمشق، ولم تعد تركيا غير المحبَذة في حلف الناتو، وفي الاتحاد الأوروبي، سنداً قوياً للممانعة ضد روسيا. وحتى الأميركان، ورغم حدّة الأزمة في أوكرانيا، لم يفرّطوا بالأكراد من أجل تقوية الموقف التركي. وأخيرا، لم تعط أميركا الضوء الأخضر لتركيا بغزو منبج وتل رفعت، ولا بتفريغ ثلاثين كيلومترا داخل الحدود السورية مجالا لحماية الأمن التركي، وبالتالي، ونتيجة لكل هذه العوامل، وبحثاً عن صفقةٍ تبعد الأكراد عن الحدود، راحت تتذوق كأس المرارة وتتقارب مع النظام، وإن كانت لا تزال تتحدّث عن علاقات أمنية، وتضع شروطاً للعلاقات السياسية، وهناك تعقيدات تتصل بضخامة الوجود التركي في الشمال السوري، والموقف من هيئة تحرير الشام، وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) بكل تأكيد.
لن نكرّر أن تأثير التدخل التركي في سورية تقلّص بالتدريج منذ الاتفاق على تسليم حلب 2016، والبدء بمسارات أستانة 2017 وسوتشي وجنيف، والتخلي عن نقاش هيئة الحكم الانتقالي، كاملة الصلاحيات، وأُفرِغ قرار مجلس الأمن 2254 من جوهره من خلال إنشاء لجنة دستورية بإشرافٍ روسيٍّ، ومُثِلت فيها هيئة التفاوض المعارضة والنظام ومنظمات المجتمع المدني. منذ ذلك الوقت، أي من 2016، تتفاوض تركيا وروسيا وإيران على أن النظام شريك مع المعارضة في أيّة تسوية، ولكنّه ظلَّ يرفض ذلك بصورة مستمرّة. قبلت المعارضة التصالح حينما قَبِلت المسارات السابقة؛ هذا ما لم يعه الشعب المحرّر جيّداً، وهذا ما كانت ترفضه بعض تيارات المعارضة، ولكنها عاجزة. أمّا تلك المسارات فقادت إلى تَحكّم تركيا في المعارضة وفصائلها، والخضوع لاتفاقيات الدول الضامنة، ومنها روسيا وإيران.
ماذا يفعل الشعب، وقد أُسقِط بيده بشكل كامل. لقد تظاهر، ولكن ستضبط المظاهرات فصائلُ الجيش الوطني وسواها من مؤسسات تابعة لتركيا في الشمال السوري؛ وهو ما تفعله تلك المؤسسات منذ سيطرة تركيا على الشريط الحدودي. هنا علينا الانتباه إلى أن المظاهرات أخيرا سبقتها احتجاجات متعدّدة في المناطق ذاتها، وتحديداً احتجاجات الأطباء والعاملين في القطاع الصحي، وكانت بسبب انهيار أوضاعهم الاقتصادية، وحالها هذا يشبه الانهيار الكبير لأحوال أغلبية السوريين لدى النظام و”قسد” كذلك. قد تكون الأوضاع هذه هي مفتاح المظاهرات مستقبلاً، ولكن الآن سيتم ضبط المظاهرات وتوجيهها إن تجاوزت سقف مسارات روسيا، وكذلك المظاهرات المندّدة بتركيا، وستستفيد منها الأخيرة ورقة في التفاوض مع الدول الضامنة. المشكلة الآن أن فصائل الجيش الحر أو “قسد” لا تمتلك رؤية وطنية مستقلة، وهي تتصارع فيما بينها أو ضد بعضها، وهي قوى خاضعة للدول الخارجية، وتبني سياستها ومواقفها انطلاقاً من مصالح تلك الدول.
سبقت “قسد” الائتلاف الوطني والفصائل وهيئة تحرير الشام الحوار مع النظام، ولم تسلك مسارات أستانة أو سوتشي واللجنة الدستورية، ولم تُدع إليها من أصله، والآن أصبحت القوى أعلاه خاضعةً لمشيئة التركي، ومصلحة الأخير تكمن في التنسيق مع روسيا وإيران. وبالتالي، ليس أمام الهيئة والفصائل إلّا الخضوع للأتراك والدول الضامنة، وما يرونه من سياساتٍ تصالحيةٍ مع النظام، بفعل الضغط الروسي وحسابات السياسة الداخلية.
طبعاً، لن يتسارع ملف التصالح سريعاً. ولا تتحدّث روسيا عن حصةٍ كبيرة لتركيا في دمشق من خلال قوى المعارضة، وتقاسم السلطة، وتركيا لا يمكنها التفريط بسهولة بما تحت يديها من معارضة ومناطق تابعة لها من دون ذلك، وحتى هيئة تحرير الشام لن يتم تفكيكها قبل الوصول إلى صفقة سياسية كبيرة. والروس أيضاً لن يضغطوا على تركيا للتصالح مع النظام، فتركيا تحتجز مئات آلاف من المقاتلين، وتشرف على ملايين اللاجئين داخل تركيا وفي سورية، وهذا يقتضي تغييراتٍ كثيرة في مواقفها وفي الموقفين، الروسي والإيراني، أيضاً، والدول الضامنة لم تناقش هذا الأمر بعد.
نعيد التكرار إنّ الموقف التركي تغيّر من إسقاط النظام إلى إصلاحه والتصالح معه منذ 2016، كما كان في الأشهر الأولى للثورة 2011، ورفض النظام ذلك، وكانت النتيجة حشر الملايين على الحدود، وتسليم المدن السورية إلى النظام، ولكن هناك مناطق “قسد”، وهي تسيطر على أكثر من ثلث سورية، وفيها أغلبية الثروة الباطنية السورية والزراعية والحيوانية، وهناك السدود وإنتاج الكهرباء، وأغلبيتها خارج سيطرة النظام أو تركيا، وهذا عاملٌ إضافي يعيق التقدم بمسألة التصالح.
مشكلة السوريين لا تكمن فقط في المعارضة، التي لا تمتلك موقفاً مناهضاً لإرادة الدول الإقليمية والدولية، وقد دخلت مساراتٍ تراجعت من خلالها عن أهداف الثورة، وعن القرارات الدولية، وهذا ساعد السير في تلك المسارات، ودفع دولاً عديدة إلى التطبيع مع النظام ما دامت المعارضة تتحاور معه في أستانة وسوتشي واللجنة الدستورية. أيضاً، لم تعد هناك كتلة شعبية وازنة ومستقلة فعلاً في قراراتها، وأصبحت الفصائل وهيئة التحرير قادرة على ضبطها وقمعها، وليس من الصحيح القول إن الثورة ما تزال هي هي، كما عامي 2011 و2012؛ ونضيف أن المناطق الخاضعة للنظام، سواء التي لم تثور أو التي ثارت عليه، وخضعت له ليست بوارد الثورة من جديد.
ما حدث في السويداء تمَّ لجمه، وما يحدُث في درعا غير قادرٍ على إنتاج ثورة جديدة، وبالتالي، الحالة السورية في غاية الهشاشة والهامشية والتفكّك؛ فكل مناطق سورية خاضعة لقوى الأمر الواقع أو للاحتلالات الخارجية، وفي هذا تتفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في كل تلك المناطق. المشكلة الآن أن شعوب تلك المناطق الأربع غير قادرين على إنتاج حالة وطنية جامعة، وحتى الرؤية الوطنية غير متوفرة في مناطق الفصائل أو “قسد” أو هيئة تحرير الشام.
خلاصة التحليل، هناك بقايا ثورة وروح لدى السوريين، وهناك أوضاع تودي إلى ثورةٍ من جديد، ولكن ليس هناك قوى قادرة على إنتاج حالة وطنية جامعة، أو تجد مصلحتها في رؤية وطنية جامعة، وتقود السوريين إلى تقرير مصيرهم؛ وبغياب ذلك كله، فإن فكرة روسيا عن التصالح مع النظام ستكون وجهة تركيا الراهنة، وإنْ بشكل متدرجٍ وببطءٍ شديد.
كي نلّم بالوضع السوري بأكلمه، نقول، لا تضع أميركا سيناريو محدّدا لسورية، رغم الكلام عن عودتها إلى المنطقة، واهتمامها بتحجيم روسيا والصين، وتمسّكها برفض التطبيع مع النظام، وتعاظم الخلاف مع الروس بسبب أوكرانيا، وهي تتجه نحو عقد اتفاق نووي مع إيران، وهو خيار الاتحاد الأوروبي كذلك، وهذا قد يُحدِث خللاً في العلاقات الروسية الإيرانية، وربما تستفيد منه تركيا في تثقيل شروطها مع الروس، ولكن فكرة التصالح ليست للشطب وفق أغلبية الاحتمالات التي تسير عليها الدول المتدخلة في سورية وفي منطقتنا بعامة؛ فهل سيستطيع الوجود الأميركي في سورية والانعطافة الأميركية نحو المنطقة إيقاف تصالح تركيا مع النظام وإشادة علاقات قوية مع تركيا، وهل يمكن لروسيا أن تتجاهل العقدة الأميركية، وتصل إلى ذلك التصالح، وإنجاز تسوية سياسية تخصّ النظام والمعارضة؟
العربي الجديد
————————-
أسئلة التحوّل التركي في الملف السوري/ غازي دحمان
ينطوي الموقف التركي الجديد في الملف السوري، وقد عبّر عنه وزير الخارجية جاووش أوغلو، على غموضٍ يصعب تفكيكُه أو فهم مضامينه، أيا تكن زاوية النظر إليه. ومقارنة بالسياق الذي تجري فيه الأحداث في سورية، يمكن وصف هذا النوع من التصريحات بالفانتازيا، وخصوصاً حديثه عن مصالحة بين المعارضة والنظام، في وقتٍ بات معلوماً استحالة قبول النظام أيا من أشكال التسويات التوفيقية والحلول الوسط، إلى درجة باتت هذه بديهية سياسية يعرفها أي مبتدئ في ممارسة السياسة الشرق أوسطية.
السؤال البديهي، ومن دون الدخول في تقييم ما إذا كانت هذه المصالحة منطقيةً مع النظام، عدا عن كونه المتسبّب الأساسي بالكوارث التي حلت بالبلد، وعدا عن أنه لا يملك من أمر قراره السياسي شيئاً، هو كيف ستتم المصالحة وما أساساتها، وما آليات وضمانات التزام الأطراف بها، وما شكل المشهد السياسي السوري بعد ذلك، وشكل النظام السوري، هل اتفقت تركيا وروسيا على جميع الترتيبات؟
وفي الإطار نفسه؛ كيف يمكن تحويل الترتيبات إلى إجراءاتٍ عملية، بمعنى كيف سيتم تفكيك الوجود التركي في سورية المنتشر على مساحةٍ تبلغ حوالي عشرة آلاف كيلومتر مربع وعبر عشرات القواعد العسكرية، فضلاً عن مئات المؤسّسات والإدارات الخدمية والمدنية، وما هو الوقت لإنجاز هذه الإجراءات، ناهيك عن كيفية تفكيك الهياكل العسكرية المدعومة من تركيا؛ والهياكل الأخرى التي لا تتبع لتركيا بشكل مباشر، مثل هيئة تحرير الشام وحراس الدين وسواهما من التنظيمات المتطرّفة؟
يحيلنا ذلك إلى السؤال عمّا إذا كانت اللعبة الجيوسياسية في سورية قد وصلت إلى خواتيمها، فمن دون تركيا لا تعود لعبة، وتصبح مجرّد تنسيق احتلالات بين روسيا وإيران، وما هي نقطة التحوّل التي كسرت هذه اللعبة، وجعلت أحد أطرافها يخرج منها بدون سبب واضح؟
لا يكفي القول إن مخاوف تركيا من المشروع الكردي في سورية هي نقطة التحوّل. ولكن إن كان كذلك، ما الجديد طالما كانت تركيا قادرة على التعامل مع مخاطر هذا المشروع، من خلال وكلائها في سورية، بل استفادت تركيا من تحويل الساحة السورية إلى مكان تستنزف فيه حزب العمال الكردستاني، وأتيحت لها فرصة اصطياد كثيرين من قادته في مناطق سهلية مكشوفة، ومخترقة أمنياً، على عكس قتال الحزب في جبال قنديل! فهل استشعرت تركيا وجود خطر داهم يتمثل بدعم واشنطن والغرب إنشاء كيان كردي مستقل في الأيام المقبلة، وهو ما عبر عنه جاووش أوغلو في اعتباره أن المصالحة ستمنع تقسيم سورية؟
إن لم يكن هذا هو السبب، فهل يتعلق الأمر بحساباتٍ تركية مختلفة، من نوع: وقف الاستنزاف التركي من دون فائدة، ما دامت تركيا تستطيع التعايش مع وجود بشّار الأسد، وما دام الطموح التركي بوصول جماعات الإخوان المسلمين إلى السلطة قد تبخّر، لماذا لا تترك تركيا مهمة القضاء على الجيب الانفصالي الكردي للنظام السوري وروسيا وتريح رأسها؟
وسؤال السياسة في هذا السياق: ماذا سيخسر أردوغان من التفاهم مع روسيا في سورية؟ لمعرفة الجواب، يمكن السؤال: ماذا يربح من استمرار الصراع؟ ماذا لو حصل على امتيازات في النفط والغاز من روسيا ألا يكون قد باع الورقة السورية بثمن رابح؟ ثم ما أولويات أردوغان في هذه المرحلة؟ هل سورية أهم من الاقتصاد والانتخابات الرئاسية؟ ويحيلنا ذلك إلى السؤال الأبعد، ماذا قدّمت روسيا وإيران لتركيا من مغريات حتى تجعلها تقبل بتغيير المعادلات التي قاتلت من أجل إبقائها سنواتٍ طويلة؟
بيد أن ثمّة سؤال آخر يدخل في معمعة الأسئلة التي يطرحها الموقف التركي؛ ألم تكن تركيا تحصل على مصالحها من روسيا وإيران نتيجة حاجة هذين اللاعبين لها في ظل العقوبات المفروضة عليهما من الغرب؟ إذن، ما الحاجة إلى تقديم تنازلاتٍ جيوسياسيةٍ من شأنها التأثير في توازنات القوى، ليس في سورية وحدها، بل في وسط آسيا والقوقاز، وهي المناطق التي تتنافس فيها تركيا مع روسيا وإيران؟
وفي الأطر الجيوسياسية والاستراتيجية، ثمّة أسئلةُ عن شكل علاقات تركيا المستقبلية مع حلفائها الغربيين، وعن دورها في حلف الناتو. ألا يعني توافقها مع الرؤية الروسية للحل في سورية خروجاً عن قرارات الأمم المتحدة التي يؤيدها الغرب؟ هل الموقف التركي مبني على أساس أن القضية السورية خرجت نهائياً من دوائر اهتمام الغرب، المنخرط كلياً بالهم الأوكراني ومفرزاته السيئة على الاقتصاد الغربي، والمخاوف من هيمنة الصين على تايوان والانعكاسات الرهيبة على الاقتصاد العالمي، نتيجة سيطرة الصين على الجزيرة التي تنتج 65% من أشباه الموصلات على مستوى العالم؟
هل يعني ذلك أن تركيا تحاول بيع الورقة السورية لآخر المشترين، قبل أن تتحوّل إلى ورقة محروقة نتيجة انتهاء الاهتمام الدولي بها؟ أم هي محاولة استباقية للحصول على حصةٍ في كعكة الإعمار السورية، خصوصاً أن جاووش أوغلو تطرّق في حديثه للإعمار، بقوله إنه ما لم يكن هناك استقرار سياسي لن تُقدم الدول على المساعدة في الإعمار؟ هل للأمر علاقة بزيارة بعثة الاتحاد الأوروبي سورية؟
بالمناسبة، جاء تصريح جاووش أوغلو في سياق سلسلة تصريحات له، بعد قمتي طهران وسوتشي، فهل أسّستا لتحولات مفصلية في الملف السوري؟
العربي الجديد
———————
تركيا ونظام الأسد: حدود الممكن/ حسام كنفاني
من الممكن تفهّم الغضب السوري الذي أعقب تصريحات وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، عن إمكان فتح قنوات اتصال مع نظام بشار الأسد، غير أن هذا التصريح، وفي سياق التحولات التركية هذه، كان متوقعاً في ظل الأزمة الداخلية التي يعيشها النظام الحاكم في أنقرة، وحاجته إلى اجتراح حلول موضعية للتدهور الاقتصادي الكبير في البلاد، والتي لم يجد غير اللاجئين السوريين ليحمّلهم مسؤوليته. وعلى هذا الأساس، ومع وضع النظام في تركيا نصب عينه إبعاد أكثر من مليون لاجئ سوري من البلاد، فإن فتح قنوات مع النظام السوري هي إحدى أدوات تحقيق هذا المبتغى، وخصوصاً مع تعقّد خطة العملية العسكرية والمنطقة الآمنة التي كانت أنقرة تنوي إقامتها في الشمال السوري.
ورغم محاولة أنقرة توضيح تصريحات جاويش أوغلو، إلا أنها لم تنفِ مطلقاً ما تحدّث عنه وزير الخارجية التركي، وتحديداً تواصله مع نظيره السوري فيصل المقداد، وإعلانه عن مقترح روسي لجمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، والذي لم يحدّد جاويش أوغلو الموقف التركي منه (المقترح). فكلام وزير الخارجية التركي عن ضرورة “المصالحة” بين النظام السوري والمعارضة هو أحد التحولات في السياسة التركية، والتي لم تكن قبلا تستخدم تعبير “مصالحة” في الحديث عن نظام الأسد، وكانت إلى حد كبير لا تعترف بوجوده، أو على الأقل ترى أنه في حكم المنتهي. لكنّ الضرورات السياسية تبيح المحظورات، وأنقرة ترى أنّ توجّهاً كهذا يؤمّن لها بعض الحلول التي وعدت بها جمهورها الداخلي.
لكن بغض النظر عن الرغبة التركية، إلى أي مدى يمكن تحقيق “التقارب” أو “التطبيع” مع نظام الأسد، من دون دفع أثمان لا تريد أنقرة دفعها؟ فأيّ “مصالحة” بين أنقرة ونظام الأسد لا بد أن تكون مقترنة بالانسحاب التركي من الشمال السوري، وإعادة المناطق التي تسيطر عليها، سواء مباشرةً أو عبر الحكومة السورية المؤقتة، أو حكومة الإنقاذ. هذا الأمر ليس وارداً حالياً في الحسابات التركية، خصوصاً أنها باتت تنظر إلى هذا المناطق باعتبارها امتداداً للجغرافية التركية، وهي لا تزال طامحة إلى المزيد بهدف إبعاد المقاتلين الأكراد عن حدودها المباشرة. حتى التعاطي التركي مع تظاهرات الغضب التي خرجت بعد تصريحات جاويش أوغلو كان تعاطياً مع شأن داخليّ تركي. ووفق هذا المنطق فإن أنقرة ليست في وارد التخلي اليوم عن هذا العمق الجغرافي والبشري الجديد الذي استحدثته بعد الثورة السورية.
الأمر الآخر، والأهم، والذي يحول دون حصول التقارب، أو اكتماله، هو عدم ثقة أنقرة في علاقة النظام السوري مع الفصائل الكردية المسلحة، سواء حزب العمال الكردستاني أو قوات سورية الديمقراطية (قسد). والأخيرة تحديداً لها علاقات غير مخفية مع نظام الأسد، وهو ما أبدت أنقرة استياءها منه في أكثر من مناسبة. وعلى هذا الأساس، فإن أنقرة لن تخلي الساحة للنظام السوري والقوات الكردية في الشمال السوري بعد كل ما حققته في السنوات الماضية. في المقابل فإن النظام السوري، وفي ظل المبادرة التركية للتقارب، لن يرضى بأقل من استعادة السيطرة على مناطق الشمال، وتحديداً إدلب، وهو ما لا يمكن أن تقبل به أنقرة.
بناء عليه، وبغضّ النظر عن الرغبات، فإن هناك حدوداً ممكنة وغير ممكنة للتقارب المحتمل بين أنقرة ونظام الأسد، وهذه الحدود اليوم متباعدة، ولا يمكن حالياً أن تصل إلى نقطة التقاء مباشرة تسمح لأنقرة والنظام السوري بتحقيق أهدافهما من هذا التقارب أو المصالحة. من غير المتوقع أن تخرج الأمور اليوم عن إطار التصريحات الصحافية التي لا يمكن أن تجد طريقها فعلياً إلى التطبيق.
—————————–
سيل من التصريحات التركية حول إمكانية التطبيع مع النظام السوري.. هل حسمت أنقرة قرارها؟
تتوالى التصريحات الرسمية التركية في الأيام الأخيرة حول مستقبل العلاقة مع النظام السوري، ومعها تتوسع التساؤلات حول مدى إمكانية حصول تقارب سياسي قريب بين أنقرة ودمشق، وما إن كانت كل هذه التصريحات تمهد بالفعل إلى خطوات تركية قريبة من قبيل إعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري أو عقد اجتماعات مباشرة بين النظام والمعارضة بحضور تركي روسي أو اتفاق جزئي يتعلق بتسهيل إعادة اللاجئين من تركيا إلى سوريا عبر تنسيق مباشر بين أنقرة ودمشق.
بدأت موجة التصريحات التركية من وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، وامتدت لتشمل عددا كبيرا من الشخصيات الرسمية، مروراً بدعم زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشيلي حليف أردوغان في الحكم، مبدأ التواصل مع النظام السوري، وصولاً لتصريح مسؤول كبير في حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم، رفض فيه الحزم بعدم إمكانية حصول لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد.
وعلى الرغم من النفي الرسمي لوجود “تغيير جوهري” في السياسة التركية اتجاه نظام الأسد، إلا أن غزارة التصريحات الرسمية حول “إمكانية التواصل السياسي” ودعم ذلك من قبل عضو لجنة مركزية في الحزب الحاكم، وزعيم الحركة القومية، يعطي مؤشراً قوياً على وجود توجه جديد في السياسة التركية قد يكون نتج عن توافقات ما جرى التفاهم حولها في قمة طهران التي جمعت أردوغان وبوتين وروحاني مؤخراً.
اتصالات على المستوى “السياسي”
بداية الشهر الجاري، ولأول مرة منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، تحدث مسؤول تركي رفيع عن إمكانية “التعاون السياسي” مع النظام السوري، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام عدد كبير من الأسئلة الصعبة المتعلقة بمدى التحول الذي طرأ على السياسة التركية اتجاه دمشق، وما إن كان ذلك مقدمة لإعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وذلك في ظل الحملة الدبلوماسية التركية الجديدة التي تضمنت إعادة تطبيع العلاقات مع الكثير من الدول في المنطقة ومنها إسرائيل والإمارات والسعودية وأرمينيا وغيرها.
ففي لقاء تلفزيوني، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إن بلاده مستعدة لتقديم “كافة أنواع الدعم السياسي” للنظام السوري فيما يتعلق بـ”إخراج الإرهابيين من المنطقة”، وذلك في إطار الحديث عن إنهاء تواجد الوحدات الكردية في مناطق شمال سوريا وسيطرة قوات النظام السوري عليها.
وفي السياق العام لتصريحات جاويش أوغلو التي أدلى بها لتلفزيون “تي في 100” التركي، قال تعقيباً على التهديدات التركية بالقيام بعملية عسكرية في شمال سوريا: “الولايات المتحدة وروسيا لم تفيا بوعودهما بإخراج الإرهابيين من المنطقة، وهذا يدل على عدم إخلاصهما في محاربة الإرهاب”، لافتاً إلى أن بلاده أجرت سابقا محادثات مع إيران بخصوص “إخراج الإرهابيين من المنطقة، ومستعدة أيضاً لتقديم كل أنواع الدعم السياسي لعمل النظام (السوري) في هذا الصدد”.
وأضاف الوزير: “من الحق الطبيعي للنظام (السوري) أن يزيل التنظيم الإرهابي من أراضيه، لكن ليس من الصواب أن يرى المعارضة المعتدلة إرهابيين”، مشدداً على أن العمليات العسكرية التركية “تدعم وحدة الأراضي السورية” وستكون مهمة من ناحية السيادة ووحدة الأراضي السورية.
وفي الحادي عشر من الشهر الجاري، كشف جاويش أوغلو، عن أنه أجرى محادثة قصيرة مع وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، على هامش اجتماع حركة عدم الانحياز الذي عقد في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في العاصمة الصربية بلغراد، نافياً وجود ترتيبات لعقد لقاء بين أردوغان والأسد. وهي التصريحات التي فجرت موجة غير مسبوقة من الغضب في أوساط المعارضة السورية خاصة في شمال سوريا، الذي شهد مظاهرات غاضبة ضد التصريحات التركية.
تصريحات “جريئة”
وفي تطور لافت، أشاد دولت بهتشيلي، زعيم حزب الحركة القومية، حليف حزب العدالة والتنمية بالحكم في تركيا، بتصريحات وزير جاويش أوغلو حول التواصل مع النظام السوري، وقال بهتشيلي: “الكلمات البناءة والواقعية لوزير خارجيتنا حول إحلال السلام بين المعارضة السورية ونظام الأسد هي متنفس قوي للبحث عن حل دائم، ولا ينبغي لأحد أن ينزعج من ذلك”.
وأضاف بهتشيلي في كلمة أمام كتلة حزب الحركة القومية بالبرلمان التركي: “رفع مستوى المحادثات بين تركيا وسوريا إلى مستوى الحوار السياسي وإخراج التنظيمات الإرهابية مرشح ليكون أحد الملفات المطروحة على الأجندة السياسية، بل وإنه يستحق التفكير الجاد”، معتبراً أن خطوات تركيا في هذا الإطار “دقيقة ومدروسة”.
في السياق ذاته، وفي تصريح ربما يعتبر “الأجرأ”، لم يستبعد حياتي يازجي، نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، إمكانية إجراء لقاء بين أردوغان والأسد، بشكل قطعي. وقال يازجي رداً على سؤال حول إمكانية حصول لقاء على مستوى القادة: “لست في وضع يسمح لي بالقول إن ذلك لن يحدث على الإطلاق، الأمور تبدأ من مكان ما، وأنا آمل أن يتم إحراز تقدم في هذا الشأن”، لافتاً إلى أن “قنوات الحوار هي العامل الأكثر أهمية في المشكلات في العلاقات الدولية، وتكون إما مباشرة أو غير مباشرة، وحتى الآن تجري اتصالات غير مباشرة (مع النظام السوري)”.
توضيحات “مبهمة”
كما عاد وزير الخارجية جاويش أوغلو لتوضيح تصريحاته مجدداً، الثلاثاء، مشيراً إلى أن “البعض داخل سوريا وتركيا سعى لإخراج التصريحات التي أدلى بها سابقا حول سوريا في اجتماعات المؤتمر الـ13 للسفراء الأتراك، عن سياقها، وأنهم يعلمون الجهات التي تقف وراء ذلك”، مؤكداً أن “التصريحات التي أدلى بها حول سوريا سابقا، تعبّر تماما عن الجهود الحثيثة التي تبذلها تركيا لوقف الحرب في سوريا”.
والجمعة الماضية، أصدر المتحدث باسم الخارجية التركية، تانجو بيلغيتش بياناً اعتُبر بمثابة “رد على الأخبار المتداولة في وسائل إعلام بخصوص مقاربة تركيا تجاه النزاع في سوريا”، وهو ما اعتبر بمثابة محاولة لتوضيح تصريحات وزير الخارجية التي اعتبرت مصادر تركية أنها “أُخرجت من سياقها وجرى ترويجها بشكل خاطئ”.
وقال المتحدث باسم الخارجية: “تركيا ومنذ بداية النزاع في سوريا هي أكثر دولة بذلت جهودا لإيجاد حل للأزمة بما يلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري”، مذكراً بأن “تركيا لعبت دورا رياديا في الحفاظ على وقف إطلاق النار في الميدان، وتأسيس اللجنة الدستورية عبر مساري أستانة وجنيف”، مؤكداً أن أنقرة ستواصل تقديم “الدعم الكامل للمعارضة السورية وهيئة التفاوض وستواصل تضامنها مع الشعب السوري”. وأضاف: “المسار السياسي لا يشهد تقدما حاليا بسبب مماطلة النظام”.
———————————-
من حق السوريين أن يغضبوا/ إحسان الفقيه
بعيدا عن تقرير صحتها، نقل إلينا الموروث الأدبي وصية كليب بين ربيعة التغلبي لأخيه أبي ليلى المهلهل، كتبها بالدم بعد أن طعنه جساس بن مرة: «لا تصالح»، لكن الثابت تاريخيا أنه اندلعت على إثر مقتله حرب الثأر ما يقرب من أربعين سنة، كاد الحيّان التغلبيون والبكريون أن يتعرضا للفناء.
اليوم يرفع السوريون المعارضون لنظام بشار شعار «لن نصالح»، على إثر دعوة تركية للمصالحة بين المعارضين والنظام، انطلاقا من رؤية مفادها، أنه لن يكون هناك سلام دائم إلا بالمصالحة.
لئن كانت دعوة «لا تصالح» في قصة كليب، دعوة عدوانية، يريد بها محتضر أن تشتعل الدنيا بعد وفاته من أجله، أو يستغلها طالب الثأر، أخوه أبو ليلى الملهل سالم، في تحقيق مجد شخصي بإفناء البكريين مقابل رأس أخيه، فإن «لن نصالح» التي رفعها المعارضون السوريون لها ألف وجه يبررها، وليس في التمسك بها رغبة في العداء والخراب، لأن الأرض صارت بالفعل خرابا.
السوريون المعارضون عبّروا عن غضبهم، سواء عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، أو عن طريق المظاهرات التي اندلعت في المدن السورية، التي تسيطر عليها فصائل المعارضة، أو القوات التركية، على إثر الدعوة التي أطلقها مولود تشاوش أوغلو وزير الخارجية التركية: «علينا أن نجعل النظام والمعارضة يتصالحان في سوريا، وإلا لن يكون هناك سلام دائم». من حق السوريين أن يغضبوا لمثل هذا التصريح، فعلى مدى 11 عاما، سقط مئات الآلاف من الضحايا، والملايين من الجرحى والمعتقلين والمهجّرين على يد نظام الإبادة الأسدي، الذي ارتكب المجازر بالأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة وقنابل الفوسفور، وغيرها من الأسلحة الفتاكة، فما من بيت إلا وله ثأر عند هذا النظام الجائر، لم يتعرض لمحاسبة دولية، وترك يذبح الشعب بمعاونة إيرانية روسية، فكيف بعد كل هذا الدمار الذي لحق بسوريا، يُطالَب السوريون بالرضوخ للأمر الواقع، والمصالحة مع السفاح، وتبديد كل سنوات النضال من أجل نيل الحرية؟!
من حق السوريين أن يغضبوا، لأن الحديث التركي عن مصالحة بين المعارضة والنظام، يعني العودة القسرية لملايين اللاجئين إلى سوريا يحكمها طاغية، فهم يدركون أن هذه المصالحة إذا قدر لها أن تتم فسوف تكون على إثر تقارب تركي سوري، ما يعني تخلي تركيا عن اللاجئين الذين احتضتنهم على مدى سنوات، وجعْلهم عرضة لمقصلة الطاولات السياسية وتقاطع المصالح. ويدعم مخاوف السوريين تجاه هذا التقارب، القمة الثلاثية التي جمعت الشهر الماضي رؤساء تركيا وروسيا وإيران في طهران، وما أعقبها من زيارة لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى أنقرة ودمشق، ما يوحي بأنه مؤشر على تحول نوعي في موقف الأتراك تجاه الملف السوري. أتفهم إلى حد بعيد، الضغوط التي يتعرض لها النظام التركي داخليا وخارجيا، ما يدفعه إلى الاتجاه إلى تبني موقف أكثر رخاوة في الأزمة السورية، فالتيار القومي يضغط بقوة بورقة اللاجئين السوريين على الأراضي التركية، وتدرجها الأحزاب المعارضة في برامجها السياسية للانتخابات المقبلة، وتروج لأن وجود اللاجئين أحد كوارث نظام العدالة والتنمية، التي أتت على حساب الحالة الاقتصادية للأتراك، وهو الأمر الذي يهدد بقاء حزب أردوغان على سدة الحكم.
ومن ناحية أخرى، هناك ضغوط روسية وإيرانية بشأن العملية العسكرية التي تعتزم تركيا شنها على قوات سوريا الديمقراطية «قسد» الموالية لحزب العمال الكردستاني، التي تنطلق من صميم الحفاظ على الأمن القومي التركي، باستكمال المنطقة الآمنة، وهناك وساطة روسية وإيرانية في هذا الشأن لشن عمليات على تلك الوحدات عن طريق نظام بشار الأسد، وليس القوات التركية، لمنع تنامي النفوذ التركي في المنطقة. وأتفهم كذلك أن تركيا دولة تبحث عن مصالحها، وتعقد سياساتها الخارجية بثوابتها ومتغيراتها وفقا لهذه المصالح، ولا تريد الدخول في عزلة دولية، وتتلاقى مع هذا حينا ومع ذاك حينا آخر. لكن مع ذلك، يحق للسوريين أن يغضبوا، ويحق لهم التعبير عن رفضهم ومخاوفهم من أن يتم إدراج وجود الأسد في سوريا ما بعد الحرب. لكن حتى لا نستبق الأحداث، تنبغي الإشارة هنا، إلى أن القيادة التركية تداركت الأمر بعد هذا الغضب السوري العارم، حيث أصدرت الخارجية التركية بيانا أكدت فيه مواصلة أنقرة جهودها لإيجاد حل دائم للنزاع في سوريا بما يتماشى مع تطلعات الشعب السوري، وأنها تدعم الحل السياسي وفق القرار الأممي 2254، كما أكد البيان أن تركيا تسعى لتوفير الشروط المناسبة لعودة طوعية آمنة للاجئين، معربا عن أن المسار السياسي لا يشهد تقدما حاليا بسبب مماطلة النظام.
فحوى البيان، ربما يشير إلى أن تصريح المصالحة كان بهدف جسّ النبض لدى المعارضة والنظام معا، وربما كانت مناورة تركية للضغط على الولايات المتحدة التي تتخذ من القوات الكردية في الشمال السوري حليفا لها، وربما كانت مناورة أيضا مع الروس لتوسيع دائرة الخيارات.
ومن ثم لا ينبغي تحميل التصريحات أكثر مما تحتمل، لكن الغضب السوري كان خطوة قوية بامتياز، تقطع الطريق على التفكير في أي مشروع مصالحة مع النظام الجائر بمعزل عن القرار الدولي 2254 وتطبيق بنوده بالتسلسل المقرر، هيئة حكم انتقالية، ثم إنشاء دستور جديد، والعودة الطوعية للاجئين، ومحاسبة جميع الأطراف على انتهاك حقوق السوريين. وفي الوقت ذاته، لا نغفل أن التعبير عن الغضب الشعبي ينبغي أن يكون في إطار سلمي، من دون التجاوز بحق تركيا، فلم تقدم دولة دعما للسوريين كما فعلت، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
*كاتبة أردنية
القدس العربي
—————–
نصائح بوتين ويُتْمُ السوريين/ محمود الوهب
لم تمض أسابيع قليلة على انفضاض قمة طهران الثلاثية، حتى تداعى طرفان منها، هما التركي والروسي، إلى عقد قمة ثانية في سوتشي، وبدا أن ثمة دواعي موجبة لديهما ليجتمعا، من أجل أن يتمكنا من إنجاز قضايا بينية لم تستطع القمة الأولى أن تبتّ فيها أو في بعضها على الأقل، فقد أظهرت ضعف وشائج التواصل والتفاهم بين أطرافها الثلاثة، وخصوصا في ما يتعلق بالعملية العسكرية التي تحضِّر لها تركيا منذ أشهر، لإبعاد قوات سورية الديمقراطية (قسد) عن حدودها مسافة 30 كيلومترا، ضمانًا لأمنها القومي، ولتحيِّد تلك الفجوات التي تديرها “قسد”، ولا يوجد في بعضها كُرد أبدًا (تل رفعت مثلاً وفي منبج عدد قليل)، ولأن العلاقات الروسية التركية تسير على صراط بالغ الرهافة، وبغضّ النظر عن إيجابية العملية التركية المزمعة أو سلبيتها، ينظر السوريون إلى شمال شرقي سورية بقلق زائد، فما يجري هناك نظام يتكرَّس على مستويات السياسة والثقافة والمجتمع والعسكرة، ما يؤدّي إلى شكل من أشكال العبث بالهوية السورية.
ولا تلبي “قسد” بقيادتها في جبل قنديل مطالب الكرد السوريين، فالأحزاب الكردية في سورية، على تنوعها وتعددها، لا ترى في “قسد” وقيادتها حزب العمال الكردستاني التركي أمناء على مصالح الكُرد السوريين، فهي تكوينٌ آخر ولها أهداف أخرى، فهو حزب تركي جعل له حافظ الأسد فرعًا في سورية ليستخدمه ضد أكراد سورية أولًا، وضد تركيا إن وجد إلى ذلك سبيلًا .. وإذا كانت “قسد”، من جهة ثانية، قد أقامت تحالفًا مع التنوع الديمغرافي القائم في الجزيرة السورية، فهو في واقع الحال مفرّغ من محتواه، فلا فاعلية للعنصر العربي الذي يشكل ما بين 65% – 70% بينما رموزه في قيادة “قسد” لا تقارب هذه النسبة، ولا تأثير لها في المعادلات السياسية أو العسكرية على الأرض، كذلك لا فاعلية لأيِّ مكون قومي أو ديني آخر.
وفي عودة إلى قمة سوتشي، لا بد من قراءتها في ضوء المصالح التي تحكم السياسة، وتتحكّم بها، فموسكو بحاجة ماسّة إلى تركيا التي تتخذ نهجًا استقلاليًا في عمق الصراعات الدولية الناشئة، ومن بينها الحرب على أوكرانيا، وقد استطاعت أن تحقّق نجاحًا في عدة مجالات، منها تصدير الحبوب الأوكرانية التي ستساهم في التخفيف من أزمة الغذاء العالمية التي حمَّلها العالم لروسيا، ما زاد في عزلتها السياسية .. ولعلَّ تركيا تسعى إلى عودة الروس والأوكرانيين إلى طاولة المفاوضات، وإنْ كان في ذلك صعوبة لارتباط الأوكرانيين بالأميركيين، ولأن أراضيهم لا تزال محتلة، ثم إن لتركيا مصالح مع روسيا تتعلق باستكمال إنشاء المحطة النووية، وبتصنيع جزئي لأنظمة المضادّات الجوية التي استوردتها من روسيا إس 400، وتعد تركيا مركزًا لاستقبال البضائع الروسية، وإعادة تصديرها، إضافة إلى خط أنابيب السيل التركي لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر الأراضي التركية. وتستثمر تركيا في مشاريع متعدّدة لدى روسيا، إضافة إلى حركتي التجارة والسياحة بين البلدين.. ولدى الجانبين طموحات لرفع قيمة حجم المنافع المتبادلة إلى مائة مليار دولار، بحسب نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك. ورغم ذلك، بقي حل العملية العسكرية عالقًا، فرغم تأكيد بوتين وقوفه إلى جانب تركيا في مكافحة الإرهاب، إلا أنه ربط أمر العملية بالتعاون مع النظام السوري، فقال: “في حال سلكت تركيا طريق التعاون مع النظام في سورية لحل هذه المسائل (التنظيمات الإرهابية) فذلك سيكون أكثر صوابًا، طالما كان ممكنًا”. ولعلَّ تصريح وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، قبل أيام، يؤكد الاتجاه نفسه: “من الحق الطبيعي للنظام السوري أن يزيل التنظيم الإرهابي من أراضيه، لكن ليس من الصواب أن يرى المعارضة المعتدلة إرهابية”. وفي تصريحه إشارة إلى عقدة النظام الذي يعدُّ المعارضة كلّها إرهابًا، ولعلَّ ثمة إشارة إلى بعض التنظيمات التي لا تزال على قائمة الإرهاب الدولية.. وواضحٌ أن بوتين لا يريد من قوله تعويم النظام فحسب، بل يهدف إلى إغلاق الباب أمام مشاركة المجتمع الدولي، وتجاهل قرار مجلس الأمن 2254، ما دام ذلك المجتمع منشغلاً بالحرب الأوكرانية ونتائجها الآنية، ليس ذلك فحسب، بل يسعى بوتين إلى جعل الجميع في خدمة بشار الأسد، ليستمرّ حكمه إلى مرحلة مقبلة.. وعفا الله عن تدميرهما وبراميلهما ومجازرهما، وعن مساهمة الأسد الأساسية في صناعة الإرهاب، بدءًا من إرهاب الدولة الذي بدأه جيشه “الباسل” ضد المتظاهرين السلميين، وانتهاء باستعانته بالروس والإيرانيين، مرورًا بإفراجه عن المعتقلين المتطرّفين الذين كانوا قد أرسلوا إلى العراق.
ربما يعتقد بوتين أنه رمى رمية ذكية في اللعبة الدبلوماسية.. إذ تطرد أنقرة “قسد” بمساهمة النظام، وبعدئذ يستلم النظام الجزيرة السورية التي تعادل ثلث أراضي سورية، وثلاثة أرباع ثروتها، ومن حقّه الإشراف عليها، أليست أرضًا سورية، وهو رئيس شرعي في عُرْفِ الروس والإيرانيين..! أو أن مبادلة محددة قد تطاول ذلك التنظيم الذي تضمّنه تصريح وزير الخارجية التركي، ولكن هل تقبل تركيا بتقديم هذه الخدمة للنظام؟ ولماذا؟ وعلى أيِّ أساس؟ وما الذي تفعله بأربعة ملايين من السوريين داخل تركيا، ومثلهما تقريباً على حدودهما المشتركة؟ فهل يستلمهم النظام ومعظمهم مطلوب لأجهزته الأمنية؟
وإذا كانت لتركيا مصالح محدّدة مع روسيا، فإن مصالحها مع الدول العربية التي تعد سورية، على نحو أو آخر، بوابةً لها، أكثر وأكبر. وللدول العربية أيضاً وسورية منها، على وجه الخصوص، مصالح مهمة في الاستفادة من التنمية التركية على غير صعيد، وهكذا كانت العلاقات بين تركيا وسورية قبل العام 2011، كما كانت كذلك مع أكثر من بلد عربي.
ما استجد أخيرا في الشمال السوري من مظاهرات هو من أشكال الانفجار الأول الذي حصل عام 2011، وهو وإن جاء على أرضية قمّة بوتين أردوغان وتصريحات وزير الخارجية التركي، لا يعود إلى ما استجدّ من أمور سياسية، حُمِّلت أكثر مما تحتمل، وربما شحنتها توجهاتٌ لا تريد خيرًا للسوريين، بل يعود ما حدث، في جوهره، إلى عمق معاناة السوريين التي استطال زمنها، وما عكسته من أوجاع وآلام، مع إدارة ظهر العالم لها، وخصوصا الموكلين بها كالروس مثلًا، ففي الواقع المحرّر حالات فقْدٍ وفقْرٍ وتشرُّد ومعاناة، عكست مشكلات اجتماعية ونفسية متنوعة .. أما الأهم فهو الشرخ القائم بين نحو عشرة ملايين إنسان داخل تركيا وفي الشمال والشمالين الغربي والشرقي من سورية والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة الذي يفترض أن يكون قائداً بحق لا لهؤلاء فقط، بل للسوريين كافة. كما أن أداء الحكومتين المؤقتة والإنقاذ ليس على المستوى المطلوب، ويزيد في ذلك تصرّفات الفصائل وإساءات بعض قادتها.. وعدم تمكّن المعارضة الرسمية من صياغة خطاب وطني يشمل السوريين كافة.. خطاب يفكّك شعار الحرية والكرامة الذي رفعه المحتجون الأوائل، ويعيد ترتيبه وفق مبادئ الديمقراطية التي لا تُقصي أحدًا، وهذا ما يجب أن تنكبَّ عليه طلائع السوريين.
العربي الجديد
——————————
عن انعطافة تركيا السورية/ محمود علوش
حتى وقت قريب، كانت تركيا الدولة الوحيدة تقريباً التي واصلت التزامها السياسي والعسكري بدعم المعارضة السورية، وحافظت على موقفها الداعم لتسوية سياسية شاملة للصراع تُلبي تطلعات الشعب السوري، رغم التكاليف الباهظة التي تكبّدتها جراء الحرب. لقد استضافت أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري منذ ما يزيد عن عقد، واضطرّت في عام 2016 إلى إرسال قواتها إلى شمال سورية لإبعاد خطر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عن أراضيها وإيقاف تمدّد المشروع الانفصالي الكردي قرب حدودها. كما نشرت قواتها في إدلب لحماية المدنيين في الجيب الأخير المتبقي للمعارضة من هجمات النظام السوري وحلفائه. لم يكن الالتزام التركي بالقضية السورية نابعاً فحسب من حرص أنقرة على إيقاف المذابح التي تعرّض لها السوريون على يد النظام وحلفائه خلال سنوات الحرب، بل ارتبط أيضاً بهواجسها الأمنية من الصعود الانفصالي الكردي، إذ ساعدتها البيئة الحاضنة لها في شمال سورية في تركيز جهودها على احتواء المشروع الانفصالي.
مع تزايد أعباء اللجوء السوري إلى تركيا، وتحوّله إلى ورقة انتخابية قوية بيد المعارضة التركية لتعزيز فرصها في هزيمة الرئيس أردوغان في الانتخابات المقرّرة العام المقبل، تجد أنقرة نفسها أمام معضلة الموازنة بين موقفها المبدئي في القضية السورية والبحث عن سبل أخرى غير مرغوبة لحل قضية اللاجئين، ومعالجة هواجسها الأمنية.
أخيراً، أثار وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، عاصفة سياسية بحديثه عن ضرورة إبرام تسوية سياسية بين النظام والمعارضة لإنهاء الحرب، وكشفه عن لقاء قصير جمعه بوزير خارجية النظام، فيصل المقداد، في بلغراد قبل أقل من عام. في حين أن أنقرة أبدت طوال فترة الصراع تمسّكها بتسوية سياسية شاملة، وتحقيق انتقال سياسي، إلا أن هذه هي المرّة الأولى التي تتحدّث فيها عن تسوية بين النظام والمعارضة. ويُشكل ذلك تحولاً في المعايير التركية للتسوية، وهو نتيجة طبيعية للتحولات التي طرأت على الصراع منذ تحوّل دفّة الحرب إلى صالح النظام وحلفائه، بعد التدخل العسكري الروسي في عام 2015.
جاء هذا التحول في الخطاب التركي تجاه نظام الأسد بعد قمّتين مهمتين، الأولى في طهران بين رؤساء تركيا وروسيا وإيران، والثانية في سوتشي بين الرئيسين التركي والروسي، تشير إلى ارتباطه بمشروع تسوية كبرى بين تركيا وروسيا وإيران في سورية. عندما اجتمع زعماء الدول الثلاث في طهران الشهر الماضي (يوليو/ تموز)، كانت الخلافات واضحة بشأن خطط تركيا شن عملية عسكرية جديدة ضد الوحدات الكردية. مع ذلك، كان الشيء الوحيد الذي أجمعوا عليه هو الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وإخراج الولايات المتحدة من سورية. كما تعهّدوا بالتعاون في مكافحة الإرهاب، في إشارة إلى استعداد موسكو وطهران بالعمل مع أنقرة ضد الوحدات الكردية. منذ تشكيل منصة أستانة في عام 2017، نجحت الدول الثلاث في إدارة أهدافها الجيوسياسية المتناقضة في سورية، وإيجاد أرضية مشتركة للتعاون في كثير من جوانب القضية السورية، من إنشاء مناطق خفض التصعيد التي أدّت إلى تجميد القتال بين النظام والمعارضة إلى إدارة الخلافات بينها بشأن الوجود العسكري التركي في سورية، وتسهيل فتح قنوات تواصلٍ على المستوى الاستخباراتي بين أنقرة ودمشق. مع ذلك، ظلت الشراكة الثلاثية عاجزة عن وضع تصوّر مشترك لكيفية مواجهة المشروع الانفصالي الكردي.
في أعقاب قمّة سوتشي، تحدّث الرئيس التركي، أردوغان، عن تلقيه طلباً من الرئيس الروسي، بوتين، بالتعاون مع دمشق في المسألة الكردية. ورغم أن اللقاء بين جاويش أوغلو والمقداد حصل قبل نحو عام، فإن الكشف عنه الآن يحمل، في طياته، استعداد أنقرة المشروط لتطوير التواصل الاستخباراتي مع دمشق إلى مستوى سياسي. يقوم مشروع التسوية الكبرى بين تركيا وروسيا وإيران على تعاون هذه الدول ضد المشروع الانفصالي الكردي، وإخراج الولايات المتحدة من سورية مقابل انفتاح أنقرة على إعادة العلاقة مع دمشق. يُشير النهج التركي المتحفظ تجاه نظام الأسد إلى أن أنقرة ترهن أي انفتاح سياسي عليه بتعاونه معها ضد الوحدات الكردية. بالتوازي مع جهود موسكو لإحداث تقاربٍ بين أنقرة ودمشق، أبدت طهران استعدادها أخيراً للتوسّط بين الطرفين. كنتيجة لقمتي طهران وسوتشي، جمّدت تركيا، على ما يبدو، خططها بشأن العملية العسكرية ضد الوحدات الكردية، في محاولة لإفساح المجال أمام مشروع التعاون الرباعي في هذه المسألة.
مع عدم التقليل من أهمية التحوّل التركي، لا تزال فرص إعادة العلاقة بين أنقرة ودمشق في المستقبل المنظور ضعيفة، لكنّها ستكون نتيجة حتمية إذا ما نجح مشروع التسوية الرباعية. هناك تعقيد آخر يتمثل بالوجود العسكري التركي في سورية، لكنّ موسكو وطهران تتجنّبان، في الوقت الراهن، إثارته لعدم استفزاز أنقرة وسيكون على الأرجح متروكاً للمراحل النهائية من التسوية. مع ذلك، فإن التحوّل التركي ينطوي على مخاطر زعزعة الشراكة الوثيقة بين أنقرة والمعارضة السورية، وانهيار البيئة الأمنية الحاضنة لوجودها العسكري في شمال سورية. كان البيان التوضيحي الذي صدر عن وزارة الخارجية التركية، بعد تصريحات جاوش أوغلو، محاولة لتهدئة مخاوف المعارضة، لكنّه لجأ إلى استرجاع العناوين العريضة للسياسة التركية في سورية من أجل التأكيد على صوابية الطرح التركي الجديد، وليس لتصحيحه. بمعنى آخر، تقول أنقرة إنها دعمت، منذ البداية، مشروع التسوية السياسية وفق المسار الأممي المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن 2254، لكنّ إفشال النظام له يفرض عليها البحث عن سبل أخرى، لم تكن ترغبها في السابق.
التحول الكبير الذي يطرأ على موقف تركيا من النظام السوري، وتطور الشراكة الثلاثية التركية الروسية الإيرانية إلى تعاون محتمل ضد الوحدات الكردية، لا ينمّ فقط عن الدوافع السورية لاستراتيجية الدول الثلاث، بل يُشكل أيضاً استجابة للتحولات التي فرضها الصراع الروسي الغربي على علاقات الدول الثلاث. تدفع العزلة الغربية لروسيا ببوتين إلى تعميق الشراكة السياسية والاقتصادية مع تركيا وإيران، في حين تعمل أنقرة على توظيف الحاجة الروسية لها في تحقيق أولوياتها المتمثلة في معالجة قضية اللجوء، والقضاء على مشروع الإدارة الذاتية للوحدات الكردية. كل هذه التحولات مدعومة إلى حد كبير بالتفاعل العملي والمرن لموسكو مع طهران وأنقرة في سورية والقضايا الأخرى. عندما تفرض المصالح المتغيرة تحوّلات في سياسات الدول تبرز البراغماتية وسيلة لتسهيل هذا التحول. في الحالة التركية، فإن البراغماتية غير المقيدة بحدود ساعدت أردوغان في إحداث انعطافة هائلة في سياسات تركيا الإقليمية خلال العامين الأخيرين، ويعول عليها الآن لدفع اللاعبين الفاعلين في المشهد السوري إلى دعم أولوياته السورية المستجدة.
العربي الجديد
——————-
“المفاجأة” التركية/ مروان قبلان
لا تستوي الصدمة التي أبداها بعضهم من “التغيير” الذي أعلنه وزير الخارجية التركي، مولود تشاويش أوغلو، في مؤتمر السفراء الأتراك الأسبوع الماضي، بشأن موقف بلاده من الأزمة السورية، وخصوصاً دعوته إلى عقد “مصالحة” بين النظام والمعارضة، مع المؤشّرات العريضة التي تصدر عن تركيا منذ بعض الوقت بهذا الاتجاه. والواقع أن التغير في الموقف التركي من الأزمة السورية ما كان يجب أن يفاجئ أحداً، فأولاً لم يحصل بين ليلة وضحاها، بل هو مستمرٌّ منذ سنوات، حتى بلغ مرحلته التي أعلن أوغلو فيها اجتماعه بوزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، في بلغراد الخريف الماضي، وإن كان، كما قال، وقوفاً على الأقدام. وثانياً، لأن الظروف التي أملت السياسة التركية عشية انطلاق الثورة السورية لم تعد قائمة (وكانت جزءاً من سياقات الربيع العربي)، هذا يستتبع أن التغير في الموقف التركي من سورية لا يأتي منفصلاً عن تغييراتٍ أشمل تتعرّض لها السياسة التركية منذ بعض الوقت في العلاقة مع السعودية، والإمارات، وإسرائيل، ومصر، وإيران وغيرها (إعادة تفعيل سياسة صفر مشاكل). وثالثاً، لأن مصالح الدول وحساباتها تتغير ومعها السياسات التي أملتها بتغير رؤية نخبة صنع القرار لها.
بدأ التغير في السياسة التركية يأخذ منحاه الراهن منذ التدخل العسكري الروسي في سورية في سبتمبر/ أيلول 2015، الذي أدّى إلى توترٍ كبير في العلاقة بين أنقرة وموسكو، وخصوصاً بعد إسقاط تركيا طائرة روسية على الحدود مع سورية في نوفمبر/ تشرين الثاني التالي. ومع إقالة رئيس الوزراء، أحمد داود أوغلو، في مايو/ أيار 2016، الذي حُمِّل مسؤولية تدهور العلاقة مع موسكو، بدا واضحاً أن الرئيس أردوغان يتجه نحو تغيير سياسته السورية. تسارع هذا التغيير بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في يوليو/ تموز 2016 والدعم الذي تلقاه أردوغان خلالها من نظيره الروسي، حتى إن تقارير صحافية تركية ذكرت حينها أن بوتين هو من أبلغ أردوغان بالمحاولة الانقلابية التي قال الأتراك إن التخطيط لها قام به ضباط يعمل بعضهم في قاعدة أنجيرلك التي تستخدمها الولايات المتحدة (!!).
في ضوء التدخل العسكري الروسي، غدت سياسة تغيير النظام في دمشق، التي تبنّتها أنقرة منذ خريف عام 2011 غير واقعية. وبناءً عليه، صارت الانعطافة نحو التفاهم مع روسيا بدلاً من مواجهتها، خصوصاً بعد أن قرّرت واشنطن التحالف مع الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سورية. تحول اهتمام تركيا، بناءً عليه، نحو درء مفاسد السياسة الأميركية على أمنها القومي، وفي مقدمها كبح جماح الطموح الكردي المسلح بالدعم الأميركي. وقد أدّى ذلك إلى ترسيخ التفاهمات التركية الروسية الناشئة، وجوهرها تخلّي أنقرة عن سياسة تغيير النظام في دمشق، مقابل تعاون موسكو في منع قيام كيان كردي على الحدود. ثلاث عمليات عسكرية تركية جرت، منذئذ، شماليّ سورية بالاتفاق مع موسكو (درع الفرات 2016، غصن الزيتون 2018، ونبع السلام 2019)، وأدّت إلى تقطيع أوصال الدولة الكردية المحتملة على الشريط الحدودي الممتد بين القامشلي وعفرين.
بالتوازي، تمثل تخلي أنقرة عن سياسة تغيير النظام في دمشق بالموافقة على مقترح اللجنة الدستورية لحل الأزمة السورية، التي تعني عملياً حصول تسوية بين النظام والمعارضة. لكن أنقرة ذهبت خطوة أبعد بهذا الاتجاه، مع بروز قضية اللاجئين السوريين، باعتبارها قضية جوهرية في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرّرة في يونيو/ حزيران المقبل، والتي بات إيجاد حل لها أولوية لدى حكومة الرئيس أردوغان. فوق ذلك، بدأت تظهر بفعل حرب أوكرانيا وأزمة تايوان اصطفافات عالمية جديدة قد تنتهي بانقسام العالم إلى معسكرين كبيرين: رأسمالي ليبرالي (يضم أوروبا والولايات المتحدة) ورأسمالي غير ليبرالي (يضم روسيا والصين وإيران). وتحاول تركيا، التي يميل عقلها إلى الأول وهواها إلى الثاني، أن تحدّد مكانها بينهما. استمرار الأزمة السورية لا يسمح لها بذلك، من هنا الرغبة في التخفف منها. يبقى أن لسؤال الطاقة في شرق المتوسط مكاناً مهماً في حسابات تركيا السورية، لكن هذا نقاشه يأتي لاحقاً.
يبقى القول، إنه لا ينبغي أن نفهم هنا محاولة تفسير سياسة تركيا السورية وتبريرها، بل باعتبارها خطوة لازمة وضرورية للتعاطي معها بجدّية بعيداً عن التشنّجات المعتادة، سواء رفضاً لها أو اتفاقاً معها.
العربي الجديد
———————-
الأكراد بوصفهم فيلم رعب طويل/ عمر قدور
أغلب الظن أننا لن نشهد تغيراً حقيقياً بسبب التصريحات التركية الأخيرة، واحتجاجات السوريين عليها في مناطق النفوذ التركي خاصةً. لن تتغير السياسة التركية بسبب المظاهرات المناهضة لها، وهي بهذا مستندة إلى ورقة شديدة القوة، أي الإمساك بمصير السوريين، أولئك الذين أثبتوا “بمظاهراتهم” تشبثهم بالوجود التركي كبديل وحيد ممكن عن العودة إلى كابوس الأسد.
جدير بالتذكير أن المعارضة المعتمَدة دولياً تقيم في تركيا، وهي تحت النفوذ التركي بتوافق دولي، مع ترك نسبة صغيرة من هيئة التفاوض لحسابات وجودها في الرياض، بموجب قسمة اتُفق عليها ضمن تفاهمات فيينا. المعارضة السورية الحالية، منذ تجربة المجلس الوطني، كانت دائماً تحت وصاية ما. الانقلاب على هذه الوضعية يعني الانقلاب على الإرادة الدولية التي كرّستها، وبات يتطلب إثبات أن السوريين قادرين على تشكيل معارضة غير قاصرة ليُسلَّم زمامها إلى جهاز مخابرات هنا أو هناك.
ليست المسألة أن تتحرر المعارضة من حسابات أنقرة المتصلة بعلاقتها بموسكو وطهران، وتالياً آفاق علاقتها بالأسد. وليست المسألة فقط تشكيل هياكل معارضة وطنية مستقلة القرار، وبمعارضين لا يقبلون إملاءات خارجية، ولا يرتزقون منها، بمعنى أن يكون الدعم المالي والسياسي شراءً لهم ولمؤسستهم. إن واحداً من أهم الأسئلة المطروحة على المعارضة المفترضة وقواعدها هو قدرتها على مواجهة فيلم الرعب الكردي بواقعية، وبشجاعةِ مَن يواجه أوهامه قبل أوهام الآخرين.
لن تكون هناك قضية “وطنية” سورية إذا أقصت من أولوياتها أكراد سوريا، وإذا لم تُفتح صفحة جديدة بعد ما يزيد عن عقد من الخراب الذي توالى على تكريسه الطرفان. هذا الرأي ينطلق من الواقع، حيث في المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد هناك المعارضة الواقعة تحت النفوذ التركي مقابل الحماية، وهناك الإدارة الذاتية الكردية تحت النفوذ والحماية الأمريكيين، من دون أن يكون لواشنطن اشتراطات شديدة الوطأة كنظيرتها التركية.
طوال سنوات، منذ التدخل الأمريكي على الأقل، أبرزت المعارضة العربية المسألة الكردية كأنها فيلم شديد الرعب بخاتمته المحتومة، ويُقصد بالأخيرة الوصول الأكيد إلى الانفصال عن سوريا. إذاً، الخطر الكردي يعادل خطر الأسد، بل يتفوق عليه لأن الأسد لن يبقى إلى الأبد مثل تقسيم سوريا “الذي يهدد به الأكراد”. عطفاً على ذلك، إذا كان الخيار بين استقواء الأكراد بأمريكا وعودتهم إلى قبضة الأسد، فليكن الثاني منهما ولو أنه يقوّي الأسد. بين الشقوق، هناك تناقض يُترك عمداً بعيداً عن الإضاءة والنقاش؛ بين توسل الدعم الأمريكي ومحاربة قسد المدعومة أمريكياً، وصولاً إلى تمني الانسحاب الأمريكي ضمن معاداة الإدارة الذاتية، رغم أن الانسحاب سيضعف قدرة واشنطن على الضغط، وسيقلل من اهتمامها بالشأن السوري فوق ضعفه أصلاً.
مع تنامي قوة قسد، واتساع رقعة سيطرتها في الحرب المدعومة أمريكياً على داعش، لم يقصّر أكرادٌ في تأدية أدوارهم ضمن فيلم الرعب ذاته. لقد شهدنا كيف تعاظمت دعاوى الحق الكردي، فلم يعد الحديث مقتصراً على “مناطق ذات أغلبية كردية”، الحديث بات عن الشمال السوري كله، والخرائط المعلنة راحت تضمّ مناطق كانت بعيدة عن السجال القومي ومنها مدينة حلب. انحسرت تلك الأوهام بعد خسارة عفرين والشريط الواقع بين تل أبيض ورأس العين، ومع كل تهديد تركي جديد راح مَن كانوا يحلمون بالسيطرة على الشمال كله يعددون محاسن العودة إلى الأسد بالمقارنة مع التركي والفصائل والمعارضة التابعتين له.
جزء من وقود الحرب المستمرة والمستعرة بين الجانبين هي دعاوى الحق التاريخي، التي من خلالها يريد كل طرف إثبات أصالته في المنطقة وأحقيته على الآخر في أن يكون شعباً. في التاريخ وممالكه الكثيرة المتعاقبة، يستطيع كل طرف أو شخص الاسترخاء على هواه، وأن يرى أحلام اليقظة التي تروق له، وأن يرسم بناء عليها الخرائط كأنه يتمنى لنفسه أملاكاً شاسعة. سبق لقوميين عرب أن رسموا الخرائط لدولة عظمى تأخذ كيليكيا وديار بكر من تركيا، مزاحمين عليهما المطالبات الكردية والأرمنية، ثم انتهت الأحلام إلى الخراب الذي رأيناه في سوريا والعراق، وهذا المصير ليس حكراً على العروبيين، إنه في مستقبل جميع الواهمين من الصنف نفسه.
في الأفلام المبسّطة فحسب يستطيع الكردي جعل أحلامه حقيقة، وفي مثلها يستطيع العروبي تخيّل دولته العظمى الخالية من الإثنيات أو المسيطَر عليها بإحكام. في السياسة التي تقرأ الواقع جيداً، لا أحد منهما سيحصل على سقف أحلامه، ومتى قررا الاحتكام إلى الواقع “الداخلي والإقليمي” سيضطران معاً إلى البحث في حلول ليست من طبيعة فيلم الرعب الكاذب.
تجار الأوهام على الجانبين هم أكثر من يخشى “التورط” في السياسة، العروبي منهما يعيش على ذلك الرعب القائل انظروا إلى الأحلام، وحتى إلى المطالب، الكرديتين اللتين لا تبقيان لنا وطناً. وفي هذا استئناف لقول سابق مفاده: العالم يتآمر علينا لأننا سنكون أقوياء وخطرين في وحدتنا العربية. نظيره الكردي لا يبتعد من حيث آلية التفكير، ونصادف بوفرة شديدة المقولةَ التي تتكرر بصياغات متعددة ومفادها أن الوطن الكردي الواحد ممكن لولا التآمر على حرمان الأكراد منه، لأن وحدته تهدد بتقويض أربعة بلدان.
جلوس الجانبين في سوريا إلى طاولة التفاوض، بنيّة إنجاحه حقاً، سيستبعد دعاوى التاريخ، ويمتحن دعاوى الحاضر، ومنها المتضاربة حول التوزع والغالبية الديموغرافيين “السابقين على تغييرات السنوات الأخيرة وعلى أية تغييرات ممنهجة متعمدة من قبل”. التفاوض أيضاً يختبر شعاراً يرفعه بعض الأحزاب الكردية هو “حق تقرير المصير”، لأن الاتفاق بين الجانبين على برنامج مشترك لا بد أن يتضمن الحد الذي يريده الأكراد من ذلك الشعار، فلا يبقى أسير الأحلام من جانب والمخاوف من جانب آخر.
الخروج من ضغط فيلم الرعب هو ما يتيح مناقشة أفكار تتجنبها أو ترفضها المعارضة المتوجسة منها لصدورها عن الأكراد، وفي مقدمها طرح اللامركزية الذي راح فهمه يُختزل بكونه مطلباً كردياً يمهّد للانفصال. هكذا مثلاً، ضمن النكايات المتبادلة، تُهدر فرصة النقاش الجاد في تفكيك المركزية كركيزة للاستبداد، فيظهر حلم طرف كأنه الإبقاء على سوريا كما كانت، إنما من دون الأسد، في حين لا يمانع الطرف الآخر بمثال على شاكلة الأسد إن كان كردياً، ثم ليفضّل النسخة الحالية طالما أن المعارضة لا تعدِه بالأفضل.
إذا كنا سنقرأ المظاهرات والاحتجاجات السورية الأخيرة، ضد التصريحات التركية، بوصفها استعادة للهدف الأساسي المتمثل بالثورة على الأسد، فمن الضروري نقد ما حدث خلال سنوات تبنت خلالها المعارضة السياسة التركية بأولوية هاجسها الكردي. في المقابل، إذا كانت قسد حريصة حقاً على عدم تنفيذ مخططات أنقرة فإنها ستبحث بجدية في مختلف الحلول التي تجنبها العودة إلى الأسد، وإذا كانت تبحث عن حل مستقبلي أفضل ومستدام فهو بالتأكيد لن يكون في أقبية مخابراته، بل هو في كون الأكراد جزءاً معتبراً من مشروع التغيير الديموقراطي ليكونوا شركاء في حصيلته، بعدما تهاوت فرضيتا التكسب على الفراغ والاستفادة من تناقضات الداخل والخارج.
المدن
———————————-
نائب أردوغان:العلاقات مع النظام السوري قد تصبح مباشرة
قال نائب رئيس حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا حياتي يازجي إن العلاقات غير المباشرة مع النظام السوري، “قد تصبح مباشرة، بالتزامن مع زيادة المناخ الملائم في المستقبل”.
وقال يازجي لصحيفة “خبر غلوبال”: “ثمة العديد من الجوانب لحلّ المشكلات، إلا أن الحوار يبقى الجانب الأهم لحل المشكلات بالعلاقات الدولية”، مشيراً إلى أن الحوار مع النظام السوري أخذ طابعاً غير مباشر خلال الفترة الماضية لكن “عند مستوىً محدد للغاية”.
وأضاف أن هذا المستوى “ارتفع اليوم بعض الشيء، والمناخ الذي سيتشكل بارتفاعه المستقبل سيسهم أكثر في الخروج من هذا المستنقع القائم في سوريا منذ 11 عاماً”.
وحول إمكانية عقد لقاء مباشر بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد، قال يازجي: “لا أستطيع الجزم بحدوث الأمر من عدمه”، ثم استدرك: “الأمر يبدأ من مكان ما، ويمكن أن يرتفع المستوى كما آمل”.
وكانت وسائل إعلام تركية قد تحدثت عن إمكان حدوث اتصال هاتفي بين أردوغان والأسد، بطلب وتنسيق روسي، وبتنسيق ووساطة من دولة عربية خليجية وأخرى أفريقية، إلا أن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو استبعد حدوث الاتصال في الوقت الراهن.
لا عملية عسكرية تركية
ومن جانب آخر، سادت حالة من الترقب في الولايات التركية القريبة من الحدود السورية، على خلفية النداءات التي صدحت بها مآذن بلدة قرقميش جنوبي تركيا، تطلب منهم البقاء في المنازل لأن الجيش التركي سينفّذ عملية عسكرية ضد حزب “العمال” الكردستاني.
لكن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو نفى هذا الأمر، وقال إن “الإعلان الذي أُذيع في مساجد قرقميش بشأن شنّ القوات التركية عملية عسكرية في سوريا، تجاوز الغرض المطلوب”، داعياً الاتراك لعدم الخوف والذعر من التحذيرات، موضحاً ان السلطات لم تفرض حظراً للتجوال.
وفي السياق، قال والي ولاية غازي عنتاب التركية داود غول إن الأمر لم يخرج عن “الوضع الروتيني”، لافتاً إلى أن التحقيقات بدأت بحق الموظفين المسؤولين عن ذلك الإعلان، بسبب تجاوز الغرض منها.
وفي غضون ذلك، دخلت ثلاثة أرتال عسكرية للجيش التركي من معبر جرابلس الحدودي مع سوريا، واتجهت إلى القواعد التركية المنتشرة في مناطق مارع وأعزاز شمالي حلب. وضمت الأرتال معدات عسكرية وآليات ثقيلة وناقلات جند.
أما بخصوص تحليق الطائرات الحربية التركية تزامناً مع إعلان حظر التجوال، أوضح مصدر في الجيش الوطني ل “المدن”، أن الاستخبارات العسكرية نفّذت مع الجيش التركي عملية عسكرية خاطفة ومحدودة إلى الجنوب من بلدة قرقميش، واستهدفت بها نقاطاً متقدمة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بالتزامن مع قصف تلك النقاط مع الطائرات الحربية.
——————————
هل ترغم “قسد” أردوغان على التطبيع مع الأسد؟/ جوان سوز
التطورات الميدانية في شمال سوريا تقود إلى إمكانية أن تشكل “قسد” القاسم المشترك الذي قد تقوم عليه مصالحة محتملة بين أنقرة ودمشق، اللتين باتتا تتشاركان في الشكل ذاته من الضغوط السياسية والاقتصادية في الداخل والخارج.
تواصل تركيا ومعها الميليشيات السورية التي أسستها تحت مسمّى “الجيش الوطني السوري”، استهداف المناطق الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” في أرياف ثلاث محافظاتٍ سوريّة هي حلب والرقة والحسكة، إذ تروّج وسائل إعلامٍ تركّية ممولة من الحكومة وأخرى سوريّة داعمة لها لعملية عسكرية جديدة تعتزم أنقرة شنّها ضد “قوات سوريا الديمقراطية”، المدعومة من الولايات المتّحدة في حربها على “داعش”. فما الحجج التي تستند إليها أنقرة للقيام بمثل هذا التصعيد في منطقة شبه آمنة، وما حقيقة بدء هذه العملية بالفعل؟
تعد تركيا الدولة الوحيدة التي تصنف “قوات سوريا الديمقراطية” كجماعة “إرهابية”، بذريعة أنها تشكل خطراً على أمنها القومي، إذ تجد فيها امتداداً لحزب “العمال الكردستاني” الذي يشنّ تمرّداً مسلّحاً ضدها منذ عام 1984، لكن في الواقع مهمة “قسد” وهي ائتلاف عسكري يضم وحدات كردية مسلّحة وجماعات مسلّحة عربية وأخرى سريانية- آشورية وأرمنية، انحصرت منذ تأسيسها في مواجهة “داعش” والحفاظ على الأمن في مناطق نفوذها، ولم يسبق أن هاجمت الأراضي التركية انطلاقاً من أماكن سيطرتها. أو كان هدفها مواجهة تركيا التي تتهم هذه القوات باستهداف أراضيها دون أن تقدّم أي أدلة تؤكد حصول ذلك.
إضافة إلى عدم استهداف “قسد” الداخل التركي، فإنها أيضاً لا تقتصر على الأكراد، فعناصرها ينحدرون من مناطقٍ سوريّة مختلفة ومن خلفيات عرقية ودينية متعددة، وهم مواطنون سوريون لا يحملون الجنسية التركية، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار الدعم الأمريكي المقدّم لـ “قسد”، فهذا يعني أن واشنطن تميّز بينها وبين “العمال الكردستاني” الذي تصنفه بدورها كمنظّمة “إرهابية”، وإلا لما كان بإمكانها الدعم لمقاتلين وضعت حزبهم على لوائح “الإرهاب”. وهو ما يتعارض مع منح أنقرة، الحق في محاربة هذه القوات على الأقل لعدم حمل عناصرها الجنسية التركية ولتعاونهم مع حليف أساسي لأنقرة هو واشنطن، ناهيك بوجودهم خارج حدودها، فلا أرضية لمنطق محاربة “قسد” أو اعتبارها إرهابية استناداً إلى وجود تقارب ايديولوجي لفكر بعض عناصرها مع توجهات “العمال الكردستاني”.
ومع ذلك تتخذ تركيا من مسألة محاربة “العمال الكردستاني” ذريعة لاستهداف “قسد”، على خلفية وجود مقاتلين أكراد في صفوفها، انطلاقاً من نظرية اليمين التركي الذي يرى في كلّ كردي عضواً في “العمال الكردستاني”، تجب محاسبته. على سبيل المثال، طالبت أنقرة السويد تسليمها البرلمانية الكردية أمينة كاكاباويه شرطاً لموافقتها على انضمام ستوكهولم لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، برغم أن كاكاباويه هي مواطنة سويدية من أصل إيراني، ولا صلاتٍ بينها وبين تركيا التي لا تحمل جنسيتها والتي اتهمتها بدعم “الإرهاب” والعضوية في “العمال الكردستاني”!
علاوة على مطالبة أنقرة السويد بتسليمها البرلمانية الكردية، كرر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكثر من مرة منذ نحو ثلاثة أشهر رغبة بلاده بشنّ هجومٍ جديد سيكون الرابع الذي يستهدف “قسد” بعد ثلاث عمليات عسكرية سابقة أطلقت عليها أنقرة اسماء “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام” والتي على إثرها سيطر الجيش التركي والميليشيات التابعة له من المتمرّدين السوريين المعارضين لنظام الرئيس بشار الأسد على مناطق واسعة من شمال سوريا، من ضمنها مدينة عفرين ذات الغالبية الكردية في شمال غربي البلاد، إضافة إلى منطقتين ذات غالبية كردية أيضاً، هما تل أبيض ورأس العين في شمال شرقي البلاد.
وبرغم ذلك لم تعلن وزارة الدفاع التركية حتى الآن بدء هجوم جديد كما جرت العادة، فمثل هذه العمليات تعلن عنها حصراً وزارة الدفاع إلى جانب أن الرئيس التركي يطلع الأحزاب المتحالفة معه والمعارضة له في البلاد على خططه العسكرية عند تنفيذها، باستثناء حزب “الشعوب الديمقراطي” المؤيد للأكراد باعتباره يعارض العمليات العسكرية التركية ليس في سوريا فقط، بل أيضاً في ليبيا والعراق والمنطقة المتنازع عليها بين أرمينيا وآذربيجان في إقليم ناغورني قره باغ.
وتزامنت التهديدات التركية هذه المرة مع استهداف أنقرة والمتمرّدين السوريين مناطقٍ وبلدات سوريّة تخضع لسيطرة “قسد”، كما حصل في مدينة القامشلي أخيراً، ما يوحي بتنفيذ الرئيس التركي تهديداته كما تروّج وسائل الإعلام الحكومية في بلاده وتلك التي تدعم المتمرّدين على حكم الأسد، لكن في الواقع فإن الاستهداف التركي المتكرر لهذه المناطق لم يتوقف منذ الهجوم الأخير الذي أطلقت عليه أنقرة اسم “نبع السلام” في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، والذي توقّف بعد حصول اتفاقٍ مزدوج بين أنقرة وواشنطن من جهة وأنقرة وموسكو من جهة أخرى، وقضى بإبعاد “قسد” من الحدود التركية لمسافة تجاوزت 30 كيلومتراً.
ومع أن “قسد” التزمت بالاتفاقيتين وانسحبت بالفعل من الحدود مع تركيا، بعدما أوكلت المهمات الأمنية في المناطق الخاضعة لسيطرتها والواقعة على الحدود التركية إلى قوى الأمن الداخلي والمعروفة بالكردية بـ “الآسايش” إلى جانب المجالس العسكرية المحلية، إلا أن الهجمات التركية لم تتوقف وعاود الرئيس التركي الحديث عن عملية عسكرية جديدة بذريعة مكافحة “الإرهاب” و”حماية الأمن القومي” التركي!
إن المخاوف التركية من “قسد” تكمن ببساطة في وجود الأكراد في صفوفها ضمن تجربتها العسكرية التي تتعارض مع سلوك أنقرة الرافض لكل ما هو كردي، وإلا فلماذا لم يحارب الجيش التركي تنظيم “داعش” حين كان يسيطر على معظم الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا؟ وما سر اختباء معظم قادة “داعش” الكبار الذي قُتِلوا في غاراتٍ أميركية في مناطقٍ سورية تخضع لسيطرة أنقرة؟ ففي أرياف إدلب قُتِل أبو بكر البغدادي الزعيم الأسبق للتنظيم ومن ثم خليفته وقادة آخرون!
لقد أُثيرت شكوك كثيرة حول علاقة تركيا بـ”داعش” في السنوات الماضية، وبرغم وجود هذا التنظيم على حدودها، إلا أنها لم تتحرك لمحاربته كما تفعل اليوم مع “قسد” وما تُطلق عليه اسم “الإرهاب الكردي”، حتى إن عمليتها العسكرية المزعومة والتي أطلقتها في صيف 2016 ضد “داعش” في منطقتي جرابلس والباب السوريتين، كانت بحد ذاتها دليلاً على علاقتها بهذا التنظيم، إذ لم نرَ حتى الآن صوراً لأسرى التنظيم أو العناصر الذين قتلوا في غضون تلك العملية التي كانت تهدف بالدرجة الأولى إلى قطع التواصل الجغرافي بين مدنٍ كانت تسيطر عليها “قسد”.
من المؤكد أن تركيا لم تحارب “داعش” كما يجب، حتى إن كبار المسؤولين في هذا التنظيم قتلوا في مناطق سوريّة تخضع لسيطرتها، كما حصل عند مقتل البغدادي وعبدالله قرداش ومسؤول آخر ألقى التحالف الدولي القبض عليه في عمليةٍ مشتركة مع “قسد” في شهر تمّوز/ يوليو الماضي في بلدة جرابلس، التي تخضع لسيطرة الجيش التركي والمتمرّدين السوريين المدعومين منه. وهو ما يؤكد وجود علاقة متواصلة بين الطرفين، ناهيك بانضمام مقاتلين سابقين من “داعش” إلى جماعاتٍ سوريّة مدعومة من أنقرة مثل “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” وميليشيات المتمرّدين المعروفة بـ”الجيش الوطني”، وهذا يعني أن هدف تركيا الأساسي في سوريا يكمن في محاربة الأكراد لا سيما أولئك الذين ينتمون لـ “قسد”.
بيد أن المعطيات الحالية تشير إلى أن الوسيلة التركية الأخيرة لمحاربة “قسد” تكمن في نظام الأسد، فقد أعلن الرئيس التركي بعد قمة سوتشي الأخيرة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين يوم الخامس من اغسطس/آب الجاري أن التعاون مع نظام الأسد يبدو “حلّاً منطقياً”، وقد سبق ذلك إعلان وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو عن رغبة بلاده في دعم نظام الأسد لمواجهة “قسد”، وبالتالي قد ترغم “قوات سوريا الديمقراطية” أردوغان أخيراً على التطبيع مع دمشق، بعدما فشلت أنقرة في شن عملية عسكرية جديدة ضدها إثر رفض واشنطن وموسكو وطهران لهذا الهجوم.
دأبت موسكو منذ عام 2019، على الإشارة إلى “اتفاقية أضنة”، التي تمنح تركيا “حق مطاردة الإرهابيين بعمق 5 كلم داخل الأراضي السورية”، سبيلاً وحيداً لتبديد “مخاوف أنقرة الأمنية”، مؤكدة للرئيس التركي أن لا حل للقضاء على ما تسمّيه “الإرهاب الكردي”، إلا من خلال التعاون مع الأسد. وعلى رغم أن هذه الفرضية لم تلق حماسة من أنقرة في حينه، إلا أن التغيرات السياسية في المنطقة، وبخاصة بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، والالتصاق التركي بإيران وروسيا بالتزامن مع ابتعادها من أوروبا، جددت من حظوظ هذا النهج، وهو ما بات واضحاً من توقيت التصريحات التركية غداة اجتماعَي استانة في طهران وسوتشي الأخيرين.
كما أفادت صحيفة “تركيا”، المقرّبة من الحكومة التركية، بإمكانية حصول اتصال هاتفي بين أردوغان وبشار الأسد، وذلك بناءً على النصيحة التي قدمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للرئيس التركي. وعللت الصحيفة هذه الخطوة بفشل أنقرة في الحصول على ضوء أخضر، من أجل عمليتها العسكرية في سوريا في كل من قمتي طهران وسوتشي، ما دفعها للبحث عن “عملية مشتركة” (مع دمشق) في شمال سوريا.
وقبل أيام، وفي معرض ردّه على سؤال حول نبأ الصحيفة التركية، كشف تشاويش أوغلو عن محادثة أجراها مع نظيره السوري فيصل المقداد في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، على هامش اجتماع دول عدم الانحياز. وعلى رغم محاولة وزير الخارجية التركي التقليل من وزن هذه المحادثة التي سماها “الدردشة وقوفاً قبل موعد الغذاء”، إلا أنه أعاد تأكيد استعداد أنقرة للتطبيع، مقابل التزام الأخيرة بمحاربة الإرهاب، الذي يقصد به تركياً “قسد” والمجموعات المسلّحة الأخرى في مناطق شرق الفرات.
التطورات الميدانية في شمال سوريا تقود إلى إمكانية أن تشكل “قسد” القاسم المشترك الذي قد تقوم عليه مصالحة محتملة بين أنقرة ودمشق، اللتين باتتا تتشاركان في الشكل ذاته من الضغوط السياسية والاقتصادية في الداخل والخارج، إضافة إلى التشارك بحليفين قويين هما موسكو وطهران.
درج
————————-
تركيا بين السوريين ونظام الأسد/ فايز سارة
يناقش بعض السوريين قضية احتمال استعادة العلاقات التركية مع نظام الأسد وكأنها لب القضية السورية، مستندين إلى عوامل ومعطيات، تتصل بموقع وعلاقات تركيا بالقضية السورية، منها وجود نحو أربعة ملايين سوري مقيمين فيها، وحضور أغلب جماعات المعارضة فيها، وصلات أغلبهم مع الدولة التركية وأجهزتها، إضافة إلى وجود عميق ومتعدد الأوجه في منطقة السيطرة التركية شمال غربي البلاد، البالغ سكانها نحو أربعة ملايين نسمة، كما يستند البعض في نقاش القضية إلى ما يأملون من سياسة تركيا باعتبارها بلداً محكوماً بحزب إسلامي شقيق للإسلاميين السوريين، وتربطها بسوريا والسوريين روابط كثيرة تاريخية دينية وثقافية، وهي أبرز البلدان التي ناصرت ثورة السوريين.
وإذا كان من حق الجميع أن يطرحوا أفكارهم ووجهات نظرهم حول موقع ودور تركيا في القضية السورية، فإن ذلك لا يجعل من الدور التركي محورياً، ولا يجعل موضوع احتمال استعادة علاقات تركيا مع نظام الأسد أمراً شديد الخطورة في القضية، وكله لا يبرر ولا يستحق ما يبدو أنه ردة فعل سورية، إلا من باب أن ليس لدى السوريين سوى نقد الآخرين واتهامهم، بدل أن يفعلوا ما ينبغي أن يفعلوه، ومنه تجاوز الغضب على الأتراك ليشمل الدور الروسي في التأثير على تركيا، أو وضعهما في سلة واحدة.
ارتبطت تركيا مع نظام الأسد بعلاقات قوية قبل عام 2011، غير أن العلاقات تردت بشكل متسارع في ضوء عدم استجابة النظام لنصائح الأتراك، ومساعيهم لإيجاد حل، وهو سلوك كرسه الأسد مع كل المساعي العربية والدولية، وفتحت تركيا أبوابها أمام السوريين طبقاً لمصالح تركيا الكبرى، دون إغفال أسباب إنسانية وأخلاقية، كان من الصعب تجاوزها أمام المقتلة السورية، وجاء إلى تركيا معارضون من تلاوين مختلفة وسط أمل بحل قريب؛ لكن الوقائع جرت بصورة مختلفة؛ حيث توالت تطورات محلية وإقليمية ودولية، فرضت آثارها وتعقيداتها، وأطالت فترة الصراع في سوريا وحولها، لا سيما بعد دخول روسيا خط الصراع، مما دفع تركيا نحو تبديل بعض من تفاصيل موقفها السوري وعلاقاتها مع السوريين وتشكيلاتهم السياسية والمسلحة. ومن هذه النقطة يمكن مناقشة فكرة احتمال الانفتاح التركي باتجاه نظام الأسد.
إنَّ الأبرز في دوافع الانفتاح التركي على نظام الأسد، يتمثل في نقاط أبرزها أربعة: الأولى تصاعد مطالب الأحزاب التركية لتغيير سياسة أنقرة السورية، لتشمل ترحيل السوريين أو جزء منهم، والحد من الوجود والتدخل التركي في سوريا، والانفتاح على نظام الأسد، وهذه التوجهات لم تعد حكراً على أحزاب المعارضة؛ بل امتدت إلى حزب «العدالة والتنمية» الحاكم. والثانية تمثلها الضغوط الروسية- الإيرانية على أنقرة التي انتظمت منذ عام 2016 في إعلان موسكو حول سوريا، من أجل تقارب سياسات الدول الثلاث في سوريا، وبالاستناد إليها توبعت على مدار السنوات الماضية مساعي الثلاث عبر آستانة وسوتشي، بهدف دمج تركيا في مسار الحل الروسي. والنقطة الثالثة صعود موجة دولية للانفتاح على نظام الأسد والتواصل معه، ولو في قضايا محددة، منها إعادة النازحين واللاجئين إلى سوريا، ووجود أكبر مجموعة منهم في تركيا؛ حيث يبلغ عدد السوريين في تركيا قرابة الأربعة ملايين نسمة.
النقطة الرابعة، وهي الأكثر أهمية وإثارة في الموضوع، وجوهرها رغبة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في تجديد فترة رئاسية جديدة، وتأكيد بقائه في المشهد السياسي التركي، وكلاهما أمر ينبغي أن تؤكده الانتخابات الرئاسية المرتقبة عام 2023، وهو ما يعمل عليه إردوغان وحزبه بكل جهد وجدية مع الجميع وفي كل المستويات والمجالات، من دون الدخول في مواجهات داخلية أو سياسات خارجية ذات أثر سلبي على ما يتمناه من النتائج التي يرغب أن ترسمه زعيماً لتركيا في مواجهة زعامة كان قد كرسها كمال أتاتورك طوال القرن الماضي.
إن أخذ إردوغان وحزبه النقاط الأربع من أجل تجديد سياسة تركيا السورية، أمر مؤكد؛ بل إن تجديدها دخل طور التنفيذ وفق كل المعلومات والتسريبات التي تخرج من مطبخ السياسة التركية في أنقرة، الذي يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أن الأمور تجري بطرق سلسة على قاعدة عدم الرغبة في استفزاز أحد، بما فيهم السوريون في تركيا، أو في منطقة السيطرة التركية شمال غربي سوريا.
ووفق مجددي سياسة أنقرة، فإنَّ فتح الباب للعلاقة مع نظام الأسد، خطوة نحو تحريك القضية السورية، وطرق أبواب جديدة فيها، واجتماعات آستانة يمكن أن تعوض الإغلاق الذي صار إليه مسار جنيف؛ خصوصاً بعد تعطيل اجتماعات اللجنة الدستورية، وتأكيد دور تركيا في سوريا؛ لا سيما في شمالها، الذي يركز في الحرب على «قوات سوريا الديمقراطية» تحت لافتة الأمن القومي التركي. وعودة السوريين من تركيا لا تشمل الجميع، رغم تنامي النزعة العنصرية ضد السوريين؛ بل خطة مليون سوري تكون عودتهم طوعية وبشروط مقبولة يتم توفيرها، بينما يجري الإعداد لها من بنى سكنية وخدمية في منطقة السيطرة التركية.
سياسة تركيا السورية بمحتوياتها القديمة منها والجديدة، سوف تسعى لتكون هادئة قدر المستطاع، عينها مفتوحة على الهدف الرئيس، وهو تمرير الوقت بأقل قدر من الخسائر، وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية عام 2023 التي قال عنها إردوغان: فزنا بـ15 جولة انتخابات، وعازمون على تحقيق فوز آخر عام 2023، وفي الطريق إلى الاستحقاق ستكون الخطوات محسوبة، ولا تشكل فارقاً عميقاً في سياسة تركيا السورية؛ لأن من المبكر تجاوز ما خلفته تطورات العقد الماضي من آثار في تركيا وفي سياساتها. من الصعب تجاوز ما يعنيه الوجود السوري في تركيا الذي يبلغ نحو أربعة ملايين من السكان، بينهم نحو مليون من العاملين بأجور مخفضة وساعات عمل أطول، وأكثرهم غير مسجل في أي نظام تأمين، مع وجود نحو مائتي ألف سوري صاروا من حملة الجنسية التركية، ووصول عدد الشركات التي يملكها سوريون في تركيا إلى نحو ثلاثة عشر ألف شركة، تشكل نحو الثلث من مجموع الشركات المملوكة للأجانب، وتجاوز حجم استثمارات السوريين هناك ما مجموعه مبلغ عشرة مليارات دولار، ويستدر وجود السوريين في تركيا مالاً تدفعه مؤسسات ومنظمات دولية ودول على شكل إعانات ومساعدات، ومنها مساعدات الاتحاد الأوروبي، تديرها وتستفيد منها الحكومة التركية، كما تدخل إلى تركيا مساعدات أهلية يقدمها أفراد إلى ذويهم وعائلاتهم، لرفع قدراتهم على العيش في تركيا؛ لا سيما بعد الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد في السنوات الأخيرة، وخلفت بطالة وغلاء وفقراً متزايداً في أوساط الفئات الدنيا من السوريين هناك.
وبالتوازي مع حال السوريين في تركيا التي سيكون من الصعب على تركيا التعامل معه بالانقلاب عليه أو تجاهله، فإن من الصعب عليها تجاهل واقع نظام الأسد على ما به وما صار إليه من تردٍّ في السياسات أدى إلى خراب شبه كامل للدولة والمجتمع في كل المستويات؛ بل هو عاجز عن مجرد إيجاد مخارج من نتائج تلك السياسات.
وسط لوحة معقدة من معطيات وظروف، تتحرك أنقرة سواء لتمرير الوقت، أو للقيام بدور عجز أو عزف آخرون عن القيام به، فإنها مستفيدة، والسوريون بعد أن خسروا الكثير، قد يربحون فتحاً لمسار حل يوقف الترديات تحت ظل سلطات الأمر الواقع، ووسط لاجئي دول الجوار، وإن لم يربحوا ذلك، فإن تمرير الوقت لن يعطي أحداً قدرة على تعريض وجود السوريين في تركيا إلى خطر كبير.
الشرق الأوسط
————————–
الخطة 99/ عروة خليفة
منذ بدء المنافسة المبكّرة على الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية المُقرَّرة أواسط العام المقبل، تكاثرت التصريحات السياسية الداعية لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم وفق خطط مختلفة، وأحياناً متباينة، إلّا أن جميع أفرقاء السياسة التركية في السلطة والمعارضة شاركوا في هذه الدعوات، التي تم تقديمها على أنها استجابةٌ لمطلبٍ شعبي لم يتم قياسه بدقة في الحقيقة، كما أنها كانت أحد أبرز مواضيع النقاش السياسي في تركيا خلال الفترة الماضية.
لكن إلى أين يعود السوريون؟ هناك عدّة اقتراحات تركية؛ كالتي قدمها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال خطبته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2019، حين حمل صوراً لمشروع بناء وحدات سكنية ضمن مجمعات صغيرة متوسطة الحجم ضمن الشريط الحدودي السوري مع تركيا، وتتألف كلٌّ منها من طابقين وأرضٍ صغيرة يمكن زراعتها حسب التصور الذي قدمّه الرئيس التركي.
بالفعل جرت إقامة مثل تلك التجمعات، لكن ليس من قبل الحكومة التركية بل نفذتها منظمات إنسانية سورية محلية بهدف إيجاد سكن بديل عن الخيام للنازحين في الشمال. لم تنتشر هذه التجربة على نطاق واسع بسبب التكلفة، وقبل ذلك بسبب عدم موافقة الأمم المتحدة على دعم الفكرة نتيجة تعقيدات كثيرة من بينها مسألة ملكيات الأراضي والخوف من التغيير الديموغرافي. على أيّ حال، حظي المشروع الذي قدمه الرئيس التركي في الأمم المتحدة بدعم من دولة قطر فقط، ولم يجرِ حتى اليوم تنفيذ أيّ من تلك الوحدات السكنية ضمن مناطق النفوذ التركي في شمال سوريا.
ثمة اقتراحٌ آخر قدمه بدايةً زعيم أكبر أحزاب المعارضة التركية كمال كليجدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري، وهو استعادة العلاقات مع النظام السوري والاتفاق معه على السماح للاجئين السوريين في تركيا بالعودة مع تقديم ضمانات بشأن حياتهم وممتلكاتهم. يبدو هذا الاقتراح من وجهة النظر التركية أكثر سهولة، فهو لا يحتاج إلى مشاريع سكنية كبيرة ولا إلى تمويل ضخم من الأمم المتحدة أو جهة أخرى.
جرى تدوير هذا الاقتراح في دائرة التصريحات السياسية التركية، وبدأ الحزب الحاكم بالتفاعل الجدي معه خلال العام الماضي، لتبدأ التصريحات التي تتحدث عن اتصالات مباشرة أو غير مباشرة بين الحكومة التركية وأفراد من حكومة النظام السوري مثل علي مملوك (رئيس مكتب الأمن الوطني لدى النظام)، وكان آخرها تصريح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عندما تحدَّثَ عن لقاء سريع جمعه مع وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد في مؤتمر دول عدم الانحياز، الذي أقيم في العاصمة الصربية بلغراد العام الماضي، وتحدَّثَ في التصريح ذاته عن ضرورة الوصول إلى مصالحة بين النظام والمعارضة من أجل حلّ مشكلة اللاجئين.
لعلّ وزير الخارجية التركي، وكذلك مُحرِّرَ القسم العربي في وكالة الأناضول للأنباء التي نقلت الخبر، لم ينتبها إلى أنّ كلمة «مصالحة» تحمل في الذاكرة السورية محمولاً شديد السلبية، نتيجة ما أُطلقَ عليه اتفاقات المصالحة بين النظام السوري وفصائل محلية في عدد من المناطق، انتهت عملياً بانقلاب النظام على الاتفاقات والعمل على القضاء التام على أي وجود معارض لحكمه، خاصةً بعد أن حظي بدعمٍ عسكري من موسكو ابتداءً من عام 2015 وحتى العام 2018 حين استطاع إنهاء وجود فصائل المعارضة التي سيطرت على مناطق ثارت على النظام منذ 2011 في معظم البلاد، بما في ذلك المناطق التي كانت تخضع لاتفاقيات دعيت باتفاقيات المصالحة مثل جنوب دمشق، وتمّ تهجير جزء من سكّانها إلى الشمال السوري.
هكذا اعتبر السوريون المعارضون للنظام السوري، وخاصةً أولئك الذين شاركوا في فعاليات الثورة السورية منذ العام 2011، أنّ التوجه التركي للمصالحة مع النظام سيُفضي إلى القضاء النهائي على أي جيب معارض له، كما سيفضي إلى تسليم سكّان الشمال السوري واللاجئين السوريين في تركيا إلى آلة الاعتقال والبطش التي بقيت مستمرة إلى اليوم في مناطق سيطرة نظام بشار الأسد (نمت آلات مشابهة في مناطق سلطات الأمر الواقع الأخرى، أحياناً بالاعتماد على خبرات منشقين عن أجهزة الأمن ذاتها التابعة للنظام السوري).
بذلك اكتسبت الاحتجاجات التي خرجت في بلدات الشمال السوري، يوم الجمعة الفائت 12 آب (أغسطس) تحت شعار لن نصالح، معنىً جديداً قد يكون غير مسبوق، على الأقل ضمن هذا المستوى العام وبالذات في تلك المناطق التي تخضع للنفوذ التركي. كانت شعارات المظاهرات توجه رسالةً مباشرة للحكومة التركية، تقول إن التصالح مع النظام أو الاتفاق معه غير مقبول، وهو ما دفع عدداً من الشخصيات العسكرية التابعة لتركيا، والخاضعة عادةً للمزاج السياسي التركي تماماً حتى في مواجهة مجتمعاتها المحلية، إلى رفض تلك التصريحات. صدرت أيضاً تصريحات مماثلة عن الائتلاف السوري، الخاضع بدوره لنفوذ تركي لا يقل عن ذلك الذي يؤثر في الفصائل التي تسيطر على ريف حلب وعفرين.
قامت وكالة أنباء الأناضول التركية شبه الرسمية بتغيير الكلمة لاحقاً من «مصالحة» إلى «اتفاق»، وصدرَ بيان عن وزارة الخارجية التركية يؤكد على التزام تركيا بقرار الأمم المتحدة 2254 الذي يُعَدُّ المرجعية الدولية الرئيسية للحل السياسي في سوريا، بما يشمل تغييراً جذرياً في النظام السياسي وإنشاء سلطات انتقالية بصلاحيات واسعة. بعد تلك الإجراءات التي عُدَّت امتصاصاً للغضب الشعبي في مناطق النفوذ التركي، بالإضافة إلى إدلب التي تسيطر عليها «هيئة تحرير الشام» وحكومتها الدمية «حكومة الإنقاذ» مع وجود عسكري تركي، أعلنَ «الجيش الوطني»، وهو المسمى الرسمي للفصائل التابعة لتركيا، عن اعتقال عدد من المتظاهرين الذين اتهمهم بحرق العلم التركي في مدينة إعزاز مساء يوم الخميس السابق لتظاهرات الجمعة، وقام بتسليمهم للسلطات التركية.
عمليات التسليم تجري يومياً أيضاً في الاتجاه المعاكس، حيث تقوم السلطات التركية بترحيل أعداد من السوريين من تركيا إلى مناطق الشمال السوري، تحديداً مناطق نفوذ فصائلها في شمال حلب وعفرين. وقد اتخذت السلطات التركية قراراً غير معلن بترحيل أي شخص يكون محلَّ شكوى حتى قبل الفصل في هذه الشكوى قضائياً، بالإضافة إلى أن كل السوريين الذين يقومون بأي إجراءات في المخافر التركية معرّضون للترحيل أياً كان الإجراء. هناك حوادث موثقة حول ترحيل سوريين تقدموا للشهادة في حوادث دون أن يكونوا طرفاً فيها، إذ قام عناصر المخفر بتحويلهم إلى سجن الترحيل بعد إنهاء إجراءات الشهادة.
على الرغم من كل ذلك، لا يبدو إلى الآن أنّ هناك أي خطة يمكن أن يُقدمها أي طرف في تركيا لإعادة 3.7 مليون لاجئ سوري. لن يقبل النظام السوري بذلك بطبيعة الحال نتيجة عدّة أسباب، من بينها انهيار الخدمات العامة في مناطقه وعدم قدرته على تحمل تكاليف أعداد جديدة من السكّان، والتهديد الأمني الذين سيمثلونه بالنسبة له نتيجة وجود أعداد كبيرة من المعارضين والثائرين عليه بينهم، ما سيتطلب منه تفريغ أعداد كبيرة من عناصر أجهزته الأمنية والمتعاونين معهم. أما خيار حصر قرابة الأربعة ملايين لاجئ في المناطق الحدودية إلى جانب أربعة ملايين آخرين، نصفهم نازحون داخليون ونسبة كبيرة منهم تعيش في المخيمات، فلا يبدو أنّه خطةٌ ستحظى بدعم جدي من أي جهة، وهي خطة لا يمكن تنفيذها على أي حال دون وجود موارد غير موجودة في تلك المنطقة.
بالمقابل، لن توقف تلك العقبات استمرار التصريحات التركية حول مسألة اللاجئين، فالموضوع بالتأكيد مُحبَّب لجميع الأطراف السياسية أكثر من الحديث عن حلّ مسألة التضخم الكارثي الذي يشهده الاقتصاد التركي منذ سنوات، والذي تفاقم مؤخراً بطريقة تنذر بعواقب تهدد استقرار البلد. وكما في حالة مسألة اللاجئين، لا يبدو أنّ هناك طرفاً سياسياً تركياً يمتلك حلّاً لمسألة التضخم، إلا أنّ الحديث عن مسألة إعادة اللاجئين على ما يبدو أكثر سهولة، فبالإضافة إلى إبعاد الأنظار عن مواضيع أساسية مثل الاقتصاد، يفيد حديث اللاجئين في حشد جماهير واسعة تحت شعارات عنصرية ودعوات كراهية موجهة ضد الأجانب، وتحديداً السوريين، يبدو أنّها تلقى رواجاً ويمكن ترجمتها في صناديق الاقتراع.
يقيم معظم السوريين اليوم في تركيا تحت بند الحماية المؤقتة، وهو قانون استُحدِثَ خصيصاً لهم، يعطيهم الحق بالحصول على هوية تعريفية ورقم وطني تركي يبدأ بالرقم 99 تمييزاً له عن الرقم الوطني للمواطنين الأتراك. تُمكّنهم تلك الهويات من الوصول إلى الخدمات العامة في تركيا مثل الصحة والتعليم، ويحتاجون بالمقابل إلى إذنٍ من دائرة الهجرة التابعة للمنطقة التي يعيشون فيها من أجل القيام بالعديد من الأمور، من بينها السفر بين الولايات التركية والسفر خارج تركيا (بلا عودة) أو تغيير مكان إقامتهم (قامت الحكومة التركية مؤخراً بمنعهم من السكن في قرابة الألف حي في عموم البلاد) والكثير غيرها.
آخر التحديثات على المشروع التركي لتوطين اللاجئين في المنطقة الحدودية يتحدث عن قدرتهم على الاحتفاظ بتلك الهويات والأرقام الوطنية التركية الخاصة بالأجانب، والاحتفاظ بنفاذ محدود إلى تركيا في مواعيد محددة مسبقاً ولفترات قصيرة، فيما يحمل السكّان في مناطق النفوذ التركي هويات مشابهة لا تعطيهم الحق في الدخول إلى تركيا. يمكن وصف الوضع القانوني للاجئين السوريين في تركيا بالعديد من الأوصاف، أولها عدم وجود اعتراف رسمي تركي بكونهم لاجئين يملكون حقوقاً وفق القوانين الدولية.
حالة البين بين هذه هي الخطة التي تسير عليها الحكومة التركية منذ عشر سنوات، إنها الخطة 99 التي تعني أنّ لا أحد يعلم يقيناً ما هو الحل، غير أن توجيه اللوم للضحايا واللاجئين الذين هربوا من عمليات القصف والقتل والاعتقال سهلٌ للغاية اليوم في كل مكان في تركيا، فهؤلاء بشر فائضون عن الحاجة، وجودهم مشكلة على طرفي الحدود، لا يمكن نقلهم ولا يريد أحدٌ تَحمّل وجودهم. سيقترح السياسيون كثيراً من الحلول والخطط، ربما سيقترح سياسيُّ متطرّف تقديم دعمٍ مادي للنظام لبناء سجون ومعتقلات جديدة تستوعب تلك الأعداد. هذا الحل بالنسبة لمثل هؤلاء هو بالتأكيد أسهل من مواجهة المشكلات الحقيقة لبلاده
موقع الجمهورية
——————————–
ليلة رفض المصالحة/ هشام حاج محمد
جاء كشفُ وزير الخارجية التركية عن محادثة قصيرة جمعته مع وزير الخارجية السوري العام الماضي، وحديثه ضرورة تحقيق «مصالحة بين المعارضة والنظام بطريقة ما»، مترافقاً مع تأكيده على أن روسيا تريد أن يجري اتصالٌ بين تركيا والنظام السوري، وأنها اقترحت عقد لقاء بين الرئيسين التركي والسوري. وقد جاءت هذه التصريحات تأكيداً على مصداقية تسريبات صحفية سابقة حول احتمال إجراء اتصال بين بشار الأسد وأردوغان بناء على نصيحة بوتين، كما أنها جاءت متناغمة مع تصريحات سابقة لوزير الخارجية التركي نفسه، قال فيها إن بلاده «ستقدم كل أنواع الدعم السياسي للنظام السوري» إذا أراد الأخير مواجهة قسد.
وفي ظروف احتجاج مستمرة يشهدها الشمال السوري الواقع تحت النفوذ التركي لأسباب مختلفة أغلبها معيشي، جاء خروج مظاهرات يومي الخميس والجمعة الماضيين التي شملت كل مدن وقرى الشمال، وذلك احتجاجاً على تصريحات الوزير التركي ورفضاً لدعوة المصالحة التي يراها الوزير سبيلاً إلى «سلام دائم»، ووسيلة «لمنع انقسام سوريا» حسب تعبيراته.
من واقع التظاهر في الشمال السوري
لا أُذيعُ سراً إذا قلت إن المظاهرات التي تحدث في المُحرَّر ضد النظام، منذ أن استقرت حدوده الجغرافية في السنتين الأخيرتين بعد آخر عملية عسكرية شنها النظام على ريفي إدلب وحلب، تثير تذمّر قسم غير قليل من جمهور الثورة السورية. ينطلق هذا التذمر من سؤال جدوى التظاهر، إذ ما فائدة أن تخرج مظاهرة ضد النظام في مدينة آمنة نسبياً مثل اعزاز أو سرمدا؟ وإلى أين سيصل صوتها؟ لقد أدّى غياب آليات ضغط الشارع بالتظاهر إلى نزعِ تأثير المتظاهرات، وأفرغها من أهميتها في عيون كثيرين ممّن يناصرون الثورة السورية من سكان الشمال المحرّر.
لكنَّ هناك شيئاً مختلفاً في مظاهرات الرد على تصريح وزير الخارجية التركي، إذ إن هذه المظاهرات استكملت كل متطلبات الجدوى، وذلك بعد تصريح سبقه ما سبقه من تصريحات تكشف نوايا غير مطمئنة للسوريين في المحرّر. هي مظاهرات «ما ضلّ وراها ورا» حسب قول دارج يعني أنه لم يعد لدينا ما نخسره، فالمصالحة مع النظام هي ما لا يطيقه السوريون في المحرّر، ولن ينتظروا للتعبير عن رفضه أي توضيحات من أيٍ يكن.
مظاهرات تعي مآلات المصالحة
إنّ خروج مظاهرات رافضة لتصريحات تدعو للمصالحة مع نظام الأسد، في مناطق تَكدَّسَ فيها السوريون المهجّرون قسرياً بفعل سياسات التهجير الأسدية، هو أمرٌ من البساطة والصراحة ووضوح الأسباب بما يغني عن الحاجة إلى تفسيره.
كما أن ما حدث من عدم انتظار أي توضيح بشأن نوع المصالحة التي يتم الحديث عنها، يكشف ما لدى الناس من قناعة تامة بأن النظام لا أمان له، وأن المصالحة معه تعني أن يقوموا طوعاً بتسليم أنفسهم له ليعتقلهم ويعذبهم ويقتلهم فُرادى وجماعات.
الوعي الشعبي بالمعنى الحقيقي لمصالحة النظام، وبعد خبرة تجارب دامية، هو ما أخرج السوريين في الشمال السوري إلى التظاهر بسرعة كبيرة رفضاً لمصالحة ظاهرُها السلام وباطنها العذاب.
المظاهرات والتمسّك بالوجود التركي
ماذا يعني أن يقوم سوريون بالتظاهر ضد تركيا في مناطق النفوذ العسكري التركي داخل سوريا، والتي يُفترض أن وجود القوات التركية فيها يحمي ساكنيها من اجتياح النظام ويوقف ما يستطيع إيقافه من هجمات الطائرات الروسية، وذلك بغض النظر عن حقيقة أسباب وأهداف وجود تركية في سورية.
إذا كان في تصريح المصالحة الذي أدلى به الوزير التركي ما يخيف الناس من دخول النظام إلى مناطقهم، فإن في طلب خروج تركيا ما يُسرِّع من ذلك لا ما يوقفه.
وإذا كان رفض المصالحة يعني رفض العودة لحكم الأسد، فما الذي يكون عكس المصالحة؟ إنه تَمكُّنُ المحرّر من إدارة نفسه وامتلاكه لقراره في العلاقة مع النظام حرباً وسلماً؟ لكن هذا المطلب في الواقع موجَّه أيضاً إلى تركيا، لتُعينَ المحرّر على حكم نفسه بحمايته من اجتياح النظام، وعدم مصادرة قراره الشعبي.
رغم أن بعض المظاهرات أطلقت هتاف «سوريا حرة حرة.. تركيا اطلعي برا»، إلا أنه لا يتعدى أن يكون هتافاً عاطفياً ومندفعاً، وهو لا يحمل تعبيراً عن إرادة شعبية بما يؤهّله لأن يُؤخذَ على محمل الجد.
مظاهرات استكشاف وتوسيع الهوامش
لو أردنا السؤال عن الهوامش المتاحة للتعبير عن الرأي في مناطق السيطرة التركية في سوريا، فلن نحصل على إجابة واحدة شاملة ومُعبِّرة عن واقع الحال، فلكل منطقة خصوصية ولكل جماعة خصوصية ولكل شخص خصوصية حسب موقعه.
لكن جموع الناس بالمجمل لا تعرف ما هي الهوامش المتاحة للتعبير، ولذلك فهي في كل وقفة ومظاهرة تستكشف جزءاً من حدود إمكانية التعبير عن الرأي بشكل جماعي وعلني، وتستكشف الفائدة التي قد يعود بها فعل التظاهر.
ماذا يمكن أن نفعل في مظاهرة ضد غلاء أسعار الكهرباء؟ وماذا يمكن أن يحدث في مظاهرة طلابية أو وقفة معلمين أو أطباء اعتراضاً على أوضاعهم الوظيفية؟
ماذا يمكن أن يَنتُجَ عن مظاهرة ضد نية تركية محتملة للمصالحة مع النظام السوري، وجرّ المعارضة السورية وراءها إلى المصالحة؟
ماذا يعني شتم تركيا وحرق علمها؟
كل الإمكانيات الكامنة في فعل التظاهر وهوامش التعبير تُكتشف في المظاهرات، وللمرة الأولى في حالات كثيرة، وهذا ما يجعل من مظاهرات المحرّر ضرورية، ليس من حيث الهدف فحسب، بل من أجل استكشاف حدود التعبير وتوسيعها وإشهارها بمراكمة المكاسب عبرَ المطالبة الشعبية في الشارع.
المحرّر في طور تأسيسي لمساحات وأدوات التعبير عن الرأي، وهي موجهة إلى داخل المحرّر وإلى القوى التي تحكمه محلية وإقليمية، فيما كان أهله قد جرّبوا سابقاً التظاهر ضد النظام فقط.
تفاعل عسكر الفصائل مع تصريحات المصالحة التركية
تصريحات قادة الفصائل العسكرية التي تجمعها تسمية «الجيش الوطني»، والمدعومة بشكل كامل من قبل تركيا، التي جاءت رافضة للتصريحات التركية، تطرح سؤالاً عن سرّ هذه الشجاعة المفاجئة عند من اعتدنا على تماهيهم التام مع السياسة التركية. كيف وقفوا ضد تصريح وزير الخارجية التركي؟ وخاصة أن زملاءه في الداخلية والدفاع هم الآمرون الناهون على الفصائل وقادتهم وعلى المجالس المحلية والشرطة بنوعيها المدني والعسكري.
لا يوجد جواب واحد يفسر مجموع تصريحات قادة الفصائل، فكما أنهم مشتتون تنظيمياً، كذلك هم مشتتون في دوافع تصريحاتهم تجاه مختلف القضايا، ونستطيع أن نتصور أربعة أصناف من الدوافع:
هناك من يريد ركوب موجة غضب الشارع ولو لساعات، وتبييض صفحة سَوَّدتها انتهاكاتُ فصيله في عيون أهالي المحرّر.
وهناك من يرى التصريح التركي حول الرغبة المصالحة فارغاً، ولا يمكن أن يغير شيئاً في الواقع، ولذلك فضَّلَ تسجيل موقف مجاني.
وهناك بالتأكيد من يرفضون المصالحة مع نظام الأسد من منطلق المصلحة، وقد سكون هؤلاء أصحاب مصلحة ومصلحة فقط، ولا قضية لهم، لكن مراكزهم في فصائلهم وما حققوه من مكاسب مادية ونفوذ تم وفق شرط وجود قوة عسكرية يفترض أنها تعادي النظام، وعلى هذ الأساس فإن المصالحة مع النظام قد تحرمهم نفوذهم وتنزع عنهم كل حققوه من مكاسب.
بقي أن هناك من رفضوا التصريح التركي من منطلق مبدأي حقيقي، فهم إن تماشوا مع سياسات تركيا في الشمال، إلا أن مسألة المصالحة مع النظام فوق طاقتهم على مسايرة تركيا.
أما عن الثقل السياسي لمجموع تصريحات الرفض من عسكريين، فيمكن قياسها على ميزان مشاركتهم في هيئة التفاوض، ذلك الكيان السياسي المصمم خصيصاً للوصول إلى نتائج تشبه ما صرَّحَ به الوزير التركي.
الاستفتاء بالصدمة
لا يمكن أن تحدث مصالحة بين النظام السوري والمعارضة برعاية تركية بدون تحقّق الشرط البديهي للنظام، وهو انسحاب القوات التركية من سوريا. وطالما أن وجودَ هذه القوات في سوريا لم يحقق أهم أهدافه حتى اليوم في دفع خطر التنظيمات المسلحة المعادية لها في سوريا، فلا يمكن لتركيا أن تقنع نفسها بأن الانسحاب وترك الأمر ليحله النظام السوري هو الحل الأمثل لمعالجة المسألة.
الرفض الشعبي لمصالحة النظام في مناطق النّفوذ التركي في الشمال السوري يفيد تركيا في البقاء والتوسّع داخل سوريا؛ وبخلاف ما يُسلَّم به عادةً من أن إبعاد خطر التنظيمات الكردية عنها، وألّا يظفر الأكراد بإقليم مستقل، هو كل ما تريده تركيا في سوريا، فإن لأنقرة مصالح ومطامع أخرى أكثر استراتيجية تتطلب منها البقاء عسكرياً في سوريا. ربما أرادت تركيا بتصريحها جسّ نبض الشارع السوري المعارض في مناطق نفوذها، واستفزازه لإظهاره وهو يتظاهر ضد المصالحة مع النظام لتدعم موقفها في وجودها العسكري في سوريا، وبأنها مرغوبة شعبياً، وأنه وإن عارضها السوريون في تفاصيل إدارية إلا أنهم يفضلونها على العودة إلى حكم النظام، وأنها في وجودها العسكري ليست عقبة أمام حلّ سياسي في سوريا يؤدي إلى انسحابها. ولو أنني استعرتُ هنا أدوات التحليل المؤامراتية قليلاً، لقلتُ إن التصريح جاء يوم الخميس بشكل مقصود لاستغلال ما يمكن ليوم الجمعة أن يحشده من متظاهرين، حسب المعروف من عادة مظاهرات السوريين الأكثر حشداً في أيام الجمعة.
الطريقة التي تعاملت بها الداخلية التركية، بالتعاون مع فصائل «الجيش الوطني»، ضد من أحرقوا العلم التركي، وملاحقتهم واهتمام وزير الداخلية التركي بالأمر بشكل شخصي، ربما يعطي فكرة عن الطريقة التي تنظر بها تركيا إلى الشمال السوري، إذ يبدو أنها تعتبره منطقة تركية وتعتبر أن ما يحدث فيها شأن تركي داخلي.
جغرافيا المظاهرات
خرجت التظاهرات وانتشرت في مختلف مدن وبلدات وقرى الشمال، ووصلت حتى القواعد والنقاط العسكرية التركية داخل سوريا، لكنها شهدت كثافة أكبر في مناطق تخضع لسيطرة تركية مباشرة من مناطق تواجد الجيش التركي بدون إدارة تركية تتدخل في شؤون الناس كما في مناطق هيئة تحرير الشام. يقول أشياء كثيرة عن الأسباب التي غذّت المظاهرات، ففي مناطق الريف الحلبي التي تديرها تركيا غذَّى الفشل الإداري الإحباط من السياسة التركية، وأشعل غضباً أوسع في مظاهراتها .
تنبيه لا إهانة
لم يشترِ المتظاهرون العلم التركي ولم يصنعوه ليحرقوه ويعبروا عن غضبهم، بل كان موجوداً في الشوارع ورفعه المتظاهرون لسنوات. يبيّنُ حرق العلم من قبل متظاهرين سوريين حجم الضرر الذي لحق بأهالي الشمال السوري من السياسات التركية وطريقة إدارتها، لكنه لايكفي لتفسير حجم الغضب من تركيا، وخاصة أن حرق العلم حدث في مدينة الراعي التي تعتبر أكثر المدن التي تهتم تركيا بتنميتها اقتصادياً. ومع ذلك، فإن حرق العلم التركي لا يمكن أن يقول لوحده شيئاً كثيراً عن الغضب من التصريحات التركية بشأن مصالحة النظام، فحالات الحرق لا تعدو عن كونها حوادث فردية لا يمكن استنباط شيء منها، لكن في الدفاع الشعبي غير القليل عن حرقه يمكن استنباط أشياء.
المحرّر يقول لا نصالح
يملك الناس في الأراضي الخارجة عن سلطة نظام الأسد قرارهم في الاحتجاج والتظاهر للتعبير عن كل مطالبهم السياسية والمعيشية، وإمكانياتُ التغيير بالاحتجاج من أجل حاضر ومستقبل الحياة في تلك المناطق تُكتشَف حديثاً بعد كل احتجاج أو مظاهرة. إن غياب هذه الإمكانية في مناطق سيطرة النظام، ووجودها في المناطق الخارجة عن سيطرته، هو ببساطة ما يدفعني لتسمية هذه الأراضي بالمُحرَّر. من هذه المقارنة ومن هذا التباين تحديداً، يستمدّ المحرَّر أحقيته بهذه التسمية التمييزية.
لا تصالح أو لا نصالح ليس شعار التظاهرات الرافضة للمصالحة مع نظام الأسد فحسب، بل إنه باستعارته الشعرية الأمل دنقلية يستحضر بكثافة رمزية عالية كل الأجوبة على سؤال: لماذا لا نصالح؟ غير أن ما ينقص هذه الاستعارة الشعرية هو القول بأننا لم نُوعد بأن نُمنَح أي شيء مقابل الصلح، بل لم يُطلَب منا الصفح أصلاً، والقاتل لم يعترف ولم يندم.
موقع الجمهورية
—————————
أردوغان – الأسد: هل الأمر بهذه السّهولة؟/ إبراهيم ريحان
خلال الأيّام الماضية، سوّقَت وسائل إعلام روسيّة أنّ الرئيس فلاديمير بوتين يسعى لعقد لقاءٍ بين الرّئيس التركي رجب طيّب أردوغان ورئيس النّظام السّوري بشّار الأسد.
كثيرون هُم الذين خاضوا بتحليل هذا اللقاء، وكأنّه حصلَ اليوم، أو سيحصلُ غداً لا محالة. لكنّ أحداً لم يتوقّف عند المسألة الأهمّ، ألا وهي: “هل الأمر بهذه السّهولة؟”
لنبدأ من صاحب الفكرة فلاديمير بوتين، القابع منذ 7 أشهر في المُستنقع الأوكرانيّ. هُناك كان بوتين الذي غرِقَ بأحلام المعارك الحاسمة والأرض المحروقة يظنّ أنّه سيُحقّق في أوكرانيا نصراً سريعاً حاسماً مثلما حصل في حرقه للشّيشان سنة 1999 مروراً باجتياحه لجورجيا في 2008، وغزوه “الاستفتائيّ” لشبه جزيرة القرم سنة 2014 وصولاً إلى إحراق المُدن السّوريّة وتدميرها عن بكرة أبيها بعد التّدخّل الرّوسيّ في خريف 2015.
يعرفُ “سيّد الكرملين” أنّه يُحارب الغرب بكامله في أوكرانيا. أعني بذلك الولايات المُتحدة وبريطانيا وفرنسا تحديداً. ومن يعرف الخريطة السّوريّة جيّداً، يجد أنّ خصومَ بوتين يجتمعون على دعم “قوّات سوريا الدّيمقراطيّة” ذات الغالبيّة الكُرديّة، وهنا بيت القصيد.
يريد بوتين أن يعقدَ “مصالحةً”، يظنّها سهلةً وسريعة، بين الرّئيس التّركيّ ورأس النّظام السّوريّ. هدفه الوحيد هو محاربة النّفوذ الغربيّ في سوريا، والمُتمثّل بالقوّات الكرديّة. يلعب “فلاديمير” على وتر القلق التّركيّ من نفوذ الأكراد في منطقة الشّريط الحدودي مع سوريا، ويعتقد أنّه إذا جمَع أردوغان والأسد فإنّه يضرب عدّة عصافير بحجرٍ واحد.
الأوّل: يضرب النّفوذ الغربيّ ويُحلّ مكانه قوّات النّظام السّوريّ، والتي بدورها تزيد من المساحة التي تُسيطر عليها في سوريا لاستثمارها لاحقاً في أيّ نقاشات مُستقبليّة.
الثّاني: يُحاول أن يفكّ عزلة النّظام السّوريّ، إذ إنّ تركيا هي أكبر دولة إقليميّة في الجوار السّوريّ. وبهذا يُحاول بوتين أن يستعيد شرعيّة إسلاميّة وإقليميّة لنظام الأسد، خصوصاً أنّ الرّئيس التّركيّ كان من أشدّ المُطالبين بتنحّي رئيس النّظام السّوريّ.
الثّالث: أن يحاول تحييد الدّور التركيّ الدّاعم للمُعارضة السّوريّة، وبالتّالي يرسّخ دور روسيا في الإقليم.
كذلك يعلم بوتين أنّ الرّئيس التركي سيخوض معركة الانتخابات الرئاسيّة بعد أشهر. هُنا يراهن بوتين على أنّ هذه الخطوة ستُسكِت مُعارضي الرّئيس التركي وتُساعده في انتخاباته الدّاخليّة.
لكن في الوقت عينه، فإنّ الرّئيس التركي قد لا يجد مصلحةً سيّاسيّة، خصوصاً أنّ سقفَه العالي في وجه النّظام ومطالبته بتنحّي الأسد ودعمه الكامل للمُعارضة السّوريّة على مدى 11 عاماً ليسَ سهلاً التنازل عنه في يومٍ وليلة، أو نزولاً عند رغبة بوتين.
يُضاف إلى الكلمات القليلة الموقف الأميركيّ من التطبيع مع النّظام السّوريّ، والذي تربطه واشنطن بانسحاب إيران وميليشياتها من سوريا.
هُنا، أغلب الظّنّ أن أردوغان سيكتفي في عدم مُمانعته التنسيق الأمني القائم بين أنقرة ودمشق منذ سنة 2020 عبر نائب رئيس النّظام للشؤون الأمنيّة علي مملوك ورئيس الاستخبارات التّركيّة حاقان فيدان. لم تتعدَّ هذه اللقاءات حدود تطوير اتفاق أضنة 1998. وهذا بالطّبع ليسَ حديثاً سيّاسيّاً.
لننتقِل إلى دمشق. هُناك الأمر مُختلف. لن يجد الأسد بدوره سهولةً في تسويق التطبيع السّياسيّ خصوصاً مع الاتهامات التي وجّهها النّظام السّوريّ لتركيا في العقد الأخير. كذلك فإنّ الأسد سيجدُ إحراجاً أمام أركان نظامه في تطبيع سيّاسيّ مع تركيا التي تضمنُ أمن السّوريين في منطقة تزيد مساحتها على 20 ألف كلم مربع. يُضاف إلى ما سلف أنّ الأسد، بعكس بوتين، لا يرغب في أن يرى أردوغان يتربّع على عرش ولايةٍ رئاسيّة جديدةً.
سيكثر الحديث في المُستقبل القريب عن تطبيعٍ سيّاسيّ بين أنقرة ودمشق. لكنّه حتّى السّاعة لا يخرج عن كونه تمنّيات روسيّة تصطدمُ بعقبات داخليّة في تركيا وسوريا. وإن لم أبالغ في الوصف، فإنّه ربّما يُشبه إشاعات التطبيع القطريّ مع دمشق، والتطبيع السّعوديّ مع دمشق التي نسمع بها من 2016 ولم نرَ حتّى اليوم إلّا عكسها تماماً..
وفي الختام لا أقول إلّا إنّها السّياسة أمّ المُفاجآت وأمّ التّقلّبات..
تلفزيون سوريا
————————–
تصريحات جاويش أوغلو لماذا الآن؟/ أحمد مظهر سعدو
ينوس الوضع السوري بين احتمالات عدة، لعل أبرزها وأكثرها رجحانًا واقعيًا اليوم هو الاستمرار في الوضع الآني والمؤقت، حيث لا حل سياسيًا، ولا تقدم في أي مسار تفاوضي، فمسار جنيف أصبح معطلًا منذ سنوات عديدة بفعل فاعل، ومسار أستانا يلفه البؤس وعدم الجدوى، وحرص الروس على إعادة إنتاج النظام السوري، والاستمرار في قضم المزيد من الأراضي لصالح النظام، ناهيك عن اللجنة الدستورية التي أصبحت مع كل حصيلتها الصفرية، في خبر كان، بعد الحرب الروسية على أوكرانيا والتوتر والتصادم المستمر بين الروس والغرب عمومًا.
لكن تصريحات السيد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الأخيرة بما يخص المصالحة مع النظام السوري وإمكانية الاشتغال التركي عليها توفيقًا بين المعارضة والنظام، أعادت الحرارة للمسألة السورية برمتها، وأشعلت الثوار في الداخل والخارج السوري، وطرحت العديد من التساؤلات الموضوعية والذاتية، وحركت الساكن في المسألة السورية، وأعادت حالة الحراك الشعبي السوري إلى سنوات مضت لكنها كما بدا لم تنقض بعد.
فما تأثيرات التصريح التركي الأخير على الوضع السوري؟ وما هي مبرراته وضروراته لدى الأتراك؟ أسئلة جدية نحاول الإمساك بها تهيئة لفهم الواقع والمستقبل المقبل، ضمن تفاعلات القضية السورية، واحتمالات التغير في مساراتها الآنية والمستقبلية.
إذ لا يبدو أن هذه التصريحات التركية قد جاءت عفو الخاطر، ولا أتت من فراغ، ولا هي زلة لسان، بقدر ما هي انزياحات نسبية في السياسة التركية ضمن حالة الاصطفاف الحقيقي إلى جانب الثورة السورية والشعب السوري المنتفض، وليست خارج هذا السياق، ولم تكن تراجعًا عن مواقف الدعم التركي للسوريين المعروفة منذ بدايات ثورة الحرية والكرامة عام 2011.
للدولة التركية مصالحها الإقليمية والداخلية، حيث ينتظرها استحقاق انتخابي برلماني ورئاسي في السنة القادمة، وسط تخوفات استقرائية كثيرة، وسط خشية الحكومة من إمكانية إحراز المعارضة أي تقدم ما في مواجهة حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ ما يقرب العشرين عامًا. وهذه مسألة كبرى تشغل بال وتحركات الحكومة التركية وتلقي بظلالها الواضحة على جل القرارات والتحركات والتصريحات التركية وكل الانعطافات والاتفاقات الجديدة التي تجوب بها الدولة التركية كل الدول الإقليمية، وما هو أبعد من الإقليمية في محاولة واضحة لإعادة الاعتبار للأوضاع الاقتصادية الداخلية، ودعم الليرة التركية التي تراجعت بشكل كبير ولافت، وهو ما يخشى أن يترك أثره السلبي على الصندوق الانتخابي في تموز/يوليو المقبل، لذلك فإن التحركات التركية المتسارعة كلها، تبغي الوصول إلى بر الأمان في انتخابات رئاسية وبرلمانية تعيد الاعتبار داخليًا إلى الحكومة وحزب العدالة والتنمية، وتُنتج انبثاقات جديدة تنعكس إيجابًا على الواقع المعيشي في تركيا، والذي أضحى هو الهم الأساسي للأتراك بشكل عام، أمام تحركات دؤوبة للمعارضة التركية، همها الأساس تشويه سمعة الحكومة، والعمل على تحريك نقطة ضعف في الواقع التركي وهي مسألة اللاجئين السوريين وضرورة إعادتهم إلى وطنهم.
ويبدو أن فكرة العودة الطوعية لنحو مليون سوري إلى الداخل التي أعلن عنها منذ أشهر عدة، قد جاءت وفق هذه الاعتبارات، وكذلك حال التصريح الأخير لوزير الخارجية، وقبله تصريح وزيرة الأسرة التي قالت بأن عام 2023 لن يمضي إلا وقد عاد كل اللاجئين السوريين إلى أوطانهم. وقد أتت التفاهمات الأخيرة بين تركيا وروسيا على هذا المنوال.
لكن كل ذلك مازال يحمل في داخله العديد من التساؤلات الحقيقية لدى السوريين الذين هبوا لرفض أية مصالحة مع نظام قاتل ومجرم، هجر نصف الشعب السوري، وقتل ما ينوف على مليون سوري، وأدخل المعتقلات أكثر من 950 ألف إنسان موثقين، وهدم البنية التحتية لأكثر من 65 في المئة من العمارة السورية، وفتت المجتمع السوري، وألقى به في اليم، لايلوي على شيء. ومن أهم هذه التساؤلات المشروعة:
هل يمكن لتركيا اليوم وبعد كل هذا الدعم الإنساني والسياسي أن تتخلى عن السوريين، ومن ثم تجبرهم على مصالحة غير عادلة مع نظام الكيماوي في دمشق؟ وضمن أية أسس يمكن القبول بمصالحة مع نظام لم يتقدم خطوة واحدة في مسار اللجنة الدستورية عبر ثماني جولات متتابعة؟.
وإذا كان للدولة التركية مصالحها الموضوعية الاقتصادية والسياسية والانتخابية وتخوفاتها الأمنية القومية، من إرهاب ال ب ك ك المشروعة، أليس للشعب السوري مصالحه الأخرى في الوصول إلى دولة سيادة القانون والمواطنة العادلة، وكنس المجرم الذي ضحى الشعب السوري بكل شيء من أجل إنهاء استبداده وطغيانه؟ بمعنى آخر إذا كان للأتراك مصالحهم ألا يوجد للسوريين مصالحهم الأخرى التي قد لا تتقاطع مع مصالح الدول حتى لو كانت صديقة وحليفة؟
ثم هل من العدل التوجه إلى نظام سوري يرفض كل عملية الانتقال السياسي ويصر على استمرار الحل العسكري الأمني، واستمرار المقتلة الأسدية بحق الشعب السوري؟ هل يمكن أن نتوجه إليه وندفعه نحو التصالح في وقت ليس فيه من مؤشرات أمام الدول ولا أمام السوريين من تحريك للمياه الراكدة، في ظل الدعم الإيراني والروسي الكبيرين لهذا النظام؟.
وهل يمكن للاتحاد الروسي كدولة ضامنة ضمن مسار أستانا أن تفرض على هذا النظام الولوج في حل سياسي حقيقي يعطي الأمل للسوريين في احتمالية قيام دولة آمنة ويسودها العدل، في وقت تدخل فيه روسيا في سياسات شد الحبل أكثر وأكثر بعد غرقها في الوحل الأوكراني، وتشظي أية توقعات لإنتاج اتفاقات دولية تنتج حالة سلام في أوكرانيا بين الروس والغرب؟
والأهم من كل ذلك هل تملك هذه المعارضة السورية المترهلة والغارقة في أتون خلافاتها الداخلية وفي اللاجدوى، تفويضا وإمكانية لعقد أية اتفاقية غير عادلة مع هذا النظام، في وقت عبر فيه نبض الشارع الحقيقي السوري عن نفسه من خلال مظاهرات جماهيرية مهمة لم تشهدها هذه المناطق منذ فترة طويلة، رافضة لأي تصالح مع نظام قتل شعبه ومازال المجرم والقاتل طليقًا؟.
تساؤلات كثيرة تضع نفسها اليوم أمام السوريين والأتراك وكل المهتمين بالشأن السوري، كل الأصدقاء، واللا أصدقاء، للبحث عن حل عادل للمسألة السورية، لا يكون فيه إلا مصلحة الشعب السوري، ولتكون مصلحة السوريين هي العليا، ولا يعلوها أي شيء، ضمن احترام واعٍ لمصالح الدول الصديقة، والتي وقفت ومازالت إلى جانب الشعب السوري المظلوم والمكلوم والمحكوم من قبل عصابة وليس دولة، فعلت مافعلته في جسد الوطن السوري تمزيقًا وتفتيتًا وتهجيرًا وقتلًا واعتقالًا وتهديمًا للبنية التحتية.
تلفزيون سوريا
—————————-
أما أن الأوان بعد؟/ رشا عمران
في كتابه الشهير (المياه كلها بلون الغرق) يتحدث الفيلسوف إيميل سيوران عن السياسة بوصفها فعلاً يرتبط بالنذالة، وهو ما يجعل من الأبرياء عاجزين عن ممارستها بسبب عجزهم عن أن يكونوا أنذالا، كما أنها ترتبط مباشرة بالذكاء لهذا فالسذج إذا ما اشتغلوا بالسياسة فسيكونون ساسة عاديين يصنعون أوهاما لأنفسهم ستنتج عواقب وخيمة على الجميع، بينما الساسة الحقيقيون هم الذين لا يملكون أوهاما، ذلك أن الأوهام في السياسة ستعود بالضرر على بلادهم، وسوف يصبحون مصدرا للخطر لا للتطور والنجاح.
من خلال تحليل سيوران ذلك يمكننا القول إن السياسة تبنى على المصالح المحسوبة في وقتها، أو المصالح المترتبة خطوة وراء خطوة، وهو في عالمنا الحديث غير متاح بسبب السرعة التي تميز هدا العصر، وتميز معها سرعة في تغيير المواقف والاصطفافات الدولية، هذه المتغيرات السريعة أيضا يلزمها خبث سياسي وذكاء حاد يواكب الانتقالات السريعة، وهو ما يعني أن السياسة فعل مضاد للمصداقية ومتحالف مع الدهاء، ما يلزمه أيضا التمتع بالقوة البراغماتية الكافية لتحقيق ما يمكن تحقيقه من المصالح والمكتسبات، عدا طبعا القوة الاقتصادية والعسكرية في حالة الحديث عن سياسات الدول. أما في حالة القضايا كالثورات والاحتلالات وغيرها، فيمكننا القول إن الاعتماد في السياسة على خطاب المظلومية الذي لا يظهر سوى ضعف الحجة وضعف القضية التي يتحدث عنها الخطاب هو أمر في غاية السذاجة، ولن ينتج عنه إلا الخسائر المتكررة، فالسياسات الدولية لا تبنى على الشفقة، لم يحدث في التاريخ أن تغير موقف دولي من قضية ما لأن المجتمع الدولي شعر بالشفقة على أصحاب القضية، هذا مجرد وهم لا يمكن التعويل عليه، مهما كانت القضية محقة وعادلة، القضايا العادلة تحتاج إلى منطق القوة ليسندها، تحتاج أيضا إلى هدايا سوف يقدمها أصحاب القضية إلى المجتمع الدولي، برنامج عمل واضح وصريح عما يمكن أن يعطيه أصحاب القضية للمجتمع الدولي أكثر مما سيعطيه خصومهم، يتضمنه خطاب براغماتي ومعرفة واثقة بما يريده المجتمع الدولي وبخبايا تحالفاته.
بالمختصر: أي عمل سياسي يلزمه الدهاء الموازي للسياسة ويلزمه التنازل في بعض المواقف التي لا تؤثر على الموقف المبدئي للقضية الأساس، ويلزمه أولا إظهار القوة والاستقلالية والتفرد بالرأي، حتى لو كان ذلك غير محقق، لكن يلزم معرفة كيفية إظهاره في الوقت المناسب.
لمادا سنلوم، نحن السوريين، تركيا على إعلان مسؤوليها نيتهم إعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري؟ مبدئيا سوف يكون من السذاجة بمكان الاقتناع أن تركيا لم تكن خلال العقد الماضي على تواصل أمني مع النظام السوري. لا توجد دولة لا عربية ولا إقليمية ولا غربية أوقفت اتصالاتها الأمنية أو علاقات ما تحت الطاولة مع النظام السوري، منطق السياسة يرفض تماما هذا الوهم، ما حدث في سوريا خلال العقد الماضي بكل الخراب الذي به حصل بموافقة الجميع. الحدود التي فتحت لدخول المرتزقة المحاربين مع كل الأطراف فتحت بترتيب وموافقة من الجميع، بقاء النظام السوري حتى اللحظة رغم كل ما فعله حاصل بترتيب وموافقة الجميع، فتح الحدود للاجئين السوريين في السنوات الأولى ثم إغلاقها بتعسف لاحقا حصل بترتيب وموافقة من الجميع، تسليم سوريا لروسيا وإيران والسماح لإسرائيل بقصف مواقع عسكرية إيرانية في الأراضي السورية يتم بموافقة الجميع. هناك أثمان تدفعها الدول مقابل حصولها على مكاسب أخرى، هدا أيضا معروف في عالم السياسة.
تركيا تعيش حاليا، بسبب الأزمات الاقتصادية العالمية المتلاحقة التي طالها منها الكثير، وبسبب وضعها السياسي الداخلي واحدا من أسوأ أعوامها. وهناك ميل إقليمي ودولي لتدوير النظام السوري وإعادة ترتيب العلاقات السياسية والعسكرية التي اضطربت العقد الماضي بفعل أحداث الربيع العربي بين عدة دول. ليس من باب المصادفة أن يتزامن التطبيع العربي الإسرائيلي مع إعادة العلاقات المقطوعة بين العديد من الدول العربية والإقليمية: الخليج ومصر وتركيا وإسرائيل وإيران وطبعا سوريا التي يناقش مستقبلها دون مشاركة لأي طرف من أطرافها. تركيا جزء من سياسة دولية تولي للمصالح الاقتصادية والعسكرية شأنا أعلى بكثير من حقوق الشعوب بالتغيير وتقرير مصائر بلدانها، وأعلى أيضا مما تعانيه الشعوب من الأهوال والكوارث والعنف في سبيل ذلك.
لمادا سنلوم تركيا أو غيرها من الدول على اهتمامها بمصالحها ونعتبر ما تريد فعله خيانة للقضية السورية بينما من يجب أن يلام وأن توجه لهم أصابع الاتهام بالخيانة هم الذين يدعون تمثيل القضية السورية وتمثيل ثورتها ولم يفعلوا طيلة العقد الماضي سوى التشكي والتظلم لدى المجتمع الدولي وتسليم زمام أمرهم وأمر الثورة لأجندات تركية وخليجية وعربية ودولية دون أن يظهروا يوما بمظهر القوي الذي يفرض بقوته الاحترام ولم يقدموا خطابا واحدا يمكنه إقناع المجتمع الدولي، الذي يرى ويعرف جيدا ماذا يحدث في سوريا ومسالخها، بأن يسحب يده المساندة لنظام الأسد من تحت الطاولة. والأدهى أنهم لم يستطيعوا حتى اللحظة فهم ماهية العمل السياسي وآلياته ودوائره وكواليسه. ولكي نكون حِسان النية سنقول إن قدرتهم على ممارسة السياسة ضعيفة وقابليتهم للتعلم محدودة، وذلك كي لا نتهمهم هم بالخيانة وبيع ثورة السوريين وقضيتهم لمن يدفع أكثر.
والحال إن مسألة تدوير النظام السوري وإعادته إلى المجتمع الدولي وتطبيع العلاقات معه تبدو مسألة وقت لا أكثر، فالجميع راغب في هذا على ما يبدو. وحدهم السوريون المؤمنون بالثورة ممن دفعوا أثمانا باهظة يرفضون هذا، لكن هل يكفي رفضهم وخروجهم بمظاهرات هنا وهناك وكتاباتهم لإيقاف أمر خطير كهذا؟ النفي هو الجواب الوحيد طبعا، لن يوقف كل ما قد يفعله السوريون قرارا دوليا بتطبيع العلاقات مع نظام الأسد (لم تخلخل كل مآسي السوريين ومعاناتهم وكل ما فعلوه خلال العقد الماضي حصاة واحدة في موقف المجتمع الدولي من بقاء النظام)، ولا يمكن بحال من الأحوال الموافقة على العودة إلى ما قبل عقد من الزمن بعد كل ما حصل.
ربما بات من الضروري حاليا أن يتوافق المخلصون للقضية السورية من السوريين فقط على خطة عمل جديدة ووضع برنامج وأهداف سورية محضة، لا تعول على أحد ولا تركن إلى أحد سوى السوريين أنفسهم، خطة حتما ليست آنية (حاليا لا شيء يمكنه أن يغير ما يحدث سوى معجزة ما)، بل خطة للمستقبل تهدف إلى لم شمل السوريين في مشروع وطني واحد وتسعى إلى محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من المستقبل السوري. لكن بعد إبعاد كل من تصدروا سابقا لواجهة الثورة وفشلوا فشلا مطلقا أو باعوا دم السوريين وثورتهم بأبخس الأثمان. ولا يقولن أحد أنه لا توجد بدائل فالسوريون لديهم من الكوادر المؤهلة للعمل السياسي والاستراتيجي الكثير من شبابها وشاباتها من المخلصين لثورة سوريا وقضيتها ومستقبلها، وممن يؤمنون بالحداثة التي تتجه إليها حاليا حتى الدول المحكوكة بنظم قرون أوسطية. أما الماضي الذي ترفض بعض النخب السياسية السورية الفكاك منه فهو في طريقه ليكون في المتاحف ومعه العالقون فيه.
تلفزيون سوريا
——————————
التطبيع” مع الأسد هو الوضع الطبيعي الجديد في تركيا/ امبرين زمان و سلطان الكنج
تتصاعد أصوات جوقة المسؤولين الأتراك الداعية إلى التواصل مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد يومًا بعد يوم. التحركات محسوبة لجذب الأصوات قبل الانتخابات وإضعاف التطلعات الكردية للحكم الذاتي. وتدعمهم روسيا في سعيها لدق إسفين بين تركيا وخصومها الغربيين.
وقال دولت بهجلي ، زعيم حزب الحركة القومية اليميني المتطرف ، وحليف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، يوم الاثنين ، إنه يعتبر الخطوات التي اتخذتها تركيا فيما يتعلق بسوريا “قيّمة ومصادفة”. وكان بهجلي يرد على إعلان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الأسبوع الماضي أنه تحدث ، ولو لفترة وجيزة ، مع نظيره السوري فيصل المقداد في بلغراد في أكتوبر من العام الماضي. ليس ذلك فحسب ، بل تم استئناف الاتصال بين مسؤولي استخباراتهم ، كما كشف كبير الدبلوماسيين في تركيا.
اليوم ، شكر كافوس أوغلو بهجلي على دعمه في مقابلة مع محطة إن تي في الخاصة. أي حل دائم في سوريا هو حل سياسي. وقال إن النظام والمعارضة بحاجة إلى التوصل إلى حل وسط.
حياة يازيجي ، نائب رئيس حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان ، والذي يُعد من بين أكثر مساعدي أردوغان الموثوق بهم ، شارك بتأييده الخاص.
“العلاقات مع دمشق يمكن أن تصبح مباشرة ومستوى [التمثيل] يمكن رفعه” ، أكد حياتي في بيان اليوم. فسر الكثيرون كلماته على أنها تعني أن زيارة رسمية رفيعة المستوى إلى سوريا قد تكون وشيكة.
وأبدى حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي ، والذي دافع منذ فترة طويلة عن السلام مع الأسد ، موافقته.
هل توشك تركيا على إلقاء أنصارها من المعارضة السورية السنية تحت الحافلة والتوصل إلى سلام مع الزعيم السوري الذي سعوا بشكل مشترك للإطاحة به؟
دفعت هذه المخاوف مئات السوريين عبر المناطق التي تحتلها تركيا في شمال سوريا إلى تنظيم مظاهرات وصفوا فيها الوجود التركي بالاحتلال. وهتفوا “لا مصالحة مع الجزار”. تم اعتقال اثنين من المتظاهرين وتسليمهما إلى الحجز التركي بتهمة حرق العلم التركي. أثار هذا الفعل الذي تم التقاطه بالكاميرا غضبًا في محيط تويتر التركي والذعر بين ملايين اللاجئين السوريين داخل تركيا الذين يواجهون عنفًا عنصريًا متصاعدًا. “الناس مرعوبون. قالت وفاء علي مصطفى ، الصحفية والناشطة السورية التي “اختفى” والدها عام 2013 على يد نظام الأسد ، “إنهم خائفون من القتل”.
واتهم جاويش أوغلو “المحرضين” الأجانب والمحليين بتحريف أقواله. وأصر على أنه دعا إلى “حل وسط” وليس “سلام” بين نظام الأسد والمعارضة السنية.
بينما يفكر النقاد في الاختلاف المفترض ، قالت مصادر تركية ذات مكانة جيدة للمونيتور إن الجهود المبذولة للتعامل مع دمشق تتم بقوة متجددة وبدعم من الكرملين. وزعم أحد المصادر أن ” إيران وروسيا وقطر والإمارات العربية المتحدة – كلها جزء من هذه المحادثات”.
هناك عوامل متعددة تجعل المصالحة مع الأسد ، أو الحديث عنها بأي حال ، جذابة بشكل متزايد. الأكثر إلحاحًا هو بقاء أردوغان. ومن المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بحلول 18 يونيو من العام المقبل. الاقتصاد التركي ، الذي عزز نجاحه لسنوات طويلة اقتصاد أردوغان ، في حالة سقوط حر. يتصاعد الاستياء ضد المهاجرين. تتزايد الاعتداءات العشوائية على السوريين. تقول المعارضة إنه بمجرد وصولها إلى السلطة ، فإنها “ستعيد السوريين إلى الوطن”. ومن ثم التطبيع مع الأسد “أمر لا بد منه”. كل هذا هو موسيقى لآذان الناخبين الأتراك.
من المرجح أن أردوغان يأمل في سرقة رعد المعارضة من خلال لعب نفس الورقة. الاعترافات بشأن الاتصالات مع النظام ليست أكثر من مناورة سياسية ، أو هكذا تعتقد المعارضة.
قال زياد الحاج عبيد ، قائد الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا والمتمركز في ريف حلب الشمالي ، لـ “المونيتور”: “لن تغيّر تركيا موقفها من الثورة السورية. أبلغنا المسؤولين الأتراك بخوفنا من تقارب تركي مع نظام الأسد. نظام الأسد هو عدونا وكذلك عدو تركيا. وأوضح لنا المسؤولون الأتراك أن تركيا ستظل داعمة للثورة السورية حتى تلبية مطلب التخلص من نظام الأسد “.
وقال مصطفى سجاري القيادي البارز في المكتب السياسي للجيش الوطني السوري الذي يتنقل بين تركيا وريف حلب الشمالي: “لا نعتقد أنه سيكون هناك أي تغيير في سياسة تركيا تجاه القوى الثورية والشعب السوري. علاقتنا مع أشقائنا في تركيا قوية وعميقة “.
إيمانهم في غير محله. أردوغان هو سيد المنعطفات ، حيث يتواصل مع إسرائيل ومصر بعد سنوات من المواجهة الغاضبة ومصافحة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بعد تسليط الضوء على دوره في مقتل جمال خاشقجي. لكن لم يكن أي منها مذهلاً تمامًا مثل قراره في عام 2016 تحت الضغط الروسي للسماح بحلب تسقط في أيدي النظام ، مما أدى فعليًا إلى نبذ محاولة تركيا للإطاحة بالأسد وتحويل وكلاءها المعارضين إلى الأكراد السوريين بدلاً من ذلك.
يقول ليفينت جولتكين ، وهو إسلامي تحول إلى معلق ، إن القاعدة الأساسية لأردوغان من السنة المتدينين سوف تتكيف مع مثل هذه التحولات بسهولة قصوى. سيقولون: إذا كان قائدنا يفعل هذا فهو يعرف ما يفعل ؛ قال غولتكين لـ “المونيتور”.
على أي حال ، ليس للمعارضة السورية في نهاية المطاف رأي يُذكر. قال الناشط مصطفى لـ “المونيتور”: “ما يجعل السوريين يقولون إن تركيا لن تتصالح مع النظام هو عجزهم ويأسهم”.
ليس سراً أن الكرملين سعى لبعض الوقت إلى إصلاح العلاقات بين تركيا والأسد. ومع ذلك ، فشلت المحاولات الأولية إلى حد كبير بسبب عناد الأسد. قال إبراهيم حميدي ، كبير المحررين الدبلوماسيين في صحيفة الشرق الأوسط السعودية والصحفي السوري البارز الذي أجبر على الفرار من البلاد في عام 2013 ، لـ “المونيتور”: “بناءً على ما أعرفه ، تمكن الروس من جذب الرؤساء السوري والتركي من المخابرات ، علي مملوك وهاكان فيدان ، التقيا أكثر من مرة للتنسيق الأمني ”.
وأضاف حميدي أن بوتين يريد الآن “نقل العلاقات إلى المستوى السياسي” من أجل “التنسيق ضد الولايات المتحدة وحلفائها الأكراد السوريين” الذين يسيطرون على شمال شرق البلاد ومعظم مواردها النفطية والمائية. كان هذا أحد أهم بنود جدول الأعمال خلال قمة أردوغان في 5 أغسطس في منتجع سوتشي على البحر الأسود مع فلاديمير بوتين.
وأضاف حميدي أن بعض الدول مثل الإمارات العربية المتحدة التي قامت بالفعل بتطبيع العلاقات مع الأسد “لوضعه في موقف أقوى ضد أردوغان وإيران” قد غيرت مسارها تماشياً مع علاقات الدفء مع أنقرة. من غير المرجح أن تخفف العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على نظام الأسد في أي وقت قريب. على هذا النحو ، يمكن للتمويل الخليجي أن يساعد في ترسيخ صفقة كبيرة بين الأسد وأردوغان ، والتي قد تساعد أيضًا في تحقيق التوازن بين نفوذ إيران في سوريا ، أو هكذا يذهب التفكير.
في يوليو / تموز ، أكد أردوغان علنًا لأول مرة أنه يعتقد أن الولايات المتحدة بحاجة إلى سحب قواتها من شمال شرق سوريا. حتى ذلك الوقت ، كان الموقف الرسمي لأنقرة هو أن على واشنطن أن تتخلى عن قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد وأن تتعاون مع تركيا وفصائل الجيش الوطني السوري ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بدلاً من ذلك. وجاءت تصريحات أردوغان عقب اجتماع في طهران مع بوتين والزعيم الأعلى الإيراني آية الله خامنئي ورئيسها إبراهيم رئيسي.
تضغط تركيا على الولايات المتحدة وروسيا على حد سواء لإعطاء الضوء الأخضر لهجوم عسكري آخر ضد قوات سوريا الديمقراطية. لكنها اصطدمت بجدار. رفضت واشنطن ، على أساس أن هذا من شأنه أن ينتقص من القتال ضد داعش. يريد الكرملين الاستفادة من خطر الغزو التركي لحمل الأكراد السوريين على قطع علاقاتهم مع الولايات المتحدة وإلقاء الكثير من نصيبهم مع النظام.
في الوقت نفسه ، يتم اللعب على مخاوف أنقرة من أنه إذا لم تتعجل وتعوض الأسد أولاً ، فقد يعيد الأكراد إحياء تحالفهم القديم مع النظام ويدربوا أسلحتهم على تركيا كما فعلوا حتى عام 1998. هذا هو الوقت المناسب دفنت أنقرة ودمشق الأحقاد وشكلتا قضية مشتركة ضد حزب العمال الكردستاني. تقدم تركيا حقيقة أن قوات سوريا الديمقراطية مؤلفة من مسلحين أكراد قاتلوا داخل صفوف حزب العمال الكردستاني كمبرر لهجماتها المستمرة ضد شمال شرق سوريا.
تأمل أنقرة في إمكانية التوصل إلى اتفاق مشابه لاتفاقات أضنة لعام 1998 – لكن مع أخذ الحقائق السورية الجديدة في الاعتبار. ومع ذلك ، يصر الأسد على أنه حتى تسحب تركيا قواتها من سوريا ، لا يمكن إحراز تقدم ملموس. قد يفكر أيضًا أنه مع استطلاعات الرأي التي تظهر مرشحي المعارضة الأتراك في المقدمة باستمرار ، فلماذا يفعل خصمه ، أردوغان ، أي خدمات قبل الانتخابات؟ وماذا نقول أنه بمجرد أن يقفوا خلفه لن يعود أردوغان إلى دعم المعارضة؟
وشبه صالح مسلم ، الرئيس المشارك لحزب الاتحاد الديمقراطي ، الذي يشترك في السلطة في الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا ، محاولات المصالحة بين الأسد وأردوغان بـ “الزواج بالإكراه”. ومع ذلك ، قال مسلم للمونيتور: “علينا أن نأخذ هذه التحركات على محمل الجد لأن الجانبين (الأسد وأردوغان) يأخذان أوامرهما من نفس المكان – من بوتين “. وأضاف مسلم: “حقيقة وقوفهم ضد الأكراد ليست مفاجأة للأكراد”.
وافق الناشط مصطفى قائلاً: “لم أصدق حقًا أن تركيا هي حليفنا. بالنسبة لي على الأقل ، لم يتطلب الأمر الكثير من الجهد أو المعلومات الاستخباراتية لمعرفة أن تركيا كانت تفكر بالتأكيد في حزب العمال الكردستاني والأكراد منذ بداية [الصراع السوري].
زاد صمت واشنطن في وجه التقارب المزعوم من قلق الأكراد. كما ذكرت القليل من عمليات الاغتيال التي نفذتها تركيا ضد شخصيات بارزة في حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية داخل شمال سوريا باستخدام طائرات مسيرة مسلحة. اليوم ، لقي مدني آخر حتفه – صبي يبلغ من العمر 12 عامًا في بلدة كوباني الحدودية – في غارة تركية بطائرة بدون طيار. ووردت أنباء غير مؤكدة عن مقتل عدد من جنود النظام السوري في الهجمات التركية على كوباني اليوم.
أمريكا لا تتنازل عن قوات سوريا الديمقراطية ولا تدافع عن قوات سوريا الديمقراطية. قال أحد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في كردستان العراق ، الذي لم يتحدث عن الإسناد ، لـ “المونيتور”: إنها تنتهج أسوأ سياسة ممكنة.
لم ترد وزارة الخارجية على طلب “المونيتور” للتعليق.
تلاحظ إليزابيث تسوركوف ، طالبة الدكتوراه في جامعة برينستون التي كتبت على نطاق واسع وقضت فترات طويلة في سوريا منذ عام 2011 ، أنه مهما كانت دوافع أنقرة ، فإن المصالحة مع الأسد هي شيء من الخيال.
وقال تسوركوف لموقع “المونيتور”: “ما سيعرقل مثل هذه الصفقة هو موقف النظام السوري المتصلب تمامًا ، والذي لن يكون مستعدًا لمنح تركيا أي ضمانات أمنية وهو أيضًا ضعيف بشكل لا يُصدق عسكريا”. حتى لو أرادت احتواء حزب العمال الكردستاني ، فهي لا تملك حاليًا القدرة العسكرية للقيام بذلك. وبالطبع ، فإن أي ضمانات قد يقدمها النظام للناس في الشمال الغربي والشمال الشرقي لا معنى لها.
وتابع تسوركوف: “إن جيش النظام وأمنه سوف يلاحقان أي شخص يُنظر إليه على أنه معارض في مناطق خارجة عن سيطرته. لذلك ، سيحاول السوريون الذين يعيشون في هذه الأراضي الفرار وينتجوا نزوحًا جماعيًا سيحتاج إما إلى مواجهته بالذخيرة الحية على الحدود أو يؤدي إلى تدفق هائل للاجئين إلى تركيا “.
لاحظ تسوركوف: “هذا شيء محفوف بالمخاطر بشكل لا يصدق ، ومن المحتمل أن ينهي مهنة الرئيس التركي”.
ومع ذلك ، يبدو أن الوضع الراهن لا يمكن الدفاع عنه بنفس القدر. تبلغ تكلفة احتلال تركيا لشمال سوريا حوالي ملياري دولار سنويًا ، وفقًا لصحيفة فاينانشيال تايمز . وتقول الحكومة إنها أنفقت 40 مليار دولار على الأقل على 3.7 مليون سوري داخل تركيا. تزعم المعارضة أن الرقم الحقيقي الذي يتم إنفاقه على السوريين يقترب من خمسة أضعاف هذا المبلغ. في غضون ذلك ، تتزايد الخسائر الاجتماعية لوجودهم يومًا بعد يوم. في نهاية المطاف ، فإن مخاوف تركيا من ظهور دويلة كردية أخرى مدعومة من الغرب على حدودها تتفوق على كل المخاوف الأخرى. على هذا النحو ، سواء كان ذلك من خلال صفقة ما مع الأسد أو من خلال المضي في ذلك بمفرده ، فإن الشيء الوحيد المؤكد هو أن تركيا ستستمر في بذل قصارى جهدها لتجنب مثل هذه النتيجة.
المونيتور عربية
———————–
آفاق الانعطافة التركية نحو النظام السوري/محمد عيسى
أم العجائب بعد أم المعارك، هي صورة المشهد السياسي التي تخيم على العلاقة ما بين النظام التركي والسوري اليوم، بعد صراع امتد لأكثر من عقد من الزمن، صراع بدأته أنقرة مع انطلاق موجة ما سمي بالربيع العربي، بمحاولة إسقاط النظام السوري وتنحية رئيسه بشار الأسد عبر امتطاء صهوة الحراك الشعبي الدي اندلع بوجه النظام السوري، وحيث نجحت – أي تركيا – مع أطراف خليجية أخرى بعسكرته وتطييفه، إضافة إلى تحميله أجندات إسلامية غالبة.
يأتي الحديث عن مصالحة بين النظامين؛ تتويجاً لجهود روسية وإيرانية مباغتة، تبدو في غير سياقها المنطقي، ولتترك أثراً صادماً، حيث لم تتوفر لها أرضية كافية لإقناع الرأي العام بمسوغاتها أو بمشروعيتها السياسية وحتى الأخلاقية، ما أثار ويثير زوبعة من ردود الأفعال على صعيد الشارع السوري وفي الأوساط السياسية والإعلامية، وعلى اختلاف مشاربها، ولتنطلق من ضمن ردات الفعل التظاهرات المعبِّرة عن خيبة الأمل والمنددة بالسياسة التركية في مدن وبلدات شمال غرب سوريا الواقعة تحت سيطرة النفوذ التركي والتي دارت، بحسب الأخبار، في أكثر من ثمانية وعشرين موقعاً. عمدت السلطات التركية إلى الإيعاز للجماعات التي تأتمر بأمرتها بالعمل على إجهاضها واعتقال نشطائها البارزين.
ولأنه قد صار من المُسلَّم به بأن أي اتفاق أو مصالحة من هذا النوع، ستفرض مقايضات أو تنازلات يقدِّمُها كل طرف للطرف الآخر، أو أن لقاءً في منتصف الطريق ﻻ بد أن يكون من أثمانه تخلي السلطات التركية عن أدواتها في الصراع مع النظام، وكما بدوره سيقوم النظام السوري بتقديم ثمن مماثل، الأمر الذي ﻻ بد أن يعني على الضفة التركية انحسار دور المعارضة التي دأبت تركيا على احتضانها طيلة فترة الحرب، وتفكيك هياكلها كالإئتلاف السوري وما شاكل من منظمات وتشكيلات انتهى دورها عند المشغِّلِ التركي.
وليس هذا وحسب؛ بل إن مصالحة من هدا النوع، وبصرف النظر عن الأسباب والدواعي، وبمعزل عن المناخات الدولية العاصفة والمتقلبة التي تسيطر على الأجواء؛ فإنها ستعني انعطافاً جديداً في تاريخ الصراع المحلي ومعادلاته، وكذلك في هويته واصطفافاته التي ﻻ بد أن تقع. وما من شك بأن الثنائية التي طبعت على الصراع “معارضة إسلامية بمواجهة نظام” وخلال إحدى عشر عاماً الماضية قد انتهت الآن.
قد انتهت لانتهاء مقوّماتها، ولأنها لم تعد صحيحة في محاكاة الواقع وفي التعبير عن أوضاعه المستجدة، فلا النظام التركي من مَشاغِلِهِ انتصار ثورة الشعب السوري، وﻻ النظام السوري في جوهره معاديٌ للإسلاموية. والمراجعة في تحديد أولويات كلا الفريقين منطقية إلى حد كبير. فنظام أردوغان بعثمانيته الإسلاموية الجديدة همومه وتحدّياته لم تعد هي نفسها التي كانت عشية عام 2011؛ بل أصبحت كما عبَّرَ عنها خلال حروبه الأخيرة مع عدوّه الحيوي والأخلاقي المتمثل في قوات سوريا الديمقراطية ورمزيتها السياسية في مجالس أخوة الشعوب الحرة، وأصبحت أهدافه أكثر مرونة وأكثر براغماتية، ولتتجلى في أولويَّتين أساسيتين:
قضم وتتريك متدرج ومنظم للأرض السورية، والإجهاز على قوات سوريا الديمقراطية.
أما النظام السوري التي تتصاعد منه نكهة إسلامية يومية ويطغى في أحشائه النفوذ الإيراني والروسي، إلى حد لم يعد في أجندته غير هموم الاستمرار، فيصبح من المنطقي بالنسبة له أن يراجع في قراءة المشهد، أما ماذا يعني ذلك، وكيف سيكون شكل لوحة الصراع، وما هي أطرافه وتأثيره على مستقبل البلاد في المرحلة القادمة؟ فهو لا يمكن التنبؤ به الآن، ربما الأيام القادمة ستحدد ملامحه.
وﻻ ريب بأنه من السابق لأوانه تقديم اجابة كافية؛ لأننا محكومون في تقدير شكل وحجم العوامل والظروف التي ستتولد مع تطورات الصراع الدولي على المنطقة وبموازين القوى التي ستتحصَّل عن ذلك. كما يتعلق الأمر بالحسابات والتداعيات التي ستحدثها عملية عسكرية تركية في حال حصولها، إذ في حال حصولها؛ سيكون الأمر غيره في حال عدم حصولها، وفي مطلق الأحوال، وفي حال ركب الأتراك رأسهم – كعادتهم عبر التاريخ – وشنوا عمليتهم؛ فإن مقاومة العصر والتاريخ ستكون بانتظارهم، وإلى ذلك تبرز تصريحات القائد مظلوم عبدي الأخيرة لإحدى القنوات الفضائية الدولية، والتي مفادها “سنقاوم.. الجميع سيقاوم.. الجيش السوري سيقاوم، وسنبقى مع شعبنا إذ ﻻ يوجد مكان آخر نذهب إليه”.
إن جبهات في الصراع الدائر ﻻ بد أن تبرد في مقابل جبهات وتحديات قد تندلع، لكن ﻻ يجوز أن نغفلَ عن أن تفاهماً على تبريد المجابهة العسكرية قد يخدم المصلحة الوطنية بالنهاية؛ لأنه وبعيدا عن إرادة أقطابه ونواياهم، فإنه سيؤول إلى طي أوَّليٍّ لصفحة التحدي الوطني بالمعنى الجغرافي؛ ليفسح المجال بعد ذلك إلى فتح الملف الوطني بأبعاده اﻻجتماعية والحضارية والإنسانية.
وبالعودة إلى السؤال المتعلق بلوحة الصراع ومعادلاته القادمة، فلا ريب أن تحولات عديدة سوف تطرأ على مساره ومحطة أخرى بانتظاره، فالجميع يخرج من ثيابه، إذ باتت تضيق عليه، فلا معارضة الأمس هي معارضة الغد، وﻻ سكة الصراع وميادينه هي نفس الميادين، فسوريا الغد، سوريا الحلم، سوريا بلد الكرامة والحقوق والحريات، سوريا الديمقراطية العلمانية واللامركزية، لها مُريدوها وبُناتُها ومركز استقطاب كل الشرفاء وقوى الحداثة في المعارضة وخارجها، وسوريا الأمس واليوم المريضة بإصابات ﻻ شك أنها مزمنة وبنيوية؛ لن يدافع عنها صُنّاع التخلف والفقر والمرض.
المجهر
———————
انقلاب أردوغان.. هل من مراهن عليه بعد؟/ خورشيد دلي
لم يعد صوت أردوغان يأتي هادراً يطالب برحيل الرئيس السوري بشار الأسد، ولم يعد يتعهد بالصلاة في الجامع الأموي في قلب دمشق القديمة، ولم يعد يتحدث عن الخطوط الحمراء الكثيرة التي رفعها طوال سنوات الأزمة السورية، بل بات يرسل رسائل علنية ولو عبر وزير خارجيته، يبدي فيها الاستعداد للتواصل مع الأسد، والجلوس معه، وإعادة العلاقة بينهما كما كان في السابق، يتحدث عن باب السياسة المفتوح، وعن المصالح المشتركة تحت عناوين وحدة الأراضي السورية، ومنع تقسيمها، ومكافحة الإرهاب، فيما يعرف الجميع أن نظامه هو أكثر من دعم الجماعات الإرهابية التي عاثت في سوريا قتلاً وتدميراً وخراباً وتقسيماً، حقاً إنه قائد بارع في صنع التحالفات والانقلابات معاً، والأغرب أن الذين دافعوا عن سياسته السابقة تجاه الأزمة السورية هم أنفسهم يبررون ما يقوم به اليوم.
في السياسة، ثمة من يتحدث عن تطورات ومتغيرات، تطورات تتعلق بتحول محاربة الكرد في شمال شرقي سوريا إلى أولوية وحيدة لحكومة أردوغان تجاه الأزمة السورية، ومتغيرات تتمثل في تحول بوتين إلى مرجعية مؤثرة في السياسة التركية تجاه الأزمة السورية بعد أن كان أردوغان يخاطب بوتين: ماذا تفعل طائراتك في سماء حدودنا غير قتل الأطفال؟ نعم كان ذلك قبل أستانا وسوتشي وما سمي بإتفاقيات مناطق حفض التصعيد، والصفقات المشتركة على تبادل مناطق السيطرة في الشمال السوري أو حتى في مناطق أخرى.
بانتظار أن يفيض نهر الفرات مجدداً بين أنقرة ودمشق سياسة ومصالح مشتركة على وقع هذه التطورات والمتغيرات، تتوجه الأنظار إلى ردود فعل الأوساط السورية التي راهنت على أردوغان لتحقيق أهدافها، واللافت أن هذه الردود تجلت على مستويين. مستوى الشارع الذي خرج رفضاً وغضباً من الانقلاب الأردوغاني عليهم، حيث كان مشهد حرق العلم التركي، والهجوم على المقار العسكرية التركية في بلدات ومناطق شمالي سوريا لافتا. ومستوى القادة السياسيين والعسكريين وتحديداً الائتلاف والجيش الوطني، إذ أن هذا المستوى بدا وكأنه يحاول التكيف مع الانقلاب الأردوغاني، وفاقد لخياراته الخاصة بعد أن ربط مصيره بيد تركيا، لكن انقسام الردود على هذين المستويين، وعلى هذا النحو، لا يقلل من حقيقة أن أردوغان وضعهم جميعاً في بازار صفقاته السياسية، ولما لا؟ فهو الذي تبنى دعم الوريغون باسم الإسلام ضد الصين، قبل أن ينقلب عليهم ويبيعهم لبكين مقابل صفقات تجارية ومالية ويبدأ بالتضييق على الوريغيين وتحويل البعض منهم إلى مرتزقة للقتال في حروبه! لما لا، وهو الذي دعم جماعات الإخوان المسلمين في مصر ودول الخليج العربي وأوحى لهم بإيصالهم إلى السلطة في هذه الدول قبل أن يعقد على رأسهم الصفقات مع هذه الدول من أجل مد حكومته بالمال لمواجهة الأزمة المالية الحادة التي تعاني منها! ولما لا، وهو الذي بدأ ببيع حركة حماس بالتقسيط لإسرائيل مقابل إعادة الدفء إلى العلاقة معها، لطالما اعتقد أن إسرائيل هي شريك تاريخي لها، ومفتاح لتحسين العلاقة التركية مع واشنطن! وانطلاقاً من كل ما سبق، ما الذي يمنع أردوغان من بيع رؤوس الذين سموا أنفسهم بالمعارضة السورية لدمشق ثمناً لقدومه إلى هناك من جديد وفتح المعابر الحدودية معها من أجل التجارة والتنسيق المشترك ضد قسد، كما قاله تشاويش أوغلو صراحة.
لقد استنفد أردوغان ورقة السوريين في بارزاته الكثيرة، وفي كل الاتجاهات، فقد استغلهم كامل الاستغلال في وجه أوروبا عندما فتح أبواب البحار أمامهم من أجل إجبار أوروبا على السكوت عن سياساته وحروبه وجرائمه هنا وهناك، فضلاً عن الحصول على مليارات الدولارات منها، كما استخدمهم كمرتزقة في حروبه الكثيرة هنا وهناك حتى بات هؤلاء رأس حربه في حروبه الخارجية، وهكذا تحول هؤلاء إلى مرتزقة بعد أن رفعوا شعارات الثورة والحرية، واليوم عندما استنفد ورقة هؤلاء بدأ يعرضهم للمساومة من أجل هندسة الداخل التركي استعداداً للانتخابات الرئاسية المقبلة. والسؤال هنا إلى متى سيراهن هؤلاء على أردوغان؟ قد يقول قائل إن أردوغان يبحث عن مصلحته ومصلحة بلاده، وأن لا أخلاق في السياسة، ومن المنطق نفسه يطرح السؤال عن مصلحة هؤلاء في البقاء بيادق لأجندة السياسة التركية بعد الانقلاب الأردوغاني عليهم ومحاولة عقد صفقة مع دمشق على رأسهم؟.
نورث برس
——————————-
“قسد” الكردية في الوعي السوري المعارض وتأييد مغامرة أردوغان/ ايلي عبدو
الحرب هي عنصر، لشد العصبية والتلاحم داخل الجماعة، وتفسر تعلق الأكراد بـ”قسد” برغم سلوكها القمعي المدان. لكن، العنصر الحاسم هو ارتباط “قسد” بالقضية الكردية، وترجمتها عبر كيان جغرافي يضم الأكراد بعد عقود من الاضطهاد والغبن.
يقلل معارضون سوريون من تمثيل “قسد” القضية الكردية، مستعينين بمكونات سياسية أخرى، أبرزها “المجلس الوطني الكردي”، قرينةً على عدم احتكار هذا التمثيل. وغالباً ما يتطور الطعن بتمثيل “قسد”، إلى فصل بينها وبين الأكراد وإدراجها ضمن مقولة، “معارضة باتت مكرورة”، ومفادها وجود احتلالات عدة في سوريا. فتصبح القوة الكردية مسلوبة الإرادة من “العمال الكردستاني”.
ولأن الأخير أجنبي، فإن “قسد” احتلال، لا يقل سوءاً عن الأميركي والإسرائيلي والتركي والإيراني والروسي. والطعن والفصل، يحضران بشدة، في الآونة الأخيرة، كحاملين، للكثير من المواقف السورية المؤيدة، للعملية التركية المرتقبة ضد مناطق تحت سيطرة “قسد”.
يوزع أصحاب هذه المواقف مبرراتهم المؤيدة للعملية، بين تصوير الأخيرة بوصفها استهدافاً للقوة المستولية على الأكراد، وليست استهدافاً للأكراد، وبين اختصارها بـ”الكردستاني” فقط، ليصبح الهجوم حرباً ضد “أجنبي”، “متعاون”، بحسب رواية معارضة شائعة، مع النظام السوري.
وفي اتهامهم أو طعنهم بضعف تمثيل “قسد” الأكراد، أو فرض هذا التمثيل بالقوة، يهمل معارضون سوريون، واقع الحروب التي لا تتوقف، والتي تؤثر في صياغة وعي الجماعات حيال من يمثلها، فتصبح “قسد”، برغم تجاوزاتها وقمعها والاتهامات التي تطاولها بخصوص التهجير والتجنيد الإجباري، بالنسبة إلى الكردي المعرض لهجوم دموي، أقرب إليه، من أي مكون سياسي كردي آخر.
الحرب هي عنصر، لشد العصبية والتلاحم داخل الجماعة، وتفسر تعلق الأكراد بـ”قسد” برغم سلوكها القمعي المدان. لكن، العنصر الحاسم هو ارتباط “قسد” بالقضية الكردية، وترجمتها عبر كيان جغرافي يضم الأكراد بعد عقود من الاضطهاد والغبن.
لا يراعي الوعي المعارض الناقد لـ”قسد”، أن القضية الكردية، ممتدة على 4 بلدان، تركيا والعراق وإيران وسوريا، والسلطات في هذه البلدان، برغم تفاوت قمعها الأكراد، فهي لم تساعد على خلق أوضاع مريحة تتيح للنخب الكردية، إنتاج تصورات محلية لقضيتهم، ترتبط بالبيئات التي يعيشون فيها. على العكس، القمع فاقم من التصلب القومي عند الأكراد، وجعل القضية تفيض وتتداخل مع أوضاع البلدان التي تمتد عليها، باستثناء كردستان، التي تتعامل كدولة لها مصالح، فتدعو مثلاً إلى خروج “الكردستاني” من سنجار شمال العراق، لأنه يؤثر في نفوذها في المنطقة، وفي علاقتها مع بغداد وأنقرة. هذا التأرجح بين صعوبة ترتيب أوضاع كردية محلية، وبين فيض القضية الكردية على 4 بلدان، قد يفسّر جزئياً، وجود “الكردستاني” ضمن “قسد”، ضمن تساكن مع أمزجة أخرى، بينها القريب من الأميركيين.
وتعدد الأمزجة، داخل “قسد” تستفيد منه الجماعة الكردية، في بناء شبكة تحالفات متناقضة مبنية على موازين القوى وتغيرها، فبرغم تسليحها الأميركي، تمد “قسد” صلات مع روسيا، وتصعد وتهبط علاقاتها مع النظام تبعاً لخريطة النفوذ على الأرض. وممارسة “قسد” السياسة، انطلاقاً من الوضع الحربي القائم، وتناقضات الفاعلين فيه، تترجم عند معارضين سوريين، كـ”انتهازية” و”أنانية”، ويتم اتهام القوة الكردية بالتحالف مع محور معادٍ لـ”الثورة”، إيراني- روسي، برغم أن إعلام هذا المحور لا يمل من اتهام “قسد” بـ”العمالة” لأميركا و”الارتزاق” لها.
وبهذا تكتمل دائرة الفهم القاصر لدى المعارضين السوريين لـ”قسد”، فقمعها وانتهاكاتها المدانة بشدة، قرينة على عدم تمثيلها الأكراد وفرض نفسها بالقوة، وليس قرينة على أن هذا التمثيل مشوب بوضع حربي، يمنع إنتاج تمثيل للجماعات بأدوات أكثر ديموقراطية. ووجود “الكردستاني”، دليل على وجود “أجنبي” يتحكم بـ”قسد” ويستولي على قرارها بالضد من مصالحها السورية، وليس دليلاً على فيض القضية الكردية على 4 بلدان وصعوبة تطوير أوضاع محلية. وتوزيع التحالفات ضمن موازين القوى لضمان تحقيق مكاسب، دليل على الانتهازية، لا على ممارسة السياسة ضمن ما هو متاح.
والفهم القاصر هذا، انعكاس لوعيين داخل المعارضة السورية، واحد، يتوهم بوجود “وطنية سورية” قابلة للتطوير، فيقترح إدراج القضية الكردية ضمنها، كـ”حل وطني”، ويضيف مفهوم “الدولة- الأمة”، لتجميل طروحاته، وآخر قومي إسلامي، يتجاوز سوريا ويتوحد مع نزعات إمبراطورية خلف الحدود. ومع أن الوعيين ينهلان من جذر إيديولوجي واحد، حيث لا تفكير بـ”الوطنية السورية” استناداً إلى المجتمع بل بتخيله وإسقاط الإيديولوجيات عليه، فإن أصحاب الوعي الأول يستخدمون مفاهيم الحداثة السياسية التي تفتقر للحوامل التاريخية في منطقتنا، لخلق عالمهم الطوباوي الخاص الذي يتيح لهم الترفع عن الانحياز لأي طرف في الحرب التركية المرتقبة ضد “قسد”، وذلك على نقيض، الوعي الثاني، حيث لا يتأخر حاملوه عن إعلان تأييدهم العملية التركية، إذ يستقيم هذا التأييد مع انحيازهم للأمة وممثليها أينما وجدوا.
والفارق ضئيل جداً، بين، عدم الانحياز أو تأييد العملية التركية، إذ إن وعي الأمة، يتلون شكليا بالحداثة السياسية، فيفرز “الوطنية السورية” المتوهمة، والتي يريد أصحابها التفكير نيابة عن الأكراد، الذي يملكون وعياً جماعياً يفرز ممثلين سياسيين على وقع الحرب والتهديد.
درج
——————–
علاقة أنقرة بالنظام السوري..ماذا تقول الصحافة التركية؟
بعد أيام من المواقف التركية التي اعُتبرت جديدة حيال الملف السوري، خاصة المتعلقة منها بإلتواصل مع نظام الأسد، وإمكانية إعادة العلاقات منه، يستمر الجدل والنقاش حول طبيعة هذه العلاقة، وإن كانت تحمل أهدافاً سياسة آنية لأنقرة؟ أم أنها تغيير استراتيجي في هذا الملف؟
الصحف التركية، خاض العديد منها، اليوم الأربعاء، نقاشاً حول قضية إعادة العلاقات بين الجانبين، ومنها صحيفة “حريات“، عبر مقال تحليلي للكاتب المقرب من الحكومة”سدات أرغين”، وحمل عنوان: “لقد تم تجاوز عتبة حرجة في التطبيع مع نظام الأسد”.
وبين أرغين في مقاله الذي ترجمه فريق “السورية.نت”، أن التصريحات المتعلقة بـ”المحادثات” مع النظام وإمكانية إعادة العلاقة معه، سبقتها مواقف مهدت لها، مذكراً بتصريحات للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ووزير خارجيته، جاويش أوغلو، خلال عامي 2018 و2019.
Esad rejimi ile normalleşmede kritik bir eşik geçildi! Sedat Ergin yazdıhttps://t.co/PeAnc5itYW @ErginSedat1 pic.twitter.com/7amdxKd0O1
— Hürriyet.com.tr (@Hurriyet) August 17, 2022
ويذكّر الكاتب في هذا المجال، بخطاب أردوغان على قناة TRT في عام 2019، وقال فيه: “بطريقة أو بأخرى، لن تكسر الحبل تماماً، حتى لو كنت عدوك، قد تحتاج هذا الحبل لبعض الوقت “، وحسب الكاتب، فقد استخدم الرئيس هذا البيان لتبرير الاتصالات التي أعلن حينها أنها تجري بين مخابرات بلاده، ومخابرات الأسد.
ويرى أرغين في هذا السياق، بأنه “من الواقعي توقع تغييرات جذرية في العلاقات بين أنقرة ودمشق في وقت قصير، ومن الواضح أن المسار القادم للحوار بين نظام الأسد وتركيا سيمر بعملية مؤلمة وصعبة للغاية في ظل الإرث الثقيل الذي خلفته الأحداث على مدى السنوات الـ11 الماضية والوضع الفعلي على الأرض اليوم”.
وختم مقالة بالتأكيد على صعوبة “إنكار ظهور وضع جديد في العلاقات، سيخبرنا الوقت كيف سيتشكل هذا الوضع الجديد”.
إعادة العلاقات.. والعودة
صحيفة “صباح“، وتحت عنوان “الفترة الجديدة لسورية”، حاول كاتب المقال محمد برلاس، تبرير تصريحات وزير الخارجية التركي المتعلقة بالتقرب من النظام، مشيراً إلى أنه يمكن من خلالها “تصفية أعضاء حزب العمال الكردستاني”، إضافة إلى “جعل حلب صالحة للعيش من خلال التعاون مع النظام الشرعي في سورية” حسب وصفه.
ومن جانب آخر، رأى برلاس، أنه من خلال استعادة العلاقات، فإنه يمكن لـ”معظم اللاجئين السوريين في تركيا العودة إليها”، متهماً من جانب آخر، الولايات المتحدة الأمريكية بممارسة دور سلبي بما جرى في سورية، وقال: “نحن نعلم أن إحدى الدول الضحية في الشرق الأوسط ، والتي قلبتها أمريكا رأساً على عقب، هي سورية والأخرى هي العراق”.
وتابع: “لقد حان الوقت للخروج من المسار السوري الخاطئ الذي قاد تركيا إليه هيلاري كلينتون، ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو”.
فرصة لـ”فتح الباب”
صحيفة “خبر تورك“، رأت في مقال لها حمل عنوان “إنها مسألة مفاوضات وعودة اللاجئين”، أن هناك “فرصة لفتح الباب، حتى لو لم تكن هناك نتائج ملموسة على المدى القصير”.
وبرر كاتب المقال “كورشاد زورلو”، تأييده لعودة العلاقات، بإمكانية “وضع خارطة طريق واضحة وملموسة لعودة طالبي اللجوء ، والتي هي بالتأكيد القضية الأكثر أهمية لأمتنا”، داعياً إلى أن تكون “العودة (للاجئين) هي الهدف الرئيسي وطريقة عمل الدولة”.
وفي ذات السياق، نوه زورلو، إلى أن وجود “عدد محدود جداً” من السوريين الراغبين في “العودة الطوعية”، يستدعي من الدولة “اتخاذ قرارات وخطوات حاسمة”.
وتحت عنوان “الشرط الوحيد للسلام في سورية”، حاول “علي هابر” في موقع “ايه خبر” طرح تساؤل إن كان بالامكان بدء “حقبة جديدة في سورية”، وحاول الإجابة عليه بالقول، إن بلاده “تريد إعطاء فرصة للطاولة بدلاً من الميدان. لكن طالما بقي حزب العمال الكردستاني، فلن يكون هناك سلام في سورية، تركيا تجبر دمشق الآن على الجلوس إلى طاولة المفاوضات”.
وفي معرض تأييده للسياسة التركية الجديدة تجاه الملف السوري، بين هابر بأن تركيا “تريد أنهاء الوضع الفوضوي بأقل وقت ممكن، وتريد حله دبلوماسياً”، مبيناً أن أهم شي الآن، هو انتظار موقف نظام الأسد الذي لم يعلن موقف من التصريحات التركية الأخيرة، وشدد في نهاية رأيه، على أن نظام الأسد “بجاحة الآن لاتخاذ قرار”.
وكانت “صحيفة تركيا”، المقربة من الحكومة التركية، قد ذكرت في 9 من الشهر الجاري، أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اقترح على نظيره التركي، التحدث هاتفياً إلى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، حول الملف السوري.
ونقلت الصحيفة عن مصادر “مطلعة”، أن دولة خليجية وأخرى إسلامية إفريقية تجري اتصالات دبلوماسية مع الجانبين، من أجل لقاء أردوغان- الأسد.
وأضافت المصادر أن أنقرة تقول، إن اللقاء “المبكر جداً، قد يتم عقده عبر الهاتف وليس وجهاً لوجه”.
وسبق أن أعلنت إيران الوساطة بين تركيا والنظام للتشاور حول العملية العسكرية شمالي سورية، إذ قال وزير الخارجية الإيراني، أمير عبد اللهيان، خلال زيارته لدمشق الشهر الماضي، إن بلاده تحاول “حل الأزمة” بين تركيا والنظام السوري بالوسائل السياسية.
والخميس الماضي، كشف وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو عن لقاء جمعه بنظيره وزير خارجية نظام الأسد، فيصل المقداد، قبل عشرة أشهر، على هامش قمة حركة “عدم الانحياز”.
وقال رداً على سؤال عما إذا كان هناك احتمال لمكالمة هاتفية بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان وبشار الأسد: “هناك أيضاً نقلت أن الحل الوحيد لسورية هو المصالحة السياسية”.
مضيفاً: “يجب إخراج الإرهابيين من سورية. من ناحية أخرى قلت إنه يجب أن يكون هناك سلام بين المعارضة السورية والنظام، ويمكننا، كتركيا، تقديم الدعم في مثل هذا الوضع”.
والاثنين الفائت، أعلن رئيس حزب “الحركة القومية” التركي، دولت باهتشلي، دعمه لمواقف حكومة بلاده ووصفها بـ”البناءة والواقعية”.
وقال باهتشلي، حليف “حزب العدالة والتنمية”، الحاكم في تركيا: “رغبتنا الصادقة في أن يسود جو التطبيع في جميع المجالات ومع كل جيراننا حتى عام 2023، وما تخبرنا به الجغرافيا الشاسعة التي نعيشها هو أن العيش بالاحتضان، وليس القتال”، حسب تعبيره.
——————————–
كيف بدأت وتواترت التصريحات التركية حول سورية مؤخراً؟
أثارت التصريحات التركية الأخيرة حول “الصلح بطريقة ما” بين نظام الأسد والمعارضة السورية، جدلاً واسعاً، خاصة في شمال غربي سورية، حيث تواترت التصريحات والتوضيحات بهذا الخصوص، وأخذت تفسيرات وتأويلات عدة.
جاويش أوغلو و”المصالحة”
البداية كانت مع تصريحات وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، الخميس الماضي، الذي أعلن عن لقاء جمعه بنظيره وزير خارجية نظام الأسد، فيصل المقداد، قبل عشرة أشهر، على هامش قمة حركة “عدم الانحياز”.
وقال رداً على سؤال عما إذا كان هناك احتمال لمكالمة هاتفية بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان وبشار الأسد: “هناك أيضاً نقلت أن الحل الوحيد لسورية هو المصالحة السياسية”.
مضيفاً: “يجب إخراج الإرهابيين من سورية. من ناحية أخرى قلت إنه يجب أن يكون هناك سلام بين المعارضة السورية والنظام، ويمكننا، كتركيا، تقديم الدعم في مثل هذا الوضع”.
تلك التصريحات أثارت جدلاً كبيراً وقوبلت باحتجاجات شعبية غاضبة في مناطق سيطرة المعارضة بالشمال السوري (ريف حلب، إدلب)، إذ فسرها البعض على أنها بداية للتقارب بين تركيا ونظام الأسد، ما دفع العديد من قادة فصائل “الجيش الوطني” للتأكيد على أنه “لا مصالحة مع النظام السوري”.
الخارجية التركية توضح
وزارة الخارجية التركية أردفت تصريحات جاويش أوغلو بتوضيح، أكدت خلاله أن أنقرة تقدم الدعم الكامل للمعارضة السورية ولـ “هيئة التفاوض”.
وقال الناطق باسم الخارجية، تانجو بيلغيتش، الجمعة الماضي، إن بلاده “لعبت دوراً رائداً في الحفاظ على وقف إطلاق النار على الأرض، وتشكيل اللجنة الدستورية عبر عمليتي أستانة وجنيف، وقدمت الدعم الكامل للمعارضة ولجنة التفاوض في العملية السياسية”.
وأضاف أن “المسار السياسي لا يشهد تقدماً حالياً بسبب مماطلة النظام”، مؤكداً أن “القضايا التي عبّر عنها جاويش أوغلو بالأمس تشير إلى ذلك”.
تلك التطورات دفعت محللين وصحفيين أتراك لنشر تقييمات وإجابات تتعلق بسؤال: “هل حديث الوزير التركي مؤشر على عودة العلاقات بين النظام وتركيا؟”.
الصحفي التركي، راغب صويلو، كتب تقريراً، السبت الماضي، في موقع “ميدل إيست آي“، وجزم بعنوانه، بالقول: “لا تتوقعوا تطبيع العلاقات بين تركيا وسورية في أي وقت قريب”.
ونقل صويلو عن مصادر وخبراء ومسؤولين أتراك قولهم إنه: “لا يوجد شيء جديد في بيان جاويش أوغلو، الذي أشار إلى المفاوضات السياسية التي أجريت من خلال الحكومة السورية والمعارضة في جنيف ثم نور سلطان، عاصمة كازاخستان سابقاً”.
وأضاف مصدر تركي أن “تركيا تحاول بالفعل إحلال السلام من خلال هذه الآليات الرسمية، لكن النظام يعيق التقدم، كما يفعل في اللجنة التي تعمل على صياغة دستور”.
مقربون للحكومة على خط التصريحات
وأمس الاثنين، أعلن رئيس حزب “الحركة القومية” التركي، دولت باهتشلي، دعمه لمواقف وزير خارجية بلاده حول سورية، ووصفها بـ”البناءة والواقعية”.
وقال باهتشلي، حليف “حزب العدالة والتنمية”، الحاكم في تركيا، ورئيسه رجب طيب أردوغان، إن “الخطوات التي اتخذتها تركيا بشأن سورية قيّمة ودقيقة، وكلمات وزير خارجيتنا البنّاءة والواقعية حول إحلال السلام بين المعارضة السورية ونظام الأسد هي تلميح قوي للبحث عن حل دائم. لا يجب أن ينزعج أحد من هذا”.
وأضاف:“رغبتنا الصادقة في أن يسود جو التطبيع في جميع المجالات ومع كل جيراننا حتى عام 2023 وما تخبرنا به الجغرافيا الشاسعة التي نعيشها هو أن العيش بالاحتضان، وليس القتال”، حسب تعبيره.
وكان دولت باهتشلي قد تعهد في وقت سابق، بأن بلاده “لن تسلم اللاجئين السوريين إلى الجلاد الذي ينتظرهم حاملاً خنجراً بيده”، في إشارة إلى رأس النظام السوري، بشار الأسد.
إلا أنه استدرك خلال كلمة له أمام البرلمان التركي، في 10 مايو/ أيار 2022، بالتأكيد على أنه “عندما تهدأ الأمور في سورية لابد من عودتهم”، وفق ما نشره موقع قناة “NTV“ التركية.
“مصالحة” أم “تفاهم”؟
أعاد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، اليوم الثلاثاء، توضيح تصريحاته السابقة بعد الجدل الذي أثارته، نافياً حديثه عن “مصالحة” بين نظام الأسد والمعارضة السورية.
وقال الوزير التركي في مؤتمر صحفي مع وزير خارجية لاتفيا، إدغار رينكيفيكس، إن “هناك من حرّف أقوالنا، ليس في سورية فقط، بل في تركيا”.
وتابع: “أولئك الذين يريدون تحريف كلماتنا يمكنهم فعل ذلك، ونحن نعلم من قام بالتحريف”.
وأضاف أن “المعارضة (في سورية) تثق بتركيا، ولم نخذلها أبداً، لكننا قلنا أن التفاهم شرط لإحلال الاستقرار والسلام الدائمين في سورية”.
زيارة غير رسمية لدمشق
على صعيد آخر، أعلن الأمين العام لحزب “الوطن” التركي، أوغور بورسالي، أن رئيس الحزب، دوغو بيرنتشيك، ورجل الأعمال، أدهم سنجاك، الذي انضم مؤخراً إلى الحزب، سيزوران سورية في غضون الأسبوعين القادمين.
ووفق ما نقله موقع “بي بي سي” التركي، اليوم الثلاثاء، فإن زيارة وفد الحزب الذي لا يملك أي مقعد في البرلمان التركي، ستتضمن لقاء رئيس النظام، بشار الأسد، ووزراء من حكومته.
Vatan Partisi, Genel Başkanımız Sayın Doğu Perinçek Başkanlığındaki bir heyetle, önümüzdeki 15 gün içerisinde Suriye’ye gidecek ve Sayın Beşar Esad ile görüşme yapacaktır.
Ayrıntılı takvimi önümüzdeki günlerde duyuracağız. pic.twitter.com/yea0VVJTFI
— Özgür Bursalı (@ozgurbursali) August 16, 2022
ويعتبر رئيس حزب “الوطن” (حزب العمال سابقاً) من الشخصيات المقربة من روسيا، أما مرافقه سنجاك، فقد كان أحد أعضاء “حزب العدالة والتنمية”، قبل أن يتم فصله من الحزب، إثر انتقاد للحزب، واتهامه بأنه “تقلد الحكم بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية”.
وكان بيرنتشيك، قد زار دمشق في مارس/ آذار 2015 على رأس وفد، التقى فيها بشار الأسد وعدد من مسؤولي النظام، وصرح عقب اللقاء بأن “الأغلبية الساحقة في تركيا هم أصدقاء سورية، ويرفضون الإرهاب ويدركون أن أي زعزعة للاستقرار فيها ستزعزع استقرار تركيا، وهم على إدراك أن النار التي أشعلت في سورية ستحرق بيوتنا”. على حد قوله.
————————
بيان حزب الشعب الديمقراطي السوري
بيان
حتى أنتِ يا تركيا؟
بتصريح ” أوغلو ” وزير خارجية تركيا، تتكشّف الانعطافة الحادّة في السياسة التركيّة تجاه القضية السوريّة، فليس الأمر تحليلاً ولا استشرافاً ولا زلّة لسان، فقد أقرّ باجتماعه -قبل عام- مع وزير خارجية العصابة الأسدية، وأكّد التنسيق الأمنيّ المتواصل بين البلدين، وأبدى الجاهزية للعمل على مصالحة المعارضة ونظام التوحّش والإبادة، وأبرز المرونة التركية للسير في طور تطبيع متدرّج للعلاقة مع النظام لما فيه مصلحة البلدين، وأسقط “عنوة” التزامه بالقرار 2254 بينما ركّز على مخرجات أستانا وسوتشي.
بدأ الاستثمار التركي باكراً بتخلّيه عن خطّه الأحمر في حمص وحماة، وأكمل ذلك بمقايضاته في حلب الشرقية وتوافقاته مع الأمريكان والروس في الشمال والشمال الشرقي، و”منبج وتل رفعت”، وصولاً إلى سقوط أرياف حماة وحلب الشمالية وجنوب إدلب بيد ميليشيات النظام المدعومة بالطيران الروسي والقطعان الإيرانية، وكذلك عملياته العسكرية وضغطه على “قسد” لإبعادها عن حدوده، أو دفعها إلى أحضان النظام وحلفائه، وفرض أمر واقع جديد بعد قمّتي طهران وسوتشي.
لقد قبضت تركيا على مفاتيح قرار المعارضة السورية السياسية والعسكرية، فروّضتها وهيكلتها ووظّفتها وفقاً لمصالحها في صراعاتها مع أعدائها وحلفائها في سورية وخارجها. وأخيراً جعلت من القضية السورية ورقة في بازار الانتخابات التركية، كما استعملتها أداة ابتزاز للغرب مقابل إغلاق معابره أمام اللجوء.
إننا في لجنة المهجر لحزب الشعب الديمقراطي السوري، إذ نُكبر في السوريين نهضتهم لرفض استدارة السياسة التركية على حساب قضية السوريين وتضحياتهم الكبيرة ومعاناتهم الأليمة – بعد الضيق بهم والتضييق عليهم وملاحقتهم بخطاب العداء والكراهية- نشدّ على أياديهم للاستمرار في وقفتهم وثباتهم، ونهيب ببعدهم عن الانفعال والاحتكاك مع الشعب التركي أو المساس برموزه.
إننا -السوريين- نؤكّد على حقّنا في امتلاك قرارنا الذي ارتهن للقوى الخارجية؛ لهزال مؤسسات المعارضة الرسمية، وتبعيّتها لداعميها، وفقدانها الأهلية لقيادة المرحلة الراهنة في ظلّ تعقّد الوضع الإقليمي والدولي وانعكاساته على سورية، التي أضحت مسرح الصراعات، وتموضع التحالفات المرحلية، والتوافقات المصلحية، والتناقضات السياسية.
إن عصابات الإبادة الأسدية يجب أن تُحاكم، لا أن يُتصالح معها وتُؤهَّل لتستمرّ في الاستبداد والتحكُّم، ومفتاح تنفيذ ذلك القرارات الأممية ذات الصلة، لا الالتفاف عليها، ولن يتحقّق ذلك إلا بوحدة موقف السوريين، وتوحيد قواهم السياسية، وتقارب رؤاهم الآنية والمستقبلية، واصطفافهم مع قيادة تمثّلهم لا تمثِّل عليهم، بعيدة عن الارتهان إلا لمصلحة سورية الشعب والوطن، ومتمسّكة بثوابت ثورة الحرية والكرامة، على طريق سورية الواحدة لكلّ أبنائها ديمقراطية تعدّدية مدنيّة.
13/ 8 / 2022
* لجنة المهجر في حزب الشعب الديمقراطي السوري
—————————
ما مصير الجيش الوطني السوري إذا تصالحت تركيا مع الأسد؟
عربي21 – حسن المصري
أثارت تصريحات وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، حول ضرورة مصالحة المعارضة السورية مع النظام بطريقة ما، الكثير من التساؤلات حول مستقبل اللاجئين السوريين في تركيا، لكن السؤال الأبرز تعلق بمستقبل المنطقة الآمنة التي تعمل تركيا على إنشائها شمال سوريا.
وتعتمد تركيا في إنشاء المنطقة الآمنة في سوريا على شن عمليات عسكرية بمشاركة الجيش الوطني السوري، لإبعاد وحدات حماية الشعب الكردية وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” من الحدود التركية السورية لمسافة 30 كم.
ويعتبر “الجيش الوطني السوري” المدعوم بشكل رئيس من الجيش التركي، قوة تركيا في المعارك البرية، خاصة أن الفصائل السورية هي من تتولى السيطرة على المناطق في شمال سوريا بعد العمليات التركية.
ويضم الجيش الوطني مجموعة من فصائل المعارضة السورية المسلحة، وتشكل الجيش قبل العملية العسكرية الأولى لتركيا في سوريا، التي أطلقت عليها تركيا تسمية “درع الفرات” في آب/أغسطس 2016.
مستقبل الجيش الوطني
وأكد المحلل العسكري والاستراتيجي أحمد رحال، في حديث لـ”عربي21″، أن المعطيات تشير إلى إمكانية تصالح تركيا مع النظام السوري، وهو ما ظهر بتصريحات المسؤولين الأتراك.
ورأى أنه من حق تركيا اتباع المسار الذي يلبي مصالحها ويحفظ أمنها القومي، وهذا حق سيادي تركي لا يمكن للسوريين أو غيرهم التدخل به.. لكن ليس من حق تركيا أن تفرض على السوريين الوصاية وتأخذهم إلى مواقع تضر بالثورة السورية.
وأضاف: “كلمة مصالحة تهين 13 مليون سوري بين مهجر ولاجئ ونازح”.
وشدد على أنه لا يمكن التنبؤ بمستقبل الجيش الوطني السوري في حال تصالح تركيا مع النظام، وهو ما أيده المحلل العسكري، عبد الله الأسعد، الذي أكد أنه لا توجد خيارات أمام الجيش الوطني سوى خيار واحد وهو الوقوف مع الشعب المهجر في المخيمات، واللجوء إلى المقاومة وعدم الانصياع لقوات النظام.
ويعتمد الجيش الوطني بشكل كامل على تركيا فقط، والجيش التركي هو من يمول فصائل الجيش الوطني بالغذاء والسلاح، كما أنه يشرف على تدريبات العناصر.
وأشار رحال إلى أن “بعض فصائل الجيش الوطني لا تزال تملك بعض الاستقلالية، إضافة إلى بعض القادة المحافظين على الخط الوطني، وهؤلاء يمكن أن يتخذوا موقفا مغايرا.. لكن عددهم قليل جدا”.
وأكد أن السوريين بحاجة إلى قيادة سياسية جديدة تنسج شبكة علاقات وتقاطع مصالح مع جميع الدول وأولهم تركيا، إضافة إلى التخلص من حالة التبعية لأي دولة.
ويخشى ناشطون سوريون من تكرار تجربة الجنوب السوري في حال مصالحة تركيا مع النظام السوري، وتطبيق اتفاقيات التسوية في الشمال السوري، لكن الأسعد أكد أن عناصر الجيش الوطني يرفضون اتفاقيات التسوية، أو الاندماج مع قوات النظام لأنها أصبحت مليئة بالمليشيات الشيعية والإيرانية وغير ذلك.
وأوضح أن عملية دمج بعض عناصر الجيش الحر في درعا ضمن صفوف قوات النظام انتهت بتصفية العناصر وتنفيذ عمليات اغتيال.
التصالح احتمال مستبعد
واستبعد أن يتم التصالح بشكل واسع بين تركيا والنظام السوري، مشيرا إلى أن الأردن حاول إعادة العلاقات مع النظام لكن المحاولة لم تنجح لأن النظام السوري فاشل وتحكمه المليشيات والفساد.
وشارك “الجيش الوطني السوري” في 4 عمليات تركية نفذت في سوريا بدأت في عملية “درع الفرات” بتاريخ 24 آب/ أغسطس 2016، وتمكن خلالها الجيش التركي من الدخول إلى جرابلس والباب ودابق، بعد معارك مع تنظيم الدولة.
وفي 20 كانون الثاني/ يناير 2018، بدأ الجيش التركي عملية “غصن الزيتون”، التي استهدفت وحدات حماية الشعب التركية وحزب العمال الكردستاني، وتم خلالها السيطرة على عدد من المناطق السكنية أبرزها مدينة عفرين بريف حلب.
وبتاريخ 9 تشرين أول/ أكتوبر 2019، استهدفت القوات التركية وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني في منطقتي تل أبيض ورأس العين شرق الفرات، وتوقفت العملية بعد توقيع تركيا اتفاقية أنقرة مع الولايات المتحدة الأمريكية واتفاقية سوتشي مع روسيا.
ونفذت القوات التركية في 27 شباط/ فبراير 2020، عملية استهدفت قوات النظام السوري، على خلفية مقتل أكثر من 30 عسكريا تركيا بقصف لقوات النظام في إدلب شمال سوريا.
————————-
«عرض غربي» لمعارضين سوريين لفك ارتباطهم بتركيا
أنقرة: سعيد عبد الرازق
كشف مصدر في المعارضة السورية، الموالية لتركيا، عن أن دول «التحالف الدولي للحرب على داعش» تبذل مساعي لفصل المعارضة عن أنقرة مقابل وعد بتمكينها من إنشاء منطقة تخضع لسيطرتهم في إدلب وحماة وحلب.
وقالت صحيفة «تركيا»، المقربة من الحكومة، الاثنين، إن الدول الغربية تتخذ إجراءات لتعميق ما سمتها «الفوضى» في سوريا، مشيرة إلى أن دول التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» الإرهابي اتصلت بالمعارضة السورية، وأخبرتها أن تركيا ستسلمها للنظام السوري، ووعدتها في حال تخليها عن تركيا والاتفاق معها، بأنها ستمنحها إدلب وحلب لتكون لها دولة مستقلة.
ونقلت الصحيفة عمن وصفته بـ«قائد فصيل كبير حضر الاجتماع مع ممثلي التحالف الدولي» (لم تسمه)، أن «دولاً في التحالف قالوا لنا إننا سنمنحكم إدلب وحماة وحلب، فيما ستكون درعا والسويداء منطقة حكم ذاتي مشتركة بين السنة والدروز، أما دمشق وحمص واللاذقية وطرطوس فستكون دولة للعلويين».
وذكر القيادي السوري المعارض، أن ممثلي التحالف أكدوا أنه في حال رغبة المعارضة مستقبلاً بالاتحاد مع مناطق «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها سيقدمون لها كل أنواع الدعم، كما سيقدمون الدعم للحصول على الاعتراف الدولي.
وأشار المصدر إلى أن فصائل عدة تابعة لـ«الجيش الوطني السوري»، الموالي لتركيا، حذرت من الانجرار وراء ما وصفته بـ«ألاعيب المحرضين»، مؤكدة أن هذه التقسيمات مفتعلة، والهدف منها خلق الفوضى.
وتسببت تصريحات لوزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، الخميس الماضي، حول لقاء قصير جمعه مع نظيره السوري فيصل المقداد، في بلغراد، على هامش اجتماع لدول عدم الانحياز في بلغراد، العام الماضي، وتأكيده ضرورة المصالحة بين المعارضة السورية والنظام كطريق وحيد لتحقيق السلام الدائم في سوريا، في موجة غضب واحتجاجات عارمة في مناطق سيطرة القوات التركية والفصائل الموالية لها في شمال سوريا، اتهمت أنقرة، النظام السوري و«قسد»، بالتحريض عليها.
على صعيد آخر، سقطت قذائف صاروخية عدة، الاثنين، بالقرب من القاعدة العسكرية التركية في قرية دابق بريف اخترين شمال حلب، مصدرها مناطق انتشار قوات «قسد» والنظام، تزامناً مع قصف مدفعي على قرية الغور بريف مارع، حسب ما أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان». كانت القواعد العسكرية التركية المنتشرة بأطراف مدينة مارع قصفت، الأحد، بعشرات القذائف الصاروخية، محيط مدينة تل رفعت وقرى تل زويان وحربل والشيخ عيسى بريف حلب الشمالي، ضمن مناطق انتشار «قسد» وقوات النظام، إثر تعرض القاعدة العسكرية التركية حزوان بريف مدينة الباب لاستهداف بصاروخ حراري، طال نقطة حراسة داخل القاعدة، وتعرض القاعدة العسكرية التركية في قرية تويس بريف مدينة مارع إلى قصف مدفعي، مصدره المناطق ذاتها.
الشرق الأوسط
—————————
باسل معراوي يكتب لـ”داماس بوست”: لماذا تصريحات وزير الخارجية التركي مفاجئة وصادمة؟/ د. باسل معراوي
لم تكن متوقعة أو موفقة أبدا تصريحات السيد مولود جاويش أوغلو وزير الخارجية التركي بشأن علاقة تركيا بالملف السوري ككل.
لم تكن متوقعة لأن الدهشة والحيرة والتفسيرات المتناقضة لفت تلك الأقوال، وليست موفقة لانها أسفرت عن اندلاع احتجاجات شعبية ورفض لها وإدانة أو استنكار أو عدم قبول من كل الفعاليات العسكرية والمدنية الرسمية والشعبية الصديقة لتركيا والحريصة على صداقتها.
لقد أتت تلك التصريحات في خضم ترقب شعبي واكب خلال أكثر من شهرين تصريحات للقيادة التركية عن عزمها البدء بعملية أو عمليات عسكرية في الشمال السوري تؤدي بالنتيجة لتحقيق أمرين تتقاطع بهما المصالح المشتركة، وهما إبعاد الخطر الإرهابي عن الحدود التركية التي تراها أنقرة مناسبة لها، وتحرير لأراض سورية من احتلال عصابات قنديل وعودة سكانها الى بيوتهم.
وتم تحديد المكان بحيث يكون في المرحلة الأولى منبج وتل رفعت.
استبشر الأهالي خيرا وحزموا حقائبهم واستعدوا لنزع أوتاد خيامهم والعودة لأراضيهم التي يرونها بالعين المجردة ولاتبعد خيمة النازح من أهلها إلا بضع كيلومترات عن منزله وأرضه وذكرياته ومرابع طفولته وشبابه.
كان الترقب على حلول ساعة الصفر هل هي بمنتصف ليلة ما؟… هل بعد انتهاء موسم الحج والعيد؟ هل هي قبل قمة الناتو في مدريد بأواخر حزيران الماضي أم بعدها؟ وهل موافقة الحليف التركي على انضمام السويد وفنلندا للحلف الأطلسي كانت مقدمة لها؟ هل ستكون ساعة الصفر قبل قمة جدة العربية الأمريكية التي عقدت في منتصف تموز الماضي أم بعدها؟ هل يعني تفهم وزيري الخارجية الروسي والايراني خلال زيارتيهما المنفصلتين لأنقرة عن مخاوف تركيا الأمنية الضوء الأخضر للبدء بالعملية؟ وانتقل انتظار ساعة الصفر الى قمة أستانة في طهران والتي رآها البعض ردا على قمة جدة، هل ستكون الساعة المنتظرة قبل قمة طهران أم بعدها؟
لم تقترب ساعة الصفر ولم ينشق القمر، واتجهت الأنظار صوب موسكو، والقمة الثنائية بين الرئيسين التركي والروسي، هل استعصى الضغط على ضوء العملية الأخضر في طهران وقطع الإيراني الكهرباء بل ضغط على زر أحمر وكان الرئيس الروسي يفضله برتقاليا، هل ذهب الرئيس التركي إلى سوتشي لكي يضغط الرئيس الروسي باجتماعهما المغلق على الضوء الأخضر؟
انتهت القمة وبدل أن نرى الضوء الأخضر في نهاية نفق العملية التركية صدمتنا تصريحات السيد الوزير جاويش أوغلو
وكان أغلبية المتابعين والمحللين يختلفون على موعد بدء العملية أو على محدوديتها او شموليتها لأكثر من منطقة بآن واحد، أو على طبيعتها هل هي اجتياح بري كلاسيكي كما العمليات الأربع أم موافقة أمريكية وروسية للطيران التركي المسير على استهداف القيادات الارهابية الخطرة التي تريد أنقرة تصفيتها.
كان الحديث عن وساطة إيرانية بين أنقرة ودمشق لا يأخذه أحد على محمل الجد، لأن تلك كانت رغبة إيرانية قديمة كانت ترفضها أنقرة رفضا قاطعا.
وعند إعلان وزير الخارجية الإيراني عنها من دمشق لم يلتفت إليها أحد أو يلقي لها بالا، وما أكد ذلك دعوة وزير خارجية النظام إلى طهران تزامنا مع انعقاد القمة الأخيرة على أمل إحداث خرق ما وترتيب لقاء تركي مع النظام ولو على مستوى وزيري الخارجية.
لم يحصل ذلك بل كان جو القمة بطهران متلبدا بالغيوم بين روسيا وإيران من جهة وتركيا من الجهة الأخرى، ولم يختلف اثنان على تقييم قمة طهران بالفاشلة وأنها سلقت على عجل ولم يتم التحضير لها جيدا ورغب الإيرانيون والروس بإبراز محور أستانة كمحور مناهض لمحور 9+1، دول مجلس التعاون الخليجي الستة مع مصر والعراق والأردن مع الرئيس الأمريكي كقمة عربية أمريكية تاريخية عنوانها ومضمونها مناهض للتمدد الإيراني والدور الروسي في المنطقة، وكان ظهور إحدى دول الناتو بقمة طهران يعتبر إنجازا هاما.
مع كل ذلك قابل الرئيس التركي المرشد الأعلى ولم يسمع منه إلا اعتراضا قويا على عمليته العسكرية في الشمال السوري.
ومما يدلل على فشل المساعي الإيرانية الروسية بإحداث اختراق مهم بين النظام السوري وتركيا هو تصريحات المقداد من طهران في اليوم التالي للقمة التي هاجم بها تركيا بعنف.
ماذا حدث في لقاء القمة الأخير في سوتشي؟ وبدأ سماع صيغة خطاب تركية مختلفة من المسؤولين الأتراك عن مقاربة قد تكون مختلفة للملف السوري توجها السيد أوغلو بتصريحه الأخير عن ضرورة إجراء مصالحة ما بين المعارضة والنظام هو المفاجئ لكل السوريين في الشمال المحرر والخارج وعتب شديد على الوزير وصل لاندلاع المظاهرات الشعبية العارمة الرافضة لها والمطالبة بدعم تركي للشعب السوري كما كان بل أكثر من السابق والتمترس بالحل الدولي وفق القرارات الدولية.
ويجب أن نلاحظ الارتباك الذي اعترى المسؤولين الأتراك من شرحهم لمعنى مصالحة التي ذكرها الوزير التركي بل أنه يقصد التوافق وإصدار الخارجية التركية للببان الرسمي الذي يجدد الثوابت التركية حيال الملف السوري.
إن كلمة “مصالحة” لا يفهمها الشعب السوري الثائر إلا مصالحات وتسويات على طريقة المصالحات التي قام بها النظام في الجنوب السوري والتي كانت فاشلة ونتائجها كارثية مع علم الجميع أن الشمال المحرر بملايينه الخمسة هم من رافضي أي صلح أو تسوية مع النظام المجرم ولايرون سبيلا للحل إلا بإسقاطه ومحاكمة المجرمين وتحقيق العدالة الكاملة.
والكثير منهم ترك منزله وسكن خيمة في الشمال أو أتى بباص أخضر رافضا أي تسوية أو مصالحة مع النظام قبل بها غيره.
لايمكننا إلا تسجيل ملاحظة جديرة بالاهتمام هي أن السجالات الآن تدور في الصف السوري التركي، ولم نلحظ أي ترحيب من نظام الأسد بالخطوة التركية المفاجئة ولا حتى ترحيبا روسيا أو إيرانيا باعتبار أن ذلك التصريح الشهير قد يكون تعبيرا عن خطة أستانية مدروسة لمقاربة للحل السوري بعيدا عن مسار جنيف الأممي.
حتى أن وقع تلك التصريحات التركية من المفترض أن تصب في صالح نظام الأسد الصامت لحد الآن والذي بدل أن تتحسن الليرة السورية مقابل الدولار فإنها تهاوت كثيرا في الأيام الأخيرة لمستويات قياسية، الأمر الذي يفسره البعض أن تلك التصريحات الصادرة عن وزير الخارجية التركي تستهدف الداخل التركي وليس غيره وهي في ضوء الصراع الانتخابي المبكر بين حزب الحكومة والرئيس وأحزاب المعارضة التي توحدت كلها بجبهة واحدة ضده والغاية من ذلك سحب ورقة قوية من يد المعارضة التركية.
داماس بوست
———————–
تصريحات جاويش أوغلو.. هل ستتصالح أنقرة مع دمشق؟/ سعيد الحاج
أثارت تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو جدلًا واسعًا بخصوص نظرة بلاده للعلاقة مع النظام السوري من جهة ورؤيتها للحل في سوريا من جهة ثانية.
أول لقاء
وكان جاويش أوغلو قال الخميس الفائت -في معرض رده على سؤال وُجه إليه بخصوص إمكانية حصول اتصال هاتفي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره السوري بشار الأسد- إنه تكلم مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد على هامش قمة دول عدم الانحياز في أكتوبر/تشرين الأول من العام الفائت. ورغم أن الوزير التركي نفى وجود قناة دبلومسية بين البلدين، وأكد رفض أردوغان فكرة الاتصال الهاتفي مع الأسد، وأن اللقاء كان عابرا وقصيرا وغير مرتب له سلفًا، وأنه كان “قبل مأدبة الطعام وخلال الحديث مع وزراء آخرين”؛ في محاولة منه لتقليل حجم الحدث ودلالاته، إلا أن التصريح تسبب في جدل كبير بين السوريين على وجه التحديد.
وما زاد الجدل بقية تصريحات الوزير التي تحدثت عن ضرورة عمل تركيا على “مصالحة النظام والمعارضة” السوريَّيْن، إذ إنها الطريق الوحيدة للحفاظ على وحدة الأراضي السورية والاستقرار في سوريا.
أثارت التصريحات موجة غضب وانتقادات بين السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي، ورأى فيها كثيرون إشارة لقرب بدء علاقات سياسية بين تركيا والنظام السوري، لا سيما أنها أتت بعد قمة سوتشي التي جمعت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأردوغان، وقال الرئيس التركي إن الرئيس الروسي دعاه خلالها مجددا لإنشاء علاقات سياسية مع دمشق، وكذلك بعد خبر -لم يتأكد- عن احتمال حصول اتصال هاتفي بين أردوغان والأسد.
رد الفعل الأبرز كان في شمال سوريا، حيث نُظمت عدة مظاهرات حاشدة ورافضة لفكرة التصالح مع النظام، وكان ذلك في ما يبدو ضمن الأسباب التي دفعت الخارجية التركية لإصدار بيان توضيحي حول موقفها من القضية السورية.
البيان الذي صدر في 12 من الشهر الجاري، أي في اليوم التالي لتصريحات جاويش أوغلو، أكد أن تركيا مستمرة في تضامنها مع الشعب السوري، وأنها ما زالت تدعم حلًا سياسيًّا للقضية السورية يراعي مطالب الشعب السوري، وحمّل مسؤولية تعثر المسار السياسي للنظام.
معطيات مهمة
في محاولة الإجابة عن سؤال احتمالية تغير الموقف التركي من النظام؛ تبدو السياقات العامة والمعطيات الكبرى أعمق دلالة من التفاصيل. أوَّلُ هذه المعطيات أن مسار المصالحات والتهدئة في المنطقة بُني على عدة أسس؛ وفي مقدمتها إخفاق “الربيع العربي” في معظم -إن لم يكن كل- الدول التي شهدته، مما دفع القوى الإقليمية لمحاولة العودة إلى معادلات ما قبله.
والمعطى الثاني أن منع قيام كيان سياسي مرتبط بحزب العمال الكردستاني المصنف على قوائم الإرهاب التركية هو الأولوية الأهم لأنقرة في القضية السورية، وبأي وسيلة ممكنة.
والثالث أن القضية السورية -لا سيما ما يتعلق بالمقيمين السوريين في تركيا- هي أحد أهم الملفات على أجندة الانتخابات المصيرية المقبلة في البلاد، وهو ما دفع حكومة الرئيس أردوغان للحديث عن مشروع تعمل عليه لإعادة/عودة مليون سوري إلى الشمال السوري قريبا.
والرابع أن هناك قناة استخبارية -وربما عسكرية- بين أنقرة ودمشق بشكل رسمي وعلني، وأكد الرئيس التركي نفسه وجود هذه القناة، فضلا عن التصريحات الأخيرة لوزير خارجيته. ودعت روسيا تركيا أكثر من مرة للتواصل السياسي والدبلوماسي مع النظام السوري بشكل مباشر لمعالجة ما تعدُّه أخطارا وتهديدات لأمنها القومي، لا سيما ما يرتبط بالمنظمات الانفصالية في الشمال السوري؛ وكان رد أنقرة دائما عدم الحاجة لهذه القناة الدبلوماسية والاكتفاء بالاستخبارية، وهو ما كرره أردوغان خلال عودته من قمة سوتشي الأخيرة مع بوتين.
والمعطى الخامس أن تركيا عدلت موقفها من القضية السورية ورؤيتها للحل الأفضل لها على مدى السنوات الماضية وفق التطورات الداخلية في تركيا والميدانية في سوريا والمقاربة الدولية لها، منتقلة من الدعوة للإصلاح لدعم الثورة للمطالبة برحيل الأسد لقبول الحل السياسي مع اشتراط رحيله لقبول فترة انتقالية لا يعود بعدها رئيسا.
وأخيرا أنه من المفيد التذكير بالدعوات المنتشرة في تركيا للتعاون مع نظام الأسد من باب المصالح المشتركة المتمثلة في منع قيام كيان “كردي” في الشمال السوري وعودة اللاجئين، وهي دعوات من المعارضة التركية في الأساس، ولكن تشاركها فيها أوساط سياسية وإعلامية وبحثية مقربة من الحزب الحاكم نفسه. ومما يزيد في أثر هذه الدعوات والنقاشات استمرار التجاهل الأميركي للمصالح التركية من خلال دعم قوات سوريا الديمقراطية، وشعور أنقرة بضرورة ترتيب أوراقها في هذا الملف المهم مع موسكو.
مصالحة
فهل تعني تصريحات وزير الخارجية التركي أن بلاده تسير نحو مصالحة مع النظام السوري وفتح قناة سياسية مباشرة مع دمشق؟
في اعتقادنا أن الأمر يحتاج نقاشًا في مسارين مختلفين ولكنها مرتبطان إلى حد ما:
المسار الأول هو مصالحة بين دمشق وأنقرة، وهو أمر لا يبدو وشيكا ولا تقوم على وقوعه قريبا قرينةٌ حقيقية. صحيح أن كل ما سبق من سياقات ومعطيات تدفع بهذا الاتجاه، ويدعم هذه الفرضية رفض روسيا وإيران العملية التي لوّحت بها أنقرة في الشمال السوري وحاجة الحكومة التركية لتقديم إنجاز في هذا الإطار ودفع موسكو لتحقيق أهداف العملية (إبعاد مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية 30 كيلومترا عن الحدود) من خلال النظام وليس عبر عملية عسكرية.
هذا صحيح، لكن من جهة أخرى تدرك أنقرة أن تطبيع علاقاتها مع النظام -بما يشمل الاعتراف به- قد يكون مقدمة لمطالبته إياها بسحب قواتها من الأراضي السورية. وهو أمر يدفع لاستبعاد هذا الاحتمال مرحليا، وتوقعه فقط في حالة حصول صفقة متكاملة بين الطرفين بوساطة روسية، بحيث يشمل ذلك حل مسألة اللاجئين وبقاء القوات التركية في سوريا مؤقتا مع تطوير “اتفاق أضنة”.
أما المسار الثاني، والمتعلق بالتصالح بين النظام والمعارضة، أو بالأحرى الرؤية تجاه حل القضية السورية؛ فهو يحتمل تطورا في الموقف التركي أكثر من الأول. دوليًّا وإقليميًّا لم يعد هناك من يدعو لإسقاط نظام الأسد، ومحليًّا لم يعد هناك الكثير ممن يقاتلونه. صحيح أن المقبول دوليا وتركيًّا وفق ما هو معلن حلٌّ سياسي وفق القرار 2254، ولكن غياب الأدوات التي يمكن أن تفرض هذا الحل، وتجمد المسار السياسي عند عقدة اللجنة الدستورية، والأوضاع الميدانية في سوريا، وأوراق القوة التي تمتلكها موسكو في الملف السوري، وغيرها من العوامل لا تحيل لتطبيق القرار في نهاية المطاف، وإنما إلى حل أقرب للرؤية الروسية؛ وهو الإصلاح تحت راية النظام أو إعادة هيكلة الأخير في أفضل الأحوال.
وعليه، فإن تحول أنقرة لقبول حل سياسي يشمل بقاء النظام والعمل على مصالحة بينه وبين المعارضة المدعومة تركيًّا يبدو أمرًا متوقعًا ومتناغمًا مع التطورات الميدانية والتصريحات السياسية من المسؤولين الأتراك مؤخرا.
وفي هذا الإطار، لا ينبغي فهم التصريحات التركية على أنها بالونات اختبار تحضيرًا لمرحلة قادمة، ولكنها تعبير عن تغير في التوجهات قد حصل وينتظر التبلور في خطوات ملموسة على أرض الواقع، قريبا أو لاحقا حسب ما تفرضه الظروف.
في الخلاصة، تنظر أنقرة للملف السوري من زاوية الانتخابات المصيرية المقبلة، وتحتاج حكومتها أن تسجل فيه إنجازا ما قبلها؛ على صعيد مكافحة مشروع العمال الكردستاني في الشمال السوري من جهة، وعودة/إعادة السوريين إليه من جهة ثانية. وفي ظل تعقد الأوضاع الميدانية وتشابك المواقف السياسية الرافضة للعملية التركية، قد تقبل أنقرة تسجيل بعض النقاط وتحقيق بعض الأهداف عن طريق النظام في إطار تفاهمات مع الضامن الروسي، وهو ما تطمح موسكو إلى أن تحوله إلى قناة دبلوماسية تطور علاقات سياسية بين الجانبين.
يعني ذلك أن أنقرة منفتحة حاليا على دعم خطوات من النظام باتجاه قوات سوريا الديمقراطية تخدم رؤيتها في مواجهة الأخيرة، وهو ما يعني تطوير أو رفع سقف التواصل بين أنقرة ودمشق بمساهمة روسية. وفي ظل عدم وجود معارضة حقيقية ومؤثرة للأمر داخل تركيا، سيكون قرار أنقرة مستقبلا بخصوص العلاقة مع النظام السوري مرتبطًا إلى حد كبير بما يقدمه الأخير وروسيا لها في الملف الأهم لها وهو مكافحة الامتدادات السورية للعمال الكردستاني، وبما يضمن عدم الإضرار بها على المدى البعيد فضلًا عن مسار الحل السياسي الداخلي.
سعيد الحاج
كاتب وباحث في الشأن التركي
————————————
==================
تحديث 19 آب 2022
———————
تساؤلات حول الجديد السوري!/ أكرم البني
لم يهدأ طرح الأسئلة حول آخر مستجدات الشأن السوري وأهمها ما أثير من إشارات وتصريحات عن تقدم احتمال الانفتاح والمصالحة بين سوريا وتركيا، على أهمية موقع الأخيرة ودورها.
هل يصح اعتبار تلك التصريحات مجرد غطاء إعلامي لترتيبات أمنية فقط، غرضها تعديل اتفاق أضنة عام 1998 كي يوفر ضمانات مختلفة للأمن القومي التركي، تأخذ في عين الاعتبار المشهد السياسي والميداني الجديد في شمال سوريا وشرقها، بما في ذلك ربما تسهيل تمدد جيش النظام وانتشاره في مناطق نفوذ القوات الكردية؟
وبمعنى آخر، إلى أي مدى يمكن الذهاب مع من يعتقدون أن أنقرة غير جادة في إنجاز مثل هذا الانفتاح، وأن الأمر مجرد مناورة لتمرير بعض الوقت، ربما بانتظار نتائج أكثر وضوحاً للحرب الروسية في أوكرانيا، أو بانتظار تذليل بعض العقبات التي حالت دون قيامها بعمليتها العسكرية العتيدة في سوريا؟ أو مع من يعتقدون أنها مكرهة للتعاون في الملف السوري استجابة لضغوط موسكو، كما كان حال مساهمتها في إنهاء أزمة مدينة حلب وتعاقدها مع روسيا وإيران لإنجاح مسارات سوتشي والآستانة وما عرف بمناطق خفض التصعيد الأربع، يحدو ذلك هدف حماية مصالح اقتصادية قديمة وواسعة مع موسكو، وربما اليوم استدراج حصص رخيصة من النفط والغاز وصفقات مالية لوقف تراجع قيمة الليرة التركية أو تعويمها؟
ثم ماذا يمكن أن يقال لمن يرى أن الدافع وراء هذا التوجه هو حاجة حزب العدالة والتنمية للتحرر من بعض الالتزامات السورية، خصوصاً لجهة تمرير المساعي لإعادة قسم كبير من اللاجئين ومحاصرة قوات «قسد» وإبعادها مسافة آمنة عن الحدود، والهدف ضمان إعادة إنتاج شعبية تؤهله للفوز في الانتخابات البرلمانية – يونيو (حزيران) 2023 – في مواجهة اتهامات خصومه السياسيين، إنْ بتعريض الأمن القومي والاجتماعي لتهديدات أكراد سوريا ولمخاطر استقبال نحو أربعة ملايين لاجئ، وإنْ بتحميل الوضع الاقتصادي والمالي أعباء لا طاقة له بها، أحد وجوهها اقتطاع ميزانيات ضخمة لمصلحة عمليات عسكرية لم تثمر؟
واستدراكاً، هل يصح فعلاً تفسير ما يثار على أنه مفتاح لإخماد النيران وتحقيق سلام دائم؟ أو تفسيره كما فسره بعض أصحاب العقل التآمري، كمحاولة من قبل تركيا لتعويم دورها في سوريا كي تحسن فرصها المباشرة في محاصرة النفوذ الإيراني ومقارعته هناك؟ ولا نعرف إن كان هؤلاء لا يدركون حقاً، بعد تجارب مريرة، بأن هذا الرهان يقارب الاستحالة عملياً وسياسياً، ليس فقط لعمق ارتهان نظام دمشق لحكام طهران، أو لأن الميليشيات الإيرانية باتت تسيطر على مواقع عسكرية مهمة وتحتكر كثيراً من القطاعات الاقتصادية والخدمية، وإنما أيضاً بفعل تغلغلها المذهبي في النسيج الاجتماعي وما حققته من تغيير ديموغرافي بإحلال آلاف المناصرين لها في عدد من المناطق والبلدات الحساسة في مدن وأرياف دمشق وحمص وحماة ودير الزور؟ فكيف الحال حين تنجح مفاوضات الاتفاق النووي في طي العقوبات المالية وتحرير بعض الأرصدة المجمدة، التي ستوظف بلا شك لتعزيز سياسة طهران التوسعية، وهو ما حصل فعلاً بعد توقيع الاتفاق السابق؛ حيث ذهب قسمها الأكبر لتمويل الميليشيات ومشروعات النفوذ الإقليمي خالقاً بؤر توتر وأزمات لا تزال تستعر إلى الآن، في لبنان وسوريا والعراق واليمن!
الأسئلة السابقة تقود إلى تساؤلات إشكالية محايثة، مثلاً، عما يمكن أن يترتب على الوجود العسكري لتركيا إن تقدم ذاك الاحتمال، هل الانسحاب من مناطق سيطرتها بشمال سوريا، أم شرعنة وجودها وضمان تحويل تلك المناطق لامتداد جغرافي لها؟ وأيضاً ما مصير الجماعات المسلحة المناهضة للنظام، إن القريبة من أنقرة، أو التي تملك بعض الاستقلالية الذاتية، كـ«هيئة تحرير الشام» و«حراس الدين» وغيرهما، هل ستتقارب أم ستتأجج خلافاتها ونزاعاتها لتحسين فرص الهيمنة والنفوذ؟ وأيضاً كيف ستغدو علاقات المعارضة السياسية بعضها ببعض، كما علاقتها مع حكومة أنقرة ونظام دمشق؟ وهل يمكن لما يثار أن يشجع الائتلاف المعارض لإعادة النظر في موقفه تجاه الحالة الكردية السورية بعد أن اعتبرها خطراً يوازي خطر النظام وربما أشد، وبرر تحالفاته ضدها على أنها مشروع انفصالي يسعى إلى اقتطاع جزء من أرض سوريا التاريخية؟ أو أن يشجع، بالمقابل، قيادات «قسد» والإدارة الذاتية على المراجعة النقدية لممارساتها المتفردة والمبادرة لتصحيح العلاقات مع بقية القوى الكردية، أو العربية، أو السريانية، وبداية في مناطق سيطرتها؟
وأيضاً ماذا يمكن أن يحل باللاجئين السوريين، خصوصاً بعد أن غدت قضيتهم محط أخذ ورد بين الحكومة التركية والمعارضة، وكلتاهما، وإن بدرجات متفاوتة، تحاول التخفيف من آثارها على شعبيتها، حتى لو كان الثمن إعادة قسرية لآلاف اللاجئين السوريين إلى جحيم «جبهة النصرة» أو جحيم النظام السوري، ربطاً بتنامي المضايقات والحصار لفرص عيشهم وشروط لجوئهم، واندفاع بعض أطراف المعارضة التركية لمجاهرة بتحميلهم مسؤولية أزمات المجتمع، ويزيد الطين بلة صعوبة إن لم نقل استحالة انتقالهم ولجوئهم إلى البلدان الغربية، بعد أن صارت المجتمعات الأوروبية تحت ضغط توافد ملايين اللاجئين الأوكرانيين وما يترتب على ذلك من أعباء أمنية وإنسانية.
كل ما سبق أسئلة مشروعة تطرح اليوم على كل لسان، لكن الإجابات عنها تختلف تبعاً لاختلاف معاناة الناس واصطفافاتهم، بين من لا يقيم اعتباراً لما يثار مستبعداً أن تقوم أنقرة بمثل هذه الاستدارة بعد عشر سنوات من معاداة صريحة للنظام، وبين من يعوّل على تشدد نظام ديدنه فرض شروطه والتهرب من أي التزامات مدعوماً بحليفه الإيراني، وبينهما ثمة من يكرر لازمة، كمن يعيد اكتشاف البارود، عن دور المصالح في بناء السياسات وليس المبادئ والرغبات.
ومع ذلك، إذا غضضنا النظر عن فرص تقدم هذا الاحتمال، لا بد من الإشارة إلى حجم الألم والأسى عند السوريين مما يسببه مسار الانفتاح والتطبيع مع النظام بشروطه، وعلى حساب حقوقهم البسيطة، بما هو تجاوز لحقائق ميدانية حول ما ارتكب من التدمير والقتل والاعتقال والتهجير، وتالياً تجاوز قرارات دولية تم الإجماع عليها، أهمها القرار الأممي (2254)، التي من دون تنفيذها لا يمكن إنصاف الشعب السوري ورد بعض المظالم عنه.
الشرق الأوسط
—————————–
تركيا ومصالحة النظام السوري/ بشير البكر
تعمل تركيا على مصالحة النظام السوري والمعارضة. هذا هو ملخص تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، التي حرّكت البركة الراكدة مع أنقرة، وقلّلت من مفاعيلها لاحتواء ردود الفعل السورية ضدها. وبغض النظر عن دوافع تصريحات أوغلو والأهداف من ورائها، فإن ما يلفت الانتباه هو الموقف الشعبي الذي عبّر عن نفسه من خلال تظاهرات واسعة في المناطق الخارجة عن نفوذ النظام، وأغلبها تحت سلطة فصائل عسكرية سورية مسلحة تربطها صلات متينة مع تركيا، سواء التي في إطار الجيش الوطني والحكومة المؤقتة، أو هيئة تحرير الشام. وهذه الأطراف لم تتدخل في سير التظاهرات، بل إن بعض أفرادها شاركوا فيها، وهم يعلمون مدى حساسية الأمر، الذي يمسّ، في مكان ما، العلاقات مع السلطات التركية، وربما لم يقدّر البعض أن تكون ردود الأفعال بهذا المستوى من الزخم، الذي وصل في بعض المناطق إلى إحراق العلم التركي على نحو فردي وغير مسؤول، لا يعبر عن الروحية العامة للاحتجاجات التي كانت تريد إيصال رسالة إلى أنقرة، فحواها أن هذه المناطق التي تربطها بها علاقات متميزة، وتستقبل قوات وقواعد تركية، غير راضية عن سياسة الانفتاح على النظام السوري.
لم تأت تصريحات الوزير التركي في سياق ملائم، بل على العكس، جاءت وسط تطوّرات لا تخدمها. وهناك المعطيات التي تعمل ضدها، أولها فشل مساري أستانة وجنيف في الوصول إلى أرضية حد أدنى لحل سياسي في سورية، بعد سنواتٍ من الاجتماعات التي حضرتها وفود النظام والمعارضة، برعاية الدول الضامنة والأمم المتحدة، وكان المعرقل الأساسي هو النظام الذي يحظى بدعم روسيا وإيران، وبالتالي، يرى قطاع واسع من السوريين في المصالحة نوعا من التنازل والتسليم بشروط النظام، ولن تخرج في كل الأحوال عن إطار مسار أستانة، الذي استعاد بفضله النظام السيطرة على أغلبية المساحة الجغرافية، التي كانت تقف عليها الفصائل المسلحة. والثاني، مخطط تركيا لإعادة حوالي مليون لاجئ سوري إلى الداخل، وإسكانهم في مناطق حدودية، وهذا يلقى معارضةً في أوساط اللاجئين الذين ينتظرون العودة إلى بيوتهم التي هجرهم منها النظام، على أسسٍ تتوفر فيها ضمانات دولية، ولا تمليها الحاجة التركية فقط. والثالث، تصاعد موجة العنصرية ضد اللاجئين السوريين، التي تزداد حدّة كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية في يونيو/ حزيران المقبل. والأمر الرابع أن تركيا لا تمتلك أوراق ضغط فعلية على النظام ليقبل مصالحة متكافئة، وهي غير قادرة على توفير ضماناتٍ دولية للضغط على النظام للدخول في مصالحة، مهما كان شكلها ومضمونها.
من المؤكد أن تركيا تتعرّض لضغوط روسية إيرانية للتطبيع مع الأسد، ولا شك أنها ضاقت ذرعا بأعباء اللجوء السوري الذي بات رقما حسّاسا في المعادلة الداخلية، ومن حقها البحث عن حلول تخفّف من الآثار السلبية، وتلبي مصالحها الخاصة وتطلعاتها الإقليمية والدولية، ولكن قدرها الجغرافي والتاريخي يرتّب عليها مراعاة عدة اعتبارات. أولها أن اللاجئين على أرضها يشكلون قضية ذات بعد إنساني دولي، ومن أجل تقاسم الأعباء، على أنقرة أن تضغط بثقلها الكبير، كي تتحمّل الدول الكبرى مسؤوليتها في هذا الشأن. والثاني أن الفصائل السورية المسلّحة قادرة عسكريا على إجبار النظام وروسيا وإيران على قبول حلّ سياسي. ومهما يكن من أمر، يبقى رهان السوريين على الدعم التركي قائما، ولا ينسوْن كل المساعدات، منذ بداية الثورة السورية. والثالث أن العامل الدولي غير متوفر اليوم، وصدرت ردود فعل عن بعض العواصم الغربية لا تستحسن التطبيع مع الأسد، الذي لم يقم بخطوة واحدة باتجاه المصالحة تبرّر الانفتاح عليه. ومن هنا، لا تتوفر لهذه الخطوة أسباب النجاح.
العربي الجديد
——————–
التطبيع مع نظام غير “طبيعي”/ بكر صدقي
بوتيرة متسارعة تكررت المؤشرات إلى قرب تطبيع تركيا علاقاتها مع النظام، فتحدثت صحيفة “تركيا” المقربة من الحكومة، في تقرير جديد، عن الأماكن المرشحة لاستقبال اللاجئين السوريين الذين من المفترض أن يعودوا إلى بلادهم بالاتفاق مع النظام، وهي دمشق وحمص وحلب، كدفعة “تجريبية” قبل استئناف إعادة البقية “طوعاً” كما يشيع الإعلام الموالي.
وفي السابق كانت التصريحات الحكومية تركز على إعادة ما بين مليون ومليوني لاجئ سوري لتوطينهم في المنازل التي تشيدها شركات تركية بتمويل خليجي في مناطق سيطرة القوات التركية في الشمال. أما الآن فالحديث يدور مباشرةً عن مناطق يسيطر عليها النظام بصورة كاملة، مع التوكيد على أن ثلاثي آستانة، روسيا وتركيا وإيران، سيكونون ضامنين للعودة الآمنة من غير أن يتعرضوا للتنكيل الانتقامي من النظام.
أما “حزب الوطن” ذو الاتجاه القومي والخلفية الماركسية الماوية فقد أعلن أن وفداً قيادياً منه سيقوم، في غضون عشرة أيام، بزيارة إلى دمشق يلتقي فيها برأس النظام بشار الأسد، وسيكون الوفد برئاسة رئيس الحزب دوغو بيرنجك ومعه رجل الأعمال أدهم سنجق الذي انشق مؤخراً من حزب العدالة والتنمية الحاكم وانضم إلى صفوف حزب الوطن. وسنجق هذا لم يكن عضواً عادياً في الحزب الحاكم، بل يملك مجموعة إعلامية أبرزها صحيفة “ستار” من الصحف الأشد ولاءً للحكم.
وفي حين لم يعد أردوغان إلى الحديث عن التطبيع المحتمل مع النظام، بعد كلامه في الطائرة التي أقلته في طريق عودته من سوتشي حيث التقى بالرئيس الروسي، ولا علق بكلمة على سيل التحليلات والتعليقات التي دارت حول هذا التطبيع في وسائل الإعلام، انطلقت تصريحات عدة من رجالات السلطة مرحبة بالصفحة الجديدة التي تنوي تركيا فتحها مع نظام دمشق. وكان أبرز هؤلاء زعيم الحركة القومية دولت بهجلي الذي أيد التوجهات الجديدة بعد سنوات من تأييد السياسة السابقة للحكم في الصراع السوري، حتى حين كان معارضاً للحكومة. كذلك تحدث كل من نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية حياتي يازجي، وعضو القيادة المركزية للحزب متين كولنك، مرحبين بالتوجهات الجديدة.
الخلاصة أن ما ظهر بعد قمتي طهران وسوتشي من مؤشرات يتعزز أكثر وأكثر كل يوم، فيما يذكر بالتطبيع التركي مع كل من السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل، وفي نوع من الأخذ بما كانت المعارضة تطالب به طوال السنوات السابقة من التدخل التركي في الصراع السوري وخصوصاً فيما يتعلق بموضوع إعادة اللاجئين إلى سوريا. وهذه المرة أضيفت، إلى ضغوط المعارضة الداخلية، ضغوط كل من روسيا وإيران بشأن ضرورة التطبيع مع نظام الأسد. لكن استجابة الحكومة لهذه الضغوط ليست على مضض بل يتعلق الأمر باقتراب استحقاق الانتخابات النيابية والرئاسية الحاسمة. فالحكومة التي أرادت منذ أشهر القيام بعملية عسكرية خامسة في منطقة تل رفعت طمعاً بأن يجلب لها ذلك بعض الشعبية المفقودة، تريد الآن المصالحة مع نظام الأسد لإبعاد قوات سوريا الديمقراطية عن حدودها الجنوبية بالتعاون معه، كما من أجل إعادة ملايين السوريين إلى بلادهم المنهارة والمفككة، وهذا أيضاً الهدف منه استعادة الأصوات المتسربة للناخبين الساخطين من الوضع الاقتصادي.
هل تنجح عملية التطبيع التركي مع النظام الذي لم يتغير سلوكه قيد أنملة منذ بدأت عمليات التطبيع العربية معه؟ ففي إطار مشروع “خطوة مقابل خطوة” الذي طرحه الملك الأردني حدثت مجموعة من خطوات التطبيع معه من قبل الإمارات والجزائر والبحرين والأردن، لكن النظام نجح في إفشال تلك الخطوات بتمسكه بـ”ثوابته المبدئية” من قتل السوريين والتنكيل بهم، بما في ذلك بعض تعساء الحظ العائدين من لبنان. وكان مرسوم العفو الذي أصدره في شهر أيار/مايو من العام الماضي فضيحة من حيث هزال العدد الذي شمله، وما زال مجهولاً، كما بفعل مشاهد أهالي المعتقلين الذين افترشوا الساحات والحدائق في دمشق على أمل خروج أولادهم.
ربما فوجئ الرأي العام التركي بالمظاهرات التي خرجت في عدد من مدن المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش التركي احتجاجاً على تصريحات وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو الذي كان قد تحدث عن وجوب المصالحة بين النظام والمعارضة السورية كشرط لا بد منه للوصول إلى سلام مستدام في سوريا. هل ستؤثر تلك المظاهرات على صانع القرار التركي بشأن مشروع التطبيع مع النظام؟ لقد ارتبكت الخارجية التركية واضطرت لإصدار “توضيحات” لكلام الوزير بهدف امتصاص ردة الفعل هذه. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن نظام الأسد لن يستجيب بسهولة لجهود روسيا وإيران بشأن التطبيع مع تركيا، خاصة وأن ذلك سيرتب عليه التزامات لا طاقة له بقبولها، أمكننا أن نتوقع بطأً في مسار التطبيع المفترض ربما لن تكفي الأشهر العشرة المتبقية للانتخابات التركية لاكتمالها. ولكن في كل الأحوال وصل التدخل التركي في الصراع السوري إلى سقف ما يمكنه تحقيقه، ولا بد من الانتقال إلى مرحلة جديدة لا تحددها تركيا وحدها، بل مجمل القوى المتدخلة، ولن تكون هذه المرحلة عودة إلى ما قبل 2011 كما تتوهم المعارضة التركية.
* كاتب سوري
القدس العربي
———————–
“الأسد إرهابي وأردوغان كاذب”: سوريا وتركيا “عناقٌ” مرتقب بعد عداء طويل/ كارمن كريم
يبدو أن الدول التي دعمت المعارضة بشكل صريح وجدت نفسها أمام حقيقة لم تحسب لها حساب: بقي الأسد في الحكم، وبعد 11 عاماً، لا بدّ من مراجعة الكثير من الحسابات على الساحة السياسية ووضع الجانب الإنساني للأزمة السورية جانباً.
“الأسد إرهابي فظيع مارس إرهاب الدولة”، بهذه الكلمات وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشار الأسد قبل نحو خمسة أعوام خلال زيارة له إلى تونس. لم يتوقف الرئيسان السوري والتركي عن تبادل الشتائم والاتهامات منذ بداية الثورة السورية إذ وصف الأسد أردوغان بالكاذب عام 2013 حين قال: “اردوغان لم يقل كلمة صدق واحدة منذ بدأت الأزمة في سوريا”، في مقطع نشر على صفحة الرئاسة السورية على فيسبوك كما وصفه بـ”الاخونجي”. من جانبه قال أردوغان أنه لا يمكن أبداً مواصلة الطريق مع بشار الأسد في سوريا لأنه لا يمكن المُضي مع شخص قتل قرابة مليون مواطن من شعبه. وفي ظل هذا العداء الطويل تلوح في الأفق مبادرات صلح قد تنجح وقد تفشل بين البلدين، فهل يصافح الرئيسان بعضهما بعد كل هذا العداء؟
ملامح التقارب التركي – السوري
يمكن القول إن عام 2022 هو عام تعويم نظام الأسد. سيكون أهم إنجاز لنظام الأسد في هذه المنطقة هو التمكن من استعادة مقعده في جامعة الدول العربية إذ يبدو حتى أن الدول التي دعمت المعارضة بشكل صريح وجدت نفسها أمام حقيقة لم تحسب لها حساب: بقي الأسد في الحكم، وبعد 11 عاماً، لا بدّ من مراجعة الكثير من الحسابات على الساحة السياسية ووضع الجانب الإنساني للأزمة السورية جانباً.
تركيا هي أحد اللاعبين الأساسيين في سوريا، خصوصاً فيما يتعلق بالجانب الجغرافي، إذ سعت على الدوام إلى ما سمّته منطقة آمنة على طول الحدود السورية بهدف إبعاد تهديد حزب العمال الكردستاني وداعش. في السنوات الأخيرة تزايدت دعوات المعارضة التركية إلى المصالحة بين تركيا وسوريا مع تزايد العداء التركي لما يقرب من أربعة ملايين لاجئ سوري في البلاد.
وعلى الرغم من أن تغير لهجة الخطاب التركي السوري لم يبدأ من رأس الهرم، أردوغان، إنما من مصادر مقربة وصحف تركية مختلفة، مع ذلك، فهو يشير إلى توافق ضمني يحتاج فقط إلى دفعة صغيرة. وقد صدم وزير الخارجية التركية، مولود تشاووش أوغلو، يوم الخميس الماضي، المعارضة السورية، حين قال إنه بات من الضروري تحقيق مصالحة بين المعارضة والنظام في سوريا، بطريقة ما، وقال: “لن يكون هناك سلام في سوريا دون تحقيق المصالحة”، مؤكداً أنه التقى قبل عشرة أشهر نظيره السوري، فيصل مقداد على هامش اجتماع ” حركة عدم الانحياز”.
جاء التصريح كصفعة على وجه المعارضة التي طالما استشهدت بتركيا كحليف أساسي في حربها ضد بشار الأسد، خرجت بعدها عشرات التظاهرات في ريف حلب الشمالي ومدينة إدلب منددةً بتصريحات وزير الخارجية التركي، كما صدرت دعوات لتنظيم أخرى عقب صلاة يوم الجمعة، لتصدر وزارة الخارجية التركية تصريحاً يوضح ما قاله تشاووش أوغلو.
وجاء الرد التركي ليؤكد دور تركيا الرائد في وقف إطلاق النار على الأرض، بالإضافة إلى أهميته في تشكيل اللجنة الدستورية كما أشار إلى الدور التركي في تقديم الحماية المؤقتة لملايين السوريين، لذا فهي ستواصل الإسهام الفعال في الجهود المبذولة لتهيئة الظروف المناسبة للعودة الطوعية والآمنة للاجئين وإيجاد حل النزاع. ولم يأت البيان على ذكر تغيير النظام أو إسقاط حكم الأسد، وهذا يعني بطبيعة الحال قبولاً غير معلن به. من جهة أخرى تعود تركيا لتلعب إحدى أكثر أوراقها قوة وهي ملف اللاجئين السوريين على أراضيها.
شروط التوافق تظهر من تلقاء نفسها
أما على الصعيد التركي – الروسي فتحسّنت العلاقات بين البلدين مع الحرب على أوكرانيا وغدت روسيا نقطة ارتكاز لكل من سوريا وتركيا وهذا ربما ما ساهم في التقارب المفترض، فاقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على نظيره التركي أن يعمل مع الحكومة السورية لطرد مقاتلي حماية الشعب الكردية، إذاً تحاول روسيا لعب دورٍ مهمٍ كوسيط في تقريب سوريا وتركيا كشريكين محتملين وهو الأمر الذي سيكون انتصاراً دبلوماسياً لموسكو، إذ أن هذا التحالف سيكون ذو أهمية جيواستراتيجية، والذي من شأنه أن يعمل أيضاً على توسيع وتقوية نفوذها.
الناس التي علقت آمالاً على الحليف التركي ضد النظام السوري ستجبر في مرحلة ما على الرضوخ لرغبة الطرف الأقوى، إذ لن يكون لديها أي حل فعلي في مواجهة قوة بلدين كسوريا وتركيا وستجبر مذعنة على مواجهة نظام الأسد بمفردها.
ليست روسيا اللاعب الوحيد في تعويم نظام الأسد. فعلى الصعيد العربي يعتقد المحلل السياسي التركي سينيم جنكيز أن شروط تركيا للتطبيع نقلت إلى دمشق خلال زيارة الرئيس السوري بشار الأسد للإمارات الشهر الماضي. جاء ذلك بعد شهر من عقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان محادثات في الإمارات وهكذا بدأت صورة التقارب المفترض تتوضّح، بخاصة بسبب الدور الأساسي للإمارات في أي تحسن مفترض في العلاقات بين تركيا وسوريا.
كل هذا يصب في مصالح أساسية للبلدين. فمن جانب، تريد تركيا القضاء على خطر حزب العمال الكردستاني ومن جهة أخرى يسعى نظام الأسد إلى إضعاف المعارضة في الشمال وهكذا تحضر شروط التطبيع من تلقاء نفسها دون أن يكون تحقيقها أمراً حتمياً.
لا أثر للمظاهرات على التقرب التركي – السوري
مع كل ما يجري، لن تكون التظاهرات المناوئة لهذا التقارب ذات أهمية. الناس التي علقت آمالاً على الحليف التركي ضد النظام السوري ستجبر في مرحلة ما على الرضوخ لرغبة الطرف الأقوى، إذ لن يكون لديها أي حل فعلي في مواجهة قوة بلدين كسوريا وتركيا وستجبر مذعنة على مواجهة نظام الأسد بمفردها إلا في حال سعت تركيا إلى صيغة تفاهمية بين النظام ومدن الشمال وهو أمر لن يحدث على المدى القريب على الإطلاق.
الخاسر الأكبر إذاً سيكون الشعب السوري لأن نظام الأسد نفسه هو مصدر المشاكل ثم هناك المعارضة السورية وبخاصة المسلحة منها والتي تربطها بتركيا علاقات وثيقة. كيف سيتم التعامل معها على ضوء التطورات الجديدة؟ هل تحيّد تركيا ببساطة المعارضة المسلحة وتحرمها من المال والسلاح حتى تتلاشى تماماً؟ أم أنها ستكون ورقة ضغط على النظام السوري وضماناً للسنوات المقبلة؟
كل هذا يعني أن آخر آمال المعارضة السورية ستغدو في مهب الريح، وخروج الشعب ليس له تأثير على أرض الواقع وسيبقى محصوراً في خصوصية تعامل الناس مع التظاهرات، أي ممارسة نوع من الحرية المفترضة التي غابت خلال سنوات ما قبل الثورة. والخروج في وجه النظام ليس الشكل الوحيد للحرية التي اكتسبها السوريون على مر السنوات إنما الانتفاض في وجه أي داعم للنظام حتى لو كان حليفاً.
المعارضة السورية وبخاصة المسلحة من قبل تركيا باتت على المحك، فهي لا تريد خسارة تركيا ولا تستطيع في الوقت نفسه قبول أي مصالحة مع النظام لذلك قد يكون انهيارها وشيكاً.
————————–
تركيا وسوريا: مشاكل سياسة تصفير المشاكل!
فاجأ وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، الحاضرين في مؤتمر السفراء الأتراك في أنقرة في 11 آب/أغسطس الماضي بكشفه عن “لقاء خاطف” بنظيره السوري، فيصل المقداد، على هامش اجتماع “حركة عدم الانحياز” في تشرين أول/أكتوبر 2021، وهو ما يعتبر أول اتصال دبلوماسي بين تركيا والنظام السوري منذ عام 2011.
المفاجأة الثانية المتمثلة في إعلانه أن “من الضروري تحقيق المصالحة بين النظام السوري والمعارضة، بطريقة ما” أثارت غضبا داخل أوساط المعارضين السوريين للنظام، وبمظاهرات شعبية خرجت في ريف حلب الشمالي ومحافظة إدلب، رددت شعار “لن نصالح”.
أصدرت الخارجية التركية توضيحا لتصريحات الوزير، فُهم كنوع من التهدئة مع الشارع السوري المعارض، وأضاف جاويش أوغلو في 16 الشهر الحالي إن الكلمة الصحيحة هي “توافق” وليس “مصالحة”، لكن تصريحات لمسؤولين كبار آخرين، أخذت السياق باتجاه أوضح، بينهم زعيم “الحركة القومية” دولت باهتشلي، الذي دعا إلى مواقف خارجية “بناءة وواقعية”، مشيرا إلى رفع مستوى العلاقات للتنسيق المشترك في “محاربة التنظيمات الإرهابية”، ونائب رئيس حزب “العدالة والتنمية”، حياتي يازجي، الذي دعا للحوار، وعضو في مجلس القرار المركزي في الحزب نفسه، متين كولونك، الذي أمل بعودة العلاقات “إلى ما كانت عليه قبل 2011″، ورحّب حزب المعارضة التركي الرئيسي “الشعب الجمهوري” بالتصريحات، وكذلك فعل حزبا “السعادة” و”الوطن”.
الزعيم السياسي التركي المخضرم، أحمد داود أوغلو، رأى أن المواقف والتصريحات الأخيرة جاءت “بضغط شديد من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد قمة سوتشي” التي جمعته بالرئيس التركي رجب طيب اردوغان.
تذكّر التصريحات الأخيرة بسياسة “تصفير المشاكل” القديمة، التي كان داود أوغلو نفسه أحد مهندسيها، فأنقرة قامت بالتطبيع مع الإمارات والسعودية، وأعادت العلاقات الكاملة مع إسرائيل، وهي تنفذ سياسة توازن دقيقة، بين روسيا وأوكرانيا، أفضل أمثلتها زيارة اردوغان الحالية لمدينة لفيف الأوكرانية مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش، وإشراف انقرة على عودة تجارة الحبوب بين كييف والعالم، وكذلك الحفاظ على العلاقات مع الحلف الأطلسي بالموافقة على دخول السويد والنرويج، وتزويد كييف بمسيّرات بيرقدار الخ. إضافة إلى عامل الضغط الروسي، تمثّل تصريحات المسؤولين الأتراك، من جهة أخرى، هبوطا اضطراريا عن السقف العالي الذي لم تستطع أنقرة اجتيازه، على مرّ السنوات، وهو الحصول على موافقة أمريكية وغربية لدخول عسكري يؤمن “منطقة آمنة” على حدودها، لأن ذلك يصطدم بالسياسة الثابتة الأمريكية بتعهيد مجمل تلك المنطقة إلى حزب العمال الكردستاني، الذي خلق ما يشبه دولة خاصة به تسيطر على أهم الموارد السورية، من نفط وقمح وقطن، وكذلك المواقف الروسية والإيرانية الرافضة لتوسع أنقرة.
تحاول التصريحات الأخيرة أيضا تخفيف الضغوط الانتخابية الشديدة على “العدالة والتنمية” الناتجة عن التذمر الشعبي من التضخم الهائل وانخفاض العملة، وكذلك سحب ورقة اللاجئين السوريين من المعارضة اليمينية التي تحرّض الشارع التركي عليهم، بالحديث عن عودة طوعية لهم كبديل عن الطرح غير الممكن، حاليا على الأقل، بموضوع السيطرة على الشمال و”تخليصه من الإرهابيين”.
يظهر التصعيد العسكري الأخير، الذي كان الأكبر، بين تركيا والنظام السوري منذ سنتين، وفي منطقة كانت خارج التداول الحربي، وهي عين العرب، حيث تعرضت مواقع للنظام و”ميليشيات إيرانية” للقصف بطائرة حربية، إشارة إلى بعض العوائق التي تفصل التصريحات عن الواقع.
يعلم المسؤولون الأتراك، أيضا، علم اليقين، أن النظام السوري، حين يتعلّق الأمر بمواطنين تحت سيطرته، أو عائدين إليها، غير قادر بطبيعته الوحشية، على الالتزام بأي تعهدات، وأن أغلب السوريين، وخصوصا في المناطق “الموالية” يرغبون في مغادرة البلاد، وليس في البقاء فيها، أو العودة إليها.
النظام الذي لم يقدم أي تنازل يذكر، حتى في موضوع الدستور السوري، عبر المفاوضات الطويلة التي كانت تركيا طرفا فيها عبر السنين الماضية، والذي تعامل مع الانفتاح الأردني عليه بمحاولات اختراق الحدود عبر عصابات المخدرات المسلحة، هو نظام لا يمكن التعويل عليه، والعلاقة معه ستتسبب بمشاكل أكثر بكثير من المشاكل التي ستقوم بحلها.
القدس العربي
———————
تناحرات خطرة على الساحة السورية/ أحمد رحّال
تصريحات وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، التي حرّكت الشمال السوري، وأعقبت تصريحات مشابهة نقلت عن الرئيس أردوغان من طائرته العائدة من لقاء الرئيس الروسي، بوتين، في سوتشي، عبرت عن تغير ملحوظ بالمزاج السياسي التركي بدأت تترسّم ملامحه، وأن هناك نافذة تركية جديدة فُتحت على نظام الأسد عبر وساطاتٍ كما نقل الإعلامي التركي يلماز بيلغان، عبر مادة إعلامية تحت عنوان “الخطوة التي ستخمد النار في سورية” نُشرت في صحيفة “تركيا” المقرّبة من حزب العدالة والتنمية (الحاكم). وفيها تحدّث عن وجود أكثر من سيناريو ومعلومة عن تحوّلات مرتقبة في سياسة تركيا السورية، وفي مقدمتها احتمال حدوث التقارب والحوار المباشر بين أردوغان والأسد بجهود وساطة خليجية أفريقية روسية إيرانية.
فجّرت التصريحات التركية غضباً شعبياً سورياً، انعكس في مظاهرات عارمة في الشمال السوري، أوصلت عدة رسائل، أهمها أن الحاضنة الشعبية ما زالت تحتفظ بقرارها السياسي ولم ولن تتنازل عنه، وأن من تنطّع للمشهدين، السياسي والعسكري، واعتمد من بعضهم لا يمثل إلا نفسه، ومن أن الوقت حان، وبشكلٍ ملزم، لإعادة النظر بماهية القيادات المصنّعة التي رُكبت على جسم الثورة ولم تنسجم معه. مظاهرات أكّدت أن إعادة النظر لا تعني إصلاحات روتينية، أو استبدالات خلّبية التفافية كما درجت العادة، بل تكون عبر نسف الموجود تماماً واستحضار أخرى تمثل نبض الشارع، بعد خلع عباءة التبعية التي ظلّلت مشهد الحراكين، السياسي والعسكري، خلال السنوات الأخيرة، ونسج شبكة تقاطع مصالح مع كل الدول المؤيدة للثورة السورية، وعدم وضع البيض السوري في سلة واحدة.
تحدُث متغيرات الحاضنة في وقتٍ يعيش فيه الشمال السوري على بركانٍ قابلٍ للانفجار في أي لحظة، فالعملية العسكرية التركية التي أُعلن عنها منذ قرابة الثلاثة أشهر أغلقت معظم البوابات بوجهها، ورفعت كل الفيتوهات لوقفها، ولم تُفلح الدبلوماسية التركية بتحصيل ولو بصيص أمل لضوء أخضر مضمون يشكّل مخرجاً لحالة الاستعصاء التي وقعت بها، لكن هذا لا يعني النهاية، لأن تركيا قد تعلن عمليتها العسكرية بتحدٍّ لكل الرافضين على غرار عملية نبع السلام أخيرا، مع بروز مؤشّراتٍ على أن الأتراك حسموا موقفهم بعد تعرّض نقاطهم العسكرية أخيرا لاعتداءات أدّت إلى مقتل وجرح عدة جنود أتراك، وأن الرد التركي العنيف الذي طاول موقعاً لمليشيات نظام الأسد (الثلاثاء) في محيط قرية جارقلي قرب مدينة عين العرب (كوباني) رد على استهداف الجيش التركي وقرى حدودية، وقد يكون باكورة العلمية العسكرية التركية المؤجلة عنوة.
في المقابل، تبرز أجندة أميركية جديدة موجهة، بشكل علني، ضد الوجود الروسي في سورية، فالاستراتيجية الأميركية الجديدة بعد الحرب الروسية على أوكرانيا تتمحور بمحاولة تفشيل كل الخطط الروسية وتطويقها، ومنع بوتين من تحقيق أي إنجاز سياسي أو عسكري. وباتت مناطق النفوذ الروسي في سورية تشغل حيزاً مهما من اهتمام الأميركان. لذلك أصرّوا بطلبهم من قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بضرورة تحجيم الدور الروسي في مناطق نفوذهم، ومنع تنقل دورياتهم بشكل منفرد من دون مرافقة من “قسد”، ما أغضب الروس، ورفضوا التنسيق مع مجلس منبج العسكري، فحصل الصدام في قرية “المقبلة” مع دورية روسية خرجت منفردة، أعقبتها اشتباكات في قريتي “المقبلة وأبو_منديل” جنوبي منبج شرق حلب، أوقعت بعض الإصابات في صفوف “قسد” بحسب مصادر. ولم تقتصر الخطوات الأميركية على تلك التعليمات، بل أعادت انتشارها في قاعدتي “خراب عشق” و”معمل لافارج” شمالي الرقّة برسالة واضحة لأنقرة وموسكو، لكن ضربات طائرات “بيرقدار” المسيّرة كان لها الأثر بعمليات نوعية نفّذها الجيش التركي، واستهدفت قيادات من حزب العمال الكردستاني، وآلمت قيادة “قسد” ومجلس “سوريا الديمقراطية” (مسد) التي اتخذت قراراً بتعليق عملياتها المشتركة مع “التحالف الدولي” ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) احتجاجاً على قصف المسيرات التركية “بيرقدار”، فاستدرك التحالف الدولي الموقف عبر اجتماع عاجل مع قيادة سوريا الديمقراطية في محافظة الحسكة السورية، نقلت بعض المصادر أن قائد قوة المهام المشتركة في عملية “العزم الصلب”، الجنرال جون برينان، تحدّث فيه عن محاولات “تعطيل” عمليات مكافحة “داعش” شمال شرقي سورية، وأوضح أن التعطيل يتمّ ممن وصفهم بـأنهم “أطراف خارجية”، مضيفاً أن التنظيم “ما يزال يهدّد الشعب السوري والمنطقة”، وشدّد على أن التحالف وشركاءه من قوات سوريا الديمقراطية ما زالوا ثابتين على هدفهم المشترك، المتمثّل في ضمان الهزيمة الدائمة لـ”داعش”، واعداً بمناقشة الأمر عبر مستويات عليا مع الجانب التركي.
ترافق اجتماع الحسكة مع معلومات نقلتها جهات خاصة أن القوات الأميركية زادت في الفترة الأخيرة من شحنات أسلحتها وتذخيرها لحليفها “قسد”، وأن الأمر وصل إلى تزويدها بثلاثمائة صاروخ مضادّ للدروع من طراز “جافلين”، ليضاف إلى ترسانة “قسد” من صواريخ “تاو وكورنيت” الموجودة مسبقاً، والموزّعة على خطوط انتشارها وتماسّها مع الجيشين، التركي والوطني. فشل التحالف في إقناع قيادة “قسد” بمتابعة عملها مع التحالف الدولي، ما استدعى قدوم وفد عسكري أمني، فرنسي بريطاني أميركي، عبر طائرتين مروحيتين للتحالف الدولي، هبطتا في القاعدة الأميركية في مدينة الشدادي جنوب الحسكة للاجتماع مع قيادة “قسد”، رشح عنه صياغة شبه توافق أميركي تركي، إضافة إلى “قسد” لعقد اجتماع (استخباراتي) ثلاثي في مدينة أربيل العراقية (وفق مبادرة السناتور غراهام)، وقد تحضر الاجتماع أطراف دولية وإقليمية، للوصول إلى تفاهمات وضمانات تحفظ الأمن القومي التركي، وإنشاء منطقة عازلة على الحدود السورية التركية، مقابل وقف أنقرة عمليتها العسكرية وأي ضربات على قوات “قسد” في الشمال السوري.
أزعجت الاجتماعات التي حصلت في الحسكة بين “التحالف الدولي” و”قسد” الروس الساعين إلى تخريب العلاقة الأميركية مع “قسد”، وتوتير الأجواء بين أنقرة و”قسد” أيضاً بهدف فتح طريق واحد أمام “قسد” يتجه إلى دمشق. وكان الرد الروسي عبر تحريك أدواتها في سورية مرة عبر الإيراني، عندما تحرّكت راجمة صواريخ من بلدة نبل شمال حلب وقصفت القاعدة التركية في قرية كلجبرين، اتهمت بالعملية “قسد”، وهذا ما أراده الروس. ثم بعد اجتماع الشدادي أخيرا بين “التحالف” و”قسد”. وحرّك الروس أيضا أداتهم الأخرى، مليشيات أسد قرب مدينة كوباني، لكن ألاعيب الروس كشفها الأتراك، فلقنت طائرات بيرقدار التركية مليشيات أسد في قرية جارقلي درساً قاسياً، وقتل وجرح العشرات من جنوده، بعد تجاوزه الخطوط الحمراء والتسبب بمقتل جنود أتراك وجرحهم.
لم يشمل التصعيد استهداف النقاط التركية عبر الإيرانيين والأسد في الشمال السوري، بل وصل إلى أقصى الحدود السورية الشرقية، عندما استهدفت مسيّرات مجهولة (إيرانية) مواقع جيش مغاوير الثورة التابع للجيش الحر والموجود في قاعدة “التنف” الخاضعة لحماية التحالف الدولي، ردّا ضمنيا على القصف الإسرائيلي لست شاحنات سلاح ومسيّرات إيرانية، وصلت بحراً، وكانت في طريقها إلى حزب الله في لبنان، استهدفتها صواريخ طائرات إسرائيلية من فوق بيروت، ودمرت مستودعاتها قرب قرية أبو عفصة جنوب طرطوس وعلى بعد 8 كم من نقطة روسية هناك. وشمل التسخين العسكري مناطق الوجود الأميركي في شرقي الفرات، عندما استُهدفت مواقع لقوات التحالف الدولي في قاعدة حقل “العمر” بهجوم عبر صواريخ متوسّطة المدى، عادة ما تستخدمها مليشيات إيران الموجودة في دير الزور والميادين والبوكمال، وكان الرد الأميركي أنهم يحتفظون بحق الدفاع عن النفس، وأن ردهم قادم لا محالة على مواقع تحدّد لاحقاً.
في المجمل، يمكن القول إن تطوّرات شرقي الفرات واستعصاءات العملية العسكرية التركية (قبل اجتماع أربيل إن تم)، ومع الموقف الأميركي اتجاه موسكو وأنقرة، والموقف الشعبي الغاضب للحاضنة السورية من الحالة التي وصلت إليها، إضافة إلى ملفات إقليمية ودولية تعصف بالمنطقة، وتسخين إيران لجبهات حرب شرق أوسطية ردّا على تعثر مفاوضات فيينا، مع خبر نقلته وكالة رويترز عن “استعدادات حرب إسرائيلية على الجبهة الشمالية”، ترافق مع رصد لشبكات اتصال حزب الله تطلب من عناصرها الدخول في حالة تأهب قصوى لحربٍ مقبلة، كانت جولتها الأولى في غزة منذ أيام، عبر ضربات جوية إسرائيلية طاولت قيادات ومواقع حركة الجهاد الإسلامي، إضافة إلى تحذير قدّمه وزير الخارجية الأميركية، أنتوني بلينكن، لرئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، عن عبور خلايا اغتيال من الحرس الثوري الإيراني الحدود العراقية بهدف اغتيال الزعيم الشيعي مقتدى الصدر.
تنبئ الأمواج المتلاطمة في المنطقة بتغيرات مرتقبة، والساحة السورية صفيح ساخن يوجد عليها كل الفرقاء، وقد تشتعل أرضها تحت أقدام الجميع إن لم يتم التسارع إلى لجم إيران وأذرعها، وكفّ يد موسكو عنها، ومن ثم البحث عن مخارج حل لكل السوريين.
العربي الجديد
—————————
الحراك الشعبي السوري..له وزنٌ في تركيا/ العقيد عبد الجبار العكيدي
لا تزال تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاووش اوغلو بخصوص المصالحة مع نظام الأسد، تثير المزيد من الجدل، سواء على المستوى الحكومي التركي أو على المستوى الشعبي السوري.
فالحكومة التركية من جانبها ربما تفاجأت بردّة الفعل التي تجسدت بمظاهرات عارمة عمّت كافة مدن وبلدات الشمال السوري، ما دفعها في الأيام اللاحقة إلى إصدار توضيحات وتعقيبات تحاول تليين أو تخفيف ما جاء على لسان وزير خارجيتها، مؤكدةً في الوقت نفسه أن الدعوة إلى مصالحة نظام الأسد إنما تأتي في سياق الحل السياسي التوافقي الذي تضمنته القرارات الدولية وخاصة القرار (2254)، مشددة على أن دعوتها للحوار مع حكومة النظام لا تمثل تنازلاً من جانبها، ولا تعني تنصلاً من دورها الداعم للمعارضة السورية.
لعله من الممكن للمرء أن يتفهّم الموقف التركي الذي بدا مستعجلاً لحسم الكثير من المسائل السياسية العالقة، استعداداً لمواجهة الاستحقاقات الانتخابية مع حلول شهر حزيران/يونيو المقبل، وتأتي في طليعة تلك المسائل القضية السورية وتداعياتها الاقتصادية والسكانية في تركيا، وهذا بالطبع ليس تبريراً لما تتجه إليه الحكومة التركية، بقدر ما هو محاولة لفهم حيثيات الانعطافة والأسباب الكامنة خلفها.
لكن ما لا يمكن تفهمه كما لا يمكن تبريره حتى الآن، هو غياب ردات الفعل من جانب الأُطر الرسمية للمعارضة السورية، سواء السيادية منها كـ”الائتلاف الوطني” أو الجهات التنفيذية أو الفنية، كالحكومة المؤقتة أو هيئة التفاوض واللجنة الدستورية، الأمر الذي يثير أكثر من سوْال حول ركون تلك الأُطر الى الصمت في الوقت الذي كان من المفترض أن تكون هي أول المتكلمين، باعتبارها ممثلة لقوى الثورة والمعارضة، أو هذا ما تدعيه.
لعل الأمر الأكثر غرابة هو أن يتبجح نظام الأسد بالردّ على التصريحات التركية مدعياً رفضه لما جاء على لسان وزير الخارجية التركي، إلا إذا امتثلت حكومته لشروط النظام، ولكن بطبيعة الحال لا يمكن التعاطي بجدية مع ادعاءات النظام وتبجحاته، فهو أقل وأضعف من أن يتجاوز الأوصياء على مصيره، ونعني روسيا وإيران.
المراد مما سبق هو تبيان أن جميع الأطراف المعنيّة لما صدر عن وزير الخارجية التركي، كان لها رد وموقف بغضّ النظر عن طبيعة موقفها، باستثناء قوى المعارضة السورية الرسمية، فقد لاذت بالصمت وكأنها تريد أن يمضي الوقت سريعاً جارفاً معه أثار الموقف التركي الأخير لتعود بعد فترة وتتصدر المشهد من جديد!
لكن ربما يقول البعض إن كيانات المعارضة الرسمية أبدت موقفاً وواكبت الحدث الأخير وذلك من خلال التصريحات الخجولة لبعض أعضائها في الائتلاف وهيئة التفاوض، أو من خلال تغريدات هنا وهناك على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن ما هو مؤكد أن هذه المواقف الخجولة والمترددة التي لا ترقى لمستوى الحدث، لم تصدر إلا بعد التوضيحات التي أصدرتها الخارجية التركية والتي كانت بمثابة ضوء أخضر خفيف من جانب أنقرة يوحي بأن هؤلاء بإمكانية التحدث، لكن هذه الإشارة لم تكن كافية لتحرير ألسنة القوم ولم تطلق قرائحهم كما كنّا نألفها من قبل.
ما هو مؤكد ومعهود في تاريخ الثورات وحركات التحرر أن أي احتجاج شعبي أو حراك ثوري مناهض للعدو، إنما يتحول إلى ورقة من أوراق القوة بيد من يُفترض أن يكونوا قادة للثورة، وبناء عليه كان يجب أن يكون الحراك الشعبي المناهض لأي مصالحة مع نظام الأسد محط ترحيب ومبعث تفاؤل للمعارضة السورية، لأنه يدعم موقفها ويعطيها مشروعية الرفض وعدم الانصياع لما يُفرض عليها من ضغوطات، بل يمكن أن يكون الغضب الشعبي سبيلاً للمعارضة إلى مخاطبة المجتمع الدولي بصوت عالي النبرة، مؤكدةً أنها تمثل شعباً يصرّ على نيل حقوقه وعدم التفريط بها، وهي بهذا تتمكن من احراج الآخرين بالضغط عليهم للتعاطي بطريقة أكثر جدية مع القضية السورية، أو على الأقل لتجنيبها ضغط تلك القوى من أجل تقديم تنازلات.
لكن المفارقة المؤسفة في ما حدث تؤكد أنه بدل أن تبادر المعارضة السورية الى استثمار هذا الحراك الجماهيري، فقد بادرت الحكومة التركية إلى ذلك، مدركةً أهمية هذا المنجز الشعبي السوري ومدى تأثيره في تفاوضها مع منافسيها الدوليين والإقليميين، ولعل إستهداف طائرة مسيرة تركية لنقطة عسكرية للنظام في السادس عشر من الشهر الحالي في منطقة عين العرب (كوباني)، ومقتل وإصابة عدد كبير من عناصر النظام.
ورغم أنه جاء رداً على استهداف ميليشيا (قسد) لمدينة قرقميش التركية الحدودية ومقتل ضابط تركي وجرح اخرين، يأتي في سياق التصعيد التركي للتخفيف من حدة الاحتجاجات السورية على تصريحات الوزير التركي، وتلك أيضاً رسالة توجهها أنقرة الى موسكو وطهران معاً لتؤكد أن تركيا لا يمكنها تجاهل إرادة السوريين، ولا يمكنها تقرير مصيرهم وحدها كما يظن الكثيرون، بل وأبعد من ذلك، قد تتضمن هذه الرسالة التأكيد لشركاء مسار أستانا أنه إذا كان حقيقياً أن تركيا هي من تقوم باحتواء المعارضة السورية، فإنه من العسير احتواء قرار الشعب السوري.
فعندما يعود وزير الخارجية التركي ليقول “بأن النظام لا يأبه للحل السياسي”، فهذه رسالة للروس والإيرانيين بأن الأمل بما تسعون له ضعيف، والمشكلة عندكم وعند حليفكم الذي تقدمون له الحماية والدعم. وعندما يقول إن تركيا “لا يمكن أن تتخلى عن المعارضة السورية”، وأن “تصريحاتنا فُهمت خطأً”، فهذا إقرار بأن صوت السوريين ومظاهراتهم وغضبهم لها وزن وقيمة وأثر وفعالية. وهذا بالتأكيد يفيد الأتراك إذا كان فعلاً ما يقولونه مجرد تكتيك، ويجعلهم مستندين على ورقة الضغط الشعبي في مفاوضاتهم مع الروس والإيرانيين، وهي الورقة والتكتيك الذي لا يبدو أن المعارضة السورية تهتمان بهما على الإطلاق!
المدن
————————–
في الانعطافة التركية المحتملة في السياق السوري/ أسامة أبو ارشيد
أحياناً، يكون تظاهر بعضهم بالصدمة من خبر أو تطور ما أدعى إلى العجب من الخبر أو التطور ذاتهما، ذلك أنه، وكما يقول المثل، المكتوب يُقرأ من عنوانه. يصلُح هذا التقديم لسحبه على تصريحات وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، الأسبوع الماضي، في مؤتمر للسفراء الأتراك في أنقرة، عن ضرورة “أن نصالح المعارضة والنظام في سورية بطريقةٍ ما، وإلّا فلن يكون هناك سلام دائم”. وأضاف “لمنع تقسيم سورية، يجب أن تكون هناك إدارة قوية للبلاد، يمكنها أن تسيطر على كل ركن من أراضيه، وذلك ممكنٌ فقط من خلال الوحدة”. وقد جاءت تصريحات أوغلو في سياق كشفه عن “محادثة قصيرة” جمعته مع وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، على هامش اجتماع حركة عدم الانحياز في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي في بلغراد. لم يكتف أوغلو بذلك، بل أشار إلى اقتراح قدمه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى الرئيس التركي، أردوغان، لترتيب لقاء يجمعه برئيس النظام السوري، بشّار الأسد، غير أن أردوغان لم يحبذ الفكرة، وفضل استمرار التواصل “عبر استخبارات البلدين” في المرحلة الراهنة.
في اليوم التالي (12/8)، خرجت مظاهرات حاشدة في شمال سورية، وتحديداً في عدد من مدن وبلدات وأرياف محافظات حلب وإدلب والحسكة، احتجاجاً على هذه التصريحات. أيضاً، سارعت هيئات وشخصيات سورية معارضة إلى إدانتها. أما الحكومة السورية المؤقتة، المعبرة عن المعارضة، والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، فحاولا التقليل من كون التصريحات تعبيرا عن مقاربة تركية جديدة للموقف حيال سورية. وفعلاً، أصدرت الخارجية التركية في اليوم التالي لتصريحات أوغلو بياناً توضيحياً لم يأت على فكرة مصالحة “المعارضة والنظام في سورية بطريقة ما”، بقدر ما ركّز على جهود “تركيا الدولة التي بذلت أكبر جهد لإيجاد حل للأزمة في هذا البلد بما يتماشى مع التوقعات المشروعة للشعب”، ولكن “تعنت النظام” أفشلها. وشدّد البيان على أن تركيا ستواصل “مع جميع أصحاب المصلحة في المجتمع الدولي، تقديم مساهمة قوية في الجهود المبذولة لإيجاد حل دائم لهذا الصراع، بما يتماشى مع توقعات الشعب السوري. وسيستمر تضامننا مع الشعب السوري”.
لا يسعى هذا المقال إلى الدفاع عما قدمته تركيا للشعب السوري أكثر من عقد من ثورته، ويكفي أنها تستضيف قرابة أربعة ملايين لاجئ منهم على أراضيها، كما نجحت في توفير مناطق آمنة، نسبياً، لملايين آخرين في شمال سورية من جرائم النظام وحلفائه. كما لا يهدف هذا المقال إلى تسويغ ما يبدو أنه موقف تركي جديد، ولا حتى إلى إدانته. ما يريد أن يقوله هذا المقال ببساطة أنه لا منطق يفسّر موقف من يزعمون المفاجأة بين السياسيين والأطر والهيئات السورية المعارضة، فمنذ عام ونصف العام، تقريباً، والسياسة التركية الإقليمية تشهد تحوّلات عميقة مستمرّة، لا تخطئها عين. وبالتالي، إعادة الارتكاز التركي نحو سورية ما هي إلا مسألة وقت. كانت البداية في الحوارات التي أجرتها أنقرة مع مصر، وترجمت بعد ذلك في تضييقات على المعارضة المصرية في تركيا. ثمَّ تلتها جهود التقارب مع الإمارات، وبعد ذلك إسرائيل ثمَّ السعودية، وأخيراً، وليس آخراً “المقاربة الشاملة”، حسب تعبير السفير التركي في طرابلس، كنان يلماز، التي تنتهجها بلاده الآن تجاه ليبيا، بحيث تنظر إليها ككل من دون التمييز بين شرقها وغربها، وأفضت إلى زيارة رئيس مجلس النواب الليبي في بنغازي، عقيلة صالح، أنقرة مطلع شهر أغسطس/ آب الجاري، رغم أن تركيا دعمت من قبل، بما في ذلك عسكرياً، حكومة طرابلس، ومجلس الدولة الأعلى للدولة.
موضوعياً، لم تنبذ تركيا حلفاءها، ولكنها أعادت تعريف العلاقة بهم، وتحديد مستوياتها والمدى الذي قد تذهب إليه في دعمهم، آخذة في الاعتبار الكلف الاستراتيجية الباهظة المترتبة على ذلك. بوضوح، منطق أنقرة اليوم: “تركيا أولاً”. لذلك، يخطئ كثيرون عندما يتعاملون مع تركيا وكأنها دولة تلعب فيها الإيديولوجيا الدور ذاته الذي تلعبه في إيران. هذا لا يعني غياب الحسابات الإيديولوجية داخل كثير من دوائر حزب العدالة والتنمية (الحاكم)، ولدى الرئيس أردوغان نفسه، ولكنها محكومة أكثر من إيران بمصالح الحزب والرئيس الانتخابية، وبحسابات تركيا الاستراتيجية. نظام الحكم في تركيا ليس ثابتاً ولا هو راسخ كما هو في إيران، وهو قابلٌ للاستبدال بأي انتخابات مقبلة، بل وحتى بانقلاب عسكري، مع تراجع احتمالاته بعد فشل المحاولة الانقلابية عام 2016. من ثمَّ، فإن ما يجري هو مواءمات جديدة في ظل تحدّيات جيوستراتيجية تواجهها تركيا كدولة، وحزب العدالة والتنمية في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في شهر يونيو/ حزيران 2023.
لا يمكن لتركيا، ولا للحزب الحاكم، أن يغفلوا الحقائق الجديدة على الأرض، سواء لناحية فشل ثورات “الربيع العربي” وسقوط رهانات أنقرة عليه وعلى قواه، أم لناحية الأزمة الاقتصادية ونسب التضخّم غير المسبوقة في البلاد، والتي مسّت بكل مواطنيها. يندرج ضمن ذلك توتر علاقات تركيا بالولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، لأسباب عدّة، ليس أقلها دعم هؤلاء الانفصاليين الأكراد في شمال سورية، بما يشكّل تهديداً لأمن تركيا القومي ووحدتها الجغرافية. أيضاً، لا تستطيع تركيا أن تتجاهل تبلور حلف أميركي – إسرائيلي – وبعض عربي في المنطقة، تجد نفسها خارجه، إن لم تكن أحد أهدافه، في الوقت الذي لم تنجح فيه في كسب الطرفين، الروسي والإيراني، خصوصاً لناحية هواجسها من الملف الكردي في شمال سورية. ينسحب الأمر ذاته على حساباتها المعقدة في شرق البحر الأبيض المتوسط والتوتر مع اليونان، والتي تجد دعماً من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، وإسرائيل، ودول عربية، كمصر والإمارات والسعودية. أضف إلى ذلك أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تركيا، في ظل اقتراب الانتخابات العامة، أعادت نكء جرح العنصرية البغيضة التي تروّجها المعارضة ضد اللاجئين السوريين، وهو ما ينتج ضغطاً مضاعفاً على الحزب الحاكم.
النتيجة المُرَّة هي ما نشهده من تحولات استراتيجية تركية جوهرية، وهي لمَّا تصل إلى مداها بعد، وينبغي توقع مرحلة مقبلة أصعب، خصوصاً في السياق السوري. وإذا كان في ذلك من عبرة لنا، نحن العرب، فهي أنه من دون وجود مشروع ذاتي لنا، سنبقى نعامَل على أننا عالة على الآخرين، بعد أن يستنفدوا أغراضهم منا، أو بعد أن نثبت أننا كنا رهاناً فاشلاً لهم. أيضاً، لعل في ذلك تذكرة لمن لا يزال يعيش الوهم، أن السياسة لا تخضع لمقولات الإيديولوجيا بالمطلق، وربما غالباً. إنها السياسة في إحدى صورها الباردة والفجَّة.
العربي الجديد
——————————
أردوغان يحسم التكهنات حول التواصل مع نظام الأسد: يتوجب الإقدام على خطوات متقدمة مع سوريا
أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الجمعة، أنه “يتوجب علينا الإقدام على خطوات متقدمة مع سوريا لإفساد المخططات في المنطقة”، في تصريح يؤشر بشكل واضح إلى وجود قرار تركي بالتواصل على المستوى السياسي مع النظام السوري، حاسماً الجدل الذي أثير طوال الأسابيع الماضية حول مدى استعداد أنقرة لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد عقب 11 عاماً من القطيعة.
وقال أردوغان في تصريحات للصحافيين على متن الطائرة التي عاد فيها من زيارته إلى أوكرانيا: “يتوجب علينا الإقدام على خطوات متقدمة مع سوريا يمكننا من خلالها إفساد العديد من المخططات في هذه المنطقة من العالم الإسلامي”، مشدداً على أنه “ليس لدينا أطماع في أراضي سوريا، والشعب السوري هم أشقاؤنا ونولي أهمية لوحدة أراضيهم، ويتعين على النظام إدراك ذلك”.
وأضاف: “كنا دائما جزءا من الحل، وأخذنا على عاتقنا تحمل المسؤولية حيال سوريا وهدفنا الحفاظ على السلام الإقليمي وحماية بلادنا من التهديدات الخطيرة الناجمة عن الأزمة”، متهماً الولايات المتحدة وقوات التحالف بأنهم “هم المغذّون للإرهاب في سوريا في المقام الأول… لقد قاموا بذلك دون هوادة ويواصلون ذلك”.
وقال أردوغان: “يجب أن نعلم ذلك ونقبله، لا يجب قطع الحوار السياسي والدبلوماسية بين الدول، في كل زمان وفي أي لحظة تحصل حوارات من هذا القبيل، بل يجب أن يحصل ذلك”، مستدلاً بمثل يقول إنه يجب إبقاء ولو خيط في العلاقات لأنه يأتي يوم ويكون لازماً.
ويعتبر هذا أول تعقيب من أردوغان منذ بداية الجدل والتكهنات حول وجود مسار لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق. وعلى الرغم من عدم وجود أي نفي أو تأكيد رسمي لخطوات محددة مقبلة، إلا أن الرئيس التركي قدّم إشارات قطعية على “أهمية الحوار وفائدته” دون التطرق إلى أي فيتو على لقاء النظام السوري، وهو ما يدعم بشكل كبير جداً التكهنات السابقة عن أن أنقرة تعمل بالفعل على بناء “حوار سياسي” مع النظام السوري.
وطوال الأيام الماضية، توالت التصريحات الرسمية التركية حول مستقبل العلاقة مع النظام السوري، ومعها توسعت التساؤلات حول مدى إمكانية حصول تقارب سياسي قريب بين أنقرة ودمشق، وما إن كانت كل هذه التصريحات تمهد بالفعل إلى خطوات تركية قريبة من قبيل إعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري، أو عقد اجتماعات مباشرة بين النظام والمعارضة بحضور تركي روسي، أو اتفاق جزئي يتعلق بتسهيل إعادة اللاجئين من تركيا إلى سوريا عبر تنسيق مباشر بين أنقرة ودمشق.
وبدأت موجة التصريحات التركية من تصريحات لوزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، وامتدت لتشمل عددا كبيرا من الشخصيات الرسمية، مروراً بدعم زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشيلي، حليف أردوغان في الحكم، مبدأ التواصل مع النظام، وصولاً لتصريح مسؤول كبير في حزب العدالة والتنمية الحاكم، رفض فيه الجزم بعدم إمكانية حصول لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد.
وعلى الرغم من النفي الرسمي لوجود “تغيير جوهري” في السياسة التركية اتجاه نظام الأسد، إلا أن غزارة التصريحات الرسمية حول “إمكانية التواصل السياسي” ودعم ذلك من قبل عضو لجنة مركزية في الحزب الحاكم، وزعيم الحركة القومية حليف الحكم، يعطي مؤشراً قوياً على وجود توجه جديد في السياسة التركية قد يكون نتج عن توافقات ما جرى التفاهم حولها في قمة طهرات التي جمعت أردوغان وبوتين وروحاني مؤخراً، وتخدم بدرجة أساسية مساعي أنقرة لإنهاء خلافاتها مع دول المنطقة لتكون آخرها سوريا، وخدمة الملف الأهم المتعلق بملف العودة الطوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم، وهو ملف حاسم يسعى أردوغان لتحقيق تقدم فيه قبيل موعد الانتخابات المقبلة.
القدس العربي
—————————–
ألاعيب “عودة” اللاجئين السوريين/ ناصر السهلي
تضم مناطق محافظة دمشق، مع غيرها من محافظات سورية، ملايين المُهجرين السوريين، نتيجة ممارسات نظام الأسد وداعميه، حصاراً وتجويعاً وقصفاً.
في غوطتي دمشق الغربية والشرقية، تستمر جرّافات التغيير الديمغرافي والطبوغرافي في عملها، كما في كفرسوسة والمعضمية وداريا، ومخيمي فلسطين واليرموك وحيّ الحجر الأسود، وعشرات مناطق طريق المطار، وبينها السيدة زينب. وتحال كل مناطق “الانتصار على المؤامرة الكونية”، من حوران جنوباً إلى الشمال، مروراً بحمص ومنطقة سيطرة “حزب الله” اللبناني في القصير، إلى تقسيمات مليشياوية، و”بزنس” حيتان قصر المهاجرين.
يعرف السوري والفلسطيني – السوري المهّجر، داخل سورية وفي مناطق الجوار، أنه لا يستطيع سوى النظر بحسرة إلى مسقط رأسه. فمجرد التجول بين ركامه يحتاج إلى “موافقة أمنية”، بعدما نُهبت (تعفيشاً) حتى أسياخ الحديد من مساكنهم.
ملاحقة لاجئي سورية، وافتعال ضجيج حولهم ليس جديداً. فموسكو ساهمت منذ عام 2015 بتشويههم بالأخبار الكاذبة والزائفة، في موازاة إطلاق نظام الأسد تهديدات صريحة لهم بعد تخوينهم، وطلب “مجتمع متجانس” بمعية مليشيات متعددة الجنسيات.
أما تسارع الجهود أخيراً لتسويق كذبة أن سورية باتت آمنة، لرفع مستوى ضجيج إعادة اللاجئين السوريين أو عودتهم “الطوعية”، فهي لا تهدف فقط إلى التطبيع مع نظام أحال حياة البشر والحلول السياسية إلى استحالة. بل إن أعين لوردات الحرب، وإقطاعياتهم، تركز على جيوب “المجتمع الدولي”، كما هو الأمر منذ عام 2018 بمؤتمرات خلّبية تحت عناوين العودة وإعادة البناء. وفي زلّات ألسنة ممثلي الأسد في الإعلام ما يوضح الهدف المالي، كما حصل بُعيد زيارة وفد لبناني (وزاري) أخيراً إلى دمشق، باعتبار أن عودة السوريين تتطلب “جهوداً دولية”.
في كل الأحوال، الوقائع التي يجري تجميلها، من خلال بروباغندا تزيين شوارع وافتتاح مطاعم، وإعطاء انطباع أن سورية صارت “واحة سياحية”، كلّها وغيرها في قائمة الانهيارات الحقيقية، لم تعد تقنع حتى “الموالين” الذين أقاموا حلقات الدبكة والرقص العام الماضي، تحت سقف “انتخابات رئاسية”، بـ”الأمل في العمل”، ويعيشون اليوم صدمات وخيبات “الانتصار”، مع بقايا نظام عاجز حتى عن تأمين شربة ماء أو إنارة منزل.
باختصار، مثلما بقي مهجرو الداخل ينظرون بحسرة إلى مناطقهم المحظورة عليهم، يظل كل نقاش عن “عودة آمنة للاجئين” مرهونا بنهاية هذا النظام الأمني – المليشياوي، وإن تحت سقف قرار الأمم المتحدة 2254. بغير ذلك، لا شيء باق سوى مزيد من تحلل سورية وإفراغها من شعبها.
——————————
شمال سورية… توتر مستمر بعد “التحذير” التركي/ عدنان الإمام
ظلّ التوتر، أمس الأربعاء، مخيّماً على جبهات القتال في الشمال السوري، بعد يوم من التصعيد واسع النطاق، الثلاثاء، اشتركت فيه قوات النظام السوري التي تساند “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) في غرب الفرات وشرقه، في مواجهة الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية المرتبطة به.
استهداف تركي لـ”قسد” وقوات النظام بتل رفعت وريف الحسكة
واستمر، أمس، القصف التركي على مواقع “قسد” في ريف حلب الشمالي، حيث استهدفت المدفعية التركية نقاطاً عدة في محيط بلدة تل رفعت، الواقعة تحت سيطرة “قسد” وقوات النظام في ريف حلب الشمالي. وأعلن “الفيلق الثالث” في “الجيش الوطني السوري” (قوات المعارضة السورية)، في بيان، أمس، عن مقتل 3 عناصر من “قسد” وإصابة آخرين بعملية “نوعية” نفذها (صباح الأربعاء) على جبهة مريمين في محيط تل رفعت.
وكانت الجبهات وخطوط التماس بين الأطراف المتصارعة في الشمال السوري، شهدت أول من أمس، تصعيداً واسع النطاق. مع العلم أن قوات النظام كانت قد عززت وجودها في منطقة عين العرب (كوباني) على الحدود السورية – التركية، خلال شهر يوليو/تموز الماضي وفق اتفاق عسكري مع “قسد” المسيطرة على هذه المنطقة الواقعة في منطقة شرقي نهر الفرات. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن طائرة مسيّرة تركية استهدفت الثلاثاء بضربتين، موقعاً عسكرياً، في قرية سنجق سعدون بريف عامودا، شمالي الحسكة، ما أدى إلى مقتل 5 عناصر من “قسد”.
وذكرت مصادر محلية مقربة من “قسد”، أمس، أن عدد القتلى في القصف التركي على ريف عين العرب أو ريف الحسكة، الثلاثاء، “أكبر من المعلن سواء من قوات النظام أو من قوات قسد”، مشيرة إلى أن يوم أمس (الأربعاء) “لم يشهد أي تصعيد”. وقالت المصادر: “هناك ترقب وخشية من تكرار التصعيد من قبل الجانب التركي”.
ودفع الجيش التركي بتعزيزات عسكرية جديدة أمس، إلى منطقة العمليات في منطقة “درع الفرات” بريف حلب الشمالي، توجهت إلى نقاط التماس مع “قسد”. وأشارت مصادر محلية إلى أن التعزيزات تزامنت مع تحليق مكثّف للطائرات الحربية التركية من طراز “إف 16” في سماء المنطقة.
وفي السياق، أعلنت وزارة الدفاع التركية، أمس، “تحييد 4 إرهابيين” من تنظيم حزب العمال الكردستاني و”وحدات حماية الشعب” الكردية “كانوا يعتزمون القيام بعملية في منطقة نبع السلام (شرقي الفرات)”، وفق بيان للوزارة. وكانت الوزارة قد تحدثت أول من أمس، عن تحييد 13 عنصراً من “وحدات حماية الشعب” في الشمال السوري، ردّاً على مقتل جندي تركي وإصابة آخرين بهجوم بالمنطقة الحدودية في شانلي أورفة. وكان والي مدينة شانلي أورفة التركية الحدودية مع سورية، صالح أيهان، قد أفاد الثلاثاء بمقتل جندي تركي، وإصابة 4 آخرين، في هجوم على مخفر حدودي بقضاء بيرجيك.
واعترف النظام السوري، أول من أمس، بمقتل 3 عسكريين وجرح 6 آخرين، بقصف تركي على مواقع لقوات النظام في ريف عين العرب ردّاً على استهداف قاعدة تركية في ريف جرابلس السورية، وسقوط قذائف داخل الأراضي التركية على أطراف بلدة قرقميش. إلا أن مصادر متقاطعة أكدت أن العشرات من عناصر قوات النظام قتلوا وأصيبوا بقصف جوي تركي استهدف نقاط تمركز هذه القوات في محيط عين العرب.
يذكر أن الجيش التركي وقوات النظام لم يدخلا في اشتباكات مباشرة منذ الربع الأول من عام 2020، حين قصفت طائرة حربية يُعتقد أنها تابعة للنظام تجمعاً للجنود الأتراك في ريف إدلب، شمالي سورية، ما أدى إلى مقتل نحو 30 منهم، وهو ما استدعى ردّاً واسع النطاق من الجيش التركي، أدى إلى مقتل عدد غير معلوم من قوات النظام في شمال غربي سورية.
لا مؤشرات على قرب العملية التركية
وتعليقاً على التصعيد الميداني الجديد، قال الفاروق أبو بكر، وهو قيادي في “الجيش الوطني السوري” المعارض، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “القصف التركي بطائرات حربية أو بطائرات مسيّرة أو بالمدفعية، يأتي في إطار الرد على القصف الذي خرج من المناطق التي تقع تحت سيطرة المليشيات المحتلة (في إشارة إلى “قسد”) باتجاه النقاط التركية والنقاط التابعة للجيش الوطني”. وأوضح أنه يوم أول من أمس، شنّت طائرة حربية غارة بالقرب من عين العرب على مواقع لقوات النظام كانت قصفت الأراضي التركية، ما أدى إلى مقتل جندي تركي. وأكد “عدم وجود أي تحركات عسكرية على الأرض تشير إلى قرب شنّ عملية عسكرية واسعة النطاق من قبل الجانب التركي”.
وكان وزير الداخلية التركي سليمان صويلو قد اعتبر في تصريحات مساء الثلاثاء، أن التصعيد التركي في اليوم ذاته هو بمثابة “تحذير صغير”، ما يؤكد عدم نيّة الجيش التركي شنّ عملية برية واسعة يهدد بها منذ أشهر لتوسيع نطاق “المنطقة الآمنة” الواقعة تحت النفوذ التركي في شمال سورية حيث تخطط أنقرة لإعادة لاجئين سوريين على أراضيها إليها.
من جهته، قال محمود حبيب، وهو قيادي في “قسد”، لـ”العربي الجديد”، إنه لا يعتقد بأن “تركيا قادرة على شنّ عملية عسكرية على الأراضي السورية، بسبب الرفض الدولي والإقليمي”. وأضاف حبيب: “إننا نأخذ بعين الاعتبار أن العدو قد يشن مثل تلك العملية، إما بضمان سكوت الأطراف الضامنة أو بالقفز على الاتفاقيات الموقعة”، ولذلك “فقد رفعنا الجاهزية القتالية ونرد على مصادر النيران والضربات متبادلة”. وتابع: “إذا أقدم (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان على شنّ عملية جديدة فسيكون الرد من قبلنا شاملاً وطويل المدى، وقد ننقل كرة النار إلى الداخل التركي، ونحولها إلى حرب ثورية شعبية على طول الحدود”، بحسب تعبيره.
———————
الحوار بين دمشق وانقرة يتقدم: الاسد يريد إدلب والحدود
بدأت تتضح معالم خريطة الطريق بشكل أكبر نحو عودة العلاقات بين تركيا والنظام السوري، بعد سلسلة من التلميحات والتصريحات التي أثارت جدلاً واسعاً، كان أبرزها كلام لوزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو حول ضرورة المصالحة بين النظام والمعارضة السورية.
وقالت صحيفة “Türkiye Gazetesi” المقرّبة من الحزب الحاكم، في مقال الأربعاء، أن “دمشق تريد أن تصبح جاراً لتركيا بعد 11 عاماً، وهي تطالب في المقام الأول بنقل إدلب وبوابة سيلفيجوزو الحدودية وجمارك كسب. في المقابل تطالب أنقرة، بضمانات للتطهير الكامل لمناطق حزب العمال الكردستاني، من التنظيم الإرهابي وعودة اللاجئين السوريين بطريقة آمنة”، بحسب الصحيفة.
وأضافت أنه “في محادثات دمشق وأنقرة، بدأت المطالب ذات الأولوية لحكومة بشار الأسد تتضح. ويطالب نظام البعث، الذي يشترط عودة إدلب إلى أحضانه، بنقل جمارك كسب إلى جانب بوابة الريحانية-سيلفيجوزو الحدودية”. فيما “طرحت إدارة الأسد، التي تريد أن تعود جاراً لتركيا مرة أخرى بعد 11 عاماً، شرط السيطرة الكاملة في الممر التجاري بين سيلفيجوزو ودمشق والطريق الدولي إم-4 مع مدينتي دير الزور و الحسكة شرقي سوريا. ومن المطالب الأخرى لدمشق دعم تركيا لرفع العقوبات الأوروبية والأميركية ضد البيروقراطيين ورجال الأعمال والشركات التي تدعم نظام عائلة الأسد”.
في المقابل طالب الوفد التركي بإخلاء مناطق حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب بشكل كامل من الشريط الحدودي، وأن يدعم نظام الأسد مكافحة الفصائل الكردية المتاخمة للحدود التركية. كما إشترطت تركيا أن ترى العودة الآمنة للاجئين وممارسات إيجابية ما بعد العودة، مع القضاء التام على التهديد الإرهابي على الحدود، واستكمال عمليات التكامل السياسي والعسكري بين المعارضة ودمشق بطريقة صحية.
وطالبت أنقرة، بحسب الصحيفة، بأن تكون حمص ودمشق وحلب مناطق تجريبية لعودة آمنة وكريمة في المرحلة الأولى، وأن يتم توسيع هذا الإطار لاحقاً. في حين أن نظام الأسد قد عجز عن القيام بأي أعمال بنية تحتية وإعادة إعمار في المناطق التي فقد السيطرة عليها في الفترة الأولى من الحرب، ومنها حلب وحمص وريف دمشق وحماة ودرعا ودير الزور ، ثم استعاد السيطرة عليها.
بالإضافة إلى عرض تركيا للتعاون مع دمشق في مجال مكافحة الإرهاب ونقل النفط السوري إلى الحكومة المركزية في دمشق، طلب نظام الأسد بالدعم في مجالات مثل دعم بناء السدود والطرق السريعة والكهرباء والمؤسسات التعليمية والمياه والزراعة. كما أعلن نظام الأسد أنه سيحترم قرارات الثلاثي (الروسي الإيراني التركي) في ما يتعلق بعودة اللاجئين وما بعدها.
وقالت الصحيفة إن “لدى الحكومة البعثية وروسيا أيضاً طلبات مفتوحة للحصول على دعم من تركيا في استعادة إدلب لأحضان النظام في دمشق، من ناحية أخرى، بعد إبرام اتفاقية حدودية جديدة وأكثر تقدماً مع أنقرة بناءً على اتفاقية أضنة من بين الموضوعات التي تمت مناقشتها على الطاولة”.
ومن بين بنود المناقشة، طُلب دعم تركيا لإعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والمؤسسات والمنظمات الدولية المماثلة، والذي تم تعليقه. في هذه المحادثات، التي لم تذكر الصحيفة مكانها وزمانها، أصرت تركيا على عملية جنيف، والدستور الديمقراطي، وإجراء انتخابات حرة، والإفراج الفوري عن السجناء السياسيين، وخاصة النساء والأطفال وكبار السن وذوي الظروف الصحية السيئة.
————————
قسد تكثف عملياتها داخل تركيا..من يسعى لإفساد التوافقات؟
قالت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في بيان الخميس، إنها قتلت 7 جنود أتراك في سلسلة عمليات نفّذتها داخل الأراضي التركية انطلاقاً من الأراضي السورية، “رداً على تصعيد الجيش التركي ضد مناطق سيطرتها” قي شمالي شرقي سوريا، والذي أدّى إلى مقتل عدد من كوادرها، آخرها كان مقتل 5 عناصر من قوات الأمن الداخلي (الأسايش) في بلدة عامودا شمالي الحسكة.
وقالت إنه في إطار “الرد المشروع للدفاع عن النفس، نفذنا 3 عمليات ناجحة ضد الجيش التركي على الحدود المتاخمة لمدن شانلي أورفا، وغازي عينتاب وماردين”، مؤكدة أن تلك العمليات كانت “مؤثرة وناجحة”.
وأوضحت أن العملية الأولى استهدفت 6 جنود أتراك بينهم ضابط وعنصر في الاستخبارات مجتمعين حول مدفع بالقرب من ثكنة جيجكالان التابعة لناحية بيرجك في ولاية شانلي أورفا جنوبي تركيا، أدّت إلى “مقتلهم جميعاً”، وجرح آخرين، إضافة إلى التسبب بانفجار مستودع للذخيرة في المكان المستهدف.
أما في العملية الثانية، “استهدفنا فيها ثكنة كوبرو باتيه، التابعة لمنطقة قرقميش في ولاية غازي عنتاب”، مبينة أنه “لم يتمّ التأكد من أعداد قتلى وجرحى جنود الجيش التركي”. فيما سقط جندي تركي قتيلاً وجُرح 3 آخرون، باستهداف عربة عسكريّة من نوع “كيربي” على الحدود مع ولاية ماردين جنوبي تركيا، بالعملية الثالثة.
وكانت وزارة الدفاع التركية قد أعلنت الثلاثاء، مقتل جنديين وإصابة 3 آخرين من الشرطة العسكرية التركية، جراء هجوم نفّذته “تنظيمات إرهابية” على مخفر بيرجيك بولاية شانلي أورفا على الحدود الشمالية مع سوريا”.
وعلى إثر التصعيد، ردّت القوات التركية بقصف عنيف من قواعدها العسكرية المنتشرة بالمنطقة، إضافة إلى استخدام الطيران الحربي باستهداف مواقع قسد المشتركة مع النظام السوري في عين العرب شمالي حلب، ما أدى إلى مقتل 3 من جنود النظام، بحسب بيان وزارة دفاعه.
وتعليقاً، رأى الباحث السياسي في مركز “جسور” للدراسات فراس الفحّام في إعلان قسد، محاولة منها لإظهار عدم سيطرة روسيا على قرارها بالتزامن مع حديث عن تقارب بهذا الملف مع تركيا، يشارك النظام السوري من خلاله بمواجهتها، وبالتالي هي تجّهد لقطع الطريق أمام تلك التفاهمات.
ومن جهة أخرى، اعتبر الفحام في حديث ل “المدن”، أن قسد تسعى لإظهار عدم سيطرة قوات النظام الميدانية على المناطق الحدودية، وبالتالي هي رسالة تلوّح من خلالها مسبقاً بفشل أي تفاهمات مع النظام، وعدم الجدوى من الاستمرار في هذا الطريق.
والواضح من بيان قسد، أنها تشير صراحة إلى الاستمرار في التصعيد ضد تركيا، واستهداف مواقعها داخل حدودها، في إطار ما وصفته ب”مشروعية الدفاع عن النفس”.
وفي هذا السياق، لا يستبعد الفحّام أن تقف جهات دولية خلف التصعيد، هدفها إفشال التفاهمات الروسية-التركية، وهنا يشير إلى الولايات المتحدة، مُرجّحاً استمرار قسد بالتصعيد باستهداف الأراضي التركية.
ووفقاً للفحام، فإن قسد تستشعر خطوة الموقف المبني على تلك التفاهمات مع النظام، يُفقدها هامش المناورة الذي تسبح به قسد بين واشنطن وموسكو، مؤكداً أنها لا ترحب باتفاق مُلزم مع الدولتين، لأنها لا تحبذ فقدان ذلك الهامش بين الدولتين، الذي يضمن لها تنوّع خياراتها.
————————————
هل سيستفيد الأسد أم يتضرّر من التطبيع العربي والتركي معه؟/ إبراهيم الجبين
لم تهدأ بعد سَوْرَةُ الغضب التي تسببت بها تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو والتي أشار فيها صراحة إلى نية حكومته التواصل مع النظام السوري من أجل ما تمت ترجمته بتعبير “مصالحة” بينما قصد الوزير “اتفاقاً” بين كل من بشار الأسد ومعارضيه.
ولم تكن الكلمة المذكورة هي وحدها المتسبب في الانزعاج السوري من تغير الموقف التركي، خاصة وأن الخارجية التركية سارعت إلى إصدار بيان توضيحي، والوزير نفسه عاد وتحدث عمّا أراده من الكشف عن هذا الموقف الجديد، مبيناً أنه وعلى الرغم من الانفتاح التركي على التنسيق الأمني مع الأسد، وعلى الرغم من رغبة تركيا باتفاق وتفاهم يجمع السوريين وفق قرارات الأمم المتحدة إلا أن النظام السوري حسب الوزير جاويش أوغلو لا يؤمن بالحل السياسي.
أعاد هذا الجدل الحاد الذي وصل إلى خروج مظاهرات سورية غاضبة في العشرات من المدن والقرى ضرورة البحث عن جواب على السؤال الذي لم تطرحه المعارضة على نفسها، وهو ماذا لو قامت جميع الدول التي قاطعت الأسد بالتطبيع معه؟
في وقت مبكر ومع العام الأول للانتفاضة السورية ضد النظام، كان شطر من المعارضين السوريين مثلته حينها هيئة التنسيق الوطنية التي تمثل المعارضة التقليدية التي بقيت تعمل في الداخل السوري وفق معادلاته، ترفض مقاطعة الأسد، وقدم وفد منها إلى الجامعة العربية في القاهرة للتعبير عن الاحتجاج على القرار العربي بطرد سوريا من الجامعة فرشقه المتظاهرون السوريون بالبيض، وكان هناك مناخ عام يعتقد أن مقاطعة الأسد تعني رفع الشرعية عنه، وهنا كانت الخديعة الأولى.
الأسد بقي يشكل تهديداً وحلاّ في الوقت ذاته للأتراك وللعرب الذين كانوا يعرفون إن بحثوا عن أيّ شخصية متطرفة فإنهم سيجدونها على الأراضي السورية، حيث الأسد
كان أول المستفيدين من المقاطعة العربية والدولية للنظام السوري، النظام السوري نفسه، الذي وجد نفسه في فرصة طويلة يختلي بها مع البلاد لا حسيب ولا رقيب عليه في فتح أبوابها أمام الإيرانيين والروس والأفغان واللبنانيين والميليشيات الكردية المستجلبة من العراق وتركيا وإيران وأرمينيا لاستباحتها شمالاً وجنوباً.
ولكن قبل الأسد، كان اللاعب الإيراني الذي يستهدف الدولة العربية بمفهومها ككيان وعلاقات وسيادة ومؤسسات، يحرص كل الحرص على أيّ خطوة تهدم تلك الدولة، ومن بين الدول التي كانت على قائمته، سوريا، وحين يخرج العرب والأتراك، سيملأ الإيرانيون محلهم على الفور. الأمر ذاته فعله في لبنان والعراق قبل الجميع.
المقاطعة التي احتفلت بها إيران، كانت انتصاراً وهمياً تم منحه للسوريين الضحايا، ومكافأة للنظام، علاوة على كونها فراراً وتهرّباً علنياً وصريحاً من المسؤولية الملقاة على عاتق تلك الدول التي تقيم علاقات دبلوماسية واقتصادية وأمنية مع الأسد وفي الوقت ذاته لا تستطيع إقناعه بالتوقف عن التدمير والقتل، فكان الحل الأسهل إغلاق السفارات والمغادرة.
لكن جميع الدول التي قاطعت النظام السوري، بقيت تحافظ على التنسيق الأمني معه، وهو الدور الذي حرص على التمسك به من قبل العام 2011 وهو استثماره الأكبر في خارطة العالم، الدور الذي لا تستطيع معارضته القيام به، حيث يمكنه القيام بمهام لا بديل له عنها، في مواجهة الإرهاب وفي ترتيبات المنطقة والتهديدات المحيطة بها، وهكذا تمكّن من المحافظة على ورقته الرابحة طيلة الأعوام الماضية، أما العلاقات الدبلوماسية فهي تحصيل حاصل ولا تقدم ولا تؤخر، فتنسيقه الأمني مع الأميركيين كان في ذروة معارضته لهم، وخلقه الحاجة إلى التواصل معه بقيت مسألة يتقنها جيداً، بعد غزوهم العراق 2003، حتى تمكن من جلب وزير الخارجية الأميركي آنذاك كولن باول إليه في دمشق الذي قال للأسد حينها إن أميركا باتت دولة جارة وأن عليه أن يتفهم هذا وهو يرسل قوافل الإرهابيين عبر الحدود السورية – العراقية، لكن في الوقت ذاته كان الأسد يكسب اعتراف واشنطن أن عليها التنسيق معه في ملف أمن العراق.
أمن تركيا أيضاً برع الأسد في اللعب فيه، حتى فتح الباب أمام عدوها الأول حزب العمال الكردستاني ليتحول من ورقة تركية إلى ورقة بيد الأسد وعلى أرضه، واعتقدت تركيا أنها تكسب بنقل العدو إلى خارج حدودها وحصره في الأراضي السورية، غير أن هذا العدو كانت لديه مهمة استثمره فيها الأميركيون لمحاربة تهديد أمني آخر نجح الأسد في الاستفادة منه؛ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” والذي يعرف السوريون في كل المحافظات السورية كيف عادت عناصره إلى مواقعها في الخدمة في مؤسسات النظام السوري بعد إسدال الستار على مسرحية صعود التنظيم وانهياره.
بقي الأسد يشكل تهديداً وحلاّ في الوقت ذاته للأتراك وللعرب الذين كانوا يعرفون إن بحثوا عن أيّ شخصية متطرفة فإنهم سيجدونها على الأراضي السورية، حيث الأسد.
لا أحد يستطيع فرض “مصالحة” أو “تطبيع” مّا مع الأسد على السوريين، فهذا خيارهم وموقفهم وبوسعهم تحمّل مسؤوليته، وبالمقابل فإن آخر السعداء بهذا الانفتاح التركي والعربي وربما الدولي على الأسد، سيكون الأسد نفسه
كان هذا الاستثمار الطويل في الأمن والمقاطعة يعمل بنجاح خلال الأعوام الماضية، وهو ميزان قادر على الصمود أكثر، لولا أن الشرق الأوسط أصبح في حاجة إلى الاستقرار اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، والاستقرار يتطلب حلحلة القضايا العالقة، وفي مقدمتها قضية اللاجئين السوريين في دول الجوار ومن بينها تركيا، وهي القضية التي تفاقمت العنصرية حيالها مؤخراً بصورة باتت تؤثر على مصالح الحكومة التركية في الداخل، في الوقت الذي لم تعد تكفي فيه الوعود بإعادة اللاجئين السوريين إلى الشمال السوري في ظل وضع غير مستقر هناك.
تتعرض تركيا إلى ضغوط كبيرة لحل هذا الملف، ضغوط من داخلها أولاً، وليس أدل على ذلك من تصريح نائب رئيس حزب العدالة والتنمية حياتي يازجي، النائب الذي لم يخرج هذه المرة لنفي تصريحات الوزير جاويش أوغلو بل لإيضاحها أكثر، فكشف أن العلاقات مع دمشق قد تصبح علاقات مباشرة بعد أن تتطور وترتقي إلى مستوى أعلى.
وفي مقابلة على صحيفة “خبر غلوبال” أشار يازجي إلى وجود “عدة جوانب لحل المشكلات غير أن الحوار يشكل الجانب الأهم لحل المشكلات بالعلاقات الدولية“، مضيفاً قوله “إما حوار بشكل مباشر أو غير مباشر. حتى اليوم كان الحوار يتم بطريقة غير مباشرة عند مستوى محدد. واليوم ارتفع هذا المستوى بعض الشيء والمناخ الذي سيتشكل بارتفاعه أكثر في المستقبل سيسهم في الخروج من هذا المستنقع القائم في سوريا منذ 11 عاما“. وعن احتمال عقد لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والأسد، قال يازجي إنه لا يستطيع أن يجزم بعدم حدوث هذا الأمر، لافتا إلى أن الأمر سينطلق من مستوى معين وقد يتطور مستقبلا.
أتى ذلك مدعماً بتصريحات من حليف أردوغان، دولت باهتشيلي رئيس حزب الحركة القومية الحليف لحزب “العدالة والتنمية”، التي وردت في بيان صادر عن الموقع الرسمي للحزب قال فيه باهتشيلي إن “خطوات تركيا في سوريا قيّمة ودقيقة، والتصريحات البنّاءة والواقعية لوزير خارجيتنا حول إحلال السلام بين المعارضة السورية ونظام الأسد هي متنفّس قوي للبحث عن حل دائم”.
وأضاف “لا يجب على أحد أن ينزعج من هذا”، وأوضح أن رفع محادثات تركيا مع النظام السوري إلى مستوى الحوار السياسي، في سياق إخراج التنظيمات الإرهابية من كل منطقة توجد فيها، هو من أهم القضايا المطروحة على الأجندة السياسية في المستقبل.
لا أحد يستطيع فرض “مصالحة” أو “تطبيع” مّا مع الأسد على السوريين، فهذا خيارهم وموقفهم وبوسعهم تحمّل مسؤوليته، وبالمقابل فإن آخر السعداء بهذا الانفتاح التركي والعربي وربما الدولي على الأسد، سيكون الأسد نفسه، فللتطبيع استحقاقاته كما للمقاطعة مكاسبها، وهو ليس مستعداً لدفع تلك الاستحقاقات، لا يستطيع فعل ذلك، فالإيرانيون سيمنعونه من الإقدام على هكذا خطوة تقوّض ما نسجوه على مدى طويل.
كاتب سوري
العرب
——————————–
الكشف عن «مطالب متبادلة» لفتح قنوات اتصال بين أنقرة ودمشق
حزب تركي معارض يعد لجولة محادثات مع الأسد بعلم الحكومة
أنقرة: سعيد عبد الرازق
كشفت مصادر تركية عن مطالب متبادلة بين أنقرة والنظام السوري من أجل إعادة فتح قنوات الاتصال وتطبيع العلاقات.
ونقلت صحيفة «تركيا» القريبة من الحكومة، عن مصادر مطلعة لم تحددها بالاسم، أمس (الخميس)، أن النظام السوري طرح 5 مطالب يتعين على أنقرة تحقيقها من أجل إعادة فتح قنوات الاتصال بين الجانبين، تتلخص في إعادة محافظة إدلب إلى إدارة دمشق، ونقل جمارك معبر كسب الحدودي، مع معبر جيلفا جوزو (باب الهوى) إلى سيطرته، وترك السيطرة الكاملة على الممر التجاري بين معبر «باب الهوى» وصولاً إلى دمشق، بالإضافة إلى الطريق التجاري الواصل بين شرق سوريا دير الزور والحسكة، وطريق حلب – اللاذقية الدولي (إم 4) للنظام، وعدم دعم تركيا العقوبات الأوروبية والأميركية ضد رجال الأعمال والشركات الداعمة للنظام.
وذكرت المصادر أن تركيا طالبت النظام السوري، بالمقابل، بتطهير مناطق وحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بالكامل»، والقضاء التام على التهديد الإرهابي على الحدود، والاستكمال التام لعمليات التكامل السياسي والعسكري بين المعارضة ودمشق، والعودة الآمنة للاجئين.
في الوقت ذاته، كشف حزب «الوطن» التركي المعارض، الذي يبدي في السنوات الأخيرة تقارباً مع حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان، عن زيارة قريبة لوفد منه إلى دمشق، للقاء الرئيس السوري بشار الأسد، بمباركة الحكومة التركية.
وقال الأمين العام للحزب، أوزغور بورصالي، إن الزيارة تأتي تلبية لدعوة من النظام السوري، وإنها كانت على جدول أعمال الحزب منذ زمن، وقد حان وقتها، وسيقوم بها خلال 10 إلى 15 يوماً كحزب مستقل، وفقاً لبرنامجه وسياساته ومسؤولياته تجاه مستقبل تركيا، مؤكداً أن الحكومة على علم بهذه الزيارة.
وأضاف أن المحادثات ستركز على تعزيز التعاون بين تركيا وسوريا في جميع المجالات، لا سيما في المجالين العسكري والاقتصادي، والكفاح المشترك ضد كل التنظيمات المتعصبة والرجعية، خصوصاً الوحدات الكردية، ووحدة سلامة أراضي سوريا، والعودة الآمنة للاجئين في تركيا إلى بلادهم.
ووصف بورصالي سياسة المناطق الآمنة في شمال سوريا، التي تتبعها الحكومة التركية لتحقيق العودة الطوعية للاجئين، بأنها «خاطئة»، مضيفاً أن الهدف سيكون جعل جميع المناطق السورية آمنة بالتعاون مع النظام السوري، وليس بإنشاء ممر أمني.
وتابع أن حزب الوطن سيبذل جميع جهوده لتحسين العلاقات بين تركيا وسوريا، مشيراً إلى أن عقدة مهمة سيتم حلها عبر دخول الحكومة التركية بطريق التفاهم مع سوريا، مشيراً إلى أن الوفد المشارك في الزيارة سيكون من عدد محدود من الأعضاء، إضافة إلى اصطحاب عدد من الصحافيين.
وسبق أن كشف حزب الوطن، وهو حزب معارض يساري يرأسه دغو برينتشيك، الذي أصبح يُوصَف بأنه حليف إردوغان في السنوات الأخيرة، عن زيارات قامت به وفود منه إلى دمشق، والتقت الأسد وأركان نظامه، منذ عام 2017، بعلم الحكومة التركية.
في السياق ذاته، قال عضو لجنة المصالحة السورية، عمر رحمون، في لقاء مع وكالة «سبوتنيك» الروسية، إنه منذ 5 سنوات باتت السلطات التركية تتواصل على مختلف الأصعدة مع الجانب السوري؛ إما عن طريق أجهزة الأمن والاستخبارات، أو عبر الطرق الدبلوماسية المعتادة، وجرت لقاءات مشتركة عدة بين الطرفين، لكن الآن التسريبات باتت بوتيرة أعلى، وبشكل علني، وتدل على قرب عقد مصالحة بين أنقرة ودمشق.
ولفت إلى أن اللهجة التركية المتصالحة تأتي ضمن سياقها الطبيعي، على اعتبار أن سوريا وتركيا دولتان جارتان بينهما حدود طولها نحو 900 كلم، فالشكل الطبيعي لهذه العلاقة وجود اجتماعات ولقاءات مشتركة وطاولة حوار واحدة؛ فهذه الحدود تفرض وجود علاقات سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية، ولا يمكن حل هذه المسائل بلقاء بسيط أو تصريح عابر، بل يجب أن يكون هناك تنسيق مباشر بين الطرفين ودون وسيط.
وأضاف رحمون: «المشكلة تكمن في أن الرئيس التركي هو من قاد سياسة تركيا في المرحلة السابقة، وكان قد زج نفسه بالحرب السورية متناسياً العلاقة السورية – التركية، وفتح صفحة أبواب الحرب على مصراعيها ضد الدولة السورية».
وعن الدول التي تقوم بوساطة بين البلدين، قال رحمون إنه لا يمكن إنكار دور روسيا في التقارب التركي – السوري، حيث يسعى إردوغان إلى رد الجميل للجانب الروسي الذي منح تركيا ميزات اقتصادية كبيرة في عدة مجالات، ووقَّع عدة اتفاقيات تجارية تسهم في إنقاذ الاقتصاد التركي من الهاوية التي كان يسير إليها.
واعتبر رحمون أن «عبء اللاجئين السوريين في تركيا يشكل أيضاً ورقة ضغط على إردوغان شخصياً، وهو يسعى بكل ما أوتي لحل هذا الملف بشكل سريع قبيل الانتخابات التركية المقبلة في العام المقبل، بالإضافة إلى سعيه إلى إيجاد حل لملف قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تسيطر على قطاع كبير من الحدود السورية – التركية شرق الفرات، وما يعنيه ذلك من تهديد مستمر للمصالح التركية».
وخلص رحمون، في حديثه، إلى أن «هذه العوامل جميعها أدَّت إلى تغيير اللهجة التركية في التعاطي مع الملف السوري، وتصاعد الرغبة لدى أنقرة في إحداث تقارب حقيقي مع الدولة السورية». وكان إردوغان أعلن، عقب لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في سوتشي، قبل أسبوعين، أن الأخير طلب منه التعاون مع نظام الأسد في حل مشكلة الوحدات الكردية، بدلاً من القيام بعملية عسكرية تهدد بها تركيا مواقع «قسد»، في شمال سوريا، منذ مايو (أيار) الماضي.
والأسبوع الماضي، كشف وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عن «لقاء قصير» جمعه مع نظيره السوري، فيصل المقداد، في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، على هامش اجتماع دول عدم الانحياز في بلغراد، مشيراً إلى ضرورة تحقيق مصالحة بين النظام والمعارضة.
وتسبب التصريح في انطلاق احتجاجات واسعة ضد تركيا في مناطق سيطرتها والمعارضة السورية في شمال سوريا، وأعلن «الائتلاف الوطني للمعارضة» و«الجيش الوطني السوري» الموالي لتركيا، رفضهما تلك الاحتجاجات، ومحاسبة مَن قاموا بإحراق العلم التركي خلالها. وعلق رحمون على موقف المعارضة والفصائل المسلحة من التصريحات التركية الأخيرة، واصفاً إياهم بأنهم «مرتزقة لدى تركيا، وليس بيدهم سوى الخروج بمظاهرات، والتعبير عن الرفض على وسائل التواصل الاجتماعي».
ميدانياً، ألغت القوات التركية، للأسبوع الثاني على التوالي، دورية عسكرية مشتركة مع القوات الروسية في ريف الحسكة.
وأبلغ الجانب التركي نظيره الروسي، قبل أيام، بأن الدورية الاعتيادية التي كان من المفترض تسييرها الخميس، تم إلغاؤها من الجانب التركي. وعليه، لم تحضر القوات الروسية إلى معبر شيريك الحدودي بريف درباسية، كما جرت العادة. واستمر تصعيد القوات التركية في مناطق سيطرة «قسد» والنظام في شمال سوريا. وألقت طائرة مسيرة تركية قنابل على نقطة عسكرية تابعة لقوات النظام السوري، داخل مطار منغ العسكري.
كما قصفت القوات التركية والفصائل الموالية لها، بعشرات من قذائف المدفعية، مواقع في قرى طاطمرش وشوارغة وقلعة شوراغة، ضمن مناطق انتشار «قسد»، بريف حلب الشمالي. ونفذت القوات التركية المتمركزة في قاعدة ثلثانة الواقعة على أطراف مدينة مارع بريف حلب الشمالي، قصفاً صاروخياً، طال أطراف قرى الوحشية وأم القرى، بحسب ما أفاد به «المرصد السوري لحقوق الإنسان».
الشرق الأوسط
————————–
التفكير التركي بالمتغيرات والتأثيرات على سوريا/ رضوان السيد
قبل أسبوع شاعت الأخبار عن اجتماع بين وزير الخارجية التركي ونظيره السوري في إحدى المناسبات الدولية. وكان الرئيس إردوغان قد مضى إلى روسيا قبل أسبوعين واجتمع بالرئيس بوتين لأسباب عدة، منها سوريا. وقد شاع بعد الاجتماع أن الرئيس الروسي اقترح على إردوغان التواصل مع الرئيس السوري بعد قطيعة طويلة، وأنّ الرئيس التركي أجابه بأنّ الظرف غير ملائم، واقترح بالمقابل اتصالاتٍ بين استخبارات البلدين. لكنّ المحادثات بين وزيري خارجية البلدين – وهي بالطبع سياسية – تدلُّ على أنّ رغبة بوتين بدأت في التحقق. وقد عمّت المظاهرات في إدلب وشمال حلب احتجاجاً على التحول التركي، وبدء التخلي عن المعارضة السورية التي لم تعد موجودة إلا في مناطق الوجود العسكري التركي في الشمال السوري!
العلاقات الروسية – التركية شديدة التشابك ومتعددة الموضوعات ذات الاهتمام والمصلحة المشتركة. إنما منذ أشهر عدة يقول الرئيس التركي إنه يخطط لعملية عسكرية ثالثة للاستيلاء على بلدتي تل رفعت ومنبج آخر جيبين للأكراد في غرب الفرات. وهو يريد من وراء ذلك زيادة تأمين حدوده من حزب العمال الكردستاني (التركي) الذي يقاتل ضد قوات تركيا في سوريا والعراق انطلاقاً من مناطق الأكراد في البلدين. وعلى هذه العملية المُراد تنفيذها عاجلاً هذا العام اعترض الأميركيون حماة الأكراد في سوريا، كما اعترض الروس والإيرانيون. ولأنّ إردوغان مقتنع أنّ الاعتراض الأميركي على الحملة الجديدة يمكن تذليله بسبب شدة حاجة الأميركيين إلى تركيا العضو في «الأطلسي» في الحرب الدائرة على أوكرانيا وفي التوسط والتمرير لإمدادات الغذاء والطاقة. أما الاعتراضان الروسي والإيراني فقد حاول تجاوُزَهما في الاجتماع الثلاثي بطهران بين بوتين وإردوغان ورئيسي الرئيس الإيراني. إنما بعد جدالاتٍ طويلة ظلّ الخلاف قائماً وظلّ الرئيس التركي مصرا على القيام بالعملية.
لماذا يرى الرئيس التركي ضرورة العملية العسكرية؟ هو يعلن عن سببين؛ الأول حفظ الأمن القومي التركي من حزب العمال الكردستاني الذي له في مناطق الأكراد بشمال شرقي سوريا قوات ضاربة، والسبب الآخر: إعادة مليون لاجئ سوري ممن هربوا إلى تركيا في السنوات الماضية من مناطق سيطرة الأكراد ومناطق سيطرة النظام السوري. والطريف، أنه بعد اجتماع طهران قامت المسيّرات التركية بقتل أحد قادة حزب «الحياة الحرة» الكردي الإيراني. وكأنما أراد الأتراك تنبيه إيران إلى أن المعزلة الكردية بشمال سوريا وبحماية أميركية، تؤوي إرهابيين أكراداً ليسوا ضد تركيا فقط، بل ضد إيران أيضاً!
يحاول الروس أكثر من الإيرانيين إقناع إردوغان بعدم القيام بالحملة الجديدة؛ لأنها ستدفع الأكراد إلى أحضان النظام السوري هرباً من التغول التركي. والمعروف أنّ النظام السوري ضد الانفصالية الكردية بالطبع وله مصلحة في التوافق مع تركيا لهذه الناحية. وسيضمن الروس الاتفاقيات. لكنّ الرئيس التركي يقول لهم: في المنطقة التي تسيطر عليها بسوريا قرابة الملايين الثلاثة ومعظمهم مهجَّرون أكثر من مرة. وقد توسطتم في المصالحات بالجنوب السوري (مناطق درعا) ولم تفوا لا أنتم ولا النظام. ومناطق المصالحات المزعومة اليوم تحفل بالاضطراب والاغتيالات المتبادلة، وعلى مسافة منها باتجاه الجولان يحاول الإيرانيون إرسال ميليشياتهم بحجة الحشد ضد إسرائيل – ومن الناحية الأخرى على الحدود مع الأردن تنتشر عصابات مسلحة لتهريب المخدرات عبر الأردن إلى دول الخليج بالقوة. ولا يخلو أسبوع من اشتباكات بين المهربين والجيش الأردني، الذي اكتشف أنهم حفروا أنفاقاً أيضاً!
إردوغان مستعجل لأنّ عنده انتخابات ويريد أن ينجز شيئاً في ملف اللجوء السوري بالذات لتصاعد التذمر بتركيا من كثافة اللجوء السوري الذي يتجاوز الثلاثة ملايين. لكنه كما لا يطمئن إلى الوعود الروسية إذا تواصل مع النظام، لا يطمئن أكثر في مسألة اللجوء وإمكان استقبال النظام (ولو سوعد دولياً) لمليون سوري أو أكثر، وشاهده على ذلك ما جرى مع الأردن ولبنان ورفض النظام إعادة بعض المليونين الذين هجَّرهم النظام إلى البلدين!
إردوغان مضطر إلى مجاملة روسيا، إنما لديه ضغوط الناخبين بالداخل، ولديه أعباء ملايين السوريين في تركيا وفي مناطق سيطرته بسوريا. وإردوغان ورغم التهويل بعثمانيته الجديدة، ليس عنده مشروع سيطرة واستيلاء آيديولوجي ومذهبي مثل إيران. ويثير الأتراك تذمر السوريين المعارضين فيما يسمى مناطق خفض التصعيد منذ سنتين لأنهم يكررون إرادتهم الانسحاب إذا اطمأنوا إلى أمن الحدود، وإلى عودة اللاجئين. وفي حين لا تأبه إيران لمجاعة شعبها وتريد النووي والاستيلاء على البلاد العربية وتشييعها، يرتاع المسؤولون الأتراك لإقدام مؤسسة «موديز» للاستشارات المالية الدولية على تخفيض الائتمان على الليرة التركية لأدنى مستوياته!
يريد إردوغان إذن الاستفادة من الحرب الأوكرانية ومن الأزمة العالمية الجديدة. والميزة التي يراها لبلاده ليس موقعها الاستراتيجي فقط؛ بل وقدرته على جعل كل الفرقاء محتاجين إليه تدخلاً أو وساطة. وقد سبق له التدخل في ليبيا ومحاولة الإفادة من بحارها وبترولها، كما أراد التدخل في مياه اليونان ومياه قبرص، وتدخل قبل سنتين لصالح أذربيجان ضد أرمينيا. يكسب هنا ويخسر هناك، لكنه يظل محركاً وفاعلاً حتى في القضية الفلسطينية؛ فقد لجأت إليه «حماس» أخيراً ومن إيران وليس من إسرائيل! إنما هذا كله «كوم» وتدخله في سوريا كوم (!).
وعلى هذا وذاك وذلك، تبقى المشكلة عندنا نحن، حيث جرى اجتياح بعض الدول الوطنية العربية من الداخل أولاً ثم من الخارج المجاور… والبعيد! لا حياة لنا إلا في دولٍ وطنية نتبادل التأييد مع شعوبها وتمارس السيادة والمناعة تجاه الخارج ضمن النظام الدولي؛ وفي استقرارٍ وتنمية.
إنّ هذا لا يعني إذناً بالتدخل إذا صار هناك اختلال داخلي. لكنه يعني إذا أردنا ترميم الدولة الوطنية السورية أو الليبية أو اللبنانية، أن يتكون إجماع عربي على القرارات الدولية ذات الصلة بكل بلد. لقد كان الخوف من الدولة، ومن زمان صار الخوف على الدولة. والله المستعان.
الشرق الأوسط
—————————
تركيا و”إس 400″.. ماذا يعني الإعلان الروسي بشأن “توقيع” عقد الدفعة الثانية؟
ضياء عودة – إسطنبول
ية منظومة الدفاع الجوي “إس 400” والمتعلقة بتركيا إلى الواجهة من جديد، خلال الأيام الماضية، بعدما أعلن رئيس هيئة التعاون العسكري الروسية، دميتري شوغاييف أن “موسكو وأنقرة وقعتا عقدا لتوريد الدفعة الثانية منها”، وفق ما نقلته وكالة “تاس”.
وهذا الإعلان سرعان ما دفع الجانب التركي إلى التعليق بـ”النفي”، فيما أعربت الأوساط الأمريكية عن قلقها إزاء هذه التقارير، إذ اعتبرت رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، بوب مينديز أن الخطوة “ستكون انتهاكا واضحا آخر للعقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية على روسيا، بينما تواصل غزوها الوحشي وغير القانوني لأوكرانيا”.
ونقلت وكالة “الأناضول” شبه الرسمية عن مسؤول تركي، يوم الأربعاء، قوله إن “العقد الأصلي الذي وقعته أنقرة مع موسكو لشراء منظومة الدفاع الجوي الصاروخية (إس – 400) يشمل دفعتين”، مضيفا أنه “لا توجد اتفاقات جديدة”.
وأكد المسؤول التركي في “رئاسة الصناعات الدفاعية التركية” أن “شراء الدفعة الثانية كان ضمن الخطة الأصلية والعقد ذي الصلة”، وأن “العملية مستمرة، ولا توجد أي اتفاقيات جديدة”.
وإلى اليوم تبدي واشنطن رفضها شراء أنقرة منظومة الصواريخ الروسية “إس 400”. واتجهت مؤخرا إلى فرض عقوبات عليها بموجب قانون “كاتسا”، كما أقدمت أيضا على إخراجها من برنامج مقاتلات “إف 35”.
ولم تفض محاولات أنقرة لتبديد مخاوف واشنطن من صفقة المنظومة الروسية إلى أي نتيجة في الفترة الماضية، وبقيت هذه القضية “معلّقة”، إلى أن جاء الإعلان الروسي قبل أيام، مثيرا الجدل من جهة وتساؤلات بشأن الأهداف الذي تريده موسكو من ورائه، وخاصة أنه قوبل بـ”نفي تركي” فوري و”قلق وتحذير أمريكي”.
ماذا تريد موسكو؟
وكان لافتا أن ما أثارته موسكو بخصوص صفقة “إس 400” جاء بالتزامن مع وصول وفد تركي إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، لمتابعة القضية الأخرى المتعلقة بحصول أنقرة على دفعة طائرات من نوع “إف 16”.
كما جاء عقب اللقاء الذي جمع الرئيسين التركي والروسي رجب طيب إردوغان وفلاديمير بوتين في مدينة سوتشي. وفي أثناء اللقاء تحدث الطرفان عن تفاهمات انسحبت على مستويات مختلفة، سياسية واقتصادية، ودفاعية أيضا.
ورغم أن توريد الدفعة الثانية من المنظومة الروسية هو جزء من العقد الرئيسي، إلآّ أن روسيا “تعمّدت على ما يبدو إثارة هذه المسألة”، في الوقت الحالي، حسب قراءة الباحث المختص بالشأن التركي، محمود علوش.
فمن جانب، يقول الباحث لموقع “الحرة”: “تحرص موسكو على إظهار أنها ليست معزولة كما يقول الغرب وبأنها لا تزال قادرة على مواصلة مبيعاتها العسكرية رغم العقوبات”.
ومن جانب آخر “تُدرك موسكو أن إثارة هذه القضية في الوقت الحالي ستؤثر سلبا على المفاوضات التركية الأمريكية بشأن مقاتلات إف 16”.
ويضيف علوش: “ستُربك أيضا الجهود المبذولة لإعادة إصلاح العلاقات بين أنقرة وواشنطن”.
وذلك ما يشير إليه أنطون مارداسوف، وهو محلل روسي وباحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط، حيث يربط “الإعلان الروسي” بالزيارة التي أجراها وفد تركي إلى واشنطن، لمتابعة قضية “إف 16”.
ويقول مارداسوف لموقع “الحرة”: “في قصة تسليم فوج S-400 الثاني، تتفاوض جميع الأطراف علنا، لكن ربما لا ينبغي لنا أن نعقّد الموقف. استدعت موسكو هذا العقد في وقت يتفاوض فيه الوفد التركي بنشاط مع الولايات المتحدة”.
وكان عقد توريد أول فوج من صواريخ “إس 400” تتويجا للتقارب الروسي التركي، بعد التصعيد الذي حصل في عام 2015.
ويضيف الباحث الروسي: “هذه الصفقة السياسية هي التي ساعدت تركيا في الحصول على نظام دفاع جوي مستقل ذي أهداف محددة يمكن دمجه تقنيا في نظام الدفاع الجوي لحلف الناتو”.
وعلى الرغم من ذلك، إلا أن مارداسوف يرى أن عملية الدمج “مكلفة للغاية”، موضحا: “لتحقيق هذا التكامل، يحتاج الخبراء إلى حل مشكلات مثل تنسيق التردد، وتوافق معدات الاتصالات، وتركيب نظام تحديد الهدف والترميز”.
“خطوة سياسية”
وتقول واشنطن إن “إس 400” لا تتوافق مع أنظمة الدفاع لدى حلف شمال الأطلسي الذي تنتمي إليه تركيا، وكذلك الولايات المتحدة.
وحظرت واشنطن، في ديسمبر 2020، منح أي تصاريح لتصدير الأسلحة للوكالة الحكومية التركية المكلفة بشراء تجهيزات عسكرية، لمعاقبة أنقرة على شراء صواريخ “إس 400”.
قبل العقوبات، علقت الولايات المتحدة مشاركة تركيا في برنامج تصنيع الطائرة الحربية الأميركية الأحدث من نوع إف-35، معتبرة أن صواريخ “إس 400” يمكن أن تكشف أسرارها التكنولوجية.
واعتبر الباحث علوش أن “مسارعة أنقرة إلى نفي الإعلان الروسي يُشير إلى إدراكها للمخاطر المؤكدة على مساعيها لشراء مقاتلات إف 16 من واشنطن”.
“تركيا حريصة على توفير الظروف الملائمة لإنجاح الصفقة، وعدم الإقدام على خطوات من شأنها أن تُعطي مبررات إضافية للجناح المتشدد ضدها في الكونغرس لعرقلة الصفقة”، وفق الباحث.
من ناحية أخرى، يوضح الباحث الروسي مارداسوف أن “التصريح الأخير الذي أدلى به دمتري شوغاييف، مدير الخدمة الفيدرالية للتعاون العسكري الفني لا يكاد يكون سياسيا”.
ويقول: “لأنه في المنتدى العسكري الصيفي يُسأل شوغاييف باستمرار عن هذا العقد، وهو يجيب دائما على نفس الشيء تقريبا”.
وفي أغسطس من عام 2020 كان شوغاييف قد قال أيضا إنه “تم توقيع العقد مع تركيا، وكان السؤال الوحيد هو كيف سيتم تنفيذ القضايا المتعلقة بالتمويل”.
ويتابع الباحث الروسي: “هناك شيء آخر هو أنه بسبب ضغوط العقوبات وموقعها الفريد في ظروف الصراع الأوكراني الروسي، فإن تركيا بالكاد قادرة ومستعدة للتحدث عن هذا العقد علنا”.
ماذا بعد؟
في غضون ذلك يرى بعض المراقبين أن تجميد تركيا وضع هذه الصواريخ الروسية يمكن أن يلبي المطالب الأميركية، لكن هناك تساؤلات تتعلق بالإطار الزمني الذي يمكن أن تبقى فيه تركيا بخصوص “تبطيء” عملية إكمال أجزاء منظومة الدفاع.
وهناك معادلة كانت الأوساط التركية قد أشارت إليها، وتتلخص بأن شراء الدفعة الثانية من “إس 400” سيؤدي “بصورة حتمية” لقتل الصفقة المتعلقة بـ”إف 16″.
حيث أنه وبمجرد اتخاذ أنقرة لهذه الخطوة مع روسيا سيتجه “الكونغرس” الأمريكي لعدم تمرير الصفقة المتعلقة بالطائرات الحربية، بينما سيكون هناك موقفا أكثر حدة من جانب البيت الأبيض.
وبوجهة نظر الباحث محمود علوش فإن “الجيش التركي بحاجة ماسة إلى تحديث أسطوله الجوي”، وبالتالي فإن “شراء الطائرات الأمريكية يُمثل أولوية لأنقرة في الوقت الراهن”.
كما يعتقد الأتراك أن “إنجاح هذه الصفقة (إف 16) سيُعزز موقفهم في واشنطن. “ليس لدى الرئيس إردوغان مصلحة في تأجيج التوتر مع إدارة بايدن”، وفق علوش.
ويشير إلى أن أنقرة لا تنظر إلى التعاون الدفاعي مع روسيا وأمريكا من منظور حاجتها العسكرية فحسب، بل أيضا “من منظور متطلبات عملية التوازن بين موسكو وواشنطن. وهذا يتطلب توازنا دقيقا في إدارة العلاقة مع البلدين”.
وبالتالي فإن “تعميق التعاون الدفاعي التركي مع موسكو لا يخدم مصالح أنقرة”، فيما “سيؤدي ذلك إلى مزيد من العقوبات الأمريكية وسيضر أيضا بتوسع صناعة الدفاع المحلية”.
لكن وفي مقابل ما سبق يرجّح علوش إنه “وفي حال واصل الأمريكيون الممطالة في بيع تركيا مقاتلات إف 16، فإنه لن يكون لدى أنقرة خيارا آخر سوى اللجوء إلى روسيا”.
بدوره يرى الأكاديمي والباحث السياسي، مهند حافظ أوغلو أن “صفقة إف 16 وإس 400 تحتاجهما تركيا بشكل مزدوج، لأن الأول سلاح هجومي والآخر دفاعي”.
وما يجمع الصفقتين أنهما تحولا إلى “سلاح ثالث”، حسب الباحث، الذي يقول لموقع “الحرة”: “هذا السلاح هو سياسي إعلامي، والسبب هو أن واشنطن لم تحسم أمرها بعد في علاقتها الاستراتيجية الحقيقية مع أنقرة، وليس برنامج F35 ببعيد”.
و”تصر تركيا في الوقت الحالي على حقوقها في الطائرات المقاتلة، وتلوح من بعيد إلى أن التفاهمات مع روسيا ربما تزداد مع تعنت الولايات المتحدة ضد تركيا”. “سيبقى هذا الاحتمال في ازدياد جاد إذا لم تغير الإدارة الأمريكية نظرتها للحليفة تركيا!”، حسب تعبير الباحث.
ضياء عودة
—————————
داود أوغلو ينشر تقرير حزبه حول اللاجئين السوريين.. ما تفاصيله؟
شارك زعيم حزب المستقبل، داود أوغلو، في المؤتمر الصحفي الذي عقده في مقر حزبه، التقرير المعنون “مشكلة الهجرة غير النظامية واقتراحات الحلول بتوجيه عقل الدولة وضمير الأمة”.
وفي إشارة إلى أن عملية الهجرة تسارعت بسبب الظلم الاقتصادي العالمي الكبير، قال داود أوغلو إن الدبلوماسية السلمية وذات الرؤية ينبغي أن تكون مهيمنة في السياسة الخارجية التركية مرة أخرى.
وفي شرحه للمقترحات التي تحتوي على 66 خطة عمل تحت 68 عنواناً رئيسياً في التقرير، قال داود أوغلو: “في ظل حكومة حزب المستقبل، ننظر إلى مشكلة الهجرة غير النظامية في تركيا في إطار القانون العالمي والتجربة التاريخية ومبادئ حقوق الإنسان وحماية مصالح تركيا والنظام العام في إطار وحدة البلاد”.
داوود أوغلو
داود أوغلو: 3 شروط لا بد من توافرها لبدء محادثات رسمية مع النظام السوري
بنود التقرير
وأعلن الحزب عن نموذجه في حل مسألة الهجرة غير النظامية ضمن ٥ مفاهيم أساسية:
- نهج وجداني يقوم على أساس كرامة وحقوق الإنسان.
- مفهوم للنظام والأمن العام وأمن الحدود يعكس ذهنية دولة.
- تنويع المقاربات التي تتناول الهجرة غير النظامية.
– إعادة تحكيم الدبلوماسية السلمية في السياسة الخارجية التركية.
- تفعيل العقل المؤسساتي للدولة المؤسساتية.
وأشار الحزب إلى أنه لا يمكن إعادة أي لاجئ سوري دخل الأراضي التركية ولو ضمن إطار العودة الطوعية لعدم توافر الشروط المناسبة لعودته وأهمها الانتقال السياسي الذي نص عليه القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
————————-
قليل من المصارحة لا يضير/ علي سفر
بعيداً عن أي خيال يأتي من الشعر أو القصص والروايات، ومن حكايات الثورات المنتصرة، وقع السوريون الثائرون ضد نظام الإبادة الأسدي في فخاخ كثيرة، طول السنوات الماضية. بعضها ترك آثاراً لا يمكن نسيانها، كالندوب على الأجزاء الظاهرة من الجسد البشري، التي لا تكتفي بتذكيرنا بما حصل، بل إنها تظهر للآخرين أيضاً، وبما يشكل ذاكرة مشتركة عن الواقعة المؤسفة.
والبعض الآخر من تلك الحوادث يسهل نسيانه، لا لكونه استثناء، بل لتكراره المستدام، ليس في واقعنا فقط، بل في كل الفضاءات المشابهة.
يمكن قياس حال الثورة المحلية بناء على معيارية تستدعى من مثيلاتها الأخرى، لكن من سيقنع أصحاب العلاقة بالذات، بأن هزائمهم لم تأت لخاصية كامنة أو قابعة في تكوينهم النفسي أو الطائفي أو الديني وكذلك القومي وغير ذلك؟ وأن ما جرى لهم قد وقع فيه غيرهم، لكن أحداً ما، قرر أن ينهي القصة، وأن يحمل أعباء إنهاء المآسي دفعة واحدة، حتى وإن كللت سيرته بعار مصافحة العدو! سيحدث هذا في وقت ما، ولن يكون أحدٌ مرتاحاً لما يجري، إذ صرنا وبعد كل هذا الزمن وما تضمنه من مشاق بعيدين كل البعد عن النهايات السعيدة المرتجاة!
لا يختلف تصريح وزير الخارجية التركي وما أحاق به من أحداث وتفاصيل وكذلك تعديلاته، عن أي من الفخاخ التي نتحدث عنها، لكن خصوصية الحدث هنا، تأتي من آثاره اللاحقة، فأصحاب القضية الذين مضوا في ثورة غير مسبوقة، لن يبلعوا ببساطة هذه اللقمة الكبيرة الجافة التي يجبرون فيها على “الصلح”، الذي صارت معانيه السياسية هنا، أكبر من طقوس إصلاح ذات البين بين أخين أو جارين أو طالبين يجلسان في مقعد واحد.
إنه في التصور السياسي سلسلة من الإجراءات المرتبطة بقرارات دولية، ومسارات يجب المضي فيها كي يجد الصلح له مطرحاً في الحكاية المزمنة.
يشعر الثائرون على الأرض بأن الذهاب إلى هذا الخيار هو إلباسهم بطريقة قسرية ثوب المهزومين، وهم غير ذلك.
لكن المسألة هنا تتجاوز الجانب النفسي عند من دفعوا كل تلك الأثمان، ثم جاء أحد ما ليعرض عليهم مقابلاً أقل بكثير مما يعتقدون أنهم يستحقون.
إن عنوان الرفض في حالتنا هو النتائج التي سيتم اتخاذها في حال مضينا في خيار “الصلح” بين المعارضة وبين النظام، إذ سيشعر السوريون بأنهم سيزدادون تغرباً عن المسار الأول الذي مضت فيه ثورتهم؛ أي كونها ثورة شعب، ضد نظام مستبد جائر، وأن ثمة طبقة نشأت فوق تضحياتهم صار اسمها “المعارضة” ستذهب بإرادتها إلى ما يريده جاويش أوغل، أو ستضطر لفعل ذلك بعد أن أمسى جزء منها مرتهناً لتركيا، بينما ترتهن بعض الأجزاء الأخرى لقوى إقليمية ودولية أخرى!
لا يوجد ثقة بين الثائرين على الأرض وبين هياكل المعارضة، كما هي المسافة البعيدة غير القابلة للتعمية بين الناس في “المحرر” وبين حملة السلاح باسم الثورة!
هذا ليس بجديد، وهو غير مبني على افتراضات مسبقة بل هو واقع حال يجب ألا ينكره أحد، وقد يحدث فعلياً أن تجد في قبعة الساحر المليئة بأرانب سياسية أو عسكرية، من هو مستعد للمضي أبعد مما تحدث عنه وزير الخارجية التركي، إلى درجة الانبطاح أمام أول إشارة -لم ولن تأت- من قصر المهاجرين، توحي بإمكانية الحوار مع جهة معارضة.
لا يوجد ثقة بين الثائرين على الأرض وبين هياكل المعارضة، كما هي المسافة البعيدة غير القابلة للتعمية بين الناس في “المحرر” وبين حملة السلاح باسم الثورة!
لقد تقبّل السوريون هذا الواقع لسنوات طويلة، لا لشيء سوى أن الآفاق المسدودة، تزداد صلابة، مع تغيرات الواقع، ونشوء أزمات إقليمية وعالمية جديدة، تدفع بقضيتهم إلى آخر الاهتمامات، مع وجود تنميط راسخ مفاده بأن الحالة السورية معقدة وغير قابلة للحل، مع وجود أصابع كثيرة في الملف، الأمر الذي يؤدي في المحصلة إلى نسيانهم وحجرهم، كي لا تتسرب مشكلاتهم صوب الخارج!
الرؤية التركية، التي باتت تتضح دون مواربة، والمبنية على براغماتية متأصلة في نهج النظام السياسي الحاكم، لا ترى أفقاً في ظل كل ما سبق، طالما أنها تلمس عدم رغبة أي من القوى الدولية في إحداث أي اختراق في الملف، ومع وجود ضغوطات يعرفها الجميع، كالوضع الداخلي المأزوم اقتصادياً، والضغط الذي يعتقد بعض الأتراك بأنهم يخضعون له بسبب العدد الكبير للاجئين السوريين على الأراضي التركية، مع خطورة أن يترجم هذا الاستياء إلى أوراق مؤثرة في الانتخابات القادمة العام المقبل.
قد يقول قائل ينتمي إلى عالم الأرقام والحسابات حتى في العواطف والأفكار والمبادئ: لقد قبل السوريون الثائرون خلال عقد كامل بكل الشياطين التي عزفت على إيقاع حلمهم بالإطاحة بالنظام، فسلموها قيادة أدوات ثورتهم ولكنها لم تعطهم سوى المزيد من الخسارات والكوارث، فلماذا يستاؤون من طروحات واضحة غير مواربة تحدث عنها جاويش أوغلو، فلم يخدعهم كما فعل غيره؟! ومن ثم، بماذا يظنون أنهم سيواجهون العالم، في حال صار الأمر واقعاً، وهم المحكومون بواقع جغرافي واقتصادي وعسكري لا يمنحهم الحرية في أي خيار آخر؟!
السوريون يسمعون مثل هذه الأسئلة منذ العام الثاني لثورتهم، والاضطرار والبحث عن حل يجنبهم حمامات الدم، قادهم إلى جنيف، وإلى أستانة، وإلى اللجنة الدستورية، وسياسة “الخطوة مقابل خطوة”.
لكن سيل الدم جرى وتدفق كثيراً، وبالتالي، فإن الوضع السكوني الحالي، الذي خف فيه إيقاع الموت، ويتم فرضه بقوة القوى الدولية والإقليمية، يمكن اعتباره جزءاً من نتائج كل ما سبق، فهل سيستمر الوضع هكذا على الأبد؟
يظن الثائرون ومعهم كل الحق أن ما جرى في سوريا لا يمكن أن ينتهي بمثل هذه النهايات، وعلى الجهة المقابلة يغذي النظام لدى مؤيديه فكرة انتصاره، بصناعة المزيد من الأغاني والتطبيل والتزمير، لكنه يبيعهم الوهم على الصعيد الحياتي، إذ يتكشف الانتصار عن كوارث اقتصادية، تعني في بعض تفاصيلها أن المنتصر إعلامياً قد هُزم على أرض الواقع.
كيف يمكن أن نخرج من فخ الاستعصاء الراهن، دون أن نرمي بأنفسنا تحت عنوان المصالحة إلى أحضان المستبد القاتل، الذي لا يرغب أصلاً بشيء سوى بقاء الحال على ما هو عليه؟
هذا سؤال يحتاج لجرأة في اقتراح الإجابات، دون أن يبيع المجيب نفسه والآخرين الأوهام والشعارات.
تلفزيون سوريا
————————
تحولات السياسة التركية وأثمان تقاربها مع نظام الأسد/ تركي المصطفى
في تحول مفاجئ للسياسة التركية، تجاه المعارضة السورية، بعد زيارة الرئيس أردوغان إلى موسكو مؤخرا، ولقائه نظيره الروسي بوتين. وإعلان الطرف التركي أن اللقاء تطرَّق إلى الوضع السوري وقضايا استراتيجية أخرى، تبرز لدى أردوغان وهو في طريقه إلى طهران ومن ثم إلى سوتشي الروسية، أهدافٌ ثلاثة: عملية عسكرية لـ “القضاء على الإرهاب” وتوسيع “المنطقة الآمنة” التركية في شمالي سوريا، وتخفيف عبء اللاجئين السوريين بترحيل ما لا يقلّ عن مليونٍ منهم في غضون الأشهر المقبلة، ومن ثم محاولة استدراج أموال عبر صفقات مع روسيا لتعويم الليرة التركية… وذلك في إطار هدف رئيسي: ضمان الفوز في انتخابات 2023.
من هنا، لم يكن الهدف الأساسي للزيارة طيّ مرحلة الحرب السورية الناشبة منذ نحو 12 سنة، وكيفية إرساء أُسس واضحة لمرحلة سلام، على الرغم من تأكيد بيانهما الختامي على أولوية الحل السياسي للأزمة السورية بشكل عام، وتعزيز هُدنة إدلب على وجه الخصوص.
اللافت في زيارة موسكو، أنها جاءت بعد أقل من شهر على لقاء طهران، حيث دعا فيها قادة (موسكو وطهران وأنقرة) إلى الامتناع عن كل ما من شأنه تقويض وحدة سوريا، وسيادتها، واستقلالها، وزادت موسكو وطهران على هامش البيان عدم المساس “بشرعية” رأس النظام، بشار الأسد. في حين أشادت روسيا بجهود أنقرة، منذ إنهاء معركة حلب لصالح (الروس والإيرانيين)، ما أهّلها للانضمام إلى الثلاثي الذي عُرف لاحقاً بـ “ثلاثي أستانا”. وفي هذا الإطار أصبحت أنقرة أسيرة التواطؤ الروسي -الإيراني وأجندته، ومن ثمّ شريكة في “خفض التصعيد”، أي في “إنهاء” الحرب السورية، ويبدو أن نجاح مسار أستانا تجسد في ترويض الموقف التركي وتغيير سياستها من خلال احتواء المعارضة السورية، في حين تواصل موسكو وطهران وقوفهما إلى جانب نظام الأسد مقابل موافقته على تثبيت نفوذهما وتلبية مصالحهما الاقتصادية في المناطق الحيوية السورية.
مبدئيًا، العروض التي يمكن أن تقدّمها أنقرة ثمنًا، لتجاوز الخلاف بينها وبين نظام الأسد لن تضع حدًا لمطامع الأطراف الأخرى، فالولايات المتحدة لن تفرط بعلاقتها مع الأكراد ولم تقبل بالعملية العسكرية التركية في شرق الفرات أو غربه، ولا بوجود عسكري دائم متعدد الأغراض بعمق 30 كيلو مترا داخل الحدود السورية حماية لأمنها.
والواقع أن التقاء إرادتي (موسكو وأنقرة) عند مسائل المصالحة بين (النظام والمعارضة) ليس أمرا سهلا، فهي محاطة بعوائق عديدة تقف في بعدها الدولي عند واشنطن كما بيّنا أعلاه، وهنالك عوائق المصالح الإيرانية التي لا يمكن تجاوزها، بوصفها الطرف الأبرز الداعم لنظام الأسد، مما سيعزز موقفها في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة بشأن الاتفاق النووي، الذي انسحبت منه إدارة ترامب عام 2018؛ وبذلك يمثل نظام الأسد إحدى أوراق إيران التفاوضية، وفقًا لشروطها، مثلما فعلت ذلك في المفاوضات ذاتها، عام 2015، وهناك عائق داخلي يتمثل في موقف الشعب السوري الثائر الذي يُعدّ الأقوى، شرعية، على الأرض التي تسيطر عليها تركيا، والذي لا تلتقي مصالحه مع مصالح تركيا عند النقطة التي دعا إليها وزير الخارجية أوغلو. على الرغم من ضآلة إنتاج حالة وطنية جامعة لكل السوريين.
إنَّ جوهر التحوّل السياسي الذي أغضب جمهور المعارضة هو الدعوة لطي مرحلة الحرب وفق عملية تقبيل “اللحى”، كاستجابة واقعية لإخفاق الحلول العسكرية التركية ضد “قسد”، ولطبيعة المرحلة؛ فالحرب وفق التصور الروسي الخيار المتاح أمام الجميع، بينما السلام استثناءٌ. ومن المؤكّد أن هذا الاستثناء لن يكون قراره بيد تركيا. أما النظام المدعوم من موسكو وطهران، فيمكن له استئناف العنف، وهذا ما يتجلّى في التصعيد العسكري في منطقة خفض التصعيد، غير أن كلمة “المصالحة” التي تراجع عنها الوزير التركي يوم أمس، هي التي أطلقت التظاهرات الغاضبة في كل أرجاء الشمال السوري، وما تخللها من حرق للعلم التركي في اعزاز وهتافات تعتبر الوجود التركي احتلالاً. فأدركت أنقرة “خطأ الاعتقاد بأن السوريين مجرد دمى يتلاعب بها وفقاً لمصالحها ورغباتها، وهذا ما جعل الوزير التركي يندد الثلاثاء 16 آب، في مؤتمر صحفي، مع وزير خارجية لاتفيا، إدغار رينكيفيكس، بتحريف كلامه خلال تصريحاته السابقة المتعلقة بالتعاون مع النظام، قائلا “لم أستخدم عبارة مصالحة بين النظام السوري والمعارضة بل قلت إنه يجب التوصل لتسوية للأزمة”.
والحال كذلك، بالنسبة إلى الموقف الأميركي، الذي عبَّرت عن جانب منه تصريحات المسؤولين، التي دعت أطراف النزاع إلى التمسّك بخيار السلام، وحثها على اتخاذ مواقف أكثر إيجابية، وهو ما يمثل امتدادًا لما تضمَّنه القرار الدولي 2254 والذي يصب في المصلحة الأميركية ولا يلبي مطامع موسكو الساعية للفوز باللقمة السورية كاملة.
المؤكَّد أن المضي، باتجاه الاستراتيجية الروسية، ومن ثم تطويرها إلى مصالحة مُلزِمة لأطراف النزاع السوري، ودخول تركيا في عملية سلام وفق رؤية موسكو؛ لن تؤتي ثمارها لكونها محاطة بمصالح دولية أكثر من المصالح التركية ولن يقود هذا، كما يتوّهم بعضهم، إلى سلام دائم وشامل في سوريا، لأن نظام الأسد لا يمثل امتدادًا للحقبة التي كانت سائدة في سوريا قبل ثورة عام 2011، بل جزءا أصيلا من خريطة الجيوبوليتك الشيعي، ويقابل ذلك رفض شعبي داخلي متنامٍ، لن تقف أمامه أي احتواءاتٍ خارجية، حتى وإن كان مصدرها تركيا، إذا ما قرّرت تغيير موقفها من نظام الأسد.
ملامح التخبط التركي، في سوريا، تتجلى أكثر وأكثر، وإن بَدا ذلك مستغربا، إثر التحوّل الواضح في موقفها، وليس مصادفةً أن تتزامن هذه التحولات التركية مع استكمال التنسيق العسكري بين نظام الأسد وقوات “قسد”، وما يجري من استفزازات في المناطق الخاضعة للنفوذ التركي في الشمال السوري، ومع ذلك، فإن (روسيا وإيران) تعتمدان استراتيجية عنوانها “الحرب الدبلوماسية”. ويبقى الضياع التركي يتأرجح من تصفير مشاكلها الخارجية إلى تصفير رؤيتها الاستراتيجية وهذا ما سيجعلها تدفع أثمانا باهظة في المشهد السوري.
تلفزيون سوريا
—————————-
تقرير استطلاع رأي حول مواقف السوريين في تركيا من العودة إلى الأراضي السورية/ عبد الناصر الجاسم
الملخص التنفيذي
يعيش غالبية السوريين المقيمين في تركيا بدرجات قلق وعدم استقرار متفاوتة، وذلك مرتبط بعوامل عدة، منها طبيعة العمل أو مكان الإقامة أو نوع المستند القانوني للإقامة، وتعدد التعليمات والقرارات الناظمة لوجود السوريين في تركيا، وأحيانًا ازدواجيتها وتضاربها.
وفي الآونة الأخيرة، تزايدت الأحاديث والتصريحات والدراسات واستطلاعات الرأي، في المجتمع التركي المضيف، حول السوريين في تركيا، وجميعها تصبّ في خانة التململ من وجود السوريين[1]، وتباينت في مدى الموضوعية والحيادية، وذلك تبعًا للجهة الصادرة عنها والهدف منها، وقد توعّد أكثر من سياسي في المعارضة التركية بإعادة السوريين إلى بلادهم، في حال نجاح حزبه السياسي في الانتخابات المقبلة، وذلك بالتزامن مع طرح مشروع إعادة مليون سوري إلى 13 منطقة في الشمال السوري، واقتراب موعد الانتخابات التركية صيف 2023، وتصدر ملفّ السوريين المشهد الإعلامي والسياسي في تركيا، حيث تسعى أحزاب المعارضة لاستخدام هذه الورقة بغية كسب أصوات إضافية لها.
وبالطبع، كل ذلك ينعكس على السلامة النفسية والاجتماعية للسوري المقيم في تركيا، ولكن تظل التصريحات أو الإجراءات الحكومية هي التي يأخذها السوري على محمل الجد، لكونها تترك قلقًا واضحًا في نفوسهم ينعكس على خياراتهم، وهذا ما بدا واضحاً وبتواتر سريع في الآونة الأخيرة.
من هنا، عزم مركز حرمون للدراسات المعاصرة على إجراء هذا الاستطلاع لمعرفة آراء السوريين في تركيا حول موضوع العودة، وما هي تصوراتهم ونياتهم حول العودة، على اعتبار أنهم المعنيون الرئيسيون في هذه المسألة. وهدف هذا الاستطلاع إلى معرفة آراء السوريين المقيمين في تركية بموضوع العودة ، وماهي العوامل التي تؤثر في قرار عودتهم ،من خلال طرح الاستطلاع على عينة منهم.
تم تصميم استمارة استطلاع الرأي[2]، وتم توزيع الاستطلاع عبر رابط إلكتروني لنماذج غوغل درايف، وتعميمه على سوريين في جميع الولايات التركية، ولا سيما ولايات (إسطنبول، غازي عينتاب، أورفة، هاتاي) نظرًا لكونها تشهد أعلى كثافة للسوريين فيها، وذلك بالاعتماد على تقنية كرة الثلج في الوصول إلى العيّنة.
ووصل عدد الأشخاص الذين شاركوا في الاستطلاع 1010 أشخاص، توزعوا في مختلف الولايات، وكانت النسبة الأعلى في إسطنبول، حيث بلغت 27،9%، وتلتها غازي عينتاب وبلغت 20،1 %، ثم جاءت شانلي أورفة وبلغت 11،4 %، ثم هاتاي -وهي تضم الريحانية وأنطاكية- وبلغت 9،1 %، وبلغت النسبة في ماردين 6،7%، وتوزع باقي أفراد العينة على مختلف الولايات التركية، وهذا ما يتفق مع النظرة العامة لوجود السوريين الذي يتركز في ثلاث ولايات رئيسية، هي إسطنبول، غازي عينتاب، شانلي أورفة.
ثم تم ترتيب البيانات وترميزها وتحليلها، وتم التوصل إلى مجموعة من الاستنتاجات تفسّر موقف السوريين من طروحات العودة، ومن أبرز هذه النتائج:
الغالبية العظمى من السوريين الموجودين في تركيا لا تتلقى أي مساعدات من أي جهة، وتعتمد على نشاطها وعملها في تأمين سبل عيشها، ويقيمون خارج مراكز الإيواء، ويتوزعون في مختلف الولايات التركية، ويتركز وجودهم في إسطنبول، غازي عينتاب، شانلي أورفة وهاتاي، وهذا ما يتفق مع إحصاءات رسمية تركية ذكرت أن 1،35% فقط من السوريين يقيمون في مراكز الإيواء.
تشير نتائج الاستطلاع إلى أهمية المتغير السياسي، وشكل الحياة السياسية في قرار العودة لدى الغالبية العظمى من السوريين، وهذا يبدو مفهومًا وطبيعيًا على اعتبار أن جوهر المشكلة في سورية هو سياسي، بغض النظر عن تسويق روايات وتصنيفات مختلفة عن أسباب هذا الصراع، فقد ربط 80% من أفراد العينة عودتهم بالتغيير السياسي في سوريا.
وافقت النسبة العظمى من أفراد العينة على العودة إلى سورية، في حال تغيير النظام الحاكم الحالي، وتوقف الملاحقات الأمنية التي تشكل تهديدًا حقيقيًا لكلّ شخص يفكر بالعودة، ولا سيما أن هناك تجارب وحالات لأشخاص عادوا، على أساس أنهم ليسوا مطلوبين أو بعد صدور مراسيم العفو الشكلية التي يصدرها رأس النظام، ثم كان مصيرهم الاعتقال والتغييب، ووصلت نسبة الموافقين في حال تحقق هذا الشرط إلى 75.6%.
نسبة الراغبين في العودة لدى السوريين متوفرة، ولكنها مقيدة بتوفر شروط مادية ومعنوية مرتبطة بالسلامة الجسدية والنفسية في بيئة العودة ومكانها، حيث وافق 80% من أفراد العينة على العودة بعد توفر هذه الشروط.
إن ظروف العمل و مستوى المعيشة المتدنية لدى غالبية السوريين في تركيا، مثل العمل بدون إذن عمل، ومستويات الأجور المنخفضة وشروط العمل القاسية، إضافة إلى التمييز من قبل بعض سكان الحيّ أو بعض العاملين في الدوائر الحكومية، كلّها عوامل تؤثر في قرار العودة أو الهجرة إلى بلد ثالث.
إن طول أمد الإقامة وتأسيس البعض لعمله، والتحاق أولاده بالمدارس والجامعات في تركيا، وقد تعلموا اللغة التركية وحققوا درجة من الاندماج، ينعكس على رغبتهم في العودة، إذ تكون أقلّ ما لم ترتبط بتوفر عوامل أخرى.
تلعب الممتلكات المادية في سورية: (بيت، أرض، سيارة، مشروع خاص) دورًا مؤثرًا يدفعهم نحو العودة.
غالبية كبار السن من السوريين المقيمين في تركيا لديهم رغبة وميل أكبر للعودة، وهذا مبرر من الطبيعة الإنسانية والارتباط بالأرض والوطن.
نحو 80% من أفراد العينة يرغبون بالعودة إلى سورية، إذا كانت عودة طوعية إلى مكان إقامتهم الأصلي، مرتبطة بشكل أساسي بالظروف السياسية والاقتصادية، وتوفر الأمن والأمان ومصادر العيش.
تعدّ العودة إلى مكان إقامتهم الأصلي في سورية عاملًا مؤثرًا في قرار العودة، حيث إن لدى نحو 60% من أفراد العينة تحفظًا على العودة إلى مكان غير محدد.
يرغب جزء من السوريين في العودة إلى مناطق الشمال السوري الواقع تحت الحماية التركية، في حال توفر الاستقرار وفرص العمل والخدمات وتوفر سلطة مركزية واحدة، حيث وصلت نسبة الموافقين حوالي 25%.
غالبية السوريين يشعرون بالقلق والتهديد من تداول أخبار إعادة السوريين إلى الشمال السوري، بسبب أن مناطق إدلب ومناطق نبع السلام ودرع الفرات وغصن الزيتون تفتقر إلى الاستقرار والسلطة المركزية، وتسيطر عليها فصائل متنافسة، وهناك خشية من عدم وجود فرص عمل ومصادر دخل، فضلًا عن أن هذه المناطق غير مناطقهم الأصلية، وهذا القلق انعكس على تفكيرهم بحلول وخيارات أخرى، حيث بلغت نسبة الذين أبدوا قلقهم نحو 74%.
يبدو أن الثقة مفقودة بين نسبةٍ عظمى من السوريين وبين مؤسسات المعارضة الرسمية، وأن قنوات الاتصال بين هذه المؤسسات وبينهم معطلة منذ زمن بعيد، وقد اتفق مع هذه الفكرة حوالي 85% من أفراد العينة.
إن ظروف عدم اليقين التي تواجه السوريين، من حيث شكل الحلول لقضيتهم، جعلتهم يرون أن الهجرة إلى بلد ثالث غير سورية وغير تركيا أكثر جدوى من العودة إلى سورية في الوقت الحالي، ولم تعد تركيا بالنسبة إليهم بلدًا مريحًا للإقامة والعمل بعد تصاعد وتيرة التصريحات والتصرفات التمييزية التي تصل في بعض الحالات إلى حدّ العنصرية، وبالوقت ذاته، ما زالت سورية غير آمنة، وليس هناك أملٌ في المدى المنظور، وهذا ما يفسر هذه النسبة الكبيرة للموافقة على هذا الخيار الذي لا يخلو من مخاطر، حيث عبر نحو 56% من أفراد العينة عن تفكيرهم بخيار النزوح الى بلد ثالث.
إن النسب التي انعكست في ردود واستجابات العيّنة حول نية العودة وظروفها، كانت أقرب إلى الموضوعية، وهي لا تتفق مع كثير من النسب والتصريحات التي وردت في تقارير ودراسات واستطلاعات بالغت في تصوير السوريين بأنهم لا يرغبون بالعودة إلى بلادهم.
[2] ) تم تصنيف الاستمارة إلى مجموعتين: المجموعة الأولى: المتغيرات الديموغرافية، وهي تعكس تنوع السوريين بدرجة تمثيل عالية؛ والمجموعة الثانية: المتغيرات المرتبطة بمعايير العودة وظروفها وشروطها.
مركز حرمون
—————————–
انهيار مساعي عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق؟/ محمد وسام
ملف عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق، شغل مساحة واسعة من الإعلام العربي، كما شغل الشارع السوري، بعدما بدأ كل من الحزب الحاكم في تركيا، والأحزاب المعارضة إثارته، فيما يبدو أنه يهدف إلى خلق منافسة انتخابية لتقديم أوراق إضافية للشارع التركي تزامنا مع اقتراب الانتخابات.
مفترق طرق
ما حدث الثلاثاء قد يعتبر مفترق طرق، في كشف الأهداف التركية من وراء إطلاق تصريحات حول ملف عودة علاقاتها مع دمشق، لا سيما بعد شنها لغارات جوية استهدفت مواقع للجيش الحكومي شمالي سوريا.
وأفادت مصادر محلية أمس، بأن طائرات حربية تركية، هاجمت عبر ثلاث غارات مواقع للجيش السوري، في قرية حدودية قرب مدينة كوباني، شمالي سوريا، ما أسفر عن مقتل 11 شخصا وإصابة آخرين بجروح.
ويعتبر الهجوم التركي، أكبر تصعيد بين الطرفين منذ إطلاق أنقرة في العام 2020 عملية عسكرية محدودة ضد القوات السورية في محافظة إدلب شمال غربي البلاد.
الباحث السياسي، صدام الجاسر، يرى أن الغارات التركية على مواقع للقوات السورية، تؤكد أنه لا سبيل لعودة العلاقات بين أنقرة ودمشق، فيما يستثنى من ذلك التواصل الاستخباراتي الموجود بين كافة الدول.
قد يهمك: ترحيل محامي سوري.. الخطر الأخلاقي والقانوني يلاحق السوريين في تركيا
ورقة انتخابية
ويقول الجاسر، في حديث خاص مع “الحل نت”: “عودة العلاقات بين أنقرة، ودمشق باستثناء التواصل الاستخباراتي، يدخل في باب المزايدات الانتخابية، حيث يسعى الحزب الحاكم لقطع الطريق على المعارضة باستعمال هذه الورقة، لاحظنا تشدد في مجال تعامل السلطات مع اللاجئين السوريين لنفس السبب”.
ويعتقد الجاسر، أن إطلاق الحكومة التركية لهذه التصريحات، جاء بسبب أحزاب المعارضة التركية التي حاولت تقديم أوراق انتخابية، للرأي العام التركي، فاستعملت ورقة اللاجئين عبر إعادة العلاقات مع دمشق.
وحول ذلك يضيف: “لا يوجد عودة للعلاقات، كلام وزارة الخارجية الأميركية واضح بهذا الشأن، أن أي إعادة علاقات لأي دولة مع النظام السوري سيعرضها لعقوبات، وبالتالي تركيا لا ترغب بزيادة سوء الوضع الاقتصادي لديها”.
ويعلق الجاسر، على عمليات القصف الحاصلة أمس قائلا: “أنقرة من خلال القصف على النقاط السورية، أظهرت دليل أنه لا يمكن أن تعود العلاقات بين الجانبين، التصريحات السياسية لا أهمية لها، المهم ما يحصل على الأرض”.
وسائل إعلام تركية تحدثت أمس الثلاثاء، عن نية شخصيات في أحزاب المعارضة التركية، زيارة دمشق خلال الأيام القادمة، وذلك للقاء الرئيس السوري بشار الأسد، ووزراء من حكومة دمشق.
ويختم الجاسر، حديثه بالتعليق على هذه الأنباء ويقول: “زيارة الشخصيات من الأحزاب التركية إلى دمشق، الأجواء بالنسبة لهذه الشخصيات، تحاول الاستثمار في ورقة اللاجئين، وتقديمه للرأي العام في تركيا.. في النهاية هذه الشخصيات الحزبية، هي شخصيات ليس لها أي قرار في السلطة، لذلك هذه الزيارات هي زيارات شكلية من أجل الانتخابات”.
كثيرة هي التساؤلات التي تدور حول تبعات تصريحات وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، إزاء إعلانه رغبة تركيا بإجراء اتفاق، أو مصالحة بين حكومة دمشق والمعارضة السورية، لا سيما إمكانات تنفيذ الرؤية التركية حيال عقد المصالحة المفترضة بين دمشق ومعارضيها، إضافة إلى احتمالات عودة العلاقات السياسية والدبلوماسية المباشرة، والمعلنة بين أنقرة ودمشق، فكيف ستكون ردة فعل دمشق، وهل ستتعاطى بشكل إيجابي مع الطروحات التركية.
موقف دمشق
الكاتبة السياسية السورية، ميس كريدي، أكدت أن إعادة العلاقة بين دمشق وأنقرة أمر طبيعي، لا سيما وأنهما تملكان حدود مشتركة واسعة، لكنها تعتقد أن عودة العلاقات يجب أن تبنى، بدون إعطاء الحق لتركيا بالتدخل بالشأن السوري.
وقالت كريدي، التي تتحدث من دمشق في حديث سابق لـ“الحل نت”: “في وقت من الأوقات، حتما سيكون هناك حوار بين أنقرة ودمشق، لكن هذا الحوار إن حصل، فسيكون مبني على حماية الأمن الوطني لكلا الدولتين، وبالتالي لا يكون هناك أي حق لتركيا بالتدخل بالشأن الداخلي السوري”.
ورفضت كريدي، أن تفرض تركيا على الحكومة السورية، الحوار مع فصائل المعارضة، معتبرة أن ذلك تدخلا في الشأن الداخلي لسوريا، ولن تقبل به دمشق، وبالتالي دعوة أنقرة للحوار بين المعارضة، والحكومة السورية هي دعوة مرفوضة بطبيعة الحال، حسب تعبيرها.
وحول ذلك أضافت: “لا يمكن لتركيا أن تفرض أجندة سياسية أو تفرض أشخاص على الدولة السورية، هذا الموضوع لن يحصل. الكلام عن فرض تركيا لأي مصالحة مع المعارضة، يُقرأ في سياق التدخل في الشأن الداخلي السوري”.
الحل نت
————————
====================
تحديث 20 آب 2022
—————————
ثلاثة سياقات لفهم السياسة التركية الجديدة بشأن سوريا.. ما احتمالية التطبيع؟/ عبدالله الموسى
كشف وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عن مرحلة جديدة في التعاطي السياسي مع النظام السوري، لتنفجر المظاهرات الرافضة للمصالحة مع النظام، وتظهر التوضيحات لامتصاص غضب الشارع، ومن ثم يحسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المسألة ويقول: “لا مشكلة لدينا في هزيمة الأسد من عدمها ويجب اتخاذ خطوات متقدمة مع سوريا”.
يبلا
أردوغان: لا مشكلة لدينا في هزيمة الأسد من عدمها ويجب اتخاذ خطوات متقدمة مع سوريا
أثارت السياسية الخارجية التركية بشأن سوريا تساؤلات لدى السوريين في الشمال السوري وفي تركيا وفي مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”؛ تساؤلات عن إمكانية حدوث تطبيع للعلاقات بين أنقرة والنظام، ومصير السوريين في الشمال السوري، ومصير المعارضة العسكرية والسياسية، ومصير السوريين في تركيا.
ولفهم دوافع ومسببات والنتائج المحتملة للسياسة التركية الجديدة في سوريا، لا بد من معالجتها على ثلاثة مستويات غير منفصلة أساساً:
دولي
بعد الغزو الروسي لأوكرانيا والتحشيد الغربي لإغراق موسكو في هذه الحرب، كان موقف أنقرة متمايزاً عن حلفائها في الناتو وجيرانها الأوروبيين، لكن كان موقفاً متوازناً عندما أعلنت رفضها الغزو وقدمت طائرات مسيرة للجيش الأوكراني ضمن صفقات تسليح سبقت الغزو الأخير، وقدمت أنقرة نفسها كوسيط لإنهاء الحرب التي ضربت ارتداداتها العالم بأسره.
موسكو بحاجة أنقرة كونها الباب الوحيد لفك عزلتها بعد غزو أوكرانيا، وتركيا تتوافر فيها مزايا مشجعة كونها عضو في حلف الناتو، وتربطها علاقات بكييف، ولديها سجل من المواجهة مع الغرب، وقدمت ليونة في البحر الأسود ليكون مساحة للاتفاقات بوساطة تركية بدلاً عن كونه مساحة للتناحر بين أنقرة وموسكو، وتشهد تركيا نمواً للتيار الأوراسي على حساب التيار الأطلسي، وتعيش حالة لا استقطاب بين المحورين الشرقي والغربي مع الحفاظ على توازن متاح للاستثمار لاحقاً في حال تغيرت الظروف.
يضاف إلى ذلك رغبة موسكو بإبقاء أنقرة قريبة منها لسد الطريق أمام أي محاولات غربية محتملة للتصعيد في سوريا ضمن سياق حرب الوكالة القائم حالياً في أوكرانيا.
أما مكاسب تركيا مع روسيا فتبدأ من الاقتصادية في مجالات التجارة والطاقة والاستثمار والمصارف، وتشمل المكاسب السياسية من خلال وساطة تنهي الحرب الأوكرانية، وابتزاز واشنطن في ملفات التسليح في برنامجي الـ F-35 وتحديث مقاتلات الـ F-16، وملف دعم وحدات حماية الشعب.
ويدفع أنقرة أكثر نحو هذا الجنوح الشرقي مكاسبها سابقا في سوريا وأذربيجان بالتعاون مع موسكو، مقابل خسارتها للمكاسب السابقة مع الغرب، وتحديدا عندما تعرضت للعقوبات وطردت من برنامج الـ F-35.
عملية الابتزاز التي تديرها أنقرة تستند إلى فكرة أن المكاسب ممكنة، ودليل ذلك ما حصل في مفاوضات انضمام فنلندا والسويد للحلف الأطلسي بشروط تركية صارمة وشاملة. ولا تقتصر المكاسب التركية على الدولية فحسب، بل هنالك مكاسب محلية محتملة قد تتمثل بدعم الغرب لـ “خطة العودة الطوعية” للسوريين، ودعم الشمال السوري لخلق نهضة على كل المستويات، وكذلك تحقيق جزء من مطالب أنقرة في إنهاء دعم “قسد”.
محلي
لم تتدخل حكومة حزب العدالة والتنمية بالشكل الكافي خلال العام المنصرم لضبط الخطاب التحريضي ضد الوجود السوري في تركيا، ولم تواجه بشكل فج خطاب المعارضة بفتح قنوات تواصل مع النظام السوري، ما سمح لكلا الخطابين على المستوى الشعبي والنخبوي السياسي للنمو على حساب شعور الاستقرار لدى 4 ملايين سوري دخلوا عامهم الـ 8 في البلاد على أقل تقدير.
وما لمسه المحللون بأن حزب العدالة والتنمية يسحب الأوراق من أيدي المعارضة، قالته المعارضة باسم ميرال أكشنار بصراحة قبل أيام، وهذا ما يفسر عدم تدخل الحكومة لضبط هذين الخطابين.
الآن يلمح أردوغان وفريقه السياسي بالورقتين:
ترحيل السوريين ضمن خطة العودة الطوعية لإعادة مليون ونصف المليون
إمكانية فتح قنوات تواصل مع نظام الأسد.
ويستند حزب العدالة والتنمية إلى استبيانات الناخبين وسبر الآراء الجماعية وكذلك يستند إلى قراءة واضحة لواقع السوريين في تركيا والشمال السوري، فمعظمهم يعيشون في تركيا بأجور زهيدة لن تعد بعد الآن كافية للعيش في حالة التضخّم، ونمو شعور الخوف من العنصرية المستفحلة، وبالتالي العودة إلى سوريا في حال كانت عودة آمنة.
يعلم حزب العدالة والتنمية أن فوائد الـ 4 ملايين سوري في تركيا على مختلف القطاعات مفيد وغير مضر، ويعلم أن إعادة مليون ونصف المليون لن ينهي الخطابات والسلوكيات العنصرية ضدهم، لكنه يعلم أن الشعبوية في البلاد لها حصة كبيرة لدى الناخبين المستائين من المعارضة المفككة وغير المجربة في التعامل مع كل هذا التعقيد.
إقليمي
ظهر الخطاب السياسي التركي اللين مع الأسد بعد قمتي طهران وسوتشي التي طلب فيها بوتين من أردوغان الاتصال ببشار الأسد، ورفض الأخير في حين وافق على إعادة تفعيل الخطوط الاستخبارية بين تركيا والنظام، رغم أنها لم تأت بنتيجة، كما قال وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو.
وبذلك يمكن القول إن الخطاب السياسي الجديد هو محاولة للتكيف مع المطالب الروسية مرتفعة السقف. وبوتين لم يقدم هذا الطرح لأردوغان الآن إلا لأنه يطمح بتقارب أعلى درجة مع تركيا ويرى لدى أنقرة استراتيجية حقيقية بمعاقبة الغرب، وبالتالي التقرب أكثر لموسكو.
أردوغان جرب الخيار الغربي وخذله بالكامل وجرب الخيار الروسي فحصل على القليل، وربما لا يمانع حالياً تجربة المقترح الروسي واستخدام النظام في ضرب قسد بعد أن فشل في الحصول على موافقة أحادية الجانب سواء من موسكو أو واشنطن لشن عملية عسكرية شرقي الفرات، وفي حال استطاع النظام تحقيق المطلب التركي العسكري، يمكن أن يتطور النقاش لمستوى أعلى لمناقشة تعديل اتفاقية أضنة.
وربما ستحاول تركيا تحريك مسارات الحل السياسي في سوريا، وتأمل بتجاوب من الأسد بضغط روسي، وبالتالي إحراز نجاح مفقود في الحل السياسي منذ 2015، لكن في هذه المرحلة ستصطدم أنقرة بخطوط واشنطن والغرب في تفاصيل الحل السياسي، وفي حال حصل العكس وتجاوب التيار الغربي فهذا ترخيص دولي للعملية السياسية التركية وبالتالي إنهاء العقوبات وإلغاء الفيتو عن إعادة الإعمار التي ستكون تركيا بوابتها، وترتد عليها بمكاسب مالية وتشغيلية كبيرة.
أما في حال رفض النظام منذ البداية التجاوب والتنازل في المفاوضات فستعود أنقرة إلى موسكو لتخبرها أنها قبلت بتجريب المقترح الروسي لكنه فشل فشلاً ذريعاً، وبالتالي تتقدم أنقرة لموسكو بمقترحات قابلة للتطبيق أو تهدد بخلخلة التعاون بين البلدين على عدد من الأصعدة في حال لم تنل ما تريده.
وكذلك في حال لم يتجاوب النظام، يكسب حزب العدالة والتنمية انتخابياً لأنه تجاوب مع مطالب المعارضة وقسم كبير من الشعب بالتواصل مع الأسد، ويعزز وجهة نظره القديمة بأنه لا يمكن الاستفادة من التقارب مع النظام، وتفنيد الخطاب الرافض للوجود السوري بأن أي ترحيل إلى مناطق سيطرة النظام هو جريمة لأنها لن تكون عودة آمنة.
معوقات التطبيع وصرخة الشارع
تقارب تركيا والنظام السوري يهدده طموح أنقرة الإقليمي وصعوبة خسارة المكاسب التوسعية في الشمال السوري، ويهدده تصلّب حالة النظام ورفضه التغيير في البنية والاستراتيجيات لأن ذلك يهدد كيانه ككل، ويهدده أيضاً الوجود الأميركي العسكري في سوريا والتدخل الأميركي السياسي في الملف السوري في الرقم الثاني، وعلى المستوى المحلي يهدده تجاوب المعارضة العسكرية والشعبية الذين عبروا عن رفضهم القاطع للحراك التركي الجديد حتى وإن كان ما زال في خانة التصريحات.
أنقرة تدخل هذا المعترك وهي مرتاحة لأنها قد تكسب، وعلى أقل تقدير لن تكون خاسرة على المستويات الثلاثة المذكورة أعلاه، لكن مظاهرات جمعة “لن نصالح” أثارت انتباه أنقرة إلى خسارة لم تكن في الحسبان، تهدد المربع الأول الذي تتحرك منه تركيا في سوريا، ألا وهو شرعية وجودها في سوريا بناء على مطلب الشعب السوري وتقاطع المصالح مع الثوار، والتصعيد الكبير في مظاهرات الشمال السوري ومواقف الكيانات السياسية والعسكرية والمدنية دخلت حسابات أنقرة وصدر بيان توضيحي من وزارة الخارجية التركية في سابقة هي الأولى من نوعها في هذا السياق.
تظن الدول أن الشعوب في الحرب تستسلم وتقبل الحلول على حساب تطلعاتها، ولكن مظاهرات الشمال السوري أكدت عكس ذلك، لأن السوريين هناك لم يتظاهروا بسبب الانتهاكات والفشل الأمني والملغمات والخدمات السيئة والمعيشة المتدهورة والخيام المتآكلة، ولم يتظاهروا من أجل الرواتب ولا من أجل اتفاقات وقف إطلاق النار، لكنهم تظاهروا عندما مسّهم الحدث في لبّ قضيتهم.
تلفزيون سوريا
—————————
لن يزور أردوغان دمشق/ عمر قدور
لو أتى التصعيد الأخير، على طرفي الحدود بين سوريا وتركيا، قبل شيوع الحديث عن تقارب بين الأسد وأنقرة لفُهم بأنه في إطار الشد والجذب حول العملية العسكرية التركية التي يختفي الحديث عنها ليعاود الظهور. أما مجيء التصعيد بعد التصريحات التركية، التي أثارت غضب السوريين المعارضين، فقد يُفهم كاستئناف للمفاوضات السرية بين الطرفين، وربما كتوريط لقسد بهجماتها عبر الحدود لتكون ذريعة للتركي وللأسد الذي يتحفز للتدخل من أجل “ضبط” الحدود. لا يُستبعد أيضاً أن يكون هناك ضمن سلطة الأسد من يريد عرقلة التقارب، في حال كان لطهران تحفظات عليه.
سيكون واحداً من المؤشرات حول هذا التصعيد مصير زيارة أوزغور بورصالي إلى دمشق، وقد أعلن أنها ستكون في الأيام القليلة المقبلة. بورصالي هو رئيس حزب الوطن “المعارض”، لكنه راح يتقارب مؤخراً مع أردوغان، إلا أن زيارة الأول لا تمهد لزيارة الثاني إلى دمشق، أو لاستقبال بشار الأسد في أنقرة. الطريق بين أردوغان وبشار غير سالكة، رغم تراكم الإشارات الإيجابية المُرسَلة من أنقرة في الأسابيع الأخيرة، ورغم حسن استقبالها من الأسد.
ما كشفته يوم الأربعاء صحيفة “Türkiye Gazetesi”، المقرَّبة من حزب العدالة الحاكم، يضع التقارب التركي-الأسدي في إطاره الممكن، مثلما يوضّح أن ما هو ممكن مفخَّخ بما يصعب أو يستحيل الاتفاق عليه. لذا سيكون من الشطط اعتبار تنفيذ كافة المطالب المتبادلة ممكناً، وسيكون من عدم الواقعية تجاهل ما يمكن للجانبين الاتفاق عليه، وهو ليس بالقليل.
بموجب الصحيفة، يطالب الأسد بإدلب، وأول ما يجب الانتباه إليه تخلي الأسد عن موقعه ” السيادي” الذي يفترض به المطالبة بكافة الأراضي التي تسيطر عليها تركيا حالياً. باقتصاره على إدلب، هو يتجاهل عفرين وأعزاز والباب والشريط بين تل أبيض ورأس العين، مراعياً بذلك الهواجس الأمنية التركية المتعلقة بالأكراد. أبعد من ذلك، المطالبة بإدلب تأتي في إطار الحديث عن صفقة يتوسع بموجبها النطاق الجغرافي لاتفاقية أضنة، ونذكّر بأن أنقرة تتحدث عن شريط بعمق ثلاثين كيلومتراً بدل الكيلومترات الخمسة المنصوص عليها في الاتفاقية المذكورة.
من الصعب بالطبع تلبية مطلب أنقرة بهذا العمق على امتداد نحو 900 كيلومتر، ولن يقلّ الاتفاق إهانة لشريكها إذا قبلت بعمق 20 كيلومتراً بدل الثلاثين. الأهم أن انسحابها من إدلب شبه مستحيل حالياً، فالتخلّي عن إدلب تحكمه اعتبارات متشابكة ومعقدة، منها وضع هيئة تحرير الشام “النصرة سابقاً”، ومنها مصير العدد الضخم من اللاجئين، ما يستبعد مخاطرة تسليمها من دون تغير دراماتيكي أوسع بكثير من المفاوضات بين الجانبين.
يطلب الأسد، وربما من ورائه موسكو وطهران، ما لا يمكن الحصول عليه. ولكي لا نتسرع، هذا لا يهدد الصفقة برمتها، ومن المعتاد في المفاوضات وضع بند يصعب الاتفاق عليه دعماً للحصول على مطالب أخرى. في هذه الحالة، سنرى مطالب الأسد الأخرى سهلة التحقيق، وليس في أيٍّ منها وقْعُ أو صدمةُ انسحاب تركي من إدلب. من ذلك منح الأسد السيطرة التامة على معبرَيْ كسب وباب الهوى، والسيطرة على الطريق التجاري الواصل بين الثاني ودمشق.
مع إضافة مطلب السيطرة على الطريق الذي يصل شرق سوريا بطريق حلب-اللاذقية الدولي، يظهر هاجس الأسد الذي يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، ومن أولوياته الخروج منها. هنا يطالب أنقرة بأن تكون طوق نجاة من أزمته، خاصة بعد عجز لبنان عن انتشاله، إذا لم نقلْ بعدما جرّت اليد اللبنانية الممدودة لبنان كله إلى جوار الغريق الأول. لأنقرة ثقل وخبرة مختلفين، فقد كانت طوال العقود الثلاثة والنصف الماضية إلى جوار بلدان تحت وطأة عقوبات دولية، وساعدها ثقلها السياسي والاقتصادي لتحصل على إعفاءات من تبعات العقوبات، حتى يمكن القول أنها استفادت أحياناً من موقعها هذا. نشير هنا إلى العقوبات على العراق وإيران وروسيا، وصولاً إلى الأسد الراغب في اقتفاء الأثر.
يدعم من قولنا أن أردوغان لن يزور دمشق انتفاءُ الحاجة إلى مثل هذه الزيارة، فبحسب الصحيفة التركية ذاتها يتعهد الأسد باحترام قرارات ثلاثي أستانة المتعلقة باللاجئين. إذاً، الطريق إلى موسكو وطهران أجدى وأقصر، تحديداً في القرارات الكبرى التي لا تُتخذ أو تُنفذ إلا برضا هاتين العاصمتين. وما يريده الأسد من أنقرة على صعيد إعادة الإعمار، مثل المساعدة في الكهرباء وتأهيل الطرق السريعة والزراعة والسدود…، ذلك كله بات يتطلب موافقة حليفيه اللذين يسيطران على العديد من القطاعات الاقتصادية السورية بموجب اتفاقيات طويلة الأمد.
يبقى بيت القصيد بالنسبة لأنقرة مطلبها إخلاء الشريط الحدودي من ميليشيات حزب العمال-الفرع السوري، وهي مهمة ينبغي أن تقوم بها قوات الأسد حيث لا توجد قوات أمريكية تمنعها. تنفيذ هذا المطلب “ضمن التنسيق بين الجانبين” يعني استئناف علاقات الجوار بينهما، بخلاف الاقتصار الحالي على نقاط التماس العسكرية الباردة أو المشتعلة. هذا هو الممكن المطلوب تركياً، أما المستحيل فهي مطالبة الأسد بالمضي في عملية جنيف، والقبول بدستور ديموقراطي وانتخابات حرة وإفراج عن المعتقلين. إن نصف هذه المطالب، في أعلى تقدير، لن يقبل به الأسد إلا مرغماً بضغوط دولية قصوى، وهو ما تدركه أنقرة التي تريد تسجيل نقاط معنوية فحسب.
بتلخيص ما هو ممكن في مطالب الجانبين؛ تحصل أنقرة على إنهاء الأرق الكردي، ويسيطر الأسد مقابل قيامه بهذه المهمة على مناطق تتواجد فيها الميليشيات الكردية، وفوقها على معبرين حدوديين وطريقين تجاريين يربطان المعبرين بدمشق وحلب واللاذقية، كناية عن أنهما لن يكونا شكليين. تنفيذ ما هو ممكن قد يفتح على تفاهمات غير واردة الآن، لذا يجب ألا ينام المعارضون السوريون على حرير ما يبدو مستحيلاً، ولا نقصد بالمعارضين أولئك الذين تعدّهم “وتعدِهم؟” أنقرة ليكونوا شركاء للأسد.
في المقابل من التصعيد العسكري “المؤقت والمدروس على الأرجح”، وفي حين قصفت قوات الأسد سوقاً شعبياً في مدينة الباب مرتكبة مجزرة، كان أردوغان العائد من أوكرانيا يؤكد للصحافيين في طيارته على نواياه “الحسنة” تجاه الأسد، والتي أبدى مثلها قبل أيام وهو عائد من سوتشي. هذه المرة كانت هناك جرعة زائدة بحديثه عن المؤامرة قائلاً: “يتوجب الإقدام على خطوات متقدمة مع سوريا، يمكننا من خلالها إفساد العديد من المخططات في هذه المنطقة من العالم الإسلامي”. هذا وجه جديد للتقارب، ولا داعي ليزور أردوغان دمشق؛ بوسعه التحدث عن المؤامرة الكونية من مكان آخر!
المدن
——————————–
أنقرة تعلن انتهاء هدف “الصلاة في الجامع الأموي في دمشق”!/ وائل عصام
جاء تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليرد على من حاول تلطيف وتأويل تصريح وزير خارجيته، قبل أيام، حول إعادة العلاقات الطبيعية مع نظام الأسد، ليحسم الجدل حول وجهة أنقرة في الملف السوري، وهي وجهة كانت واضحة منذ انضمام تركيا إلى فريق أستانة مع إيران وروسيا حليفتي النظام السوري، لكن هناك من أصر دوما على الدفاع عن حليف تخلى بشكل واضح منذ سنوات عن دعم الثورة السورية، عندما كانت التصريحات التركية على أعلى المستويات، تعلن عن سياسة تهدف إلى «الصلاة في الجامع الأموي في دمشق» و»حلب خط أحمر»!
كل التصريحات التركية في الساعات الأخيرة كانت أكثر صراحة، وإن ما زالت تحافظ على لغة تلطيفية دبلوماسية لخطوات مقبلة أكثر جرأة، فعندما يقول الرئيس التركي، إنه «بحاجة إلى تأمين خطوات متقدمة مع سوريا، وليس لدينا هدف في هزيمة الأسد، أو عدمها، ولا يمكن أبدا قطع الحوار السياسي أو الدبلوماسي بين الدول»، فهذا يعني أولا إعلان تراجع عن سياسة «سنصلي في الجامع الأموي» و»حلب خط أحمر»، وتمهيدا لتطبيع العلاقات مع الأسد، وصولا لعودة سفراء البلدين، متى سيكون ذلك؟ ببساطة يجيب عليها أردوغان في خطابه نفسه بنقطتين، عندما يقول إن هدفنا في سوريا هو محاربة الإرهاب شمال سوريا وشرق الفرات، أي العمل مع دمشق ضد خصم مشترك هو «قسد» الكردية، والنقطة الثانية تختص بإيجاد حجة ما للقول إن المعارضة السورية سوت خلافاتها مع دمشق، عندما يقول أردوغان «آمل في أن يوضع الدستور في سوريا في أسرع وقت ممكن، وأن يتم هذا الأمر بشكل وثيق، وأن تتخذ خطوات لإزالة جميع مشاكل الناس في هذه المرحلة».
والخطوة الأخرى التي ستقدم عليها تركيا، والتي طالما تحدثنا عنها، هي الانسحاب من المناطق التي دخلتها في شمال سوريا، وإخلاؤها وتسليمها لسيطرة الحكومة السورية، وهذا ما سيضع مصير آلاف النازحين العائدين من تركيا لسوريا في خطر الخضوع مجددا لهيمنة نظام الأسد، الذي هربوا منه في الأصل، والذين تعيدهم تركيا حاليا وتوطنهم شمال البلاد للعبث بالتركيبة الديمغرافية ضد الأكراد، فيقول الرئيس التركي بلهجة ملطفة تهيئ لتصريحات مستقبلية بالانسحاب، بالتفاهم مع روسيا والنظام: «ليس لدينا أطماع في الأراضي السورية… ونولي أهمية لوحدة أراضيهم، ويجب على النظام فهم ذلك»، فالتأكيد على نقطتي وحدة الأراضي السورية والدولة السورية، التي طالما تكررها الدبلوماسية التركية والواردة في نصوص أستانة، هي إعلان مبطن عن نية الانسحاب مستقبلا، بعد تسوية مشكلة الأكراد بعودة علم «الدولة السورية» مكان علم «قسد» .ويأتي وزير الداخلية سليمان صويلو ليكمل الجزء الآخر من السياسة التركية، الراغبة بالتخلص من أكبر عدد من اللاجئين السوريين، فيقول «عندما بدأت (الثورة السورية) في عام 2011، لم نتوقع أن تستمر كل هذا الوقت» بمعنى أنهم لم يتوقعوا صمود النظام أمام المعارضة التي دعمتها أنقرة، ثم يكمل صويلو الحديث عن سبل التهرب من مسؤوليات المغامرة السورية، التي تخلوا عنها فيقول «بناء على الأبحاث فإن 60 في المئة إلى 70 في المئة من السوريين يقولون إنهم يريدون العودة إلى بلدهم في حال أصبحت هناك عودة آمنة»، وهو يصفها بـ»الآمنة» وهو التعبير الملغوم الذي يعني فيه الأتراك أنها آمنة من «إرهاب قسد» وليس الدولة السورية «أي النظام بلهجة ملطفة، وهم يكررون أنهم يريدون وحدة الأراضي السورية!». تصريح أخير من صحافي وليس سياسيا تركيا، والصحافي هو محمد بارلاس ويعمل في جريدة «صباح» التركية، وهي صحيفة قريبة من حزب العدالة الحاكم، إذ يبرر الصحافي تناقض سياسة حزبه ما بين الرغبة في إسقاط الأسد، إلى التصالح معه بتبدل معسكر الحلفاء ما بين الأمريكي والروسي، فيقول، «في فترة الربيع العربي كان أحمد داوود أوغلو رئيسا للوزراء، انجرف وراء الرياح الأمريكية وأفسد العلاقات التركية السورية بشكل كبير، حتى إنه أقنع الرئيس التركي أردوغان بأن الأسد سيسقط خلال فترة قصيرة جدا.
في النهاية دُمرت سوريا، وقتل عشرات الآلاف من الناس، وهاجر الملايين إلى تركيا والأردن، والآن يتم العمل من جديد على إعادة العلاقات على المستوى الدبلوماسي». في هذا التوصيف يعبر الصحافي التركي عن تحول مزاج النخبة المهيمنة في حزب العدالة من «الصلاة مع الثوار في الجامع الأموي» إلى الاجتماع مع الروس والإيرانيين في أستانة وسوتشي.
*كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»
القدس العربي
—————————–
معاني ودلالات رفض السوريين لتصريحات وزير الخارجية التركي/ العقيد عبد الجبار عكيدي
لعلها لم تكن من قبيل المفاجأة أو المصادفة العابرة أن يغضب السوريون وخاصة في الداخل السوري حين يشعرون أن الحيف يمكن أن يطول قضيتهم التي نذروا أرواحهم وأرواح أبنائهم لأجلها، إلا أن تعبيرهم عن غضبهم كان منسجماً مع نبل أهداف ثورتهم وتطلعاتهم المشروعة، ذلك أنه مهما تكن تصريحات وزير الخارجية التركي موجعة إلا أن ردة الفعل على هذا الوجع كانت غاية في الرقي والالتزام الأخلاقي.
كانت صرخات المتظاهرين موجهة لنظام الإجرام الأسدي بالدرجة الأولى، مؤكدة أن الطغمة الأسدية التي قتلت أبناءهم وهدمت بيوتهم فوق ساكنيها واقتلعتهم من مدنهم وديارهم لا يمكن أن تمتد لها يد المصالحة، كما أكدت تلك الصيحات أن المواجهة بين نظام الأسد والشعب السوري هي صراع وجود وليست صراعاً حول مكتسبات سياسية ودستورية. ولعل الأهم من ذلك أن غضب الجماهير في الداخل السوري لم يجعلها تفقد البوصلة وتخلط العدو بالصديق كما أراد بعض المرجفين، ذلك أن الوعي الثوري الناضج لدى الثوار جعلهم لا يتيحون أية ثغرة لمن جاء ليصطاد بالماء العكر، كبعض الذين حاولوا إحراق الاعلام والمساس بالرموز المدنية للأشقاء والأصدقاء، إلا ان هذه الممارسات المرفوضة سرعان ما حوصرت من قبل المتظاهرين الغاضبين من تصريحات الوزير التركي، والواعين بالوقت نفسه لأهمية الصديق التركي.
مهما يكن من أمر فإن ما شهدناه من حراك سلمي في المناطق المحررة يحمل الكثير من المعاني والدلالات وعلى أكثر من مستوى.
ما يمكن الوقوف عنده أولاً هو أن النبرة العالية لصيحات المتظاهرين والمشحونة بالغضب إنما تدل على احتقان بعيد الغور في النفوس ظل يتراكم طيلة السنوات الماضية، ولعل ما أسهم في مراكمة هذا الاحتقان عوامل متعددة، منها ما ينبثق من بواعث معيشية وأمنية لم تبرح حياة السوريين منذ أن بدأ بشار الأسد حربه الآثمة عليهم، فهم مهددون على الدوام إما بطائرات الموت التي تقذف حممها فوق رؤوسهم، أو بالنزوح ومغادرة الديار والتشرد في العراء نتيجةً لضراوة القصف الذي لم يترك لهم مساحة أمان من جانب النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، بل غالباً ما تعززت مأساتهم نتيجة ما تمارسه عليهم سلطات الأمر الواقع، حيث الحالة الفصائلية والفوضى الأمنية وسوء الخدمات وغلاء المعيشة وانعدام فرص العمل.
لعل جميع تلك العوامل تضافرت لتراكم في نفوسهم مزيداً من القهر الذي سرعان ما انفجر حين لم تعد تتسع النفوس لمزيد من الآلام، وكذلك لا يمكن تجاهل الحالة العامة للشأن السوري، ذلك أن تداعيات مؤلمة لسنوات طويلة من الإحباط والشعور بالخذلان، تتالت منذ اقتحام النظام لأحياء حلب الشرقية أواخر العام 2016، بمساندة المحتل الروسي مروراً باقتحام النظام وحلفائه للغوطة الشرقية والقلمون وجنوب دمشق ودرعا وباقي مدن وبلدات ما أطلق عليه “مناطق خفض التصعيد”، التي نتجت عن مسار أستانا المشؤوم بالنسبة إلى السوريين، ثم تتالت فصول المأساة باقتحام قوات النظام وأعوانه لمدن خان شيخون وسراقب ومعرة النعمان والعديد من بلدات وقرى ريف حماة الشمالي وإدلب الجنوبي والشرقي، وأرياف حلب، وتشريد مئات الآلاف من السوريين في شتاء 2020.
لقد تألم السوريون من جراء كل ما سبق وظلوا يدفنون قهرهم في القلوب اعتقاداً منهم أن ما يحل بهم من شقاء إنما هو ثمن صمودهم والحفاظ على قيم ومبادئ ثورتهم، إلا أن جدران الصبر العالية والمتينة لم تعد قادرة على كبح غضبهم حين شعروا أن الأذى لن يتوقف على تخوم أجسادهم وأرواحهم فحسب، بل يمكن أن يطول قضيتهم الجوهرية، فكان هذا البركان الهائل الذي تجسد بالمظاهرات العارمة التي وجهت للعالم أجمع أكثر من رسالة بالغة الوضوح والشفافية.
ولعل من أبرز هذه الرسائل أن ثورة السوريين لم تنطفئ، بل مازالت كنار تحت الرماد، وهي قابلة للاشتعال في أية لحظة، وعلى من يراهن على موت الثورة أن يدرك أنه يراهن على المستحيل.
ثاني هذه الرسائل تتوجه إلى جميع الدول الساعية الى إعادة علاقاتها مع النظام بغية تعويمه عربياً وإقليمياً، إذ يؤكد المتظاهرون اليوم لهؤلاء بأن التطبيع مع نظام دمشق لن يكون أكثر من تطبيع مع مجرم سفاح لا علاقة له بالشعب السوري.
ثالث هذه الرسائل، وبعيداً عن المواربة وعن لغة الانبطاح للمعارضة السياسية والعسكرية المصنّعة، مفادها أننا نقدر لتركيا الحليف والصديق وقوفها إلى جانب الشعب السوري وما قدمته من مساعدات لملايين السوريين الفارين من إجرام الأسد، وهذا أمر لا ينكره أحد، ولها الحق في تقرير سياستها وفق ما تقتضيه مصالحها وعلاقاتها الدولية، وإن شاءت أن تصالح الأسد ونظامه فهذا شأنها، ولكن ليس لتركيا الحق بفرض قرارها على السوريين الذين ضحوا بمليون شهيد وملايين المهجرين والنازحين ومئات الآلاف من المعتقلين والمغيبين قسرياً، بمصالحة مجرم الحرب الذي فعل بهم كل ذلك، والذي يجب أن يكون مصيره المثول أمام محكمة الجنايات الدولية وفي يديه الأغلال وليس المصافحات والمصالحات.
ولعل الرسالة الأبلغ إنما تتوجه إلى كل الكيانات التي ادعت تمثيل الثورة، لتؤكد لهؤلاء جميعاً أن صوت الثوار وحضورهم على الأرض هو من يوجه سيرورة الثورة وبوصلتها ولا أحد سواه، وبالتالي يمكننا أن نستشف أمراً بالغ الدلالة وهو أنه مهما حُوصرت ثورة السوريين، ومهما واجهت من مآزق وعثرات، فإن السبيل الأمثل إلى إعادة وهجها وصوابية طريقها هو الشارع الثوري، فأصوات الثائرين وصيحاتهم هي الحصن الحصين لقيم الثورة وأهدافها وهي الضامن لاستمراريتها.
وبالتالي هل سيتمكن الثوار المخلصون من استثمار هذه المظاهرات الجماهيرية المعبرة عن الموقف الحقيقي للشعب السوري من نظام الإجرام الأسدي، بإعادة تشكيل الكيانات الثورية والسياسية الممثلة لهم، لتعبر عن آمالهم وتطلعاتهم بالحرية وإسقاط النظام، وإسقاط الكيانات التي ادعت تمثيلهم زوراً وبهتاناً، ورهنت قرارها للدول وأصبحت جاهزة لتنفيذ كل ما يُطلب منها، واختزلت كل القضية السورية بلجنة دستورية تعيدنا لحظيرة الأسد، وهل ستسهم هذه الصحوة الثورية بالتخلص من بعض قادة الفصائل الفاسدين الذين أجروا بندقيتهم وقيدوا مقاتليهم باتفاقيات أستانا وسوتشي ولم نعد نشاهد سوى المعارك البينية في صراعات على السلطة والنفوذ والمعابر والتهريب، وبالتالي عودة الثورة إلى سيرتها الأولى وفتح جبهات القتال واستعادة المناطق التي احتلها النظام وحلفاؤه بتخاذل هؤلاء القادة.
ويبقى السؤال الأهم هل ستدرك الدول النافذة في الشأن السوري والممسكة بالجغرافيا السورية بأن الشارع الثوري هو المرجعية الحقيقية للقضية السورية وليس الكيانات الوظيفية المدجّنة؟
—————————-
ما هي خيارات “المعارضة” مع المتغيّرات التركية تجاه “الأسد”؟/ شيلان شيخ موسى
التصريحات التركية الأخير توحي بأن أنقرة باتت أقرب من أي وقت مضى لإعلان إعادة علاقاتها مع دمشق، وعلى الرغم من عدم اكتراث تركيا بمصير الملايين السوريين في مناطق الشمال السوري واللاجئين منهم في تركيا، إلى جانب مصير كيانات المعارضة السورية المدعومة من أنقرة، فإن تركيا تبدو أنها تسعى وراء مصالحها فقط.
شكّلت تصريحات تركيا، حول إعادة العلاقات مع الحكومة السورية بالإضافة إلى تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حول الحاجة الملحة في تأمين خطوات متقدمة مع سوريا، وأن هدف تركيا ليس إزاحة وعزل الرئيس السوري بشار الأسد في سوريا، انعطافة لافتة بشأن الموقف التركي الذي يحمل، ربما، مقاربة جديدة تجاه الملف السوري، لا سيما أن تركيا انخرطت في الأزمة السورية، منذ عام 2011. وقد عمدت، على نحو مباشر، إلى تقديم الدعم السياسي والعسكري للمعارضة السورية، حتى باتت تركيا مركز تواجد الكيانات السياسية المعارضة، أو التي تصدر نفسها كـمعارضة سورية (الائتلاف الوطني المعارض)، في حين تخضع عدة مناطق في الشمال السوري لسيطرة ونفوذ القوات التركية، وكذا فصائل الجيش الوطني المدعومة من أنقرة.
وبناءً على التصريحات التركية الأخيرة حول إعادة العلاقات مع الحكومة السورية، إضافة إلى تصريح أردوغان، بأن تركيا لا تهدف إلى إزاحة الأسد في سوريا، يثير العديد من التساؤلات حول خيارات المعارضة السورية المدعومة من أنقرة، والسيناريوهات المستقبلية حيال ذلك. وأيضا حول جدوى هذه الخطوات المتوقعة وتأثيرها على السوريين، خاصة المقيمين في الشمال واللاجئين في تركيا.
معارضة متماهية مع السياسة التركية
ثمّة تحديات متفاوتة تواجه دعوات تركيا، بشأن إعادة العلاقات مع دمشق، وعقد “مصالحة” بين دمشق، ومعارضيها. فهناك شروط من الحكومة السورية لجهة إجراء مفاوضات مع تركيا، أهمها سيطرة قوات حكومة دمشق الكاملة على الممر التجاري في معبر “باب الهوى”، الحدودي مع تركيا وصولا إلى العاصمة دمشق، إضافة إلى الطريق التجاري “إم 4″، الواصل بين دير الزور، واللاذقية مرورا بالحسكة وحلب، بالإضافة إلى إعادة محافظة إدلب، إلى إدارتها، كشرط للتواصل مع أنقرة، بحسب ما جاء في تقرير صحيفة تركية، مؤخرا، فضلا عن مطلبها المتعلق بعدم دعم أنقرة، للعقوبات الأوروبية المفروضة على حكومة دمشق، والشخصيات الداعمة لها.
وتعليقا على خيارات قُوى المعارضة السياسية، والعسكرية السورية والمدعومة من أنقرة أساسا، يرى الكاتب والمحلل السياسي، حسن النيفي، أنه “من الواضح تماما أن تركيا الآن تقوم باستدارة سريعة تجاه بشار الأسد، وهذه الاستدارة وإن كانت ارهاصاتها الأساسية بدأت تلوح في الأفق منذ سنوات، إلا أن الحكومة التركية يبدو أنها رأت الوقت قد حان لتحقيق هذه الانعطافة، لسببين ربما يعرفها الجميع؛ الأول مواجهة الاستحقاقات الانتخابية التركية في الصيف المقبل، وسحب ورقة اللاجئين من المعارضة التركية، بالإضافة إلى حجة الأمن القومي التركي، التي تعتبر تركيا وجود الأكراد على حدودها “تهديدا” لأمنها القومي، ويبدو أن الحكومة التركية غير قادرة أو لم تستطع أن تنتزع موافقة دولية لشن عملية عسكرية في شمال سوريا، لذلك لجأت إلى نصيحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهي التنسيق، وإعادة العلاقات مع الحكومة السورية”.
وفيما يتعلق بتداعيات هذه الاستدارة التركية على الملف السوري، يضيف النيفي، لموقع “الحل نت”، أنه بات من الواضح تماما أن المعارضة السورية، أي (الجهات الرسمية الممثلة في المعارضة السورية المتمركزة في أنقرة)، رهنت كل أوراقها بيد الحكومة التركية، بل إنها تماهت تماما مع السياسة التركية إلى حد، أن هذه الكيانات المعارضة أصبحت ذات دور وظيفي أكثر من دور سياسي حقيقي، وبالتالي في هذه الحالة، وبحسب اعتقاد النيفي، فإن هذه الكيانات السورية المعارضة ستظل متوافقة مع السياسة التركية حتى في الذهاب إلى مفاوضات مباشرة مع الحكومة السورية في دمشق، علما أنها تعلم تماما بأنها ذاهبة إلى مفاوضات ولا تملك من أوراق القوة بشيء، وإنما ستعيش أو تبقى تعتمد على ما يمكن أن يحققه الجانب التركي لها.
ووفق تقدير النيفي، فإن خيارات المعارضة السورية ستكون محدودة جدا، بمعنى أنه في حال التفاوض المباشر مع الأسد، فإن سيناريو الجنوب السوري سيلوح في الأفق، وربما بحسب ذلك، قد تنخرط “فصائل الجيش الوطني السوري” المدعومة من أنقرة، وعلى غرار ما حدث في جنوب سوريا، في فيلق ما، كما هو حال الفيلق الثامن، وسيكون هذا الفيلق إن تم، تحت إشراف روسي-تركي مشترك، لكن، السيادة سيكون لـ(نظام بشار الأسد).
تداعيات الاستدارة التركية على السوريين
في سياق متصّل، نشرت وكالة “مهر” الإيرانية اليوم السبت، أنباء عن احتمال لقاء الأسد، بأردوغان قريبا. وبحسب أنباء الوكالة الإيرانية، فإنها تقول: “هناك زيارة وثيقة للغاية يقوم بها زعيم الحزب الوطني التركي إلى سوريا، يرافقه عدد من الوزراء والدبلوماسيين السابقين، ولقائه بالرئيس السوري، لبحث سبل إعادة العلاقات وعودة اللاجئين السوريين من تركيا إلى سوريا، وإذا كانت نتائج اللقاء إيجابية، سيلتقي الرئيس السوري، مع الرئيس التركي في قمة منظمة شنغهاي التي ستعقد في أوزبكستان يومي 15 و 16 أيلول/سبتمبر، حيث طلب بوتين في وقت سابق من الرئيسين التركي، والسوري حضور الاجتماع”.
وبالعودة إلى الكاتب والمحلل السياسي السوري، حسن النيفي، فإن تداعيات عودة العلاقات بين دمشق وأنقرة على السوريين ستكون سلبية جدا، خاصة فيما يتعلق باللاجئين في تركيا وسكان شمال سوريا، حيث الخيارات ستكون محدودة للغاية بالنسبة لهم، فالكثير منهم لا يثقون في (نظام بشار الأسد)، لذلك سيكون هناك قلق أمني كبير، وتوجس مستمر. أيضا، وفق تقدير النيفي، سيكون هناك تداعيات سلبية على الجانب الاقتصادي حين عودة العلاقات بين البلدين، ذلك لأن الحكومة السورية ليس لديها ما تقدمه للسوريين في تلك المناطق، أو الذين سيعودون إلى الداخل السوري.
واقع الحال، أن هذا في مجمله انتكاسة كبرى للقضية السورية. ربما هناك نافذة واحدة يتطلع إليها السوريون، وهي الحراك الشعبي في شمال سوريا. ولعل هذا الحراك إذا استمر، وإذا وُجد من يعمل على دعمه وإلهامه، فربما يكون هذا هو الصمام الأمامي الوحيد لقضية السوريين في المستقبل.
الحل نت
—————————
غزل سياسي أم تخلص من المعارضة.. ما سر الانعطافة التركية نحو دمشق؟/ رامز الحمصي
منذ عام 2011، وخاصة بعد محاولة الانقلاب في عام 2016، تحولت السياسة الخارجية لتركيا من “صفر مشاكل” إلى السعي لتحقيق العمق الاستراتيجي والاستقلال الذاتي في جوارها، وفي عام 2020، أصبحت سوريا، وليبيا، وجنوب القوقاز، ثلاثة مسارح للتكتيكات الجديدة لحزب “العدالة والتنمية” الحاكم، وهي سياسة قد تكون موجودة لتبقى على الأقل حتى انتخابات عام 2023.
هذه الدوافع الاستراتيجية، ووسائل التدخل، وتأثير العمليات التركية في مناطق الصراع الثلاثة هذه، خالفت توقعات أنقرة، حيث إن الاعتبارات والأساليب والعواقب الاستراتيجية لتركيا اختلفت اختلافا كبيرا من حالة إلى أخرى، وهو ما فسره إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أمس الجمعة، أن بلاده “ليست لديها أطماع” في أراضي سوريا، وأوضح أنه لا يستبعد إجراء محادثات بين أنقرة ودمشق.
أثناء تنفيذ سياستها الخارجية على نطاق عالمي بفهم مغاير للحالي، كانت النبرة التركية نحو سوريا أكثر حدة، إلا أن تصريحات أردوغان الجديدة ومن قبل وزير خارجيته، مولود جاويش أوغلو، حول مصالحة المعارضة السورية مع دمشق، يقود إلى احتمالين، إما أن تركيا استسلمت لدمشق وخصوصا بعد أن أصبحت المعارضة “المشتتة” عبئا عليها، أو أنها في خضم لعبة سياسية لكسب الانتخابات المقبلة.
دلالات التصريحات التركية
لطالما كانت تنمية علاقات حسن الجوار، والحفاظ عليها أحد الأهداف الأساسية للعديد من الحكومات في تركيا، حيث كانت الأحزاب والحكومات وحتى الجيش قد فرضت سياسات مماثلة تحت أسماء مختلفة مثل “حزام السلام حول سياسة تركيا”، و”سياسة الجوار الجيد” وما إلى ذلك، إلا أنه منذ صعود أردوغان إلى رئاسة البلاد لم يحذُ حذوها، هو وأفراد “حزب العدالة والتنمية” الذي يقوده.
يقول المحلل السياسي، محمد عبيد، لـ”الحل نت”، إن برنامج الحزب الحاكم في تركيا، وكذلك بيانته منذ انتخابات عام 2002 تشير إلى أن علاقات حسن الجوار ستكون إحدى أولويات السياسة الخارجية للحزب. ومع ذلك، فقد مر عام بعد ذلك عندما أوضح المستشار الرئيسي لرئيس الوزراء، أردوغان، أحمد داود أوغلو المشاكل الصفرية مع الجيران.
وعلى الرغم من الدور التيسيري الذي لعبه الخطاب الأمني المتغير في نزع فتيل التوترات بين تركيا وبعض جيرانها، يرى عبيد، أن السياسة التركية فشلت في تقديم ما كان من المفترض أن تفعله عندما تبيّن أن الظروف الإقليمية كانت أقل من مواتية لمثل هذه الاصطفافات.
ويشير عبيد، إلى أن المحطة السورية من الصفر مشاكل مع الجيران توقفت على الأرض، بمجرد تحول تركيا إلى دعم الأحلاف المعارضة من أجل خططها المستقبلية في توسيع قواعدها، حيث احتضنت المعارضة المصرية، والسورية، والليبية، وحتى الخليجية.
ويضيف عبيد، “إلا أن التكوين الاستراتيجي الجديد الذي ظهر بعد فشل سياسية تركيا خلال 10 أعوام السابقة، قوض الأساس الذي عملت عليه، مما اضطرها إلى مراجعة الأُطر التي روّجت لها وخصوصا في سوريا، فبعد أن أيقنت أن المعارضة المشتتة لا قوة لها حتى على الأرض، بات ملحّا عودة الحديث المباشر مع دمشق”.
السر في التوقيت
الموابرة الجديدة في الملف السوري التي تحدثت بها أنقرة من رأس هرم السلطة حتى تداولها عبر وسائل الإعلام المحلية داخل تركيا، كان وقعه غير اعتيادي على الشارع السوري، الذي عارض دمشق خلال الفترة الماضية، وليس عليه فقط، إنما أيضا على المعارضة التي سايرت أنقرة، بكل قراراتها وتدخلها في سوريا، وفقا لحديث عبيد.
بالنسبة للتصريحات الجديدة، فيبدو لدى المحلل السياسي أنها ضمن احتمالين. الأول، هو “اللعب المعتاد من أردوغان للعزف على وتر اللاجئين السوريين من أجل اكتساح الانتخابات المقبلة، والتي من المرجح أن يخسرها وفقا لنتائج الاستطلاعات التي ظهرت مؤخرا”، ولذا تغيرت النبرة القاسية ضد الحكومة السورية.
أما الاحتمال الآخر، وهو ما يرجحه عبيد، أن تركيا تتجه نحو “صفر مشاكل” بعد خسارتها اقتصاديا، لذا بدأت في إعادة علاقاتها مع الدول التي أنعشت اقتصادها في السابق، من ضمنها دول الخليج، ومصر وليبيا، وحتى دول وسط آسيا، فكانت قمّة طهران، بداية لوضع أطر جديدة للحلف الروسي الإيراني التركي.
وبحسب عبيد، ربما يتجه أردوغان، إلى الحوار مع دمشق، وإيجاد أرضية للتفاهم حول عودة جميع الأراضي التي دخلها الجيش التركي إلى سيطرة دمشق، مع طلب رسمي للمعارضة في تركيا لمغادرتها كما حدث مع المعارضة التركية، في حين أن تركيا ستوكل مهمة القضاء على “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) ومشروع “الإدارة الذاتية” للجيش السوري، دون أن تدخل معركة عسكرية جديدة.
تركيا بدأت بالتطبيع
السياقات المحلية، والإقليمية لعبت في بروز تصريحات غير اعتيادية من تركيا، حيث تأتي هذه التصريحات في وقت يهدد فيه أردوغان، بشن عملية عسكرية في سوريا تستهدف فصائل كردية يعدّها جزءا من “حزب العمال الكردستاني”، الذي تصنفه أنقرة منظمة “إرهابية”.
الرئيس التركي، قال أمس الجمعة، إن بلاده “ليست لديها أطماع” في أراضي سوريا، وأوضح أنه لا يستبعد إجراء محادثات بين أنقرة ودمشق، جاء ذلك في تصريحات أدلى بها الرئيس التركي للصحفيين على متن الطائرة أثناء عودته من أوكرانيا، مضيفا “يجب أن يكون النظام السوري على علم بذلك، وأن تركيا ليس هدفها هزيمة الأسد”.
وأوضح أردوغان، أنه لا يمكنه مطلقا استبعاد الحوار والدبلوماسية مع سوريا، حيث قال ردًّا على سؤال عن إمكانية إجراء محادثات مع دمشق؛ إن الدبلوماسية بين الدول لا يمكن قطعها بالكامل، وذلك في نبرة أقل حدّة من تصريحاته السابقة.
وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أكد الخميس الفائت، إن بلاده بدأت عملية تطبيع علاقاتها مع إسرائيل ومصر،
وقد كشف وزير الخارجية التركي أيضا، أنه أجرى محادثة قصيرة مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، على هامش اجتماع حركة عدم الانحياز الذي عقد في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بالعاصمة الصربية بلغراد.
وأكد، أن روسيا تريد من تركيا أن تجري اتصالات مع دمشق، وأنها اقترحت عقد لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس السوري بشار الأسد، دون أن يكشف رد بلاده على هذا المقترح، مشددا على ضرورة تحقيق مصالحة بين المعارضة والحكومة السورية بطريقة ما، ومبيّنا أنه لن يكون هناك سلام دائم دون تحقيق ذلك.
السلطة الرابعة تروّج
بشكل يومي يفرد الإعلام التركي مساحة واسعة للحديث مجددا عن عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق، وذلك في ظل تسابق كل من الحزب الحاكم والأحزاب المعارضة، لاستغلال هذا الملف، فيما تحدثت صحف تركية عن شروط وضعها الجانبان لعودة العلاقات.
صحيفة “جريدة تركيا”، كشفت في تقرير نشرته الأربعاء الفائت، عن مطالب للحكومة السورية، من أجل إعادة العلاقات مع الحكومة التركية، إذ تطالب دمشق بخمسة أمور من أجل فتح قنوات التواصل بين الجانبين.
وبحسب ما نقلت الصحيفة، فإن دمشق: “تطالب بسيطرة كاملة لقواتها على الممر التجاري في معبر “باب الهوى” الحدودي وصولا إلى العاصمة دمشق، إضافة إلى الطريق التجاري “إم 4″، الواصل بين دير الزور، واللاذقية مرورا بالحسكة وحلب“.
كذلك، تريد دمشق إعادة محافظة إدلب، إلى إدارتها، كشرط للتواصل مع أنقرة، بحسب ما جاء في تقرير الصحيفة، فضلا عن مطلبها المتعلق بعدم دعم أنقرة، للعقوبات الأوروبية المفروضة على حكومة دمشق، والشخصيات الداعمة لها.
الصحيفة التركية، نقلت أيضا في المقابل شروط تركية، من أجل إعادة التواصل مع دمشق، تمحورت حول “مطالب أنقرة القوات السورية، بإخراج قوات سوريا الديمقراطية، من المناطق التي تسيطر عليها شمال شرقي سوريا، والاستكمال التام لعمليات التكامل السياسي والعسكري بين المعارضة ودمشق، والعودة الآمنة للاجئين“.
وأضاف التقرير: “أنقرة تطالب بأن تكون حمص ودمشق وحلب مناطق تجريبية لعودة آمنة، وكريمة في المرحلة الأولى، ومن ثم توسيع هذا الإطار“.
المتغيرات الأخيرة، تشير إلى أن هذا الموقف التركي قد يتحول إلى سياسة جديدة لأنقرة، تجاه دمشق، تنسى فيها الحكومة التركية كل الخطوط الحمراء التي وضعتها أمام دمشق، بعد اندلاع الحراك الشعبي، والاتجاه نحو إلغاء سياسة العداء لدمشق، وقد يكون إعلان التقارب بين الطرفين أقرب من أي وقت مضى.
—————————–
لا لحرق العلم التركي/ وائل نجم
تصريحات وزير خارجية تركيا مولود جاووش أوغلو، التي أشار فيها إلى لقائه بوزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عرضياً (على الواقف) في لقاء لوزراء خارجية دول عدم الانحياز، ومن ثمّ حديثه عن ضرورة إجراء مصالحة بين المعارضة والنظام السوريين، والتي كان قد سبقها خبر نقلته صحيفة تركية عن طلب روسي من أنقرة لعقد لقاء بين الرئيس التركي أردوغان ورئيس النظام السوري بشّار الأسد، ومن ثمّ الحديث عن إجراء اتصال هاتفي إذا كان اللقاء متعذّراً، ذلك كله أثار عاصفة من الغضب السوري في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال سورية، والمحميّة أساساً من الجيش التركي.
قد يكون مفهوماً ومبرّراً أن تثور ثائرة الشعب السوري على مثل هذه التصريحات أو المواقف أو حتى ربما التوجهات التركية الجديدة، فالشعب السوري، على مدى عقد من ثورته، لم يجد أكثر جدّية في الوقوف إلى جانبه من الحكومة التركية وحزب العدالة والتنمية، وهو علّق الآمال العريضة على الدعم التركي له خلال كلّ تلك الفترة، سياسياً وعسكرياً وإنسانياً وعلى مختلف الصعد، ولم يكن يتوقّع يوماً أن تعيد أنقرة النظر بالعلاقة مع النظام السوري أو تفكّر بتطبيع العلاقة معه وهي التي أحرقت كل المراكب معه على مدار تلك السنوات، حيث بلغت مبلغاً وصفت فيه رئيس النظام بالمجرم وغيرها من الأوصاف.
وقد يكون مفهوماً أن تكون هناك مواقف وتحرّكات رافضة ومعترضة على هذا التوجّه الجديد لتركيا في تطبيع علاقتها مع النظام في دمشق، ومن حقّ الشعب السوري أن يبدي هذه المواقف والمعارضة، على الرغم من إدراكه أنّ العلاقة مع تركيا هي الرئة الوحيدة التي يتنفّس منها ملايين السوريين، سواء في منطقة الشمال حيث سيطرة الجيش الوطني وفصائل المعارضة، أو اللاجئين داخل الأراضي التركية، وهذا بحدّ ذاته، وبهذه الحدود، يثبت أنّ قرار هذا الشعب والمعارضة التي تقوده قرار حرّ يرفض أن يكون أسيراً لأي طرف داعم. أما غير المفهوم فهو أن يلجأ بعضهم، وربما قد يكونون من المشبوهين أو من الموتورين أو المصطادين بالماء العكر، إلى إحراق العلم التركي في بعض مدن شمال سورية، تعبيرا عن رفض المواقف والتصريحات والتوجّهات التركية.
ربما لا يعلم من قام بهذا الفعل ما يمثّله ويرمز إليه العلم التركي لدى الأتراك! وهذه مصيبة، إذ أدى الجهل بمآلات الأمور بالثورة السورية إلى ما أدّى إليه من نتائج. وهنا على العقلاء والحكماء من أبناء الشعب السوري أن يأخذوا على أيدي أولئك حتى لا يصبح إحراق العلم التركي ظاهرة عند أيّ تحرّك. وهذا إذا حصل واستمرّ، فإنّه سيجعل الشعب السوري يخسر داعماً أساسياً له، وهي الحكومة التركية الحالية، وسيزيد من حجم الضغط عليها داخل المجتمع التركي، وستكون مضطرّة عندها إلى اتخاذ إجراءات أو مواقف تراعي فيها تأثير تلك الضغوط عليها، وهو حقيقة ما نراقبه ونشاهده في التعامل المستجد مع اللاجئين والتشدّد بذلك من الحكومة في ظلّ موجة التحريض على اللاجئين داخل تركيا.
أمّا إذا كان من أحرق العلم يعرف الدلالات والرمزية الكبيرة للعلم عند الأتراك، فإنّه بذلك يريد أن يدقّ إسفيناً بين الشعب السوري والمعارضة من جهة والدولة التركية والشعب التركي من جهة أخرى، حتى يصبح الشعب السوري في وقت لاحق مكشوفاً بشكل كامل أمام النظام، ومتروكاً من أيّ دعم. وهنا أيضاً، على العقلاء والحكماء أن يدركوا حجم خطورة ذلك، وأن يأخذوا على أيدي أولئك، وأن يعملوا على إقناع الحكومة التركية بوجهة نظرهم ما استطاعوا ذلك في مقابل أن يتفهّموا أيضاً حاجات تركيا المرحلية وقدرتها على تحمّل الضغوط ومواجهة المؤامرات وتصدّيها لهذا الكمّ الهائل من الهجومات التي تستهدفها حكومة وشعباً.
على العقلاء والحكماء أن يعرفوا وهم يعرفون أنّ الدول ليست كالأشخاص لهم مشاعرهم وعواطفهم. الدول مجردّة من المشاعر والعواطف، وتحقيق المصالح ومواجهة التحدّيات هي الأولوية الأساسية بالنسبة لها، والتعامل مع الواقع لا العيش على الأطلال والأمجاد هي طريقتها. وعلى هؤلاء أن يتعاملوا هم أيضاً بواقعية للحفاظ على ما حقّقته الثورة من إنجازات ليست بسيطة، ومراكمة ذلك بما يتيح الحفاظ على الحدّ الأدنى من حقوق الشهداء والجرحى والمفقودين، وإلى أن يحين تحقيق كامل تطلعات الشعب في الكرامة والحريّة وبناء دولة الإنسان، وإلّا فإنّهم سيكونون عرضة لخسارة كل شيء.
العربي الجديد
———————–
سر التحول البارز في موقف إردوغان تجاه سوريا
في تحول بارز عن مواقفها السابقة المتعلقة بعلاقاتها مع سوريا، أعلنت تركيا، الجمعة، على لسان رئيسها رجب طيب إردوغان عدم “استبعاد الحوار والدبلوماسية” مع دمشق، وهي خطوة تأتي في ظل تغيرات إقليمية وتطورات داخلية دعت أنقرة للمضي قدما في “التطبيع” مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وفقا لمراقبين.
وكان إردوغان قال في تصريحات للصحفيين إنه لا يمكنه مطلقا استبعاد الحوار والدبلوماسية مع سوريا.
وردا على سؤال حول إمكانية إجراء محادثات مع دمشق، نُقل عن إردوغان قوله إن الدبلوماسية بين الدول لا يمكن قطعها بالكامل، وذلك في نبرة أقل حدة من تصريحاته السابقة.
وجاءت تصريحات إردوغان بعد نحو أسبوع من تصريح وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو كشف خلاله عن إجرائه محادثة قصيرة مع نظيره لدى النظام السوري، فيصل المقداد، أبلغه فيها بضرورة إيجاد “مصالحة بين المعارضة والنظام في سوريا من أجل تحقيق السلام الدائم” في البلاد.
ويعد هذا اللقاء، الأول الذي يجمع بين دبلوماسي تركي رفيع ومسؤول لدى النظام السوري منذ اندلاع الحرب الأهلية في البلاد في عام 2011.
ويرى المحلل السياسي التركي باكير أتاجان أن “هناك تغييرات كثيرة على المستوى الإقليمي والدولي دفعت تركيا لاتخاذ هذه الخطوة”.
ويقول أتاجان في حديث لموقع “الحرة” إن من بين هذه التغيرات “الحرب الأوكرانية الروسية وظهور نظام عالمي جديد بعد جائحة كورونا سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي والعسكري، بالإضافة لظهور تكتلات جديدة” في المنطقة والعالم.
ويضيف أتاجان أن “تركيا لا تستطيع أن تعيش بعيدا عن هذه التغيرات وخاصة مع الدول المجاورة”، مشيرا إلى أن “أنقرة وجدت أن علاقاتها مع دول الجوار لم تكن بالمستوى المطلوب وأنها منغلقة على نفسها وبالتالي رأت ضرورة الانفتاح مع هذه الدول، سواء اليونان وروسيا وأوكرانيا والإمارات والسعودية والعراق وإسرائيل وسوريا بالتأكيد”.
ليس هذا وحسب فعلى المستوى الداخلي هناك أيضا تطور مهم دفع أنقرة للتوجه جنوبا ومحولة تطبيع علاقاتها مع دمشق.
يقول أستاذ القانون والعلاقات الدولية سمير صالح لموقع “الحرة” إن “السياسة التركية الجديدة في التعامل مع الملف السوري، تشير إلى أن حكومة حزب العدالة والتنمية تريد أن تسجل اختراقا سياسيا حقيقيا في الملف السوري يعزز من فرصها للبقاء على رأس السلطة قبل الذهاب للانتخابات المقررة في يونيو المقبل”.
ويضيف صالحة أن “الموضوع السوري يأتي في سياق إعادة التموضع الإقليمي لأنقرة، لإن هذا الملف ينعكس على تركيا ومصالحها الداخلية والخارجية”.
مطالب تركية
منذ بداية النزاع في سوريا عام 2011، قدمت أنقرة دعما أساسيا للمعارضة السياسية والعسكرية. وشنت منذ العام 2016 ثلاث عمليات عسكرية واسعة في سوريا، استهدفت بشكل أساسي المقاتلين الأكراد، وتمكنت قواتها بالتعاون مع فصائل سورية موالية لأنقرة من السيطرة على منطقة حدودية واسعة في شمال البلاد.
ولطالما وصف الرئيس التركي نظام الرئيس السوري بشار الأسد بـ”القاتل”. وقال في مايو إنه لن يعيد اللاجئين السوريين الموجودين في بلاده الى “أفواه القتلة”.
وفي هذا الإطار كتب الصحفي التركي المقرب من الحكومة مراد يشلتاش مقالا في صحيفة “صباح” لخص فيه مطالب أنقرة من أجل عودة العلاقات مع دمشق.
وقال يشلتاش إن “تركيا تريد اتخاذ مبادرة جديدة في حل المشاكل بدلا من إجراء تغيير استراتيجي في سياستها تجاه سوريا”.
وأضاف أن “أهداف تركيا لا تزال كما هي، وتتمثل في محاربة الإرهاب وإيجاد حل سياسي شامل للأزمة والانتهاء من ملف عودة اللاجئين السوريين”.
وأشار إلى أن “إسقاط نظام الأسد لم يعد هدفا مستقبليا لتركيا”، مبين أن “من الصعب حل المسائل العالقة بشكل سريع، لكن إنشاء روابط تدريجية مع النظام السوري يمكن أن يصب في صالح تركيا”.
ويرى أتاجان أن “أهم مطلب تركي سيوجه لسوريا يتعلق بضرورة محاربة الإرهاب، بالتالي لا يمكن لها أن تطلب ذلك في حال لم تكن هناك علاقات مباشرة مع دمشق”.
بدوره يعتقد صالحة أن “العلاقات بين الجانبين لن تعود لسابق عهدها”، مضيفا أن “المسألة ليست سهلة وستحتاج لوقت طويل لان نقاط الخلاف والتباعد كثيرة بين الجانبين وتحتاج لأكثر من لقاء على المستوى السياسي والدبلوماسي والاستخباراتية لنقاش كثير من الملفات”.
ويبين صالحة أن “انقرة لديها أولوياتها ومطالبها والجانب السوري كذلك، وعلى ضوء ذلك سيتم التفاهم على خارطة طريق مشتركة للتعامل مع الأزمة السورية”.
ملف المعارضة
وأثارت تصريحات أوغلو التي ألمح خلالها لاحتمال عودة العلاقات مع دمشق “انتفاضة شعبية ضمن مناطق النفوذ التركي في حلب وإدلب والرقة والحسكة” خلال الأسبوع الماضي، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
وفي محاولة منها للتهدئة قالت وزارة الخارجية التركية إنه “منذ بداية الصراع السوري، كانت تركيا الدولة التي بذلت أكبر جهد لإيجاد حل للأزمة في هذا البلد بما يتماشى مع التوقعات المشروعة للشعب”.
لكن صالح يرى أن “الحوار بين أنقرة ودمشق يمكن أن يسهم في التوصل لمصالحة بين النظام والمعارضة”.
ويضيف أن “المعارضة ترفض حاليا أي حوار مع النظام، لكن أنقرة يمكن أن تساعد في حلحلة ذلك، بشرط أن تكون هناك تفاهمات حقيقية بين تركيا والنظام”.
ويتفق أتاجان مع هذا الطرح ويشير إلى أن “تركيا تريد أن تكون طرفا ضامنا ووسيطا بين النظام والمعارضة للتوصل إلى توافقات وحل المشاكل العالقة”.
ويختتم بالقول إن “تركيا تمتلك علاقات طيبة مع المعارضة وربما تطرح مبادرة وتكون هي الضامن من أجل إيجاد حل، أو على أقل تقدير المحاولة من أجل وقف نزيف الدم”.
الحرة / خاص – واشنطن
——————————–
مقابل إدلب.. أكراد سوريا يتخوفون من صفقة تركية مع دمشق
وسط المساعي التركية لترميم العلاقات مع دمشق، وبعد تأكيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس أن الدول تحتكم بالنتيجة إلى الحوار والدبلوماسية، وأوضح إشارة لنية بلاده ربما لرأب الصدع مع النظام السوري، أعرب عدد من المسؤولين الأكراد عن خشيتهم من صفقة سورية تركية في الشمال.
ورأى نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا حسن كوجر أن تقارب تركيا مع النظام السوري سيسمح بضرب “المشروع الديمقراطي” مقابل دخول قوات النظام إلى إدلب والسيطرة على طريق M4.
وحذر كوجر، في تصريحات نشرها موقع المجلس التنفيذي، اليوم السبت من أن “التقاربات والاتفاقات الخطيرة ستفتح مجالًا لإطالة أمد الأزمة السورية وتعميقها، وتسهم في إعادة تنشيط تنظيم داعش الإرهابي”.
تأتي تلك التحذيرات بعد عدة تصريحات ومؤشرات على تقارب بين الجانب التركي والسوري، بدأ قبل أشهر بتشجيع روسي، بغية التوصل لحل على ما يبدو في الشمال(إدلب خصوصاً)، وتزامناً مع عزم أنقرة إعادة آلاف اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
لاسيما أن تركيا تعاني أزمة اقتصادية، أثرت على مواطنيها بشكل كبير مع تراجع القدرة الشرائية والغلاء، وقد زادت أزمة اللاجئين أيضاً الوضع سوءاً، حيث تصاعدت الأصوات من الموالاة والمعارضة مطالبة بحل تلك المسألة.
يشار إلى أن تركيا كانت لوحت منذ شهر بعملية عسكرية جديدة في الشمال السوري ضد المقاتلين الأكراد المدعومين أميركياً، والذين تتهمهم بالتنسيق مع حزب العمال الكردستاني، إلا أنها عادت وتراجعت على ما يبدو عن تنفيذها.
————————-
إردوغان ــ الأسد وبوتين بينهما/ بسام مقداد
لا شك في أن الكرملين هو أكثر المستفيدين من الزوبعة الإعلامية التي أثارها تصريح وزير الخارجية التركي عن إستعداد أنقرة للتطبيع مع نظام الأسد. ومع أنه لم يلاحظ تدخل يذكر من جانب المسؤولين الروس في هذه الزوبعة، إلا أن إعلام الكرملين وذاك الدائر في فلكه أبدى حماسة شديدة للمشاركة فيها، بل وأصر على وقوف بوتين وراء مبادرة تركيا. ومعظم النصوص والتحليلات التي تناولت الموضوع في هذا الإعلام غلبت عليها التكهنات والتخمينات، ولم يبرز فيها سوى نص التصريح عينه والتصريح الذي أعقبه للوزير التركي يناقض فيه ما جاء في الأول. وقد يكون تدخل المسؤولين الروس إقتصر على تعليق الناطق بإسم الكرملين على “الأنباء عن مخططات أردوغان التحدث إلى الأسد”، كما ذكرت وكالة نوفوستي الرسمية. فقد نسبت لمسؤول الكرملين قوله بأن المسائل المتعلقة بسوريا “تمت مناقشتها في لقاء سوتشي( بين بوتين وإردوغان في 5 من الشهر الجاري)”. واضاف بأن ما يتعلق بمستقبل الإتصالات الهاتفية بين الطرفين التركي والسوري ” يجب أن يسأل عنها الطرف التركي أو السوري”.
إصرار إعلام الكرملين وذاك الدائر في فلكه على دور بوتين في “إقناع” أردوغان بضرورة التطبيع مع الأسد يتكرر منذ سنوات. في اليوم التالي للقاء سوتشي نسبت نوفوستي لأردوغان قوله بأن “السيد بوتين يتخذ نهجا عادلا تجاه تركيا في هذه القضية (السورية)”. وأضاف أن بوتين يردد له دائماً بأنه “سيكون أكثر دقة لو كنت تفضل أكثر حلها مع النظام”، وهو ما يرد عليه إردوغان بالقول إن “منظمتنا المخابراتية تتعامل في هذه القضايا مع المخابرات السورية، لكن جهودنا تهدف إلى الحصول على نتيجة”.
موقع “منظمة الأبحاث العلمية” في قيوغيزيا isap نشر في خريف السنة الماضية نصاً بعنوان “هل يصالح بوتين إردوغان مع الأسد”. نقل الموقع عن “مراقبين عرب” قولهم عن محادثات بوتين وأردوغان في ذلك الخريف بأن “روسيا تسعى لإقناع تركيا بالموافقة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الجانب السوري”، وأن تدرج هذه العملية في مسار سياستها الجديدة بإقامة علاقات مع مختلف دول المنطقة ـــــ مصر الإمارات والسعودية. وينسب إلى هؤلاء المحللين تأكيدهم بأن عملية التطبيع مع الأسد يجري الإعداد لها من قبل المخابرات التركية والسورية “بمساعدة موسكو”. وإذا صح هذا الكلام، فإنه يلقي على عاتق الدبلوماسية الروسية مهمة إقناع أردوغان بأن تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق “لن يضر بالصورة الدولية لتركيا، ولن يؤدي إلى خسارة مواقعها الجيوسياسية في المنطقة”. وللبداية يمكن لموسكو وأنقرة ودمشق أن تعمل معاً لتسوية الوضع في إدلب، سيما وأن تركيا تعلن في تصريحاتها عن إلتزامها بفكرة الحفاظ على وحدة سوريا. إضافة إلى ذلك، على أنقرة وكذلك دمشق أن تطلقا المبادرات بصورة مستقلة لا أن تدعو موسكو إلى “ممارسة الضغط”.
ورأى الموقع حينها أن الوقت قد حان لوضع النقاط فوق الحروف وسحب أنقرة من منطقة المشاكل الإقليمية الحادة، سيما وأن في جعبة موسكو وأنقرة رصيداً من الحوار الصعب، الواقعي، ومن العلاقات الشخصية بين رئيسي البلدين. واعتبر أن من الصعب القول بإمكانية إنتشال الحوار بشأن التسوية السورية من الروتين، سيما وأن أردوغان يمارس لعبته الخاصة، وغالباً ما يُنظر إلى تأكيداته عن الصداقة مع روسيا بأنها مناورة تمويه. والعلاقات بين أنقرة ودمشق لا تزال متوترة، وعلى موسكو أن ترضى حالياً بتخفيض مخاطر المواجهة بين البلدين.
زوبعة تصريح وزير الخارجية التركي الحالية إنتهت إلى القول بإمكانية التواصل هاتفياً بين الرئيسين التركي والروسي. فقد نقلت نوفوستي عن الصحيفة التركية Türkiye المقربة من الدوائر الرسمية بأن أردوغان والأسد قد يجريان محادثات هاتفية “بإقتراح من الزعيم فلاديمير بوتين”. تنقل الصحيفة عن مصادرها قولها بأن الزعيم الروسي إقترح على الطرفين اللقاء “للمناقشة”، لكن أنقرة صرحت بأن الوقت لا يزال مبكراً جداً لمثل هذا اللقاء، إلا أنه يمكن أن تجري مفاوضات هاتفية بين أردوغان والاسد. وفي سياق حركة المفاوضات بين سوريا وتركيا بدأ تشكيل لجنة من الخبراء “المحيطين جداً (بأوضاع) المنطقة”.
الموقع الروسي colonelcassad تحدث في 17 الجاري عن 5 مطالب للأسد من عملية”التطبيع”المفترضة مع أردوغان. وقال أنه بعد لقاء بوتين أردوغان في سوتشي نشط بشدة طرح موضوع إحياء العلاقات بين سوريا وتركيا. وابتعد الإعلام التركي الرسمي عن خطاب عدم الإعتراف بالأسد، وينشط حالياً نقاش مستقبل تطبيع العلاقات التي يُنظر إليها الآن من زاوية المساومة بين أنقرة ودمشق، وهو ما كانت تريده منذ زمن روسيا وإيران.
في إطار المفاوضات المفترضة مع الجانب التركي بدأت تتبلور مطالب نظام بشار الأسد. فهو يطالب بإدلب وسيطرته على معبري كسب وجيلفا جوزو (باب الهوى) ومدينتي دير الزور والحسكة وطريق حلب إنطاكية М4. كما تطالب دمشق بمساعدة تركيا في مسألة العقوبات الأميركية الأوروبية المفروضة على الشركات والمسؤولين المؤيدين للأسد.
كما تحدث الموقع عن المطالب التركية المقابلة، وقال بأن تركيا تطالب ب”التنظيف التام” للأراضي الحدودية من “المنظمة الإرهابية” مثل حزب العمال الكردستاني، وإنجاز عملية التكامل السياسي والعسكري للمعارضة مع دمشق، والعودة الآمنة للمهجرين السوريين إلى وطنهم وتوطينهم في أماكنهم. كما تطالب أنقرة بجعل حمص وحلب ودمشق في المرحلة الأولى مناطق إختبار للعودة الآمنة والكريمة للمهجرين السوريين، وتوسيع هذه المناطق مستقبلاً.
إضافة إلى المطالب السورية المذكورة، يقول الموقع أن نظام الاسد يأمل أن تدعمه تركيا لاستعادة سيطرة دمشق على النفط السوري، وكذلك السدود، الطرقات، الكهرباء، المؤسسات التعليمية، المياه والزراعة. ويؤكد الأسد بأنه سوف يحترم قرارات ترويكا أستانة بشأن عودة المهجرين.
ومن جملة المطالب التي يطالب بها تركيا الأسد وروسيا معاً ــــــ الدعم العلني في إدلب. وبين الموضوعات التي يريد النظام السوري أن يطرحها على طاولة المفاوضات المفترضة ـــــــ موضوع تجديد إتفاقية أضنة.
كما يأمل الأسد، حسب الموقع، بأن يحصل على دعم تركيا في إستعادة سوريا مقعدها في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وسواها من المؤسسات والمنظمات الدولية التي أوقفت عضوية سوريا فيها بسبب الحرب. وفي المقابل تواصل تركيا إصرارها على عملية جنيف بشأن الدستور السوري، وعلى إجراء إنتخابات حرة والإطلاق الفوري للسجناء السياسيين، وبالدرجة الأولى الأطفال والنساء والعجزة والمرضى.
موقع وكالة الأنباء الروسية المحلية Regnum نشر في 12 الجاري نصاً بعنوان “أنقرة ـــــ دمشق: هل من دخان بلا نار؟”. ينقل الموقع عن الصحافة الإيرانية تأكيدها أن المرشد والرئيس الأيراني حاولا مع بوتين في قمة طهران إقناع أردوغان بضرورة المصالحة مع الأسد والعودة إلى إتفاقية أضنة، وكذلك وضع رؤية جديدة لقضايا المنطقة “لا مكان فيها للولايات المتحدة”. وحسب الموقع قرر شاووش أوغلو في السياق أن يتذكر “لقاءاً مقتصباً” مع زميله السوري العام الماضي في بلغراد على هامش إجتماع “حركة عدم الإنحياز”.
ينسب الموقع إلى مصادر تركية مقربة من الخارجية التركية قولها بظهور “خطة سرية” في حزب “العدالة والتنمية” تلحظ تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق. تنفيذ هذه الخطة يفترض بروز معادلة جديدة تقضي بإعتراف دمشق بالتشكيلات الكردية بوصفها منظمات إرهابية، وتبدأ بمواجهتها مع أنقرة، وتتخلى تركيا عن دعمها للمعارضة السورية.
المدن
——————————
واشنطن تراقب الخطوات التركية نحو الأسد..وتتريث بإتخاذ موقف
تراقب واشنطن التصريحات التركية حول إعادة العلاقات مع النظام السوري، بتريّث، حتى تتخذ على ضوئها موقفاً يناسب مصالحها، وخصوصاً أن الحسابات الروسية حاضرة في كل ما يجري من حراك دبلوماسي بين أنقرة ودمشق.
ولم تعلق واشنطن حتى الآن على الإشارات الممهدة للتطبيع مع النظام التي ترسلها أنقرة، رغم دخول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على موجة التصريحات، واتهامه في تصريحات الجمعة الولايات المتحدة و”قوات التحالف” بأنهم “يغذون الإرهاب في سوريا”.
وأضاف في تصريح يضيء بشكل واضح على التوجّه التركي الجديد، أنه “يتوجب علينا الإقدام على خطوات متقدمة مع سوريا لإفساد المخططات في المنطقة”، مضيفاً أنه “ليس لدى أنقرة أي مطامع في الأراضي السورية، وليست لدينا مشكلة في هزيمة الأسد أم لا، بل هدفنا مكافحة الإرهاب في شمال سوريا وشرق الفرات”.
وبعد تأكيد أنقرة على توجهها الذي يخدم أهداف روسيا وإيران في سوريا والمنطقة عموماً، تبدو الأنظار موجهة على البيت الأبيض لكبح ذلك، خصوصاً وأن التطبيع سيعقّد علاقة أنقرة بواشنطن ويزيد من التهديدات لحليفتها “قسد”، لكن أطرافاً عديدة تعتقد أن واشنطن لا تمانع بالقدر الكافي التطبيع مع النظام السوري، ويدل كثيرون على ذلك بالأردن الذي طبع علاقته مع دمشق رغم أنه واحد من الدول الحليفة للولايات المتحدة.
لكن المستشار السابق في وزارة الخارجية حازم الغبرا، يجزم بمعارضة واشنطن لكل محاولات التطبيع مع النظام الذي لم يقدم أي تنازلات، معتبراً أن “مواقف الولايات المتحدة واضحة من التطبيع مع النظام”.
ويقول الغبرا لـ”المدن” إنه من الصعب أن تتخيل واشنطن ذهاب تركيا، الدولة ذات المواقف الواضحة والقوية في الملف السوري والتي تلعب دوراً مهماً في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، إلى الأسد، وكيل روسيا.
وعن أسباب غياب التصريحات الأميركية، يقول الغبرا: “إدارة الرئيس الاميركي جو بايدن تنتظر الأفعال وليس الأقوال، بمعنى أنها تتنظر الخطوات اللاحقة، فعلى سبيل المثال تختلف دلالة التواصل الدبلوماسي عن فتح السفارات، في حين أنه من غير الواضح بعد إلى أين ستمضي أنقرة في سوريا، وما درجة العلاقة الجديدة، وبحسب المعطيات تأتي ردود الفعل”.
عقبات وتريّث
ورغم إعلان تركيا عن استعدادها لإعادة العلاقات مع النظام، إلا أن الكثير من العقبات ستواجه نجاح هذا المسار، لذلك تفضل واشنطن التريث. ويؤيد هذا الرأي الباحث في جامعة “جورج واشنطن” رضوان زيادة، قائلاً لـ”المدن”: “الأرجح أن واشنطن تتابع هذه التصريحات التركية، لكنها غير متيقنة من أن هناك تغييراً بالسياسات”، ويضيف: “تبدو التصريحات التركية متضاربة في هذا الإطار، بدليل إعلان تركيا قبل أيام عن استهداف قوات تابعة للنظام السوري على مقربة من عين العرب/كوباني”.
ومن التفسيرات الأخرى للصمت الأميركي حيال التطبيع بين أنقرة ودمشق، هو الخشية من أن تعطي التصريحات نتائج عكسية من شأنها دفع أنقرة أكثر إلى التطبيع مع الأسد نكايةً.
وفي هذا الاتجاه، يقول الباحث والكاتب السوري وائل السواح: “تفضّل الولايات المتحدة أن لا تثير خلافات كبيرة مع تركيا الآن، بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا وأهمية الموقف التركي منها”.
ويضيف لـ”المدن” أن “واشنطن لا ترغب في حدوث تقارب تركي مع النظام وروسيا، وتفضل بدلاً من ذلك بقاء الوضع على حاله في الوقت الراهن، مع التركيز على الهدف الرئيسي المتمثل بمكافحة الإرهاب”، ويشير إلى أن واشنطن “تعارض كذلك أي عملية عسكرية تركية في الشمال السوري تغيّر موازين القوى وتضعف وجودها، وتقوي الأعداء وفي مقدمهم تنظيم (داعش)”.
غير أن كل تلك التقديرات، لا تُلغي احتمال خروج واشنطن بتصريحات لا تدعم توجه أنقرة نحو تطبيع العلاقات مع الأسد، كتلك التصريحات التي صدرت عن الخارجية الأميركية عند قيام الإمارات بتطبيع علاقاتها مع النظام في العام 2021.
—————————-
أعراض فقدان الأمل/ عبد الرزاق دياب
أبعد من خيبة أمل ما يحصل في قلوب وعقول السوريين المعارضين من التصريحات التركية التي بدأت تتلمس طريق دمشق كحل نهائي للصراع السوري، والتي يبدو أنها ستأخذ طريقها إلى بعض التوافق حول الأعداء من الإرهابيين وإن اختلفت وجهات نظر الطرفين في ذلك، وهذا ما يعني مزيداً من التنكيل بالسوريين ومجزرة الباب -التي راح ضحيتها 15 شهيداً بينهم نساء وأطفال- ما هي إلا دليل على مكافحة الإرهاب من وجهة نظر النظام المتبعة منذ أكثر من عشرة أعوام.
الأتراك يرون الأمر من باب مصلحتهم القومية والداخلية فهم على أعتاب استحقاقات مصيرية، فتركيا لن تفرط بعلاقاتها مع روسيا لأجل عيون السوريين الطامحين بمزيد من الضغط على النظام للقبول بمسار سياسي عادل أقرته الأمم المتحدة، وكذلك لن يسمح حزب العدالة والتنمية للأحزاب المنافسة باستثمار الورقة السورية في الصراع على السلطة التي اشتدت حدتها في الآونة الأخيرة، وموجات التحريض العنصري نالت من أرواح كثير من السوريين بذرائع اقتصادية واجتماعية، ولم يستطع حزب العدالة أن يعالج بل استمرت حمى الترحيل بالتصاعد في صفوف الناشطين وسواهم.
الخطاب الذي كان يراهن عليه المعارضون هو أن لا تذهب السلطة التركية أكثر من التعاون الأمني المعلن عنه مع النظام، وأن لا تأخذ التصريحات الأخيرة هذا الشكل الذي يشي باقتراب ما كانوا يخشونه، ومن أجل ذلك نلحظ هذا التخبط الغريب في المنشورات والآراء، وسيل الاتهامات بالعمالة لتركيا أو في الجانب الآخر من يرى أنها لا تتعدى مناورة من الداعم لتمرير الانتخابات القادمة وقطع الطريق على أحزاب المعارضة التي تتحدث منذ سنوات عن ضرورة الجلوس مع الأسد لأنه الحل الوحيد الحقيقي لأزمة سوريا، والضامن لعودة ملايين السوريين إلى أراضيهم لتخفيف الأعباء التي ألحقوها بالاقتصاد التركي- وهنا مغالطة كبيرة ساهم فيها حزب العدالة والتنمية- ومن ثم سيعود الضامن إلى سياسته السابقة في اعتبار النظام هو السبب الوحيد في الحرب التي دمرت سوريا وشردت شعبها.
الرئيس التركي ذهب اليوم إلى ما يمكن اعتباره خطوة متقدمة باتجاه النظام من باب الجدوى التي يحققها الحوار السياسي، وهذا لم يجد نفعاً سواء بشكله المباشر أو عن طريق الوكلاء، وهنا يقول أردوغان: (نحتاج إلى تأمين خطوات متقدمة مع سوريا، ولا يمكن قطع الحوار السياسي أو الدبلوماسي بين الدول أبداً إذ يجب أن تكون هناك دائماً مثل هذه الحوارات في أي لحظة)، وهنا يرى بعض المحللين أن توافقاً روسياً تركياً قد تم التوصل إليه حول آلية جديدة للتواصل بين النظام والمعارضة التي تحتضنها تركيا لإنشاء تفاهمات خارج القرارات الدولية وحسابات السوريين في شمال البلاد والمعارضين لهذا التوجه، وهذا ما سيجدد الدعوات لخروج مظاهرات مناوئة لمثل هذا الاحتمال الكبير.
من أجل ما تقدم تشهد ساحة المعارضة السورية هذا الجدل الحاد حول إمكانية الخروج من هذا المأزق وسط اتهامات متبادلة للهيئات السياسية بالعجز تارة والتواطؤ تارة أخرى، ومناشدات للفصائل بضرورة أن تقف موقفاً يتوافق مع الأهداف التي خرج من أجلها السوريون، وإلا فالمصائر واضحة أمام أعين الجميع.
لم يعد ممكناً -بعد عشر سنوات من الصراع بشكله العسكري والسياسي، وبعد كل هذه التبدلات في المواقف والتموضع الدولي والعربي- الركون لحالة رومنسية حالمة، وأن الوقائع تقول إن على السوريين ساسة ومتثقفين وناشطين أن يجترحوا حلاً يقترب من الرمد بديلاً عن العمى، وهذا ليس من قبيل اليأس وابتلاع الخيبة ولكن للتخفيف من أعراض فقدان الأمل التي يتلمسها كل من ينظر في وجه أي سوري أو يسمع ما يقول.
تلفزيون سوريا
———————–
أردوغان يمهّد لحوار مع دمشق/ عدنان أحمد و جابر عمر
تشهد العلاقة بين تركيا والنظام السوري تحركات متواترة، تبدو متناقضة أحياناً، بين تكرار حديث المسؤولين الأتراك عن ضرورة اتخاذ خطوات جديدة في سورية، مقابل استمرار الصدامات بين الطرفين عسكرياً. وبعد تصريحات لوزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو حول ضرورة المصالحة بين نظام بشار الأسد والمعارضة السورية، والتي أثارت غضب الشارع السوري المعارض، تلتها توضيحات تركية تؤكد التزام أنقرة بالقرارات الدولية حول الحل السياسي في سورية، عادت أنقرة عبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذه المرة للحديث عن ضرورة “اتخاذ خطوات متقدمة مع سورية”.
كلام أردوغان وأسئلة التنازلات المطلوبة
كلام أردوغان هذا طرح تساؤلات حول إمكانية حصول استدارة تركية في الملف السوري، ربطاً بسياسة التهدئة التي تنتهجها السلطات التركية في العامين الأخيرين، والتي تمثلت بتطبيع العلاقات مع الإمارات والسعودية والعمل على تحسينها مع مصر، وذلك في ظل سعي أردوغان لخلق ظروف جديدة تنعكس إيجاباً على الوضع الاقتصادي في بلاده، مع قرب الانتخابات المقررة العام المقبل، وتراجع التأييد لحزب “العدالة والتنمية”، وفق استطلاعات الرأي.
غير أن هذا الوضع يثير أسئلة عن التنازلات المطلوبة من كل طرف في حال حصول تقارب بين أنقرة ونظام الأسد، خصوصاً أن المعطيات على الأرض تشي باستمرار العداء بين الطرفين، وهو ما تمثّل بتبادلهما قصفاً عنيفاً في الأيام الأخرة، بالتوازي مع استمرار الحراك في الشارع السوري المعارض رفضاً لأي تقارب مع النظام.
وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تصريحات للصحافيين أمس الجمعة على متن الطائرة خلال عودته من أوكرانيا، أنه “يتوجب علينا الإقدام على خطوات متقدمة مع سورية يمكننا من خلالها إفساد العديد من المخططات في هذه المنطقة من العالم الإسلامي”.
وأضاف أن الحوار السياسي أو الدبلوماسية لا يمكن التخلي عنهما تماماً بين الدول، و”يمكن أن تتم مثل هذه الحوارات في أي وقت ويجب أن تتم”، وذلك رداً على سؤال حول تصريحات زعيم حزب “الحركة القومية” دولت باهتشلي، الذي دعا إلى رفع مستوى الاتصال مع النظام السوري إلى “الحوار السياسي” في إطار مكافحة الإرهاب شمالي سورية. ولفت إلى أن هناك مقولة مفادها أنه “يتوجب عدم قطع العلاقة حتى لو كانت بمستوى خيط رفيع، لأنها تلزم يوماً ما”.
ورداً على سؤال حول ما تقوله المعارضة التركية من أن حكومته لم تستطع هزيمة الأسد، فتعمل على التصالح معه، قال أردوغان إن “الحكومة لا يهمها هزيمة الأسد أو عدم هزيمته، وإذا كانت المعارضة (التركية) تنقل الأمر إلى هذه المساحة، فهو دليل على نوعية هذه المعارضة”. وأضاف أن “جميع الخطوات التي أقدمت عليها تركيا في شمال سورية وغرب الفرات وشرق الفرات وصولاً إلى البحر المتوسط، أو بالتعاون مع روسيا، كلها كانت لمكافحة الإرهاب”.
وشدد أردوغان على أنه “ليست لدينا أطماع في أراضي سورية، والشعب السوري شقيقنا ونولي أهمية لوحدة أراضيه، ويتعيّن على النظام إدراك ذلك”. ومضى قائلاً حول الشأن السوري: “كنا دائماً جزءاً من الحل وأخذنا على عاتقنا تحمّل المسؤولية حيال سورية، وهدفنا الحفاظ على السلام الإقليمي وحماية بلادنا من التهديدات الخطيرة الناجمة عن الأزمة”. واعتبر أن “الولايات المتحدة وقوات التحالف هم المغذون للإرهاب في سورية في المقام الأول”، وتابع: “فعلوا ذلك من دون هوادة وما زالوا مستمرين”.
ولفت إلى أن تركيا تتحمل العبء الأكبر في قضية اللاجئين، إذ تستضيف قرابة 4 ملايين لاجئ سوري. وتساءل: “لماذا نستضيف هذا العدد من اللاجئين، هل كي نظل في حالة حرب باستمرار مع النظام (السوري)؟ لا، بل بسبب روابطنا مع الشعب السوري، ولا سيما من حيث قيم العقيدة، والمرحلة المقبلة ربما ستحمل الخير أكثر”. وأشار أردوغان إلى أنه بحث تطورات الشأن السوري مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال لقائهما أخيراً في مدينة سوتشي. وأعرب عن أمله في صياغة دستور سوري جديد بأسرع وقت خلال الفترة المقبلة، والإقدام على خطوات في سبيل حل الأزمة السورية.
وجاء كلام أردوغان بعدما كانت صحيفة “تركيا”، المقربة من حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، قد تحدثت الأربعاء عن خمسة مطالب تقدّم بها النظام السوري من أجل إعادة التواصل مع أنقرة، في مقدمتها تسليم محافظة إدلب إليه بما في ذلك معبرا كسب وباب الهوى، والسيطرة الكاملة على الطريق الدولي من معبر باب الهوى إلى دمشق، والطريق الدولي “ام 4” بين شرق سورية وغربها، إضافة إلى مطالبة تركيا بعدم الالتزام بالعقوبات الأوروبية والأميركية المفروضة على النظام.
من جهتها، طالبت تركيا، وفق الصحيفة، النظام السوري بالقضاء التام على “التهديد الإرهابي” على الحدود، و”تنظيف” المنطقة من حزب العمال الكردستاني، وتحقيق تعاون وتكامل سياسي وعسكري بين النظام والمعارضة والعودة الآمنة للاجئين. كما عرضت تركيا مساعدة النظام في استعادة السيطرة على النفط السوري والطرق السريعة. وأشارت الصحيفة الى أن الطرفين ناقشا التوصل إلى اتفاقية جديدة بدل اتفاق أضنة لعام 1998.
وكانت الصحيفة نفسها قد تحدثت يوم الثلاثاء الماضي عن خطة لعودة “آمنة وطوعية” للاجئين السوريين من تركيا إلى مدن حمص ودمشق وحلب. وأشارت إلى أن هذه الخطة، التي ستكون على طاولة المفاوضات مع روسيا وإيران والنظام السوري، ستضمن سلامة اللاجئين أثناء عودتهم وإعادة ممتلكاتهم، ومنحهم جميع حقوقهم الشخصية. وأوضحت أن الخطة ستكون “تجريبية”، ويمكن أن تتوسع لاحقاً لتشمل مناطق أخرى إضافة إلى المدن الثلاث.
ووفقاً للصحيفة، فإن العائدين إلى مناطق سيطرة النظام السوري سيمنحون مساعدة مالية لترميم منازلهم وأعمالهم، وذلك من صندوق يموله الاتحاد الأوروبي ودول الخليج العربي، وفق الصحيفة.
ونقلت الصحيفة عن عضو الائتلاف الوطني السوري يوسف محلي إن الائتلاف سوف يدعم إعادة مئات الآلاف من السوريين إلى ديارهم في نطاق مشروع تكون تركيا ضامناً له.
غير أن محلي، العضو في الائتلاف عن الكتلة التركمانية، نفى في تصريح لـ”العربي الجديد” صحة ما نسبته إليه الصحيفة. وأشار إلى أنه دار حديث بينه وبين الصحافي التركي حول “العودة الطوعية والكريمة والآمنة” للاجئين السوريين إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، وأن الحديث تطرق إلى ضرورة تأمين الكثير من المستلزمات لتشجيع الناس على تلك العودة.
وأكد محلي أنه جرى تحريف وتغيير الحديث الذي جرى بينه وبين الصحافي التركي بهدف الوصول إلى “سبق صحافي” أو ضجيج إعلامي، في وقت يعيش السوريون فيه أجواء احتقان جراء التطورات الأخيرة. ووفق الصحيفة، فإن هذه العودة إلى مناطق سيطرة النظام لن تتعارض مع الخطط التركية لإعادة مئات آلاف اللاجئين السوريين إلى مناطق سيطرة المعارضة، حيث تتواصل المشاريع السكنية التي انطلقت في مناطق الباب وجرابلس وأعزاز وإدلب بغية توطين ما لا يقل عن مليون سوري هناك.
من جهتها، تحدثت مصادر تركية دبلوماسية وعسكرية مطلعة، لـ”العربي الجديد”، عن المقاربة التركية الجديدة على المستوى السياسي مع النظام السوري، واحتماليات رفع مستوى العلاقات بين البلدين والتعاون العسكري.
وقالت المصادر الدبلوماسية إن “التصريحات الرسمية التركية الأخيرة هي بالدرجة الأولى محاولة توجيه رسائل إلى الداخل التركي وتهدئة الأصوات المتصاعدة ضد الحكومة في ما يخص مسألة اللاجئين، في ظل عدم حصول أي تقدم في هذا الملف”. وذكّرت بأن الحكومة التركية “سبق أن أعلنت نيتها إعادة نحو مليون سوري بشكل طوعي إلى سورية، لكن هذا الملف لم يتحرك على الصعيد الإقليمي والدولي، وفي ظل تعنت مستمر من قبل النظام وعدم إجراء عملية عسكرية حتى الآن تساهم في عودتهم إلى بلادهم”.
واستبعدت المصادر الدبلوماسية أن “يحصل أي تقارب مع النظام في الوقت الحالي، في ظل صمت النظام من جهة، ومطالب تعجيزية قد تأتي منه من أجل التقارب من جهة ثانية، منها طلب دمشق من تركيا الانسحاب من الأراضي السورية، من أجل بدء أي حوار سياسي”.
ورأت أنه لهذه الأسباب، فإنه “من المستبعد أن يحدث تطور أكثر من الحديث الاستخباراتي بين البلدين، والتي حتى وإن تطرقت، على الصعيد الأمني، لمواضيع حسّاسة وكانت هناك مطالب من دون قيود وشروط، فإنها ستبقى حبراً على ورق وغير ملزمة ما لم تنتقل إلى أروقة السياسة والدبلوماسية بين البلدين”.
من جهتها، شدّدت المصادر العسكرية التي تحدثت مع “العربي الجديد”، على أن “العلاقة مع النظام السوري معقدة أكثر مما يظهر علناً، ويختلف الأمر عن بقية الدول كمصر مثلاً”. ولفتت إلى أن الأمر “يتعلق بملفات عديدة عسكرية وسياسية واجتماعية، وبملف الإرهاب وهو ملف أساسي ومهم بالنسبة لتركيا، لا سيما لجهة العلاقة بين النظام وحزب العمّال الكردستاني وقوات سورية الديمقراطية”.
وبرأيها، فإن “الإعلان التركي الحالي هو فقط لتحريك المياه الراكدة في ملف اللاجئين، وإعطاء انطباع للرأي العام الداخلي بوجود حراك، وتوجيه رسائل لإيران وروسيا بجدية تركيا، وفي الوقت ذاته، بإظهار النظام طرفاً غير موثوق به في مكافحة الإرهاب، ومن المستبعد التعاون معه عسكرياً، لأن ملف اللاجئين ومطالب الانسحاب التركي من سورية ستكون حاضرة على طاولة المفاوضات بين الجانبين”.
في المقابل، بدا أن التحركات التركية تسبّبت في إرباك نظام الأسد، الذي حاول بداية تجاهلها، ثم ردّدت وسائل إعلامه الرسمية مقولات إن النظام ثابت على مواقفه، ومن يريد علاقة معه، عليه أن “يصحح أخطاءه” أولاً، أي أن تكف تركيا عن دعم قوى المعارضة، وتسحب قواتها من الأراضي السورية. وجاء ذلك قبل أن يعلن وزير دفاع النظام محمود عباس من موسكو، يوم الثلاثاء الماضي، استعداد نظامه لـ”قبول أي دولة تأتي كصديقة ومحبة”.
غير أن التحركات التركية لم تكن ودية كلها، إذ أعلن النظام السوري، الثلاثاء الماضي، مقتل 3 من عناصره وإصابة 6 آخرين، جراء قصف جوي تركي لمواقع عسكرية بريف حلب في منطقة تقع تحت سيطرة “قوات سورية الديمقراطية” (قسد). وأشارت مصادر أخرى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى جراء ضربتين تركيتين لمواقع النظام في تلك المنطقة، وذلك رداً على قصف من جانب قوات النظام لمواقع تركية.
فرص نجاح التقارب بين تركيا ونظام الأسد
وحول فرص التقارب بين الطرفين، رأى الباحث في مركز “جسور” وائل علوان أن تركيا تعلم تماماً أن النظام لا يمكن أن يلتزم بأي وعود يقطعها على نفسه، ولا يمكن فعلياً إلزامه بالالتزام، ما دام يرفض كل القرارات الدولية منذ 11 عاماً.
واعتبر علوان، في حديث مع “العربي الجديد”، أن تركيا تسير في هذا المسار “لكسب الوقت ولتحقيق مصالح في مناطق المعارضة، بينما سيؤدي تعطيل النظام وعدم التزامه إلى عدم تحقيق أي تقدم على هذا المسار”.
وفي الإطار ذاته، قال المحلل السياسي فراس البعلاوي، لـ”العربي الجديد”، إن التحركات التركية تجاه نظام الأسد، والملف السوري بشكل عام، محكومة باعتبارات عدة. أهمها الضغوط الداخلية التي تتعرض لها الحكومة من جانب أحزاب المعارضة والشارع التركي للتحرك بشأن مسألة اللاجئين السوريين، التي باتت قضية مفتوحة للمزايدة الداخلية، خصوصاً قبل الانتخابات العامة العام المقبل.
تضاف إلى ذلك، برأي البعلاوي، الضغوط الخارجية التي تتعرض لها تركيا من جانب شريكيها في مسار أستانة (روسيا وإيران)، ما يدفعها إلى فتح مزيد من الخطوط مع نظام الأسد، مقابل “حوافز” سياسية واقتصادية. ويتزامن ذلك، بحسب المحلل السياسي، مع هواجس تركيا من تدفق موجات جديدة من اللاجئين إليها، وهو ما يجعل الأوروبيين متعاونين في تمويل أي خطط تستهدف إبقاء اللاجئين بعيداً عنها، أو إعادتهم إلى بلدهم.
إلى ذلك، رأى البعلاوي أن هناك في تركيا من يعتقد، أو يسعى إلى إقناع حكومة “العدالة والتنمية”، بأن فتح المزيد من أوجه التعاون مع نظام الأسد، ومراجعة السياسة التركية السابقة حيال الملف السوري، قد يسهمان في إيجاد فرص سياسية لحل الأزمة السورية المستعصية.
ويأتي ذلك، بحسب البعلاوي، خصوصاً مع تعثر مسارات الحل السوري من جنيف إلى أستانة، على الرغم من إدراك الجميع أن نظام الأسد هو المسؤول الأول عن هذا الانسداد السياسي. ما يعني في النتيجة أن الحل المنشود هنا سيكون بالتوافق مع نظام الأسد، وليس بالاستناد إلى القرارات الدولية.
وشدّد على أن أي حل من هذا النوع “لن يحظى برضى وثقة قطاع واسع من الشعب السوري، وفق ما اتضح من التظاهرات الحاشدة التي جرت خلال الأيام الأخيرة الماضية في شمال سورية رفضاَ للتصريحات التركية بإمكانية المصالحة مع نظام الأسد”.
وختم المحلل السياسي بقوله: “قد لا نشهد في الواقع تغييرات كبيرة في السياسة التركية خلال الفترة المقبلة، لكن قد يكون هناك العديد من التصريحات المثيرة، والخطط المسربة، التي توحي بأننا أمام تغييرات أو مرحلة جديدة”.
واعتبر أن “تركيا في الواقع غير قادرة على المضي قدماً في هذا المسار، لأنها تعلم علم اليقين أنه ليس لدى نظام الأسد ما يقدمه لها ولا للشعب السوري، وهي تدرك عمق العلاقة بين حزب العمال الكردستاني ونظام الأسد، بحيث لا يمكن للأخير التخلي عنه”، معرباً عن اعتقاده بأن “هدف السياسة التركية خلال الأشهر المقبلة سيكون على الأغلب تمرير الوقت بانتظار اجتياز انتخابات 2023 بسلام”.
وحول احتمالات التطبيع التركي مع النظام، رأى الكاتب التركي المتخصص بالشؤون الدولية إسماعيل جوكتان، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “منذ مدة يجرى تداول ادعاءات تفيد بأن تركيا تسعى إلى تطبيع علاقاتها مع النظام السوري وذلك قبل تصريحات وزير الخارجية”.
وأوضح جوكتان أنه خلال القمة بين أردوغان وبوتين، في سوتشي (5 أغسطس/آب الحالي)، جرى الحديث حول الأوضاع في سورية، وأكد الرئيس التركي أن نظيره الروسي اقترح عليه التواصل مع النظام لحلّ مشكلة إرهاب العمّال الكردستاني.
وأعرب الكاتب التركي عن اعتقاده بـ”عدم قدرة النظام على التعاون مع تركيا في هذه القضية أبداً، وهو ما يدركه الطرف التركي بشكل كامل”. لكنه رأى أن “هناك هدفين من دعوة تركيا للنظام، أولها: الإظهار لروسيا عدم رغبة النظام في الجلوس إلى طاولة الحوار، والثاني إظهار عدم إمكانية الحل مع النظام، وذلك للمعارضة التركية التي تدعو إلى التطبيع مع النظام السوري، وتستخدم ملف اللاجئين ورقةً سياسيةً قبل الانتخابات”.
وأجرى جوكتان مقارنة بين تصريحي جاووش أوغلو المتعلقين بالنظام السوري، فاعتبر أن التصريح الأول “كان غير واضح كفاية، إلا أن التصريح الثاني أشار بوضوح إلى دعوة تركيا النظام للجلوس حول طاولة الحوار مع المعارضة، في إطار القرارات الأممية”. وبرأيه، فإن تركيا أرادت توجيه رسالة إلى روسيا بأن النظام لا مشكلة لديه مع العمّال الكردستاني، ويجب أن يكون التعاون الميداني مع روسيا.
وذكّر بأنه عقب تصريحات جاووش أوغلو، شنّت الطائرات التركية أكثر من 7 هجمات على نقاط تتمركز فيها مليشيات النظام و”قسد”، ما أدى إلى مقتل أكثر من 15 عنصراً للنظام، بحسب قوله. وأعرب عن اعتقاده بأن بلاده “تدرك تماماً أن النظام لا يملك زمام الأمر في بلاده والقرار يعود إلى روسيا وإيران، كما أنه لا يملك قوة عسكرية من دون المليشيات الإيرانية والدعم الجوي الروسي. وتساءل “كيف يمكن لهذا النظام أن يتعاون مع تركيا التي تملك قوى عسكرية ضخمة؟”.
وأعرب جوكتان عن اعتقاده بأنه مع اقتراب الانتخابات وازدياد الضغط عبر الإعلام الذي تديره المعارضة ضد اللاجئين، أراد الرئيس أردوغان توجيه رسالة للناخبين لتخفيف هذا الضغط، منعاً لخسارة الأصوات”. ولفت إلى أنه “قبل كل ذلك، يجب أن نفهم أن تركيا فقدت كل الوسائل لإقناع الأميركيين بالعملية العسكرية ضد الكردستاني في سورية، ما دفع الحكومة التركية لإطلاق مثل هذه التصريحات”. وأضاف: “على الرغم من ذلك، فإن تركيا لم تقل إنها تريد التطبيع مع النظام من دون أي شرط مسبق، إذ إن تصريحات جاووش أوغلو تتضمن تأكيداً شديداً على القرارات الدولية حول سورية”.
وبرأيه أخيراً، فإن بلاده “تريد حلّ الصراع السوري وفق القرارات الدولية، لكي يكون التركيز على محاربة الإرهاب، وهو ما لا يصب في مصلحة النظام، لأن النظام يتخذ من التنظيمات الإرهابية درعاً له منذ بداية الثورة”.
العربي الجديد
—————————
العفو الرئاسي السوري وإجراءات تركيا للمصالحة… صدفة أم تنسيق مسبق؟
عندما بدأت الصحف التركية تسريب معلومات عن خطة إعادة اللاجئين السوريين قبل أن يعلنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنفسه في مطلع شهر أيار (مايو) الماضي، كان الرئيس السوري بشار الأسد يستعد لتوقيع ما وصف بأنه أوسع مرسوم عفو عام في تاريخ سوريا، شمل “الجرائم الإرهابية المرتكبة” قبل تاريخ 30 نيسان (أبريل) الماضي.
وحالياً، بينما يتزايد الحديث عن تدشين مسار المصالحة بين دمشق وأنقرة واعتبار عودة اللاجئين السوريين من تركيا إلى محافظات دمشق وحمص وحلب بمثابة خطوة تجريبية، يصدر الرئيس السوري مرسوماً يقضي بمنح مواطني محافظات حمص وحلب ودير الزور تسهيلات وإعفاءات توفر بيئة داعمة لأصحاب الفعاليات الاقتصادية بكل أشكالها داخل المدن القديمة في محافظات حلب وحمص ودير الزور، بما فيها الأسواق القديمة والتراثية.
هل هي مجرد صدفة أن تتزامن المراسيم الرئاسية السورية مع ما يصدر عن أنقرة من تسريبات ملتبسة حول طبيعة العلاقة مع دمشق ومصيرها وكيفية حلها؟
لا شك في أن العفو عن “مرتكبي الجرائم الإرهابية”، باستثناء ما أسفرت عن قتل إنسان، من شأنه أن يلعب دوراً في طمأنة شريحة واسعة من السوريين اللاجئين في دول الجوار، وبخاصة تركيا ويخفف ما لديهم من مخاوف العودة التي تشكل الملاحقات القانونية والقضائية أبرزها، وبالتالي يتلاقى إصدار مرسوم العفو مع خطة أردوغان الرامية إلى دفع مليون لاجئ سوري الى العودة “الطوعية والآمنة” إلى بلادهم.
وعلاوة على ذلك، فإن مرسوم العفو الذي أشادت به الأمم المتحدة عبر مبعوثها إلى سوريا غير بيدرسون، من شأنه أن يلعب دوراً في تدشين مسار “المصالحة الداخلية” أو بعبارة أخرى جعل المصالحة بديلاً من المحاسبة والمساءلة، وبالتالي إزالة عقبة كبيرة من أمام قاطرة الحل السياسي التي لم تستطع خلال سنوات طويلة أن تتجاوز الصعوبات التي أثارها مبدأ “الانتقال السياسي” و”محاسبة المسؤولين عن جرائم ضد الإنسانية”.
وكذلك فإن المرسوم الرقم 13 لعام 2022 القاضي بمنح تسهيلات غير مسبوقة لمواطني حلب وحمص ودير الزور، يتقاطع مع الخطوة التجريبية التي سربت المعلومات حولها صحيفة “تركيا” المقربة من حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في أنقرة، لأن هذه التسهيلات كأنها صُبّت في قالب قانوني من أجل مخاطبة اللاجئين السوريين من أبناء هذه المحافظات وحثهم على العودة إلى المناطق التي هجروا منها.
لائحة التسهيلات
وتشمل التسهيلات الواردة في المرسوم السابق، المنشآت والورش والمحال التجارية إضافة الى المنازل السكنية الواقعة ضمن الحدود الإدارية للمدن القديمة في المحافظات الثلاث.
وأعفى المرسوم المنشآت والمكلفين وأصحاب الفعاليات الاقتصادية من كل الضرائب والرسوم المالية والمحلية التي تشمل أعمال الترميم وإعادة التأهيل سواء للمنشآت والمحال أو للمنازل حتى نهاية العام 2023، ونص أيضاً على إلغاء الضرائب والرسوم المالية المترتبة على الأرباح الناجمة عن ممارسة المهن والحرف الصناعية والتجارية وغير التجارية داخل المدينة القديمة، إضافة الى الإعفاء من ضريبة الدخل على كل المستحقات المالية التي يتقاضاها العاملون في هذه المنشآت حتى نهاية عام 2027.
وطوى المرسوم كل المطالبات المالية والرسوم وبدلات الخدمات ومتمماتها المترتبة على المنشآت وعلى المكلفين وعلى أصحاب الفعاليات الاقتصادية داخل المدينة القديمة قبل تاريخ نفاذ هذا القانون، كما ألغى المطالبات الضريبية المترتبة على ريع العقارات والعرَصات حتى نهاية هذا العام، وألغى أيضاً المطالبات التي ستترتب على ضريبة ريع العقارات والعرَصات حتى نهاية 2027.
كما ألغى المرسوم أجور الاشتراكات وقيم الاستهلاكات وفوائدها وغراماتها العائدة سواء في مجالات الاتصالات أم الكهرباء أم الماء والصرف الصحي، فيما لم تشمل الإعفاءات التي حملها هذا المرسوم الضرائب المترتبة على البيوع العقارية والإيجارات الخاضعة للقانون الرقم 15 لعام 2021.
وبحسب وكالة “سانا” الرسمية، تدعم هذه الإعفاءات والتسهيلات عودة الإنتاج والعمل والصناعة والحركة التجارية في الأسواق القديمة والتراثية، وتمنح المبادرين بالعودة وتشغيل محالهم امتيازات مالية لتسريع عودتهم تمهيداً لعودة الحياة الاقتصادية إلى المدن القديمة.
مناطق تجريبية
وكانت صحيفة “تركيا”، المقربة من حزب “العدالة والتنمية” نشرت تقريراً قالت فيه إن تركيا تريد أن تكون مدن حمص ودمشق وحلب، مناطق تجريبية لعودة “آمنة وطوعية” للاجئين السوريين في المرحلة الأولى، ثم يمكن توسيع المناطق.
وجاء في التقرير الصادر يوم الثلثاء 16 آب (أغسطس)، أن هذه الخطة التي ستكون على طاولة المفاوضات مع روسيا وإيران والنظام السوري، وستضمن سلامة اللاجئين في أثناء عودتهم وإعادة ممتلكاتهم، ومنحهم جميع حقوقهم الشخصية.
كما سيكون تنفيذ العملية من مسؤولية وحدات سياسية وعسكرية ودولية مستقلة تقبلها كل الأطراف، بما في ذلك الدول الضامنة.
وأوضحت الصحيفة التركية أن العائلات التي ستذهب إلى مناطق سيطرة النظام ستُزود بتمويل لبناء المنازل وأماكن العمل والأراضي، في حين ستُوفر الأموال بشكل أساسي من الاتحاد الأوروبي ودول الخليج.
وجاء تقرير الصحيفة في أعقاب تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، بأن المصالحة بين النظام السوري والمعارضة “أمر ضروري” لاستقرار وسلام دائمين في سوريا.
استثناءات
ولم يشمل المرسوم 13 محافظة دمشق التي يرد اسمها في الخطوة التجريبية لعودة اللاجئين السوريين. وفي ذلك يعتقد مراقبون للمشهد السوري أن عدم ورود محافظة دمشق ضمن المحافظات التي شملتها تسهيلات المرسوم لا يلغي إمكان تقاطعه مع الخطة التركية، ويبررون ذلك بأن مدينة دمشق لم تشهد معارك قتالية على أراضيها وبالتالي لم تتعرض لدمار وتخريب كمحافظتي حلب وحمص.
أما عن شمول محافظة دير الزور في المرسوم رغم أنها غير مشمولة ببنود الخطوة التجريبية لعودة اللاجئين التي لا تشمل سوى محافظات حلب وحمص ودمشق، فقد يكون لدى أنقرة اسبابها التي تمنعها من الحديث عن محافظة دير الزور بسبب انتشار القوات الأميركية هناك وبالتالي لا تريد الكشف عن أي خطوة من شأنها استفزاز البيت الأبيض. وقد تكون ثمة قطبة مخفية دفعت دمشق إلى توسيع دائرة التسهيلات لتشمل محافظة دير الزور، لا سيما أن دمشق لم تعد تخفي مطالبتها بضرورة انسحاب القوات الأميركية فوراً ومن دون شروط من الأراضي السورية.
من الصعب التأكيد أن هذا التزامن بين المراسيم السورية والإجراءات التركية نابع من تنسيق مسبق بين البلدين أو بناء على وساطة من بلد ثالث، روسيا أو إيران على سبيل المثال، ولكن في المقابل لن يكون من السهل أيضاً تصديق أن هذا التزامن لمرتين متتاليتين جاء بمحض الصدفة، إلا إذا كانت الصدفة هي تسمية دبلوماسية لما يجري تحت الطاولة، بعيداً من أعين الإعلام.
النهار العربي
————————-
قادة تحرير الشام يهاجمون تركيا:تسترخص الدماء السورية
هاجم متشددون وقياديون في هيئة “تحرير الشام”، تركيا وحزب “العدالة والتنمية” الحاكم على خلفية التصريحات التركية المتصلة بمصالحة وحوار مع النظام ورئيسه بشار الأسد.
واتهم القائد العسكري البارز في “تحرير الشام” ميّسر الجبوري المعروف بأبو ماريا القحطاني في “تلغرام”، تركيا، بـ”استرخاص” الدماء السورية على حساب الدعاية الانتخابية لحزب “العدالة والتنمية”، وقال: “لقد ناصرنا حماس لسنوات وعندما طبّعت مع النظام وإيران بيّنا الخطأ”، وتابع: “من يحاول أن يبني فوزه بالانتخابات على علاقته مع الأسد، فليبشر بالخيبة والخذلان، فدماء سنة الشام ليست سلعة رخيصة للانتخابات “.
كما اعتبر القحطاني الذي ظهر مع زعيم الهيئة أبو محمد الجولاني بشكل متكرر، إن أنقرة تمارس “النفاق السياسي”، مستغرباً كيف يمكن اعتبار نظام الأسد، الذي “لم يمر أجرم منه في تاريخ البشرية، عدواً ثم صديقاً”. كما استشهد بحديث للنبي محمد، عن بيع المُسلم لأخيه المُسلم، معلقاً بعبارة: “كيف من يبيع أخيه المسلم ويسلمه لعدوه ويجعله مادة للدعاية الانتخابية!”
وحول مجزرة الباب، قال إنه في الوقت الذي “يقصف النظام النصيري المجرم لمدينة الباب، هناك من يغازله للتطبيع معه متناسياً دماء أهلنا الطاهرة وآلاف السجناء وملايين المهجرين”، مضيفاً: “على من يريد التقارب من الأسد، أن يستذكر ما حصل للرئيس السوداني السابق عمر البشير”، في تلميح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يستعد وحزبه الحاكم لدخول ميدان الانتخابات في 23 حزيزان/يونيو 2023.
من جانبه، قال الشرعي العام في “تحرير الشام” مظهر الويس إن “مجزرة الباب التي جاءت بتوقيع من الأسد، هي رسالة لكل من يدعو للتصالح أو يدعو لعودة المهاجرين، في حين ان رسالة الشهداء سارعوا بالثأر قبل أن تلحقوا بنا قتلى دون قتال”.
وشاركت غرفة عمليات “الفتح المبين”، التي تشكّل “تحرير الشام” عمودها الفقري وأكبر فصائلها، في حملة القصف التي استهدف مواقع قوات النظام السوري رداً على مجزرة مدينة الباب، إلى جانب فصائل الجيش الوطني.
وأفادت وكالة “أمجاد” الذراع الإعلامية لتحرير الشام، أن الأخيرة قصفت بصواريخ الكاتيوشا تجمعات قوات النظام في بلدة عنجارة وميزناز بريف حلب الغربي، رداً على مجزرة الباب، مشيرة إلى أنها حقّقت إصابات مباشرة ودقيقة.
————————–
“أسئلة صعبة” و 4 قضايا.. هل تغيّر تركيا سياستها تجاه سورية؟
اكتسبت المناقشات المتعلقة بـ”جدل التطبيع” بين تركيا والنظام السوري بعداً جديداً بعد التصريحات التي أدلى بها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان للصحفيين، في أثناء عودته على متن الطائرة من أوكرانيا، يوم أمس الجمعة.
وقال أردوغان إن “تركيا لا تسعى لإزاحة الأسد في سورية”، مجادلاً بأن العلاقات الدبلوماسية بحاجة إلى التمسك بها، ومضيفاً أن بلاده “لا تستطيع” قطع هذه العلاقات مع النظام السوري في دمشق، بشكل كامل.
ووفق الرئيس التركي، فإن تركيا تسير في الوقت الحالي ضمن عمليات تنسيق مع الجانب الروسي، بشأن العديد من القضايا المتعلقة بسورية، وخاصة تلك المتعلقة بـ”مكافحة الإرهاب”.
واعتبر أن “الولايات المتحدة وقوات التحالف هي التي تغذي الإرهاب في سورية بشكل أساسي”، وأن هذه القضية ناقشها مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين في قمة سوتشي الأخيرة. مؤكداً: “ليس لدينا أعين على الأراضي السورية. لأن أهل سورية إخواننا. ليس لدينا مثل هذه المشكلة هناك”.
وبعد أسبوع من التكهنات والجدل بأن “التطبيع” مع النظام السوري قد بدأت أولى خطواته من جانب تركيا، أعلن أردوغان أن تركيا ستحتاج إلى اتخاذ “خطوات أعلى” “مع دمشق” لإنهاء “الألعاب” الجارية في المنطقة.
وتعتبر كلمات الرئيس التركي آخر المواقف الرسمية من جانب تركيا بخصوص السياسية الحالية في سورية، والعلاقة التي ستتكشف في المرحلة المقبلة مع النظام السوري.
وحتى الآن لا تعرف تفاصيل المسار الذي قد تتخذه أنقرة حيال علاقتها مع النظام السوري، وعما إذا كانت ستتخذ “خطوات تطبيع كاملة” أم لا، فيما يبدو أن روسيا تضغط بشدة في هذا الاتجاه، وهو ما أشار إليه أردوغان، وقبله وزير خارجيته، مولود جاويش أوغلو.
هل تغيّر سياستها؟
الباحث في مركز “سيتا” المقرب من الحكومة، مراد يشلتاش نشر مقالاً تحليلياً، اليوم السبت، على موقع صحيفة “صباح”، وأجاب فيه عن سؤال: “هل تغيّر تركيا سياستها مع سورية؟“.
ويرى الباحث أن البيانات الأخيرة، سواء الصادرة من جانب أردوغان أو وزير خارجيته تشير إلى أن “تركيا تستعد لتغيير سياستها تجاه سورية في مرحلة التفاوض مع إدارة الأسد”.
لكن وعلى الرغم من هذه المحطة الجديدة، إلا أن هناك العديد من الأسئلة التي تتبادر إلى الأذهان، إذ ترتبط بأبعاد ومضمون “لقاء تركيا مع إدارة الأسد”، والأهم من ذلك “ما مدى فائدة ذلك في حل المشاكل”.
ويُفهم من تصريحات الرئيس عند عودته إلى أوكرانيا أن تركيا “تنسق” هذه العملية عن كثب مع روسيا.
كما يمكن فهمه من البيان، أنه يمكن للإطار العام للمحادثات بين النظام وتركيا أن “يتقدم من خلال الارتباط بخريطة طريق معينة بين أنقرة وموسكو”.
ومن المهم أن تدخل إيران في اللعبة في هذا الموضوع، حسب الباحث يشلتاش، لكن “إدارة طهران مترددة”، وهو ما عبّر عنه أردوغان.
وفي البداية، يبدو من غير المحتمل أن تبدأ الاتصالات الدبلوماسية المباشرة بين تركيا والنظام.
ويضيف الباحث: “في هذه المرحلة يمكن لموسكو أن تتدخل ويمكن إنشاء هيكل بالتوازي مع مسار أستانة. لذلك، قد يكون تقييماً أكثر دقة للحديث عن وجود عملية تدريجية تتقدم مع حل المشكلات، بدلاً من إعادة تأسيس العلاقات بشكل شامل في المقام الأول”.
ولهذا السبب، ليس من الصحيح تسمية هذه العملية بـ “تطبيع” تركيا مع النظام السوري، ومن هذا المنظور، يشير يشلتاش: “يمكننا أن نرى أن هناك أربع قضايا مهمة مطروحة على الطاولة”.
ما هي هذه القضايا؟
القضية الأولى: هي استمرار عملية الحل السياسي السلمي في نطاق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. الموقف الحالي لتركيا هو بالفعل “وفياً تماماً لخارطة الطريق المنصوص عليها في القرار المذكور”.
بعبارة أخرى، فإن كتابة الدستور وإجراء الانتخابات وإقامة حكومة مؤقتة هي ركائز القرار 2254. لذلك، فإن هدف إقامة علاقات مع النظام السوري، لا يمكن أن يستبعد عملية الحل هذه، وفق الباحث يشلتاش.
القضية الثانية: هي مكافحة الإرهاب، وبالنظر إلى أنه تم الاستشهاد باتفاقية أضنة بشكل متكرر في السنوات الأخيرة، يمكن الحديث عن وجود نص أساسي حول “مكافحة الإرهاب” بين دمشق وأنقرة.
والمنطق وراء توجيه روسيا لتركيا للنظام مبني على هذا النص الأساسي.
ومع ذلك، يضيف الباحث: “لم يتضح بعد كيفية بناء شراكة جديدة مع النظام السوري في محاربة حزب العمال الكردستاني. لذلك، من أجل حدوث تغيير في السياسة، سيتعين على تركيا أو أحد الأنظمة إجراء تغيير شامل في سياساتها المتعلقة بحزب العمال الكردستاني”.
وفي هذه المرحلة، يمكننا ذكر بعض البدائل، لاسيما أن كل هذه الاحتمالات هي قضايا “يمكن أن تنتج حلولًا قصيرة المدى”.
ومن بين الاحتمالات: تصفية النظام السوري لوجود “حزب العمال الكردستاني” الواقع على حدود تركيا من المناطق التي يتواجد فيها. ومع ذلك، سيتعين على النظام إزالة “الحزب الإرهابي” من مناطق مثل منبج وتل رفعت.
ويبدو من غير المحتمل، وفق الباحث التركي أن يقبل “حزب العمال” هذا السيناريو طواعية. في هذه الحالة، يجب على النظام السوري مطالبته بالإخلاء أو نزع سلاحه باستخدام “عناصر قسرية”.
ومن منظور اليوم، لا توجد قدرة للنظام السورية، في مقابل عدم وجود نية من جانب “حزب العمال”. والاحتمال الآخر هو أن تركيا، بدعم من النظام، “ستقوم بتطهير عسكري مع الجيش الوطني السوري ضد التهديد المشترك (حزب العمال)”.
وبالتالي، ووفق الباحث التركي “سيتم حل كل من المخاوف الأمنية لتركيا وسيتم تعزيز يد النظام ضد حزب العمال الكردستاني”.
لكن ورغم ذلك، قد لا يثمر تقارب تركيا مع النظام السوري من أجل القضاء على “حزب العمال” عن حل على المدى القصير، وذلك ما يشير إليه يشلتشاش بالقول: “لأن هناك إدارة سورية لا تتردد في استخدام حزب العمال الكردستاني ضد تركيا في نفس الوقت”.
“اللاجئون والمعارضة”
بالإضافة إلى القضيتين السابقتين هناك قضية ثالثة، وهي عودة اللاجئين الخاضعين للحماية المؤقتة من تركيا، من تركيا إلى سورية.
وهذه من أصعب القضايا، حيث أن “انتظار عودة اللاجئين إلى الأراضي التي يسيطر عليها النظام السوري، دون حل سياسي يعني عدم تعلم أي دروس من قضية اللاجئين في السنوات العشر الماضية”.
ويوضح الباحث في مركز “سيتا”، مراد يشلتاش أن “المعاملة التي يواجهها الذين عادوا إلى منطقة النظام في السنوات الأخيرة لا تبعث على السرور على الإطلاق. رغم عدم وجود عوائق أمام الحوار بين لبنان والأردن والنظام، إلا أن عودة كلا البلدين كانت محدودة للغاية”.
ويبدو من الصعب جداً السماح للاجئين في تركيا بالعودة إلى منطقة النظام فقط من خلال الاجتماع مع النظام السوري.
والأهم من ذلك، أن المضي قدماً في هذه الاتفاقية دون ربطها بخريطة طريق قد يتسبب في مشاكل أكبر لطالبي اللجوء، وخاصة في بيئة يعتبر فيها النظام أولئك الذين يسافرون إلى الخارج على أنهم “خونة”، بينما البنية التحتية مدمرة تماماً والقوة الاقتصادية للنظام محدودة.
علاوة على ذلك، تذهب القضية الرابعة إلى “وضع المعارضين والمنشقين عن النظام السوري”.
ولا يعني قبول الشروط التي وضعها النظام السوري عند نقطة “المصالحة” مع المعارضة سوى الاستسلام.
يقول يشلتاش: “لا يبدو من الممكن الجلوس إلى طاولة مع إدارة الأسد من خلال تصفية الهيكل العسكري والسياسي بأكمله، وخاصة إلقاء السلاح. لا يمكن لتركيا قبول مثل هذا الوضع”.
لذلك، بينما يوجد مثال في جنيف حيث لم يتمكن من التوصل إلى اتفاق لمدة ثلاث سنوات والنظام يتبع باستمرار استراتيجية تقوم على إطالة أمد العملية، سيكون من الصعب إنشاء نقطة اتصال جديدة بين المعارضة و النظام السوري.
علاوة على ذلك، فإن استهداف “وحدات حماية الشعب” وقوات النظام مدينة الباب بالصواريخ خلال تصريح الرئيس أردوغان (المستوى المتقدم) هو مؤشر على نظرة النظام إلى مناطق المعارضة.
ومن ناحية أخرى، من الواضح أن النظام شديد التطرف في هذه القضية. هو لا يريد أن يبدأ مثل هذه العملية قبل انسحاب تركيا من المناطق الشمالية.
وعندما يتم النظر إلى قضية المعارضة من “منظور إدلب”، يمكن أن نفهم على الفور أن الأمور أكثر تعقيداً.
ما المتوقع؟
و”ليس من الممكن إنتاج حل سريع لكل هذه المواضيع”. يقول الباحث مراد يشلتاش، مضيفاً: “علاوة على ذلك، فإن هذه المواضيع هي قضايا معقدة للغاية تهم العديد من الفاعلين، وليست مشاكل لا يمكن حلها إلا من خلال اتخاذ خطوات متقدمة مع الإدارة السورية”.
ولهذا السبب تُظهر التصريحات الأخيرة أن تركيا تريد اتخاذ مبادرة جديدة في حل المشاكل، بدلاً من إجراء تغيير إستراتيجي في سياستها تجاه سورية.
لذا فإن “أهداف تركيا لا تزال كما هي”: محاربة الإرهاب، الحل السياسي الشامل، عودة اللاجئين.
في غضون ذلك، لم يعد إسقاط الأسد هدفاً لتركيا لفترة طويلة، لذلك، لا يوجد تغيير في الإستراتيجية، فقط التكتيكات تجاه الحل قد تتغير.
ويضيف الباحث: “يبدو أن هذا صحيح في الوقت الحالي. من الصعب حل المشاكل، لكن إنشاء روابط تدريجية مع الإدارة السورية يمكن أن يخفف يد تركيا للمستقبل”.
وبوجهة نظره فإن “إدارة الأسد لديها قدرة محدودة على حل هذه المشاكل، وبالتالي فإن العلاقة الجديدة لن تجعل المشاكل تختفي بسرعة”.
واختتم الباحث مقالته التحليلية بالقول: “يبدو أنه إذا بدأت مثل هذه العملية، سيكون لروسيا تأثير كبير على إدارة الأسد وستواصل الضغط. دعونا نرى كيف ستستجيب طهران لهذه العملية؟”.
————————————-
5 مطالب سورية وتركية لاستئناف الاتصالات..أبرزها ادلب و”قسد”
وضعت تركيا والنظام السوري شروطاً متبادلة لاستئناف الاتصالات بينهما تمهيداً لاعادة العلاقات، تتصدرها مطالب دمشق باستعادة سيطرتها على محافظة ادلب السورية، مقابل مطالب أنقرة بإبعاد “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) عن حدودها، وذلك من ضمن خمسة شروط متبادلة، حسب ما ذكرت صحيفة “تركيا” التركية.
وفي مقال حمل عنوان “خمسة مطالب حددها الأسد”، نقلت الصحيفة التركية عن مصادر مطلعة لم تحددها بالاسم، ذكرت فيها أن الحكومة السورية طرحت 5 مطالب يتعين على أنقرة تحقيقها من أجل إعادة فتح قنوات الاتصال بين الجانبين، من غير أن تذكر الجهة التي نقلت المطالب بين الطرفين.
وافادت الصحيفة التركية بأن المطالب تتلخص بـ”إعادة محافظة إدلب إلى إدارة دمشق”، و”نقل جمارك معبر كسب الحدودي، مع معبر جيلفي غوزو “باب الهوى” إلى سيطرة الجيش السوري النظامي والحكومة السورية”، إضافة إلى السيطرة الكاملة للحكومة السورية على الطريق التجاري (M4) الواصل بين شرق سوريا، دير الزور – الحسكة، وحلب – اللاذقية.
كما اشترطت دمشق “عدم دعم تركيا العقوبات الأوروبية والأميركية ضد رجال الأعمال الموالين والشركات الداعمة لعائلة الأسد والحكومة السورية”، فضلاً عن “مناقشة الدعم المطلوب من تركيا لإعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والمؤسسات والمنظمات الدولية المماثلة والذي تم تعليقه”.
وطالبت دمشق بـ”تنفيذ تركيا عرضها في التعاون والقضاء على الإرهاب وإعادة النفط السوري للحكومة السورية، وأن تواصل تركيا دعمها لسوريا في مجالات السدود والطرق السريعة والكهرباء والمؤسسات التعليمية والمياه والزراعة”.
في المقابل، تصدرت الهواجس الأمنية وملف اللاجئين، قائمة الشروط التركية لاعادة الاتصالات واستئناف العلاقات بعد قطيعة دامت أكثر من عشر سنوات. وتتلخص المطالب التركية بـ”تطهير الحكومة لمناطق من عناصر حزب العمال الكردستاني / وحدات حماية الشعب بالكامل”، و”القضاء التام على التهديد الإرهابي على الحدود التركية السورية”، و”الاستكمال التام لعمليات التكامل السياسي والعسكري بين المعارضة ودمشق، والعودة الآمنة للاجئين”.
كما اشترطت أنقرة أن تكون حمص ودمشق وحلب “مناطق تجريبية لعودة آمنة وكريمة في المرحلة الأولى، ومن ثم توسيع هذا الإطار، ومراقبة تركيا لعملية عودة السوريين بشكل آمن والممارسات المطبقة مع السوريين حتى بعد عودتهم وإسكانهم.
كما طالبت دمشق بـ”تطبيق مسار جنيف، وكتابة دستور ديمقراطي، وإجراء انتخابات حرة، والإفراج الفوري عن السجناء السياسيين، وخصوصاً النساء والأطفال وكبار السن وذوي الظروف الصحية السيئة”.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكد ضرورة “الإقدام على خطوات متقدمة مع سوريا” وأن هدف بلاده “مكافحة الإرهاب في شمال شرقي سوريا وليس الفوز على نظام الأسد”.
————————–
تركيا ترقص بين سوريا وإسرائيل
غزَل تركي علَني | إردوغان لدمشق: نريد العودة
علاء حلبي
توَّج رجب طيب إردوغان، أمس، سلسلة التصريحات التي أطلقها مسؤولو بلاده حول الانفتاح على دمشق، بجُرعة غزَل علَني للحكومة السورية، مؤكداً أن «لا مطامع لنا في سوريا»، وأن «هدفنا إحلال السلام وحماية أمننا». تصريحاتٌ ربّما تنمّ عن تقدّم فعلي على مسار التطبيع بين البلدَين، على رغم أن المصادر السورية المسؤولة لا تزال تبدي حذراً وتَشكّكاً، مُجدّدة تمسكّها بالشروط المعلَنة لاستعادة العلاقات. وفي انتظار ما سيؤول إليه هذا المسار في المرحلة المقبلة، يدور الحديث عن جملة سيناريوات يمكن أن تشكّل بوّابة للحلّ، على رأسها توسيع دائرة المصالحات بما يتيح إعادة العدد الأكبر من اللاجئين، وإدخال تعديلات على «اتفاقية أضنة» على نحوٍ يسمح بخروج القوّات التركية تدريجاً، وإبعاد ما تدْعوه أنقرة «الخطر الكردي» عن الحدود. على خطّ موازٍ، تُواصل تركيا تعزيز مسار التطبيع بينها وبين إسرائيل، مُتوِّجةً إياه بقرار تبادل السفراء، والذي لا يُخرجه المراقبون الأتراك من سياق التحوّلات التي بدأت تطرأ على سياسات بلادهم الخارجية منذ فترة، مُعيدةً إيّاها إلى مربّع “تصفير المشكلات” والاستثمار في الديبلوماسية. وإذا صحّت التوقعات بعودة المياه إلى مجاريها بين أنقرة ودمشق، فسيَصدق وصْف الكاتب التركي، محمد علي برلاس، لإردوغان بأنه وحده مَن يقدر على الرقص مع سوريا وإسرائيل في الآن نفسه
أطلق الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، خلال عودته من مدينة لفيف الأوكرانية، تصريحات جديدة أكد من خلالها استمرار الخطوات «الانفتاحية» على دمشق، التي باتت أنقرة على يقين بضرورة التواصل معها لحلحلة المشكلات العالقة على الشريط الحدودي، بالإضافة إلى ما بات يمثّله اللاجئون السوريون في تركيا من أزمة، يستعجل إردوغان معالجتها قبيل الانتخابات الرئاسية. وجدّد الرئيس التركي تأكيده عدم وجود «مطامع» لبلاده في سوريا، مبدياً رغبة بلاده في أن تقوم بدور في «دفْع عملية السلام» في الجارة الجنوبية. وشدّد على ضرورة «الإقدام على خطوات متقدّمة مع سوريا… لا يمكن أبداً قطْع الحوار السياسي أو الدبلوماسي بين الدول، وطالما كنّا جزءاً من الحلّ، هدفنا السلام الإقليمي وحماية بلدنا من التهديدات الخطيرة للأزمة»، مُعيداً التذكير بالنقطة التوافقية الأبرز بين دمشق وأنقرة، والتي تبني عليها روسيا وإيران جهودهما، والمتعلّقة بالرفض المشترك للوجود الأميركي في سوريا، وقائلاً إن «الولايات المتحدة وقوات التحالف تغذّي الإرهاب في سوريا بشكل أساسي، وذلك من دون هوادة».
تصريحات إردوغان، والتي تأتي استكمالاً لسلسلة مواقف أطلقها مسؤولون أتراك خلال الأسبوعَين الماضيَين في الاتّجاه نفسه، تنمّ ربّما عن وجود تقدّم على مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق، والذي توقّعت مصادر سورية مسؤولة، تحدّثت إلى «الأخبار»، أن يشكّل أحد أبرز محاور اللقاء المزمع عقده بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونظيره السوري فيصل المقداد، في موسكو، الثلاثاء المقبل. وأعادت المصادر التذكير بموقف سوريا المعلَن تجاه الانفتاح على تركيا، والمتمثّل في وقْف الأخيرة «دعم الإرهاب»، وإخراج قوّاتها من الأراضي السورية، مؤكّدة أن «هذه المواقف ثابتة وراسخة، وأن تركيا على علم بها»، ومُنبّهةَ إلى أن «أيّ تطوّر في العلاقات بين البلدَين لن يكون من تحت الطاولة، وإنّما بشكل معلَن يتضمّن خطوات واضحة».
ولا يشذّ هذا الموقف عن سياسة دمشق، التي ترحّب بإعادة العلاقات مع الدول كافّة، بما فيها تلك التي كانت طرفاً في الحرب، وعلى رأسها دول الخليج. غير أنها تَنظر إلى الجارة الشمالية بكثير من الحذر، لاعتبارات عديدة؛ أبرزها المحاولات التركية التي رافقت بداية الأحداث لإدخال تغيير على شكل السلطة في سوريا، عبر الطلب إلى دمشق، من خلال وزير الخارجية السابق أحمد داود أوغلو، ضمان مشاركة «الإخوان المسلمين» في السلطة مقابل وقف أنقرة دعمها للمعارضة، وهو ما رفضته سوريا بشكل قاطع، ليتحوّل الموقف التركي بعدها إلى العداء الكامل. أيضاً، تمثّل عمليات التتريك في المناطق التي تسيطر عليها أنقرة في الشمال السوري إحدى نقاط الخلاف، شأنها شأن عمليات التغيير الديموغرافي، ومشاريع تشييد مدن صغيرة لتشكيل حزام بشري قرب الحدود التركية، فضلاً عن ملفّ التشكيلات العسكرية التي تدعمها تركيا، وملفّ إدلب المعقّد. تُضاف إلى ما تَقدّم النظرة المختلفة إلى المسألة الكردية؛ فبينما تَنظر أنقرة إلى الأكراد على أنهم أعداء يجب القضاء عليهم، تَرى دمشق أن المشكلة تكمن حصْراً في المشروع الانفصالي المدعوم أميركياً. كذلك، ثمّة اختلاف في الرؤية حول الحلّ في سوريا؛ ففيما تشارك دمشق في مسارَي «أستانا» و«اللجنة الدستورية»، لا تزال تبدي ريبة إزاء التشكيل السياسي الممثِّل للمعارضة (الائتلاف السوري)، والذي تتحكّم به تركيا بشكل كامل، وتخشى السلطات السورية من أن يمثّل بوابة أخرى لـ«التوغّل» التركي مستقبلاً.
وسط هذه المطبّات العديدة، يدور في الأوساط السياسية السورية الحديث عن سيناريوات عديدة يمكن أن يتمّ التوافق عليها، من بينها توسيع دائرة المصالحات التي أظهرت نتائج مقبولة حتى الآن، ومن الممكن أن تشكّل بوّابة لإعادة قسم لا بأس به من اللاجئين السوريين قرب الحدود التركية؛ فضلاً عن رفع وتيرة الضغوط السورية – التركية – الروسية – الإيرانية على الوجود الأميركي في سوريا، بما يمهّد لإنهائه، وإيجاد حلّ لأزمة شرق الفرات. ويترافق الغزل التركي المستمرّ تجاه دمشق، مع ارتفاع ملحوظ في وتيرة الاحتكاكات بين «قسد» والجيش التركي، والتي تخلّلها أيضاً استهداف لأحد مواقع الجيش السوري، سارعت أنقرة إلى امتصاص وقْعه، ما أسهم في إعادة الهدوء النسبي إلى الميدان، وإبقاء التفاؤل بمسار الانفتاح قائماً، وخصوصاً مع استمرار انتشار الجيش السوري في مناطق تسيطر عليها «قسد» في الشمال والشمال الشرقي. والظاهر أن ثمّة تفهّماً سورياً لصعوبة انسحاب القوات التركية بشكل سريع ودفعة واحدة، من دون اتّخاذ خطوات موازية، الأمر الذي يفسّر الحديث عن تعديلات تجري دراستها على «اتفاقية أضنة» الأمنية المُوقَّعة بين سوريا وتركيا عام 1998، بما يتيح وضع جدول زمني واضح، مقرون بتحرّكات سياسية وميدانية، لخروج القوات التركية، بالتزامن مع سيطرة دمشق على الشريط الحدودي والمعابر بشكل كامل.
بالنتيجة، لا يزال طريق التطبيع بين دمشق وأنقرة طويلاً، ويتخلّله الكثير من المعوّقات، في ظلّ التحرّكات الأميركية المستمرّة لإفشاله. غير أن الرغبة التركية في تحقيق انفراجات سياسية وميدانية قبيل الانتخابات الرئاسية، ومحاولات أنقرة العودة إلى سياسة «صفر مشاكل» للاستفادة من مشاريع غازيّة ترغب في أن تؤدي فيها دوراً محورياً، بالإضافة إلى القناعة التي يبدو أنها باتت راسخة لديها باستحالة الوصول إلى تسويات فعّالة من دون التعاون مع الحكومة السورية، كلّها عوامل يمكن النظر إليها على أنها دوافع لانفتاح مدروس ومتأنِّ بين الجارتَين، وفق التزامات وتعهّدات مجدولة، لا تزال قيد الحوار والنقاش.
الاخبار
————————
نائب رئيس “الحزب الجيد” التّركي لـ”النهار العربي”: مع الأسد ما دام يضمن عدم وجود تهديد لتركيا من سوريا
سركيس قصارجيان
أكد نائب رئيس حزب “الجيّد” في تركيا، أحمد كامل أروزان، دعم حزبه كل مبادرات الرئيس السوري بشار الأسد في حال ضمانه عدم وجود تهديد لتركيا من الأراضي السورية.
وقال أروزان، المسؤول عن السياسات الخارجية للحزب في مقابلة مع “النهار العربي”: “أياً كانت الصيغة التي ستعتمدها دمشق بالنسبة إلى النظام الداخلي في سوريا، سنقبل بها أيضاً، ما دامت الأراضي السورية لا تشكّل مصدراً لأي نوع من أنواع الهجمات الإرهابية ضد بلدنا”.
وتختلف الآراء داخل تركيا حول ما إذا كانت خطوات أردوغان المفاجئة أخيراً لجهة التطبيع مع دول المنطقة خطوة تكتيكية قبل الانتخابات المقبلة، أو تغييراً جذرياً في السياسة الخارجية.
ويعتبر أروزان، النائب عن حزبه في البرلمان التركي، أن سبب تغيير الرئيس التركي سياساته السابقة هو “التكلفة الكبيرة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وفي هذا السياق في الشؤون الداخلية لسوريا، وانتهاك مبادئ السياسة الخارجية التقليدية لتركيا، والسعي إلى تغيير السلطة في سوريا”، بالإضافة إلى تصاعد ضغط المشكلات الاقتصادية في البلاد.
ورأى أن “ما حدث خلال السنوات العشر الماضية يتعارض مع علاقات حسن الجوار ومعايير القانون الدولي”.
مع بدء الحرب السورية عام 2011، قطع الرئيس التركي العلاقات مع دمشق، وقدّم كل أنواع الدعم لجماعات المعارضة السورية، واصفاً الرئيس السوري بشار الأسد، الذي كان يسميه “الأخ” في الماضي، بـ”الفاقد للشرعية” لينخرط مباشرة في جهود إطاحته.
لكن العام الماضي شهد تغييرات جذرية في السياسة الخارجية لحزب “العدالة والتنمية”، لا سيما تلك الخاصة بالشرق الأوسط. وبحسب أروزان، فإن “المآزق التي واجهتها الحكومة (التركية) في السياستين الداخلية والخارجية دفعتها إلى اتّخاذ إجراءات لإنقاذ الموقف. نرى القضايا التي يطرحونها على جدول الأعمال في ما يتعلق بتطبيع العلاقات مع سوريا قرارات تتخذ تحت ضغط الأزمات التي يواجهونها أكثر من كونها نتاجاً لخيارات حرة”.
وأدّت مساعي حكومة “العدالة والتنمية” في تركيا للبحث عن “حوار سياسي” مع دمشق، بعد سنوات من القطيعة بين البلدين، إلى توجّه أنظار الصحافيين والمتابعين للشأن السياسي في البلاد إلى المعارضة التركية، التي لطالما شددت على أهمية التطبيع بين أنقرة ودمشق، ليتحوّل هذا الخطاب إلى وعد انتخابي مع اقتراب موعد الاستحقاق الأهم في تاريخ البلاد.
وفي هذا السياق، يشرح أروزان أن “قضية اللاجئين، وليس العلاقات التركية السورية، هي الأولوية بالنسبة إلى العديد من الأحزاب السياسية ضمن منظور الانتخابات”، معتبراً الإشارات الصادرة عن حزب العدالة والتنمية للتطبيع مع دمشق “نتاجاً لليأس والضغوط الاجتماعية، ونحن لا نشاركهم جهود تنفيذ مقترحاتهم من دون التنسيق مع إدارة (حكومة) دمشق”.
في 26 تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي، صادق البرلمان التركي بأغلبية نوّابه، على مقترح الرئيس رجب طيب أردوغان تمديد تفويض الحكومة للقيام بعمليات عسكرية في سوريا والعراق لمدة عامين، بدءاً من 30 من الشهر ذاته. وفيما صوّت أعضاء حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، وحليفه “الحركة القومية”، و”الحزب الجيد” من المعارضة لمصلحة المذكّرة، رفض “حزب الشعب الجمهوري” المعارضة الأم في البلاد وحليف “الحزب الجيد”، إلى جانب “حزب الشعوب الديموقراطي” الموالي للكرد التصويت بالإيجاب على طلب الرئيس التركي.
ورداً على سؤال “النهار العربي” حول تناقض انتقاد “الحزب الجيد” لسياسات أنقرة تجاه سوريا، والتصويت بالموافقة على القرارات المتعلّقة بالعمليات العسكرية فيها يقول أروزان: “التفويض (الذي منح للحكومة) ليس ضد سوريا، بل ضد الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق”، شارحاً أن “حلم” الحكومة (التركية) بتغيير النظام في سوريا حال دون القيام بمهمة “المحاربة ضد الإرهاب مع دمشق”، معرباً عن “تمنّياته الصادقة أن تتم مكافحة الإرهاب بالتعاون مع دمشق في المستقبل”.
وبحسب أروزان، فإن “الطرف الوحيد الذي صنّف قسد ووحدات حماية الشعب بالإرهابية باستثنائنا هو الأسد، وللأسف رفضت الحكومة العمل معه، ما أدّى إلى نشوء تعريف جغرافي اليوم باسم “شرق الفرات”. وما دامت هذه العناصر في كونها مصدراً للإرهاب، فمن واجبنا، كتركيا، أن نحاربها”.
ويشير أروزان إلى كل من اتفاقية أضنة لعام 1998 واتفاقية التعاون المشترك ضد الإرهاب لعام 2010 كأرضية لتعاون كل من دمشق وأنقرة في إنهاء المخاوف الأمنية.
وعبّر “الحزب الجيد”، وهو ثالث أحزاب المعارضة من حيث كتلته البرلمانية، والثاني بحسب نتائج استطلاعات الرأي أخيراً في الانتخابات القادمة، منذ تأسيسه، عن مواقف مؤيدة للتطبيع مع الحكومة السورية. لكنّه مع ذلك لم يقم بأي مبادرات على طريق التطبيع، مقابل مبادرات خجولة من حزب “الشعب الجمهوري”، ما فسّر تقاسماً للأدوار بين شريكي “تحالف الأمّة” المعارض، أو توكيلاً للحزب الأكبر بالسياسة الخارجية.
لكن أروزان يرفض تلك التحليلات، مبيّناً أن حزبه يصر منذ سنوات على تطبيع العلاقات مع سوريا قائلاً: “في 5 كانون الثاني (يناير) 2020، أطلقت رئيستنا (ميرال أكيشنار) نداءً للسيد أردوغان قالت فيه “إن كنت لا تستطيع السيطرة على أعصابك وغضبك، ولا تستطيع أن تكون عقلانياً، فأنا مستعدة للذهاب إلى سوريا للقاء الأسد وحل هذه المشكلة”.
وأكد أن الحزب “سيفعل كل ما يلزم من أجل التطبيع مع دمشق بعد وصوله إلى السلطة”.
وباتت مشكلة اللاجئين السوريين في تركيا، إحدى أهم القضايا الحاضرة في مناقشات السياسة الداخلية التركية، وسط تأكيد العديد من الخبراء على كونها السبب الرئيسي وراء خسارة “العدالة والتنمية” كبريات البلديات في الانتخابات المحلية الأخيرة عام 2019.
ويعتقد أروزان أنه “بمجرد تحقيق التوازن الداخلي السوري الجديد وانتهاء النزاعات، ستكون الأراضي السورية “آمنة” لجميع اللاجئين، وسيكون من الممكن لأولئك الذين لجأوا إلى تركيا العودة إلى منازلهم المهجورة”، معرباً عن اعتقاده أيضاً أن “العمل المشترك لإحلال السلام الداخلي في سوريا وإعادة إعمار اقتصادها المدمّر، سيعودان بالفائدة على البلدين ومجتمعاتهما”.
وتؤكد معظم استطلاعات الرأي الصادرة عن الشركات والمؤسسات البحثية والإحصائية في تركيا أخيراً تراجع شعبية “العدالة والتنمية” لمصلحة صعود شعبية أحزاب المعارضة، ومنها “الحزب الجيد” وسط ارتفاع مؤشرات إمكان نجاخ المعارضة في قلب معادلة “سلطة العدالة والتنمية” السائدة في البلاد منذ عقدين.
وفي هذا السياق، يؤكد أروزان أن “كل استطلاعات الرأي تظهر أن نهج أردوغان يقترب من نهايته في الحياة السياسية التركية. في الحزب الجيد، نعتقد أن المشكلات التي يعانيها بلدنا ليست فقط بسبب شخص أردوغان، بل أيضاً بسبب النظام الرئاسي ونظام رئيس الجمهورية المتحزّب، والذي نعتبره نظاماً عجيباً. لذلك، فإن أولويتنا هي تغيير، ليس أردوغان فقط، ولكن أيضاً نظام الحكم وإنشاء تركيا مختلفة”.
النهار العربي
—————————–
معارَضة مصدومة عاطفياً!/ عمر قدور
إذا استغرب مولود تشاووش أوغلو الصدمة التي أحدثتها تصريحاته في أوساط معارضين سوريين فهو محق، لأن وزير الخارجية التركية لم يقل يوم الخميس الماضي ما يمكن أن يُحسب انعطافة في الموقف الرسمي التركي من القضية السورية. صدمة أوغلو أتت جزئياً من إشارته إلى محادثة عابرة بينه وبين وزير خارجية الأسد، أما ما أثار الغضب الشديد في أوساط معارضة فهو قوله: يجب علينا بطريقة ما أن تصالح بين المعارضة والنظام السوري، وإلا لن يكون هناك سلام دائم.
قبل ما يزيد عن خمس سنوات ونصف السنة اقتادت أنقرة المعارضة، التي تتخذ من الأراضي التركية مقراً لها، إلى أستانة. من العاصمة الكازاخستانية، انطلق المسار المسمى على اسمها، والذي اجتمعت فيه أساساً الدول الثلاث “الراعية” روسيا وتركيا وإيران، لإطلاق مسار سياسي غير مقيد بمقررات الأمم المتحدة، ومنها خاصة القرار 2254 الذي نص على عملية سياسية تهدف إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي، يُفترض في ظلها أن يُعدّ دستور جديد ويُطرح للاستفتاء عليه.
بعد سنة من إطلاق مسار أستانة، ستبتلع المعارضة المقيمة في تركيا إهانة جديدة، عندما يتم اقتيادها إلى سوتشي الروسية تحت مسمى مؤتمر حوار وطني سوري، بل تعمّد المضيف الروسي تقديم جرعة إضافية من الإذلال بتأخير دخول معارضين وبقائهم ساعات طويلة في المطار. في قاعة المؤتمر، بالغ مهرّجو الأسد في استعراضاتهم الخارجة تماماً عن نص الدعوة ما أدى إلى إفشاله، وهي “حسنة” تُسجّل لهم إذ أجهزوا على الفكرة، وأعفوا نظراءهم في وفد المعارضة من جولات إذلال أخرى.
غير بعيد عما سبق، دعم ثلاثي أستانة إطلاق اللجنة الدستورية، والأصح القول أنها ما كانت لتُشكَّل وتبدأ جلساتها لولا دعم الثلاثي، ولولا التنسيق بين أنقرة والمعارضة المقيمة لديها حول اللجنة، بما في ذلك التنسيق المتعلق بتفاصيل مثل اقتراح الأسماء. أهم من ذلك كله أن المعارضة، وافقت برعاية تركية، على اللجنة التي كان الأساس في إنشائها استبعاد أولوية تشكيل هيئة حكم انتقالي حسب نص القرار الأممي 2254، وحتى استبعاد مناورة أقل ضرراً هي المفاوضات المتزامنة في السلال الأربع الواردة في نص القرار.
يلزمنا مجلدات لو شئنا تقصي البراهين على أن المعارضة السورية قبلت منذ سنوات ما أعلنه وزير الخارجية التركية يوم الخميس، إلا إذا كان هناك مَن سيتذاكى علينا من هذه المعارضة “أو سواها”، ليقول أن الغرض من الانضواء في مسار أستانة ومسار اللجنة الدستورية هو الوصول إلى إطاحة بشار الأسد. حيث علينا الاقتناع قسراً بأن وفود بشار الأسد وراعييه الروسي والإيراني سيوافقون عبر عملية تفاوضية على إسقاطه، وكأننا لا نشهد مثلاً التسويف والمماطلة في أعمال اللجنة الدستورية من قبل وفد الأسد وبدعم روسي، فوق أن اللجنة مشكلة أصلاً بهدف الالتفاف على بيان جنيف ثم قرار مجلس الأمن.
من المخزي أن تظهر المعارضة، ومعارضون خارج هياكلها التنظيمية، كمن أصيب بصدمة عاطفية حادة بسبب تصريحات أوغلو الأخيرة والسابقة عليها. سيكون إظهار الصدمة مخزياً إذا أتى تمثيلاً على سوريين غاضبين من تلك التصريحات، وسيكون مخزياً على نحو أبلغ إذا أتى عن قناعة، بمعنى أن هؤلاء المعارضين وخلال سنوات لم يفهموا العملية السياسية التي يشاركون فيها برعاية أنقرة!
على صعيد متصل، من المحتمل جداً أن فرصة الشماتة قد أتت أخيراً لمعارضة ومعارضين اتخذوا منذ البداية موقفاً مضاداً للتدخل التركي، وللمعارضة المقيمة في تركيا. هي أيضاً فرصة ثمينة للشماتة لمنظومة الإدارة الذاتية الكردية وأنصارها، إلا أنها مؤقتة بطبيعة الحال، وهي شماتة الخاسرين بخاسرين لأن هذه المنظومة مُستهدفة بأي تقارب بين أنقرة والأسد.
الانقسام تجاه تركيا يفضح جانباً آخر من جوانب عدم نضج المعارضة السورية، وعدم نضج قوة الأمر الواقع الكردية. الانقسام أخذ طابع الولاء والعداء، لينعكس خصومة أو قتالاً بين جانبيه. الموالون لأنقرة بالغوا عاطفياً في امتداح الدور التركي، من استضافة العدد الأكبر من اللاجئين، إلى ما يرونه دعماً للمعارضة عندما تخلى عنها الجميع. قسم من المعادين للدور التركي لم يروا فيه سوى إسلامية الحزب الحاكم، بينما لم يرَ الأكراد سوى ذلك العدو الأبدي الذي لن تتغير طبيعته بتغير حكامه.
ما كان مفتقداً منذ البداية ذلك الإدراك العام بأن التدخل التركي مكتوبٌ في “جينات” الصراع السوري-السوري، بصرف النظر عن مداه وعن طبيعة الحزب الحاكم في أنقرة. قلّما شهدنا في بلد ما صراعاً داخلياً طويلاً، ثورةً أو حرباً أهلية، من دون أن يتدخل الجار الأكبر بذرائع متعددة، في مقدمها حماية أمنه القومي. ومن نافل القول أن التدخل لا يراعي الاعتبارات الأخلاقية، ولا أولويات أصحاب الشأن من أهل البلد المنكوب.
ضمن إدراك أفضل لما تحتمه الجغرافيا وميزان القوى، كان يمكن للمعارضة التي أصبحت تابعة لأنقرة، ولغيرها بما فيها منظومة الإدارة الذاتية الكردية، أن تتعامل بواقعية أفضل مع التدخل التركي، فلا تصفق له على طول الخط مدفوعة بالولاء، ولا تعاديه على طول الخط ولو على سبيل رد الفعل على ما يراه الأكراد عداء تركياً أصيلاً.
لو تحلّت القوى المذكورة بالواقعية، خارج العواطف والأحلام، لكانت صدمتها الآن أقل، ولكانت معاً أكثر قدرة للضغط على الجار التركي، لأن الواقعية كانت ستقرّب أيضاً بين الخاسرين بدل أن نشهد الشماتات المتبادلة، بحيث تكون خسارة طرف عزاءً لطرف آخر خاسر. من بين ما تمليه الواقعية أن أنقرة لا تنطق عن سياسة تتفرد بها، فالخط العام وضعته واشنطن مبكراً بإعلانها عدم وجود حل في سوريا سوى الحل السياسي، ومن ثم اعتبارها الأسد جزءاً من الحل السياسي.
المعارضة قبلت، ولو مرغمة، بما أملاه التوجه الأمريكي على الجميع، وهي كما أسلفنا قبلت برعاية تركية لما هو أدنى من أفضل قرار دولي على علاته. لا تصريحات لمعارضين من هنا أو هناك ستغير هذه الحقيقة، ولن تغير في موقف أنقرة التي تمسك بالمعارضة وبمناطق نفوذها بموجب تفاهمات دولية. أقصى وأفضل ما تفعله المعارضة إذا صدقت، بدل تمثيل دور المخدوع عاطفياً، هو الاستقالة النهائية، بمعنى حل هياكلها الحالية التي وجدت برغبة دولية. وأفضل ما تفعله الإدارة الذاتية هو الكفّ عن التذاكي، والاعتراف بأنها فوتت فرصة البحث عن خيار يقيها خياري القتل برصاص أنقرة أو الانتحار برصاص الأسد.
المدن
—————————-
الأسد وإردوغان… و«كأس التطبيع» من بوتين/ إبراهيم حميدي
ليس سراً، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يدفع الرئيسين السوري بشار الأسد والتركي رجب طيب إردوغان إلى تجرع «كأس التطبيع». هذه الرغبة قديمة، قدم التدخل العسكري الروسي قبل سبع سنوات. الجديد فيها، أن الظروف باتت مواتية أكثر لانتقال الأسد وإردوغان من مباركة اللقاءات الأمنية في موسكو وطهران إلى التطبيع السياسي في أنقرة ودمشق.
«الوديعة» التي وضعها بوتين في جيب إردوغان لدى لقائهما في سوتشي قبل أيام: بدلاً من شن عملية عسكرية جديدة شمال سوريا، لماذا لا تقوم بالاتصال بالأسد وعقد جلسات تفاوضية لتلبية المطالب الأمنية التركية دون توغل عسكري؟ سبق وأن عقدت لقاءات بين مدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك ونظيره التركي فيدان حقان. جلسات علنية في موسكو بداية 2020 وعقدت أخرى سرية مرات عدة لبحث تطوير اتفاق أضنة لعام 1998 إلى نسخة جديدة.
واقع الحال، أن تطوير اتفاق أضنة والتعاون الأمني ضد «حزب العمال الكردستاني» و«وحدات حماية الشعب» الكردية، يتطلبان تطبيعاً سياسياً وفتح أقنية دبلوماسية. مفتاح بوتين، أن يتصل إردوغان مباشرة بالأسد بمباركة المرشد الإيراني علي خامنئي. لكن، كل رئيس من الرؤساء الثلاثة، يرى هذه الخطوة من زاوية مختلفة. هنا خسائر وهناك مخاطر. بوتين مستعد لهذه الخطوة لأنها تضعف «قوات سوريا الديمقراطية» الحليفة لأميركا وبريطانيا وفرنسا، الدول التي تحارب روسيا في أوكرانيا، وتعزز الدور الروسي في سوريا والإقليم بتحييد الدور التركي الداعم للمعارضة السورية وتعطي شرعية للنظام، وتطوي صفحة أساسية من سيرة العقد الأخير. كما أن خطوة كهذه تزيد فرص «صديقه اللدود» إردوغان و«شريكه العدائي» في ساحات كثيرة، للفوز بانتخابات منتصف العام المقبل.
هذه «الهدية» المترقبة من بوتين تتناقض كلياً مع رغبة الأسد الذي لا يريد فترة رئاسية جديدة لإردوغان المعروف بدعمه العسكري والسياسي للمعارضة السورية في العقد الأخير. كما أن التطبيع السياسي يشكل إحراجاً يجد الأسد صعوبة في أن يسوقه داخلياً ومع بعض حلفائه، طالما أن القوات التركية تحتل جيوباً كثيرة شمال سوريا بمساحة تزيد على ضعفي مساحة لبنان؛ خصوصاً أن إردوغان نفسه كثيراً ما كان بوصلة حملات إعلامية واتهامات وانتقادات في الخطاب الرسمي السوري.
طبعاً، لخامنئي، الشريك الثالث في مسار أستانة والسيطرة على الأرض السورية، حسابات معقدة. طهران تريد دعم الأسد وإضعاف حلفاء أميركا ولا تريد توغلات تركية، كما أنها تتفق مع دمشق وأنقرة في رفض الكيانات الكردية، بل إن الدول الثلاث نسقت ضد كردستان العراق في تسعينات القرن الماضي. لكن لإيران أيضاً، منافسات مع تركيا وروسيا في سوريا وغيرها.
إردوغان، من جهته، يريد تحييد ملف اللاجئين السوريين وسحبه من تداول المعارضة ويريد توجيه ضربة لأكراد سوريا قبل الانتخابات المقبلة. كما أنه لا يمانع بالتنسيق الأمني والسياسي مع دمشق لإبعادها عن الأكراد. لكنه يجد حرجاً في إجراء «انقلاب» في موقفه من الأسد ودمشق بعدما رفع سقف مواقفه ودعمه للمعارضة في السنوات الأخيرة.
أغلب الظن، أن بوتين يدفع العلاقة بين الأسد وإردوغان إلى مرحلة جديدة في العقد الأخير. المرحلة الأولى، كانت بعد الاحتجاجات بداية 2011 عندما جرت لقاءات للبحث عن تسوية سياسية للأزمة السورية. المرحلة الثانية، هي العداء الأقصى لدى حديث الرئيس التركي عن «تنحي» الرئيس السوري. المرحلة الثالثة، عندما انتقل إردوغان، بعد التدخل الروسي، من «تغيير النظام» إلى عقد صفقات مع بوتين لتقطيع أوصال الكيان الكردي شمال سوريا ومد قواته ضمن جيوب سورية عديدة. المرحلة الجديدة، الرابعة، هي التعامل السياسي تحت مظلة بوتين، وتعاطي إردوغان مع الأسد رئيساً، وقبول الأسد بإردوغان محاوراً.
قد يشكل هذا صدمة أو مفاجأة للبعض. لكن لا بأس من التذكير بتأرجحات خط دمشق – أنقرة عبر العقود. حصلت انقلابات كثيرة في المثلث السوري – التركي – الكردي. في منتصف 1998، حشدت تركيا جيشها على الحدود وطالبت بطرد زعيم «حزب العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان. هذا ما حصل. تم توقيع اتفاق أضنة الذي أسس للتعاون الأمني ضد «الكردستاني». وعندما توفي الرئيس حافظ الأسد، دشنت مشاركة الرئيس أحمد نجدت سيزر بالجنازة، الانتقال إلى البعد السياسي وتكثيف التعاون ضد «الكردستاني» بتسلم قادة أتراك منه إلى أنقرة.
وبعد غزو أميركا للعراق في 2003، انتقلت العلاقات تدريجياً إلى مزيد من التعاون وتبادل عشرات الزيارات واللقاءات بين الأسد وإردوغان وصولاً إلى «الشراكة الاستراتيجية» و«إزالة الحدود» والاعتراف الضمني بضم لواء إسكندرون (هاتاي)، بل إن إردوغان كان بين قادة قلائل حافظوا على علاقة مع الأسد بعد العزلة التي فرضتها أميركا على دمشق بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في 2005، كما أن إردوغان توسط بين الأسد ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت.
أغلب الظن، أن حديث إردوغان عن طلب بوتين منه الاتصال بالأسد ثم تسريب وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أول من أمس، بشأن «دردشة سريعة» مع نظيره السوري فيصل المقداد السنة الماضية وتريث دمشق بالإدانات، ليست إلا بدايات تمهيدية لتجرع الأسد وإردوغان «كأس التطبيع» من بوتين.
الشرق الأوسط،
—————————-
حذاري من مناورة ولعبة جديدة في سوريا/ زيد سفوك
من الاستغراب في الاحداث الجارية هو تصديق الكثيرين ما يتم الترويج عنه بان نظام الرئيس التركي رجب طيب اردوغان سيذهب باتجاه المصالحة مع نظام بشار الاسد وتحقيق سلام بين جزء من المعارضة وما تبقى من نظام البعث في سوريا، انها لعبة سياسية أخرى من النظام التركي للحصول على تأييد من الغرب وامريكا واكمال مشروعه الوهمي المناطق الآمنة وتبرير قتلهِ للكرد في سوريا واحتلال مناطق اخرى، وبالتأكيد هناك جهات استخباراتية دولية رَسمت هذه الخطوة، فالنظام التركي القائم وحسب دراسة سياساته طوال هذه الاعوام لا يمكن ان يتخذ هذه المناورة من تلقاء نفسه، لا سيما انه دوما يتخذ الخيار العسكري بديلا للسياسة والثقافة والفكر، حاولت تركيا من خلال المناورة الإعلامية المصالحة مع النظام الضغط على اصحاب القرار في القانون الدولي كورقة بالتلويح عن الاستغناء من قرارات جنيف وقدرتها على الانفراد بالملف السوري، واستطاعت اكتساب نقاط في غاية الاهمية ،:
الاولى: أظهرت ان معظم المناطق التي تحت سيطرتها هي معارضة حقيقية للأسد وذلك من خلال التظاهرات الرافضة للمصالحة والتي ستؤدي حسب اعتقادها على حصولها لدعم من المجتمع الدولي وتقديمهم لتنازلات ودعمها في اتجاه توسيع ما تتزعمه بمناطق آمنة.
الثانية: ثبتت ضمنيا لحليفها الروسي والايراني ايضا ان قرار الاتفاق مع النظام مُلك للشعب السوري القاطن في مناطق سيطرتهِا، وازالت عن نفسهِا شبهة مطامعه بالاحتلال للأرض السورية.
الثالثة: يحاول تشتيت شعوب المنطقة وشعبه والشعب السوري عن الجرائم اليومية التي يقترفها بحق الشعب الكردي في سوريا.
الرابعة والاخيرة: استقطاب اصوات معارضي حزب العدالة والتنمية واكتسابهم في الانتخابات التركية المقبلة.
لكن يبقى السؤال هل ستنطلي هذه اللعبة على الروس والغرب والامريكان وشعوب العالم؟؟ii، انها فرصة لقلب السحر على الساحر ان قررت ادارة الولايات المتحدة الامريكية تغيير مناورة تركيا واستغلالها ضدها، فإدارة بايدن تملك من الادوات ما يكفي ان ارادت فعل ذلك…
الأعلام شيء والسياسة التي يتم التخطيط لها لممارستها شيء اخر، تركيا لن تتفق مع النظام لأنها تعلم ان النظام بات جسم صغير وهي كانت ولا زالت العائق الوحيد امام اي تسوية شاملة للازمة السورية بمنعها من اشراك الكرد في المفاوضات، في الوضع القائم تركيا مستفيدة اكثر ولها حضور كلاعب للمساومة مع روسيا وامريكا وايران والاوروبيين، انها مستمرة في سياسة الاستطماع والاحتلال على حساب الشعب السوري الذي بات لعبة مع الاسف يتم تحريكه وفق المخطط والحدث نتيجة قبول هذه الفئة من الشعب منذ البداية بمعارضة هشة سلمت نفسها ومصيرها لدولة اخرى دون ان تعلم انها باتت دمية الى ما لا نهاية.
ان الخيار الوحيد لسد هذه المؤامرات ومنع تقسيم سوريا ارضا وشعبا هو بالحوار الشامل بين كافة مكونات الشعب الهادف لبناء الثقة بينهم والتفاهم المشترك بقناعة وقبول الاخر، إن اساس نجاحهِ هو بانتقاء المتحاورين المخلصين والمتمسكين بالسلام والثبات على تامين حقوق الشعب الكردي في الدستور عبر الدبلوماسية والحوار، السلاح هو لمحاربة الارهاب والدفاع عن الارض والقضية وليس للقضاء على الشعوب وحقوقهم، لا بد ان تعي الانظمة الحاكمة والقوى الاقليمية ان الانسانية فوق كل شيء، كما لا بد من توعية الشعوب لوقوفها يدا بيد مع الشعوب المضطهدة لان الكلمة الاولى والاخيرة لشعب صامد موحد مهما طال الزمن.
ايلاف
———————–
تركيا وروسيا.. جدلية التنافس والتعاون/ محمد نورالدين
تتقدم العلاقات التركية – الروسية بسرعة قياسية. والقمة التي جمعت، الأسبوع الماضي، كلاً من الرئيسين، رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين، رسمت صورة واسعة لعلاقات متوازنة بين بلدين متعاونين- متنافسين في الوقت نفسه.
والبلدان متعاونان نظراً لحجم العلاقات الاقتصادية الثنائية بينهما، والتي تتوسع باستمرار، ويتوقع لها مسؤولو البلدين أن ترتفع لتصل خلال سنوات إلى مئة مليار دولار. وتعتمد تركيا أيضاً على روسيا في إمدادات الغاز الطبيعي والنفط، إضافة إلى ما تستورده من إيران وأذربيجان. ويأتي بناء روسيا لمفاعل نووي هو الأول في تركيا في منطقة آق قويو، قرب مرسين، ليدخل التعاون في مرحلة نوعية كان سبقها انتهاء مد خط التدفق التركي للنفط والغاز من روسيا إلى غرب إسطنبول، ومنها إلى أوروبا كما جاء التعاون العسكري في صفقة «إس 400» ليضع هذا التعاون في مصاف ثابت وقوي.
ومن مظاهر التعاون بين البلدين، الاتفاق الذي وقعته روسيا وأوكرانيا، برعاية تركيا والأمم المتحدة، لنقل الحبوب من أوكرانيا عبر سفن تبحر من ميناء أوديسا الأوكراني إلى ميناء إسطنبول، ومنه إلى العالم، في ما وصف بالممر التركي الذي يفترض أن يخفف من أزمة الحبوب العالمية.
وظهر التعاون التركي – الروسي حتى في بعض ملفات السياسة الخارجية الشائكة، مثل الملف الليبي . فموسكو وأنقرة بدتا في السنوات القليلة الماضية على أنهما يتحاربان في ليبيا، وكل عاصمة تدعم طرفاً من أطراف الأزمة الليبية. لكن قمة سوتشي عكست توافقاً للمرة الأولى بين البلدين من أجل إجراء انتخابات عامة في ليبيا، تفضي لمصالحة وطنية شبه شاملة. ولا يعرف مدى جدية هذا التوافق أو انعكاساته على الأوضاع على الأرض في ظل وجود دول نافذة أخرى في الوقت نفسه.
وكان لافتاً أيضاً بعد قمة سوتشي كيف أن الرئيس بوتين، دعا أردوغان ليشارك في قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي تضم روسيا والصين ودولاً أخرى، في سمرقند، في منتصف الشهر المقبل. وتبدو رغبة بوتين مرتبطة بإضافة بلد جديد إلى صورة القمة التي ستؤكد من جديد دعمها لروسيا في أوكرانيا، وللصين في تايوان.
وتحتل سوريا مكانة مهمة في العلاقات بين البلدين، حيث لكل منهما تواجد عسكري على الأراضي السورية، والوضع الميداني مهدد دائماً بتحركات تركية ضد قوات الحماية الكردية ، فيما تريد دمشق وروسيا استهداف الفصائل المسلحة تحت الكنف التركي في منطقة إدلب.
وعلى الرغم من اتفاق بوتين وأردوغان على محاربة التنظيمات الإرهابية كافة هناك، فلم يتفق الطرفان على تعريف الإرهاب، هل هو قوات الحماية الكردية كما تريد أنقرة، أم تنظيمات إدلب كما تريد موسكو؟
وبالطبع، ليس من توافق تام على الوضع في سوريا، حيث إن تركيا لا تزال تريد موافقة روسية على عملية عسكرية في الشمال، من دون أن تلقى جواباً إيجابياً حتى الآن.
تفعل تركيا هذا وهي عضو في حلف شمال الأطلسي، وهذا يعدّ مخاطرة لها، إذ إن الولايات المتحدة ممتعضة من تركيا بسبب تعاونها مع روسيا. لكن واشنطن في الوقت نفسه ترى أنه لا غنى عن الحاجة إلى تركيا كجناح للأطلسي في قلب الشرق الأوسط، خصوصا بعد بروز حاجة الحلف لدول أعضاء بعد الحرب في أوكرانيا.
ونتيجة لذلك، تستفيد تركيا من موقفها المعقول في البقاء على مسافة من روسيا وأوكرانيا في هذه الحرب ومن حاجة الغرب لها كممر للحبوب من أجل ابتزاز الغرب وأوروبا والحصول على مكاسب مالية، أو في ما خص ملف اللاجئين . وفي المحصلة، فإن تركيا وروسيا تدخلان في علاقات ثابتة، وشبه مستقرة لجهة استمرار التنافس بينهما في أكثر من ملف، من القوقاز وسوريا، إلى شرق المتوسط، وفي الوقت نفسه الإبقاء على التعاون في ملفات كثيرة بما يبقي العلاقات في دائرة التفاهمات. وفي هذا لا شك في فائدة كبيرة للبلدين، وأردوغان تحديداً، يبدو المستفيد الأول لجهة الدعم الروسي المحتمل له للبقاء في السلطة في انتخابات الرئاسة في يونيو/ حزيران المقبل، والتي ستقرر نتائجها مستقبل تركيا وبعض دول المنطقة للأعوام التي ستلي.
الخليج
——————————
جسور للدراسات: لماذا أعلنت أنقرة متأخرة عن اللقاء الدبلوماسي مع النظام السوري؟
ربط مركز “جسور للدراسات”، في دراسة أعدها اليوم السبت، بين تصريح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الذي قال فيه إن السلام الدائم في سوريا يتطلَّب إجراء مصالحة أو اتفاق بين المعارضة والنظام، بالاجتماع الثنائي الذي جرى يوم 5 آب الجاري بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في سوتشي.
وقالت الدراسة إنه “يُلاحَظ أنّ إعلان تركيا عن اللقاء الدبلوماسي مع النظام جاء بعد مرور 10 أشهر على انعقاده، وهذا الاستحضار يعني أن تركيا لا تمانع تطوير مستوى اللقاءات الثنائية لتشمل الجانب الدبلوماسي بعدما كانت تقتصر على الأمنيّ منذ مطلع عام 2019”.
ءؤ
وزير الخارجية التركي: التقيت المقداد وعلينا أن نصالح المعارضة والنظام
وأضاف أن الإعلان المتأخّر عن المحادثة القصيرة بين جاويش أوغلو ووزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، على هامش اجتماع دول عدم الانحياز في العاصمة الصربية بلغراد في تشرين الأول يدلّ على ما يلي:
أولاً: إصرار روسيا على حلّ مشكلات تركيا الأمنية في سوريا بالتواصل مع النظام في إطار صيغة معدَّلة عن اتفاقية أضنة (1998)، وهو ما أشار إليه -بشكلٍ مَا- خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 6 آب 2022.
ثانياً: رغبة تركيا في إظهار التجاوُب مع عرض الوساطة الإيرانية لإصلاح العلاقة مع النظام والذي قدّمته مطلع تموز 2022، في حين يبدو أنّ أنقرة تعثّرت في تحقيق اختراق في القمة الثنائية مع روسيا لمعالجة الخلافات والمخاوف الأمنية حول سوريا وفق رؤيتها القائمة على شن عملية عسكرية بشكل منفرد.
ثالثاً: محاولة تركيا الاستفادة من إصرار روسيا وإيران على التواصل مع النظام لأداء دور الوساطة مع المعارضة، للحفاظ على قدرتها في التأثير على العملية السياسية المتعثّرة، ولتوسيع سبل إقامة المنطقة الآمنة في سوريا وفق شروط تكون مقبولة لديها.
رابعاً: تزايد مخاوف تركيا من تعثر مسار المفاوضات مع الولايات المتحدة بخصوص القضايا الخلافية حول سوريا بما فيها الموقف من العملية العسكرية ودعم “قسد”، وبالتالي محاولة إيجاد بدائل لضمان إنشاء منطقة آمنة.
خامساً: محاولة الحزب الحاكم في تركيا -في إطار المناورة أو الرغبة- إيجاد حلول للضغوط التي يتعرّض لها بما يخص قضية اللاجئين السوريين، عبر إظهار القدرة على إقامة منطقة آمنة بكل السبل سواء عسكرياً أو دبلوماسياً بما في ذلك التواصل مع النظام.
1
قواعد الاشتباك الدبلوماسية والعسكرية لأنقرة في سوريا
وأشارت الدراسة إلى إنّ الإعلان المتأخر عن لقاء دبلوماسي -عابر للحدود- بين النظام وتركيا، لا يعني أن الأخيرة ماضية نحو مقاربة جديدة في سياستها الخارجية حول سوريا.
وأكدت أن مثل هذا التغير قد يعرض مكاسبها للخطر في مناطق وجودها العسكري مع تنامي مشاعر الاستياء والسخط، فلا يوجد ما يدعو للاعتقاد بأن النظام وحلفاءه قد يبدون مرونة تجاه مطالب أنقرة لشكل العلاقة.
وختم المركز دراسته بالقول: “عموماً، ما زال الحديث عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين النظام وتركيا مبكراً، خصوصاً أن مطالب وشروط أنقرة لم تتحقق بعد.
تصريحات وزير الخارجية التركي
وكشف جاويش أوغلو في مؤتمر صحفي في أنقرة، يوم الخميس، عن لقاء جمعه بوزير خارجية النظام فيصل المقداد في اجتماع دول عدم الانحياز ببلغراد في تشرين الأول من العام الفائت 2021، كما دعا جاويش أوغلو إلى “تحقيق مصالحة بين المعارضة والنظام في سوريا بطريقة ما، وإلا فلن يكون هناك سلام دائم”، بحسب وصفه.
وأثارت تصريحات أوغلو حول ضرورة تصالح المعارضة مع النظام السوري غضب واستياء الشارع السوري الذي استغرب من هذه الدعوات للتصالح مع من تسبب بتهجير ونزوح الملايين وقتل واعتقال مئات الآلاف من المواطنين على مدار
مظاهرات في شمال غربي سوريا رفضاً للتصالح مع نظام الأسد
وخرج مئات المدنيين يوم الجمعة، في عدة مدن في الشمال السوري بمظاهرات غاضبة ضد تصريحات وزير الخارجية التركي، أكدوا خلالها ألّا تصالح مع النظام السوري، وأن الخيار الوحيد للسوريين هو الاستمرار بالثورة حتى إسقاط النظام وأركانه.
—————————-
———————————-
مبادرة استعادة القرار الثوري السوري/ علي الأمين السويد
في ظل مؤشرات وخطوات تقارب دولة الاحتلال التركي مع النظام السوري الراهنة والتي تستخف بالشعب السوري وبثورته، ونظراً لأن الشعب السوري خرج طالباً لحريته وقد قدم مئات آلاف الشهداء ومئات آلاف المعتقلين ومئات آلاف المغيبين، وتهجير نصف سكان سوريا، وتدمير البنية التحتية للوطن كاملة فإن بقاء مجرم الحرب بشار الأسد في السلطة أمراً مستحيلاً ويزداد استحالة يوماً بعد يوم.
لقد بات الشعب السوري اليوم أحوج ما يكون له هو اتخاذ قرارات تعيد القرار الثوري المستقل له، وتضع حداً لكل مستثمر بالثورة السورية ومتاجراً بها، وتلفظ كل ما هو ليس وطني، وتعيد للشعب ثورته وكرامته التي امتهنها الأصدقاء قبل الأعداء وعلى رأسهم نظام الاحتلال التركي الذي يعتقد بأن السوريين ليسوا أكثر من أدوات لتحقيق مصالحه.
إن استعادة القرار الثوري أصبحت ضرورة استراتيجية وطنية، وهذه الاستعادة هي أهم الخطوات التي يتخذها الشعب السوري الثائر والمراقب لمواجهة التطبيع مع النظام السوري الذي يُظهر الثورة السورية وكأنها مشكلة إرهابية صغيرة، وأن إحلال السلام يجب أن يتم عبر المصالحة بين المعارضة والنظام السوري حسب الإدارة التركية. وكان الأولى بحكومة الاحتلال التركي أن تطبق موجبات تحقيق السلام الدائم في بلدها هي بالمصالحة مع حزب العمال التركي والمناضل فتح الله غولن.
ولاستعادة القرار الثوري السوري المستقل فإنه من الأجدر القيام بالخطوات التالية:
تشكيل مجلس قيادة الثورة في المناطق التي تحتلها تركيا المسماة نبع السلام وغصن الزيتون ودرع الفرات من القادة الوطنيين والثوريين من كافة أطياف الشعب السوري المتواجدة على أرض الوطن.
إعفاء قادة الفصائل الذين يدينون بالولاء لتركيا من مهامهم.
الإعلان أن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، ومؤسساته كالحكومة المؤقتة واللجان الدستورية والجيش الوطني يمثلون أنفسهم، ولا يمثلون كافة أطياف الشعب السوري.
يتبرأ مجلس قيادة الثورة من مخرجات مؤتمرات سوتشي وأستانا ونتائجها ولا يعترف بها.
الطلب من قوات الاحتلال التركي مغادرة البلاد بأسرع وقت ممكن.
يطلب مجلس قيادة الثورة إخلاء مدينة عفرين وكافة قراها وكافة المناطق التي يملكها المواطنون الأكراد دون قيد أو شرط، ويتم تعيين فصيل لحراسة الممتلكات العامة والخاصة ريثما يقوم أصحابها باستلامها.
العمل على تشكيل إدارة ذاتية تنظم الحياة المدنية في الشمال السوري.
مطالبة مجلس قيادة الثورة المجتمع الدولي بالضغط على النظام السوري لتنفيذ قرارات جنيف واحد.
يطالب مجلس قيادة الثورة المواطنين السوريين في إدلب القيام بطرد قيادات هيئة تحرير الشام الإرهابيين وحل الهيئة وطرد الأجانب من المحافظة والانضمام إلى قيادة مجلس الثورة السورية.
دعوة كافة القوى السورية الفاعلة على الأرض، وعلى رأسها قوات سوريا الديمقراطية، لعقد مؤتمر وطني لقوى الثورة على الأرض السورية يثبت للعالم بأن الشعب السوري واحد، ولن يركع.
ليفانت – علي الأمين السويد
—————————–
أهمية التوقيت.. لماذا عادت تركيا إلى سياسة “تصفير المشكلات”؟
سكاي نيوز عربية – أبوظبي
جاءت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن احتمال عقد نقاش مستقبلي مع الرئيس السوري بشار الأسد لحل الأزمة السورية، لترسخ عودة أنقرة لسياسة “صفر مشكلات”.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الجمعة، إنه لا يستبعد عقد مناقشات مع الرئيس السوري بشار الأسد من أجل التوصل إلى حل بشأن الأزمة السورية.
وأشار الكاتب الصحفي السوري المختص بالشأن السياسي، درويش خليفة، في تصريح لـسكاي نيوز عربية، إلى أهمية التوقيت فيما يتعلق بتصريحات الرئيس التركي، حيث تتزامن في أعقاب القمة التي عقدت في طهران بين زعماء دول روسيا وتركيا وإيران، وأيضا القمة التي جمعت الرئيسين الروسي والتركي في سوتشي الروسية.
ويقول خليفة إن الوضع الراهن داخل تركيا وتحديدا الوضع الاقتصادي يدفع الرئيس التركي إلى التوجه لسياسة “صفر مشكلات”، التي حرص على اتباعها خلال الفترة الماضية، بدأت بزيارته للملكة العربية السعودية ثم دولة الإمارات، وأيضا اللقاءات على المستوى الدبلوماسي بين مصر وتركيا.
وحول التوافق السياسي والحديث حول إمكانية التوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة السورية، يقول خليفة إن ” المشكلة لا تكمن في التقارب بين السلطات التركية والحكومة السورية، لكن حول آلية إدارة الملفات التي تتعلق بالمعارضة السورية التي تتواجد في تركيا بشكل كبير”، مشيرا إلى أن العقوبات الدولية المفروضة على سوريا ستشكل تحديا فيما يتعلق بهذا النهج.
التقارب مع القاهرة “بأسرع وقت”
وفي استمرار لنفس السياسة، قال أردوغان خلال لقائه مجموعة من الصحفيين بعد زيارته إلى أوكرانيا أنه ” لا توجد حالة خلاف بين بلاده ومصر”، مشددا على أن “الشعب المصري شعب شقيق ولا يمكن أن نكون في حالة خصام معه، لذا علينا ضمان الوفاق معه بأسرع وقت ممكن”.
ويشدد خليفة على أهمية التواصل بين مصر وتركيا خلال الفترة المقبلة، مشيرا إلى حرص أنقرة على تحقيق تعاون لما تمثله مصر من قيمة عربية وأهمية إقليمية بالغة.
السر في التوقيت
ويرى الخبير المصري المختص بالشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات، كرم سعيد، أن تصريحات الرئيس التركي في هذا التوقيت يمكن تحليلها في ضوء عوامل رئيسية، منها رغبة تركيا في إنهاء كافة المشكلات مع محيطها الإقليمي والتي تأزمت خلال السنوات الماضية.
ويقول سعيد في تصريح لـسكاي نيوز عربية، إن الضغوط التي يواجهها أردوغان اقتصاديا وسياسيا من دول الاتحاد الأوروبي تساهم أيضا في الدفع باتجاه هذه السياسة، لذلك يسعى الرئيس التركي لفتح المجال أمام بلاده للتعاون مع الدول العربية وتخفيف حدة الخلاف معها لفتح قنوات استثمارية بديلة في ضوء الأزمات الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
كما يشير سعيد إلى الضغوط التي يواجها أردوغان من جانب المعارضة التركية، والغضب الشعبي في الأعوام الأخيرة، جراء تدهور السياسات الخارجية ووضع تركيا في حالة تأزم مع الدول في محيطها الإقليمي باعتبارها أحد أهم عوامل تحديد بوصلة السياسات الخاصة بأردوغان.
وبحسب سعيد، فإن عملية التفاهم بين القاهرة وأنقرة مرتبطة بالعديد من الملفات التي لا تزال عالقة، وفي مقدمتها التحركات التركية في شرق المتوسط وكذلك الحضور العسكري التركي في ليبيا، والالتزام بوقف أي دعم لتنظيم الإخوان.
دوافع اقتصادية وسياسية
ويرى المحلل السياسي التركي حسن سيفري، أن هناك دوافع للتقارب بين تركيا وعدد من الدول في محيطها الإقليمي خاصة الدول التي ترتبط معها بمصالح جيوسياسية واقتصادية.
وفي تصريح لـسكاي نيوز عربية، يؤكد سيفري على رغبة بلاده في تحقيق تفاهمات مع دول الجوار من خلال الحلول الدبلوماسية، خاصة فيما يتعلق بملف ترسيم الحدود في مياه البحر المتوسط، حتى تتمكن أنقرة من التنقيب عن الغاز بشكل يتسق مع الاتفاقيات الدولية.
ويشير سيفري إلى أن السياسة الخارجية الجديدة للبلاد تتجه نحو التوافق وتحقيق التعاون والتنسيق المشترك، مشيراً إلى رغبة تركيا في الانضمام لجوارها الإقليمي ضمن علاقات تعاون تتشكل بروح جديدة في الشرق الأوسط.
————————————–
====================
تحديث 22 آب 2022
———————–
لوفيغارو: لهذا يغازل أردوغان النظام في دمشق
تحت عنوان: “أردوغان يغازل مع النظام في دمشق”، قالت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، إن الرئيس التركي الذي دعم بقوة المعارضة ضد بشار الأسد، لم يعد اليوم يستبعد الاقتراب من رئيس النظام السوري.
“لوفيغارو” أشارت إلى أن تركيا دعت من خلال وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو، مرتين في غضون عشرة أيام من أجل “المصالحة” بين المعسكرين. حتى أن رئيس الدبلوماسية التركية خلال خطابه الأول، أحدث مفاجأة عندما كشف أنه التقى نظيره السوري فيصل المقداد في أكتوبر الماضي، على هامش قمة حركة عدم الانحياز في بلغراد. ويأتي هذا التحول في موقف تركيا أيضا بعد وقت قصير من لقاء أردوغان في 5 أغسطس مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يضغط على نظيره التركي من أجل أن يطبّع العلاقات مع بشار الأسد، حليف موسكو.
تتابع الصحيفة الفرنسية القول إنه بالنسبة للصحافة التركية المعارضة، لا شك أن هذه الإشارات الجديدة من أنقرة، المصاحبة لمصالحة شاملة مع أعداء إقليميين آخرين (إسرائيل، مصر، الإمارات) لها بعد داخلي، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في تركيا عام 2023، وفي وقت تمر البلاد بأزمة مالية غير مسبوقة منذ وصول حزب العدالة والتنمية (حزب أردوغان) إلى السلطة في عام 2002.
يرى الصحافي مراد يتكين أن “حزب العدالة والتنمية يهدف للعب على عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم”، بعد أن وجد حوالي 3.7 مليون منهم ملاذا في تركيا، البلد الذي يستضيف أكبر عدد من اللاجئين في العالم، وذلك كنتيجة مباشرة لسياسة الباب المفتوح، التي دعا لها أردوغان في بداية الحرب السورية، قبل أحد عشر عاما. في ذلك الوقت، راهن الرئيس التركي على سقوط سريع لبشار الأسد. وقدمت حكومته دعما ثابتا لفصائل المعارضة المسلحة، كما رحبت بالمنشقين.
لكن الجمود في الصراع، إلى جانب الاستياء المتزايد ضد سوريا بين السكان، يدفعه اليوم (أردوغان) إلى مراجعة خطابه. كما يجد الرئيس أردوغان نفسه تحت ضغط متزايد من حلفائه السياسيين في حزب الحركة القومية المتطرف، الذي أصرّ رئيسه دولت بهجلي، قبل أيام قليلة، على أن “إعادة الحوار بين تركيا والنظام السوري يجب النظر فيه بشكل جدي” ووصفت تصريحاته على الفور بأنها “ضوء أخضر للحوار مع النظام السوري” من قبل الصحافة الموالية للحكومة.
وتواصل لوفيغارو أنه بالإضافة إلى مسألة عودة اللاجئين، يبدو أن هناك شاغليْن رئيسيين في قلب المفاوضات التركية السورية: تعزيز المنطقة العازلة في شمال سوريا، والقتال ضد عناصر حزب العمال الكردستاني الأكراد. بفضل العديد من التوغلات العسكرية التي نُفذت منذ عام 2016، تمكنت أنقرة تدريجياً من تعزيز ما يسمى بالمحيط “الآمن” على طول حدودها، والذي يسكنه بشكل أساسي العرب السنة النازحون داخليا والذين فروا من انتهاكات النظام العلوي السوري. فمنذ عدة أسابيع، أرجأت السلطات التركية عملية جديدة ضد القوات الكردية، على أمل الحصول على موافقة دمشق، أو على الأقل موافقة موسكو.
وتقول الصحيفة الفرنسية، إن الفكرة بحسب بعض المراقبين، هي تجديد الاتصال مع بشار الأسد للحصول على شراكة رئيسية في محاربة الميليشيات الكردية، المتهمين بالتواطؤ مع حزب العمال الكردستاني. ويعد ذلك بمثابة نعمة كبيرة للأسد؛ لأنه استخدم الحرب في سوريا للهندسة العرقية. فقبل الحرب، كان العرب السنة يشكلون أكثر من ثلثي سكان سوريا، لكنهم الآن يشكلون أقل من النصف. في المقابل، يمكن للأسد أن يعرض إعادة وحدات حماية الشعب الكردية السورية إلى سيطرته. إنها صفقة جيدة لأردوغان وتركيا، كما يلاحظ سونر كاجابتاي، مدير برنامج تركيا في معهد واشنطن، في مقابلة مع “عرب نيوز”.
لكن بيرم بالسي، مدير المعهد الفرنسي لدراسات الأناضول، يقول: “ما زلنا بعيدين عن المصالحة.. التصريحات التركية الأخيرة ليست واقعية ولا متماسكة، وهي أكثر من تنازل زائف لفلاديمير بوتين، في وقت يلعب أردوغان على حبل مشدود بين كييف وموسكو.. ليس لتركيا ما تكسبه من التقارب مع النظام السوري. وبشار الأسد ليس في وضع يسمح له بالسيطرة على حزب العمال الكردستاني”.
واعتبرت “لوفيغارو” أنه إذا تصالحت أنقرة غداً مع دمشق، فلن يقف اللاجئون السوريون مكتوفي الأيدي. والمظاهرات الأخيرة في شمال سوريا الواقع تحت سيطرة الثوار المناهضين للأسد، للتنديد بالمبادرة التركية الجديدة، تظهر مدى السرعة التي يمكن أن تتدهور بها هذه المبادرة.
القدس العربي
————————
واشنطن بوست: المشاعر المعادية للسوريين في تركيا تتزايد وسببها المشاعر الشوفينية والأزمة الاقتصادية الحادة
إبراهيم درويش
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا أعده كريم فهيم، قال فيه إن صعود المشاعر القومية في تركيا أدى لزيادة المشاعر المعادية للمهاجرين، تماما مثل المواقف التي سُجلت في بقية الدول الأوروبية التي صعدت فيها الأحزاب القومية على ورقة معاداة المهاجرين.
وفي التقرير الذي أعده كريم فهيم قال إن حادث طعن فتى تركي في حي ألتن داغ في العاصمة أنقرة في آب/ أغسطس الماضي، دفع المهاجرين السوريين لإغلاق محلاتهم واختفوا في ليلة وضحاها. وكان التحذير من السلطات أن عليهم الاختفاء، فبعد طعن إبراهيم يالسين العام الماضي، قامت عصابات “الرعاع” التركية بحسب وصف الصحيفة، بالهجوم على الحي، حيث قامت بالتخريب ونهب محلات وبيوت وسيارات السوريين. وكانت تلك أعمالا صادمة في قسوتها لأنها حدثت على هامش العاصمة التركية وليس بعيدا عن القصر الرئاسي.
ووصف الناشط السوري أبو حذيفة الذي راقب الشغب من شرفة شقته، وتعرض للتهديد بالضرب، وصف المهاجمين بأنهم: “تعرضوا لغسيل دماغ”. وكانت أعمال الشغب في ألتن داغ تحذيرا لكل السوريين في تركيا بأن موسم الكراهية والعداء للأجانب قد حل. وأدت زيادة المشاعر المعادية للأجانب إلى سلسلة من العمليات القاتلة ضد المهاجرين في العام الماضي، في تحول صارخ لمجتمع طالما افتخر بنفسه وبما قام به من جهود لمساعدة اللاجئين السوريين الذين فروا من الحرب الأهلية، واستقبلت تركيا 4 ملايين لاجئ سوري وطالب لجوء، أي أكثر من أي دولة في العالم.
وأشارت الصحيفة إلى أن الغضب انبعث من السكان الخائفين من الأزمة الاقتصادية والقلق من المزاعم التي ينشرها المعادون للمهاجرين بأنهم يقومون بتغيير طبيعة وشخصية المجتمع التركي. ودفع بها سياسيون استخدموا لغة استفزازية أو عنصرية لاستثمار المخاوف العامة.
وتعتبر تركيا آخر دولة أوروبية تواجه مشكلة تصاعد السياسة المعادية للمهاجرين، لكن مشكلة اللاجئين فيها أنهم يعانون من مشاكل تمييز تتعلق بمحاباة الأتراك لبعض المهاجرين من البلقان مثلا على حساب القادمين من الشرق الأوسط. ونقل الكاتب عن الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أصلي أيدنطشباش: “انحرفت تركيا باتجاه القومية في كل الملامح”.
وتكافح حكومة رجب طيب أردوغان للرد على تصاعد المشاعر القومية المعادية للمهاجرين، فهي تتأرجح بين تثمين سياساتها التي رحبت بالمهاجرين والإجراءات التي تعمل على تخفيف ظهورهم في الفضاء العام. ولأن حكومته تواجه جولة انتخابية في العام المقبل، فقد أعلن عن خطة لإرسال أكثر من مليون لاجئ إلى سوريا، وهي خطة غير عملية وغير قانونية، ومع ذلك لم تؤد إلى تهدئة الجماعات القومية المطالبة بإجراءات أكثر.
ويشعر السوريون على طرفي الحدود بالمخاوف، وسط التقارير عن إمكانية تقارب بين النظامين التركي والسوري، وهي خطوة سترحب بها المعارضة التركية التي طالما انتقدت أردوغان على دعمه المعارضة السورية لنظام بشار الأسد. وزادت المشاعر المعادية للاجئين منذ الصيف الماضي، مع تدفق آلاف اللاجئين الأفغان بعد انهيار الحكومة التي دعمها الغرب في كابول. وتظهر استطلاعات الرأي التركية وبشكل دائم، أن المهاجرين هم السبب الأول أو الثاني للمشاكل التي تواجه البلد. وسمع تركي هذا الشهر وهو يصرخ في ترام مليء بالسياح في منطقة السلطان أحمد: “نحن مثل الكلاب في بلدنا”.
ويستغل السياسي اليميني المتطرف أوميت أوزداغ، كل جدل ويكبّره بل ويخلق جدلا جديدا وهو يتجول في أنحاء تركيا مروجا لحزبه المعارض للمهاجرين. ويتذكر سكان ألتن داغ ظهور أوزداغ بعد اندلاع العنف، حيث نشر تغريدة على تويتر: “حان الوقت للمغادرة”. وقال أبو حذيفة الناشط السوري، إن آلاف الرسائل التي تلقاها في ليلة الهجوم على الحي ملأته بالخوف المماثل الذي شعر فيه بمدينة إدلب أثناء الحرب. وأخبره ساكن غاضب إنه سيشعل أنبوبة الغاز لو تعرض بيته للهجوم، وقالت امرأة إنها بالت على نفسها من الخوف. واقترح آخرون تشكيل مجموعات حراسة محلية للانتقام.
وقال أبو حذيفة: “لم أتوقع رؤية هذا.. في كل بناية هناك أتراك وسوريون، فنحن جيران”. وامتلأ الحي اليوم بالأنقاض في خطوة من الحكومة لتحسين الحي، فيما يرى المهاجرون أنها محاولة لإخراجهم من المنطقة التي أُطلق عليها “حلب الثانية”. وغادر في العام الماضي حوالي 60.000 لاجئ سوري كانوا في الحي. وقال أحمد، اللاجئ السوري من حلب: “كل واحد يحب وطنه. بصراحة أريد العودة”، وذلك في معرض حوار مع تركي في محل بقالة كاد أن يتحول إلى شجار. وقال التركي: “إن شاء الله ستتغير الحكومة ويتغير كل شيء”.
وينتقد أوزداغ سياسات أردوغان وهو يروج لحزبه “النصر” وكذا المهاجرين، مستخدما كلمات مثل “الغزو” لوصف وجودهم في البلد. وقال في مقابلة سابقة إن المهاجرين خلقوا “أزمة وجودية عميقة للمجتمع التركي والدولة التركية”. ويزعم أن حزبه هو المخرج الوحيد قبل السقوط في الهاوية. ويحفل حسابه على تويتر بالتغريدات الغاضبة والتي تسجل هجمات المهاجرين والامتيازات التي يتمتع بها الأجانب مثل أسماء المحلات التجارية بالعربية. وقال: “لا نستطيع دمج 5 ملايين عربي في تركيا”، وعندما سئل إن كان يثير المشاعر التي تهدد المهاجرين، رد بأنها مستشرية ولا حاجة له كي يثيرها: “هناك غضب في الشوارع”.
وقال شان سلجوقي، مدير مركز استطلاعات رابورو، إن الانتخابات الأخيرة في تركيا أظهرت زيادة في المشاعر القومية وعداء المهاجرين. وتجنبت الأحزاب الرئيسية إثارة المشاعر المعادية للمهاجرين في وقت تمر البلاد بأزمة اقتصادية حادة. وارتفع معدل التضخم إلى 80%، ويجاهد الأتراك للحصول على المواد الأساسية.
وأضاف سلجوقي أن أوزداغ انقض وبعبارات شعبوية وأمسك بالغضب الشعبي “فالموضوع موجود ولكنه جعله يغلي. ويظل أوزداغ سياسيا ثانويا بنسبة متدنية من الدعم، لكن لديه أنصار في المناطق التي يسكن فيها المهاجرون ومن الذين سيصوتون للمرة الأولى”. ويرى هاوارد إيزنستات من جامعة سانت لورنس، أن خطاب أوزداع المعادي للسوريين ليس مفاجئا، ذلك أن المشاعر القومية متجذرة في الوطنية بالهوية التركية. ولا مكان في هذه الرؤية للعرب، وعندما يفكر الأتراك بالمشاعر الأخوية، فهم يفكرون بالمسلمين في روسيا والبلقان، ولا يفكرون بالمسلمين في الشرق الأوسط أثناء الدولة العثمانية.
وحمّلت يلدز أونين من منبر “كلنا لاجئون” الحكومة التركية بأنها لم تقم باللازم لمواجهة حملة التضليل في تركيا والتي استهدفت المهاجرين. وقالت إن الناس المعادين للمهاجرين والذين تصفهم بالعنصريين أصبحوا أقوياء ويعملون على تنظيم أنفسهم. وأشارت أيدنطشباش من المجلس الأوروبي، إلى أن الأتراك رحبوا وتضامنوا مع السوريين بداية الحرب وفتحوا بيوتهم لهم، في وقت دفعت أوروبا مليارات اليوروهات لتركيا كي تمنع المهاجرين من الوصول إلى أراضيها.
ومثلما تعرض الأتراك في أوروبا للعنصرية، فهم يستخدمون نفس الشعارات لوصف المهاجرين العرب ووسمهم بالقذارة والتحرش بالنساء التركيات، كما في فيديو انتشر قبل أسابيع. ويرى مصطفى مناوى، أستاذ التاريخ بجامعة كورنيل ومؤلف كتاب سيصدر حديثا عن العرب في إسطنبول نهاية القرن التاسع عشر، أن المشكلة الحالية قد تكون سياسية واقتصادية؛ لكن الأساليب فيها هي الهوية الثقافية.
فوصف العرب بالخونة ربما كان إشارة للثورة العربية ضد الدولة العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى. ولكن التعبيرات العنصرية الأخرى متجذرة في خطاب اليمين المتطرف الأوروبي، وتركيا ليست محصنة عن هذا.
القدس العربي
————————–
التحوّل التركي تجاه النظام يقلق”مسد”: سيكون على حسابنا
يُقلق التحول التركي في الملف السوري، “مجلس سوريا الديموقراطية” المعروف بـ”مسد”، ويعم الخوف أوساطه من الحراك السياسي بين أنقرة ودمشق، خشية من أن يكون أكراد سوريا، ثمن الصفقة إلى جانب المعارضة السورية طبعاً.
وتكشف التصريحات الصادرة من أنقرة حول ضرورة التركيز على مكافحة “التنظيمات الإرهابية” وفق التصنيف التركي، في سوريا بالتفاهم مع النظام، أن “قسد” ستكون من بين أبرز الخاسرين من التقارب التركي مع النظام، خصوصاً وأن التوجّه التركي الجديد ظهر بعد “إلغاء” العملية العسكرية التي كان الجيش التركي بصدد تنفيذها في الشمال السوري.
ويُقر الرئيس المشترك لـ”مجلس سوريا الديمقراطية” المعروفة بـ”مسد” رياض درار بأن “الحراك القائم بين تركيا والنظام القائم في دمشق سيكون على حساب الإدارة الذاتية”. ويضيف لـ”المدن”: “يبدو أن مشروع أنقرة الجديد جاء لضرب التفاهمات التي توصلت إليها الإدارة الذاتية مع دمشق، أي زيادة انتشار القوات التابعة لدمشق في مناطق شمال شرق سوريا لردع أي هجوم تركي، وبعد البدء بتنفيذ التفاهمات شعرت أنقرة بالخطر، ولذلك هي تعلن عن استعدادها لتقديم التنازلات لدمشق في سبيل وقف كل ذلك”.
ويشدّد درار على تمسّك “مسد” بـ”التفاهمات مع الجيش السوري” للدفاع عن المنطقة كبداية للدخول في حل سياسي، ويقول: “مددنا اليد للمعارضة السورية للدخول في ذلك الحل السوري، بدلاً من أن تُترك للواقع الحالي، أي النظام بشكله الحالي دون تغيير”، مضيفاً: “نحن وشباب الثورة الذين يتظاهرون في الشمال السوري ضد المصالحة على خط واحد”.
ويكمل: “التجييش اليوم يتركز على الإدارة الذاتية، الذي نعتبره نموذجاً ناجحاً تخشاه أنقرة وتعمل ما بوسعها لإفشاله، وهذه الانعطافة التركية هدفها إضعاف الإدارة الذاتية، ويجب أن نتحسب لذلك”.
تسليم المعارضة
ويرى درار أن ما تبدو مقاربة تركية جديدة للملف السوري ليست “أمراً جديداً”، وإنما هي محطة في مسار بدأ منذ اتفاق أستانة وخفض التصعيد وغيرها من المسارات الهادفة إلى تسليم المعارضة، مستدركاً بقوله: “لكن الجديد هذه المرة أن تركيا لم تعد تفكر بالحل عبر جنيف واللجنة الدستورية، وإنما تعمل تركيا على دفع المعارضة إلى تسليم كامل للنظام، بتوافق بين تركيا وروسيا”.
ولأن الحسابات الانتخابية التركية حاضرة، يقول درار إن “أردوغان يهدف إلى إعادة إنتاج الشعبية لحزبه”العدالة والتنمية” قبل الانتخابات، ولذلك قد تنجح أنقرة في توجهها الجديد، وإن كان هناك أحاديث عن ممانعة وشروط على النظام الضعيف والقوي بالحلفاء روسيا وإيران”.
وقبل أيام، حسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان موقف تركيا من استعادة العلاقات مع النظام السوري، داعياً إلى اتخاذ خطوات متقدمة في سوريا، وذلك بعد الجدل الذي أثارته دعوة وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إلى تحقيق “مصالحة” بين المعارضة النظام السوري.
—————————
لا تطبيع حقيقيا بين أنقرة ودمشق
أردوغان يسترضي بوتين بمغازلة الأسد.
خفف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من حدة تصريحاته بشأن الأوضاع في سوريا حتى أنه ألمح إلى إمكانية تطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد، لكن ما يبدو أنه تطبيع ظاهري، يخفي وفق محللين محاولة لاسترضاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أغدق على أردوغان بالكثير من الامتيازات السياسية والعسكرية وهو ينتظر مقابلا لذلك، أوله تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.
دمشق – بعثت أنقرة في الآونة الأخيرة بالعديد من الإشارات والتصريحات الراغبة في إعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري، كان آخرها تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان الذي أعلن السبت رغبة بلاده في عقد خطوات مشتركة مع سوريا لما أسماه “مخططات خارجية في المنطقة”.
وقال الرئيس التركي للصحافيين أثناء عودته من أوكرانيا “ليس لدينا أطماع في الأراضي السورية لأن الشعب السوري شقيق لنا”. وأضاف “يجب أن يكون النظام (دمشق) على علم بذلك”. كما قال أيضا إنه لا يمكنه مطلقا استبعاد الحوار والدبلوماسية مع سوريا.
ويقول محللون إن الإشارات التي أرسلها أردوغان تنطوي على دافع رئيسي واحد هو استرضاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وليس الرئيس السوري بشار الأسد.
وكان الرئيس بوتين كافأ تركيا بحزمة امتيازات ومصالح في مجالي الطاقة والتجارة، في مقابل أن تلعب دورا للوساطة في النزاع مع أوكرانيا، وأن تكون معبرا للغاز الروسي إلى أوروبا، وأن تواصل الامتناع عن المشاركة في فرض العقوبات ضد موسكو.
ولكنه أراد منها في الوقت نفسه أن تطبع علاقاتها مع دمشق، بما يؤدي إلى تعزيز سلطة الرئيس بشار الأسد على أراضي بلاده، ويعزز من نفوذ روسيا في سوريا على حساب الولايات المتحدة وحلفائها الأكراد.
الرئيس أردوغان الذي يواجه انتخابات رئاسية في يونيو المقبل يريد أن يطبع العلاقات لمصلحته الانتخابية وليس لمصلحة دمشق
ولم يكن بوسع أردوغان أن يرفض العروض التي قدمت له، ولكنه، بينما حرص على أن يعمل بجد في الجانب المتعلق بأوكرانيا وبادر إلى تقديم إشارات بشأن استعداد بلاده لتطبيع العلاقات مع دمشق، إلا أن الشروط المتبادلة التي وضعها الطرفان لا تبدو واقعية بالنسبة
إلى كل منهما، كما أنها تتجاهل كليا موقف الولايات المتحدة، وكأنها غير موجودة. وهو عامل يؤكد أن المغازلات بين دمشق وأنقرة لن يمكنها أن تذهب بعيدا حيال الصخرة التي تعترض طريق تلبية الشروط المتبادلة.
وتقول مصادر مقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة إنها اشترطت لإعادة العلاقات مع دمشق “تطهير سوريا من عناصر حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية، والقضاء على التهديدات على الحدود بشكل تام،
وانخراط دمشق في عملية دمج سياسي وعسكري مع المعارضة، واعتماد حمص وحلب ودمشق لاختبار تنفيذ خطة عودة السوريين، وتطبيق مسار جنيف، بما في ذلك إجراء انتخابات، والإفراج عن المعتقلين”.
أما الشروط التي وضعتها دمشق، بحسب المصادر ذاتها، فإنها تتضمن “تسليم إدلب ومعبري باب الهوى وكسب الحدوديين للحكومة السورية، ووضع الطريق الدولي حلب – اللاذقية ‘إم – 4’ تحت سيطرة دمشق بشكل كامل، والحصول على دعم أنقرة في مسألة رفع العقوبات المفروضة على دمشق، والتعاون في القضاء على الإرهاب، ودعم عودة سوريا إلى الجامعة العربية والمنظمات الدولية”.
ويقول مراقبون إن هذه الشروط غير قابلة للتنفيذ، وغير واقعية بالنسبة إلى كلا الطرفين، ليس لأنها تقلب الأوضاع الميدانية في الشمال السوري رأسا على عقب، وليس لأنها تتطلب الخوض في حربين ضد المعارضة الموالية لتركيا من جهة وضد المعارضة الكردية من جهة أخرى فحسب، ولكن لأنها تتجاهل أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن دعمها للأكراد، ولن تسمح بسحق قوات سوريا الديمقراطية بين حجري الرحى السوري والتركي في آن معا.
ويريد الرئيس أردوغان الذي يواجه انتخابات رئاسية في يونيو المقبل، وإن كان راغبا بسحق قوات قسد، وتوسيع الشريط الأمني الخاضع لسيطرته في شمال سوريا، أن يطبع العلاقات لمصلحته الانتخابية وليس لمصلحة دمشق. ومع ذلك، فإنه يواجه معارضة من جانب الولايات المتحدة التي تحتفظ بقواعد عسكرية في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وكذلك من جانب روسيا التي تريد أن تفتح الطريق لدمشق لكي تتمدد في هذه المناطق.
وانتهت قمتا طهران وسوتشي بالسماح لتركيا بتوجيه ضربات للأكراد، من دون المزيد من التمدد على الأرض. وبالنظر إلى المعارضة الأميركية، فإن هذه الضربات ظلت تقتصر على المناطق القريبة من الحدود مع تركيا، ولا تمتد إلى عمق الأراضي التي تسيطر عليها قوات “قسد”. وهو ما يشبه، بحسب المراقبين، القبول بأنصاف الحلول، أو بتعبيرات رمزية عنها، طالما أنها لا تنطوي على إشعال فتيل حرب واسعة.
وبناء على هذه المقاربة فقد دأب الأكراد على امتصاص الضربات الموضعية التركية والتعامل معها، بحسب وظيفتها المحدودة كمجرد تعبيرات رمزية، ذات دوافع انتخابية.
ويعرف الرئيس السوري بشار الأسد من جانبه أن موضوع الأكراد أكثر تعقيدا، ليس لأن حكومته احتفظت بعلاقات سابقة وطيدة مع حزب العمال الكردستاني، فحسب، بل لأن علاقاتها مع “قسد” تتراوح بين منافسة وتعاون، ولا يريد الطرفان أن ينقلبا بها إلى صراع مكشوف يؤدي الى إضعافهما معا، ويخدم أردوغان، ويثير احتمالات تدخل الولايات المتحدة.
وهذا لا يعني أن الحوار بين دمشق وأنقرة لن يبدأ. إلا أنه يعني أن هذا الحوار لن ينتهي إلى تطبيع شامل وفقا للشروط المعلنة. فالطريق طويل إلى درجة أنه يتجاوز مجرد عقدة الانتخابات الرئاسية في تركيا.
الإشارات التي أرسلها أردوغان تنطوي على دافع رئيسي واحد هو استرضاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وليس الرئيس السوري بشار الأسد
كما أن اعتراف أنقرة بوحدة التراب السوري، واعتراف أردوغان الصريح بأن بلاده ليست لديها أطماع في الأراضي السورية، لا يغيّران الكثير من المعادلات على الأرض. فتركيا تقول الشيء نفسه عن احترام سيادة العراق على أراضيه، ولكنها تنتهك هذه السيادة كل يوم تقريبا. ولا تعتزم سحب قواتها من القواعد غير الشرعية التي أقامتها داخل الأراضي العراقية. وهو ما ينطبق على سوريا أيضا. فإن لم تتمكن أنقرة من إقامة منطقة أمنية واسعة تخضع لسيطرتها على الشريط الحدودي بينها وبين سوريا، فإنها لن تتخلى عن قواعدها داخل سوريا.
ونُقل عن السفير السوري السابق في أنقرة نضال قبلان القول إنه “لا يمكن لتركيا أن تتحدث عن المصالحة، وفي نفس الوقت ترسل مزيداً من التعزيزات العسكرية إلى داخل الأراضي السورية، فالوجود التركي في سوريا هو احتلال ولا بد من زواله بشكل أو آخر”.
وبالعودة إلى الوضع الميداني، فإن الأوضاع ما تزال ملتهبة بما لا يفسح المجال للمناورات الدبلوماسية. ومع الهجمات التي شنها الطيران التركي على مواقع “قسد” والقوات السورية في منطقة عين العرب – كوباني، فقد شنت القوات السورية هجمات براجمات الصواريخ على مدينة الباب بريف حلب الشرقي، حيث قصفت منطقة سوق الهال القديم، ما أسفر عن مقتل 17 مدنيا بينهم ستة أطفال وإصابة أكثر من 35 بجروح خطيرة. وعلى غرار هذه الهجمات، فهناك سلسلة من المعارك والمواجهات والتعزيزات المتبادلة على امتداد الحدود، من شمال شرق حلب، وصولا إلى بلدة تل تمر بريف الحسكة الغربي.
وتشكل هذه المواجهات استمرارا للواقع الشائك، وتتجاهل المغازلات، لأن الأرضية ليست مهيأة لتغيّرات جذرية، كالتي وعدت بها استعدادات أردوغان لتطبيع العلاقات مع دمشق. ولكنها ظلت تحاول استرضاء الرئيس بوتين لخدمة المصالح والامتيازات الجديدة التي حصلت عليها تركيا منه. واستعدادات أردوغان للتطبيع مع دمشق إنما تقول لموسكو: “إيّاك أعني واسمع يا جار”.
—————————-
قسد” تترقب احتمال تقارب تركيا والأسد: المواجهة خيار أخير/ عدنان أحمد و سلام حسن
مع توالى التصريحات التركية بشأن إمكانية التقارب مع النظام السوري، يبرز الهدف الأهم لمثل هذا التقارب بالنسبة لتركيا، وهو محاربة التنظيمات الكردية المسلحة في سورية، والمتمثلة بـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد) الجناح العسكري لحزب “الاتحاد الديمقراطي”، والذي تعتبره أنقرة مجرد امتداد لحزب “العمال الكردستاني” الذي ينشط في تركيا، المصنف عندها إرهابياً.
والأسئلة المطروحة اليوم هي هل يمكن أن يتخلى نظام الأسد عن ورقة “الكردستاني” التي طالما استخدمها ضد تركيا؟ وهل هو مستعد فعلاً للانخراط مع تركيا في محاربة الحزب، وما هي مصلحته في ذلك؟
العلاقة بين “العمال” و”الاتحاد الديمقراطي”
الواقع أن العديد من كوادر وقيادات حزب “الاتحاد الديمقراطي”، ذوي الأصول السورية أو التركية، هم أصلاً أعضاء في “الكردستاني” الذي تتمركز قياداته في جبال قنديل على الحدود بين تركيا والعراق وإيران. وأتى بعضهم إلى الأراضي السورية بعد اندلاع الثورة عام 2011 وامتدادها إلى المناطق الكردية.
وتشير تقارير وشهادات عدة إلى أن النظام السوري أوكل للحزب السيطرة على المناطق ذات الغالبية الكردية بعد اندلاع الثورة، خشية وقوعها بيد المعارضة السورية المسلحة، ولتفادي انخراط المكون الكردي بهذه الثورة، وذلك في إطار التحالف القديم بين الجانبين، منذ كان النظام يؤوي قائد “الكردستاني” عبد الله أوجلان في دمشق، قبل أن يضطر إلى التخلي عنه بضغط عسكري تركي عام 1998.
وفي واحدة من هذه الشهادات، ذكرت سكينة حسن، القيادية في الحزب “الديمقراطي الكردستاني”، أكبر أحزاب المجلس الوطني الكردي، في حديث مع موقع “باسنيوز” في 28 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن “العلاقة بين نظام الأسد وحزب الاتحاد الديمقراطي علاقة عضوية، إذ أوكل إليه نظام الأسد مهمة تحييد الأكراد عن المشاركة الفعالة في الثورة السورية، وذلك من خلال عملية التسليم والاستلام للمناطق”.
وأضافت أن المحادثات السرية والعلنية التي تجري بين الطرفين “لا تدور حول حقوق الأكراد، لأن هذه المسألة ثانوية لدى الحزب، وما يهمه هو أن يحافظ على وجوده وسيطرته على الأرض تحت أي تسمية”.
وعلى الرغم من أن حزب “الاتحاد الديمقراطي” يحاول دائماً إظهار استقلاليته السياسية والعسكرية عن “الكردستاني” الذي أخذ على عاتقه تمثيل أكراد تركيا ومحاولة بناء كيان كردي مستقل في تركيا، لكن من الصعب على المراقب العثور على هذا التمايز سواء أيديولوجياً أم عسكرياً.
ويوفر “الكردستاني” غطاءً سياسياً وعسكرياً للحزب الكردي السوري، إضافة إلى التعاطف الشعبي الذي يحظى به الحزب بين الأكراد في سورية ودول الجوار، ومن شأن فك الارتباط بين الطرفين إضعاف حزب “الاتحاد الديمقراطي”.
ويرى “الكردستاني” في تحالفه مع نظام الأسد مصلحة استراتيجية ما دام ثمة عداء بين النظام السوري وتركيا، من منطلق أن “عدو عدوي هو صديقي”.
كما أن هذا التحالف مكّن الحزب من السيطرة على مناطق واسعة في شرق سورية بضوء أخضر من نظام الأسد، ووفق تفاهمات تتجلّى في مجالات عديدة مثل بيع النفط من جانب “الإدارة الذاتية” لنظام الأسد بأسعار مخفضة، ومواصلة النظام إدارة سد الفرات الواقع تحت سيطرة هذه الإدارة، فضلاً عن الانتشار العسكري المشترك في كثير من المناطق.
توجس كردي من التقارب بين تركيا والأسد
اللافت عدم صدور مواقف واضحة من “قسد” و”الإدارة الذاتية” حتى الآن بشأن المعطيات المتواترة حول التقارب بين تركيا ونظام الأسد، في ما يبدو أنه ترقب لمعرفة حقيقة هذا التقارب.
وفي إطار هذه المواقف الحذرة، قال علي سعد عضو المكتب السياسي في “هيئة التنسيق الوطنية – حركة التغيير”، المنضوية ضمن “الإدارة الذاتية”، لـ”العربي الجديد”، إنه بعد الحرب في أوكرانيا، برزت معطيات واصطفافات جديدة في المنطقة، وتركيا إذا أعلنت عزمها الانفتاح على نظام دمشق، إنما هي في الواقع تتحاور مع كل من موسكو وطهران، لأن نظام الأسد هو المعتمد لدى الإدارتين الروسية والإيرانية.
وأضاف سعد: “نحن في الإدارة الذاتية وكقسد ومسد (الجناح السياسي لقسد) مع الحل السياسي، ولا نعتقد بوجود حل عسكري، وقد طرقنا باب النظام عدة مرات، لكننا وجدنا أنه غير جاهز للحل السياسي والتحول الديمقراطي”.
ورأى سعد أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “يتذرع بحماية الأمن القومي التركي، لكن هدفه هو القضاء على تجربة الإدارة الذاتية في شرق سورية، بوصفها التجربة الناجحة الوحيدة في سورية، أمام التجربتين المظلمتين تحت سيطرة النظام الديكتاتوري في دمشق، أو التنظيمات المتطرفة في إدلب”.
وأعرب سعد عن اعتقاده أن التقارب بين تركيا ونظام الأسد لن يتم، وإن كان الجانبان يحاولان إرضاء روسيا، مضيفاً أن “أي حل لا يستند إلى القرارات الدولية ولا يشارك فيه أكراد سورية، لن يكتب له النجاح”.
وحول الخيارات أمام “قسد” و”الاتحاد الديمقراطي” فيما لو مضت أنقرة ونظام الأسد قدماً وقررا التعاون عسكرياً ضدهما، قال سعد: “نحن مع الحل السياسي، لكن نحن قوة موجودة على الأرض، وإذا فُرض علينا الحل العسكري فسنضطر للمقاومة”.
وبشأن موقف الولايات المتحدة والتحالف الدولي، رأى المسؤول الكردي أن واشنطن تغض النظر عما تفعله أنقرة، ولكن “نحن طالما بقينا ملتصقين بشعبنا، سنبقى أقوياء، ونحن نؤمن بالحل مع النظام، وحسن الجوار مع تركيا”.
وحول إمكانية التعاون مع المعارضة السورية، قال “نرحب بالتعاون مع كل الديمقراطيين في المعارضة السورية، ولكن المرتبط والمرتهن للتركي لن نكون نحن خياره”.
الهدف هو القضاء على “الإدارة الذاتية”
من جهته، قال حسن كوجر، نائب الرئاسة المشاركة للمجلس التنفيذي في “الإدارة الذاتية”، إن “التقارب بين الحكومتين السورية والتركية سيعمق الأزمة السورية، وسينتج عن ذلك تقسيم البلاد”.
وذكر كوجر، في كلمة نشرها موقع “الإدارة الذاتية”، أن التقارب بين الجانبين “يهدف إلى ضرب وإنهاء مشروع الإدارة الذاتية”، مشيراً إلى أن النظام السوري يسعى للسيطرة الكاملة على الطريق الدولي “إم 4” (طريق حلب ـ اللاذقية) واستعادة محافظة إدلب بالكامل، في مقابل السماح لتركيا بتصعيد هجماتها ضد “الإدارة الذاتية” ومناطق في الشمال السوري.
واعتبر كوجر أن هذا التقارب “والاتفاقات الخطيرة، ستفتح مجالاً لإطالة أمد الأزمة السورية وتعميقها، وتسهم في إعادة تنشيط تنظيم داعش، وهو الأمر الذي يهدد الأمن العالمي والمحلي، وستعود سورية إلى المربع الأول في أزمتها”.
وقال: “سنقاوم هذه الاتفاقات وسنحمي مكتسباتنا، ونحن قدّمنا الكثير من الشهداء لتحرير شمال وشرق سورية، وسنحارب إذا فرضت الحرب علينا”، مشيراً إلى أنه “لم يحصل في التاريخ أن تتفق دولة على مواطنيها مع دولة أخرى معادية”. ورأى أن “تركيا تخلت عن حديثها لتغيير رأس السلطة في سورية إلى إمكانية الحوار والتقارب معه لضرب مشروع الإدارة الذاتية”.
في المقابل، انتقد المحلل السياسي والأكاديمي الكردي فريد سعدون موقف “قسد” من هذه التطورات، معتبراً أنها لا تقوم بما هو مطلوب منها لمواجهتها.
وقال سعدون، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “قسد” لا تأخذ التصريحات التركية بجدية كافية، وهي تسير في اتجاه واحد، ولا تأخذ في الاعتبارات ما يجري حولها، وهو ما حصل في مرات سابقة في عفرين وتل أبيض حين تجاهلت التحذيرات من أن تركيا ستقوم بعملية عسكرية في تلك المناطق.
ورأى سعدون أن “قسد” تدفع في كل مرة ثمن هذه السلبية، مشيراً إلى أن التصريحات التركية الأخيرة بشأن التقارب مع النظام لا تأتي من فراغ، بل تعكس حاجة حكومة أردوغان لوضع مستقر قبل الانتخابات المقبلة، وهي تسعى للحصول على ثمار تدخلاتها في سورية، ولا تهمها الوسيلة ما دامت النتيجة تخدمها، والتقارب مع النظام ليس مشكلة لديها.
ورأى المحلل الكردي أن “قسد، وبدل تمتين الجبهة الداخلية، نراها تسهم في زيادة الأزمات الاقتصادية والخدمية والأمنية، ما يجعل الجبهة الداخلية هشة قابلة للتفكك أمام أي خطر خارجي. يضاف إلى ذلك أنها تعمد إلى توتير علاقتها مع إقليم كردستان، المنفذ الوحيد لمناطق شرق سورية، كما أن قسد تعادي الحزب الوطني الكردي، الذي يمثل نصف المجتمع الكردي”.
وأضاف أن “قسد فشلت أيضاً في التوصل إلى اتفاق سياسي مع النظام السوري، وتقتصر التفاهمات بينهما على الجوانب الأمنية، مثل ما فشلت في التفاهم مع المعارضة السورية التي نراها اليوم تصطف إلى جانب تركيا، ضد قسد”.
وختم بالقول إن “قسد تبدو اليوم وحيدة، وحتى التحالف الدولي غير راضٍ عن أدائها، إذ يركز التحالف على محاربة تنظيم داعش، بينما تنشغل قسد بحروب أخرى جانبية، ما يقلل من دعم التحالف الدولي”.
ومع عدم اتضاح المدى الذي سيقف عنده التقارب المحتمل بين تركيا ونظام الأسد، خصوصاً في ظل المطالب المتبادلة بين الجانبين وفق ما نشرت بعض الصحف التركية، وهي مطالب قد يصعب على كل طرف تلبيتها، فإن “قسد” و”الإدارة الذاتية” ما زالتا في موقف الترقب، مع إجراء اتصالات من تحت الطاولة مع كل من النظام السوري وروسيا والولايات المتحدة، لمحاولة بناء موقف إزاء التطورات المحتملة.
ورأى المحلل السياسي الكردي إبراهيم حسن أنه ليس لدى القوى المسيطرة في شرق سورية سوى الانتظار إلى حين انجلاء الصورة بشكل أوضح، قبل المبادرة إلى اتخاذ مواقف نهائية، مشيراً في حديثٍ مع “العربي الجديد” إلى أن الخيار الذي كان مطروحاً دائماً هو محاولة التوصل إلى صفقة مع نظام الأسد، قبل أن تتوصل تركيا إلى مثل هذه الصفقة، وهو ما يقوي موقف النظام في ظل هذا “التنافس” بين القوى الكردية وتركيا لعقد الصفقات معه، وذلك بتشجيع من روسيا التي تدفع كلا الجانبين للتفاهم مع نظام الأسد، وتقديم تنازلات له، لقطع الطريق على الطرف الآخر.
وأضاف حسن أن الأكراد في سورية يدركون أن النظام لن يتردد في بيعهم إذا وجد ضالته لدى تركيا وروسيا، لكنهم يعتمدون، في المقابل، على الدعم الأميركي حيث تقع حقول النفط والغاز تحت الحماية الأميركية، ولن تفيد أي صفقة يعقدها النظام مع تركيا أو مع الأكراد في الوصول إلى تلك الحقول.
وختم قائلاً إن الصورة معقدة إلى حد ما بالنسبة لجميع الأطراف، لأن الثقة مفقودة بينها، والتحالفات متبدلة، وإن كانت المصالح ثابتة، لكنها تبدو متعارضة في كثير من الأحيان، ما يجعل الوصول إلى تفاهمات جديدة أمراً تكتنفه الكثير من العراقيل، وقد لا يتم أبداً.
العربي الجديد
——————————-
“مشجعة”.. إيران تعلّق على تطورات العلاقة بين تركيا والنظام السوري
علّقت إيران على التطورات الحاصلة على صعيد علاقة تركيا بالنظام السوري وسياستها الجديدة بخصوص سورية، والتي كانت محور حديث المسؤولين الأتراك خلال الأيام الماضية.
وقال المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، اليوم الاثنين: “إننا نشهد واقعية الحكومات الإقليمية وغير الإقليمية فيما يتعلق بالتطورات في هذا البلد (سورية). وللأسف فإن الأحداث التي وقعت فيه كانت نتيجة السلوك غير العقلاني لبعض الدول”.
وفيما يتعلق بالعلاقات بين تركيا والنظام السوري، أضاف كنعاني: “نعتقد دائماً أن على الحكومة التركية تصحيح وجهة نظرها بشأن التطورات في سورية. كما أجرينا محادثات جيدة معها في إطارنا الثنائي وعبرنا عن آرائنا في إطار عملية أستانة”.
واعتبر المسؤول الإيراني أن “تصريحات السلطات التركية مشجعة، ونأمل أن نرى عودة العلاقات بين تركيا وسورية. إن إعادة العلاقات بين البلدين هي لمصلحتهما الخاصة ولصالح المنطقة”.
وكانت المناقشات المتعلقة بـ”جدل التطبيع” بين تركيا والنظام السوري قد اكتشبت بعداً جديداً بعد التصريحات التي أدلى بها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان للصحفيين، في أثناء عودته على متن الطائرة من أوكرانيا، يوم الجمعة.
وقال أردوغان إن “تركيا لا تسعى لإزاحة بشار الأسد في سورية”، مجادلاً بأن العلاقات الدبلوماسية بحاجة إلى التمسك بها، ومضيفاً أن بلاده “لا تستطيع” قطع هذه العلاقات مع النظام السوري في دمشق، بشكل كامل.
ووفق الرئيس التركي، فإن تركيا تسير في الوقت الحالي ضمن عمليات تنسيق مع الجانب الروسي، بشأن العديد من القضايا المتعلقة بسورية، وخاصة تلك المتعلقة بـ”مكافحة الإرهاب”.
ولا يوجد لإيران أن دور في العملية المذكورة، وهو ما أشار إليه أردوغان أيضاً، في سياق تصريحاته يوم الجمعة.
ولم يصدر أي تعليق أو موقف من جانب النظام السوري، بخصوص التطورات الحاصلة على صعيد الموقف التركي من سورية.
في حين ما يزال الكثير من الغموض يكتنف المسار الذي سيربط كل من أنقرة بالنظام السوري، في المرحلة المقبلة، لاسيما مع وجود الكثير من ملفات العداء بينهما.
وسبق وأن أبدى وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، في فبراير / شباط الماضي استعداداً لتطبيع العلاقات مع الحكومة التركية لكن وفق شروط.
وفي مؤتمر صحفي في فعاليات منتدى “فالداي” بموسكو، قال المقداد: “سورية وتركيا جيران، ويربطنا تاريخ طويل و500 سنة احتلال، تكفي حتى نفهم بعضنا”.
وأضاف أن هنالك عدة أشياء يجب أن تتحقق لتعود العلاقات السورية- التركية، وهي سحب تركيا قواتها من الأراضي السورية، والكفّ عن دعم “الإرهابيين، وحرمان السكان السوريين من الموارد المائية، وبناء علاقات مع سورية على أساس الاحترام المتبادل، حسب تعبيره.
وتابع، “أعتقد أنه إذا التزمنا بهذه النقاط، فيمكن أن تتحسن علاقاتنا”.
——————————–
الأسد يلتقي أردوغان في دولة ثالثة.. رسائل روسية إلى وزير الخارجية السورية؟/ رامز الحمصي
في الوقت الذي يصل فيه وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى موسكو للقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف، تتزايد التسريبات والتقارير الصحفية التي تدعي قرب انعقاد لقاء ثنائي يجمع الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان بنظيره السوري بشار الأسد، على هامش قمة دول منظمة “شنغهاي”، التي ستعقد على مستوى الرؤساء، في أوزباكستان منتصف أيلول/سبتمبر المقبل.
ونقلت مواقع مقربة من طهران، أن روسيا تسعى لتنظيم اجتماع بين الأسد وأردوغان، على هامش القمة. رغم أن روسيا لم تعلن رسميا عن أي من هذه التحركات، حتى الآن.
في الأثناء صرح نائب رئيس “حزب العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، نعمان كورتولموش، يوم أمس أن”بلاده غير مسؤولة عن الوضع الذي آلت إليه سوريا”، واعتبر أن “القضية الآن بين الشعب والنظام السوري برئاسة بشار الأسد، وليس بين تركيا والنظام”، وقال في لقاء صحفي، إن مسألة عودة اللاجئين السوريين تعتبر قضية هامة للدولة، ولا يمكن الحديث عنها في كل مكان، وشدد أنه على الأطراف الخارجية إيجاد حل سريع بدل إرسال الأسلحة لسوريا.
وأكد كورتولموش، أن”أنقرة لن تسمح بتشكيل (دولة إرهابية) في سوريا، بينما بلاده تدعم وحدة الأراضي السورية”، ولكن ما احتمالات لقاء الأسد وأردوغان في قمة شنغهاي، وماذا تحمل روسيا من أوراق لإحداث هذا التقارب.
هل يتم اللقاء؟
خلال الأسبوع الفائت، تصاعدت أصوات جوقة المسؤولين الأتراك الداعية إلى التواصل مع الحكومة السورية والرئيس السوري بشار الأسد، في حين أن التحركات التركية حسبت لجذب الأصوات قبل الانتخابات، فيما قد تدعمهم روسيا في سعيها لدق إسفين بين تركيا وخصومها الغربيين.
في هذا السياق، قالت السياسية والباحثة الأكاديمية، وعضو اللجنة الدستورية السورية، الدكتورة سميرة مبيض، في حديثها لـ”الحل نت”، إنها لا تعتقد أن قمة شنغهاي القادمة ستحمل تطورات على مستوى الرؤساء، ولكن من غير المستبعد أن يتم استغلالها لعقد لقاءات على مستويات دبلوماسية أخرى كوزراء الخارجية والوفود المرافقة.
وأشارت مبيض، إلى أنه لا يمكن لأي طرف، الضلوع في تنفيذ التقارب الفعلي مع الأسد طالما هناك رفض لهذه المصالحة من قبل السوريين المقيمين في المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق.
وتابعت عضو اللجنة الدستورية، “لذلك فمقترحات روسيا ستتبع لمواقف السوريين في هذه المناطق، وهي مواقف واضحة برفض العودة لسيطرة النظام السوري، على الأخص بعد ما توضح من تواطؤ قائم بين السلطات في المنطقة للهيمنة على أراضي السوريين ومواردهم ومستقبلهم”.
الكاتب والصحفي فراس علاوي، خلال حديثه لـ”الحل نت”، يرى أن دعوة بشار الأسد للمؤتمر دون أن يكون له أي دور فيه، ربما ينبع عن خطة روسية ومحاولة جمع الرئيسين التركي والسوري في منطقة واحدة. إذ ترى روسيا أن الظرف مناسب للاستفادة من الوضع الإقليمي لمحاولة تعويم الأسد.
ويتابع علاوي، أن موسكو بذلك تضغط على تركيا التي تعد حاليا الدولة الوحيدة في الإقليم تمانع هذا التعويم بشكل أو بآخر، كما أن الأتراك يدركون أنهم بحاجة إلى روسيا بسبب التغيرات الدولية والإقليمية الحاصلة، لذلك من المؤكد بأن روسيا ستضغط من أجل لقاء بين البلدين، وفق الكاتب السوري.
واستبعد علاوي، أن يتم لقاء بين بشار الأسد وأردوغان على الصعيد الشخصي، مشيرا إلى أن المزاج العام يوحي بأن اللقاء ربما سيتم بين الطرفين ولكن على مستوى وزراء الخارجية أو أدنى، مضيفا “لكن دعوة بشار الأسد إلى قمة شنغهاي بحد ذاتها هي محاولة تعويم الروسي للأسد ونظامه في المنطقة، ومحاولة الضغط على تركيا من أجل التقريب ما بينهما”.
رفع مستوى العلاقات؟
من المحتمل أن يلتقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس السوري بشار الأسد، على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون المقبلة في سمرقند بأوزبكستان، والتي ستعقد لمجلس رؤساء دول منظمة شنغهاي للتعاون يومي 15 و16 أيلول/سبتمبر القادم، وفقا لتقرير صادر عن وكالة “تسنيم” الإيرانية شبه الرسمية.
في حديث مقتضب، قال الخبير في السياسة الدولية، جاستن فيليبس، لـ”الحل نت”، إنه يتوقع أن تصبح العلاقات بين أنقرة ودمشق مباشرة ومستوى التمثيل يمكن رفعه، لعدة عوامل أبرزها رغبة حزب “العدالة والتنمية” في بقاء أردوغان، فضلا عن أن المصالحة قد تنهض بالاقتصاد التركي، الذي يعد الآن في حالة سقوط حر.
كما أن تصاعد الاستياء ضد اللاجئين، وتزايد الاعتداءات العشوائية على السوريين، وحديث المعارضة التركية إنه بمجرد وصولها إلى السلطة، فإنها ستعيد السوريين إلى وطنهم، ومن ثم التطبيع مع الأسد، وكل هذا هو مستساغ لآذان الناخبين الأتراك، لذلك فإن الحزب الحاكم تحول نحو هذا الاتجاه.
وبحسب فيليبس، فإنه على الرغم من العداء الشخصي بين الأسد وأردوغان، يمكن لبوتين أن يلعب دورا في جعلهما يعملان معا، أما بالنسبة للعلاقة بين الرئيسين التركي والسوري، فمن المؤكد أن العلاقات التي كانت وثيقة بين أردوغان والأسد في سنوات سابقة؛ قد تضررت بشكل لا يمكن إصلاحه.
التقارير الأخيرة تأتي لتعزز من احتمالات التقارب بين أردوغان والأسد، بخاصة وأن تقارير سابقة رجحت احتمالية حدوث تقارب سياسي يتجاوز التنسيق الأمني الذي كان حاصلا بين دمشق وأنقرة خلال السنوات الماضية. لكن التساؤل الأبرز يدور حول احتمالات حدوث لقاء بين الرئيسين على هامش أعمال قمة “شنغهاي”، ما يعني مرحلة جديدة ومغايرة وغير متوقعة بين أنقرة ودمشق.
السفير التركي السابق بدمشق عمر أنهون، سلط الضوء على أهم الأسباب التي دفعت الرئيس التركي لاعتماد سياسة مختلفة في هذا التوقيت في التقارب مع سوريا، والتي تمثلت في أنه تبقى أقل من عام على موعد الانتخابات، فضلا عن المشاكل التي يواجهها في الوضع الاقتصادي، والتداعيات الداخلية نتيجة الأزمة السورية ويتصدرها وجود 3.7 مليون سوري في تركيا.
ورأى أن الطريق إلى تنفيذ التقارب التركي-السوري وعر لأسباب كثيرة أهمها “وجود العديد من الجهات الخارجية التي لديها أجندات مختلفة ومصالح متضاربة في سوريا، كما أن إيران تمثل إشكالية في طموحاتها وسياساتها الأيديولوجية/ الاستراتيجية، ووجود عشرات الجماعات المسلحة والمجموعات الجهادية وميليشيات شيعية، وهو عنصر يمكن أن يطيح أي جهد سلام”.
الحل نت
———————–
في تغير السياسة التركية حيال نظام الأسد/ عمر كوش
ليس المهم أن يعود وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، إلى تصحيح كلمات وردت في تصريحاته السابقة حول ضرورة “المصالحة” بين المعارضة السورية ونظام الأسد من أجل الوصول إلى السلام والاستقرار في سوريا، والقول إنها حُرفت من طرف جهات لم يُسمها، وإنه استخدم كلمة “توافق” بدل “مصالحة”، لأن الأهم هو أن كل المواقف والتصريحات التي بدأت تخرج مؤخراً من الأوساط السياسية والإعلامية في أنقرة، تشير إلى حدوث انعطافة في التعامل التركي مع القضية السورية. وهي انعطافة ليست وليدة تصريحات معزولة أو زلات لسان بعض المسؤولين، بل تعبّر عن تغيرات في المسار والتوجهات، وفي ترتيب الأولويات والهواجس التركية، وبما ينبئ بأن المرحلة المقبلة قد تشهد تطورات في العلاقات بين تركيا ونظام الأسد، بالافتراق مع ما كانت عليه طوال أكثر من عشر سنوات ماضية.
ربما أراد جاووش أوغلو التخفيف من وقع تصريحاته على أوساط المعارضة السورية الرافضة للمصالحة، وامتصاص غضب السوريين، وخاصة أولئك الذين خرجوا في مظاهرات شعبية رافضة، شملت جميع مناطق النفوذ التركي في الشمال السوري، وكانت مظاهرات مختلفة وفارقة هذه المرّة، لأنها عبّرت ليس فقط عن رفض قاطع للمصالحة مع نظام الأسد، بل عن انفجار غضب شعبي نتيجة الامتعاض والاستياء من السياسات التركية المطبقة في مناطقهم وممارسات قوى الأمر الواقع المتحالفة مع تركيا، ومما يتعرض لها اللاجئون السوريون في تركيا من ممارسات وحملات كراهية.
وسبق للوزير التركي نفسه أن اعتبر إخراج الإرهابيين، ويقصد بهم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وحزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) ومخرجاته، من المناطق التي يسيطرون عليها في شمالي سوريا هو “حق طبيعي للنظام”، وأن بلاده على استعداد لتقديم “كل أنواع الدعم السياسي لعمل النظام السوري في هذا الصدد”! الأمر الذي يشي بأن تصريحاته لا تخرج عن سياق تغيرات الموقف التركي حيال نظام الأسد، بل هي امتداد لتصريحات ومواقف كثيرة أطلقها كبار المسؤولين الأتراك منذ بضع سنوات، وتنسجم مع النزوع التركي نحو إيجاد تسوية مع نظام الأسد، وبما ينسجم مع مصالح تركيا، التي باتت تجد أولويتها في مواجهة ما يعتبرونه الخطر الكردي على الأمن القومي التركي، خاصة بعد أن أدركوا بأن ممكنات العملية العسكرية، التي كانوا يهددون بالقيام بها منذ عدة أشهر ضد قوات سوريا الديمقراطية في الشمال السوري، قد تبخرت، بالنظر إلى الرفض الروسي والإيراني، وحتى الأميركي، لها، لذلك توجب عليهم البحث عن مخارج للأزمة المترتبة على ما بعدها من استحقاقات وتحديات.
من جهته، اعتبر نائب رئيس حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، حياتي يازجي، بعد أيام قليلة من توضيحات وزير الخارجية التركي حول المصالحة بين المعارضة السورية ونظام الأسد، أن العلاقات غير المباشرة مع النظام السوري، “قد تصبح مباشرة، بالتزامن مع زيادة المناخ الملائم في المستقبل”. أما زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهجلي، الحليف الأساسي للرئيس إردوغان، فقد عبّر بدوره عن دعمه لرؤية وزير الخارجية، معتبراً أن خطوات تركيا في سوريا قيمة ودقيقة، وأن “التصريحات البناءة والواقعية لوزير خارجيتنا حول إحلال السلام بين المعارضة السورية ونظام الأسد هي بمنزلة المتنفس القوي للبحث عن حل دائم للمسألة السورية، لا يجب أن ينزعج أحد من هذا الأمر”. وذهب بهجلي إلى القول إن “رفع مستوى العلاقات بين تركيا ونظام الأسد إلى مستوى المحادثات السياسية، وذلك بغية التنسيق المشترك في محاربة التنظيمات الإرهابية، قد يكون أحد الموضوعات في الأجندة السياسية المقبلة لغاية عام 2023”.
وسارع “حزب الوطن”، إلى الإعلان عن أن زعميه، دوغو برينشاك، الذي يعتبر حليفاً لحزب العدالة والتنمية وللرئيس رجب طيب أردوغان من خارج الحكومة، يعتزم التوجه إلى دمشق، خلال الأيام القليلة المقبلة، للقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد، وسيصطحب معه رجل الأعمال، أدهم سنجق، المقرّب من موسكو، والذي انشق مؤخراً من حزب العدالة والتنمية الحاكم وانضم إلى صفوف حزب الوطن.
وإذا كان الرئيس إردوغان لم يخفِ، لدى عودته من سوتشي، مطالبة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بأن تنسق تركيا مع نظام الأسد لمعالجة هواجسها الأمنية، فإنه إذا أضفنا إليها محاولات إيران التوسط ما بين تركيا والنظام، فإننا سنقف على وجود عوامل خارجية تدفع نحو التطبيع التركي مع الأسد، وتسهم في تفسير المسار الذي تحدث في التغيرات والانعطافات في المواقف السياسية التركية، التي تأتي مدفوعة بشكل أساسي باستحقاقات الانتخابات الرئاسية والنيابية المزمع إجراؤها في منتصف حزيران/ يونيو المقبل، والتي بدأت حملاتها الانتخابية مبكراً، سواء من طرف قوى المعارضة أم من طرف حزب العدالة والتنمية الحاكم، حيث تمكنت المعارضة من توظيف ورقة وجود اللاجئين السوريين في تركيا بقوة في البازار الانتخابي، واعتبرتهم سبباً لتردي الأوضاع الاقتصادية التركية، وراحت توجه انتقادات واسعة لسياسات الحكومة حيال التعامل مع الملف السوري، وتتوعد بأن تعيد العلاقات مع نظام الأسد في حال فوزها بالانتخابات المقبلة، لذلك يسعى حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى تحقيق إنجاز على صعيد ملف اللاجئين السوريين، بغية سحب ورقتهم من التداول بين أيدي أحزاب المعارضة، وتقديم نفسه للناخب التركي على أنه قادر على حل هذه القضية، من خلال إعادة ليس فقط مليون لاجئ سوري إلى “بيوت الطين” في مناطق الشمال السوري، بل إعادتهم جميعاً من خلال التنسيق والتوافق مع نظام الأسد، حتى وإن تطلب الأمر إحداث تغيير جذري في التعامل التركي مع القضية السورية.
غير أنه، بالمقابل، لا يمكن التعويل على إمكانية تغير مواقف نظام الأسد، بالنظر إلى طبيعته المتوحشة، ولا على ما اُعتبر ملاقاة من طرفه للتصريحات والمواقف التركية، والتي جسدها حديث وزير الدفاع في حكومة النظام السوري، علي محمود عباس، عن استعداد النظام “لتقبل أي دولة تأتي كصديقة ومحبة”، وأنها تتطلع قدماً إلى تعزيز التعاون مع الدول الصديقة والحليفة في المجالات كافة، ولا سيما في مجال “مكافحة الإرهاب وإعادة الإعمار وترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم”، وبالتالي فإن ما ذهبت إليه بعض التقارير الصحفية التركية في الحديث عن شروط لعودة اللاجئين من أجل المصالحة وتطبيع العلاقات هو مجرد تخمينات وأمنيات.
تلفزيون سوريا
——————————
هل الانعطافة التركية تجاه سوريا تكتيكية موقتة أم استراتيجية دائمة؟/ د.ناصر زيدان
منذ عودة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من مدينة سوتشي بعد لقائه نظيره الروسي فلاديمير بوتين في 5 آب (أغسطس) الجاري، برزت معطيات جديدة تتعلق بموقف تركيا من الأحداث في سوريا، تختلف عن مواقفها السابقة. وكان واضحاً من خلال التصريحات الأخيرة المتكررة لوزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو عن ضرورة التصالح بين النظام والمعارضة في سوريا، أن شيئاً ما قد حدث في سوتشي حول الملف السوري، على رغم أن تصريحات أردوغان اقتصرت على التعاون مع روسيا لمكافحة الإرهاب، ولم يصدر عن الرئيس الروسي أي كلمة تشير الى موافقته على عملية عسكرية تركية في الشمال السوري، وهو طلب من أردوغان التعاون لإيجاد تسوية في سوريا، تضمن مساعدة النظام في احتواء الموقف، وإيقاف النزاع المسلح بينه وبين الفصائل المعارضة له.
لا يمكن الاستهانة بمدى تأثير تركيا في الملف السوري، حيث هناك ما يزيد على ثلاثة ملايين نازح سوري يعيشون فيها، وما يزيد على هذا العدد متواجد في محافظة إدلب وشرق حلب اللذين تسيطر عليهما المعارضة، وهؤلاء على علاقة طيبة مع تركيا، والأخيرة تمون على غالبية الفصائل المسلحة المتواجدة في هذه المناطق. وكان التفاهم الذي حصل بين روسيا وتركيا قد منع عملية عسكرية غير مضمونة النتائج، كانت ستنفذها القوات الحكومية السورية على إدلب في شهر أيار (مايو) من العام 2019.
من الواضح أن تفاهماً حصل بين بوتين وأردوغان حول سوريا في سوتشي، وإن كان غير معلن. وليست مصادفةً أن تأتي الانعطافة التركية تجاه سوريا بعد هذه القمة مباشرةً. وتوضيحات الوزير جاويش أوغلو حول الدعوة الى “تسوية” في سوريا، وليس الى “مصالحة” بين المعارضة والنظام؛ لا تنفي حصول هذه الانعطافة، لأن مواقف تركيا كانت ضد النظام ومؤيدة لمطالب المعارضة قبل هذا التاريخ. وقوى المعارضة السورية المتنوعة أدركت هذا التحوُّل التركي، وقد تظاهر العديد من المواطنين السوريين في محافظة إدلب مُنددين بالسياسة التركية الجديدة.
ما هي مبررات التحوّل التركي. وهل هو تحوّل تكتيكي، أم أنه يحمل أبعاداً استراتيجية جديدة ستعتمدها تركيا في المقبل من الأيام؟
يبدو أن تبادل المنافع بين تركيا وروسيا توسَّع الى حدود بعيدة. فإضافة الى إطلاق يد تركيا لإرساء تفاهم على تصدير القمح والذرة من موانئ أوكرانيا وروسيا، والعمل على عقد اجتماع تفاوضي بين البلدين المتحاربين، فقد وعد بوتين، أردوغان بتنفيذ المرحلة الثانية من صفقة صواريخ “أس – 400” المتطورة، واستكمال بناء المحطة النووية السلمية في جنوب تركيا من قبل الشركات الروسية. وفي المقابل فإن أردوغان وعد بعدم السماح باستخدام خط غاز “ترك ستريم” الذي يمر عبر الأراضي التركية ويصل إلى أوروبا من قبل أي جهة تضرّ بمصالح روسيا. وواضح أن أردوغان وعد بوتين بفتح قنوات تواصل مع نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا بعد قطيعة استمرَّت ما يزيد على عشر سنوات.
هناك رأي تؤيده أوساط تركية واسعة، يقول: إن التحوَّل تجاه سوريا تكتيكي وموقت، وهو يهدف الى سحب ورقة النازحين السوريين من يد المعارضة التركية، وهي تحاول استثمارها في الانتخابات التشريعية والرئاسية التي ستجرى في أيلول (سبتمبر) 2023 ضد أردوغان، والأخير يعمل على ترحيل قسم من النازحين الى شريط حدودي في شمال سوريا، ويستعمل هذه الحجة للقيام بعملية عسكرية لطرد قوات “قسد” و”حزب العمال الكردستاني” من هذا الشريط، وهو يضغط للحصول على موافقة روسيا على هذه العملية. كما أن أردوغان يحاول اعتماد تهدئة مع النظام السوري، لكي يخفف من حدة استخدام المعارضة التركية لأصوات العلويين الأتراك ضده، خصوصاً أن أعداد هؤلاء تتزايد، وتقول التقديرات أنهم يشكلون 12 في المئة من عدد المقترعين الأتراك، والغالبية منهم متعاطفة مع نظام الرئيس بشار الأسد.
والرأي الآخر، يرى أن الانعطافة التركية الجديدة لها أبعاد استراتيجية ودائمة، لأن مصالح أردوغان مع روسيا أصبحت تزيد على مصلحته مع الولايات المتحدة الأميركية، ما يدفعه الى مراعاة سياسة موسكو في سوريا، وفي غير سوريا. وواضح أن التفاهم الذي حصل بين روسيا وإيران وتركيا في قمة طهران الأخيرة، لا يؤذي الطموحات التركية المستقبلية، وهو ضمن لأردوغان جانب إيران التي تغذي سراً المنظمات المعادية لتركيا، خصوصاً ميليشيات “حزب العمال الكردستاني” في سنجار شمال شرقي العراق وفي شمال سوريا.
ستوضِّح الأيام المقبلة ما اذا كانت الانعطافة التركية تجاه سوريا موقتة أم دائمة على المدى المنظور، وذلك في ضوء التطورات الميدانية التي تحصل في شمال سوريا، وموقف روسيا وإيران من العملية العسكرية التي قد تنفذها أنقرة هناك. كما أن أردوغان بدأ يتلمس التغيير الجوهري الذي حصل في المزاج الدولي العام تجاه نظام الأسد، وهذا المزاج قد يؤدي الى فتح صفحة جديدة مع هذا النظام بحجة وقف النزوح السوري الى أوروبا، والضغط على نظام الأسد للقبول بإعادة قسم من هؤلاء النازحين الى وطنهم الأم.
النهار العربي
———————-
مصالحة تركية سورية في الأفق؟/ عمر أنهون
في طريق عودته من «سوتشي» في 6 أغسطس (آب)، كشف الرئيس رجب طيب إردوغان أن أجهزة استخبارات تركية وسورية تعقد اجتماعات في ذلك الوقت.
وصرح وزير خارجيته، مولود جاويش أوغلو، في مؤتمر صحافي في 11 أغسطس بأن تركيا تدعم المصالحة السياسية بين المعارضة السورية ونظام الأسد، مشيراً إلى أنه قبل نحو عام، عندما كان في بلغراد لحضور مؤتمر دولي، أجرى محادثة سريعة في الأروقة مع وزير الخارجية السوري فيصل مقداد الذي كان هناك أيضاً للمشاركة في المؤتمر نفسه.
انخرط الصحافيون والمعلقون والسياسيون المعارضون في تركيا على الفور في نقاشات حول ما حدث بالفعل، وإيجابيات وسلبيات التعاون مع نظام الأسد.
وبالأمس، في طريق عودته من زيارته لأوكرانيا، أدلى الرئيس إردوغان ببيان رائد آخر. ومن دون الإشارة مباشرة إلى المصالحة مع الأسد، قال إن تركيا مستعدة للمضي قدماً في التعاون مع نظام الأسد. وفي إشارة إلى ما قاله شريكه غير الرسمي في التحالف، السيد دولت بهجلي (زعيم حزب الحركة القومية)، أوضح إردوغان أنه مستعد لنقل الاتصالات مع سوريا إلى مستوى أعلى، أي إلى مستوى سياسي.
وكان من المذهل سماع إردوغان يقول إن الولايات المتحدة هي التي «غذت الإرهاب في سوريا، وزودت المنظمات الإرهابية بآلاف الشحنات من الأسلحة والمعدات، واستقبلت الإرهابيين في البيت الأبيض». كما أدرج إردوغان الحلفاء ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى على أنهم من مؤيدي الإرهاب، من خلال الإشارة إليهم على أنهم «قوات تحالف».
من ناحية أخرى، أشاد إردوغان بروسيا كشريك في مكافحة الإرهاب. وقال: «في كل خطوة نتخذها في سوريا، تكون قواتنا الأمنية ووكالات المخابرات ووزارة الدفاع جميعها على اتصال».
في هذه المرحلة، يجب التذكير بدور روسيا والعلاقات التركية – الروسية. فروسيا هي الدولة الرئيسية في سوريا؛ فقد كان دعم روسيا في المجال السياسي، ولا سيما في مجلس الأمن الدولي، وتدخلها العسكري المباشر في عام 2015 هو الذي غير مسار الحرب في سوريا لصالح الأسد.
ويدرك الأسد جيداً أنه من دون روسيا ستكون فرصه في البقاء ضئيلة. وحقيقة أن روسيا رسخت نفسها جيداً في سوريا بكل قواعدها وعتادها العسكري، تجعل من أي حل غير ذلك أمراً غير وارد.
وتتمتع تركيا وروسيا بعلاقة معقدة، مع اختلافات حادة ومصالح متبادلة أيضاً؛ فقد تطورت «العلاقة الخاصة» بين تركيا وروسيا، والتي كانت موجودة هناك خلال السنوات القليلة الماضية، لتتعزز أكثر وأكثر حتى بعد الحرب في أوكرانيا. ويبدو أنه يتعين على البلدين أن يميلا بقوة إلى خيار تنفيذ المهام في سوريا من دون مواجهة بعضهما.
لماذا قرر الرئيس إردوغان اعتماد سياسة سورية مختلفة بشكل حاد في هذا التوقيت؟
بادئ ذي بدء، تبقى أقل من عام على موعد الانتخابات. ويواجه إردوغان عدداً من المشكلات في تركيا، بما في ذلك الوضع الاقتصادي الخطير والصورة الرمادية حول فرص إعادة انتخابه، ولذلك فهو يتطلع لأن يحرر نفسه من أكبر عدد ممكن من المشكلات.
أهم قضية في السياسة الخارجية ذات تداعيات داخلية هي الأزمة في سوريا والأمن، ويتصدرها وجود 3.7 مليون سوري في تركيا.
وبغض النظر عن كيفية تطورها، وما إذا كانت ستكون هناك نهاية سعيدة أم لا، من الواضح أننا أمام حقبة جديدة في العلاقات التركية – السورية.
الطريق إلى الأمام طريق صعب ووعر. وها هي نظرة سريعة على بعض المشاكل الرئيسية:
– هناك الكثير من الجهات الفاعلة الخارجية، بما في ذلك روسيا وتركيا والولايات المتحدة وإيران وإسرائيل والدول العربية. وغالبيتها لديها أجندات مختلفة ومصالح وأولويات متضاربة.
– تمثل إيران على وجه الخصوص إشكالية في طموحاتها وسياساتها الآيديولوجية / الاستراتيجية.
– هناك عشرات الجماعات المسلحة وعشرات الآلاف من الميليشيات والأسلحة في سوريا. وهناك أيضاً مجموعات جهادية وميليشيات شيعية من لبنان (حزب الله) وإيران والعراق وأفغانستان. وهذا، في حد ذاته، عنصر يمكن أن يطيح أي جهد سلام بطرق عديدة.
– تسيطر «وحدات حماية الشعب» (الكردية في أغلبها) على نحو 35 في المائة من الأراضي السورية التي تضم غالبية حقول النفط والأراضي الزراعية في سوريا. وفيما يتعلق بالنظام السياسي الإداري المستقبلي في سوريا، فإن هذه الوحدات تصر على ما لا يقل عما لديها الآن.
– غالبية السكان في شمال سوريا، وفي أجزاء أخرى من البلاد، وأولئك الذين فروا من سوريا، يقاتلون النظام منذ سنوات، وقد فقدوا أحباءهم وممتلكاتهم، وجرى استهدافهم بالأسلحة الكيماوية وتعذيبهم في سجون النظام. هؤلاء الناس لا يرون الأسد كشريك في السلام، بل مجرم حرب تجب محاكمته.
وكان غضب المتظاهرين في شمال سوريا للاحتجاج على تصريحات وزير الخارجية التركي شهادة على وجود تلك الحساسيات.
– من جانب الأسد، فإن خوفه من فقدان قبضته المطلقة على السلطة أمر ضار. وبالعودة إلى عام 2011 فقد جرى تشجيع الأسد على إجراء بعض الإصلاحات وإدماج أشخاص من المعارضة في النظام السياسي، لكنه لم يسِر على هذا النحو بسبب الخوف. وانقضى أحد عشر عاماً مرت حتى الآن ولم يتغير نهجه. ومن بين العديد من الأمثلة الأخرى على هذا النهج «عدم الإنجاز» في عمل اللجنة الدستورية السورية. فقد أوضح مراقبون مستقلون على اطلاع جيد، ومشاركون في اجتماعات اللجنة، أن النظام موجود هناك ليس بهدف الانخراط في مفاوضات هادفة وموجهة لتحقيق النتائج، لكن لإرضاء الرعاة الروس وعدم الظهور كطرف يأبى الجلوس على طاولة المفاوضات.
باختصار، لا يزال نظام الأسد يخشى أن يؤدي أي ترتيب لأي نوع من تقاسم السلطة في النهاية إلى فقدانه السلطة تماماً.
مع كل هذه الصعوبات المعلنة، هل هناك قاعدة لحل سياسي في سوريا؟
أعتقد أن هناك قاعدة لحل. وتتكون هذه القاعدة من مجموعة من المبادرات الدبلوماسية على مدار الـ11 عاماً الماضية.
بدأت هذه المبادرات الدبلوماسية باجتماع جنيف في يونيو (حزيران) 2012 وانتقلت إلى ما يعرف بـ«بيانات فيينا» عام 2015، وتطورت إلى قرار مجلس الأمن رقم 2254 ثم عملية أستانا ومنتجاتها.
لقد وقعت جميع الأطراف ذات الصلة، بما في ذلك روسيا وإيران ونظام الأسد، على هذه المبادرات الدبلوماسية في مرحلة أو أخرى، بطريقة أو بأخرى.
ويشتمل قرار المفوضية رقم 2254، رغم اعتماده قبل 7 سنوات، على المعايير والمبادئ الرئيسية، بالإضافة إلى خريطة طريق لحل سياسي كما يلي:
– الحفاظ على وحدة أراضي سوريا.
– إقامة نظام سياسي قابل للاستمرار، وشامل ومقبول للمعارضة وأنصار النظام والمحايدين على حد سواء.
– محاربة الإرهابيين.
– تفكيك الميليشيات المسلحة من جميع الجهات.
– تمكين عودة اللاجئين السوريين.
– تحسين الوضع الإنساني.
– الانخراط في الانتعاش الاقتصادي وإعادة الإعمار.
والعناصر الرئيسية لخريطة الطريق هذه هي على وجه الخصوص:
– إقامة حكم ذي مصداقية وغير طائفي (فترة انتقالية).
– صياغة دستور جديد.
– إجراء انتخابات حرة ونزيهة يشارك فيها جميع السوريين، بمن فيهم من هم خارج سوريا.
الأزمة في سوريا مكلفة للغاية من نواحٍ كثيرة. وأتردد في قول كل شيء، لكن الغالبية العظمى من الجهات الفاعلة تدرك جيداً الحاجة إلى إنهاء الأزمة. ومن أجل إحراز تقدم، فإن المطلوب هو وجود إرادة سياسية من جانب الأطراف السورية المعارضة، ودعم حقيقي من المجتمع الدولي. وسيكون للتحرك الإيجابي في العلاقات التركية السورية جانب مهم في هذا المسعى.
الشرق الأوسط
—————————-
ماذا بقي للمعارضة السورية غير الأكراد؟/ علي الصراف
مصالحة، ولكن وفقا لأي شروط مع نظام لا يقدم تنازلات.
المصالح بين روسيا وتركيا وضعت المعارضة السورية في وضع معقد، فأردوغان الذي كانت تراهن عليه أظهر فجأة أنه مستعد لبيعها من أجل تحقيق مصالحه، لتجد نفسها في مواجهة “مصالحة” غير متكافئة مع الأسد.. وحدهم الأكراد الذين يمكن أن يستفيدوا من المرحلة الجديدة.
التظاهرات التي عمت مناطق المعارضة السورية في إدلب وعفرين وأعزاز والباب وتل أبيض ورأس العين احتجاجا على دعوة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى المصالحة بين المعارضة والنظام في دمشق، خبت في النهاية. وكان لا بد لها أن تخبو لتنظر في الحقائق.
جماعات الإخوان، وغيرهم من المعارضين، شعروا بأن رجب طيب أردوغان يوشك أن يخذلهم، أو حتى أن يبيعهم لسلطة الرئيس بشار الأسد. إلا أنهم يعرفون أن المصالح أهم من الأيديولوجيات، وأن البراغماتية الأردوغانية التي خذلت غيرهم سوف يأتي دورها عليهم لتخذلهم هم أيضا.
أفضل ما وجّهوه من الأسئلة كان: مصالحة، ولكن وفقا لأي شروط مع نظام لا يقدم تنازلات؟
المصالح بين موسكو وأنقرة تجعل من التنازع السوري مجرد تفصيل صغير. والمعارضون السوريون تفصيل أصغر
بالنسبة إلى المصالح، فإن المصالحة يمكن أن تتحقق من دون شروط. مصالحة وبس.
قمة سوتشي التي جمعت بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين قدمت لتركيا حزمة مصالح وامتيازات واسعة، لم تقتصر على أن تصبح تركيا معبرا للنفط والغاز الروسيين إلى أوروبا، في ضربة أخيرة ونهائية للمعبر الأوكراني، ولكنها تمتد إلى أن تكون تركيا حجر زاوية بالنسبة إلى روسيا للتهرب من تأثيرات العقوبات المفروضة عليها.
فعدا عن أن التجارة بين البلدين يمكن أن يجري قسط منها بالعملة المحلية، فلن يحل موعد الانتخابات الرئاسية التركية في يونيو المقبل، قبل أن تكون محطة “آك كويو” النووية في ولاية مرسين جنوب البلاد قد أصبحت قيد التشغيل، وهو ما يمكن أن يوفر لتركيا 10 في المئة من احتياجاتها من الطاقة.
بوتين عرض على أردوغان عقد لقاء مع الأسد. المسألة هنا هي مسألة تسوية حسابات جزئية، تتقدمها المصالح والتوافقات الجديدة. فالصلات بين موسكو وأنقرة لم تعد مجرد صلات بين جارين يتنافسان على النفوذ في سوريا. ولكنها صلات إستراتيجية تتصل بمكانة تركيا في أوروبا. الوساطة بشأن الأزمة في أوكرانيا هي نفسها جزء من هذه المكانة.
أردوغان إذا أراد أن ينظر إلى الأمام قليلا، فإنه يستطيع أن يعرف ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه خط الغاز “ترك ستريم”. كما يستطيع أيضا أن يرى ماذا يمكن أن يجني من تحوّل تركيا إلى لاعب رئيسي في حفظ الأمن في القارة الأوروبية، إذا ما حانت ساعة إحلال السلام.
ولهذا السبب، فقد أصبح بوسع تركيا أن تعيد إرسال سفن التنقيب عن الغاز في المتوسط. البداية الجديدة لأعمال التنقيب لن تذهب إلى المناطق المتنازع عليها مع قبرص واليونان. ولكنها ستعود إلى هذه المناطق من جديد عندما تكتمل عناصر التأثير والنفوذ الأخرى. إنها مسألة وقت، لن يطول.
مساحة المصالح الواسعة بين موسكو وأنقرة تجعل من التنازع في سوريا مجرد تفصيل صغير. والمعارضون السوريون تفصيل أصغر، حتى ليسهل بيعهم أو التخلي عنهم أو دعوتهم إلى المصالحة.
بعضهم حارب إلى جانب القوات التركية ضد أبناء وطنهم الأكراد على نحو خاص. وأدت التأثيرات التركية على أطراف المعارضة الأخرى إلى ابتعادهم عن الأكراد، ليس لأنهم عدو، كما هو الحال بالنسبة إلى ميليشيات أردوغان الإخوانية، بل لأن الصداقة معهم تقطع عليهم طريق الإمداد التركي.
ماذا يبقى للمعارضة السورية من خيارات في ظل هذا الواقع؟
تظاهرات لم تستمر طويلا تظاهرات لم تستمر طويلا
بعض هذه المعارضة يتفاوض مع النظام من خلال اللجنة الدستورية التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف. إلا أن التقدم هناك تنقصه الإرادات. المعارضون ما يزالون يرزحون تحت عبء الاعتقاد القائل بأنهم إذا لم يستطيعوا القضاء على النظام، فلعلهم يستطيعون تغييره. ما تعرضه تركيا عليهم اليوم، هو أن يتغيروا هم، لا النظام، وأن يتصالحوا مع طبيعته، وألا يأملوا منه أي تغيير.
وهذا يفسر إلى حد بعيد، لماذا ظلت المفاوضات في جنيف تدور حول الترهات، وتتجنب القضايا الرئيسية، حتى بعد مرور عدة سنوات على انطلاق أعمالها. فالنظام في دمشق ظل ينتظر من المعارضة أن تتغير هي لا أن تأمل بتغييره هو. وهذا ما سوف يحصل في النهاية عندما تفرض المصالح الإستراتيجية التركية نفسها على الذين وضعوا بيضاتهم في سلة أردوغان.
هناك طرف واحد فقط في المعارضة السورية يمكن الركون إليه للمحافظة على الحد الأدنى من القدرة على التغيير. إنهم الأكراد.
هذه هي القوة الاجتماعية والسياسية والعسكرية الوحيدة التي يمكن للمعارضة السورية أن تلتف من حولها، وأن تأمل منها ما لا تستطيع أن تأمله من أي أحد آخر.
أولا، لأن الأكراد أصحاب قضية قومية، وليسوا فقط أصحاب قضية سياسية. وهم يعلمون تمام العلم أن مصير حقوقهم القومية لا يتقرر على نحو صحيح من دون تغيير في طبيعة نظام دمشق. هذا شرط لا بد منه. حتى الامتيازات الجزئية لا تكفي. الحقوق والحريات تتطلب ضمانات دستورية ومؤسسات قادرة على حمايتها.
أردوغان إذا أراد أن ينظر إلى الأمام قليلا، فإنه يستطيع أن يعرف ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه خط الغاز “ترك ستريم”
ثانيا، لأنهم قوة مسلحة حقيقية وقادرة على الدفاع عن نفسها، ليس في مواجهة سلطة دمشق، بل وحتى في مواجهة جيش أردوغان نفسه أيضا. نحن هنا، إنما نتحدث عن شعب يمكن أن يكون شعبا مسلحا بأسره. شبابه وشاباته في الخطوط الأمامية باستمرار.
ثالثا، هم القوة الاجتماعية والسياسية الوحيدة التي لا تساوم في مواجهة الإرهاب. قدموا أمثلة بطولية كبرى في مواجهة تنظيم داعش. وهم الذين دحروه وأسقطوا دولته. ولقد كسبوا حقد أردوغان عليهم لهذا السبب. إلا أنهم حققوا نصرا لم يحققه أحد مثلهم، بإمكانيات محدودة، ولكن بعزيمة لا تلين. دافعُ هذه العزيمة الأساس كان دافعا قوميا، وهو ما يجدر أن يؤخذ بالحسبان، عندما يُنظر إلى إليهم كطرف سياسي.
رابعا، قوات سوريا الديمقراطية تحظى بدعم الولايات المتحدة. جانب من هذا الدعم هو تعبير عن الامتنان للدور الذي أداه الأكراد في مواجهة تنظيم داعش، وللدور الذي يمكن أن يؤدوه في مواجهة تنظيمات الإرهاب الأخرى، ولكن جانبا منه يتعلق بموطئ قدم لا تستطيع الولايات المتحدة أن تتخلى عنه.
خامسا، المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية هي رئة الاقتصاد السوري. دمشق سوف تظل عالة اقتصادية على روسيا وإيران ما لم تستعد حقول النفط والمزارع الشاسعة في هذه المنطقة.
لا توجد معارضة سورية موحدة. توجد معارضات ممزقة، يدور كل منها في فلك أهواء مختلف. وابتذالات المواقف وتنازعات الآراء السياسية كثيرة في ما بينهما، ما يجعل تلاقيها على جملتين أمرا عسيرا. وهناك سبب لذلك. هو أنه لا توجد بينها “عصبية”، بالمفهوم الخلدوني للكلمة، تقدر على جمع شتاتهم.
الأكراد هم هذه العصبية. إنهم العصب الذي إذا أمكن الالتفاف من حوله، أن يحافظ على الأمل بأن التغيير ممكن. مصالحهم القومية في هذا التغيير لا تقبل المساومات، وبحضن هذه المصالح، يمكن بناء بلد جديد.
كاتب عراقي
العربي
———————-
3 تطورات تزيد تعقيد المشهد العسكري في سوريا
قصف تركي يستهدف النظام ومركزاً أممياً… والروس يصوّرون قواعد أميركية
القامشلي: كمال شيخو
برزت ثلاثة تطورات ميدانية في المناطق الخاضعة لنفوذ «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) شمال شرقي سوريا خلال أسبوع، قد تزيد من تعقيد المشهد العسكري في هذه المنطقة المضطربة والمهددة باجتياح تركي. أول هذه التطورات قصف مسيرة تركية أول من أمس (الجمعة) مركزاً تابعاً للأمم المتحدة في محيط قاعدة للتحالف الدولي غرب محافظة الحسكة على بعد نحو 45 كيلومتراً جنوب الحدود التركية.
فيما كان التطور الثاني نشر طيار روسي مقاطع فيديو تظهر لقطات مثيرة لمقاتلة روسية تحلق فوق أجواء قواعد تتمركز فيها القوات الأميركية شرق سوريا. أما التطور الثالث فتمثل في تعرض القوات السورية الموالية للرئيس بشار الأسد لقصف تركي مرتين في غضون 3 أيام، في مناطق تخضع عسكرياً لسيطرة قوات «قسد» المدعومة من تحالف دولي تقوده واشنطن.
وقالت عملية «العزم الصلب» بالتحالف الدولي المناهض لتنظيم «داعش»، في بيان نشر على حسابها بموقع «تويتر» أمس: «إن طائرة مُسيرة بدون طيار استهدفت فتيات ناشطات في برنامج التوعية التعليمية للأمم المتحدة في الحسكة أثناء لعبهن كرة الطائرة»، دون تحديد الجهة الفاعلة. وأدان البيان الهجوم بشدة وأي هجوم آخر يقتل أو يستهدف المدنيين، مضيفاً أن «مثل هذه الأعمال تتعارض مع قوانين النزاع المسلح التي تتطلب حماية المدنيين». وحذر بيان «العزم الصلب» من تصاعد الأعمال العدائية العسكرية شمال سوريا معتبراً أنها «تخلق حالة من الفوضى في منطقة هشة حيث لا يزال تهديد تنظيم (داعش) قائماً».
واللافت أن هذا القصف التركي استهدف منطقة خاضعة لسيطرة قوات «قسد» تقع على بعد نحو 45 كيلومتراً عن الحدود التركية. وبحسب الاتفاقيات الثنائية بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية مع تركيا، يسمح للأخيرة بخرق الأجواء السورية في عمق 30 كيلومتراً، لكنها المرة الأولى التي تقصف فيها نقطة تقع في محيط قاعدة للتحالف الدولي تبعد عنها كيلومترين فقط من جهتها الشرقية. كما تعد هذه الحادثة الأولى من نوعها منذ عملية «نبع السلام» التركية (في أكتوبر (تشرين الأول) 2019) والسيطرة على مدينتي رأس العين بالحسكة وتل أبيض في الرقة.
في غضون ذلك، التقط طيار روسي كان بجولة تفقدية على متن مروحية روسية صوراً ومقاطع فيديو تظهر قواعد أميركية شمال شرقي سوريا. ونشر الطيار الصور على حساب (عملية Z) على منصة تليغرام تظهر تحركات عدد من الجنود الأميركيين وآليات عسكرية ونقاط تمركزهم في قاعدتي رميلان النفطية الواقعة بالقرب من الحدود العراقية، وقاعدة هيمو غرب مدينة القامشلي. وهذه المرة الأولى التي تُنشر فيها مثل هذه اللقطات المثيرة لمروحية روسية تحلق فوق قواعد ونقاط تمركز القوات الأميركية المنتشرة شرق سوريا.
ومنذ التهديد التركي الأخير بشن عملية عسكرية ضد قوات «قسد» العربية – الكردية، كثفت المروحيات الروسية طلعاتها فوق أجواء المناطق المحاذية للحدود التركية. وتنتشر في هذه المنطقة قواعد أميركية وتعيد هذه الحادثة إلى الأذهان؛ صور ومشاهد حالات التصادم التي تكررت خلال سنوات 2020 و2021 بين جنود الجيش الأميركي والشرطة العسكرية الروسية، التي تنتشر في هذه المنطقة المتداخلة والخاضعة عسكرياً لنفوذ قوات «قسد».
ومن بين التطورات الميدانية الثلاثة، إصابة جنديين من الجيش السوري الجمعة بقصف مدفعي تركي على نقاطه المنتشرة في قرية الدردارة شمال بلدة تل تمر الواقعة أقصى شمال غربي محافظة الحسكة، في ثاني حادثة من نوعها في غضون أسبوع، بعد مقتل 3 عسكريين وجرح 6 آخرين من الجيش النظامي في 16 من الشهر الحالي إثر استهداف الطيران الحربي التركي نقطة عسكرية في بلدة عين العرب (كوباني) بريف حلب الشرقي.
على الصعيد السياسي وتعليقاً على شروط التقارب بين دمشق وأنقرة وتركيز تركيا على القضاء التام على «التهديد الإرهابي» على طول الحدود التركية – السورية، قالت نوروز مسلم عضو المكتب التنظيمي لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي»، إحدى أبرز الجهات السياسية التي تدير الإدارة الذاتية شرق الفرات، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «الادعاءات» التركية بالتوسط من أجل «مصالحة» بين المعارضة السورية والنظام الحاكم في دمشق وإعادة اللاجئين إلى ثلاث مدن سورية خاضعة لقبضة النظام «ليست إلا ادعاءات واهية وغير صحيحة هدفها إظهار صورتها (تركيا) بشكل جيد أمام المجتمع الدولي… لكنها في الحقيقة ترتكب جرائم مفجعة بحق الشعب السوري وتقصف بطائراتها المسيرة المدن والقرى الآهلة بالسكان».
وتابعت مسلم حديثها قائلة: «تركيا ليس بإمكانها كسر إرادة الشعب الذي دفع عشرات الآلاف من الشهداء ثمناً لتحرير هذه الأراضي من تنظيم (داعش) الإرهابي». واعتبرت أن أنقرة تريد ضرب «مشروعنا الديمقراطي». وعن إمكانية موافقة السلطة السورية على الشروط التركية وضرب القوات الكردية التي تصنفها أنقرة «إرهابية»، ترى السياسية الكردية نوروز أحمد أن دمشق لديها رغبة بإعادة العلاقات مع أنقرة، لكنها تساءلت قائلة: «هل ستحارب دمشق الإدارة الذاتية لشمال سوريا وقواتها العسكرية التي هي جزء كبير وحقيقي من سوريا، من أجل استرجاع العلاقات مع أنقرة؟». ورأت أن سلوك السلطة السورية «المتعنت» وإصرارها على «عودة البلاد إلى ما قبل 2011» (الثورة ضد الأسد) يُفهم على أنه «بمثابة قبول ضمني للشروط التركية، في حال حققت أنقرة (في المقابل) مطالب دمشق».
——————–
مطالب اردوغان والأسد: تصفية سياسية للمعارضة والقضاء على «قسد»/ منهل باريش
تستمر صحيفة «Türkiye Gazetesi» المقربة من حزب العدالة والتنمية بنشر ملامح الانعطافة السياسية التركية تجاه النظام السوري، بعد عدة تصريحات سياسية أطلقها وزير الخارجية مولوود تشاووش أوغلو. وقالت الصحيفة، الأربعاء، إن «دمشق تريد أن تصبح جاراً لتركيا بعد 11 عاماً» وحددت مطالب الطرفين بخمسة مقابل خمسة. حيث يشترط النظام السوري لتطبيع العلاقات مع تركيا، تسليم معبر باب الهوى الحدودي (جيلفي غوزو) ومعبر كسب إلى إدارة النظام. والمطلب الثاني هو أن تسلم أنقرة الطريق الواصل بين معبر باب الهوى وطريق حلب-دمشق لسيطرة النظام. ورغم عدم الخوض في التفاصيل إلا أن ذلك يعني تسليم الطريق والبلدات والمدن التي يمر بها الطريق التقليدي والذي يمر بسرمدا وحزانو ومعرتمصرين وإدلب وسرمين وصولا إلى سراقب. وفي المطلب الثاني يشترط النظام تسليم طريق اللاذقية-حلب-الحسكة والمعروف بطريق M4.
ويشدد النظام على ان تقوم تركيا بدعمه في وجه العقوبات الأمريكية وعقوبات الاتحاد الأوروبي التي تشمل رجالات حكومة النظام بشكل عام وهذا يعني ضمنا جنرالات الجيش والأمن المتهمين بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ويربط النظام عملية مكافحة الإرهاب بعودة النفط بشكل كامل إلى سلطته، إضافة لوجوب دعم تركيا له بمجالات الزراعة والبنية التحتية والسدود والمياه وشبكة الطرق. في حين يحدد المطلب الخامس دعم تركيا للنظام سياسيا في مسائل عودته إلى المؤسسات الإقليمية والدولية ومنها منظمة التعاون الإسلامي وممارسة ضغطها على شركائها العرب من أجل استعادة مقعد جامعة الدول العربية.
في مقابل مطالب النظام السوري، طالبت أنقرة بتطهير كامل الأراضي السورية من عناصر حزب العمال الكردستاني وذراعه السورية الممثلة بوحدات حماية الشعب الكردية، والقضاء على تهديد الإرهاب مع حدودها بشكل تام، والتزام النظام بعملية الدمج السياسي والعسكري مع المعارضة بطريقة صحيحة، وتحديد محافظات حمص ودمشق وحلب كمناطق اختبار أولية لعودة اللاجئين وان تشرف أنقرة على عملية العودة في المرحلة الأولى وان تتابع إجراءات ما بعد عودتهم وإسكانهم في مناطقهم. ونصت المطالب التركية على تطبيق مسار جنيف وكتابة دستور جديد وديمقراطي لسوريا وإجراء انتخابات حرة ونزيهة والإفراج عن السجناء السياسيين وخاصة منهم النساء والأطفال والمرضى.
ورغم عدم إشارة الصحيفة المقربة من حزب العدالة والتنمية إلى تفاصيل إضافية، إلا أنها تحدثت عن لقاء الوفدين التركي والسوري من دون تحديد ان يكون اللقاء على المستوى الدبلوماسي أو انحصاره باللقاءات الأمنية المعتادة.
ميدانيا، ارتكبت قوات النظام السوري مجزرة في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، حيث قصف براجمات الصواريخ منطقة سوق الهال القديم، ما أسفر عن مقتل 17 مدنيا بينهم ستة أطفال وإصابة أكثر من 35 بجروح خطيرة. ورجح المرصد السوري لحقوق الإنسان ارتفاع عدد القتلى بسبب عدد الجرحى الكبير. وأكد أن مصدر القصف هو مواقع قوات النظام في ريف حلب الشمالي، ويأتي القصف بعد أيام من قصف الطيران الحربي التركي موقعا لقوات النظام في عين العرب/كوباني وعلى اعتبار ان النظام لن يتجرأ على التصعيد المباشر مع أنقرة وقصف نقاط الجيش التركي في ريف حلب الشمالي، ينتقم من المدنيين كما جرت العادة، حيث تركز القصف على الأحياء السكنية والسوق الشعبي. والجدير بالذكر أن أغلب القتلى والجرحى هم من النازحين من أرياف إدلب وبالأخص مدينة معرة النعمان.
في السياق، اعترفت قوات سوريا الديمقراطية «قسد» باستهداف الأراضي التركية ردا على تصعيد الهجمات من قبل القوات التركية على مناطق في شمال وشرقي سوريا.
وأشار المركز الإعلامي لـ «قسد» الخميس، إلى أنها نفذت ثلاث عمليات على الحدود التركية-السورية في مواقع تابعة لمدن أورفا، وغازي عنتاب، وماردين التركية. وأضاف البيان ان العمليات أدت إلى مقتل «سبعة جنود أتراك، بينهم ضابط وعنصر من الاستخبارات، وجرح ثلاثة آخرين» معتبرة أنه يأتي في إطار ما وصفته «حق الرد المشروع».
في حين أعلنت وزارة الدفاع التركية وفاة جنديين وإصابة ثلاثة آخرين، أحدهم قتل على الفور، الثلاثاء، والآخر بعد يوم متأثرا بقصف من قبل «الإرهابيين» على معبر جيجيكالان الحدودي مع سوريا بولاية شانلي أورفا.
وأتى قصف قسد بعد استهداف الطيران الحربي التركي، الثلاثاء، موقعا عسكريا لقوات النظام في تل جارقلي بعين العرب/كوباني، أقصى شرق محافظة حلب، والذي أدى إلى مقتل ثلاثة جنود من جيش النظام السوري وإصابة ستة آخرين، حسب ما نقلت وكالة الأنباء السورية «سانا» عن وزارة الدفاع في حكومة النظام السوري.
وزاد نشاط الطائرات المسيرة التركية في منطقة شمال شرق سوريا التي تسيطر عليها «قسد» وقتلت الطائرات بدون طيار ثلاثة عناصر من «قسد» في هجوم استهدف معمل الإسفنج بالقرب من قرية شموكة التابعة لبلدة تل تمر بريف الحسكة الغربي.
وفي إطار التوتر قرب الحدود التركية السورية، دفع الجيش التركي بتعزيزات إلى مناطق عدة في أرياف محافظة حلب، ليل الثلاثاء، من معبر الحمام في عفرين إلى داخل المدينة، ورتل آخر من معبر باب السلامة بريف حلب الشمالي وتمركزت في القاعدة العسكرية التركية قرب مدينة اعزاز.
وصعد الجيش التركي من وتيرة قصفه على المناطق التي تنتشر فيها «قسد» والأخص بالذكر مدينة تل رفعت. كما قصفت فصائل الجيش الوطني السوري المعارض قرى حربل والمديونة وحصية الواقعة في جوار تل رفعت والتي تسيطر عليها «قسد». وعلى الجهة المقابلة لعفرين قصفت المدفعية التركية عدة مواقع تتبع لـ«قسد» قرى صوغانكة وقنطرة وأبين بناحية شيراوا.
ومع توتر الأوضاع الثلاثاء، نفى وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، البدء بهجوم تركي ضد «قسد» في شمال سوريا، وأتى تصريح الوزير بإطلاق تحذيرات عبر مكبرات الصوت في المساجد، حذرت المواطنين من الخروج من منازلهم بسبب انطلاق العملية العسكرية. واعتبر صويلو إن الإعلان الذي أذيع في مساجد بلدة كاركاميش بشأن شن عملية عسكرية في سوريا «تجاوز الغرض المطلوب» مشيراً إلى أن السلطات لم تفرض حظر تجول في المنطقة.
ومن المرجح أن تتطور اللقاءات بين دمشق وأنقرة وتخرج من الغرف الأمنية المغلقة لتتحول إلى لقاءات سياسية في وقت غير قصير، إلا أن صعوبة الملفات وتعقيداتها بين الجانبين ستحول دون إنجاز في القريب العاجل، إلا أن اردوغان يسعى إلى الاستثمار في الورقة السورية إلى أقصى حد قبيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية العام المقبل، ونزعها من يد المعارضة التركية التي جعلتها شغلها الشاغل. في المقابل فإن النظام السوري سيسعى إلى الاستفادة الاقتصادية وفرض سيطرته على المعابر والطرق التي لم ينجح بكسبها في الحرب ضد المعارضة السورية. إلا انه لن يمضي قدما لتسهيل فوز اردوغان بولاية رئاسية جديدة، فهو بالتأكيد يفضل هزيمته ووجود رئيس آخر، يقدم الكثير من التنازلات مقابل ورقة حزب العمال الكردستاني. في نهاية الأمر، ستؤول الأمور إلى تصفية المعارضة السياسية السورية، عبر دمج بضعة أشخاص سياسيين وعسكريين مقربين من أنقرة، يحصلون على مقعد وزاري ومنصب في إدارة هامشية في جيش النظام، لكنه كاف لإعطاء شرعية صورية لعملية الانتقال السياسي والمصالحة السياسية، وبالطبع سيحصل ذلك بالتوازي مع القضاء على «قسد» لإرضاء أنقرة.
القدس العربي
———————–
مجزرة الباب كردّ على المصالحة التركية/ عبسي سميسم
ردّ النظام السوري على التصريحات السياسية المتلاحقة من مسؤولي الحكومة التركية التي تضمّنت دعوة لإجراء مصالحة، أو “اتفاق” بينه وبين المعارضة، والحديث عن خطة لإعادة لاجئين سوريين من تركيا إلى مناطق سيطرة النظام، بمجزرة مروعة ارتكبتها قواته بحق المدنيين في مدينة الباب في ريف حلب.
ويبدو رد النظام العسكري على كل ما يتم طرحه من الجانب التركي رسالة واضحة تظهر الوجه الحقيقي للنظام الذي لا يجيد إلا لغة القوة والقتل والتعذيب بحق السوريين، وهي رسالة موجّهة بشكل خاص للاجئين السوريين الذين يفكرون بالعودة إلى مناطق النظام، مفادها أن عودتهم ستكون مشروطة بالخنوع والإذلال والمحاسبة، مهما كانت الضمانات الدولية التي توضع لعدم التعرض لهم.
كما أن الشروط التي وضعها النظام لاستعادة علاقاته مع أنقرة، وقصفه واحدة من أكثر المدن اكتظاظاً بالسكان، من التي تسيطر عليها الفصائل المدعومة من تركيا، هي رسالة استفزازية لأنقرة، مفادها أن النظام لن يقبل أياً من الطروحات التركية، التي لا تزال مستمرة على شكل مبادرات ونصائح تشير جميعها إلى انعطاف من قبل حكومة أنقرة باتجاه اتخاذ خطوات تطبيعية مع النظام. أما الأخير فيثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأنه غير معني بأي اتفاق أو مصالحة مع المعارضة، كما يثبت أنه غير مستعد لقبول عودة أي لاجئ غادر البلاد. وقدّم دليلاً جديداً على أنه غير معني بتقديم ضمانات أمنية لأي عائد، وذلك باعتقاله أخيراً شخصين من بلدة مضايا، عادا طوعاً من تركيا عبر معبر كسب بعد التنسيق مع لجنة المصالحة، كما اعتقل شخصاً ثالثاً عاد عبر معبر جرابلس.
كل ذلك يجعل من الخطوات المتقدمة التي تتخذها تركيا تجاه النظام غير مفهومة، ومثيرة للاستغراب، إلا إذا كانت حكومة حزب العدالة والتنمية تعي تماماً أن نظام الأسد لن يتمكن من الاستجابة لأي من طروحاتها، وأن تلك الطروحات تندرج في إطار مناورات سياسية تتعلق بالشأن الداخلي التركي وترتبط بشكل أساسي باستحقاق الانتخابات الرئاسية بهدف سحب البساط من تحت المعارضة التركية التي تستخدم موضوع إعادة اللاجئين السوريين كورقة سياسية.
هذا الأمر ربما يكون ما دفع الحكومة التركية لمواجهة المعارضة بطروحاتها نفسها من خلال طرح ملفات تتعلق بإعادة اللاجئين، سواء إلى مناطق سيطرة الفصائل التي تدعمها في شمال سورية، أو إعادة اللاجئين من مناطق النظام إلى مدنهم، وبالتالي سحب تلك الذريعة منها. ولكن مهما تكن أسباب ودوافع التقارب التركي مع النظام، فإنه يتوجب على أنقرة عدم السماح للنظام بتكرار مجزرة الباب التي يجب ألا تمر من دون رد مناسب.
—————————
الاسد مدعو لاجتماع يحضره اردوغان في أوزبكستان..هل يلتقيان؟
دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رئيس النظام السوري بشار الأسد لحضور اجتماع منظمة “شنغهاي للتعاون” المزمع عقده في اوزبكستان منتصف ايلول/سبتمبر المقبل، فيما يصل وزير الخارجية في حكومة النظام السوري فيصل المقداد الاثنين، إلى العاصمة الروسية موسكو، حيث يلتقي نظيره الروسي سيرغي لافروف، مدفوعاً بتصريحات تركية تمهد لتقارب بين أنقرة ودمشق.
وذكرت وكالة “تسنيم” الايرانية بأن بوتين دعا الاسد للمشاركة في اجتماع منظمة “شنغهاي” للتعاون الذي يحضره كل من الرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس التركي رجب طيب اردوغان.
وكشفت “تسنيم” الإيرانية عن جهود روسية تبذل لأجل عقد لقاء بين أردوغان والأسد، خلال الاجتماع المرتقب لقادة منظمة “شنغهاي للتعاون” في مدينة سمرقند في أوزبكستان. وقالت “تسنيم” إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعا كلّاً من أردوغان والأسد إلى المشاركة في هذه القمة، لافتة إلى احتمال لقاء بين الطرفين على هامش القمة.
وأشارت الوكالة الإيرانية إلى أن رئيس “حزب الوطن” التركي دوغو برينجك بصدد القيام بزيارة قريبة إلى دمشق على رأس وفد سياسي ودبلوماسي، يلتقي فيها الأسد.
وأضافت أن عدداً من الوزراء السابقين والدبلوماسيين المخضرمين الأتراك سيرافقون برينجك في هذه الزيارة، مشيرة إلى أن الزيارة ستتم عبر طائرة خاصة، وهي أول رحلة طيران مباشرة من تركيا إلى دمشق منذ 2011.
وتابعت “تسنيم” الإيرانية أنه بحسب المعلومات التي وصلت إليها، فإنه “في حال كانت هذه الزيارة إيجابية، والتقرير المرفوع بشأنها وتقييم كل من دمشق وأنقرة لها إيجابيين، فسيكون هناك احتمال لعقد لقاء بين زعيمي البلدين على هامش الاجتماع المقبل لمنظمة شنغهاي في أوزبكستان”.
المقداد في موسكو
وتمهيداً للاجتماع، يصل المقداد الى روسيا الاثنين. وقالت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام إن المقداد سيبحث مع لافروف، “آفاق تطوير العلاقات الثنائية، والملفات المرتبطة بتطورات الأوضاع الميدانية في سوريا”.
وتأتي زيارة المقداد في ظل الحديث عن مصالحة تركية مع النظام السوري برعاية روسية، من أجل الاتفاق على بعض المطالب التي حددها كل طرف بخمسة بنود من أجل المضي قدماً، والجلوس حول طاولة المفاوضات، حسبما ذكرت وسائل إعلام تركية.
من جانبها، قالت وزارة الخارجية الروسية الخميس، إن لافروف سيعقد مع نظيره السوري جلسة مباحثات في العاصمة موسكو، الثلاثاء.
وأفاد نائب مدير قسم المعلومات والصحافة في الخارجية الروسية، إيفان نيتشايف بأن محادثات لافروف والمقداد سيم خلالها “تبادل مفصّل لوجهات النظر حول قضايا الساعة على جدول الأعمال الدولي والإقليمي”.
ووفقاً لنيتشايف، فإن المباحثات ستولي “اهتماماً خاصاً بالتسوية السورية وعمل اللجنة الدستورية السورية والوضع حول سوريا”. ولفت إلى أن الوزراء “سينظرون في حالة وآفاق تطوير العلاقات الروسية السورية متعددة الأوجه”.
وكان النظام قد علّق مشاركته بالجولة التاسعة من اللجنة الدستورية التي كان من المقرر أن تُعقد مع وفد المعارضة في مدينة جنيف خلال الفترة ما بين 25 و29 تموز/يونيو بإشراف المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن، لكن الأخير أعلن عن تأجيلها إلى أجل غير مسمى، بعد تعليق النظام مشاركته إلى حين تلبية مطالب روسيا بنقل مكان الاجتماعات من جنيف، على خلفية العقوبات التي فرضتها سويسرا على روسيا ومسؤوليها، عقب بدء حربهم ضد أوكرانيا.
——————————-
داود أوغلو يحذر من انجرار تركيا وراء التطبيع مع الأسد/ سعيد عبد الرازق
أكد أنه لا يمكن الثقة بأي ضمانات بشأن عودة اللاجئين
انتقد رئيس حزب «المستقبل» المعارض رئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد داود أوغلو ما وصفه بـ«انجرار حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان وراء المطالب الروسية وإعادة العلاقات مع النظام السوري وتسليمه اللاجئين قبل تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2254)».
وعبر داود أوغلو، الذي كان وزيراً لخارجية تركيا عندما اندلعت الحرب الداخلية في سوريا، عن انزعاجه من التقارب الذي تبديه تركيا حالياً مع النظام السوري، والاستدارة التي قام بها الرئيس رجب طيب إردوغان، نزولاً عند رغبة روسيا وإعلانه عن ضرورة رفع مستوى المحادثات مع النظام السوري إلى مستويات أعلى. وقال داود أوغلو، خلال فعالية لحزبه في أنقرة ليل السبت – الأحد تحت عنوان: «مشكلة الهجرة غير النظامية ومقترحات الحل بتوجيه من عقل الدولة وضمير الأمة»: «لقد تحولوا جميعاً، وليس جاويش أوغلو (وزير الخارجية التركي الحالي) فقط؛ بل إردوغان وحليفه رئيس حزب (الحركة القومية)، دولت بهشلي؛ لأن بوتين يريد ذلك، بينما لا يقوم النظام السوري بأي خطوات مقابلة، تماماً كما في العلاقات مع مصر. إذا تم تطوير العلاقات بهذا الشكل؛ فإن تركيا ستعاني من ذلك».
وقال إردوغان، في تصريحات لصحافيين رافقوه في طريق عودته من أوكرانيا نشرت الجمعة، إن بلاده ليست لها أطماع في أراضي سوريا ولا تهدف إلى هزيمة أو إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، وإنما إلى مكافحة الإرهاب الذي يهدد حدودها، ملمحاً في الوقت ذاته إلى تصعيد مستوى الاتصالات مع دمشق، بعدما أصر لعقد كامل على رفض التعامل مع الرئيس السوري بشار الأسد الذي دأب على وصفه بالقاتل، مطالباً برحيله. وقبل ذلك، أعلن إردوغان عقب لقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أنه طلب منه التنسيق مع الأسد بدلاً عن اللجوء إلى عملية عسكرية ضد أكراد سوريا لتأمين حدود تركيا الجنوبية.
وأعلن وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، مؤخراً، عن لقاء سريع جمعه مع نظيره السوري فيصل المقداد في بلغراد العام الماضي، مؤكداً ضرورة التصالح بين المعارضة والنظام، مما تسبب في احتجاجات ضد تركيا في شمال سوريا.
وقال داود أوغلو إن «النظام غير مستعد لصنع السلام في سوريا… الأسد كان سبباً في مقتل نحو 600 ألف مدني، ومن بين هؤلاء من ماتوا بالأسلحة الكيماوية، كيف سيثق اللاجئون بهذا النظام؟ ولو افترضنا أنهم عادوا بالتوازي مع ضمانات بعض الأطراف، فماذا سيفعل هؤلاء إن عاد نظام الأسد ونقض عهده في تقديم الضمانات؟ هؤلاء سيعودون مرة أخرى إلى واقع اللجوء، لا يمكن أن تتحقق عودة اللاجئين إلا بتطبيق القرار (2254)».
ولفت داود أوغلو إلى أن الحكومة التركية «ارتكبت خطأ في السابق بالتخلي عن أحياء حلب الشرقية أواخر عام 2016 وفق تفاهمات تركية – روسية، وكان ذلك سبباً في ازدياد أعداد اللاجئين القادمين من سوريا في ذلك الوقت». وحذر داود أوغلو، الذي وقع عندما كان رئيساً لوزراء تركيا اتفاقية الهجرة وإعادة قبول اللاجئين مع الاتحاد الأوروبي والتي بموجبها منعت تركيا تدفق اللاجئين السوريين وغيرهم على دول أوروبا، من أن الضمانات التي قد تقدمها روسيا ونظام الأسد في سبيل عودة اللاجئين لن تكون موضع ثقة، «وهو ما سيدفع بالنازحين الموجودين في مناطق محافظة إدلب (شمال غربي سوريا) إلى موجة لجوء جديدة باتجاه تركيا».
على صعيد آخر، ذكرت وكالة «الأناضول»، الأحد، أن المخابرات التركية نجحت بعملية جديدة في القامشلي بمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا في القضاء على القيادي في «وحدات حماية الشعب» الكردية، محيي الدين غولو. ووسعت تركيا، مؤخراً، استهدافاتها للقياديين في «وحدات حماية الشعب» الكردية؛ أكبر مكونات «تحالف قوات سوريا الديمقراطية (قسد)»، عبر غارات الطائرات المسيرة في المناطق الواقعة تحت سيطرة «قسد» في شمال وشمال شرقي سوريا، وتركزت الضربات بشكل أساسي في عين العرب (كوباني) والقامشلي وأرياف الحسكة، وسط توقعات بالحصول على ضوء أخضر من روسيا لتنفيذ تلك العمليات لشل قدرات «قسد» والتخلي عن العملية العسكرية في شمال سوريا التي لوحت بها تركيا منذ مايو (أيار) الماضي.
في غضون ذلك، قالت وزارة الدفاع التركية، في بيان، إن القوات الخاصة التركية قتلت اثنين من عناصر «الوحدات» الكردية كانا يحاولان تنفيذ هجوم على مناطق «نبع السلام» الخاضعة لسيطرة تركيا و«الجيش الوطني السوري» الموالي لها في شرق الفرات. كما أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بوقوع اشتباكات بالرشاشات الثقيلة، بين فصائل «الجيش الوطني» و«قسد» على محور قرية مشيرفة في ريف ناحية عين عيسى شمال الرقة، وتبادل الطرفان القصف بالقذائف المدفعية على مناطق السيطرة التابعة لكل منهما، بعد نحو أسبوع من الهدوء الحذر بمناطق التماس في ريف الرقة. وفي الوقت ذاته، قتل عنصر من «الجيش الوطني» متأثراً بإصابته بطلقة قناص جراء استهدافه من قبل قوات النظام على محور بلدة تادف بريف الباب شرق حلب. وقصفت القوات التركية والفصائل الموالية لها بالمدفعية الثقيلة، قريتي حربل واحرص في ريف حلب الشمالي.
الشرق الأزسط
———————
تصاعد حدة المواجهات على محاور حلب
تركيا لا ترى أنها مسؤولة عن الأوضاع الحالية في سوريا
تصاعدت حدة المواجهات بين القوات التركية والفصائل الموالية لها من جانب و«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) والنظام السوري من جانب آخر، في محافظة حلب على خلفية المجزرة التي ارتكبتها قوات النظام في مدينة الباب أول من أمس، في وقت أكدت فيه تركيا أنها ليست مسؤولة عن الوضع الذي وصلت إليه سوريا.
ودخل أهالي مدينة الباب، الواقعة ضمن سيطرة القوات التركية وفصائل «الجيش الوطني السوري» الموالي لأنقرة ضمن ما يعرف بمنطقة «درع الفرات»، إضراباً عاماً تسبب في شلل مرافق الحياة في المدينة الواقعة في ريف حلب الشمالي الشرقي، حداداً على أرواح من سقطوا في المجزرة التي ارتكبها النظام بصف أحياء سكنية وسوق شعبية، يوم الجمعة. ويُعتقد أن قصف النظام للمدينة كان رداً على مقتل عدد من جنوده في الغارة التركية على قاعدة عسكرية تابعة له في عين العرب (كوباني) قبل أيام في أعقاب مقتل جنديين تركيين وإصابة 3 آخرين في قصف على مركز للشرطة في شانلي أورفا مصدره مواقع النظام و«قسد» في عين العرب.
وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن المجزرة التي ارتكبها النظام خلفت 17 قتيلاً، بينهم 6 أطفال، إضافة إلى إصابة 35 شخصاً بعضهم في حالة خطيرة.
وتبادلت القوات التركية وفصائل «الجيش الوطني» القصف مع قوات النظام على محاور التماس بريف الباب، عقب المجزرة التي تعد الأكبر التي تنفذها قوات النظام في المنطقة منذ فترة طويلة.
وقصفت القوات التركية والفصائل الموالية لها بالمدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ، السبت، 9 قرى في ريف حلب الشمالي ضمن مناطق انتشار «قسد»، حيث سقطت قذائف مدفعية على قرى سموقة وتل مضيق ووردية وسد الشهباء وخربشة وتل زويان والشعالة ورادار الشعالة وأطراف مدينة تل رفعت بريف حلب الشمالي، بحسب «المرصد».
عناصر من «الجيش الوطني السوري» المدعوم من أنقرة خلال إطلاق صواريخ في اتجاه مواقع قوات النظام رداً على «مجزرة الباب» (د.ب.أ)
في الوقت ذاته، وصلت القوات التركية والفصائل استهدافها لمواقع «قسد» بريف الحسكة الشمالي قرب الحدود السورية – التركية، حيث استهدفت المدفعية التركية بالقذائف مزارع تعود ملكيتها للأهالي في قرية قرمانية غرب الدرباسية، بالتزامن مع استهداف مسيرة تركية لمنطقة فارغة بالقرب من المدرسة في الحي الغربي للمدينة.
في غضون ذلك، أعلنت وزارة الدفاع التركية عن «تحييد» 11 من عناصر «وحدات حماية الشعب» الكردية، أكبر مكونات «قسد»، مشيرة، في بيان، إلى أن قواتها الخاصة نفذت عملية ناجحة قضت خلالها على هؤلاء أثناء استعدادهم لتنفيذ هجوم على منطقة عملية «درع الفرات» لزعزعة الأمن والاستقرار فيها.
سياسياً، اعتبر نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، نعمان كورتولموش، أن بلاده ليست هي المسؤولة عن الوضع الذي آلت إليه سوريا، وأن الشعب السوري دفع ثمناً باهظاً نتيجة الحرب الدائرة في بلادهم، مشيراً إلى أن القضية الآن بين الشعب وبين نظام الرئيس بشار الأسد وليس بين تركيا والأسد. وأضاف أن على الأطراف الخارجية إيجاد حل سريع «بدل إرسال الأسلحة» لسوريا، في إشارة إلى دعم الولايات المتحدة لـ«وحدات حماية الشعب» الكردية باعتبارها حليفاً وثيقاً في الحرب على «داعش». كما طالب بجهود لـ«إرشاد النظام إلى نقطة السلام والتوصل إلى حل يرضي الشعب السوري».
وأضاف كورتولموش، في مقابلة تلفزيوينة، أن تركيا ليست المسؤولة عن وصول القضية السورية إلى هذا المنحنى، معتبراً أن نظام الأسد يستمر بالضغط على الشعب في كل فرصة و«على الشعب السوري أن يكون يداً واحدة من أجل وحدة أراضيه».
وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قد قال، في تصريحات نُشرت الجمعة، إن بلاده ليس لها أطماع في أراضي سوريا ولا تهدف إلى هزيمة أو إسقاط نظام الأسد وإنما إلى مكافحة الإرهاب الذي يهدد حدودها، ملمحاً في الوقت ذاته إلى تصعيد مستوى الاتصالات مع دمشق.
——————
عن الاستدارة التركية صوب سوريا وإسرائيل.. فتّش عن الغاز أيضا/ عريب الرنتاوي
على نحو متزامن، ترافق إعلان تركيا عن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل على مستوى السفراء، مع تصريحات لوزير خارجيتها يشي باستعداد أنقرة لاستئناف اتصالاتها مع دمشق، وتسهيل الحوار بين نظام الأسد ومعارضيه، وتدشين مرحلة جديدة من الاتصالات السياسية (لا الاستخبارية فقط) مع حاكم لطالما قالت فيه القيادة التركية، ما لم يقله مالك في الخمر.
من الناحية الظاهرية، ليست ثمة علاقة سببية بين المسارين، أو “الاستدارتين”، في السياسة الخارجية التركية. ولقد حرص الناطقون باسم حكومة العدالة والتنمية، على وضع الانفتاح على دمشق، في سياق مغاير لاستداراتها السابقة صوب كل من إسرائيل ومصر والسعودية والإمارات. لكن التأمل مليا في دوافع هذه الانقلابات المتتالية في السياسة التركية حيال دول الجوار المباشر والبعيد، يشي بغير ذلك، بل ويؤكد أن هذه الاستدارات جميعها، جاءت محكومة بعاملين اثنين: أولهما؛ فشل أنقرة في ترجمة أحلامها الإمبراطورية التوسعية التي انتفخت كثيرا في عشرية الربيع العربي، وخروجها من “مولد الربيع بقليل من الحمص”. وثانيهما؛ تفاقم حدة الأزمة المالية – الاقتصادية التي تعتصر البلاد والعباد على مبعدة أقل من عام على أهم استحقاق انتخابي يواجه الرئيس رجب طيب أردوغان خلال عقدين، انتخابات يونيو 2023 الرئاسية.
قلنا من قبل أن أحلام السيد رجب أردوغان التوسعية في سوريا، وعبرها، إلى دول المشرق والمغرب العربيين، تكسّرت بدءا من الدخول الروسي العسكري على خط الأزمة السورية في سبتمبر 2015، وبدل الاستعداد لأداء صلاة الغازي المنتصر في مسجد دمشق الأموي، تقلصت أحلامه العثمانية إلى مجرد شريط أمني حدودي، لم يكتمل، ولم يكن إنجاز ما تحقق منه بعد غزوات أربع للشمال السوري ممكنا، لولا ضوء أخضر مزدوج في الغالب: من موسكو وواشنطن.
قمة طهران الثلاثية التي جمعت أردوغان ببوتين ورئيسي، وبعدها قمة سوتشي الثنائية التي انفرد فيها بوتين بأردوغان، حجبت الضوء الأخضر عن العملية الخامسة التي هدد بها الزعيم التركي وتوعد، بدل المرة عشرات المرات. لكن سوتشي، كما طهران، لم تدع أردوغان يعود إلى بلاده خالي الوفاض، إذ حصل على ما تقول المصادر والتسريبات، على “إجازة” مزدوجة، باستهداف قادة “قسد” الميدانيين بطائراته المسيّرة المتطورة، وهو ما شرع في فعله بنشاط، وإصرار على تنسيق ثلاثي الأبعاد عند التفكير بتوسيع العمل العسكري على مقربة من حدود بلاده الجنوبية مع سوريا. كل ذلك مقابل تعهد الشريكين الآخرين في مسار أستانا، بمساعدته في “ضبط” إيقاع الانفصالية الكردية، وضبضبة “إرهابيي حزب العمال الأتراك منهم والسوريين”، ولملمة شظايا قنبلة اللجوء السوري، قبل أن تنفجر في وجهه في انتخابات الرئاسة القادمة.
تراجع ضجيج الاجتياح التركي الخامس للشمال السوري، ولم تعد طبول الحرب تُقرع بالصخب ذاته، بل وحلت محلها معطيات جديدة، مصدرها أنقرة، وليس دمشق، وتفيد باستئناف التنسيق الاستخباري بعد انقطاع طويل نسبيا، ولقاء ثنائي بين مولود جاويش أوغلو ونظيره السوري فيصل المقداد في بلغراد على هامش اجتماعات “عدم الانحياز”. واللقاء مهم، فهو الأول من نوعه منذ عقد من الزمان، ولا يقلل من أهميته أنه جاء قصيرا ووقوفا على الأقدام.
والأهم من كل هذا وذاك، ما تكشفت عنه تصريحات قادة العدالة والتنمية، وشريكه في السرّاء والضرّاء، دولت بهتشلي على رأس الحركة القومية التركية، والتي تبدي جميعها الاستعداد لطي صفحة الماضي مع دمشق، وتدشين مرحلة من الاتصالات، توطئة للتعاون، وربما استئناف العلاقات الدبلوماسية بالكامل، على غرار ما حصل قبل يومين مع إسرائيل، وسط تسريبات عن ترتيبات لقمة قريبة بين الأسد وأردوغان، قد تكون ثنائية، وقد تتظلل بمظلة “أستانا” فتأخذ شكلا رباعيا بحضور بقية الشركاء.
أردوغان لا يمتلك ترف الوقت لتبديده، فصناديق الاقتراع تستعد لاستقبال أوراقها قريبا، فيما الأزمة الاقتصادية تلقي بظلالها الكثيفة والكئيبة على فرص الرئيس وحظوظه، وهو الذي لم يُهزم في أي اقتراع أو استفتاء طوال عقدين من الزمان. التضخم البالغ حاجز الثمانين بالمئة يقضي على مكاسب الأتراك ويهبط بقدراتهم الشرائية، وانهيار الليرة التركية، تجعل رواتبهم تتناقص باستمرار على الرغم من الزيادات المتكررة التي طرأت عليها في سنوات الأزمة العجاف. الاقتصاد الذي كان رافعة أردوغان وحزبه في كل انتخاب واستفتاء سابق، هو ذاته، الذي قد يكون سببا في إخراجه عن مسرح السياسة التركية، بل وتهديد مستقبليه، السياسي والشخصي، على حد سواء.
انسداد أفق المغامرات وحروب الوكالة وعسكرة السياسة الخارجية من جهة، والجائحة الاقتصادية التي تفاقمت بفعل جائحة كورونا واجتياح أوكرانيا، هما المحرك لكل استدارات الزعيم التركي، وفي كل الاتجاهات، معطوفا عليها في الحالة السورية، رغبة جامحة في احتواء ملف اللاجئين ومصلحة عليا في محاربة أكراد سوريا المقربين من سجين إيمرالي: عبد الله أوجلان.
لكن من الإجحاف بحق رجل عَرف كيف يبقى على رأس الحكم في بلاده، مسجلا رقما قياسيا بعد الزعيم المؤسس لتركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، تفسير كافة تحركاته بحسابات تكتيكية صغيرة، حتى وإن كانت من النوع المتصل بالانتخابات. فالرجل بلا شك، لديه خطط وأحلام لمستقبل تركيا، ولمستقبله الشخصي، تتخطى حدود معركة انتخابية ساخنة واحدة، وهنا في ظني على الباحث في دوافع أردوغان للاستدارة صوب إسرائيل وسوريا، أن يفتّش عن رائحة الغاز التي تزكم الأنوف، والغاز في أزمنتنا الراهنة، انتاجا وإسالة وأنابيب وأسعارا، بات محركا لكثير من السياسات والتحركات والتحالفات الدولية المتحركة، فلماذا حلال على الجميع الجري وراء رائحته النفّاذة، وحرام على أردوغان فعل ذلك، وهو الذي كما قلنا، لم يترك نافذة لتطوير اقتصاد بلاده، إلا وفتحها، أو عمل جاهداً على فتحها.
في خلفية الاستدارة التركية صوب سوريا، ومن قبلها إسرائيل، غاز شرق المتوسط. فهذه المنطقة، وفقا للاستكشافات المؤكدة والتقديرية، تعوم فوق بحر من النفط والغاز، وبعض دوله بدأت الاستكشاف والتنقيب والاستخراج، وبكميات تجارية، فيما تركيا تواجه مأزقا في فعل ذلك، جراء تردي علاقاتها مع كل من قبرص واليونان، ومن خلفها الاتحاد الأوروبي، وعلاقتها المضطربة مع الولايات المتحدة.
في خلفية توجه أردوغان لدول شرقي المتوسط، يحتل الغاز مكانة متقدمة، لا لضمان إمدادات تركيا من الطاقة بأسعار منافسة فحسب، بل ولتحويلها كذلك، إلى “منصة توزيع” للطاقة التي تحتاجها أوروبا.
تركيا عرضت على إسرائيل استيراد غازها واستضافته كمحطة ترانزيت، لكن الأخيرة ما زالت مترددة، وتخشى تقلبات “السلطان” واستداراته. ولن نفاجأ إن رأينا عرضا تركيا على سوريا، بالمشاركة في البحث والاستكشاف والتنقيب، وربما مدّ الأنابيب التي يمكن أن تضخ غازها وغاز لبنان إلى أوروبا عبر تركيا، وهذا خط ساحلي، قصير وغير مكلف، بخلاف الأنبوب الإسرائيلي – القبرصي – اليوناني – الأوروبي، الغاطس في المياه العميقة والمكلف جدا.
ولن نفاجأ كذلك، إن رأينا دوراً تركياً معروضاً على كل من إسرائيل وسوريا، بهدف استئناف وساطة تركية قديمة، لإحلال السلام بينهما، واستضافة مفاوضات علنية وسرية، يجري تحت جناحها التفكير بأنبوب غاز مشترك، يضيف إلى غاز سوريا ولبنان، غازاً من إسرائيل، حتى وإن أدى ذلك إلى إلحاق أضرار فادحة بمصر الطامحة بدور رئيس في إسالة غاز دول الجوار وتصديره أو إعادة تصديره. ألم تلحق علاقات أردوغان المستجدة بإسرائيل ضرراً بالشعب الفلسطيني؟ وهل اكترث صناع السياسة الأتراك لخسائر حليف إسلامي مقرب كحماس، حتى يكترثوا بخسائر خصم قديم وصديق حديث محتمل مثل السيسي؟
يبدو سيناريو كهذا، غير متخيّل في المدى المنظور، جراء ما يباعد بين أنقرة وكل من دمشق وتل أبيب. ولكن من كان يظن أن أردوغان سينعطف بزاوية 180 درجة في سياسته الخارجية، ويعود مهرولا إلى نظرية “صفر مشاكل” التي صاغها وطوّرها خصمه في حزبه ووزير خارجيته الأسبق، أحمد داود أوغلو؟
قد يواجه الرئيس وحزبه الحاكم بعض المعارضة من بعض قواعده الاجتماعية المحافظة والإسلامية، التي تناصب النظام في دمشق أشد العداء، ولكن أليست هذه هي القواعد ذاتها، التي عارضت وتعارض استئناف العلاقة مع إسرائيل، ولماذا الافتراض بأنها ستنجح في وقف قطار المصالحة مع الأسد وهي التي لم تنجح في كبح جماحه مع نفتالي بينت من قبل ويائير لبيد من بعد؟
على أنه سيتعين على السيد أردوغان، وهو يجري مراجعاته واستدارته، أن يفكر مليا بالإجابة على سؤالين اثنين: هل ستسمح واشنطن بـ”الإفراج” عن سوريا و”فكفكة” قيود قانون قيصر؟ وهل ستقبل موسكو بوجود منافس لغازها عبر هذه القنوات والأنابيب؟ سؤالان برسم الأيام القادمة.
الحرة
————————————-
سوريا: أيهما أسهل التطبيع أم المصالحة؟/ سمير صالحة
الرسائل المشفرة التي بعث بها وزير الخارجية التركي مولود شاووش أوغلو في أعقاب قمة طهران الثلاثية في إطار آلية الأستانة أعقبها بعد أيام تصريحات أكثر وضوحا وصراحة أعلنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتوجز استراتيجية التحرك التركية المرتقبة في ملف الأزمة السورية ودوافعها وأهدافها.
من..
“سياسة تركيا تجاه سوريا لم تتغير، وهي نفسها المتبعة منذ كنت رئيسا للوزراء”.
و “لا يمكن بأي حال من الأحوال إنقاذ سوريا في وجود الأسد، كما أن المعارضة السورية لا توافق على حل بوجوده”.
و “لو كان الأسد يحب سوريا والشعب السوري مقدار ذرة لترك السلطة ورحل”.
إلى..
“هدفنا ليس هزيمة بشار الأسد بل التوصل إلى حل سياسي لإنهاء الأزمة السورية. وعلينا اتخاذ مزيد من الخطوات مع النظام السوري من أجل إفساد مخططات في المنطقة. والدول لا يمكنها استبعاد الحوار الدبلوماسي”.
الفارق الزمني طبعا بين مواقف أردوغان يصل إلى 7 سنوات، وهي فترة طويلة في السياسة، لكنها كانت مواقف متوقعة وفرضت على اللاعبين المؤثرين في الملف السوري التأهب لها منذ سنوات نتيجة رغبة قيادة العدالة والتنمية بتسجيل اختراق سياسي في طريقة تعاملها مع المسألة لأسباب داخلية وخارجية كثيرة بات يعرفها الجميع.
انتظرت قوى المعارضة السورية وفصائلها حدوث استدارة في مواقف القيادات التركية حول أسلوب ونهج التعامل مع ملف الأزمة السورية لكنها مثلنا لم تكن تعرف موعدها وأين وكيف ستبدأ؟ السؤال الآن هو ليس كيف تقنع هذه القوى حليفها التركي بالتراجع عن قراراته بل كيف ستستعد هي للمرحلة القادمة بكل ما ستحمله من أعباء ومتطلبات؟ التعويل على أن الحوار بين أنقرة ودمشق سيفشل وسيصل إلى طريق مسدود بين الاحتمالات ربما، لكن ذلك لا يمكن أن يكون الورقة التي ستلعبها قوى المعارضة السورية أمام احتمالات أخرى قد تقودها إلى قرارات صعبة في حال لم تسع لتكون طرفا مؤثرا في الوصول إلى ما يريد سواء أكان أمام الطاولة أو بعيدا عنها.
لم تتردد القيادات التركية في قول ما عندها قبل أشهر باتجاه ضرورات فتح الطريق أمام عملية إعادة تموضع “لا بد منها داخل الائتلاف الوطني السوري تواكب متطلبات وضرورات المرحلة المقبلة على ضوء المتغيرات والمعطيات المحلية والإقليمية الجديدة”. وقوى المعارضة السورية تجاوزت حتما نقاشات هل تغير أنقرة في سياستها السورية، إلى كيف علينا أن نستعد للتعامل مع مصطلحين جديدين ستسمع بهما كل يوم بعد الآن: الطريق إلى التطبيع بين أنقرة ودمشق والطريق إلى المصالحة السورية السورية؟
هناك انسداد إقليمي ودولي في التعامل مع الأزمة السورية لا بد من تخطيه بالنسبة لأنقرة لأنها بين أبرز من يدفع الثمن السياسي والأمني والمادي الباهظ فيه وهي محقة في ذلك. الهدف إذن هو البحث عن فرص وحلول جديدة تنهي أعباء هذا الملف وتفتح الطريق أمام تسويات سياسية حتى ولو كان هو الخيار الأصعب الذي قررت أنقرة اعتماده ومحاولة اختباره في الأشهر المقبلة.
الاندفاعة التركية نحو دمشق تتعلق بنتائج قمة سوتشي التركية الروسية في 5 آب الماضي. وليس مستبعدا أن يكون الملف السوري حلقة في العديد من المسائل التي تم التفاهم حولها بطابع ثنائي وإقليمي، مصحوبا بخطة وضعت خطوطها العريضة لخطة المرحلة الانتقالية السياسية في سوريا ولقيت دعم أطراف إقليمية تريد إنهاء الأزمة. لكن أنقرة ستجد صعوبة في إقناع حليفها السوري بالانتقال من لعب دور الشريك إلى الوسيط بعد سنوات طويلة من التعاون والتنسيق المشترك بين الطرفين. موجات الاحتجاج والاعتراضات في الشارع السوري داخل المناطق المحررة رسالة أيضا لأنقرة، أن المعارضة السورية لن تقبل بالذهاب وراء مرحلة انتقالية دون تعهدات واضحة ومحددة وبغطاء سياسي إقليمي حول مسائل التغيير السياسي والدستوري المحتملة.
معادلة من سيسبق الآخر في المشهد السوري التطبيع أم المصالحة مهمة طبعا. الأولوية ستكون برأينا لمحاولة التطبيع بين أنقرة ودمشق المصحوبة بتفاهمات واضحة ومحددة حول رزمة تفاهمات بتفرعاتها، وعلى ضوء ذلك ستحدد المعارضة السورية موقفها طالما أن الراعي التركي والروسي سيكونان بين الضامنين الجدد لخارطة طريق بديلة في سوريا. فهل ستستعد قوى المعارضة السورية لهذه المرحلة أم انها ستواصل خطوات الشرذمة والتباعد وهو ما يريده النظام قبل غيره؟
تبادل الهدايا قد يكون بين تركيا روسيا أكثر مما قد يكون بين أنقرة ودمشق. تصعيد أردوغان ضد أميركا وإيران على السواء قبل يومين، وانتقاد مواقفهما وسياساتهما في سوريا قد يكون مؤشرا آخر على أن التفاهمات كانت ثنائية وتمت في سوتشي بعكس ما يقال حول أنها كانت ثلاثية وتمت في قمة طهران الثلاثية. ملفت جدا أن نبدأ الحديث عن انطلاقة جديدة في حوار دبلوماسي – سياسي محتمل بين أنقرة ودمشق وأن نرى هذا التصعيد الأمني والقصف الحدودي المتبادل والهجمات الإرهابية التي يشنها النظام وقسد ضد المدنيين السوريين في الشمال. أكثر من طرف له مصلحة في التفجير لعرقلة المسار الجديد، لكن الذي يستوقفنا أكثر هو حديث أردوغان عن أن “الولايات المتحدة وقوات التحالف هم المغذون للإرهاب في سوريا في المقام الأول.. فعلوا ذلك دون هوادة ولا زالوا مستمرين”. هل من الممكن الربط بين هذه التصريحات وبين ما يجري وقد يجري على الحدود التركية السورية في الأيام القليلة القادمة؟
قيل لنا بأنه: “أمام السوريين فرصة ذهبية لإطلاق حوار سوري ـ سوري، في ظل انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا، وانشغال إيران بملفها النووي. عندما كنا نحاول تفسير المقصود بذلك هل الهدف هو الحوار بين فصائل المعارضة السورية المشرذمة أم بين سوريي الداخل تحت سلطة النظام، أم بين النظام والمعارضة السورية؟ فاجأتنا أنقرة بإعلانها أنها في عجلة من أمرها ولن تنتظر مطولا كي تصل الرسائل إلى البعض ويبدأ بتحليلها ودراستها وإعلان موقفه حيالها.
تفصلنا 10 أشهر عن معركة الانتخابات البرلمانية والرئاسية في تركيا والساحة السياسية والحزبية عرضة لأكثر من مفاجأة وتحول في الكثير من المشاهد والاصطفافات والمواقف. تحالف الجمهور الذي يجمع حزب العدالة والتنمية وحليفه من خارج الحكم حزب الحركة القومية يريدان التمسك بمقعد السلطة، والتكتل المعارض الذي يقرب بين أقصى اليسار واليمين يسعى لانتزاع القيادة وإزاحة حزب العدالة بعد 20 عاما من الحكم. كل طرف سيستخدم ما يملكه من أوراق وفرص وقضايا داخلية وخارجية تعزز حظوظه وتوصله إلى هدفه، والملف السوري بكل تفرعاته السياسية والأمنية والاقتصادية هو في كل نقاش بطابع اجتماعي ومعيشي في البلاد حسب استطلاعات الرأي التركية.
تلفزيون سوريا
———————————–
المقاربة التركية الجديدة تجاه دمشق: المعارضة أمام “خيارات صعبة”/ أمين العاصي
تضع المقاربة التركية الجديدة للملف السوري، بالتمهيد لحوار مع نظام بشار الأسد، المعارضة السورية أمام خيارات صعبة، في ظل رفض واسع في الشارع السوري المعارض لأي “مصالحة” أو اتفاق مع النظام لا يلبي طموحات الشارع.
وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تصريحات للصحافيين الجمعة الماضي على متن الطائرة خلال عودته من أوكرانيا، أنه “يتوجب علينا الإقدام على خطوات متقدمة مع سورية، يمكننا من خلالها إفساد العديد من المخططات في هذه المنطقة من العالم الإسلامي”.
وهذه المرة الأولى التي يتحدث بها أردوغان عن إجراء حوار مع النظام السوري بعد أكثر من 11 سنة من انطلاق الثورة، كانت خلالها أنقرة إلى جانب المعارضة السورية المطالبة بتغيير سياسي في البلاد، وفتحت الحدود أمام تدفق ملايين اللاجئين السوريين إلى أراضيها.
وتُعد تركيا اليوم الحليف الرئيسي والأهم للمعارضة السورية التي باتت على مفترق طرق، مع مقدمات التقارب بين أنقرة والنظام الرافض لكل القرارات الدولية، وفي مقدمتها بيان جنيف 1 (2012)، والقرار 2254 (2015)، واللذين رسما خريطة الحل النهائي في سورية.
وتشير المعطيات إلى أن التقارب التركي مع النظام جاء بدفع من الجانب الروسي الذي يريد بقاء بشار الأسد على رأس السلطة في سورية، ومنح المعارضة حقائب وزارية، بعيداً عن سياقات القرارات الدولية. وهو ما يرفضه الشارع المعارض، الذي عبّر عن ذلك من خلال التظاهرات الحاشدة يوم الجمعة قبل الماضي، والتي عمت الشمال السوري الخاضع للنفوذ التركي.
ولم يصدر عن الائتلاف الوطني السوري، والذي يتخذ من مدينة إسطنبول التركية مقراً له، ما يوضح موقفه بشكل جازم من المقاربة التركية الجديدة للقضية السورية، والتي كما يبدو فرضتها تحديات داخلية وخارجية شتى.
لا بوادر تغيير بالاستراتيجية التركية
لكن أمين سر الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري عبد المجيد بركات أشار، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “الائتلاف ليس لديه أي بوادر أو معطيات تشير إلى تبدّل في الاستراتيجية التركية تجاه الملف السوري“، مضيفاً: “ما يُطرح اليوم فرضيات لا تمس جوهر العلاقة بين قوى الثورة والمعارضة والجانب التركي”.
وتابع: “في المقابل، ندرك أن لدى أنقرة محددات وأولويات تنطلق منها في تعاطيها مع الملف السوري، ولدينا في المعارضة ثوابت ومبادئ نستند إليها في تعاطينا مع مجمل الحالة السورية”.
وأكد أنه “من خلال التواصل مع الجانب التركي لم يُلحظ أي تغيّر” مضيفاً: “تصريحات المسؤولين الأتراك لم تخرج عن سياق التوجه الدولي للتوصل إلى حل سياسي للقضية السورية، وتطبيق القرار الدولي 2254”.
وأشار إلى أنه “علينا أن نتفهم التصريحات التركية وسياقها”، متابعاً: “الائتلاف ينطلق من مبادئ الثورة في التعاطي مع العملية السياسية، وتركيا أكثر من حليف لقوى الثورة والمعارضة السورية. الحديث عن تغيّر في الاستراتيجية التركية تجاه القضية السورية ربما غير دقيق”.
وتضم المعارضة العديد من المنصات السياسية المنضوية في “هيئة التفاوض”، والتي تشرف على عملية التفاوض مع النظام في مدينة جنيف، وفق القرارات الدولية، وأبرزها “منصة القاهرة”، و”منصة موسكو”، و”هيئة التنسيق الوطنية” التي تمثل معارضة الداخل السوري، إضافة إلى مستقلين.
وتتمسك هذه المنصات بالقرارات الدولية ذات الصلة بالملف السوري، باستثناء “منصة موسكو” التي تتماهى تماماً مع الرؤية الروسية حيال الحل السياسي للقضية السورية.
ويُعد الائتلاف الوطني السوري العنوان السياسي الأبرز لقوى الثورة والمعارضة السورية، وفق دبلوماسي سوري معارض، معرباً عن اعتقاده، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الائتلاف لن ينخرط في أي حراك سياسي لا يتوافق مع ثوابت الثورة”، مضيفاً: “لدينا ملاحظات على أداء الائتلاف، ولكنه حتى اللحظة متمسك بالثوابت، ولا أعتقد أنه من الممكن فرض أي اتفاقات عليه خارج ثوابت الثورة”.
التوجه التركي متعدد الرؤوس
ورأى الدبلوماسي، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أن التوجه التركي الجديد “متعدد الرؤوس بالمعنى السياسي”، مضيفاً: “يبدو أن الحكومة التركية تريد تخفيف الضغط عليها من الداخل، خصوصاً لجهة ملف اللاجئين الذي تحول إلى ورقة بيد المعارضة التركية قبيل عدة أشهر من الانتخابات”.
وتابع: “أنقرة تريد التخلص من الضغط الروسي من خلال إلقاء الكرة في ملعب النظام، وهي تدرك جيداً أنه لا يريد حلاً سياسياً للقضية السورية، إلا وفق رؤيته، ومن دون تقديم أي تنازلات للمعارضة، ومن ثم هي مناورة سياسية لإحراج الجانب الروسي الذي يضغط لإحداث تفاهم ما بين أنقرة ودمشق”.
“المجلس الكردي” متمسك بالقرار 2254
وفي الجانب الكردي السوري، يعد المجلس الوطني الكردي أبرز التيارات السياسية الكردية المشاركة في مسار العملية السياسية التي تشرف عليها الأمم المتحدة، وهو جزء من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة.
ويؤكد المجلس أنه متمسك بالقرار الدولي 2254، وهو “يعتقد حتى الآن بأن الحل السياسي المستدام يجب أن يكون من خلال هذا القرار” وفق المنسق العام لـ”حركة الإصلاح الكردي”، عضو “الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي” فيصل يوسف.
وأضاف يوسف، في حديث مع “العربي الجديد”: “أي توجّه آخر خارج هذا السياق يجب أن يكون من خلال مجلس الأمن الدولي”. وأشار إلى أن “المسارات التي تفرعت عن جنيف (مسار تفاوضي ترعاه الأمم المتحدة بين المعارضة والنظام)، مثل أستانة وسوتشي، أو التي عقدت في جلسات غير رسمية، جميعها لم تفضِ لأي نتيجة ملموسة على أوضاع السكان والبلاد”.
وتابع: “سورية بحجة لتوافق دولي لإنهاء أزمتها عبر حل يكفل معالجة مختلف القضايا، ولا يرتبط بمصلحة إقليمية أو دولية حالية في دعم هذا الطرف أو ذاك. بل يضع مصلحة الشعب السوري فوق أي اعتبار آخر”.
ويعتقد يوسف أنّ “المرحلة تتطلب من جميع قوى المعارضة إجراء مراجعة دقيقة تبعدها عن مصالح التجاذبات الإقليمية والدولية وتنطلق من الأرضية الوطنية السورية”، مضيفاً: “هذا التوجه ليس سهلاً، لكن لابد من سلوكه والبدء بالخطوات الأولى”.
—————————–
المصالحة السورية التركية/ كمال اللبواني
بعد الفشل الطويل في حسم الصراع عسكرياً في سوريا، بسبب تدخل دول كثيرة إقليمية ودول عظمى لحماية الأسد، اتفق الأمريكان والروس على رفض الحل العسكري، والبحث عن حل سياسي عبر عنه بيان جنيف (١)، والذي فشل أيضاً بسبب عدم توفر الرغبة الحقيقية بالحل عند مصممي مسار التفاوض من الدول الضامنة ذاتها.
روسيا التي تريد الإبقاء على الأسد، وأمريكا التي تفضل استخدام الصراع في سوريا كساحة استنزاف لقوى التطرف، ضمن استراتيجيتها المعلنة والمستمرة منذ عام 2001، وبسبب غياب المحددات والضمانات وأدوات التنفيذ عن عملية التفاوض، وبسبب تشخيص الحالة كصراع سياسي بين طرفين، وليس كقضية قانونية جنائية، وجرائم ارتكبها نظام خرج عن مهامه بحق شعبه.
وبعد ذلك اختيار فريقي التفاوض من المرتكبين بحق الشعب السوري، والذين لا مصلحة لهم في قيام العدالة والديمقراطية في سوريا، خاصة وأن الخلافات بين الدول الضامنة للحل السياسي المفترض تزداد يوماً بعد يوم، وبشكل خاص بعد حرب أوكرانيا حيث توقفت تماماً عملية التفاوض العقيم أصلاً، لتبقى قضية الصراع في سوريا من دون أمل في الحل من الناحية النظرية، وهذا ما دفع الكثير من دول المنطقة للاعتراف بانتصار روسيا والأسد والعودة للتعامل معه كأمر واقع، وهذا ما بدا واضحاً بموقف الدول العربية، ثم بموقف تركيا مؤخراً، وحتى موقف قسد، وبعض قادة المعارضة السورية الذين سرقوا تمثيل الثورة بمساعدة الدول الفاعلة متجاهلة أي تفويض شعبي، باحثة عن مصالحها الخاصة فقط كعملاء ووكلاء للغير وليس لسوريا.
بغياب الحل التقليدي نظرياً، بدأ التفكير بطريقة غير تقليدية، وطرحت فكرة القبول بالنصر الروسي، والعودة للاعتراف بنظام الأسد (الذي هو هدف الروس) الذين عطلوا تطبيق قرار مجلس الأمن 2254، ومسار جنيف، وبدلاً عنه تابعوا السير بمسار سوتشي وسياسة خفض التصعيد التي كانت تعني تسليم المناطق تباعاً للنظام، كما حصل في حلب وإدلب والغوطة ودرعا، والتي سار بها الغرب والدول العربية وإسرائيل وتركيا بالتعاون مع الروسي على أمل أن يكون ذلك على حساب تمدد إيران، محاولين إبعاد النظام عن ايران، وهو ما اعترضنا عليه بشدة منذ عام 2017 لكن دون جدوى، وجرى تجاهل تحذيراتنا من أن هذا المسار سيقوي إيران ولن يضعفها، وهو ما ثبتت صحته تماماً، وذلك بسبب اعتماد الروسي والنظام على إيران وميليشياتها في كل شيء تقريباً على الأرض، وتغلغلها عميقاً في نسيج الدولة والجيش والأمن والمجتمع والاقتصاد السوري، بشكل يجعل من المستحيل إخراجها، وهو ما عبر عنه الروسي عام 2021، ثم النظام بعد دخول الإمارات والأردن على الخط، حيث طلب النظام مساعدته قبل أن يعلن عدم قدرته، فكانت النتيجة دعم النظام وزيادة تغلغل إيران، وسطوتها وتحكمها، وزاد فوق ذلك قيام روسيا بتسليم معظم نفوذها وعملائها للحرس الثوري الإيراني بعد انشغالها بحرب أوكرانيا.
الفكرة البراغماتية بقبول الأسد كأمر واقع حظيت على الأقل بعدم الاعتراض الغربي عليها، حيث أبقى الغرب على شرط عدم البدء بإعادة الإعمار قبل تحقيق الانتقال السياسي، كما احتفظت أمريكا بالعقوبات وشرط المحاسبة على الجرائم ضد الإنسانية واستخدام الكيماوي كسلاح يعيق إعادة الاعتراف بالنظام، رغم تجميدها عملياً لقانون سيزر، فالغرب لم يكن يبالي لتدخل روسيا في سوريا، ولا لتوسع إيران على حساب الآخرين في المنطقة، فالإيراني ليس عدواً إلا للعرب وإسرائيل، وروسيا لم تكن تصنف كعدو، بل كانت العلاقات معها محكومة بالتوافق الذي ساد بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، واعتمد باجتماع مالطا بين جورج بوش الأب، وميخائيل غورباتشوف نهاية عام 1989. وبقي سائداً حتى غزو روسيا لأوكرانيا، والذي أعطى خطتنا البديلة فرصاً حقيقية للنجاح.
في بداية هذا العام أدخل غزو روسيا لأوكرانيا عاملاً جديداً للمعادلة السورية، هو رفض الغرب للتوسع الروسي، وسعي الغرب لاستمالة إيران حتى لو على حساب القبول بتمددها وتوسيع نفوذها في المنطقة، لإبعادها عن روسيا، بواسطة العودة لخطة العمل المشتركة ورفع العقوبات عنها، وهذا ما يخيف العرب ومعهم إسرائيل بشدة، تلك المخاوف التي لم تنجح زيارة بايدن للمنطقة في تبديدها، وهذا أيضاً يزعج معظم السوريين الذين عانوا من التغيير الديمغرافي المنهجي الذي تتبعه ايران في سوريا والذي كان يسير تحت دخان مسار سوتشي وأستانا.
التركي أيضاً شعر بأهميته بسبب صراع الغرب والشرق، وحاول فرض مصالحه وتكبير حصته، فهو ليس عدواً لأحد، سوى مشروع التقسيم باستخدام الكرد السوريين كما جرى في العراق، ففكرة سيطرة الأسد تبدو مناسبة له أيضاً عندما ينعدم أفق الحل التقليدي، ولكنه يشترط التزام النظام، وقدرته على استئصال ميليشيا قسد المدعومة أمريكياً، وهذا طلب تركي يستحيل على النظام تحقيقه، ومرفوض من حليفه الإيراني الساعي لتوقيع الاتفاق النووي مع أمريكا، ولكنه مقبول جداً من الروسي الذي يريد إخراج القوات الأمريكية من سوريا من دون صدام مباشر معها، عبر دفع وكلاء محليين لقتال حلفائها، المناورة التركية الأخيرة تقع في هذا السياق، حيث طالبت تركيا بمنطقة آمنة بعرض 30 كم، وهددت بعملية عسكرية لتنفيذها، مع أنها كما عودتنا لا تستطيع التحرك من دون موافقة دولة عظمى واحدة على الأقل، وعندما جوبهت عمليتها برفض الغرب، سعت مع الشرق، وعندما رفض مشروعها من قبل روسيا وإيران، اقترحوا عليها بدلاً منه المساعدة في فرض سلطة النظام على كامل سوريا لإحراج الأمريكيين وجعلهم يتخلون عن حمايتهم لقسد، وهكذا أعلنت تركيا سياستها الجديدة الرامية لإعادة العلاقات مع النظام ودفع المعارضة الخاضعة لها لمصالحة النظام، وهي الطريقة الوحيدة المتبقية أمامها لتقويض وجود قسد عملياً.
المناورة التركية هذه اعتبرها الشعب السوري بمثابة صفعة قاسية وجهها له صديق ادعى صداقته لفترة طويلة. فتركيا تريد من السوريين القبول بنظام الأسد والاحتلال الإيراني والروسي، معاً وجميعاً، ونسيان ضحاياهم والقفز للتصالح مع النظام والمحتلين، وهذا أيضاً ما قبل به وفد التفاوض الذي يستجدي مشاركة رمزية في السلطة مع الأسد، فالمعارضة الحالية هي عملياً لعبة بيد تركيا، سقطت تماماً بنظر الشعب.
——————–
الى المنظرين لتفتيت سورية: لا حل الا بالمصالحة الوطنية والحوار بين الدولتين السورية والتركية/ رامي الشاعر
استمعت مؤخرا إلى حديث مفاده أن دمار دمشق، وسقوط النظام السوري، وتبعثر الدولة السورية لكان أفضل مما نراه اليوم من سيطرة الأسد على الحكم، وعرقلة نظامه لما يرونه “مستقبل سوريا”، ويقولون إن روسيا ساعدت “النظام” على البقاء، بينما كانوا يفضلون سقوطه، دون أن يعي هؤلاء أن سقوط النظام في يد “داعش” أو “النصرة” كان يعني ضرورة وحتما سقوط الدولة السورية كما نعرفها الآن. وعلاوة على ما أقوله دائما من أن الضحايا كانت ستفوق المليون، إلا أن نظرة بسيطة لما يحدث في إدلب، والعراك الداخلي بين الفصائل والكتائب والألوية في داخل معسكر الإسلام السياسي نفسه، يؤكد على أن مصير هذه “الدولة” الجديدة كان الانقسام والتشرذم إلى دويلات أصغر، تنتمي كل منها إلى تيار ديني، وآخر عرقي، وثالث سياسي يرغب في أن يعيش “شعبه” في ظل مبادئه وأعرافه وتقاليده وقيمه ولغته وثقافته.
إن رهان أحد الأطراف في المعادلة السورية على أن بإمكانه أن يتخلص من الطرف الآخر، و”يفنيه” هو حديث خاطئ في أساسه، فالحل في سوريا لن يكون سوى بالتوافق على أرضية مشتركة جامعة، وأعتقد أن الأوان قد آن كي يستوعب السوريون أن أي اتصالات لصيغة أستانا إنما تهدف إلى توفير البيئة المناسبة لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي ينص على الحوار بين النظام والمعارضة. وليس الحديث مع الأسد والقيادة في دمشق من جانب جميع الأطراف إلا إقرارا بوجود الدولة السورية، المعترف بها في جميع المحافل الدولية، وممثلها الشرعي الوحيد، حتى تاريخه وحينه، الحكومة السورية الراهنة، والرئيس السوري، بشار الأسد، شئنا أم أبينا، تلك حقيقة تعترف بها هيئة الأمم المتحدة، وتعترف بها روسيا وتركيا وإيران، وذلك مع الوضع في الاعتبار أن تضحيات الشعب السوري على جانبي الأزمة لا يمكن التغاضي عنها، ونسيانها، والمرور عليها كأن شيئا لم يكن، وكأن الوضع سيبقى على ما هو عليه. فدماء الضحايا التي روت الأرض السورية بحثا عن الحرية والحق في الحياة والديمقراطية ومستقبل آخر لسوريا لا يمكن أن تذهب سدى، ويجب أن يضع الجميع ذلك في اعتبارهم وتقديراتهم.
أعيد وأكرر أن الحل في سوريا لا بد وأن يكون سوريا سوريا، وأن أي اتصالات تحدث من قبل أطراف أستانا إنما تهدف إلى ذلك، واهتمام الجانب التركي بحلحلة الأزمة ينبع من أن جزءا كبيرا من الشعب السوري (ثلث الشعب) موجود على الأراضي التركية أو على تخومها، ومسؤولية أولئك اللاجئين سواء في تركيا أو في أراضي الشمال السوري تقع على عاتق تركيا، وهو ما يمثل عبئا كبيرا على الاقتصاد التركي، علاوة على ما تمثله مسؤولية مصيرهم بكل ما تحمله هذه المسؤولية من أبعاد إنسانية وأخلاقية وإدارية واجتماعية، ولا يمكن التفكير في حل لكل هذه المشكلات بمعزل عن حل الأزمة السورية، وحل الأزمة السورية لن يتم سوى بتوافق سوري سوري، وبدء عملية الانتقال السياسي بمشاركة جميع أطياف السوريين من النظام والمعارضة والمجتمع المدني، بتعديل الدستور في إطار اللجنة الدستورية، وإجراء انتخابات ديمقراطية حرة نزيهة، تحقق للسوريين تطلعاتهم وآمالهم في غد أفضل.
تواجه تركيا تحديا آخر هو 900 كيلومتر من الحدود المشتركة مع الدولة السورية، والتي يجب أن تضمن أمنها وسلامتها من الجانبين، وهو ما يعني بالقطع التنسيق مع الدولة السورية، ولن يحدث أي حل لمشكلة اللاجئين السوريين أو لمشكلة الحدود التركية السورية بدون مساعدة السوريين أنفسهم، كما يقتضي منطق الأشياء.
لهذا فإن أقل ما يمكن أن يوصف به الحديث عن أن “دمار دمشق” كان أفضل من “الحفاظ على سوريا” من وسط المرافئ الآمنة في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأوروبا وحتى تركيا هو افتقاد اللياقة، ولا أقول الوطنية أو الحصافة السياسية، فأهل مكة أدرى بشعابها، وأعتقد أنه من الأولى أن نسأل أهل دمشق نفسها، ماذا يفضلون: هل يفضلون دمار مدينتهم وبلادهم في سبيل “الحرية” التي يعلم الله ستأتي تحت أي راية، أم يفضلون الحفاظ على المدينة، أملا في حلول أخرى تضمن سيادة الدولة ووحدة الأراضي؟
بل إن مراسلات بيني وبين بعض الضباط السوريين، ممن خرجوا من سوريا، وكان بعضهم في مواقع قيادة ألوية وكتائب، حملت عتابا لروسيا وإلقاء بالمسؤولية عليها في بقاء النظام السوري وحمايته، متناسين أنهم خدموا أكثر من 40 سنة في ظل هذا النظام، وتحت راية الجيش العربي السوري، ومتجاهلين أن مهمة روسيا لم تكن يوما تغيير، أو الحفاظ على النظام في سوريا، فهذا شأن سوري بحت، ومن يغير النظام هو الشعب السوري، والشعب السوري وحده. وروسيا لها علاقة بالدولة السورية، ولها علاقات رسمية مع النظام الشرعي للبلاد، انطلاقا من كافة المعايير والقوانين الدولية، وكان لهذه العلاقة الدور الأبرز في الحفاظ على سيادة الدولة السورية ووحدة أراضيها، وتفادي مصير نهاية الدولة السورية كما نعرفها.
اليوم، تقف بعض أجزاء من المعارضة السورية وبعض المتشددين من طرف النظام ضد أي اتصالات بين تركيا ودمشق، وهو ما يعني وقوفهم ضد بدء أي حوار سوري سوري، وتلك مشكلة حقيقية وكبرى، وفي اعتقادي أن ذلك هو جوهر الأزمة، فالاتصالات ما بين تركيا وسوريا ربما تقدم تطمينات للنظام في دمشق أن تركيا لا تسعى إلى إعدام النظام ومؤيديه، وهو الهدف “الوهمي” الذي تضعه بعض أطياف المعارضة الهدف الأسمى لوجودها، وذلك هو العبث بعينه، لما ذكرته سلفا من أن أيا من طرفي الأزمة لن ينجح، ولا ينبغي أن يراهن على “إفناء” الطرف الآخر. يجب أن يعي هؤلاء أن النظام السوري ليس أشخاص بعينها، وإنما هو كذلك مؤسسات الدولة السورية، التي يملكها جميع السوريين، من المعارضة أيضا، فالبنى التحتية والمدارس والمشافي والطرق والمياه والكهرباء هي ملك لجميع السوريين، أما موضوع من يديرها، فذلك أمر يعود للسوريين، ولا حق لأي دولة خارجية أن تتدخل في ذلك.
إن الوضع لا يمكن أن يستمر على حاله أكثر من ذلك، وأطراف أستانا يدركون أن نظام التهدئة ووقف إطلاق النار لا يجب أن يكون لخدمة بضعة أشخاص سواء من النظام أو بعضا من ممثلي المعارضة السورية، فتكاليف ذلك كبيرة للغاية بالنسبة لروسيا ولتركيا، خاصة إذا ما نظرنا إلى أن أوضاع الشعب السوري تتفاقم وتزداد سوءا يوما بعد يوم. لذلك فإن القضية الملحة للغاية بالنسبة للجميع الآن هو البدء الفعلي لعملية الانتقال السياسي السلمي، والتواصل إلى توافق سوري سوري يعيد السيادة كاملة للشعب السوري على أراضيه، ويضمن وحدة كامل التراب السوري.
ذلك كفيل برد كافة الذرائع التي تتحجج بها القوات الأمريكية للتواجد في الشمال السوري، وتلك التي يختلقها العدو الإسرائيلي لضرب الأراضي السورية، وهو ما يخلق بيئة مواتية لأخطاء أحيانا ما تتسبب في احتكاكات غير مرغوبة بين الجيش الروسي والقوات الأمريكية الموجودة بشكل غير شرعي على الأراضي السورية. أقول إنه لن يكون هناك حماية تامة للأجواء والأراضي السورية دون حل للأزمة السورية، وخروج القوات الأجنبية من الأراضي السورية.
فإذا لم يبدأ العمل على بدء حوار جاد بين النظام في دمشق والمعارضة السورية، فإن ذلك قد أصبح يشكل عبئا على أطراف مجموعة أستانا، وأعتقد أنها ستتخذ خطوات حازمة بعد أن بلغ السيل الزبى.
كذلك بالنسبة لمن يطالبون بانحياز روسيا إلى “مطالب الشعب السوري” وليس إلى “مصالح النظام”، أود أن أوضح لهم أنه من السهل المطالبة بمثل تلك المطالبات، واتهام روسيا بدعم النظام، وتجاهل دور روسيا فيما بذلته من جهود للتوصل إلى نظام التهدئة والقضاء على الإرهابيين من “داعش” و”النصرة”، ووقف الاقتتال بين السوريين، ومجازفة العسكريين الروس بحياتهم عندما رافقوا انسحاب مسلحي المعارضة في الحافلات مع أسلحتهم الخفيفة، بينما كان بعضهم يلبس أحزمة ناسفة. لكنه من الضروري أن نتذكر، في نفس الوقت، أن موسكو كانت صاحبة المبادرة الأساسية لاستصدار قرار مجلس الأمن رقم 2254، وهي من بادرت بترتيب لقاءات في موسكو بين النظام والمعارضة، وعقدت مؤتمر سوتشي 2018 للحوار السوري السوري، ورفضت تبني البيان الختامي، الذي كان وفد النظام من دمشق يريد فرضه على نتائج المؤتمر كبيان ختامي. كذلك فمن الصعب تجاهل الدور الروسي في حل مشكلة اللاجئين، والقروض التي تقدمها روسيا لتأمين الخبز للشعب السوري، والمساعي المتعددة من خلال لقاءات أستانا للبدء بعملية الانتقال السلمي السياسي في سوريا.
أما لهواة التنظير وإصدار الفتاوى والأحكام من الخارج، والراغبين في تضييق الخناق على “الأسد ونظامه”، فأتساءل عما قدمتموه لسوريا، بعد المغادرة والاستقرار في الخارج والبحث عن الدعم في الأوساط الغربية، وتوزيع الاتهامات بشأن علاقات روسيا أو تركيا مع النظام. فمع من تريدون أن تكون علاقات روسيا وتركيا في الوضع الراهن؟
لقد أثبتت عشر سنوات من الأزمة السورية على أن غالبية الشعب تريد تغيير النظام، إلا أنه، وبالمقابل، فعلى مدى الأزمة، لم تظهر شخصية سياسية بارزة تحظى بتأييد جماهيري واسع في سوريا، ويتفق عليها الجميع، لكن ذلك يعود أولا وآخرا للسوريين أنفسهم، عندما يتم تأمين الأرضية الديمقراطية الحرة لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ويترشح لها من يرغب، استنادا إلى تعديل دستوري، أو دستور جديد يترك الخيار للشعب السوري في تحديد مستقبله.
ختاماً أقول إن النضال الفعلي من أجل الانتقال إلى نظام حكم جديد يجب أن يكون أساسه من الداخل، وهو ما تفتقده المعارضة، لذلك يجب التخلي عن المطالبات بما لا يمكن تحقيقه، والالتفات إلى البحث عن أرضية مشتركة للمصالحة الوطنية، والمماطلة في ذلك إنما تسهم في استمرار أزمة ومعاناة الشعب السوري.
كاتب ومحلل سياسي
————————
لماذا الآن؟!/ سمير العيطة
لافتٌ للانتباه وللتساؤل أن تتم إثارة إعادة أعداد كبيرة من اللاجئات واللاجئين السوريين إلى بلادهم بالتزامن بين تركيا ولبنان، وأن يُفتَح موضوع التفاوض مع السلطات السورية بهذا الشأن. بالتأكيد تتواجد فى البلدين المجاورين أعدادٌ كبيرة من اللاجئين السوريين منذ ما يقارب العشر سنوات، أى ما يعادل جيلا كاملا. وما يعنى أن استمرار الأوضاع على حالها لعشر سنوات أخرى يفصل من ولِدوا فى المهجر اجتماعيا عن بلده الأم.
إثارة موضوع اللاجئين السوريين بهذه الحدة له أسبابه الخاصة لدى كلٍ من تركيا ولبنان، رغم تشاركهما فى الأزمات الاقتصادية والمالية التى يعانيان منها، والأكثر قسوة فى لبنان مما هى فى تركيا. هذه الأزمات تخلقُ مناخا اجتماعيا مشوشا فى كلا البلدين، حيث يتم وضع اللوم على اللاجئين وما يشكلونه من أعباء، بغية إبعاد الانتباه عن المسئوليات السياسية الحقيقية للأزمات.. وهذا ما نشهده أيضا فى دولٍ أوروبية عديدة، حيث لا هم لليمين المتطرف سوى المهاجرين والهجرة (بالطبع غير الأوكرانيين منهم).
• • •
تركيا مقبلةٌ على انتخابات رئاسية العام القادم، فى ظل تدهور العلاقات بين حزب «العدالة والتنمية» الحاكم والأحزاب القومية التركية والأحزاب الكردية. إن المعارضة التركية تأخذ على الرئيس أردوغان سياساته الداعمة لحركات الإسلام السياسى والإبقاء على التنظيمات المتطرفة على حدود البلاد، من جهة، بينما يُشهِر عداءه الكبير حيال الكُرد حتى فى شمال العراق، من جهةٍ أخرى. ولخطاب هذه المعارضة وقعٌ كبير داخليا فى ظل التضخم وتراجع سعر صرف الليرة التركية وتدنى مستوى المعيشة، رغم الإنجازات الدبلوماسية فى اللعب على حبلى حلف الأطلسى وروسيا الاتحادية سوية. ولكن هذا اللعب له أيضا مخاطره مع احتدام الصراع فى أوكرانيا.
من هنا تشكل خطوة التقارب بين السلطتين فى تركيا وسوريا خيارا يُمكن أن يُهدئ من هواجس مواطنيه ويضبط الملف الكردى بالتعاون مع روسيا وإيران. هذا إذا ما لم تُفشِل الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية من جهوده. أما الخيار الآخر الذى هدد به أردوغان نفسه فهو احتلال أجزاء أخرى من المناطق الحدودية السورية وتهجير اللاجئين السوريين فى تركيا إليها. وهذا خيار غير واقعى وباهظ الكلفة. أن المناطق الخاضعة حاليا، لتركيا بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، هى أصلا مكتظة بالنازحين الذين يعيشون فيها أوضاعَ مزرية.
أما لبنان فهو غارق فى أزمته الخانقة ماليا واقتصاديا وسياسيا. ومن الواضح أن لا اتفاقَ الآن ولا فى الأفق القريب مع صندوق النقد الدولى، ولا حل لمسألة الودائع الضائعة فى المصارف ولا لادخارات صناديق العاملين ولانهيار الأجور والخدمات. هناك الآن مجرد توافق بين مكونات مجموعة «أمراء الحرب»، بالتعاون مع أصحاب المصارف ومع الاحتكارات التجارية. والهدف واحدٌ للجميع هو إفراغ أى إصلاح من مضمونه والمراهنة إلى ما لا نهاية، لدى كل طرف على داعمه الخارجى. هذا فضلا على استنهاض المشاعر الطائفية بين اللبنانيين لتقوية كل طرف لمركزه فى اللعبة المفرَغة، أو استخدام «خطاب الكراهية» تجاه اللاجئين السوريين وتحميلهم أسباب الأزمة التى أخذوا البلاد إليها.
بالتأكيد تشكل معدلات الولادة المرتفعة لدى السوريين بالتزامن مع هجرة الشباب اللبنانيين بكثافة إلى الخارج إشكالية حقيقية كبيرة يتطلب التعامل معها بعقلانية.. يبدو أنها غائبة للأسف عن ذهنية أغلبية أطراف اللعبة السياسية.
على ضوء الواقع القائم ورغم ضرورة التوصل إلى اتفاق بين السلطتين السورية واللبنانية حول أوضاع اللاجئين وسبل عودتهم، وسهولة هذا التوافق بالقياس إلى الحالة التركية، لا ينبغى توقُع سوى المزيد من السجالات العقيمة داخل السلطة اللبنانية حول الموضوع، وعلى حساب مصائر اللبنانيين والسوريين على السواء.
• • •
فى كل الأحوال، تواجه إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم من لبنان، كما من تركيا، إشكاليات كُبرى. فإلى أين يعودون فى بلاد فقدت الكثير من وسائل إنتاجها وباتت تفتقِر إلى الاحتياجات الحيوية والخدمات الأساسية، من الطحين إلى المشتقات النفطية وحتى الماء والكهرباء؟!
إن السلطة السورية تتفاوض مع الأمم المتحدة للمساعدة حول إعادة الإعمار، أو على الأقل حول «الإنعاش المبكر» (تعبير يرمز الانتقال من الإغاثة إلى تفعيل النشاط الاقتصادى والخدمي). لكن ممولى هيئات الأمم المتحدة يرفضون مثل هذا التوجه، وهم ذاتهم الذين كانوا قد فرضوا منذ 2011 الإجراءات الأحادية الجانب (العقوبات). إنهم يخصصون تمويلاتهم للإغاثة فقط، رغم الهدر الكبير على الجمعيات الناشطة وفى التحويلات فى جميع المناطق وعدم منطقية الاستمرار بهذا النهج.
أضِف أن اللاجئين قد فقدوا الصلة بقراهم وبلداتهم ومدنهم. هناك منازل مدمرة، وتعديات على الأملاك، وملاحقات أمنية، وأطفال غير مسجلين لدى دوائر النفوس السورية، وآخرون لم يذهبوا للمدارس، ورجالٌ ونساء لم يعودوا يمتلكون وسائل عيشهم. وأكثر من ذلك، هناك فئات مجتمعية أخذ كلٌ منها طرفا فى الصراع وعرفت عُنفَه، ولا مصالحة جرت بينها كى تعود وتعيش معا كما قبل 2011. وسؤال كبير: كيف يعود اللاجئون قبل أن يعود أصلا النازحون داخل الأراضى السورية؟!
لقد كان اكتظاظ بعض أحياء المدن وضواحيها نتيجة الهجرة المتسارعة من الريف إلى المدينة أحد أسباب الصراع. وواضحٌ حينها أن الدولة السورية قد فشلت فى مواكبة تلك التطورات الديموغرافية والاجتماعية فى تخطيطها المدينى والإقليمى (أى بين المدن). فهل يعود اللاجئون والنازحون إلى نفس الفوضى العمرانية والبيئية السابقة؟ ولا يبدو أن أجهزة الدولة قد عملت على وضع خطة لهذه العودة كى تتفاوض مع الفئات المجتمعية المعنية وعليها.
• • •
اليوم، ترتفع أصوات «المعارضة» و«الإدارة الذاتية» على التصريحات الصادرة من تركيا ولبنان حول «المصالحة» مع السلطة السورية. هذا رغم أن الطرفين يتفاوضان أصلا سياسيا مع هذه السلطة ويعرفان جيدا أن الفئات المجتمعية التى يسيطران على مقاديرها باتت ترفضهما بمقدار رفضها للقمع الذى قامت به السلطة فى دمشق. وأنهما، أى الطرفان المعنيان، لا أفق «لتجربتهما» دون الدعم الخارجى. كما يعرف اللاجئون أن التضييق عليهم فى بلاد اللجوء بات خانقا.
ولا بد لجميع الأطراف السورية مراجعة خياراتها وأولوياتها. تبقى الأولوية الأساسية هى الدفاع عن سبل معيشة المجتمع السورى، كل المجتمع السورى وفى كل مكان، وعن حرياته. معيشته وحرياته، بما فى ذلك حقه فى اختيار العودة الطوعية أو رفضها. فى جميع مناطق السيطرة داخل سوريا، خاصة المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة، ولكن ليس وحدها.
هذه المراجعة ليست بالتأكيد سهلة. بل هى حقا وحقيقة صعبة، لأنها تعنى الدفاع عن المجتمع السورى بكل فئاته، والدفاع عن دولته فى وجه كل السلطات القائمة والقوى الخارجية الداعمة لها على السواء.
سمير العيطة رئيس التحرير السابق للوموند ديبلوماتيك النشرة العربية ــ ورئيس منتدى الاقتصاديين العرب
الشروق
————————
تركيا تسبح عكس التيار/ عدنان عبد الرزاق
مرّت خطوة البنك المركزي التركي تخفيض سعر الفائدة مئة نقطة أساس من دون أن تحدث زلازل اقتصادية أو تزيد من تراجع سعر صرف الليرة التركية، المتهاوية أصلاً منذ نحو عامين، ما أحدث مفاجأة للمراقبين، ربما فاقت مفاجأة تخفيض سعر الفائدة، بعد تثبيت لجنة السياسات المالية السعر عند 14% ولسبع جلسات متتالية.
سؤالان توثبا على شفاه المراقبين، إثر الخطوة المجازفة التي اتخذتها تركيا أخيراً، على عكس السياق الدولي برفع سعر الفائدة بهدف امتصاص ولو جزءا من نسب التضخم المرتفعة، والتي لم يشهد العالم مثيلها، ربما منذ عقود.
الأول، لماذا خفضت تركيا سعر الفائدة، رغم أن نسبة التضخم السنوي وصلت إلى 80%، بل وتبوأت أنقرة المركز السادس عالمياً، على قائمة أعلى نسب التضخم؟
كما أن ارتفاع الأسعار، بعد تراجع العملة التركية إلى 18 ليرة مقابل الدولار، أنهك المستهلكين إثر ارتفاع مؤشر الأسعار لدى المنتجين بنحو 5.17% على أساس شهري وبلوغه 144.61% على أساس سنوي، ما يعني فيما يعني أكل الزيادتين على الحد الأدنى للأجور، اللتين قررتهما تركيا هذا العام لتحصين مواطنيها من عتبة الفقر.
فالمنطق وقوانين الاقتصاد يقولان، لابد من رفع سعر الفائدة لامتصاص جزء من فائض السيولة بالأسواق، بعد توجهها للمصارف طمعاً بسعر الفائدة المرتفع، فيتحسن سعر الصرف جراء التوازن بالمعروض النقدي وتتحسن القدرة الشرائية للمستهلكين.
وليس باستخدام الأداة النقدية، تحريك سعر الفائدة، الأسرع والأكثر نجاعة بامتصاص فائض التضخم، إعادة اختراع للعجلة، بل حل لجأت إليه كبرى المصارف المركزية حول العالم، بما فيها مجلس الاحتياطي الفيدرالي “المركزي الأميركي” مرتين متتاليتين هذا العام، آخرهما بنحو 75 نقطة أساس الشهر الماضي، في أعلى رفع تشهده الولايات المتحدة على سعر الفائدة، منذ ثلاثين عاماً.
وأما السؤال الثاني، الذي زاد طرحه بعد قرار المركزي التركي، نهاية الأسبوع الماضي، لماذا لم يتراجع سعر صرف الليرة، إثر قرار تخفيض سعر الفائدة غير المتوقع، بل والمخالف لتوقعات الاقتصاديين الذين روّجوا أن تركيا ستحافظ على الرساميل من الهجرة وتكسر نسب التضخم، عبر رفع سعر الفائدة؟
إذ لم تهتز العملة التركية إلا بنسبة ضئيلة هبوطاً، ما يمكن اعتباره تراجع ضمن سياق تشهده العملة التركية منذ العام الماضي، وقت فقدت نحو نصف قيمتها، بعد أن افتتحت عام 2021 على 7.4 ليرات مقابل الدولار، وأقفلته عند 13.5، واستمرت خسائرها لتبلغ 18 ليرة مقابل الدولار اليوم.
ربما الإجابة عن السؤالين معاً تأتي من أن قرار الفائدة المنخفضة غدا سياسة حكومية متخذة بصرف النظر عن التضخم والتعاطي الدولي لمكافحته، وسبق أن أودى رفع سعر الفائدة بمحافظين سابقين للمركزي التركي، مراد تشتين قايا عام 2019، وشهاب قافجي أوغلو عام 2021، قبل أن يعيّن شهاب قوجي أوغلو، المتفق بالمطلق مع سياسة الحكومة والرئيس رجب طيب أردوغان، بسياسة الفائدة المنخفضة.
بيد أن تلك السياسة التي أعلنها الرئيس التركي وباتت عرفاً يودي بمن يخترقه من منصبه، تتكئ على أسس اقتصادية أجدت نفعاً، وإن على مراحل، بصرف النظر أكانت مستغربة أم مخالفة لقوانين الاقتصاد.
فهدف إخراج الأموال من خزائن المصارف إلى القطاعات الإنتاجية، صناعة وزراعة، يفوق من منظور أصحاب السياسة الاقتصادية بأنقرة مخاطر التضخم، الذي يستخدمون لكبحه أدوات نقدية غير سعر الفائدة، ويبتدعون حلولاً وإن كبدت خزينة الدولة الخسائر، كما رأينا بإيداعات الليرة المحمية.
كما أن هدف الابتعاد عن شبح الركود والاستمرار بنسب نمو مرتفعة، وفق ما هو مخطط له، خلال الاحتفال بمئوية تأسيس الجمهورية العام المقبل، يتفوّق على مخاطر هجرة الرساميل أو جذب الأموال الساخنة، والتي تنظر أنقرة لمعظمها، من بوابة التوريط أو التهديد وقت يتغيّر اتجاه رياح السياسة.
قصارى القول: تتكئ تركيا، وضمن فلسفتها بتخفيض سعر الصرف وخططها الاقتصادية التنموية، على الصادرات والسياحة كقائمتين، ليس بتسريع الخطى نحو النمو ودخول نادي العشرة الكبار، بل وبتوازن العرض والطلب على النقد بالأسواق، وبالتالي تحسّن سعر صرف الليرة وتخفيض نسبة التضخم، وإن ببطء.
فبلوغ عتبة 300 مليار دولار قيمة صادرات للعام الجاري لم يعد حلماً صعب المنال، بعد تخطي صادرات النصف الأول عتبة 125 ملياراً، كما أن التهافت على السياحة بتركيا رفع من توقعات عدد السياح إلى 42 مليونا وعائدات بقيمة 35 مليارا، بعد زيادة إيرادات السياحة في الربع الثاني من العام الحالي بنسبة 190.2% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
نهاية القول: سبقت تركيا محافظي المصارف المركزية، الذين سيناقشون الخميس المقبل، خلال الاجتماع السنوي الكبير في مدينة، جاكسون هول الأميركية، واختارت الانتعاش واستمرار النمو، على تخفيض نسبة التضخم، لتبقي شبح “العدو المشترك” للمجتمعين بعد أن حسمت خيارها وسبحت عكس التيار، عبر تخفيض سعر الفائدة بزمن الرفع العالمي لها.
بيد أنه، وبغض النظر عمّا يمكن أن يحدثه الرئيس التركي من مفاجآت حول الطاقة والاكتشافات الجديدة، أو ما يمكن أن تعكسه عودة سياسة “صفر مشاكل” مع الجوار،
تبقى تحديات التضخم وارتفاع أسعار المستهلكين من المخاطر المتعاظمة أمام تركيا، بعد تراجع مستوى المعيشة وارتفاع نسبة الفقر، وربما من أهم الأسلحة التي ستشهرها المعارضة، بوجه الحزب الحاكم، خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية العام المقبل.
فإلى ذلك الحين، تبقى الأسواق هي الفيصل بالحكم على السياسات الاقتصادية التركية، وتبقى معدة الأتراك هي الموجه نحو صناديق الانتخاب، حيث لن يعترف الناخبون بغير استعادة رفاهيتهم من محرّض على اختيار الرئيس.
————————
====================
تحديث 02 أيلول 2022
—————————
المعارضة السورية والنافذة الكردية!/ أكرم البني
طرفان سوريان متعاديان سيكونان معاً الأكثر تضرراً من احتمال تقدم المصالحة بين حكومة أنقرة ونظام دمشق، هما غالبية كتل المعارضة السورية وقوات سوريا الديمقراطية الكردية «قسد»، فالأولى سترغم على مزيد من الانحناء والتنازل لإرضاء الوصي التركي وتمرير إملاءاته، والثانية، هي الثمن المتوجب دفعه سورياً وروسياً، لقاء انعطافة أنقرة نحوهما، الأمر الذي أثار سؤال البحث عن إمكانية حصول تقارب بين هذين الطرفين لتخفيف الأذى والأضرار عنهما وعن مستقبل التغيير بسوريا، وتالياً عن نقاط القوة التي تشجع هذا التقارب وتمكنه، ونقاط الضعف التي تفضي، كالعادة، إلى الاستهانة بهذه الفرصة وهدرها.
تبدو اليوم النافذة الكردية أشبه بخيار منطقي وغير مكلف أمام من لا يزال في المعارضة السورية يحتفظ بإرادة التغيير ويرفض الاستسلام للواقع المزري القائم، فانعطافة حكومة أنقرة لا بد أن تشجع موضوعياً تلك المعارضة لبدء رحلة الانفكاك التدريجي عن سياسات تركيا وتحولاتها، خصوصاً أن الأخيرة دأبت على وضع مصالح الشعب السوري وراء مصالحها، منذ تدخلها في أزمة حلب وتعاونها في الآستانة وسوتشي لتمرير مناطق خفض التصعيد، ثم تفردها بانعطافها الأخير من دون أن تقيم اعتباراً لمختلف كتل المعارضة أو تستشير بعضها، الأمر الذي يخفف عملياً من حدة التحفظات تجاه «قسد»، ويدفع نحو التعاطي الجدي والصريح مع الحالة الكردية في شمال وشرق البلاد كجزء من مشروع التغيير، ليس فقط لأن القوات الكردية هي إحدى القوى العسكرية الوازنة وتمتلك قدرة الدفاع عن نفسها وتسيطر على نحو ثلث البلاد وقسم مهم من ثرواتها، وليس أيضاً لأنها القوة التي لم تساوم الإرهاب الإسلاموي وترفع شعارات ديمقراطية تتوافق، وإنْ شكلاً، مع شعارات ثورة السوريين، أو القوة التي لا تزال تحظى بدعم وحماية الولايات المتحدة، صاحبة المصلحة بتحجيم نفوذ النظام السوري وإيران وروسيا في البلاد، والداعمة للحل السياسي وفق بيان جنيف والقرار الأممي (2254)، وإنما أيضاً لأن ما كان يثار عن ارتهانها للنظام بدأ ينحسر منذ سنوات أمام تمايز مصالحها وتنامي اشتراطاتها في مواجهته، خصوصاً أن بعض أطرافها يدرك أن حقوقه القومية لن تكون آمنة في ظل سلطة دمشق، من حيث الضمانات الدستورية ومؤسسات قادرة على حمايتها… هذا الجديد يمكن للمعارضة تغذيته والرهان عليه، فكيف الحال عندما تغدو هذه النافذة خياراً شعبياً أيضاً، بدليل المظاهرات التي خرجت في الشمال السوري ضد تصريحات وزير الخارجية التركي وحمل بعضها يافطات تدعو للانفتاح على «قسد»، ثم البيان الذي صدر مؤخراً عن العشائر العربية في مدينة الرقة، ودعا فيه المعارضة المعتدلة للتقارب مع القوات الكردية ضد المخططات التركية، من دون أن نغفل ما يعنيه ازدياد أعداد المقاتلين الذين يتركون الشمال السوري ويتوجهون شرقاً للالتحاق بقوات سوريا الديمقراطية! وكيف الحال والتقارب السوري التركي لا بد أن يقضي على أي أمل كان يعقد عند «قسد» لاستمالة النظام وروسيا في مواجهة المساعي التركية لمحاصرتها وتصفية وجودها، ولعل ما يزيد النقاط السابقة قوة، أن الطرفين خاضا جولات عديدة ولسنوات في التفاوض مع النظام ولم تسفر عن نتائج ذات معنى، إنْ عبر مشاركة المعارضة في اجتماعات سوتشي والآستانة، ثم اللجنة الدستورية، وإنْ عبر فشل حوارات تمت برعاية روسية بين «قسد» والنظام، وبدا فيها أن الأخير لا يريد التنازل والاعتراف بأي متغيرات حصلت، ويصر على العودة بالأوضاع في سوريا إلى ما قبل عام 2011.
صحيح أن ثمة محطات متنوعة أظهرت فيها «قسد» حسن النية وطنياً، كدعواتها المتكررة للحوار والتعاون مع المعارضة السورية، ثم المرونة التي أبدتها لاستقبال عشرات آلاف النازحين من مختلف المناطق، توجتها هذا العام، برفع علم الثورة وشعاراتها إلى جانب العلم الكردي خلال الاحتفال بذكرى انطلاقتها، لكن الصحيح أيضاً أنها لا تزال محط انتقاد شديد في السياسات والممارسات، إنْ لجهة عدم امتلاكها رؤية واضحة ومطمئنة حول المستقبل السوري، بينما لا يزال بعضها يجاهر باستفزاز عن إقامة الكيان القومي المستقل، والأنكى طرائقها في توسل القوة والاستئثار والتفرد، وقمعها لمعارضين سياسيين وإعلاميين في مناطقها، كما إصرارها في حوارها مع المجلس الوطني الكردي، على رفض مطالب وطنية مشروعة، كإطلاق سراح المعتقلين ووقف تجنيد الأطفال وفك الارتباط بحزب العمال الكردستاني.
تاريخياً، تكمن إحدى أهم نقاط الضعف بين المكونين المعارضين، العربي والكردي، بوجود أزمة ثقة عميقة ومزمنة بينهما، تحرم المجتمع السوري، في توقه للتغيير، من توافق وتعاضد مختلف طاقاته الوطنية، تتجلى عند العرب بشعور ملتبس بأن الأكراد يضمرون غير ما يظهرون ويترقبون الفرصة للانفصال وتحقيق أهدافهم القومية بلا اعتبار للمصلحة الوطنية العامة، وتتجلى لدى الأكراد بإحساس مزمن بالظلم والاضطهاد والتمييز، وبأنهم كانوا يُستخدمون دائماً كوقود أو كأوراق ضغط لمختلف القوى والجماعات السياسية في صراعاتها وتسوياتها، لكن ما يعمق أزمة الثقة ويزيد من تعقيدات خيار الانفتاح والحوار بين «قسد» والمعارضة السورية، هو المآخذ الكثيرة على الأخيرة، التي لا تزال تعاني من التشتت، وتمزقها أهواء سياسية وتنازعات شخصية بغيضة، ولا تمتلك إلى الآن تصوراً واضحاً لمعالجة المسألة الكردية، بل ثمة وجهات نظر متفاوتة، ولا ترتقي جميعها إلى حد الاعتراف الجريء بالحقوق القومية للشعب الكردي، فهناك من ينكر هذه الحقوق ويعتبر الكرد مجرد وافدين، وهناك من يختزلها بسقف قيام دولة المساواة والمواطنة، والأنكى تفضيلها، في مواجهتهم، للجماعات الإسلاموية المتطرفة ولجبهة «النصرة» وغيرها، المعادية لشعاري السوريين في الحرية والكرامة، ويزيد الطين بلة درجة نفوذ «الإخوان المسلمين» بصفوفها الذين عادة لا يتنازلون عن التعاضد العقائدي مع أشباههم لمصلحة الرؤية الوطنية.
والحال، إلى متى تبقى المعارضة السورية أسيرة وهم استحالة الانفتاح والمصالحة بين أنقرة ودمشق، تستمرئ سياسة النعامة وتطمر رأسها في الرمال كي لا ترى وتختبر النافذة الكردية المتاحة للحفاظ على مشروع التغيير؟ ألا يفترض أن يدفعها نذير التحول التركي للمبادرة وفتح قنوات الحوار والتواصل مع «قسد» لتخفيف الشروخ وتصويب ما ينبغي تصويبه والبناء على ما هو مشترك، تحدوها حقيقة أنه لا يمكن فصل محنة وخلاص الأكراد السوريين عن محنة وخلاص العرب السوريين؟
الشرق الأوسط
—————————–
مصالحة بين نظام الأسد والمعارضة السورية؟/ بكر صدقي
كان لتصريحات وزير الخارجية التركي شاويش أوغلو التي أثارت موجة غضب في أوساط السوريين في مناطق سيطرة القوات التركية في الشمال، تمثلت في مظاهرات في عدد من المدن، وأحرق في إحداها العلم التركي، شقان: الكشف عن محادثة قصيرة «على الواقف» جرت بينه وبين وزير خارجية النظام فيصل المقداد، خريف العام الماضي؛ والكلام عن الحاجة إلى إجراء مصالحة بين النظام والمعارضة السورية بهدف الوصول إلى سلام مستدام. وفهمت هذه التصريحات على أنها إشارة إضافية إلى نوايا أنقرة في فتح صفحة جديدة مع نظام الأسد بعد عشر سنوات من القطيعة التامة والعداء المتبادل، سبقته إشارات أخرى منذ عودة أردوغان من محادثاته في سوتشي مع بوتين.
وإذا اعتبرت أوساط المعارضة المحادثة المذكورة بين الوزيرين شأناً يخص الحكومة التركية، فحديث شاويش أوغلو عن المصالحة بين النظام والمعارضة هو ما استقطب أشد الانتقادات وأثار غضب الشارع المعارض.
وأصدرت وزارة الخارجية توضيحاً لتصريحات الوزير بهدف التخفيف من أثرها الصادم. وكشف مؤخراً عن اجتماع عقد في 21 آب بين ممثلين عن الائتلاف وحكومتها المؤقتة وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية من جهة، وممثلين عن الاستخبارات والخارجية التركيتين. ونفهم من محضر الاجتماع الذي يتم تداوله أن الطرف التركي وبّخ السوريين في الاجتماع وحملهم مسؤولية خروج المظاهرات وبعض التصريحات «السلبية» بحق السياسة التركية الجديدة.
ردود الطرف السوري في هذا الاجتماع تشير إلى مدى تذلل هؤلاء المعارضين أمام نصيرهم المفترض، واستعدادهم لتسويق ما يملى عليهم بلا نقاش. فقد اتهموا زملاء لهم في الائتلاف بأنهم أطلقوا تصريحات تحريضية، إضافة إلى تحميلهم مسؤولية التحريض على المظاهرات لخصوم لهم كقوات سوريا الديمقراطية وهيئة تحرير الشام. بل وصل بهم الأمر إلى لعب دور المخبر الرخيص حين قالوا إن هناك أفراداً في الهيئة السياسية للائتلاف قاموا بالتحريض أيضاً، فسألهم ممثل الاستخبارات التركية عن أسماء هؤلاء الأشخاص! لنضف في هذا السياق أيضاً أن الطرف التركي أعلم محاوريه السوريين ان رواتبهم سوف تخفض بدءًا من شهر أيلول! نعم، بهذه المناسبة عرفنا أيضاً أن قادة المعارضة السورية يتلقون رواتبهم من الظهير التركي، فلا عجب إذن إذا لعبوا دور الأداة والمخبر للحكومة التركية وأجهزتها.
الغريب، والحال هذه، أن ترفض معارضة هذه مواصفاتها المصالحة مع نظام الأسد، مع العلم أنها منخرطة في «التفاوض» معه منذ سنوات في إطار هيئة التفاوض واللجنة الدستورية. وقد طالبوا الطرف التركي بدعم معنوي يقوي موقفهم من أجل تسويق (هكذا حرفياً) السياسة التركية الجديدة، من خلال لقاءات مع رئيس الجمهورية ووزير الخارجية التركيين، وقد لبى الأتراك هذا الطلب فرتبوا لقاء لهم مع وزير الخارجية بعد بضعة أيام على الاجتماع. جاء الدور الآن على الائتلاف ليقوم بما وعد به من تسويق التوجه التركي إلى تطبيع العلاقات مع نظام الأسد.
ولكن ما هو التصور التركي للمصالحة بين النظام والمعارضة، بصرف النظر عن الموقف منها؟ تصريحات المسؤولين الأتراك تؤكد على أن المصالحة أو التوافق المذكور هو في إطار تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 الذي يدعو إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي كامل الصلاحيات بالتشارك بين النظام والمعارضة. فما الذي تغير حتى يقبل النظام بذلك بعدما واظب على رفضه منذ بيان جنيف 2012 وقرار مجلس الأمن المذكور الذي صدر في العام 2015؟ فالمقصود بالمصالحة، وفقاً لذلك، هو هذا التشارك في تأليف حكومة انتقالية أو «هيئة حكم انتقالي». وهو ما لا ترفضه المعارضة وإن كانت على قناعة باستحالة تشكيل أي إطار سياسي مشترك مع النظام، على الأقل ضمن الشروط القائمة والمنظورة. ولكن النظام يرفض أي حل سياسي يتضمن بعض الإصلاحات في النظام، فما بالكم بمشاركة المعارضة التي يصفها بالإرهاب والعمالة وغيرها من المواصفات التي تضعها خارج السياسة، تماماً كما ترى المعارضة في النظام كياناً إجرامياً تجب محاسبته على جرائمه وليس المشاركة معه في الحكم.
فكيف يمكن لتركيا التي تتنطح، من خلال تصريح وزير خارجيتها، لمهمة الوساطة بين النظام والمعارضة، أن تنجز المصالحة المفترضة، على فرض قبول النظام بهذه الوساطة؟
من وجهة نظر النظام تعني المصالحة أن يصدر عفواً عن المعارضين على «خيانتهم» كحال المصالحات المحلية التي جرت بإشراف روسي بينه وبين فصائل عسكرية معارضة. حتى هذه «المصالحات» نكث بها النظام وقام باغتيال أولئك الذين تابوا وانضموا إلى قوات النظام مثبتاً بذلك أنه لا ينسى ولا يسامح. فهل يريد الأتراك أن يتوسطوا للمعارضة عند نظام الأسد ليعفو عنهم فرداً فرداً ويعلنوا التوبة؟ المرجح أنهم عادوا إلى تصورهم الأولي في الأشهر الأولى لاندلاع الثورة، حين عرضوا على النظام ضم عدد من المعارضين إلى الحكومة وإجراء بعض الإصلاحات في النظام السياسي. وحينها رفض النظام ذلك وقام ببعض «الإصلاحات» على طريقته كإلغاء المادة الثامنة من الدستور وإلغاء محكمة امن الدولة (واستبدالها بمحكمة الإرهاب في المبنى نفسه وبالقضاة أنفسهم) وإلغاء حال الطوارئ والاعتراف اللفظي بحق التظاهر وغيرها. كذلك رفض النظام اقتراحاً إيرانياً بضم عدد محدود من شخصيات جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكومة، باعتبار ذلك حلاً للصراع الذي أطلقته الثورة.
نعم، تغير الكثير منذ ذلك الوقت، ولكن ليس في الوجهة التي قد ترغم النظام على تقديم تنازلات والانخراط في حل سياسي مهما كان بعيداً عن طموحات السوريين، بل في الوجهة المعاكسة تماماً التي جعلت النظام يتوهم أنه انتصر في الحرب ويستطيع التمسك بموقفه الأصلي المتمثل في شعار «الأسد أو لا أحد». صحيح أنه لا ينعم بالاستقرار وعاجز عن توفير متطلبات الحد الأدنى للحياة في مناطق سيطرته التي يحكمها أمراء الحرب والعصابات. وصحيح أنه مرتهن للإرادتين الروسية والإيرانية، ويعاني من عزلة دولية كبيرة وعقوبات اقتصادية، لكنه ما زال في الحكم، وأسقطت معظم الدول المناوئة شرط تنحيه من أجنداتها، بل إن عدداً من الدول العربية عاد لتطبيع العلاقات معه، وثمة دول تريد مشاركته في مؤتمر القمة القادم الذي من المفترض ان يعقد بعد أشهر قليلة في الجزائر. هذا إضافة إلى أن التدخل العسكري الروسي قد أعاد له مساحات واسعة من الأراضي التي كانت خارج سيطرته قبل أيلول 2015. ثم إنه تمكن من تجديد رئاسته مرتين من خلال «انتخابات تعددية» في 2014 و2021.
وهكذا يبدو حديث الوزير التركي عن المصالحة مجرد إشارة موجهة للنظام، وللرأي العام الداخلي، بصدد استعداد تركيا للتطبيع معه.
كاتب سوري
القدس العربي
———————–
تركيا وسورية إلى أين؟/ علي العبدالله
لم يكن تطابق الموقفين، الروسي والإيراني، من العملية العسكرية التركية المزمعة في شمال سورية عفويا أو مصادفة، بل جاء بتنسيق مسبق بين القيادتين، الروسية والإيرانية، في محاولة لاستثمار لحظة سياسية مواتية، حيث الرئيس التركي، أردوغان، في موقفٍ دقيقٍ وحرج، على خلفية استعداده لخوض معركة انتخابية، رئاسية وبرلمانية، مصيرية يوم 18 يونيو/ حزيران 2023، والبلاد في انقسام عميق بشأن الوضع المعيشي والتضخم المتصاعد واللاجئين السوريين؛ وشعبيته متراجعة مع تعرّضه لضغوط مركّزة من قوى إقليمية ودولية، على خلفية تباين الرؤى والمصالح. وقد عرضت القيادتان، الروسية والإيرانية، مخرجا وحيدا لمواجهة قوات سوريا الديمقراطية (قسد): التفاهم مع النظام السوري والانخراط معه في مواجهة الإرهاب الذي يمثله حزب العمال الكردستاني التركي، والقوى الانفصالية، التي يجسّدها ربيبه حزب الاتحاد الديمقراطي، الكردي السوري، وجناحه العسكري “وحدات حماية الشعب” و”وحدات حماية المرأة”، القوة المهيمنة على “قسد”، والمقرّرة سياستها وخياراتها الميدانية، وراعيها، الولايات المتحدة، الذي لم يكتف بدعمها عسكريا، بل وخصص لها جعالة مالية من موازنة وزارة الدفاع (البنتاغون) تفوق 350 مليون دولار، والتركيز على ضرورة إخراج الراعي، الولايات المتحدة، من سورية ليسهل ضرب شرّير الحي، “قسد”، والتخلص من تهديده المباشر وحدة الأرض السورية والأمن القومي التركي.
لم تخرج قمة سوتشي الثنائية بحل بديل يريح الرئيس التركي، ويمنحه فرصة لاحتواء ضغوط المعارضة التركية، حيث كرّر الرئيس الروسي الاقتراح/ المخرج نفسه: التفاهم مع النظام السوري. وقد كان موقف الإدارة الأميركية لافتا، بدا أنها مع إغراق أردوغان أكثر، رغم رغبتها في إبعاده عن روسيا، حيث لم تكتف برفض العملية العسكرية التركية وتجاهل طلبه تنفيذ اتفاقهما عام 2019 وإبعاد “قسد” مسافة 30 كيلومترا عن الحدود، بل وزادت دعم الأخيرة بالأسلحة، ودرّبت مدنيين تطوعوا للقتال إلى جانبها، ورفضت، في الوقت نفسه، فكرة المصالحة مع النظام السوري. يبدو أنها ترى استحالة ترويض أردوغان وإعادة تركيا إلى علاقة التبعية القديمة، فتبنّت تضييق الخناق عليه، ودفعه للخروج وحزبه من الحكم في الانتخابات المقبلة، مع ما في ذلك من مقامرةٍ قد تؤدّي إلى خسارتها تركيا في حال فوز أردوغان وحزبه في الانتخابات.
تبنّت القيادتان الروسية والإيرانية هذا الموقف المنسّق على خلفية عدم ثقة بالقيادة التركية، فروسيا لا يمكن أن تنسى أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأن هذا الواقع لا يغير حصول تعاون وتنسيق معها في بعض الملفات الإقليمية والدولية، فالتوافق مرحلي وطارئ، بينما الاختلاف استراتيجي وثابت. وإيران لا يمكن أن تغفر لها انفتاحها على إسرائيل ودول الخليج العربية، وإلقاءها القبض على عناصر من المخابرات الإيرانية كلفوا بقتل إسرائيليين على الأرض التركية والإعلان عن ذلك، ما شكل ضربة لسمعة المخابرات الإيرانية، ونقطة سوداء في سجل النظام الإيراني، ومنافستها في ساحات إقليمية عديدة، من سورية والعراق ولبنان إلى آسيا الوسطى مرورا بالسنغال وساحل العاج ونيجيريا.
وقد زاد من سخونة الموقف احتدام الصراع على الساحة السورية باعتبارها ساحة لصياغة توازنات، وتوجيه رسائل على خلفية الحرب في أوكرانيا، بالنسبة لروسيا، والبرنامج النووي الإيراني، بالنسبة لإيران، حيث تسعى روسيا إلى إثبات قدرتها على خوض معارك في أكثر من ساحة في آن واحد، وممارسة إيران الضغط على الإدارة الأميركية للقبول بشروطها عبر تعزيز التنسيق مع روسيا بتبنّي روايتها عن الحرب في أوكرانيا وبيعها مسيّرات قتالية، والاتفاق معها على المحافظة على التوازن القائم على الساحة السورية في فترة انشغال روسيا في أوكرانيا ونشر قوات في مواقع عديدة، بما في ذلك لجم التحرّك التركي فيها.
انطلقت القيادتان، الروسية والإيرانية، من تقدير دقة موقف الرئيس التركي وحزبه الحاكم، وهما على أبواب انتخابات رئاسية وبرلمانية، وحاجتهما لاسترجاع شعبيتهما وتعزيز فرصهما في الفوز من خلال مساريْن متكامليْن: تحسين مستوى المعيشة للمواطنين الأتراك من خلال تحسين أداء الاقتصاد، بلجم التضخّم والحد من البطالة واستقطاب استثمارات خارجية وملايين السياح، وحماية الأمن القومي للبلاد عبر ملاحقة حزب العمال الكردستاني في سورية والعراق، والقضاء على تجربة الإدارة الذاتية التي يشرف عليها في سورية من خلال تبعية حزب الاتحاد الديمقراطي لأفكاره ونفوذه الواسع على قياداته، ومع استحالة تحقيق قفزة في الاقتصاد في فترة قصيرة، بقي على موعد إجراء الانتخابات حوالى تسعة أشهر، لا يبقى أمام الرئيس وحزبه الحاكم لاسترجاع شعبيتهما إلا استغلال المشاعر الوطنية وحشد المواطنين حول حماية الأمن القومي الذي يهدّده حزب العمال الكردستاني وربيبه حزب الاتحاد الديمقراطي وراعيته الولايات المتحدة، وتسجيل نقاط واضحة في مواجهة هذا الخطر. فوضعتا العقدة في المنشار، عبر رفضهما الحاسم والجازم العملية العسكرية التركية في منطقتي منبج وتل رفعت، وقدمتا حلاً يحفظ ماء وجه الرئيس، ويتيح له الزعم بتسجيل نقاط لصالح الأمن القومي التركي، عبر النص في البيان الختامي للقمة الثلاثية عن الاتفاق على مواجهة الإرهاب والقوى الانفصالية في سورية.
سعت القيادتان، الروسية والإيرانية، بموقفهما هذا إلى ضرب عدة عصافير بحجر واحد، أولها الرئيس التركي بوضعه أمام اختيار الصف الذي يقف فيه، ودفعه، من خلال تضخيم هواجسه ومخاوفه الأمنية، إلى الاصطدام مع الإدارة الأميركية. ثاني العصافير حزب العمال الكردستاني وقوات سورية الديمقراطية والإدارة الذاتية بحشرها قي الزاوية عن طريق تصنيفها قوة إرهابية وانفصالية، وتبرير اجتثاثها ما لم توافق على شروط النظام وإجراء مصالحة معه. ثالث العصافير الولايات المتحدة وقواتها على الأرض السورية، بتوسيع قاعدة المعترضين على هذا الوجود واستثماره في التضييق عليها كجزء من المواجهة المحتدمة في أوكرانيا والمفاوضات الجارية بشأن البرنامج النووي الإيراني. رابع العصافير المعارضة السورية، السياسية والمسلحة، عبر دق إسفين بينها وبين النظام التركي، ودفعها إلى اليأس والقبول بالتسويات التي يعرضها النظام السوري عليها.
انطوى التكتيك – المناورة على فخّ محكم، يبدأ برفض العملية العسكرية التركية والتلويح بالمخرج العملي، وفحواه التصالح مع النظام السوري، والإقرار بشرعيته وحقه في بسط سيطرته على كلّ الأرض السورية، لينتهي بإحدى نتيجتين: قبول الرئيس التركي بالعرض وانخراطه في معادلة جديدة قائمة على انحياز تام وشامل إلى جانب شريكي أستانة، وحسم الصراع لمصلحة النظام السوري وما يرتبه من تبعات: الاصطدام مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) والتنكّر لشرعية المطالب الشعبية السورية في الحرية والكرامة وخسارة تعاطف حاضنة الثورة السورية واللاجئين السوريين، أو الرفض والتعرّض لضغوط عسكرية متصاعدة، ودفعه إلى الخروج من الأرض السورية وخسارة نفوذه فيها وفي التفاوض على مستقبلها، واعتبار ذلك هزيمة للولايات المتحدة وحلف الناتو في ضوء عضوية تركيا في الحلف العتيد. وقد كان لافتا قرن المواقف السياسية الروسية والإيرانية بحشد عسكري من قوات النظام السوري والحرس الثوري الإيراني والمليشيات الشيعية التابعة لها، والبدء بقصف قرى في ريفي حلب وإدلب، وإغارة الطائرات الروسية على مواقع المعارضة المسلحة الموالية لتركيا، واستهداف المدنيين لإثارة مخاوف تركيا من موجات نزوح كبيرة، لوضع الملف على نار حامية والضغط على الرئيس التركي لحسم الموقف وتسريع عملية التقارب مع النظام السوري وتوظيفه في توسيع نفوذ النظام في الشمال السوري. وقد جاءت مطالب النظام، أو شروطه، من تركيا للموافقة على المصالحة والتطبيع لتشدّد الخناق على الرئيس التركي، وتضعه في موقف صعب، لأنه لا يمكن أن يقرّ بالانسحاب من جميع الأراضي السورية ويسلم إدلب للنظام ويقطع صلته بالمعارضة السورية، كما طلب وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، من دون مقابل.
عكست تصريحات المسؤولين الأتراك، الرئيس ووزير الخارجية وقادة الحزب الحاكم، تجاوباً ظاهراً مع التوجه الروسي والإيراني، حيث تواترت التصريحات المحبّذة للتفاهم مع النظام السوري والمطالبة بخروج القوات الأميركية من سورية، وقد اتهمها الرئيس أردوغان بتغذية الإرهاب في سورية، مع ملاحظة وجود مطالب تركية وازنة في المقايضة، وضع دستور جديد، وانتخابات وحكومة شرعية تعتمد على هذا الدستور. روسيا وإيران والنظام السوري ليست مستعدّة لوضع هذه المطالب على جدول أعمال المباحثات بشأن المخرج من الاستعصاء في سورية، فكيف بتلبيتها، ما يشي إما برفض تركي مضمر لمبدأ المصالحة أو الإبقاء على أوراق لضمان استمرار النفوذ التركي في سورية ومستقبلها، فهل أراد الرئيس التركي إرضاء جميع الأطراف، روسيا وإيران والنظام السوري والمعارضة، السياسية والمسلّحة، وحواضن الثورة السورية؟
هل يرغب أردوغان بالانخراط في التوجّه الروسي الإيراني، أم يرغب في إدارة الأزمة لكسب الوقت وجني مكاسب سياسية واقتصادية يجتاز بها الاستحقاق الانتخابي والانقلاب عليه بعد تحقيق الفوز وتعزيز موقعه وموقع حزبه في المعادلة التركية؟
العربي الجديد
———————–
لن يزور أردوغان دمشق/ عمر قدور
لو أتى التصعيد الأخير، على طرفي الحدود بين سوريا وتركيا، قبل شيوع الحديث عن تقارب بين الأسد وأنقرة لفُهم بأنه في إطار الشد والجذب حول العملية العسكرية التركية التي يختفي الحديث عنها ليعاود الظهور. أما مجيء التصعيد بعد التصريحات التركية، التي أثارت غضب السوريين المعارضين، فقد يُفهم كاستئناف للمفاوضات السرية بين الطرفين، وربما كتوريط لقسد بهجماتها عبر الحدود لتكون ذريعة للتركي وللأسد الذي يتحفز للتدخل من أجل “ضبط” الحدود. لا يُستبعد أيضاً أن يكون هناك ضمن سلطة الأسد من يريد عرقلة التقارب، في حال كان لطهران تحفظات عليه.
سيكون واحداً من المؤشرات حول هذا التصعيد مصير زيارة أوزغور بورصالي إلى دمشق، وقد أعلن أنها ستكون في الأيام القليلة المقبلة. بورصالي هو رئيس حزب الوطن “المعارض”، لكنه راح يتقارب مؤخراً مع أردوغان، إلا أن زيارة الأول لا تمهد لزيارة الثاني إلى دمشق، أو لاستقبال بشار الأسد في أنقرة. الطريق بين أردوغان وبشار غير سالكة، رغم تراكم الإشارات الإيجابية المُرسَلة من أنقرة في الأسابيع الأخيرة، ورغم حسن استقبالها من الأسد.
ما كشفته يوم الأربعاء صحيفة “Türkiye Gazetesi”، المقرَّبة من حزب العدالة الحاكم، يضع التقارب التركي-الأسدي في إطاره الممكن، مثلما يوضّح أن ما هو ممكن مفخَّخ بما يصعب أو يستحيل الاتفاق عليه. لذا سيكون من الشطط اعتبار تنفيذ كافة المطالب المتبادلة ممكناً، وسيكون من عدم الواقعية تجاهل ما يمكن للجانبين الاتفاق عليه، وهو ليس بالقليل.
بموجب الصحيفة، يطالب الأسد بإدلب، وأول ما يجب الانتباه إليه تخلي الأسد عن موقعه ” السيادي” الذي يفترض به المطالبة بكافة الأراضي التي تسيطر عليها تركيا حالياً. باقتصاره على إدلب، هو يتجاهل عفرين وأعزاز والباب والشريط بين تل أبيض ورأس العين، مراعياً بذلك الهواجس الأمنية التركية المتعلقة بالأكراد. أبعد من ذلك، المطالبة بإدلب تأتي في إطار الحديث عن صفقة يتوسع بموجبها النطاق الجغرافي لاتفاقية أضنة، ونذكّر بأن أنقرة تتحدث عن شريط بعمق ثلاثين كيلومتراً بدل الكيلومترات الخمسة المنصوص عليها في الاتفاقية المذكورة.
من الصعب بالطبع تلبية مطلب أنقرة بهذا العمق على امتداد نحو 900 كيلومتر، ولن يقلّ الاتفاق إهانة لشريكها إذا قبلت بعمق 20 كيلومتراً بدل الثلاثين. الأهم أن انسحابها من إدلب شبه مستحيل حالياً، فالتخلّي عن إدلب تحكمه اعتبارات متشابكة ومعقدة، منها وضع هيئة تحرير الشام “النصرة سابقاً”، ومنها مصير العدد الضخم من اللاجئين، ما يستبعد مخاطرة تسليمها من دون تغير دراماتيكي أوسع بكثير من المفاوضات بين الجانبين.
يطلب الأسد، وربما من ورائه موسكو وطهران، ما لا يمكن الحصول عليه. ولكي لا نتسرع، هذا لا يهدد الصفقة برمتها، ومن المعتاد في المفاوضات وضع بند يصعب الاتفاق عليه دعماً للحصول على مطالب أخرى. في هذه الحالة، سنرى مطالب الأسد الأخرى سهلة التحقيق، وليس في أيٍّ منها وقْعُ أو صدمةُ انسحاب تركي من إدلب. من ذلك منح الأسد السيطرة التامة على معبرَيْ كسب وباب الهوى، والسيطرة على الطريق التجاري الواصل بين الثاني ودمشق.
مع إضافة مطلب السيطرة على الطريق الذي يصل شرق سوريا بطريق حلب-اللاذقية الدولي، يظهر هاجس الأسد الذي يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، ومن أولوياته الخروج منها. هنا يطالب أنقرة بأن تكون طوق نجاة من أزمته، خاصة بعد عجز لبنان عن انتشاله، إذا لم نقلْ بعدما جرّت اليد اللبنانية الممدودة لبنان كله إلى جوار الغريق الأول. لأنقرة ثقل وخبرة مختلفين، فقد كانت طوال العقود الثلاثة والنصف الماضية إلى جوار بلدان تحت وطأة عقوبات دولية، وساعدها ثقلها السياسي والاقتصادي لتحصل على إعفاءات من تبعات العقوبات، حتى يمكن القول أنها استفادت أحياناً من موقعها هذا. نشير هنا إلى العقوبات على العراق وإيران وروسيا، وصولاً إلى الأسد الراغب في اقتفاء الأثر.
يدعم من قولنا أن أردوغان لن يزور دمشق انتفاءُ الحاجة إلى مثل هذه الزيارة، فبحسب الصحيفة التركية ذاتها يتعهد الأسد باحترام قرارات ثلاثي أستانة المتعلقة باللاجئين. إذاً، الطريق إلى موسكو وطهران أجدى وأقصر، تحديداً في القرارات الكبرى التي لا تُتخذ أو تُنفذ إلا برضا هاتين العاصمتين. وما يريده الأسد من أنقرة على صعيد إعادة الإعمار، مثل المساعدة في الكهرباء وتأهيل الطرق السريعة والزراعة والسدود…، ذلك كله بات يتطلب موافقة حليفيه اللذين يسيطران على العديد من القطاعات الاقتصادية السورية بموجب اتفاقيات طويلة الأمد.
يبقى بيت القصيد بالنسبة لأنقرة مطلبها إخلاء الشريط الحدودي من ميليشيات حزب العمال-الفرع السوري، وهي مهمة ينبغي أن تقوم بها قوات الأسد حيث لا توجد قوات أمريكية تمنعها. تنفيذ هذا المطلب “ضمن التنسيق بين الجانبين” يعني استئناف علاقات الجوار بينهما، بخلاف الاقتصار الحالي على نقاط التماس العسكرية الباردة أو المشتعلة. هذا هو الممكن المطلوب تركياً، أما المستحيل فهي مطالبة الأسد بالمضي في عملية جنيف، والقبول بدستور ديموقراطي وانتخابات حرة وإفراج عن المعتقلين. إن نصف هذه المطالب، في أعلى تقدير، لن يقبل به الأسد إلا مرغماً بضغوط دولية قصوى، وهو ما تدركه أنقرة التي تريد تسجيل نقاط معنوية فحسب.
بتلخيص ما هو ممكن في مطالب الجانبين؛ تحصل أنقرة على إنهاء الأرق الكردي، ويسيطر الأسد مقابل قيامه بهذه المهمة على مناطق تتواجد فيها الميليشيات الكردية، وفوقها على معبرين حدوديين وطريقين تجاريين يربطان المعبرين بدمشق وحلب واللاذقية، كناية عن أنهما لن يكونا شكليين. تنفيذ ما هو ممكن قد يفتح على تفاهمات غير واردة الآن، لذا يجب ألا ينام المعارضون السوريون على حرير ما يبدو مستحيلاً، ولا نقصد بالمعارضين أولئك الذين تعدّهم “وتعدِهم؟” أنقرة ليكونوا شركاء للأسد.
في المقابل من التصعيد العسكري “المؤقت والمدروس على الأرجح”، وفي حين قصفت قوات الأسد سوقاً شعبياً في مدينة الباب مرتكبة مجزرة، كان أردوغان العائد من أوكرانيا يؤكد للصحافيين في طيارته على نواياه “الحسنة” تجاه الأسد، والتي أبدى مثلها قبل أيام وهو عائد من سوتشي. هذه المرة كانت هناك جرعة زائدة بحديثه عن المؤامرة قائلاً: “يتوجب الإقدام على خطوات متقدمة مع سوريا، يمكننا من خلالها إفساد العديد من المخططات في هذه المنطقة من العالم الإسلامي”. هذا وجه جديد للتقارب، ولا داعي ليزور أردوغان دمشق؛ بوسعه التحدث عن المؤامرة الكونية من مكان آخر!
المدن
————————–
فرص قوى الثورة في إيجاد هوامش جديدة/ حسن النيفي
في الوقت الذي ما يزال فيه الكثير من جمهور الثورة السورية مأخوذاً بسخونة الحديث عن الاستدارة التركية في تعاطيها مع الملف السوري، فإن الكثير من السوريين – في الوقت ذاته يعيد طرح سؤال قديم جديد: هل بمقدور القوى الفاعلة في الثورة استعادة أنصارها، عربياً ودولياً، كما كانت عليه الحال في العام 2012؟ ربما كان الدافع لهذا التساؤل هو حالة الإحباط والخذلان التي يشعر بها السوريون، سواء من جهة تغيّر المواقف العربية التي ناصرت الثورة لعدة سنوات، ثم انعطفت باتجاه الدعوة للتطبيع مع نظام الأسد، أو من جهة المواقف الدولية التي أدانت النهج الدموي والتوحّش الأسدي بقتل السوريين، إلى درجة أنها نادت بنزع الشرعية السياسية والأخلاقية عن حاكم دمشق، ثم ما لبث هذا الموقف أن بات أكثر انحساراً، ومن ثم أكثر تحوّلاً باتجاه المطالبة بتغيير سلوك النظام بدلاً من نزع شرعيته، وبالعودة إلى السؤال السابق، يمكن الوقوف عند ملاحظتين:
1 – إن التعاطف الكبير والتأييد الذي حظيت به الثورة السورية خلال الأشهر الأولى من انطلاقتها، سواء على مستوى التأييد العربي التي تمثل بتجميد عضوية النظام في أنشطة الجامعة العربية، أو على مستوى التأييد العالمي الذي تجسد بمؤتمر (دول أصدقاء سوريا) في تونس، أقول: إنما تحقق ذلك آنذاك بفعل قوّة الحراك الثوري السوري وتماسكه، والذي أجبر نظام الأسد على التقهقر السريع، وبدت علائم الانهيار واضحة من خلال انحصار سيطرته على رقعة جغرافية لا تتجاوز ثلث الجغرافية السورية، وإذا كان من الصحيح أن الدول تسعى لتحقيق مصالحها، إلّا أنها في الوقت ذاته تعوّل في تحقيق مصالحها على أوراق ومعطيات تحظى بالقوة والمصداقية، ولا تراهن على نقاط الضعف، فالأسد آنذاك كان ضعيفاً متقهقراً، بينما قوى الثورة تتقدم بقوة، والرهان عليها كان هو الأقوى.
2 – لعل الكيان السياسي السيادي الأول الذي انبثق عن الثورة وبات ممثلاً لها هو المجلس الوطني السوري، ولعله كان يحظى باحترام عربي ودولي ولو نسبياً، أكثر مما تحظى به الكيانات الراهنة، وربما يعود ذلك إلى أن المجلس الوطني آنذاك كان ما يزال ممسكاً بقراره الوطني إلى هذه الدرجة أو تلك، وربما أيضاً لأن التوغل الدولي في القضية السورية لم يكن كما عليه الحال الآن، أما فيما بعد، ومنذ تشكيل الائتلاف، ومن ثم تعدد الكيانات، هيئة التفاوض وتعدد منصاتها، ثم اللجنة الدستورية، فقد بدا واضحاً أن تلك الكيانات إنما أوجدت بمسعى خارجي، ولتكون ذراعاً وظيفياً لأجندات الغير، كما أثبت سلوكها ومُنتجُها خلال أعوام تلت بأنها لم تنبثق من حاجات وطنية تمليها مصلحة الثورة، بقدر ما كانت وكيلاً محلياً لطرف خارجي، وبهذا لم تفقد احترامها والثقة بها من جانب الأطراف العربية والدولية فحسب، بل من جانب أكثرية السوريين أيضاً.
مما لا شك فيه أن ثمة عوامل موضوعية كان لها الأثر الحاسم في انحسار قوى الثورة لصالح الأسد وحلفائه، لعل أبرزها التدخل العسكري الروسي المباشر أواخر أيلول 2015، ما أدّى إلى سقوط حلب الشرقية أواخر العام 2016، ومن ثم انطلاق مسار أستانا مطلع العام 2017 الذي أدّى من الناحية العملية إلى تحييد مسار جنيف وإفراغ القرارات الأممية من محتواها الجوهري عبر فكرة تقسيم الحل إلى أربع سلال، ومن ثم اختزال القرارات الأممية بلجنة دستورية مجهولة المصير، ومن الجانب العسكري أو الميداني أدى أستانا إلى احتواء الفصائل العسكرية تارة عبر إشراكها بلقاءات أستانا وتارة عبر الإجهاز عليها عسكرياً، ومن ثم بات مسار أستانا أكثر إفصاحاً عن ماهيته عبر إجهاز النظام وحلفائه على مناطق ما سمّي بخفض التصعيد، ما أفضى إلى استعادة النظام السيطرة الكاملة على مجمل المدن والبلدات التي كانت بحوزة قوى المعارضة.
ربما أحدث التوجه التركي الجديد بالتعاطي مع القضية السورية، وأعني الميل نحو فتح حوار مع نظام الأسد والعمل على المصالح المشتركة بدلاً من شعار إزالة النظام، ربما أوجد هذا النزوع التركي ما لم يكن متوقعاً، وأعني اشتعال جذوة الحراك الثوري السلمي في مدن وبلدات الشمال السوري، الأمر الذي أطاح بكثير من الدعوات التي بشرت بموت الثورة، كما أسقط كثيراً من الأصوات التي كانت تنادي بحتمية وأحادية الحل الخارجي للقضية السورية، ولكن السؤال الذي يبقى قائماً هو: هل يستطيع هذا المنجز الثوري المتمثل بالحراك الشعبي أن يعيد للقضية السورية اعتبارها عربياً ودولياً، وما مقدار قدرته على التأثير في السياسات الدولية المحكومة دوماً بمصالحها؟ قبل الجواب بنعم أو لا يحسن الوقوف عند مسألتين متلازمتين:
تشير الأولى إلى أن أيّ مُنجز ثوري لا يمكن حصد نتائجه المرجوّة منه دون تحويله إلى ورقة من أوراق السياسة، أي حين يتحوّل المُنجز الثوري إلى مكسب سياسي، وهذه العملية مشروطة بوجود أطر سياسية منبثقة من الحراك الثوري أو على الأقل ذات ارتباط عضوي به، وهذا الكلام يستدعي بالضرورة وجود جسم أو أجسام سياسية جديدة بأجندة وطنية قادرة على استيعاب وتفهم مصالح الدول ولكنها في الوقت ذاته تنطلق من أولوية المصلحة الوطنية السورية، ولعله لا حاجة للتأكيد على أن الكيانات الرسمية الراهنة لا تملك النهوض بهكذا أجندة نظراً لحالة العطب المريعة والمزمنة التي تعاني منها. وتشير المسألة الثانية إلى أن أي محاولة لاستثمار الحراك الشعبي الثوري ليتحوّل إلى موقف سياسي ناضج لا يمكن لها النجاح بالاعتماد على أطر سياسية مؤدلجة أو ذات ميل نخبوي متعالي على الحراك، ذلك أن تلك (النخب الثقافوية) مارست – وما تزال – دوراً خاذلاً للحراك، من خلال تجاهلها التام له تارةً، ومن خلال استمرارها بالتعويل المطلق على الحلول الوافدة من الخارج تارة ثانية، وكذلك من خلال هروبها من مواجهة استحقاقات أولوية وراهنة، والركون لنزعتها الرغبوية في التفكير بحجة الابتعاد عن الشعبوية تارة ثالثة.
لعله من الصحيح أن مسار المصالح العربية والدولية هو في تغيّر على الدوام، ولا يحظى بسمات الثبات والاستقرار، وربما جاز للبعض الذهاب إلى أن من العسير جداً على أي كيان سياسي سوري ثوري مهما بلغ من النضج، أن يُحدِث انعطافة دولية نوعية تجاه القضية السورية، نظراً للواقع المتشظي الذي أفرزه تقاسم النفوذ الدولي للجغرافية السورية وتعدد سلطات الأمر الواقع وما بينها من تخوم قتالية تحول دون أي جهد أو نشاط سكاني سوري موحّد، ولئن صحّ ما سبق، إلّا أن المطلوب في الوقت الراهن ليس انعطافة نوعية تأتي بإيماءة عصا سحرية، بل ما يمكن التطلع إليه بمزيد من الموضوعية، وما هو أكثر أولوية، إحداث انعطافة من شأنها تصحيح العلاقة وإعادة التلاحم العضوي بين القوى السياسية والحراك الثوري السوري أولاً، ومن ثم الانطلاق إلى الآخر الخارجي، إذ بدون الاستقواء بالسوريين أولاً، يبقى التعويل المطلق على الآخر الخارجي أقرب إلى لعبة القمار.
تلفزيون سوريا
————————–
حول التقارب التركي السوري/ رياض نعسان أغا
حين دعا وزير الخارجية التركي إلى (مصالحة أو اتفاق) بين المعارضة والنظام السوري تصاعد قلق المعارضة السورية في مناطق الشمال السوري الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، وخرجت مظاهرات رافضة في العديد من المدن السورية التي يعيش فيها نحو خمسة ملايين سوري في انتظار حل يحقق مطالبهم. وجراء الأزمة السورية تضاعف عدد اللاجئين السوريين إلى أصقاع الأرض، ولكن تركيا المجاورة كانت الأقرب، وبات عدد اللاجئين السوريين فيها نحو أربعة ملايين.
كان أردوغان رئيس وزراء تركيا قبل أن يتولى الرئاسة عام 2014 يؤسس للمشروع التركي، وكان يعلم أن فضاءه الأرحب هو العالم العربي ثم الإسلامي، لاسيما بعد أن رفض الاتحاد الأوروبي قبول تركيا، ومن الطبيعي أن يرى أن بوابته سوريا، التي تريد انفتاحاً وبوابة على الغرب أيضاً، ووجدت في التقارب مع تركيا مجالاً حيوياً.
وكانت زيارة أردوغان الأولى لسوريا عام 2004 بداية علاقة سرعان ما صارت قوية ولاسيما بعد أن زار بشار الأسد تركيا في العام ذاته كأول رئيس سوري يزورها بعد الاستقلال عام 1946، وكان ثمة هاجس مشترك بين أردوغان وبشار هو القلق من المشروع الكردي الانفصالي في العراق، وأذكر تصريحات لبشار حذر فيها من مغبة أي دعم لانفصال الأكراد في العراق قائلا إن ذلك الأمر يعتبر خطاً أحمر لدى كل دول المنطقة، وكان واضحاً أن تركيا التي أقلقها سابقاً دعم سوريا لحزب العمال الكردستاني تريد أن تتفق وجهة نظرها مع دمشق في موقف موحد من رغبة دعاة الانفصال من الكرد، وقد سادت حالة من الطمأنينة في العلاقات السورية التركية، وتطورت نحو ما أعلنه أردوغان من رغبته بأن يصعد التبادل التجاري إلى خمسة مليارات دولار قريباً.
لكن ما حدث في مارس 2011 أوقع البلدين في قطيعة نارية، ومع قمة طهران الثلاثية التي عقدت منتصف يوليو الماضي، وقيل إنها فشلت، وقع أردوغان في أزمة صعبة، فهو لا يستطيع التراجع عن تصميمه المعلن في الحملة على الشمال السوري، ولاسيما أنه مقبل على عام الانتخابات، ولا هو قادر أن يغامر بحملة عسكرية لم توافق الدول الكبرى عليها، ولعله وجد في لقاء بوتين الأخير في سوتشي مخرجاً آمناً، وهو العودة إلى النقطة التي تلتقي فيها سوريا مع تركيا حول الملف الكردي.
ومع أن الأكراد عامة لا يفكرون في الانفصال عن سوريا، فهم يطلبون إدارة محلية وحقوقاً ثقافية واجتماعية تقر بها المعارضة السورية، إلا أن فريقاً من الأكراد يجد انتماءه إلى حزب العمال الكردستاني أقوى من أي انتماء آخر، ولكون «قسد» تسيطر على أهم ثروات سوريا في الشمال الشرقي، وعلى ثلث مساحة سوريا، فلن تقبل دمشق أن تقدم تنازلات لها. ويبدو المشترك الممكن من وجهة نظر تركيا هو تحييد الموقف الرسمي السوري، أو المشاركة في صد الخطر المشترك، وتركيا تعلن أن أهدافها هي أمنها القومي وليست في وارد مواجهة عسكرية مع سوريا، وليس من أهدافها التركية إسقاط النظام السوري، وهي ترعى مصالحها قبل أية مصالح أخرى.
وفي اعتقادي أن التصريحات الراهنة من الجانب التركي هي نوع من نزع الصاعق في التدخل العسكري المحتمل، وهي تقع في إطار التكتيك وليس الاستراتيجية، لكن الشروط التي وضعها الأتراك لن تكون مقبولة من حكومة دمشق، ولن تستطيع تركيا التنازل عن هذه الشروط سياسياً وأخلاقياً وإنسانياً.
* وزير الثقافة السوري الأسبق
*نقلا عن الاتحاد
————————-
صالح مسلم إذ يعلن انتصار نظام الأسد على تركيا/ حسين جلبي
اختصر صالح مسلم، الذي عاد مؤخراً لرئاسة حزب الاتحاد الديمقراطي، دور حزب العمال الكردستاني في سوريا خلال عشر سنوات؛ في بضع كلمات عنون بها (موقع هاوار) التابع للحزب لقاءً أجراه معه، عندما نقل عنه قوله (نضالنا أجبر تركيا على التوسل لحكومة دمشق)، وهو كلام واضح لا يحتاج إلى تفسير ولا يحتمل التأويل، خاصةً إذا تذكرنا ظروف عودة الحزب إلى النشاط في سوريا بعد بداية الثورة، والجبهة التي حارب عليها والأهداف التي كرس (نضاله) من أجلها، وربطنا ذلك بالظروف الحالية التي يمر بها وقد تحقق معظم ما عاد من أجله، إلى أن وصل إلى مرحلة الصراع من أجل الاحتفاظ بموطئ قدم بأي ثمن، بعد أن أدمن البقاء في دائرة الضوء (واللعب مع الكبار)، حتى إذا كان أمام باب النظام الموصد في وجهه، وقد عاد (وفد الحزب خائباً دونه)، حسب صالح مسلم نفسه في تصريح سابق.
أعاد كلام صالح مسلم أعلاه إلى الأذهان، ما قاله رفيقه القيادي في حزب العمال الكردستاني باهوز أردال صراحةً، في معرض التذكير بأفضال حزبه على النظام، الذي تنكر للخدمات التي قدمها له، من أنه (لو لم يتم تأسيس وحدات حماية الشعب ـ التي أسسها كوادر الحزب ـ ولولا سياسة الإدارة الذاتية، لما بقي نظام الأسد)، وقبل ذلك ما قاله الزعيم الفعلي للحزب جميل بايق في حوار مع صحيفة النهار، من أن (علاقتنا بحافظ الأسد وعائلته كانت وثيقة ودافئة، ولا يمكننا أن نكون مناهضين لسوريا أو ضد الأسد)، وهي السياسة التي لم يحد عنها الحزب قيد أنملة، وسخّر الإمكانات البشرية والمادية للكُرد السوريين، حد النضوب، من أجل تحقيقها.
كان واضحاً بعد بداية الثورة في سوريا، وتقاطر كوادر حزب العمال الكردستاني على المناطق الكُردية السورية من معاقلهم النائية في جبال قنديل، ومنهم صالح مسلم الذي قيل بأنه كان ملاحقاً من نظام الأسد، بأن ما يقوم به الحزب هو أبعد من أن يكون مشاركةً في الثورة كما أشاع، فقد استلم هؤلاء المنطقة من النظام بسلاسة، رغم محاولاتهم إظهار العملية تحريراً لها، وسيطروا بقوة السلاح على الكُرد السوريين وعملوا على إخراجهم من معادلة الثورة السورية، وذلك عبر إحياء تحالف الحزب القديم مع نظام الأسد ضد تركيا، الذي كان انتهى على أثر المصالحة بين الطرفين الأخيرين قبل عقدٍ من ذلك، وكانت المقدمة لذلك إبعاد زعيم الحزب من سوريا، ومن ثم توقيعهما اتفاق أضنة الأمني القاضي بحظر نشاطه في البلاد، ومنح الحكومة التركية حق ملاحقة عناصره مسافة خمسة كيلومترات داخل الأراضي السورية.
فوجئ الكُرد السوريون الذين كانوا انخرطوا بقوة في الثورة السورية، إلى جانب مواطنيهم السوريين، بفرض الشعارات المعادية لتركيا على حراكهم، مقابل تغييب نظام الأسد من المشهد ومنع المطالبة بالديمقراطية وبحقوقهم في سوريا، إلى أن نجح حزب العمال الكردستاني في نهاية المطاف، في فرض أجندته ـ وبالتالي أجندة النظام ـ على المنطقة، بعد إنهاء النشاطات المناوئة له، حتى كاد الأمر يلتبس على المراقب، ويظن بأن الثورة السورية في جانبها الكُردي، إنما قامت ضد الحكومة التركية، وللمطالبة بإطلاق سراح زعيم حزب العمال الكردستاني المحتجز في تركيا، وقد أصبحت يوميات السياسة التركية وتفاصيلها، هي المحرك للأنشطة التي يقيمها الحزب في المناطق الكُردية السورية، التي بدت كأنها أصبحت معزولة عن سوريا، إن لم تكن داخل تركيا.
بغض النظر عن أهمية دور حزب العمال الكردستاني، فيما انتهت إليه الأوضاع في سوريا، وخاصةً على ملف العلاقات السورية التركية، والذي لعبه عبر التضحية بأرواح آلاف الشبان الكُرد التسبب بتدمير المناطق الكُردية السورية، فإن الواقع الذي لا يمكن تجاهله، هو أن اتخاذ الحزب من تلك المناطق منصة لما يقول عنه نضالاً، قدم لتركيا الذريعة ـ أو أرغمها ـ على القيام بعمليتين عسكريتين في المنطقة، لم يكن الحزب خلالهما بمستوى الشعارات التي لا يزال يرفعها، وأن الانتصار الوحيد الذي حققه الحزب كان على الكُرد السوريين، الذين أوصلتهم سياساته إلى التوسل يومياً؛ للحصول على الخبز والغاز والكهرباء والمازوت والأمان، أو لفتح الحدود للفرار من جحيمه، بحيث أصبح السؤال عما حصل عليه الكُرد من وراء نضال الحزب، سؤالاً مشروعاً، وإن كانت الإجابة واضحة.
تلفزيون سوريا
————————–
من يقرر السياسة التركية الخارجية؟/ عائشة كارابات
بعد شهور من تفكير تركيا في توغل عسكري بمناطق سيطرة الأكراد في شمال سوريا يبدو أن أنقرة صارت تريد محادثات مع دمشق الأسد لضمان عودة آمنة للاجئين. استيضاح عائشة كارابات من إسطنبول لموقع قنطرة.
يرسلُ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إشارات واضحة عن مصالحة محتملة مع النظام السوري، والتي كانت أنقرة إلى وقت قريب جداً تصفه بالدكتاتورية التي ينبغي الإطاحة بها. وقد قال للصحفيين الذين كانوا يرافقونه في رحلة إلى أوكرانيا في 18 آب/أغسطس 2022: “ليس لدينا مشكلة في هزيمة الأسد من عدمها”. وكانت تركيا وسوريا قد قطعتا علاقاتهما في عام 2011 في أعقاب اندلاع الحرب السورية.
وقال: “ستحتاج تركيا إلى خطوات متقدمة مع دمشق لإنهاء عدد من المؤامرات في المنطقة”، مؤكّداً مرة أخرى أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تغذّي الإرهاب في سوريا عبر توفير الأسلحة والمعدات لوحدات حماية الشعب الكردية، حليف الولايات المتحدة الأميركية في قتالها ضد الدولة الإسلامية.
وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب الكردية فرعاً من حزب العمال الكردستاني المحظور، والذي تصنّفه الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي كمنظمة إرهابية.
توغّل أم تعاون عسكري؟
منذ أيار/مايو 2022، يناقش إردوغان إمكانية توغّل عسكري آخر في شمال سوريا، حيث تسيطر وحدات حماية الشعب الكردية على محافظة الحسكة في شمال شرق سوريا ومناطق تل رفعت ومنبج، اللتين تقعان بين منطقتين تسيطر عليهما تركيا في الشمال الغربي. ويهدف أي توغّل إلى ربط المنطقتين الخاضعتين للسيطرة التركية في سوريا.
لكن لم توافق روسيا ولا الولايات المتحدة الأمريكية على مثل هذه الخطوة. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا مؤخراً إنهم يأملون في أن “تحجم” تركيا عن شنّ هجوم في شمال سوريا.
بدأ إردوغان في تغيير رأي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماعهما الثاني وجهاً لوجه في غضون شهر في مدينة سوتشي على البحر الأسود بتاريخ 6 آب/أغسطس 2022، إلا أنّ نتيجة القمة كانت تحولاً في خطاب أنقرة فيما يخصّ سوريا.
إذ قال إردوغان للصحفيين: “ليس لدينا أطماع في الأراضي السورية؛ والشعب السوري هم أشقاؤنا. ونولي أهمية لوحدة أراضي سوريا، ويتعين على النظام إدراك ذلك”.
قال البروفيسور سرحات إركمن، من جامعة آلتن باش في إسطنبول والخبير في الشؤون السورية، إنّ دمشق مثل تركيا غير راضية عن المناطق التي أُعلِن أنها تتمتّع بالحكم الذاتي وتخضع لسيطرة القوات الكردية، لكنها لا تملك القوة العسكرية لمحاربتها.
وأضاف: “في كل مرة تخطّط تركيا للقيام بعملية عسكرية في سوريا، تجدّد القوات التي يقودها الأكراد جهودها لتحقيق المصالحة مع دمشق. وهذا يقوّي نظام الأسد فيما يتعلق بوحدات حماية الشعب”. كما اعتبر أنّ كل من تركيا وسوريا تتشاركان التهديد الأمني حين يتعلّق الأمر بالقوات الكردية. وهذا هو السبب أيضاً في أنّ الاتصال المحدود الذي جرى بين البلدين في السنوات الأخيرة قد تمّ من خلال أجهزتهما الأمنية.
تأثير بوتين
يعتقد فلاديمير بوتين أنّ المخاوف الأمنية التركية يمكن معالجتها بشكل أفضل من خلال التعاون بدلاً من التوغّل العسكري. ففي عام 2019، كرّر بوتين أنّ اتفاقية أضنة، التي أبرمتها تركيا وسوريا في عام 1998، وتتحدّث عن تعاون قوي بين البلدين ضد الانفصاليين الأكراد، لا تزال سارية المفعول. كما أنه حريص على التوصّل إلى اتفاق تسوية بين دمشق وخصومها، وهي خطوة تدعمها تركيا.
قال زعيم حزب “الشعب الجمهوري” التركي المعارض”#كمال_كيلجدار_أوغلو” إن #أردوغان تراجع عن وعوده بعدم مصالحة #الأسد، بناءً على “تعليمات” أصدرها الرئيس الروسي فلاديمير #بوتين. pic.twitter.com/QgpDogbYhi
— Orient أورينت (@OrientNews) August 23, 2022
وفي 11 آب/أغسطس 2022 قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو: “علينا أن نجد طريقة يتّفق فيها المعارضة والنظام السوري للتوصل إلى تسوية، وإلا فلن يكون هناك سلام دائم”، بينما كشف عن محادثة قصيرة له مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد العام الماضي 2021 على هامش اجتماع حركة عدم الانحياز في بلغراد.
وواصل تشاووش أوغلو: “لا بد أن تكون هناك إدارة قوية في سوريا لمنع أي انقسام في البلاد… وإرادة السيطرة على كل ركن من أراضيه لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال الوحدة والتضامن”.
وقد سبّبت كلماته موجة من الاحتجاجات في شمال غرب سوريا الخاضع للسيطرة التركية. وأظهرت مقاطع الفيديو التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي حرق الناس للأعلام التركية ورميهم للحجارة على المركبات العسكرية التركية.
وقال إركمن: “أعتقد أنّ الاتصالات والمحادثات بين أنقرة ودمشق ستستمر في الازدياد، لا سيما بسبب روسيا، التي ترغب بوضوح بنهاية للعبة في سوريا. تستفيد موسكو من الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها تركيا ومن عزلتها عن الغرب. وتريد روسيا أكثر من أي وقت مضى تسوية بين أنقرة ودمشق وستستمر بالضغط من أجل تحقيق ذلك”.
اللاجئون غير المرحب بهم من قبل الطرفين
لا تتخلى تركيا عن خيار التوغّل العسكري، على الرغم من خطواتها الظاهرة باتجاه إعادة التقارب مع دمشق. وقد قالت أنقرة عدة مرات إنّ أحد أهداف الهجوم العسكري سيكون إنشاء منطقة عازلة على طول حدودها لنقل عدد كبير من اللاجئين السوريين في تركيا.
ويوجد في تركيا لاجئون أكثر مما يوجد في أي دولة أخرى في العالم. ويشكّل موضوع اللاجئين قضية ساخنة في السياسة التركية. فقد أظهر استطلاع رأي أجرته مؤخراً شركة الأبحاث متروبول Metropoll أنّ 81.7% من السكان الأتراك يريدون عودة السوريين إلى بلادهم. ومثل هذا المناخ، إضافة إلى سياسة اللاجئين غير المخطط لها التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية، يجعل من اللاجئين هدفاً سهلاً للمعارضة السياسية التركية التي تَعِد بترحيل اللاجئين السوريين إلى وطنهم، ليس فقط الجماعات اليمينية المتطرفة وحزب مناهض للاجئين أُنشئ مؤخراً، ولكن حتى المعارضة الرئيسية، أي حزب الشعب الجمهوري (CHP).
إذ تعهّد زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، في عدة مناسبات، بأنه في حال فوز المعارضة بانتخابات عام 2023، فستتوصل إلى اتفاق مع الأسد لضمان العودة الآمنة للسوريين. ورحب كمال كليتشدار أوغلو، الذي لطالما اتهم الحكومة التركية بتأجيج الحرب الأهلية السورية، رحب بخطوات الحكومة باتجاه المصالحة، ولكن أضاف بأنها “قليلة جداً، ومتأخرة جداً”.
والآن، حتى الحكومة تريد إعادة اللاجئين، إذ يكافح حزب العدالة والتنمية فعلاً لدعم اقتصاد محاصر، كما أنه يشهد شعبيته تتضاءل. بيد أنّ إركمِن يعتقد أنّ مسألة عودة اللاجئين السوريين ليست أولوية بالنسبة لدمشق، والتي تواجه بالفعل صعوبات شديدة في تلبية احتياجات سكانها داخل البلاد.
إضافة إلى ذلك تأمل أنقرة في أن يتغير الوضع بعد وقف إطلاق النار بين النظام والمعارضة.
#جمعة_الغضب.. احتجاجات واسعة في شمال #سوريا رفضًا للمصالحة مع بشار الأسد، وذلك بعد دعوة وزير الخارجية التركي#أخبار_الآن#تركيا@baderkhanahmad
للمزيد: https://t.co/NlZh6Kmd2q pic.twitter.com/iok15rJux2
— Akhbar Al Aan أخبار الآن (@akhbar) August 12, 2022
وقد قال تشاووش أوغلو مؤخراً: “لا أحد يرغب في المساعدة في إعادة البناء من دون وقف إطلاق النار ومن دون السلام. وهذا يشمل الاتحاد الأوروبي والجهات الفاعلة المهمة في العالم، إضافة إلى المجتمع الدولي. ولذلك، نبذل قصارى جهدنا، لكن الأساس في كل هذا، وقف إطلاق النار. وبالطبع سنكثّف عملنا لتحقيق ذلك”.
لا تزال طاولة المفاوضات محمّلة بالعديد من القضايا: تريد دمشق استعادة السيطرة على أراضيها، ولا تزال أنقرة تعتبر وجود المجموعات الكردية المدعومة أمريكياً على حدودها تهديداً لها وتسعى موسكو إلى تركيز طاقاتها ومواردها على أوكرانيا.
ووفقاً لإركمِن، قد تتمكن دمشق وأنقرة من زيادة التواصل والاتصالات فيما بينهما، لكن من المرجح أن تمنعهما وجهات نظرهما المختلفة حول اللاجئين من الوصول إلى تسوية قريباً.
عائشة كارابات
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: موقع قنطرة 2022
ar.Qantara.de
————————————
كتلة سورية جديدة بمواجهة مسار “أستانا” برعاية واشنطن.. ما الاحتمالات؟/ شيلان شيخ موسى
الاستدارة التركية الأخيرة تجاه الملف السوري، جعلت هيئات المعارضة السورية في تخبط فيما بينها بشكل كبير، وتصريحات تركيا بشأن إعادة العلاقات مع الحكومة السورية، خاصة وأن تركيا أعلنت بوضوح وصراحة أن هدف تركيا، ليس إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد عن الحكم في سوريا، شكّل نقطة فارقة بينها وبين كيانات المعارضة السورية، لا سيما أن تركيا انخرطت في الأزمة السورية، منذ عام 2011. وقد عمدت، على نحو مباشر، إلى تقديم الدعم السياسي والعسكري للمعارضة السورية، حتى باتت تركيا مركز تواجد الكيانات السياسية المعارضة، أو التي تصدّر نفسها كـمعارضة سورية، في حين تخضع عدة مناطق في الشمال السوري لسيطرة ونفوذ القوات التركية، وكذلك فصائل “الجيش الوطني” المدعومة من أنقرة.
رد الولايات المتحدة الأميركية جاء متأخرا بعض الشيء، حيث راقبت التصريحات التركية ببطء، حتى جاء الرد قبل أيام رافضة أي خطوة تركية في التقارب مع دمشق، حيث أكدت التزامها بـ “5 لاءات”، وموقف وحيد إزاء ما حصل وسيحصل، حيث شددت واشنطن على أنها لن تعرب عن أي دعم لجهود التطبيع مع بشار الأسد، أو إعادة تعويمه، والولايات المتحدة لا تنوي رفع مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع الأسد، ولن تؤيد تطبيع علاقات دمشق مع الدول الأخرى أيضا.
من هذا المنطلق، يجدر التساؤل الأهم في خضم هذه التحولات على الساحة السورية، حول إمكانية ظهور هيئة، أو كتلة معارضة جديدة موازية، أو في مواجهة مع مسار “أستانا”، وبرعاية الولايات المتحدة، وأسباب لجوء كيانات المعارضة السورية إلى الاحتماء بواشنطن، وأخيرا، مدى احتمال ضم واشنطن، المعارضة السورية لـ “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا.
ممكن في حال تخلي تركيا؟
الخارجية الأميركية، صرحت بأن إيثان غولدريتش، نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، استضاف في جنيف اجتماعا للمبعوثيين الخاصيين من عدة دول إلى سوريا.
ويوم أمس الثلاثاء، التقى رئيس الهيئة العليا للمفاوضات، بدر جاموس بالمبعوث الأميركي، على هامش الاجتماعات الدولية حول سوريا في جنيف.
اجتماع “هيئة التفاوض السورية” مع مبعوثي الدول للملف السوري في جنيف، 31 آب/أغسطس 2022 “تويتر”
وبدوره صرح جاموس، إن الهيئة بحثت خلال اللقاء مع المبعوث الأميركي، طرق إحياء العملية السياسية في سوريا، ودفع العملية السياسية إلى الأمام وتفعيل القرار الأممي 2254، بما فيها ملف الانتقال السياسي العادل، ووجود آلية واضحة لتطبيق القرار ومنع الحكومة السورية من الاستمرار في عرقلة العملية السياسية.
فيما جدد غولدريتش، دعم الولايات المتحدة لحقوق الشعب السوري وأكد أن بلاده ضد عمليات التطبيع مع الحكومة السورية بدمشق، وأنها تبذل جهدا من أجل تفعيل القرار 2254، ودفع العملية السياسية بخطوات جدية وصولا إلى الحل السياسي المبني على القرارات الدولية.
في حين نقل مواقع إعلامية عن مصادر خاصة قولها، إن هيئة التفاوض السورية، ترى الاجتماع الذي دعت إليه الولايات المتحدة الأميركية للدول المعنية بالملف السوري في جنيف، هو “محور في مواجهة محور أستانا”.
وفي هذا السياق يرى الصحفي والمحلل السياسي، فراس علاوي، أن تشكيل جسم أو كتلة معارضة جديدة غير ممكن في الوقت الحاضر، إلا إذا تخلت تركيا عن “الائتلاف السوري المعارض”، حيث أنه لا يمكن استبدال “الائتلاف” بجسم معارض جديد، لأن الولايات المتحدة الأميركية، ترى فيه ممثلا للمعارضة السورية، وهناك أيضا اعتراف عدة دول به، لذا من الصعب أن يتم تغير هذا “الائتلاف” لجسم آخر، إلا في حال تخلي الأتراك عنه، وبالتالي فشل “الائتلاف السوري” تلقائيا.
والأمر الآخر أن هذا الاجتماع الذي عقد في جنيف صحيح أنه موجه ضد مسار “أستانا”، حتى وفي حضور تركيا، أحد أطراف “أستانا”. ولكن، هذه اللقاءات وفق اعتقاد علاوي، “موجهة بشكل أساسي ضد دعوات روسيا لتعويم الأسد أكثر منه على مسار أستانا”، وفق حديثه لـ”الحل نت”.
وفي حال تشكيل كتلة أو هيئة معارضة سورية جديدة، فإنها لن تكون في المستقبل القريب، بل لاحقا، والمعارضة السورية لم تلجأ إلى الولايات المتحدة، لأنها دُعيت من قبل الأخيرة بغية وضعها في صورة ما يحدث، وبالتالي يكون هناك تصور لدى مسؤولي هيئات المعارضة السورية الثلاث، “اللجنة الدستورية”، و”هيئة التفاوض”، و”الائتلاف السوري”، حول ما قررته الولايات المتحدة، أو ما ستتبناه هي، وحلفاؤها بما يخص الملف السوري، وفق رأي علاوي.
قد يهمك: المطالبة بمسارات جديدة للحل في سوريا.. اللجنة الدستورية “باي باي“؟
احتمالات انخراط المعارضة مع “قسد”
نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، فيدانت باتيل، قال في وقت سابق، “لن نرفع العقوبات عن النظام، ولن نغير موقفنا المعارض لإعادة إعمار سوريا، حتى يتم إحراز تقدم حقيقي ودائم نحو حل سياسي”.
وفد من “الائتلاف السوري المعارض” يلتقي نائبان أميركيان، 2021، صفحة الخارجية الأميركية على “تويتر”.
وزاد: “نحث الدول في المنطقة على النظر بعناية شديدة في الفظائع التي ارتكبها النظام، ضد الشعب السوري على مدى العقد الماضي، وكذلك جهود النظام المستمرة لمنع وصول الكثير من البلاد إلى المساعدات الإنسانية المتكاملة والأمن”.
وفي حين تأتي خطوات تركيا في خضم المتغيرات الإقليمية والتطورات الداخلية في تركيا تجاه إعادة العلاقات مع دمشق، تبدي “الإدارة الذاتية”، لشمال شرقي سوريا مخاوف جمة حيال هذا التقارب التركي-السوري، فقد أعرب عدد من المسؤولين الأكراد، عن خشيتهم من صفقة سورية-تركية في الشمال.
وفيما إذا كانت الولايات المتحدة، ستتخذ في الفترة المقبلة خطوات لجمع كيانات المعارضة السورية مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، لا يعتقد الكاتب والمحلل السياسي، فراس علاوي، حدوث هذا الأمر خلال الوقت الحاضر على الأقل، لكن، إذا كان تم الحديث عن تفكيك “قسد”، عن الملف التركي، فمن المحتمل أن يتم تشكيل هيئة مشتركة لهما، أو بالأحرى يحدث مفاوضات بين الطرفين لتأسيس هيئة معارضة تضم كيانات من المعارضة السورية، و”قسد”.
وأضاف علاوي: “لكننا نرى بأنه هناك أصلا مفاوضات كردية ـ كردية لم تسفر عن كيان كردي موحّد، لذا فإن دمج هاتين القوتين يبدو صعبا، وربما تكون الخطوة التالية التي ستتخذها الولايات المتحدة هي دمج الأحزاب والقوى الكردية مع بعضها، ومن ثم دمجها مع هيئات المعارضة، وذلك في حال تفكيك الائتلاف السوري المعارض وتخلي تركيا عنه”.
وبالتالي، فإن واشنطن غير معنية بالاتفاقات التركية مع أي جهة كانت، لا بوصفها حليفا ولا حتى بوصفها ذات توجه سياسي مماثل. وفي هذا الحال، فإن تخلي تركيا عن نفوذها في سوريا، يعني أن الطرفين الوحيدين اللذين سيبقيان على الساحة هما الحكومة السورية، مدعوما ببعض كيانات المعارضة السورية التابعة لتركيا، و ”الإدارة الذاتية”، لشمال شرقي سوريا مدعومة بالمنشقين عن المعارضة السورية الحالية.
———————————-
====================
تحديث 04 أيلول 2022
————————-
سوريا وتركيا.. فرصة ما قبل الصفقة/ صبا مدور
يبدو أن صفقة التطبيع التركي مع النظام السوري قد عُلّقت أو تعطّلت، بانتظار عوامل جديدة على الأرض قد تدفع أحد أطراف الصفقة أو ربما جميعها إلى تقديم تنازلات اضطرارية مقابل ما يراه أفضل لمصالحه.
ظهرت بوادر هذا التطبيع أو ما يقترب منه بعد اجتماع الرئيس رجب طيب أردوغان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي في الخامس من أغسطس/آب، وقد كان متوقعاً أن يستغل الأخير حاجة تركيا إلى ضوء أخضر لبدء عمليتها العسكرية في شمال سوريا، ليقترح استعادة العلاقة بين أنقرة ودمشق، وتعاونهما ضد القوات الكردية المهددة لكليهما.
بطبيعة الحال، كان هدف روسيا الأساسي هو تخفيف العبء السوري عن كاهلها، من أجل التفرغ لحرب الاستنزاف المرهقة في أوكرانيا، ولم يكن لدى بوتين أفضل من هذه الفرصة ليقنع أردوغان بانجاز صفقة يفترض أنها تمنح تركيا بعض الحرية في مواجهة (وحدات حماية الشعب) الكردية، مقابل ما تمنحه للنظام من سيطرة على اراضي تخضع لسيطرة المعارضة المحمية بالقوات التركية، وبذلك لن تعود روسيا مضطرة للاحتفاظ بقوات كبيرة لدعم النظام ومنعه من السقوط، كما كانت تفعل منذ عام 2015.
وربما كان يمكن للصفقة أن تمضي بشكل ما، بعدما أظهرت أنقرة العديد من الإشارات على استعدادها لـ”ممارسة الدبلوماسية” مع نظام الأسد، ودعوتها المعارضة إلى الاتفاق معه، في تطور تسبب بكثير من الاستياء والقلق بين السوريين في مناطق الشمال غير الخاضعة للنظام، فضلا عن تساؤلات عن مصير الثورة السورية، بعد ما بدا من (تخلي) حليفها التركي.
لكن الأمر لم يكن بتلك السهولة التي بدا عليها، فبعد أقل من اسبوعين من قمة “سوتشي”، قام الرئيس التركي بزيارة مدينة لفيف شرقي أوكرانيا، ومن هناك صرّح أن بلاده “تقف إلى جانب أوكرانيا”، مجدداً طرح نفسه كوسيط لايجاد حل للحرب هناك.
كان أردوغان يريد تكريس دور بلاده كعنصر دولي فاعل في أخطر أزمة تواجه أوروبا منذ سبعة عقود، وحصل بالفعل على إشادة الأمين العام للأمم المتحدة الذي شاركه الزيارة، على دور تركيا في انجاز اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية.
ويبدو أن موسكو لم ترضها المواقف التركية، فاستدعت وزير خارجية النظام السوري ليعلن من موسكو في 23 اغسطس/آب، “شروطاً” على تركيا أن تنفذها قبل أي تقارب بين البلدين. وقد بدا من لهجة الوزير الذي كان برفقة نظيره الروسي، أن نظام دمشق ليس في عجلة من أمره، وأن أنقرة ملزمة بتنفيذ تلك الشروط التي بدت كفيلة بوضع تركيا في وضع صعب أخلاقياً واستراتيجياً، مقابل مكاسب غير واضحة، وكوارث إنسانية متوقعة ستتحمل تركيا في حال وقعت جزءاً أساسياً من أسبابها، وربما من تداعياتها.
اللافت هنا، أن الرئيس أردوغان قام في ذلك اليوم بتوجيه رسالة بالفيديو إلى قمة منصة القرم الافتراضية، أكد فيها موقف تركيا الداعم لوحدة أراضي أوكرانيا، ورفضها “الضم غير القانوني لشبه جزيرة القرم من جانب روسيا”، ويمكن بالطبع افتراض أن هذه كانت بتلك، وأن الرئيس التركي، رد فوراً على الضغط الروسي الموجه بلسان فيصل المقداد، ليذكر موسكو بأنها ما زالت بحاجة إليه في أوكرانيا، لا سيما بعد أن كرس نفسه كوسيط دولي ذي مصداقية في تلك الأزمة.
لكن الرد التركي الأوضح جرى في اليوم التالي 24 أغسطس/آب حينما التقى وزير الخارجية مولود جاووش أوغلو في أنقرة بوفد من قيادات المعارضة السورية، وقال بعد اللقاء في تغريدة على تويتر: “أننا نقدر وندعم مساهمة المعارضة في العملية السياسية في إطار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254”.
الحاصل، أن موسكو تلعب مع أنقرة لعبة الضغط التفاوضي، فيغيّر كل منهما موقفه بين عشيّة وضحاها، حسب ما يتطلبه الوضع للحصول على أكبر قدر من المكاسب، لكن حاجة كل منهما تبقى ملحة لانجاز صفقة التسوية مع النظام السوري، وهو ما يدفع للقول إن كل هذه التحركات والتصريحات، لن تغير من جوهر التطور المتمثل بفرص تطبيع العلاقات بين أنقرة ونظام الأسد.
ولكن، قد يكون في هذا التدافع السياسي النفسي بين موسكو وأنقرة، ما يمنح المعارضة والثوار فرصة لطرح مطالب وضمانات تتعلق بمصير الثورة والثوار وسلاح الفصائل ومصير النازحين واللاجئين، تتضمن إبقاء مناطق الشمال السوري تحت حماية دولية، ومنع دخول قوات النظام، وضمان حماية المعارضين، وتوفير رؤية واضحة ومعلنة حول مصير ملايين اللاجئين في تركيا على وجه الخصوص، وذلك بغض النظر عن ترتيبات التفاوض حول تنفيذ قرار مجلس الأمن، التي قد لا تحصل على الإطلاق، لكن لا يمكن أن تكون مثل هذه الفرصة طويلة أو ممتدة، فضغط الأوضاع الأمنية والسياسية بالنسبة لتركيا، والعسكرية بالنسبة لروسيا، قد يدفعهما لاستعادة التقارب من جديد، خلال مدة قصيرة، وحينها قد يجري تنفيذ الصفقة بسرعة.
لا نعرف إن كان وفد المعارضة الذي اجتمع مع تشاووش أوغلو قد حصل على ضمانات سياسية وأمنية وإنسانية، فإن لم يفعل، فلا بدّ من حشد الجهود نحو هذا الهدف، بدلاً من الإنشغال بالرفض والنقد والغضب، الذي لن يؤثر على قرارات الدول وسعيها لحفظ مصالحها الخاصة.
—————————–
تداعيات تحول موقف تركيا من الأزمة السورية/ صلاح الدين هوى
تحليل موجز
على الرغم من أن إقامة علاقات بين تركيا والنظام السوري قد تبدو خطوة ذكية من قبل أردوغان، إلا أن القرار يمثل خيانة للشعب السوري ونجاحه غير مضمون بالنسبة للحكومة التركية.
بينما الاستعدادات لشن عملية عسكريّة تركية في الشمال السوري تسير على قدم وساق، خرجت تصريحات لوزير الخارجية التركي عن إمكانية دعم نظام الأسد لتأخذ المشهد في الاتجاه المعاكس تماماً. ثم ما لبث الرئيس إردوغان أن كرر تصريحات مشابهة بعد قمة سوتشي وسط تسريبات عن إمكانية حدوث اتصال رفيع المستوى مع النظام السوري ليترجمها تشاووش أوغلو بلقائه مع وزير خارجية النظام. أثار هذا التحول اندلاع احتجاجات عفوية واسعة النطاق بين الأوساط الثورية السورية، مما دفع تشاووش أوغلو للقاء رؤساء مؤسسات المعارضة السورية لإعادة التأكيد على “دعم تركيا لحقوق السوريين” وفقا لتغريدة بدر جاموس في 25 آب / أغسطس.
لم تتأخر الأوساط الثورية السورية، بما فيها تسع نقابات للمحامين والمعلمين والمهندسين ومهن أخرى، في إطلاق تلك التظاهرات للتعبير عن رفضها لهذا الموقف. كما وجدت هذه الأوساط أن هذا التراجع صادم بشكل خاص نظرًا للتطورات التي حدثت في الأشهر العديدة الماضية. ففي 27 حزيران الماضي، نقلت وكالة “الأناضول” تصريحات لوزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، لقناة “تي في 100” التلفزيونية التركية ندد فيها بتراجع أمريكا وروسيا عن “وعودهما بإخراج الإرهابيين من سورية.” كما طالب الحكومة العراقية بتحمل مسؤولياتها في حماية الهيئات الدبلوماسية الأجنبية وذلك بعد تعرض القنصلية التركية في الموصل لهجوم صاروخي قبل ساعات من حديث تشاووش أوغلو.
في الواقع، فقد تعرضت القواعد التركية في شمال العراق وسورية لسلسلة من الهجمات الصاروخية التي تبنتها ميليشيات موالية لإيران. وجاءت تلك الهجمات قبل وبعد قمة طهران التي جمعت رؤساء إيران وتركيا وروسيا، وقرأها المراقبون على أنها رسالة واضحة لتركيا. وقد اتهم مسؤولون عراقيون ومليشيات موالية لإيران تركيا باستهداف موقع سياحي في دهوك، شمال العراق، مما أسفر عن نحو40 قتيل وجريح بعد ساعات من انتهاء القمة التي كشفت عن خلافات عميقة بين الشركاء. وقد أبلغت المبعوثة الخاصة للأمم المتحدة إلى العراق، جينين هينيس بلاسخارت، مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بعد أيام قليلة من الهجوم، أن تركيا رفضت تلك الاتهامات ودعت إلى إجراء تحقيق مستقل وشفاف، واتهمت حزب العمال الكردستاني بضلوعه في الهجوم.
على كل حال، يبدو أن خطاب جاويش أوغلو الأخير يشير إلى أن تركيا ستتخلى عن سوريا للنظام. لكن الملفت في تصريح تشاووش أوغلو كان حديثه عن “الحق الطبيعي للنظام (السوري) أن يزيل التنظيم الإرهابي من أراضيه”، في إشارة إلى تنظيم قوات سورية الديموقراطية (قسد) الذي يسيطر على مناطق واسعة في الشمال السوري. لا بل ذهب تشاووش أوغلو إلى حد إبداء استعداد حكومته لتقديم ” كل أنواع الدعم السياسي لعمل النظام في هذا الصدد” مطلقاً العنان لكثير من التكهنات حول النوايا الحقيقية للحكومة التركية من هذه التصريحات.
مع انتهاء قمة سوتشي التي جمعت الرئيسين التركي والروسي في 5 آب الجاري، تعزز الانطباع العام -خاصة لدى الأوساط الثورية السورية- بأن قمة سوتشي حلقة جديدة في مسلسل التغير في تعاطي تركيا مع الملف السوري. فقد تقاطع حديث الرئيس إردوغان عن رغبة روسيا بأن يتم القضاء على التهديدات الإرهابية من خلال التعاون التركي مع نظام الأسد مع الحديث السابق لتشاووش أوغلو بدعم النظام لتحقيق هذا الغرض.
ومع تأكيد الرئيس إردوغان على وجود تعاون بين أجهزة الاستخبارات التركية والسورية، زادت المخاوف من تخلي تركيا عن الثورة السورية. لكن إعلان تشاووش أوغلو في 11 آب الجاري عن لقائه وزير خارجية الأسد وتأكيده بأنه يجب إجراء مصالحة بين “المعارضة والنظام بطريقة ما وإلا فلن يكون هناك سلام دائم”، حسمت التوجه التركي بفتح قنوات حوار مع النظام على أعلى المستويات.
التطبيع التركي مع النظام سلاح ذو حدين
رغم إدراك القيادة التركية لمخاطر التحول الدراماتيكي في موقفها من نظام الأسد، تبدو مصرة على المغامرة بمكانتها وبمستقبلها السياسي. فالحكومة التركية تدرك يقيناً بأن النظام السوري لن يتخذ أي إجراء أمني أو عسكري أو سياسي قبل حصوله على موافقة إيران وروسيا وبأنه أصبح مسلوب الإرادة والسيادة. بناءً على هذا الفهم، فإن التواصل مع الإيرانيين والروس أجدى نفعاً لضمان المصالح التركية. وتدعم تصرفات روسيا هذا التفسير، حيث قام ضباطٌ روس في القواعد الروسية في سورية بمنع رئيس النظام ووزير دفاعه من مشاركة المسؤولين الروس في استعراض القوات الروسية، إضافة لعدم إقامة مراسم استقبال رسمية له في زياراته الأخيرة لموسكو.
ويمكن النظر إلى تكرار الحديث عن إمكانية إجراء اتصالات بين الجانبين التركي والسوري -بما في ذلك احتمال إجراء مكالمة بين الرئيسين- على أنه سلاح ذو حدين بالنسبة لأنقرة. فمن جهة أولى، تعمل حكومة حزب العدالة والتنمية على تجريد المعارضة التركية من أوراقها التي تعتمد عليها في دعايتها الانتخابية ضدها خلال الأشهر التي تسبق انتخابات التركية في يونيو 2023. وإذْ تعتبر المعارضة التركية مشكلة اللاجئين السوريين أهم أسباب الأزمات التركية الداخلية والخارجية، فإنها ترى أن تطبيع العلاقات مع النظام السوري هو السبيل الأمثل لحلها، كما أوردت جريدة “المدن” الإلكترونية عن موقع ‘دوتشه فيلله’ التركي في 4 آب الجاري.
من هنا، يفسر كثير من المراقبين التصريحات الأخيرة اللرئيس إردوغان وتشاووش أوغلو على أنها محاولة لحرمان المعارضة التركية من الاستفادة من هذه الورقة. كما يمكن وضع تصريحات المسؤولين الأتراك عن وضع خطة لإعادة مليون لاجئ سوري “طوعيا” إلى الشمال السوري في نفس سياق انتزاع أوراق المعارضة التركية التي ستخوض بها انتخابات 2023.
من ناحية أخرى، فإن فتح قناة اتصال على مستوى سياسي رفيع بين تركيا ونظام الأسد قد ينعكس سلباً على حكومة حزب العدالة فتخسر أصدقاءها دون أن تضمن كسب ضد أعدائها. حيث ستعتبر المعارضة السورية أي حوار من هذا القبيل التفافاً على مطالبها وطعنة في الظهر لا يمكن التنبؤ بتبعاتها. فمع خسارة تركيا لمكانتها كضامن من المحتمل أن تفشل في كبح جماح بعض فصائل المعارضة التي من المرجح أن تنفذ عمليات ضد النظام، كما فعلت من قبل.
أما إذا أصرت تركيا على ضبط الفصائل من خلال قواتها المنتشرة في مناطق المعارضة، فمن غير المستبعد أن تحدث اشتباكات بين الطرفين. وسيعود هذا السيناريو بالفائدة على النظام وداعميه فقط. بإقدامها على التطبيع، ربما تكسب انقرة هامشاً على المستوى الداخلي حتى بلوغ انتخابات 2023، لكنها ستكون قد خسرت رصيدها عند الشعب السوري الثائر على نظام الأسد وربما ت يتحول من صديق داعم إلى عدو دائم.
وبالفعل فقد بدأت مظاهرات في مناطق عديدة مع انتشار دعوات للقيام بمظاهرات أوسع في الشمال السوري في الأيام القادمة احتجاجاً على دعوات تشاووش أوغلو لمصالحة المعارضة مع النظام. في تلك الليلة، خرج المتظاهرون السوريون في مظاهرات مسائية في عدة مدن في الشمال السوري تخلل بعضها هجمات على بعض رموز الدولة التركية. كما عبّر كل قادة الفصائل عن رفضهم للموقف التركي الجديد الذي يفرّط بحقوق السوريين خدمةً للأمن القومي التركي ولتحقيق مصالح انتخابية ضيقة تخص حزب العدالة فقط.
ونشر كثير من الناشطين السوريين تغريدات تذكّر القيادة التركية بما ارتكبته قوات النظام والمليشيات الطائفية الموالية لها من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من خلال قتل مئات آلاف السوريين إضافة لاحتجاز عشرات آلاف الأبرياء ورفض الإفراج عنهم أو الكشف عن مصيرهم. هذه الممارسات وسواها كثير تجعل مجرد طرح فكرة التطبيع مع النظام أو المساومة على الثوابت خيانة كبرى بالنسبة للشعب السوري.
وبصرف النظر عن غضب المعارضة السورية، فإن تأثير هذه الخطوة على السياسة الداخلية التركية ليس مضمونًا بأي حال من الأحوال،. فربما تخسر حكومة حزب العدالة جزءً لا بأس به من أصوات الناخبين الأتراك الذين يقفون مع الثورة السورية ويصعب عليهم رؤية حكومتهم تلقي “بالمظلومين” في أحضان “الظالمين”. حيث تشكِّل روابط الدين والمذهب والتاريخ المشترك دافعاً قوياً لتعاطف الشعب التركي الواسع مع الشعب السوري الذي يتعرض لحرب إبادة طائفية. وقد رفع وقوف حكومة حزب العدالة إلى جانب الثورة السورية من أسهمها على الصعيدين الشعبي والإسلامي. وهذا يعني أن الحكومة التركية ستخسر مكانتها هذه في حال تخليها عن الشعب السوري لأي سبب كان.
على النقيض من ذلك، فمن غير المرجح أن يغير التواصل مع النظام من رأي الأتراك المعارضين لحكومة حزب العدالة أو يدفعهم للتصويت لها. فهؤلاء يعارضون هذه الحكومة من منطلق أيديولوجي معارض للسياسات المحلية لحزب العدالة والتنمية ومعارضة لأسلمة ممارساتها السياسية. لا بل إن معارضي الرئيس إردوغان سيستخدمون أي انعطاف كبير في علاقته بالنظام السوري كورقة انتخابية ضده من جهة صواب رؤية أحزاب المعارضة التي دأبت على مطالبة الحكومة التركية بفتح حوار مع النظام السوري مقابل رفض الحكومة لهذه المطالب. وبذلك تكون الحكومة قد أقرّت ‘بقصر نظرها’ في التعاطي مع الأزمة السورية مع ما يمكن أن يترتب على ذلك من ذهاب أصوات مؤيديها إلى حساب المعارضة ‘الأبعد نظراً’.
علاوةً على ذلك، فمن المستبعد أن يسهم التواصل مع النظام السوري في إنهاء أو حتى تقليل حالة التنافس الجيوسياسي التركي-الإيراني أو التركي-الروسي في منطقة الشرق الأوسط. لا بل سيسهم هذا الحوار بتطويق أذرع إيران للحدود الجنوبية لتركيا. وقد دفعت هذه الديناميكية الجيوسياسية أحمد داوود أوغلو عندما كان رئيساً للوزراء بين 2014-2016 للتوصية بالتدخل عسكرياً لمنع سقوط حلب وإبقاء أعداء تركيا على بعد عشرات الكيلومترات من حدودها الجنوبية. ورغم قيادة داوود أوغلو لأحد الأحزاب المنافسة لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات القادمة، إلا أنه يعارض بشدة فتح قناة حوار مع نظام الأسد لإدراكه أن ذلك يعني تمركز إيران وأذرعها على طول الحدود الجنوبية لتركيا. كما سيعني ذلك إمكانية إعادة تشكيل “الممر الإرهابي” والتفريط بالمكتسبات التي حققتها تركيا بعد عمليات ’ درع الفرات‘، وغصن الزيتون‘، ونبع السلام‘، في الشمال السوري ضد تنظيمي داعش وقسد.
بين حسابات انتخابية ضيقة وحسابات إقليمية ودولية معقدة، تحاول القيادة التركية إحداث توازن يبدو هذه المرة أصعب من أي وقت مضى. وفي حين أن الثورة السورية تبدو الحلقة الأضعف في هذه العلاقات، إلا أن القيم الإنسانية التي تمثلها والتضحيات التي قدمتها تجعل التخلي عنها أو التآمر عليها لعنة تلاحق كل من يحاول النيل منها. كما أن ميزان الربح والخسارة يشير إلى أن تخلي الحكومة التركية عن الثورة سيساهم فقط بتأجيل المواجهة الكبرى مع أعداء تركيا ليصبح ميدانها الداخل التركي بدلاً من امتداده عشرات الكيلومترات داخل الأراضي السورية.
صلاح الدين هوى، هو ناشط سوري معارض لنظام للأسد، عمل كمدير سابق لدى مديرية التربية والتعليم في حلب، سوريا، كما حصل على إجازة في الأدب الإنجليزي، ودبلومة في التربية من جامعة حلب.
——————-
“المصالحة” بين تركيا والنظام السوري.. هل ستحدث فعلاً؟
أشارت تصريحات المسؤولين الأتراك، في الأسابيع الأخيرة، إلى نهج أنقرة الذي بات متغيراً بخصوص “الملف السوري”.
وبعد أسبوع من إعلان وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو أنه التقى نظيره وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد العام الماضي، ذهب الرئيس، رجب طيب أردوغان إلى أبعد من ذلك، مشيراً إلى أن تركيا لا تسعى إلى تنحية بشار الأسد، وأنه “ليس لدينا مثل هذه القضية، سواء هزم الأسد أم لا”.
وشجعت هذه التطورات المعارضة التركية، التي دافعت بقوة عن الأسد واستخدمت العداء تجاه اللاجئين كورقة سياسية رابحة في تركيا.
“محطات حسب الظرف”
الباحثان التركيان ليفنت كمال وتشاغآتي جيبي نشرا مقالاً تحليلاً ترجمته “السورية.نت”، حيث استعرضا فيه السياقات الخاصة بما أثاره المسؤولون الأتراك، مؤخراً، وعما إذا كانت “المصالحة” مع النظام السوري ستحدث بالفعل.
ويورد المقال أنه ومع اندلاع الحرب السورية على مر السنين، اختار الغرب اتخاذ موقف ضد وجود تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، بدلاً من محاولة الإطاحة بالأسد.
في الوقت نفسه، ابتعدت تركيا عن الغرب وأصبحت أقرب إلى روسيا، خاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 ضد أردوغان.
بعد ذلك، حولت أنقرة انتباهها إلى هزيمة الأكراد في سورية، مشيرة إلى التهديد بوجود “ممر إرهابي” على طول حدودها.
وأدى ذلك إلى تأجيج التوترات مع الولايات المتحدة، التي دعمت “وحدات حماية الشعب الكردية” (YPG).
ومنذ ذلك الحين، كان تركيز تركيا العملي ينصب على أمن حدودها، بدلاً من أن تكون راعي الثورة. “لقد خرجت الإطاحة بالأسد عن المعادلة منذ سنوات”.
ومع ذلك، بينما غيرت تركيا هدفها الاستراتيجي في سورية، لم تتوقف عن استخدام الخطاب المناهض للنظام لتحفيز حلفائها المعارضين المحليين، مشيرة إلى أن علاقتهم التكافلية تخدم الثورة السورية، وفق ما جاء في المقال التحليلي.
“تعاون وثيق”
عندما أطلقت تركيا عملية نبع السلام في عام 2019 ، بهدف إخراج المقاتلين الأكراد من منطقة الحدود التركية السورية وإنشاء “منطقة آمنة” لإعادة توطين اللاجئين، واجهت أنقرة عدواً هائلاً آخر هو “الجماعات المدعومة من إيران”.
وبينما حاولت “وحدات حماية الشعب” خلق تصور عن البعد عن هذه الجماعات، من أجل الحفاظ على المساعدات الأمريكية، كان هناك تقارير عن استخدام “الوحدات” لأسلحة إيرانية، والتعاون الوثيق مع طهران.
ويضيف الباحثان: “يجب على تركيا أن تولي اهتماماً وثيقاً لهذه القضية في سياق المصالحة المحتملة مع نظام الأسد”.
ويتابع مقالهما: “لا يوجد سبب يمنع الأكراد السوريين من الدخول في علاقة تعاون مباشر مع القوات المدعومة من إيران، كما حدث مع القوات الكردية والميليشيات المدعومة من إيران في العراق. هذه الجماعات المدعومة من إيران هي المصدر الحقيقي لقوة الأسد، مقارنة بجيشه الضعيف نسبياً”.
وتتعاون “وحدات حماية الشعب” بالفعل مع نظام الأسد. في عام 2018، قصفت القوات التركية مقاتلي الميليشيات الموالية للنظام السوري، في أثناء دخولهم عفرين.
وبعد هزيمتها في عفرين، أدركت “وحدات حماية الشعب” أنها بحاجة إلى العمل مع النظامين الروسي والسوري لإحباط عمليات تركيا.
وعلى نفس المنوال، بينما أثارت تركيا مؤخراً احتمال شن عملية جديدة ضد “وحدات حماية الشعب” في شمال سورية، رفعت أعلام النظام فوق تل رفعت ومنبج الخاضعين لسيطرة “وحدات حماية الشعب”.
وبالنسبة لنظام الأسد، فإن “وحدات حماية الشعب” هي مجموعة يمكن التفاوض معها، ومشكلة ثانوية مقارنة بالمعارضة السورية.
“تهديد مضخّم”
وعندما يتعلق الأمر بمصالحة محتملة بين النظامين التركي والسوري، هناك بعض الملاحظات التحذيرية التي يجب تسليط الضوء عليها، حسب المقال الذي نشر في “ميدل إيست آي”.
وأوضحت منظمة “هيومن رايتس ووتش” كيف تم استهداف السوريين الذين عادوا إلى درعا من قبل النظام السوري – وهو تهديد تم تضخيمه ضد أي شخص على صلة بالمعارضة السورية.
بمعنى آخر، “المصالحة” لا تمكّن معارضي نظام الأسد من المشاركة في العملية السياسية. “إنه يجعل من السهل عليهم استهدافهم من قبل النظام”.
وفي هذه المرحلة من الصراع، يمكن لأي عمل طائش أن يقضي على المعارضة السورية المدعومة من تركيا.
وبالتالي ينبغي على تركيا أن تتفاوض مع روسيا بصفتها الضامن للشروط الأمنية.
وتظهر حالة درعا أن المصالحة مع حكومة لم يتم إصلاحها ليست فكرة جيدة.
وجاء في المقال: “إذا اتخذت أنقرة، عشية الانتخابات، خطوات متهورة نحو تسوية متسرعة، فقد تجد نفسها هدفاً لتحالف الأسد وإيران ووحدات حماية الشعب، مما قد يمثل تهديداً أمنياً خطيراً”.
من ناحية أخرى، وصفت مصادر مطلعة خطاب تركيا تجاه المصالحة بأنه مجرد “تكتيك لتمهيد الطريق للعمل ضد وحدات حماية الشعب الكردية”.
وبالنظر إلى رد فعل النظام السوري تجاه تصريحات تركيا “الإيجابية”، يبدو من غير المرجح أن يغير نظام الأسد موقفه من أنقرة في أي وقت قريب، وفق مقال الباحثين التركيين.
——————————–
الائتلاف السوري المعارض بين تخفيض رواتب أعضائه والخروج من تركيا
درج
بدل أن تكون المعارضة صورة ديمقراطية لطالما تمناها السوريون، تغدو نموذجاً طبق الأصل عن نظام الأسد بأفراد مختلفين
يمكن القول إن “الائتلاف الوطني السوري المعارض” ليس في أفضل أحواله. مع التغيرات الكبرى على الساحة الدولية، وتغيّر نظرة العالم نحو نظام الأسد، يبدو أن إشكالية تتعلق بوجود الائتلاف بحد ذاته بدأت في الظهور، ولو أنكر أعضاؤه ذلك. نظرة سريعة على التغيرات السياسية العربية والعالمية تجعلنا ندرك العكس، حيث هناك مرحلة جديدة في علاقات المعارضة مع الدول الداعمة لها بدأت ملامحها تلوح في الأفق.
هل تغادر المعارضة السورية تركيا؟
مع بدء تغيّر العلاقات التركية السورية، وخروج تصريحات، ولو من مصادر غير رسمية، عن عودة مرتقبة للعلاقات بين البلدين، يبدو أن على الائتلاف المعارض إعادة حساباته، بخاصة في ظل اتخاذ الأراضي التركية مركزاً رئيسياً له، إذ أن هذه الدولة الداعمة للحراك السوري لطالما ربّتت على كتف المعارضة وأبدت استعدادها للوقوف إلى جانبها، لكن التخلي، ولو جزئياً، عن الائتلاف سيكون ضربة قاصمة، وعلى المعارضة التعامل مع هذه الخطوة بطريقة أو بأخرى حتى ولو ذلك يتطلب نقل مركز الائتلاف إلى دولة أخرى!
خرجت منذ أيام تصريحات من وكالة إيرانية، نقلاً عن مصادر لم تذكرها، عن طلب تركيا من الائتلاف الخروج من تركيا، في إطار مساعيها لإعادة العلاقات مع دمشق. وبحسب وكالة “تنسيم”، جرى اللقاء الأسبوع الماضي بين أحد المسؤولين الأتراك مع سالم المسلط رئيس “الائتلاف الوطني السوري المعارض”، وقال المسؤول التركي الذي ذكره الخبر، أن أنقرة عازمة على إعادة العلاقات مع دمشق، ويجب على المعارضة السورية أن تتكيف مع هذا الواقع.
على ضوء ذلك طلبت أنقرة من المعارضة إيجاد بلد بديل وإيقاف أنشطتها السياسية والإعلامية في تركيا، ليخرج الائتلاف نافياً أن تكون تركيا طلبت منه المغادرة، وعلى الرغم من هذا النفي، لا يمكن للائتلاف الجزم بنيّة تركيا المستقبلية، التي تسعى في النهاية خلف مصالحها والسيطرة على الخطر الكردي في الشمال السوري. ولأن المعارضة عجزت عن ذلك، يبدو أن تحالفاً مع النظام السوري سينجز هذه الخطوة المؤجلة رغماً عن أنقرة.
من جهة أخرى يرى المعارض السياسي المقيم في تركيا سمير نشار أن الهدف من هذه الأخبار غير واضح، ويمكن اعتبارها أدوات ضغط على الائتلاف ليقوم بدور تسويقي للاستدارة التركيّة بالانفتاح على بشار الأسد ونظامه.
هل تخفّض تركيا رواتب أعضاء الائتلاف؟
في محضر اجتماع مسرب للإتلاف مع وفد المخابرات والخارجية التركية بتاريخ 21 آب/ أغسطس، تداولته صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، بدا الجانب التركي غير راضٍ تماماً عن الائتلاف، كما أشار إلى رغبة تركيا في حوار المعارضة مع نظام الأسد من جهة، كما ألمح إلى نية أنقرة في تخفيض رواتب أعضاء الائتلاف بسبب الأزمة الاقتصادية للبلاد. تسريب المحضر في هذا الوقت، يبدو كأداة ضغط على الائتلاف للرضوخ إلى رغبة تركيا ودفعه لخلق صيغة تفاهمية مع الغضب الشعبي للأوساط المعارضة. عن أهداف تسريب المحضر يقول نشار: “ربما الهدف هو محاولة تسريع الانفتاح على بشار الأسد، خاصة أن محضر الاجتماع الذي نشر بين وفد الائتلاف ووفد المخابرات والخارجية التركية أشار بوضوح إلى أن موضوع تسويق الانفتاح باتجاه بشار الأسد مهم جداً بالنسبة إلى تركيا، التي ربما فوجئت بحجم المظاهرات والتنديد من قبل السوريين في شمال سوريا وحرق العلم التركي وهذا لم يكن متوقعاً”.
هناك تجربة سابقة منذ سنوات مع المجلس الوطني السوري الذي كان مقره إسطنبول عندما أرادت تركيا انهاء دوره. طلبت حينذاك من المجلس الوطني إخلاء المبنى الذي يشغله كمقرّ، وفي خطوة لاحقة سحبت السيارة المخصصة لرئيس المجلس. بعد أشهر توقف المجلس عن ممارسة أي نشاط سياسي مع انقطاع التمويل الذي كان مصدره دول عربية عدة. وبحسب نشار تستطيع تركيا الضغط بوسائل أخرى غير طلب المغادرة، وهو تخفيض التمويل للائتلاف وهذا ما أشار إليه مندوب الخارجية التركية في نهاية الاجتماع بحسب ما ورد في المحضر المذكور. في المحصلة، كل المعطيات السابقة تشير بوضوح إلى ارتباط الائتلاف القوي لوجستياً وسياسياً بتركيا، وهذا يعني تحكماً أكبر بالنسبة إلى الجانب التركي.
بين انتخابات النظام والائتلاف
ليست هذه مشكلات الائتلاف الوحيدة، إذ أنه وبهدف التوسع وإعادة الهيكلة، جرى ضم أحد أمراء داعش السابقين والمدعو حسين الرعاد إلى التعيينات الجديدة ممثلاً عن “المجلس المحلي لمدينة العين”، وبعد تقصّي الخبر وصل “درج” إلى مصدر من مدينة الحسكة فضّل عدم ذكر اسمه، كشف أنه قابل أحد عناصر تنظيم داعش، وقد أكد له أن حسين الرعاد كان عنصراً في التنظيم المتشدد. الرعاد من مدينة عامودا، ومقيم في القامشلي، وكان مع التنظيم في منطقة الشدادي، المدينة الاستراتيجية الواقعة جنوب مدينة الحسكة، كما أكد المصدر أن عائلة الرعاد هي من العائلات المؤيدة لنظام الأسد إلى الآن. على سبيل المثال عمة الرعاد كانت عضو قيادة قطرية في حزب البعث، ولم يكن سوى حسين وابن عمه ياسر من المنتسبين إلى داعش. في النتيجة، لا يمكن التعامل مع هذه النقطة أو تقبلها بأي طريقة، كيف يمكن للائتلاف تعيين عنصر سابق في تنظيم إرهابي ليكون جزءاً من هيكليته؟ وأي صيغة من التعامل مع هذا التنظيم المتوحش تعني قبولاً به وهو ما يتعارض بشكل أساسي مع مبادئ الثورة والحرية، الأمر صادم ويعني ميلاً بشكل ما إلى التشدد وقبولاً له في صفوف الثورة.
من جهة أخرى هنالك مشاكل جوهرية وعلنية تتعلق بالانتخابات. وعلى الرغم من انتهاء الدورة الانتخابية لمكاتب مؤسسة “الائتلاف الوطني السوري” المعارض، إلا أنه لم يتم الاتفاق حتى الآن على الآلية التي سيتم اعتمادها من أجل التعامل مع هذا الاستحقاق، حيث يسود انقسام بين فريق يطالب بالانتخابات، وآخر يصرّ على التمديد، وعلى ما يبدو لن يكون لهذه الانتخابات أي تأثير على القرارات السياسية وستكون شكلية لا أكثر، لا بل يمكن القول أن الائتلاف الوطني المعارض يكرر تجربة النظام إذ أن هناك أعضاء في الائتلاف مر على تصدّرهم المشهد نحو 8 سنوات وهكذا تقدم الحالة السياسية للائتلاف صورة أخرى عن نظام الأسد، وعن قصد أو من دون قصد تكررت التجربة السورية للحكم حتى لدى الائتلاف الذي فشل حتى في منح الانتخابات قيمة عمل نظام الأسد على تدميرها طوال عقود.
الائتلاف الذي يلغي وجود بعض التكتلات من دون إعلامها يبدو أنه يستخدم لغة الإقصاء ذاتها التي طالما استخدمها نظام الأسد، إذ سبق وألغى عضوية عدد من التكتلات بحجة الإصلاحات الداخلية، لكن الأمر يبدو أقرب إلى تصفية حسابات داخلية ومنع تمدد أخرى فهل يفكر الائتلاف بتجربة أخرى لحزب البعث السوري؟
الائتلاف كان قد تأسس في تشرين الثاني\ نوفمبر 2012 في ذروة الثورة في سوريا، ليكون الممثل الشرعي والوحيد للثورة السورية ولاقى ترحيباً دولياً واسعاً، وعلى الرغم من تراجع حضوره إلا أنه الكيان الوحيد الذي يضم الكثير من القوى والهيئات وحتى الأقليات الدينية.
وبدل أن تكون المعارضة صورة ديمقراطية لطالما تمناها السوريون، تغدو نموذجاً طبق الأصل عن نظام الأسد بأفراد مختلفين، ضائعين بين تخفيض رواتبهم واحتمالٍ خروجهم نحو بلد آخر وتصفية حسابات في مؤسسة طرحت نفسها كبديل “ديمقراطي” عن نظام الأسد.
درج
——————————-
تضييق على السوريين في تركيا/ عبسي سميسم
بالتوازي مع اقتراب موعد الانتخابات التركية، المقررة صيف العام المقبل، تزداد عمليات التضييق على اللاجئين السوريين في تركيا، سواء من خلال إصدار قرارات تحد من حركتهم، أو من خلال قرارات تمنع منح أي وافد سوري بطريقة غير شرعية بطاقة الحماية المؤقتة.
يضاف إلى ذلك زيادة عدد الولايات والأحياء المغلقة بوجه السوريين ومنعهم من تسجيل نفوسهم فيها، بالإضافة إلى التشدد في منحهم إذن سفر للتنقل بين الولايات، وعرقلة إجراءاتهم ضمن بعض الدوائر الحكومية من قبل بعض الموظفين، وفرض عقوبة الترحيل على أبسط المخالفات، حتى لو كان التأخر في تثبيت قيد النفوس.
إلا أن الجديد في موضوع التضييق على السوريين، هو تحويل قسم منهم إلى مقيمين غير شرعيين بشكل غير مفهوم، من دون إصدار قرار رسمي بهذا الأمر، وذلك من خلال الامتناع عن تجديد معظم الإقامات السياحية للسوريين في تركيا. وهناك آلاف السوريين الذين لجأوا إلى تركيا، استخرجوا إقامات سياحية بدل بطاقة الحماية المؤقتة، كون تلك الإقامة تمكّنهم من السفر خارج تركيا والعودة إليها، ومعظم هؤلاء من اللاجئين الذين يمتلكون أعمالاً تتطلب السفر خارج تركيا، أو ممن يتمتعون بملاءة مالية ويستطيعون تحمّل تكاليف الإقامة السياحية.
إلا أن معظم حاملي الإقامة السياحية لا يمتلكون إقامات في بلدان أخرى، ولا يستطيعون العودة إلى سورية، الأمر الذي سيحوّلهم إلى مقيمين غير شرعيين في حال امتنعت السلطات التركية عن تجديد إقاماتهم، من دون أن يكون لهم حل بديل بالسفر إلى أي بلد آخر، الأمر الذي دفع المئات منهم إلى سلوك الطرق غير الشرعية من أجل الوصول إلى أوروبا.
امتناع دوائر الهجرة التركية عن تجديد الإقامات السياحية لمعظم السوريين إجراء غير مفهوم، ولا يمكن تفسيره إلا من خلال حالتين: إما أن يكون ذلك توجهاً حكومياً مقصوداً بهدف إجبار هذه الشريحة على مغادرة تركيا من خلال إعطاء توجيهات شفوية تحوّلهم إلى مخالفين لقوانين الإقامة، وإما أن يكون نتيجة تصرفات فردية لموظفين عنصريين داخل دوائر الهجرة، يقومون برفض طلبات تجديد الإقامات السياحية. وفي هذه الحالة على الحكومة التركية التدخّل لمنع عمليات الرفض التعسفي ومحاسبة من يقوم به، لأن السوريين حاملي الإقامة السياحية ليسوا سياحاً إنما لاجئون اضطروا لاستخراج إقامات سياحية بسبب عدم توفر البديل.
العربي الجديد
———————————
موقع بريطاني: تركيا وسوريا وأسطورة المصالحة مع الأسد
بعد التعليقات الأخيرة لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو حول مصالحة محتملة بين أنقرة ودمشق ظل الكثيرون يتكهنون بشأن هذا الموضوع. ففي حين أنه لا ينبغي توقع أي اختراق دبلوماسي في وقت قريب، فإن الفوائد المزعومة لتركيا لا تصمد أمام فحص للواقع.
هذا ما يراه عمر أوزكيزيلجيك، وهو محلل يركز على الأزمة السورية وديناميات الثوار والسياسة الأمنية في الشرق الأوسط، في مقاله بموقع ميدل إيست آي (Middle East Eye) البريطاني، مشيرا إلى التصريح المهم الذي أدلى به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأسبوع الماضي بأن تركيا لا تهدف إلى تغيير النظام، لكنها تركز على محاربة الإرهاب في سوريا. ومنذ ذلك الحين قال جاويش أوغلو إن أنقرة مستعدة للتحدث مع دمشق دون أي شروط مسبقة.
ويرى الكاتب أن هذه التصريحات تخدم هدفين رئيسيين: الاستجابة للضغوط الروسية، ومعالجة الاعتبارات السياسية المحلية. وجادلت المعارضة بأن المصالحة مع نظام الأسد ستسهل عودة اللاجئين إلى سوريا، وأن عناد الحكومة التركية هو العقبة الوحيدة. ويبدو أن الناخبين الأتراك يقبلون هذه الحجة.
فكرة المصالحة
يعتقد أولئك الذين يؤيدون فكرة المصالحة مع نظام الأسد في أنقرة أنها ستسهل عودة اللاجئين السوريين وتساعد في القتال ضد وحدات حماية الشعب الكردية. ويأملون في أن تدعم روسيا بصدق هذا التقارب، حيث تركز موسكو على أوكرانيا وتهدف إلى تجنب التعثر في سوريا.
لكن التذكير الأول بالحقائق في سوريا، كما يقول الكاتب، جاء من وزير خارجيتها فيصل مقداد، الذي اتهم تركيا هذا الأسبوع بدعم الإرهاب وطالب بالانسحاب الكامل للقوات التركية من سوريا وإنهاء المساعدات للمعارضة السورية.
وبالنسبة للمراقبين للصراع السوري عن كثب، كانت هذه الملاحظات متوقعة تماما. فقد سبق أن وصف نظام الأسد تركيا بأنها “أحد الرعاة الرئيسيين للإرهاب” بسبب دعمها للمعارضة السورية.
التوقعات بين الجمهور التركي والمدافعين عن المصالحة يجب أن تخضع لتدقيق الواقع، الذي يقول إن آفاق المصالحة بين أنقرة ودمشق قاتمة
وعلق الكاتب بأن التوقعات بين الجمهور التركي والمدافعين عن المصالحة يجب أن تخضع لتدقيق الواقع، الذي يقول إن آفاق المصالحة بين أنقرة ودمشق قاتمة. وقال إنه عندما يتعلق الأمر بعودة اللاجئين السوريين، من المثير للاهتمام أن دعاة المصالحة يبدو أنهم تجاهلوا تجارب لبنان والأردن، وكلاهما قام بتطبيع العلاقات مع دمشق.
فمنذ عام 2019 عاد حوالي 40 ألف سوري فقط من لبنان إلى سوريا، بينما دخل آلاف اللاجئين الآخرين إلى الأردن. وتواجه الحكومة الأردنية الآن مشكلة تهريب المخدرات، حيث أصبحت حكومة الأسد منتجا ضخما للكبتاغون.
تهديد وجودي
وفي تركيا، تبدو فرصة عودة اللاجئين إلى سوريا التي يسيطر عليها النظام غير مرجحة وسط اشتباكات عسكرية منتظمة قرب الحدود التركية. وفي المقابل تخضع المناطق القريبة من لبنان والأردن بالكامل لسيطرة نظام الأسد.
بالإضافة إلى ذلك، لا يستطيع النظام إعالة ملايين السوريين الآخرين، وهو يعلم أن وجودهم في البلاد قد يؤدي إلى انتفاضة أخرى. فلماذا يجازف نظام الأسد بمثل هذه المخاطرة؟
ومن وجهة نظر نظام الأسد، تشكل المعارضة السورية تهديدا وجوديا، في حين أن وحدات حماية الشعب هي مشكلة داخلية يمكن حلها من خلال دمج قواتها في الجيش العربي السوري وإعطاء بعض حقوق الحكم المحلي للأكراد السوريين. وبالنسبة للأتراك، تشكل وحدات حماية الشعب أولوية قصوى في سوريا؛ وبالنسبة لنظام الأسد فإن الأولوية هي المعارضة السورية المدعومة من تركيا.
وأخيرا، الافتراض أن لروسيا مصلحة حقيقية في إيجاد حل سياسي في سوريا وسط حرب أوكرانيا هو تصور خاطئ. وبمعرفة الإستراتيجية الروسية وحملات المعلومات المضللة، من المحتمل أن ترغب موسكو في كسب الوقت ومنع عملية عسكرية تركية سورية أخرى أثناء انشغالها بأوكرانيا.
وختم الكاتب مقاله بأن روسيا تعرف أنها ستواجه كابوسا لوجستيا إذا أحدثت تصعيدا عسكريا في سوريا، بعد أن أغلقت تركيا مضيق البوسفور والدردنيل ومجالها الجوي أمام الطائرات الروسية المتجهة إلى سوريا. ومن المحتمل أن ترغب موسكو في تعطيل تركيا حتى تنخفض تكاليف الحرب في أوكرانيا. والوثوق بروسيا، التي ادعت مرارا وتكرارا أنها لا تنوي غزو أوكرانيا، سيكون مسعى أحمق.
الجزيرة نتيجة
—————-
بعد طي أنقرة صفحة الخلاف مع دمشق.. ما خيارات المعارضة؟/ رامز الحمصي
التحول في موقف تركيا تجاه سوريا، والحديث عن فتح المفاوضات بين أنقرة، ودمشق بوساطة موسكو، رهنا بشروط وبنود محددة يتفق عليها الطرفان، لم يؤديا فقط إلى إثارة قلق حلفاء أنقرة، في شمال سوريا، بل أيضا الجماعات الجهادية التي تعمل في إدلب، والتي تتلقى دعما تركيا مستمرا.
هذه المخاوف تفاقمت بسبب القصف الروسي السوري المتكرر في إدلب، حيث أفادت وسائل إعلامية محلية أن أربع غارات شنتها طائرات حربية روسية – سورية مشتركة صباح أمس الجمعة استهدفت موقعين مسلحين للفصائل هناك، أحدهما غرب مدينة إدلب، والآخر في ضواحي بلدة بزابو جنوب المدينة، وهذا هو السيناريو ذاته الذي عملت عليه روسيا، منذ تدخلها عام 2015، ونتيجة لذلك حققت مكتسبات على الأرض أفضى إلى إعادة وسط، وجنوب البلاد تحت سيطرة دمشق.
سيناريوهات محتملة، أبرزها وهو المرجح لدى المحليين، أن ينتهي المطاف بهذه الفصائل إلى الانخراط في أحد الفيالق تحت إشراف روسي – تركي تحت السيادة السورية، كما حدث مع أغلب الفصائل في المناطق التي دخلتها روسيا، مقابل دخول المؤسسات المدنية للحكومة السورية إلى مناطقها، فما احتمالية حدوث ذلك؟
أسلوب قديم
في تموز/يوليو 2018، بمساعدة روسيا، استعادت دمشق جنوب البلاد، وعادت مؤسسات الدولة، بما في ذلك الأجهزة الأمنية، على الرغم من أن الفصائل العسكرية آنذاك كانت تتلقى دعما عسكريا خارجيا، وكانت تجري تدريباتها في الأردن، إلا أن الرؤية الروسية لإعادة الوضع كما كان عليه بعد تعثر العملية السياسية، كان الخيار المفضل لدى الدول الإقليمية.
يقول المحلل والسياسي الروسي، أليكاس موخين، لـ”الحل نت”، أن المشروع الروسي في سوريا “نظام المصالحة”، ليس وليد فترة الأزمة السورية، إنما هو أنموذجا كانت قد استخدمته موسكو سابقا مع الخارجين عليها في دول الاتحاد السوفيتي سابقا، وتتغنى بنجاحه كما يحدث على سبيل المثال في الشيشان.
ويشير موخين، أن روسيا تسعى إلى رسم خرائط جهود القوة الناعمة لها في سوريا من خلال طرح هذا المشروع بعيدا عن تطلعاتها في تثبيت قدمها داخل البحر الأبيض المتوسط، حيث دشّنت ذلك بإعلانها عن مركز المصالحة الروسي لسوريا، المعروف رسميا باسم “مركز المصالحة بين الأطراف المعارضة، ومراقبة هجرة اللاجئين في الجمهورية العربية السورية” في 23 شباط/فبراير 2016.
ويضيف موخين، أن الهدف المعلن من المركز هو تسريع مفاوضات “السلام”، بين دمشق وجماعات المعارضة، كما أنها مؤسسة مشتركة بين تركيا وروسيا منذ تأسيسها، ومقرها في قاعدة حميميم الجوية، حيث تم تكليفها بتنسيق البعثات الإنسانية، وتنظيم الأجواء للتوقيع على اتفاقيات وقف إطلاق النار.
أنقرة تدرس الخطة
في البداية، بدت الاتفاقات في جنوب سوريا ناجحة إلى حد ما: عاد النازحون بسبب القتال في وقت قصير وانضم العديد من الفصائل المحلية إلى “الفيلق الخامس”، الذي تشكل بأوامر روسية، وتعود تبعيته للجيش السوري ظاهريا لمحاربة تنظيم “داعش”، ومع ذلك، ومن خلال نظرة فاحصة بعد ثلاث سنوات، فإن هدف روسيا كان دمج المعارضة بالجيش السوري.
احتمالية ضغط تركيا على الفصائل التي تدعمها من أجل الانخراط في فيلق جديد برعاية روسيا، لا يستبعده المحلل الروسي، إذ يرى أن أنقرة أقرب للتخلص من أثار الأزمة مع دمشق؛ خصوصا وأن الملف السوري بات ثقيلا عليها في ظل انعدام أفق الحوار، والحل السياسي، وانشغال المجتمع الدولي بالقضايا الأكبر كمواجهة موسكو في أوروبا والصين في الشرق.
وبحسب حلاوة، فإن تفعيل الدبلوماسية وإقناع قادة المعارضة بذلك سيكون من مهمة أنقرة، والتي ستفرض ذلك في حال رفضت الفصائل الانصياع لذلك، مؤكدا أن لا حل أمام “الجيش الوطني” المعارض الذي تدعمه تركيا، لأنه فقد الحاضنة الشعبية أولا، وثانيا يفقد أهلية الدخول في معركة، لأن جميع المعارك التي خاضها سابقا بدعم من سلاح الجو والمدفعية التركية.
مرحلة متوترة
بعد إعلان أنقرة انفتاحها للحوار مع دمشق، تمر المعارضة حاليا بفترة توتر، وفق ما نقله نقل موقع “المونيتور”، حيث أنها تخسر حليفها الرئيسي تركيا وسط حديث تركي عن سعيها لطي صفحة الخلاف مع الحكومة السورية، موضحا، أنه “في ضوء هذه التطورات السياسية، لا تمتلك المعارضة المسلحة حاليا القدرات العسكرية لصد عملية عسكرية حكومية كاملة محتملة في شمال غربي سوريا”.
وفي هذا الصدد، نقل “المونيتور”، عن قيادي في المعارضة السورية مقيم في تركيا رفض الكشف عن هويته، تأكيده على أن الأشهر المقبلة ستشكل خطرا على المعارضة السورية، ومستقبل المناطق الخارجية عن سيطرة الدولة السورية شمالي وشمال غربي سوريا، معربا عن أمله بأن تحل واشنطن، محل أنقرة في حال تخلّت الأخيرة عنهم.
وحول مصير فصائل أنقرة شمالي سوريا، والفصائل الجهادية في إدلب بعد التحول التركي إزاء دمشق، سبق أن جرى الحديث عن سيناريوهات محتملة، حيث أفادت صحيفة “العرب”، اللندنية بأنه “من المتوقع أن ينتهي المطاف بهذه الفصائل إلى الانخراط في أحد الفيالق تحت إشراف روسي – تركي تحت السيادة السورية، مقابل دخول المؤسسات المدنية للحكومة السورية إلى مناطقها”.
وكذلك أشارت صحيفة “الأخبار” اللبنانية، إلى أن “أنقرة تحاول هندسة ترتيبات جديدة تهدف إلى إدخال هيئة تحرير الشام، في السياق الميداني والسياسي، وفي هذا الصدد تسلك أنقرة مسارا متدرّجا ومتأنّيا، بدءا من عمليات تلميع الجولاني وجماعته، والتي لا تزال مستمرّة، مرورا باستمرار التضييق على الجماعات الجهادية المنتشرة في إدلب، وصولا إلى التخلص من الشخصيات غير السورية في صفوف تحرير الشام”.
—————————-
======================
تحديث 06 أيلول 2022
——————————
عينٌ على المحليين/ فرانشيسكو سيكاردي
كان لسورية حصة الأسد في النقاشات السياسية الدائرة في تركيا هذا الصيف. فبعد إعلان الرئيس رجب طيب أردوغان تنفيذ عملية عسكرية جديدة في شمال سورية، فشل في إقناع نظيرَيه الروسي والإيراني الموافقة على خطته الرامية إلى عقد مؤتمرات دولية متتالية. وعوضًا عن ذلك، عمد الجيش التركي إلى تكثيف غاراتهبالطائرات المسيّرة والصواريخ في المنطقة، حيث بدا أن الأشهر الأخيرة هي من بين الأشهر الأكثر دمويةً خلال السنوات الماضية.
لقد صادف في شهر آب/أغسطس الذكرى السنوية الأولى للاعتداءات العنيفة على أفراد الجالية السورية في أنقرة، التي تُعتبر تذكيرًا آخر بتنامي المشاعر المعادية للاجئين في تركيا خلال العام الفائت. وعلى ما يبدو، عمد مؤخرًا أردوغان ووزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في تصريحاتهما إلى تمهيد الطريق أمام تقارب تركيا مع الرئيس السوري بشار الأسد، بعد سنوات من العداء والضغينة.
قبل بضع سنوات، وصف الرئيس التركي الأسد بـ”الإرهابي الذي قتل ما يقارب مليون شخصًا من شعبه”. وفي 19 آب/أغسطس، أعلن أردوغان نفسه أن “لا مشكلة لتركيا في هزيمة الأسد أم لا، مضيفًا أن “لا امتعاض في السياسية”.
بيد أن هذا التحوّل الجذري في موقف أنقرة من النظام السوري لا يتعارض مع أسس سياسة تركيا تجاه سورية. ويشير إلى أن القيادة التركية على استعداد للعمل مع النظام السوري بهدف تحقيق أهداف تركيا في سورية، التي لا تزال مكافحة الإرهاب وأمن الحدود وليس تغيير النظام.
واستنادًا إلى هذه الأولويات، أطلقت الحكومة التركية أربع عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية منذ آب/أغسطس 2016، ووضعت خططًا لتنفيذ عملية خامسة، واستخدمت باستمرار أنشتطها في سورية للتواصل مع قاعدتها القومية وحشد مواطنيها وتحسين حظوظها الانتخابية في نهاية المطاف. وفي حين لا تفصل تركيا سوى أشهر عن الانتخابات العامة المقبلة، ترى أنقرة أن بإمكانها الاستفادة على الساحة المحلية من الانفتاح على الرئيس السوري. وفي هذا السياق، تمتلك القيادة التركية ثلاثة أسباب وجيهة تدفعها إلى مثل هذا الاعتقاد.
أولًا، إن الحكومة التركية، من خلال التعبير صراحةً عن استعدادها للتعامل مع الأسد، تسرق إحدى نقاط حوار المعارضة. فقد أعلن قادة كل من حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد أن إحياء العلاقات مع الأسد كانت لتشكّل إحدى خطواتهم الأولى لو كانوا في موقع السلطة، ويبحث تحالف المعارضة، المؤلّف من ستة أحزاب، بدوره، في إمكانية إدراج الحوار مع دمشق ضمن برنامجه الانتخابي.
ومن شأن علاقة أكثر إيجابية مع الرئيس السوري أن تسرّع، كما يُزعم، عودة ما يقارب 4 ملايين لاجئ سوري يعيشون حاليًا في تركيا، ما يُعتبر وعدًا انتخابيًا أساسيًا في وقت تفاقم فيه الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد مشاعر السخط والاستياء تجاه اللاجئين.
ثانيًا، في حين لا يزال من غير الواضح إن كان توطيد العلاقات مع دمشق سيحثّ السوريين على العودة إلى وطنهم، يمكن اعتبار التفاوض مع الأسد إحدى المبادرات القليلة التي يمكن للحكومة التركية إطلاقها لإقناع الناخبين بأنها تحاول حلّ أزمة اللاجئين. إضافةً إلى أن تدابير أخرى، كبناء مخيمات في مناطق الشمال السوري الخاضعة لسيطرة تركيا، قد أثبتت أنها غير حاسمة حتى الآن.
ثالثًا، من شأن فتح قنوات الحوار مع النظام السوري أن يعطي أهمية للقضية الكردية في النقاش السياسي التركي، وهو ما يعتبر أردوغان أنه سيصبّ لصالحه. وتمتلك أنقرة ودمشق مصلحة مشتركة تتمثّل في وضع حدّ للاستقلال الجزئي الذي تتمتّع به الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية، والتي يسميها الأكراد “روج آفا”، وتسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية، الخاضعة لهيمنة وحدات حماية الشعب الكردية. وتنظر تركيا إلى هذه الأخيرة على أنها امتداد لحزب العمّال الكردستاني الذي تعتبره أنقرة تنظيمًا إرهابيًا. ومن شأن اتخاذ موقف متشدّد تجاه الأكراد السوريين أن يحشد الناخبين القوميين لأردوغان، ما سيعقّد خطط المعارضة للتواصل مع الأكراد الأتراك، الذين يُعتبرون قاعدة أساسية لهزيمة حزب العدالة والتنمية الحاكم في صناديق الاقتراع.
لكن بعيدًا عن العناوين العريضة وخطابات الحكومة التركية، يبدو أن أساسيات الأزمة السورية ستبقى وتستمر. فأي مفاوضات بين أنقرة ودمشق ستصطدم بسؤال من سيحكم شمال سورية. ومن شأن تغيير في الوضع السائد راهنًا أن يتطلّب تخلي تركيا عن المناطق التي تسيطر عليها حاليًا، واستيلاء النظام السوري على الأراضي التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية في شمال شرق سورية، وتوصّل الحكومتين إلى تسوية أمنية جديدة للحدود التركية السورية. وربما يكون مثل هذا الاتفاق مستوحى من اتفاق أضنة للعام 1998، الذي أُجبرت دمشق بموجبه على إنهاء دعمها لحزب العمّال الكردستاني.
ثمّة عقبات أخرى أمام إبرام صفقة كبرى بين أردوغان والأسد، تشمل مفاوضات شاقة حول الضمانات الضرورية لتوفير عودة آمنة للاجئين، ومناقشة مصير المعارضة السورية المسلحة التي تدعمها تركيا. عمومًا، لا بدّ من أن تتطرّق المفاوضات إلى الخطوط العريضة لنظام دستوري جديد في سورية.
يضطلع الانفتاح الأخير على الأسد بأهمية أيضًا لجهة أنه يشكّل خطوة إضافية نحو عودة تركيا إلى اتّباع سياسة خارجية أقل عدوانية. وقد لوحظ هذا التغيير على جبهات عدّة خلال العام الفائت، حيث عمدت تركيا إلى رأب علاقاتها مع إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وتقف الإمارات، التي حصلت تركيا على دعمها الاقتصادي والمالي الضروري في شباط/فبراير الماضي، في طليعة الدول العربية التي تدعو إلى تطبيع العلاقات مع دمشق. ويتماشى هذا التصحيح في مسار السياسة الخارجية مع هدف أردوغان الرامي إلى تعزيز مصالح بلاده الأمنية والاقتصادية في الشرق الأوسط بهدف زيادة فرص إعادة انتخابه.
وعلى نحو مماثل، يُعتبر الانفتاح على الأسد آخر نتائج لعبة التوازنات المستمرة بين تركيا وروسيا، التي لا تنفكّ تزداد تعقيدًا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. وترى موسكو أن الحوار التركي السوري سيكون مفيدًا لجهة خفض فرص توسيع الوجود العسكري التركي في شمال سورية، وفي الوقت نفسه دقّ إسفين بين أنقرة وحلفائها الغربيين، الذين يعارضون أي مصالحة مع النظام السوري.
من جهتها، ترى تركيا أن حفاظها على علاقة عمل مع روسيا سيعود عليها بفوائد مالية كبيرة تُعتبر ضرورية في الوضع الاقتصادي الحالي. وتشمل المصالح المشتركة والمتضاربة لأنقرة وموسكو صفقات مالية وعسكرية وأخرى في قطاع الطاقة، فضلًا عن تسويات جيوسياسية في أوكرانيا والقوقاز وشرق البحر الأبيض المتوسط. وفي نهاية المطاف، يتمثّل مسعى تركيا في موازنة موقعها بشكل يمكّنها من تحقيق الحدّ الأقصى من الفوائد محليًا. ويبقى هدف الحكومة التركية تحسين فرص صمودها السياسي. وفي ظل وجود أمور كثيرة على المحك في عام انتخابي، ستبقى المصالح الانتخابية تُملي سياسة تركيا في سورية.
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.
——————————
انعطافة في المطالب الشعبية شمالي سوريا تعبّد الطريق أمام مبادرة شاملة/ ثائر المحمد
شكّلت الأحداث السياسية والمواقف التركية المتباينة من النظام السوري انعطافة في المطالب الشعبية شمالي سوريا، فبعدما كانت معظم هذه المطالب تتمحور خلال السنوات الماضية حول إسقاط النظام وإطلاق سراح المعتقلين وغيرها، تطورت في الأسابيع الماضية، ليُضاف إليها دعوات لخلق إدارة عسكرية ومدنية موحّدة، وعزل من وصِفوا بـ “الفاسدين”، ما يمكن أن يعبّد الطريق أمام مبادرة شاملة يتم العمل عليها، تنسجم أهدافها مع طلبات المتظاهرين إلى حد بعيد.
مظاهرات ومطالب جديدة
خرجت مظاهرات بريف حلب الشمالي، يوم الجمعة، طالب المدنيون خلالها “بتوحيد الجيش الوطني السوري وفتح الجبهات”، إضافة لإطلاق سراح عدة أشخاص تم اعتقالهم من قبل قوات الأمن المحلية.
وفي مدينة اعزاز شمالي حلب، رفع المتظاهرون لافتات، قالوا في إحداها، إنّ “أطفال درعا شرارة ثورة 2011، ومعتقلينا شرارة ثورة 2022″، كما أعربوا عن “رفض الوصاية على الثورة”، معتبرين أن “فساد الإدارة في الشمال السوري هو الذي أزّم الموقف”.
وأفاد يوسف سليمان عبود، أحد القائمين على “الحراك الثوري الموحد”، بأن العنوان العريض للمظاهرة هو “توحيد القيادة والقرار ومحاربة الفساد”، مضيفاً أنهم طرحوا سابقاً مبادرة لتوحيد الجيش الوطني بقائد واحد، وصندوق مالي واحد، لتكون الواردات الاقتصادية تحت إشراف إدارة واحدة، فضلاً عن “محاربة الفساد بكافة أشكاله وأنواعه”.
وقال “عبود” في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، إنّ “محاربة الفساد يجب أن تكون على مستوى الفصائل والمجالس المحلية وغيرها”، كما شدد على رفض المصالحة مع نظام الأسد.
ودعا المدنيون إلى الإفراج عن المعتقلين، وبحسب “عبود” فإن عددهم ما بين اثنين أو ثلاثة، وسيتم إطلاق سراحهم يوم الأحد أو الاثنين، حسب وعود الجهات الأمنية.
بدوره قال المنشد والناشط أبو صبحي الغريب: “خرجنا في المظاهرة لنوجه رسالة لقادة الفصائل، بأن المظاهرات مستمرة حتى نرى في الشمال السوري قائداً واحداً وإدارة واحدة للمنطقة، بعيداً عن الفاسدين وتجار المخدرات”.
وعن الأسباب التي دفعتهم للمطالبة بذلك، أضاف “أبو صبحي” في حديث مع موقع تلفزيون سوريا: “هناك عدة مفسدين على رأس عملهم، وبعد عدة محاولات للإصلاح، تبين أن الحل مرهون بتوحيد القيادة”.
تصور للخروج من “المأزق”
سبق المظاهرات يوم الجمعة، صدور بيان عن النقابات المهنية والعلمية في الشمال السوري طرحت فيه تصوراتها “للخروج من المأزق الذي تعيشه الثورة السورية”، وكان البيان باسم نقابة المحامين الأحرار في سوريا، ونقابة أطباء حلب ونقابة المهندسين السوريين الأحرار، ونقابة التمريض والفنيين والإداريين المركزية، ونقابة الصيادلة الأحرار، واتحاد المقاولين السوريين للإنشاءات، ونقابة الاقتصاديين الأحرار، ونقابة المعلمين السوريين الأحرار، ونقابة الأكاديميين السوريين الأحرار.
وأكدت النقابات في بيانها، الانفتاح “على جميع المبادرات والرؤى التي تخدم مصلحة الثورة السورية وتسهم في إنهاء معاناة الشعب السوري”، كما شددت على ما يلي:
وقف كل أشكال المفاوضات العبثية مع نظام الأسد المجرم.
رفض كل أشكال الوصاية على الثورة السورية مع التّأكيد على عمق العلاقات مع جميع الأصدقاء وضرورة توازنها.
التأكيد على حق التظاهر السلمي ودعم الحراك الشّعبي بكل أشكاله واعتباره الضمانة الحقيقية لاستمرار الثورة السورية ونجاحها.
اعتبار الشرعية الانتخابية هي الشرعية القانونية التي تُبنى عليها الدول والمؤسسات وتمثيل الشعوب وانتخاب سلطات تشريعية وتنفيذية ومجلس قضاء أعلى وتفعيل مبدأ فصل السلطات.
توحيد المناطق المحررة بإدارة مدنية واحدة ينتج عنها حكومة مركزية ذات صلاحيات كاملة يرأس مفاصلها أشخاص مقيمون مع عائلاتهم في الداخل المحرر.
دعم مؤسسة الجيش الوطني وتفعيل مبدأ مركزية القرار وإنهاء الحالة الفصائلية.
إصلاح الائتلاف بكل مؤسساته وإعادته لحاضنة الثورة بتطبيق الشرعية الانتخابية ونقل مؤسساته الرئيسية للداخل المحرر.
مشاكل وأخطاء متراكمة تثير غضب سكان شمالي سوريا.. ما هي مطالبهم؟
“مبادرة شاملة”
خلال جلسة جمعت اللجنة الوطنية للإصلاح مع عدة صحفيين في شهر حزيران/يونيو الماضي -أي إنها سبقت المبادرات المذكورة سابقا – كشف رئيس اللجنة عمر حذيفة عن مبادرة يتم العمل عليها لجمع فصائل الجيش الوطني تحت قيادة واحدة، وإيجاد إدارة واحدة للمعابر، إضافة لمحاولة أن يكون هناك والٍ تركي واحد هو المسؤول عن متابعة أمور الشمال السوري من قبل الجانب التركي، بدلاً من أربعة ولاة حالياً، لسهولة المتابعة والإدارة.
وقالت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا، إنّ المبادرة يشرف عليها عدد من الأكاديميين والأطباء والنخب وأعضاء في المجلس الإسلامي، وقد تم عقد لقاءات مع قادة فيالق وفصائل الجيش الوطني وجمع الرؤى والملاحظات على أمل تحقيق الهدف من المبادرة.
وتتضمن المبادرة خططاً لتوحيد الجيش الوطني والمعابر، وتشكيل قيادة موحدة داخلية (عسكرية – اقتصادية – مدنية)، وقد حاول موقع تلفزيون سوريا الحصول على معلومات تفصيلية عنها، لكن الشخصيات القائمة عليها رفضوا التصريح، وأكدوا أنه سيتم تعيين ناطق رسمي يتحدث لوسائل الإعلام عند استكمال المبادرة.
خارطة طريق تنسجم مع المبادرة
يبدو أن المطالب الشعبية عبر المظاهرات، وخريطة الطريق والدعوات التي أطلقتها النقابات المهنية والعلمية في شمالي سوريا، تنسجم تماماً مع المبادرة الساعية إلى توحيد المنطقة عسكرياً ومدنياً.
ويؤكد ذلك نقيب المحامين الأحرار في سوريا، المحامي محمود الهادي النجار، إذ قال لموقع تلفزيون سوريا: “طالبنا في البيان المشترك للنقابات بدعم مؤسسة الجيش الوطني وصولاً إلى مركزية القرار فيه وإنهاء الحالة الفصائلية، وفي حال تمت الاستجابة لهذه الدعوة ستنعكس إيجاباً على أداء الجيش الوطني وعلى الحالة الأمنية في المنطقة، وكذلك فهي تنسجم مع كافة المبادرات الشريفة التي طُرحت ولا زالت تُطرح لإصلاح الوضع، عدا عن أنها تنسجم وتعبر عن رأي الشارع وآماله وتطلعاته وتعالج همومه”.
وأشار إلى أنّ الدوافع من بيان النقابات، وطنية ثورية بامتياز، وهي “نتيجة طبيعية للحال الذي وصلت إليه الثورة وعدم وجود سلطة مركزية صاحبة قرار سياسي وإدارة مركزية، ونتيجة الظروف والأوضاع المأساوية التي يعيشها السكان في المناطق المحررة من سوء إدارة وفقر وبطالة وانعدام فرص العمل وتدني الخدمات الصحية والتعليمية والتعدي على الأملاك العامة والفوضى الأمنية وعدم احترام الأنظمة والقوانين وعدم تنفيذ أحكام القضاء”.
وتضمن بيان النقابات – حسب النجار – رؤية للخروج من الأزمة التي تعيشها الثورة والمناطق المحررة، والنقاط التي تضمنها مستقاة من رأي المدنيين وتمثل رأي غالبية الشارع، مضيفاً أن النقابات هي أطر تنظيمية تضم وتؤطر مواقف وجهود العديد من شرائح المجتمع المثقفة.
وشدد نقيب المحامين، على أن التحرك الحالي لم يكن ضد أي جهة كانت، وغير مرتبط بأي ظرف آني، إنما جاء نتيجة الظروف الموضوعية المتراكمة، ويأتي ضمن سياق خطة عمل النقابات وبرامجها لكي تكون صوت المجتمع للنهوض بالواقع الحالي للمناطق المحررة وإصلاح المؤسسات وتصحيح مسارها والدفاع عن مبادئ وأهداف الثورة.
وختم النجار حديثه بالقول: “نحن مستمرون في عملنا وأداء واجبنا المنوط بنا كنقابات مهنية وعلمية تعبّر عن هموم وتطلعات الشعب، وسنستمر في الدفع والعمل باتجاه تنفيذ بنود هذه الرؤية التي تم طرحها، ونعتقد أنها تصب في صالح المجتمع وتصحّح مسار مؤسسات الثورة، لتكون أكثر قرباً من الشعب ولتحظى بدعمه وتأييده”.
تلفزيون سوريا
————————–
هل يتحاور السوريون على وقع التوجه التركي المستجد؟/ عالية منصور
مر ما يقارب الشهر على إعلان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عن لقائه بوزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، ودعوته لإجراء مصالحة بين النظام والمعارضة التي أثارت غضب السوريين، فخرجت مظاهرات في عدد من المدن السورية التي تقع تحت سلطة الحكومة التركية أو وكلاء عنها.
حاولت تركيا امتصاص موجة الغضب؛ مرة بإصدار إيضاحات، ومرة بتعديل ترجمة كلام الوزير، إلا أن سياق الأحداث يؤكد أن ما قاله الوزير هو تعبير عن التوجه التركي الرسمي وليس زلة لسان، بل إنه السياق الطبيعي للسياسة التركية في سوريا منذ أن بدأت شراكتها مع كل من إيران وروسيا في مسار آستانة وتبنت نتائج مؤتمر سوتشي بديلا عن بيان جنيف واحد، والقرار الدولي 2254، فاختفى الحديث عن شروط الانتقال السياسي واقتصر عمل المعارضة على عمل اللجنة الدستورية.
وبدل أن تنتفض المعارضة الرسمية على التوجه التركي أو تعترض عليه، وبدل أن تنشغل بإيجاد بدائل، انشغلت بخلق معارك وهمية من خلال تسريبات ونشر محاضر ومن ثم نفيها واستنكار ما جاء فيها، فباتت عن حق وكأنها الناطق الرسمي باسم الحكومة التركية ولكن باللهجة السورية، وصار شاغلها بأقسامها الثلاثة، ائتلاف وحكومة مؤقتة وهيئة تفاوض، لا التسويق للتوجه التركي فحسب، بل التلاعب بالكلام بتصريحاتها بما يتعلق بالقرارات الدولية لجهة تخدم مساري آستانة وسوتشي مع تخلٍ تامٍ عن نص وجوهر بيان جنيف والقرار الدولي 2254.
وإن كان التوجه التركي للمصالحة مع نظام الأسد أمرا يخص الدولة التركية من منطلق أولوياتها وما ترى الحكومة التركية أنه يحقق مصالحها وأمنها القومي، فإن المرفوض وغير المفهوم هو توجه المعارضة السورية إلى القبول بالرؤية التركية والسير فيها بل وتسويقها عند الشارع السوري.
وإذا ما أقررنا بأن ما بقي من هذه الأجسام المعارضة لم يعد يمثل أكثر من توجهات ومصالح الدول الداعمة لهم ولشخوصهم وعلى رأسهم تركيا، فإن السؤال البديهي هو:
من يمثل الثورة السورية وحقوق عشرات الملايين من السوريين الذين انتفضوا على نظام الأسد؟
وإن كان الإحباط بسبب الظروف الإقليمية والدولية في السنوات الأخيرة هي من منعت السوريين من التحرك، فاليوم مع المحاولات المستمرة لإنهاء القضية السورية وتحويلها إلى نزاع بين متخاصمين ينتهي بالصلح، صار من الضروري أكثر من أي وقت مضى أن يعود السوريون ليمسكوا بزمام المبادرة، وأولى المبادرات قد يكون الحوار السوري- السوري، والسوري العربي- السوري الكردي. فكلا الطرفين متضرر مما يحصل، وإن كان البعض يظن أن الجانب الكردي فقط وتحديدا قوات سوريا الديمقراطية (قسد) هي من سيدفع ثمن المصالحة بين تركيا ونظام الأسد فهو واهم، فصحيح أن اندفاعة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لمصالحة الأسد جاءت بعد نصائح روسية لللتنسيق مع النظام السوري لحل مسألة وجود قوات سوريا الديمقراطية على حدود تركيا، وهو ما ترى فيه أنقرة تهديدا لأمنها القومي، إلا أن القضية السورية هي من سيدفع الثمن الأغلى لهذا التقارب ما لم تبادر المعارضة الوطنية وتجمع صفوفها وتتصرف على أنها «أم الصبي».
ودون أن ننكر أن ثمة تجاوزات قامت بها «قسد»لا يمكن القبول بها والسكوت عنها، وخصوصا لجهة تجنيدها الأطفال للقتال وقمعها لمعارضين سياسيين عرب وأكراد ورفضها إطلاق سراحهم كما لرفضها فك ارتباطها بحزب العمال الكردستاني، كذلك فإن تجاوزات بعض الفصائل المنضوية تحت ما يسمى «الجيش الوطني»الموالي لتركيا لا يمكن القبول بها أو السكوت عنها، ولكن ألا تقتضي المصلحة الوطنية العليا ومصلحة سوريا وثورتها فتح حوار جدي وصريح بين الطرفين يجيب على هواجس الجميع، هواجس السوريين العرب من نية الأكراد بالانفصال عن سوريا، وهواجس السوريين الكرد من إنكار الطرف الآخر لحقوقهم الثقافية والقومية واستمرار النزعة الإقصائية في التعامل معهم؟
في الحقيقة لا يبدو أمام الطرفين الكثير من الخيارات، فإما الرضوخ والاستسلام لما سينتج عن المصالحة بين تركيا ونظام الأسد والتي سيدفع ثمنها الجميع، وإما فتح حوار جريء وصريح يبدأ بإجراءات بناء ثقة كانت تبدو حتى لحظة قريبة معدومة بين الطرفين.
المجلة
————————–
=======================
تحديث 10 أيلول 2022
———————-
الانفتاح التركي على النظام السوري: دوافعه وآفاقه
تزايدت تصريحات المسؤولين الأتراك بشأن إمكانية حصول تقارب مع النظام السوري، وشكَّلت تصريحات وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، في ملتقى السفراء الأتراك في أنقرة في 11 آب/ أغسطس 2022، دليلًا واضحًا على استعداد أنقرة لإعادة النظر في علاقتها السياسية مع سورية؛ إذ قال: “إن تركيا تدعم المصالحة السياسية بين المعارضة السورية ونظام الأسد”، وأشار إلى أنه أجرى في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، عندما حضر اجتماعًا لحركة عدم الانحياز في العاصمة الصربية في بلغراد، محادثة سريعة مع وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، الذي كان هناك أيضًا للمشاركة في الاجتماع نفسه[1]. وقبل ذلك، صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أثناء عودته من اجتماع في سوتشي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 6 آب/ أغسطس، بأن أجهزة استخبارات تركية وسورية تتواصل بخصوص “التنظيمات الإرهابية”[2]. وأثناء عودته من زيارة لأوكرانيا في 19 آب/ أغسطس، أدلى أردوغان بتصريح آخر قال فيه إن تركيا مستعدة لنقل الاتصالات مع (نظام الأسد) إلى مستوى أعلى؛ أي إلى مستوى سياسي[3]. في الوقت نفسه، اتهم أردوغان الولايات المتحدة الأميركية بأنها “تغذي الإرهاب في سوريا”، وأنها “زودت المنظمات الإرهابية بآلاف الشحنات من الأسلحة والمعدات، واستقبلت الإرهابيين في البيت الأبيض”. فيما أشاد بروسيا بوصفها شريكًا في مكافحة الإرهاب، وقال: “في كل خطوة نتخذها في سوريا، تكون قواتنا الأمنية ووكالات المخابرات ووزارة الدفاع جميعها على اتصال”[4].
لقد عبّرت التصريحات التركية هذه عن تغيّر واضح في موقف حكومة أنقرة التي كانت منذ عام 2011، الداعم الرئيس للمعارضة السورية، وفي حالة تناقض تام مع السياستين الروسية والإيرانية التي دعمت نظام الأسد.
مقدمات التغيير في الموقف التركي
بدأت بوادر التغيير في السياسة التركية تجاه الصراع في سورية منذ التدخل العسكري الروسي في سورية في أيلول/ سبتمبر 2015، والذي أدى إلى توتر كبير في العلاقة بين أنقرة وموسكو، خصوصًا بعد إسقاط تركيا طائرة مقاتلة روسية على الحدود مع سورية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015. وقد دفعت تلك الحادثة العلاقات بين البلدين إلى حافة الانهيار بعد أن فرضت موسكو عقوبات اقتصادية على أنقرة، شملت وقف استيراد البضائع التركية، وتجميد مشاريع تقوم بها شركات تركية في روسيا، وفرض قيود على حركة السياحة الروسية إلى تركيا[5]. وقد تزامن تدهور العلاقات بين البلدين مع الأزمة الكبيرة التي مرّت بها العلاقات التركية – الأميركية؛ بسبب تحالف واشنطن مع وحدات حماية الشعب الكردية في سورية، ودعمها إنشاء ما أصبح يُعرَف لاحقًا بقوات سوريا الديمقراطية “قسد” لمواجهة تنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق والشام “داعش”. نتيجة لذلك، بدأت أنقرة في ربيع 2016 تُعيد النظر في سياستها مع سورية، وقد تسارع هذا التغيير بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا في تموز/ يوليو 2016؛ إذ أعرب الرئيس بوتين خلالها عن تضامنه مع أردوغان الذي اتهمت أوساط قريبة منه دوائر غربية بالتورط في المحاولة الانقلابية[6].
في ضوء التدخل العسكري الروسي، غدت سياسة تغيير النظام في دمشق التي تبنّتها أنقرة منذ خريف 2011، غير واقعية، كما دفع التحالف الذي أنشأته واشنطن مع “قسد” إلى تغيير أولويات أنقرة في سورية؛ فقد سعت إلى دفع التهديدات التي تواجه أمنها القومي عبر ضبط الحدود ومنع نشوء كيان كردي على تخومها الجنوبية. وأدى ذلك إلى تمهيد الطريق أمام تفاهمات تركية روسية كان جوهرها تخلي أنقرة عن سياسة تغيير النظام في دمشق مقابل تعاون موسكو في منع قيام كيان كردي على الحدود مع سورية. منذ ذلك الوقت نفَّذت تركيا – بالتفاهم مع موسكو – ثلاث عمليات عسكرية شمال سورية؛ هي: عملية “درع الفرات” في آب/ أغسطس 2016، وعملية “غصن الزيتون” في شباط/ فبراير 2018، وعملية “نبع السلام” في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 (كانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب جزءًا من التفاهمات بشأنها أيضًا)، وأدت هذه العمليات إلى تقطيع أوصال أي كيان كردي محتمل على الشريط الحدودي الممتد بين القامشلي وعفرين.
بالتوازي، جرى اتفاقٌ بين تركيا وموسكو لإجلاء فصائل المعارضة عن القسم الشرقي من مدينة حلب في كانون الأول/ ديسمبر 2016، ثم جرى إطلاق مسار أستانة مطلع عام 2017، الذي أدى إلى تجميد الصراع بين النظام والمعارضة عبر إنشاء أربع مناطق لخفض التصعيد (بسط النظام سيطرته على ثلاث منها)، وصولًا إلى موافقة أنقرة على مقترح إنشاء اللجنة الدستورية لحل الأزمة السورية، والذي برز خلال مؤتمر سوتشي في كانون الثاني/ يناير 2018، وهدف إلى تحقيق تسوية بين النظام والمعارضة، وذلك عبر تفاوض غير مشروط يقود إلى صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات، ولكن هذه المفاوضات مستمرة دون أي احتمال للتوصل إلى اتفاق.
دوافع التغيير الأخير في الموقف التركي
منذ وصول إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السلطة مطلع عام 2021، أخذ التغيير في السياسة الخارجية التركية منحًى أكثر شمولًا وعمقًا في إطار مقاربة ذات أبعاد سياسية وأمنية واقتصادية. فمع تعيين بريت ماكغورك، المعروف بموقفه السلبي من تركيا وعلاقاته الوثيقة مع القوى الكردية، مسؤولًا عن منطقة الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي، تزايدت مخاوف أنقرة من تنامي الدعم الأميركي للأكراد في شمال شرق سورية. وكانت أنقرة متوجسة أصلًا من الخطاب الحاد الذي تبنّاه بايدن خلال حملته الانتخابية تجاه أردوغان؛ فقد دعا إلى دعم المعارضة التركية في سبيل إسقاطه “عبر العملية الانتخابية”[7].
في الوقت نفسه، بدأت تتزايد التحديات الاقتصادية بالنسبة إلى تركيا التي لحق بها، مثل كثير من دول العالم، أضرار اقتصادية بالغة بسبب تفشي وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) الذي وجّه ضربة قاصمة لقطاع السياحة التركي خلال عام 2020، وأدى إلى شلّ قطاعات واسعة من الاقتصاد نتيجة الإغلاق. وقد انعكس توتر العلاقة مع واشنطن وتنامي الصعوبات الاقتصادية سلبيًا في سعر صرف العملة التركية التي خسرت نحو 90 في المئة من قيمتها بين عامي 2016 و2022، فضلًا عن تنامي العجز في الميزان التجاري وارتفاع مستويات التضخم الذي فاقمه الصراع بين روسيا وأوكرانيا، حيث تضاعفت أسعار الطاقة في بلد يعتمد اقتصاده اعتمادًا كليًّا – تقريبًا – على استيراد الطاقة؛ فوصل التضخم إلى نسبة قياسية بلغت نحو 80 في المئة[8].
وقد دفعت هذه التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية الرئيس أردوغان إلى إجراء تغييرات واسعة في سياسته الخارجية، شملت تحسين العلاقات مع السعودية، والإمارات، وإسرائيل، ومصر، وإيران، وغيرها، كأننا إزاء عودة إلى تفعيل سياسة “صفر مشاكل” التي تبنَّتها تركيا مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2002. وإذا كانت عوامل مختلفة دفعت أنقرة إلى تغيير كامل لمقاربتها الإقليمية، فقد كان للعلاقة مع سورية خصوصية إضافية واضحة ممثلة بصراع مرير مع النظام السوري نتج منه وجود نحو 3.7 ملايين لاجئ سوري في تركيا.
درجت تركيا منذ بداية الأزمة السورية على استقبال اللاجئين السوريين، وقد جذبت العدد الأكبر منهم نتيجة السياسات المتسامحة للحكومة التركية تجاههم؛ إذ سمحت لهم بالعمل والتعليم وحرية التنقل، لكن هذا الوضع بدأ يتغير خلال الأعوام الأخيرة، فمع تنامي الصعوبات الاقتصادية، أخذت المعارضة التركية تستخدم موضوع اللاجئين ضد حكومة العدالة والتنمية بهدف إضعافها أمام الرأي العام، من خلال إثارة نعرات عنصرية تجاه اللاجئين السوريين خصوصًا، وتحميلهم مسؤولية الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تواجهها البلاد. وتزايد استغلال هذا الموضوع مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في حزيران/ يونيو 2023. أما حزب العدالة والتنمية الذي خسر بلديّتي إسطنبول وأنقرة في الانتخابات المحلية التي جرت عام 2018، ويواجه انتخابات مصيرية العام القادم، فهو يحاول سحب ورقة اللاجئين من يد المعارضة، متعهدًا بإعادة نحو مليون لاجئ سوري إلى بلدهم؛ ما دفع إلى الواجهة من جديد موضوع إنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كيلومترًا على طول الحدود مع سورية، يجري من خلالها إبعاد الميليشيات الكردية عن الحدود من جهة، وإعادة توطين اللاجئين السوريين الذين تعتزم أنقرة إعادتهم إلى بلدهم، من جهة أخرى.
خلال قمة مسار أستانة التي استضافتها إيران، منتصف تموز/ يوليو 2022، حاول الرئيس أردوغان انتزاع موافقة روسيا وإيران على عملية عسكرية تعتزم القوات التركية تنفيذها لإبعاد قوات “قسد” عن الحدود وإنشاء منطقة آمنة في شمال سورية لاستيعاب اللاجئين، لكن مسعاه لم ينجح. وبينما جاءت المعارضة الأشد على عملية عسكرية تركية تستهدف طرد قوات حماية الشعب الكردية من منطقتي منبج وتل رفعت شمال حلب من جانب طهران، وذلك لقرب هاتين المنطقتين من بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين، جاءت المعارضة من واشنطن على عملية عسكرية تركية في مناطق شرق الفرات. حاول أردوغان مجددًا انتزاع موافقة على العملية العسكرية خلال القمة التي عقدها مع بوتين في سوتشي مطلع آب/ أغسطس 2022، مستغلًا حاجة موسكو إليه في الصراع الدائر في أوكرانيا، لكن بوتين طرح على أردوغان بدلًا من ذلك التفاهم مع النظام السوري لحل قضيّتي الأكراد واللاجئين. مثلت تصريحات أردوغان أثناء عودته من سوتشي موافقة تركية على السير في مقترح بوتين، مع اشتداد ضغط العامل الانتخابي، وإلحاح العامل الاقتصادي الذي صار بعد أزمة أوكرانيا مرتبطًا خصوصًا بإمدادات الطاقة، التي أخذت حسابات دول شرق المتوسط تتأثر بها بصورة واضحة، بينما يشتد التنافس بينها على اقتسام حقولها المكتشفة حديثًا في المنطقة، وقد يكون هذا أحد العوامل الإضافية التي تدفع أنقرة إلى التقارب مع النظام السوري.
تحديات التقارب التركي مع النظام السوري
رغم التوجه التركي نحو الانفتاح على النظام السوري ومصلحة هذا الأخير الواضحة في التفاهم مع تركيا، بهدف تجريد المعارضة السورية من حليفها الرئيس، فإن عقبات عديدة تعترض سبيل هذا التقارب: أولًا، أن النظام السوري يحاول استغلال حاجة حزب العدالة والتنمية الانتخابية إلى حل موضوع اللاجئين والأكراد بفرض شروط يصعب على تركيا قبولها، وأهمها: وضع جدول زمني للانسحاب التركي من الأراضي السورية، والتخلي عن دعم المعارضة، وإعادة إدلب الخاضعة لسيطرة فصائل منها إلى النظام، واستعادة السيطرة على معبر باب الهوى بين تركيا وإدلب[9]، وهي مطالب أقرب ما تكون إلى فرض شروط استسلام على تركيا التي لن تتمكن من تنفيذها ما لم يتعهد النظام بالانخراط في مفاوضات جدية مع المعارضة للوصول إلى تسوية سياسية، وهو أمر لن يقبل به النظام على الأرجح. ثانيًا، عدم وضوح الموقف الأميركي بخصوص أي تقارب بين تركيا والنظام السوري، فالولايات المتحدة ما زالت صاحبة الكلمة الفصل في مناطق شرق الفرات، وهي تبدو حتى الآن متمسكة بتحالفها مع “قسد”، وما لم تصبح جزءًا من أي تفاهم بشأن سورية، فالأرجح أن النظام والروس لن يكونوا قادرين على تنفيذ أيّ تعهدات يقطعونها للأتراك بخصوص تحييد “قسد” في مناطق شرق الفرات خصوصًا. أخيرًا، لا يبدو أن نظام الأسد سيعمل على مساعدة أردوغان انتخابيًّا عبر التعاون معه في موضوع إعادة جزء من اللاجئين، وهو الذي يعده خصمه الرئيس. على العكس تمامًا، يتطلع النظام السوري إلى خسارة أردوغان الانتخابات ووصول المعارضة التركية إلى السلطة لعقد تفاهم معها، مع أنه يخاطر في هذه الحالة باحتمال ضياع فرصة التفاهم مع أردوغان في لحظة يحتاج فيها الأخير إلى هذا التفاهم، وهو ليس أمرًا مضمونًا إذا فاز في الانتخابات واستمر في الحكم.
خاتمة
تشير التصريحات الأخيرة لمسؤولين أتراك إلى أن حكومة حزب العدالة والتنمية متجهة للانفتاح على النظام السوري، بهدف حل التوترات الكامنة في علاقاتها الإقليمية، ولأسباب مرتبطة بحاجتها إلى استباق الانتخابات بتحقيق بعض النتائج المرتبطة بقضية اللاجئين السوريين التي تقدمها بعض أحزاب المعارضة باعتبارها أحد أسباب تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد. وتسعى حكومة أردوغان إلى إنشاء منطقة آمنة لإعادة توطين نحو مليون لاجئ سوري داخل الأراضي السورية، والتعامل مع تحدي حزب العمال الكردستاني الذي يمثل أيضًا قضية انتخابية حساسة. ويبدو أن الحكومة التركية التي تشعر بخيبة أمل مريرة من الموقف الأميركي بخصوص استمرار دعم وحدات حماية الشعب الكردية في مناطق شرق الفرات، قررت الأخذ بالمقترح الروسي الذي يقضي بالتواصل مع النظام السوري للتوصل إلى تفاهم يفضي إلى حل هاتين القضيتين، بعد أن فشلت في انتزاع موافقة روسيا على القيام بعملية عسكرية أحادية في شمال سورية. وتستغل روسيا حاجة أردوغان إلى تحقيق نتائج بشأن هاتين القضيتين قبل الانتخابات؛ لدفعه إلى تغيير سياساته كليًّا في سورية بما يؤدي إلى تحييد آخر القوى الرئيسة الداعمة للمعارضة. لكن تحديات كبيرة تواجه إمكانية حصول تقارب بين أنقرة ودمشق، أهمها ارتباطها بإيجاد حل سياسي عادل للأزمة السورية التي لا يمكن اختصارها بطبيعة العلاقة بين تركيا والنظام السوري، بالنظر إلى الأثمان الكبيرة التي قدمها الشعب السوري في ثورته على الظلم والاستبداد، وغياب مقاربة شاملة للحل مع تفاقم التوتر في العلاقة بين موسكو وواشنطن نتيجة الصراع في أوكرانيا واحتدام التنافس الجيوسياسي بين القوى الكبرى في النظام الدولي.
[1] “أنقرة تجدد دعوتها للمصالحة بين نظام الأسد والمعارضة”، DW العربية، 16/8/2022، شوهد في 4/9/2022، في: https://bit.ly/3RzDigj
[2] “أردوغان: جهاز الاستخبارات التركي على تواصل مع مخابرات نظام الأسد”، تلفزيون سوريا، 6/8/2022، شوهد في 4/9/2022، في: https://bit.ly/3Rywyzl
[4] المرجع نفسه.
[5] “روسيا تفرض عقوبات اقتصادية ضد تركيا على خلفية إسقاط طائرتها”، فرانس 24، 28/11/2015، شوهد في 4/9/2022، في: https://bit.ly/3QkOz34
[7] Aslı Aydıntaşbaş & Jeremy Shapiro, “Biden and Erdogan are Trapped in a Double Fantasy,” Foreign Policy, 6/1/2021, accessed on 4/9/2022, at: https://bit.ly/3CUru
وحدة الدراسات السياسية
هي الوحدة المكلفة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بدراسة القضايا الراهنة في المنطقة العربية وتحليلها. تقوم الوحدة بإصدار منشورات تلتزم معايير علميةً رصينةً ضمن ثلاث سلسلات هي؛ تقدير موقف، وتحليل سياسات، وتقييم حالة. تهدف الوحدة إلى إنجاز تحليلات تلبي حاجة القراء من أكاديميين، وصنّاع قرار، ومن الجمهور العامّ في البلاد العربية وغيرها. يساهم في رفد الإنتاج العلمي لهذه الوحدة باحثون متخصصون من داخل المركز العربي وخارجه، وفقًا للقضية المطروحة للنقاش..
——————————–
ما فحوى اللقاء التركي – السوري الاستخباري الجديد… ومناورات «التحالف» – «قسد»؟
7 – سبتمبر – 2022
هبة محمد
حجم الخط
0
دمشق – “القدس العربي” – من هبة محمد: كشف موقع “إنتلجنس أونلاين”، أن رئيس مخابرات النظام السوري، علي مملوك، عقد اجتماعاً مع نظيره التركي، هاكان فيدان، بوساطة روسية. وبحسب المجلة الفرنسية المعنية بالشؤون الاستخباراتية، فإن رئيسي المخابرات التركية والسورية اجتماعاً مرة أخرى، نتيجة حرص روسيا على لعب دور الوسيط بين البلدين.
وذكر موقع المجلة أن “روسيا رعت اجتماعًا جديدًا بين رؤساء المخابرات في البلدين، اللذين كانا على خلاف منذ عام 2011” مشيرة إلى أن الاجتماع لم يخرج “بنتائج مقنعة، لكنه سمح على الأقل لأنقرة ودمشق بالقيام بذلك”.
ورغم أن المصدر لم يذكر تاريخ الاجتماع بين رؤساء الاستخبارات، إلا أن بوادر التقارب بين الطرفين كانت قد أثارت عاصفة من الجدل، عندما كشف وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في 11 أغسطس/آب الفائت عن محادثة قصيرة أجراها مع وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، داعياً إلى “مصالحة بين النظام والمعارضة بطريقة ما” وهو ما أثار تساؤلات حول مدى نجاح الوساطة الروسية بين دمشق وأنقرة، رغم نقاط الخلاف الكبيرة والملفات المعقدة بين الطرفين، وعلى رأسها “قسد” التي تتمترس خلف الحماية الأمريكية.
استجابة للطلب الروسي
وأمام هذه التطورات، والتغير التركي إزاء العلاقة مع النظام السوري، يرى مراقبون أن الاجتماعات الأمنية، تأتي في إطار الاستجابة للإلحاح الروسي في هذا الصدد، وتتضمن رسالة تركية مبطنة لتهدئة للداخل، وتهديد قسد، معتبرين أن ما يجري لا يعلو عن كونه مناورة سياسية غير جدية.
وفي هذا الإطار اعتبر الأكاديمي السوري المعارض المقيم في موسكو الدكتور محمود حمزة، أن أهمية اللقاء تأتي من كونها استمراراً لما تمت مناقشته سابقاً بين الرئيسين الروسي والتركي في مدينة سوتشي الروسية، عندما بحثا إمكانية المصالحة وتطبيع العلاقات التركية مع النظام السوري، وصرح بذلك أردوغان وجاويش أوغلو، وذلك في سياق عدة تصريحات تؤشر إلى وجود محاولات لتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة. واعتبر المتحدث أن “اللقاء بين رئيس مخابرات النظام السوري علي مملوك، ونظيره التركي هاكان فيدان، ليس بجديد، حيث جرت عدة لقاءات سابقة، وأعلن عنها رسمياً”.
وحول نقاط الخلاف والتوقعات من هذا الاجتماع، قال الحمزة “لا بد أن الحديث حول قسد تلبية للمطالب التركية، وإزاحتها إلى عمق معين عن الحدود السورية التركية هو الملف الذي يتصدر المباحثات، لا سيما أن هذا أمر يتقاطع مع مصالح النظام السوري، لكن هناك ملفات أخرى أكثر تعقيداً، أولها أن قسد تحت حماية الأمريكيين”. وأبدى المتحدث استغرابه من الواسطة الروسية في موضوع “قسد”، حيث قال “استغرب كيف لروسيا أن تأخذ على عاتقها إبعاد قسد من الحدود السورية – التركية، بينما قسد تتبع للجانب الأمريكي”.
لعبة دولية متفق عليها
وجزم المتحدث بأن تركيا لن تذهب إلى مصالحة النظام السوري ببساطة “فهي لديها شروط كثيرة على رأسها زحزجة قسد”، معتبراً أن ما يجري “لعبة دولية إقليمية متفق عليها”. وقال إن تركيا طبعاً تريد هذا إبعاد قسد عن حدودها كشرط أساسي، في المقابل النظام عنده شروط كثيرة منها تسليم إدلب والمعابر والتخلي عن المعارضة وموضوع العقوبات، وهنا نتحدث عن نقاط خلاف كبيرة بين الطرفين، معتبراً أن “الحديث عن أمور أمنية هو أمر عادي، لكن عندما تصل الأمور إلى حل سياسي أو تسوية في سوريا، فهنا تكمن الصعوبة لأنه يتطلب الاتفاق على قضايا سياسية”.
وكانت قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، قد أجرت مناورات مشتركة مع قوات سوريا الديموقراطية “قسد”، صباح الأربعاء، في سابقة هي الأولى من نوعها، وذلك عند المثلث الحدودي بين سوريا وتركيا والعراق، في أقصى الشمال الشرقي، باستخدام الصواريخ وقذائف الآر بي جي وأسلحة الكلاشينكوف، لتعزيز التنسيق والعمل المشترك ضد خلايا تنظيم الدولة المنتشرة شمال البلاد.
وذكرت وسائل إعلام مقربة من “قسد” أن المناورات في الساعة الثامنة من صباح الأربعاء، بحضور عدد من الضباط والجنود الأمريكيين، واستُخدمت فيها صواريخ تاو وقذائف الآر بي جي وأسلحة الكلاشينكوف، مع وجود مصفحات ومدرعات عسكرية أميركية وعربات استطلاع. وبعد الانتهاء من المناورات، عقدت قوات سوريا الديمقراطية وقوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة مؤتمراً صحافياً مشتركاً في الموقع نفسه في ريف الحسكة.
وخلال المؤتمر الصحافي، قال القيادي في قوات سوريا الديمقراطية شبلي شبلي: “هذه هي المرة الأولى التي تجري فيها مناورات مشتركة داخل منطقة ديرك”، وعن أهداف هذه المناورات والتدريبات العسكرية قال “لتعزيز التنسيق والعمل المشترك ضد داعش وخلاياه النائمة”.
من جانبه، قال قائد فرقة المدرعات للجيش الأمريكي في شمال وشرق سوريا النقيب دافيد (David) أنهم يتباحثون مع قوات سوريا الديمقراطية كيفية التنسيق في عملياتهم ضد خلايا مرتزقة داعش في المنطقة.
وأشار إلى أن المناورات تأتي في إطار العمل المشترك بين قوات التحالف وقوات سوريا الديمقراطية، وأكد على “مواصلتهم التعاون مع قوات سوريا الديمقراطية لإلحاق الهزيمة النهائية بداعش”.
نقاط خلافية
وحول النقاط الخلافية بين تركيا والنظام السوري، اعتبر الأكاديمي السوري المعارض د. محمود حمزة أن النظام السوري غير مستعد لأي تنازل أو تغير في سياسته حيث قال “لن تأتي المصالحة من غير تحقيق مجموعة شروط عدا موضوع “قسد”، تتعلق بترتيبات على المستوى الحكومي والمستوى السياسي، والنظام السوري غير جاهز لأي صفقة أو تنازل أو تسوية تتعلق بالأمور السياسية، فهو يعتبر نفسه المنتصر”. وحول النتائج المتوقع، قال “التصريحات التركية هي تصريحات أولية قد تكون مناورة سياسية غير جدية، وعلى الأغلب لن تعطي نتائج رغم وجود الرغبة، كون النظام تاريخا سبب مشاكل كبيرة لتركيا، لكن يبدو أن الأتراك أرادوا منها إرضاء الروس”.
مضيفاً “يقوم الأتراك بهذه الاجتماعات رغم إدراكهم صعوبة الوصول إلى النتائج، سيما أن النظام يتلاعب ويناور ويريد أن يكسب الوقت ويكسب الدعاية لنفسه، وبالتالي أردوغان يريد أن يضع الأصدقاء الروس أمام الأمر الواقع، بأن النظام السوري لا يريد أي تعاون، وروسيا لا تملك القدرة على الهيمنة عليه”.
وبالنتيجة، فإن احتمال حدوث صفقة بين تركيا ونظام الأسد، هو أمر مستبعد حالياً، وحول الرسائل الموجهة قال المتحدث “تركيا قد تكون أرادت توجيه رسالة إلى الداخل التركي حول رغبتها في تخفيف المشاكل، وتسوية الخلاف مع دولة جارة، كذلك توجيه رسالة إلى تهديد إلى “قسد”.
—————————
تأكيد تركي على «جدية» التطبيع مع النظام السوري/ سعيد عبد الرازق
بعد الكشف عن لقاء فيدان ومملوك في موسكو برعاية روسية
في وقت تحدثت تقارير عن لقاء بين رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان ورئيس مكتب الأمن الوطني السوري على مملوك، في موسكو برعاية روسية، رأت مصادر تركية أن مثل هذه اللقاءات «واردة وطبيعية»، وعقدت من قبل لبحث قضايا أمنية ولا سيما أمن الحدود. ولفتت في الوقت ذاته إلى جدية أنقرة في الحديث عن التطبيع مع دمشق، وإن كان الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً، مؤكدة في المقابل أن خيار العملية العسكرية في شمال سوريا ليس مستبعداً بالكامل.
وقالت المصادر، في تعليق لـ«الشرق الأوسط» على ما ذكره موقع «إنتليجنس أونلاين» الفرنسي الاستخباراتي، أول من أمس الأربعاء، حول لقاء بين فيدان ومملوك في موسكو، إن اللقاء يعد أمراً طبيعياً في ظل انفتاح تركيا على جميع الخيارات، بما فيها التطبيع مع نظام بشار الأسد إذا كان جادا في مكافحة الإرهاب (أي في إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات تحالف قوات سوريا الديمقراطية «قسد» عن الحدود الجنوبية لتركيا لمسافة 30 كيلومترا) والمضي في العملية السياسية وضمان العودة الآمنة للسوريين في تركيا.
وذكرت المصادر أن تراجع الحديث من جانب المسؤولين الأتراك عن التطبيع مع الأسد، لا يعني عدولاً من أنقرة عن موقفها، لأنه لم يكن متصوراً منذ البداية أن يسير التطبيع بخطى سريعة أو أن تتحقق قفزة كبيرة مثل اللقاء بين الرئيس رجب طيب إردوغان وبشار الأسد. ولفتت إلى أن تصريحات إردوغان السابقة عن ضرورة إحراز تقدم في الاتصالات مع دمشق، تعني أنه يمكن لأجهزة البلدين عقد لقاء وحتى يمكن أن يلتقي وزراء من البلدين في مرحلة لاحقة على الاتصالات التي تجرى على مستوى أجهزة المخابرات والأمن.
وأشارت المصادر إلى أن روسيا تدفع باتجاه التطبيع بين أنقرة ودمشق وترغب في أن تصل تركيا إلى اقتناع بمسألة أن يسيطر نظام الأسد على كامل الأراضي السورية، وإبعاد خيار التدخل العسكري من جانب تركيا واستبداله بالتعاون والتنسيق الأمني مع دمشق.
موقع «إنتليجنس أونلاين» الفرنسي أكد انعقاد الاجتماع، بينما لم يصدر تأكيد أو نفي عن كل من أنقرة ودمشق. وأشار في الوقت ذاته إلى أن نتائج الاجتماع لم تكن «مقنعة»، إلا أنه سمح للجانبين عرض مطالب كل منهما، فيما أفاد بأن الرعاية الروسية جاءت حرصاً على لعب دور الوسيط بين تركيا والنظام السوري.
وبحسب ما ذكر الموقع، أظهرت المحادثات الأمنية بين فيدان والمملوك، استمرار الفجوة بين الجانبين من جهة وتصاعد الرغبة الروسية بحلها من جهة أخرى. وطالب النظام بـ«جدول زمني» للانسحاب التركي، لا سيما أن تركيا تسيطر على جيوب سورية تساوي ضعف مساحة لبنان، وتتمسك بـ«مناطق آمنة» شمال سوريا. في وقت يواصل الجانب الروسي وساطته لردم الفجوة والبناء على اهتمام الجانبين، السوري والتركي بالقضاء على وجود «الحركات الانفصالية».
وشملت مطالب النظام، احترام السيادة السورية، ووضع جدول زمني للانسحاب التركي من الأراضي السورية، ووقف دعم الجماعات الانفصالية، وإعادة إدلب الخاضعة لسيطرة فصائل مدعومة من تركيا منذ 2015، واستعادة السيطرة على معبر باب الهوى بين تركيا وإدلب، وفتح طريق «إم 4» الذي يمتد من حدود البحر المتوسط غرباً إلى العراق شرقاً وتسيطر عليه قوات سورية وتركية وكردية، ومساعدة الأسد على تخطي العقوبات الغربية (كما تفعل تركيا مع العقوبات ضد روسيا) وعودته إلى الجامعة العربية، والمساعدة في إعمار سوريا، ومساعدة الأسد أيضاً على استعادة السيطرة على الثروات الطبيعية من نفط وغاز وزراعة شرق الفرات.
أما تركيا، التي تعتقد أن نظام الأسد غير قادر لوحده على محاربة الأكراد، فطالبت بعمل جدي ضد «حزب العمال الكردستاني» وجناحه السوري «وحدات حماية الشعب»، والتعاون بين أجهزة الأمن في البلدين، ومفاوضات مع المعارضة السورية المدعومة من تركيا للوصول إلى تسوية سياسية، وعودة اللاجئين السوريين، وإنشاء مناطق آمنة في حلب ومناطق أخرى شمال سوريا بعمق 30 كيلومتراً، ومساعدة وتسهيل عمل اللجنة الدستورية السورية.
وأشار الموقع الفرنسي إلى أن «إيران حاولت الدخول على خط الوساطة الأمنية بين النظام السوري وتركيا، الأمر الذي لم يرح البعض في النظام وفي موسكو. لكن روسيا مستمرة في وساطتها».
ونقل الموقع عن مسؤول، لم يحدده، أنه «لو استمر الوضع على ما هو عليه سنتين أو ثلاثا، من الصعب أن تستعيد سوريا وحدتها»، مشيراً إلى أن الوسيط الروسي حالياً يعمل على «خطة عمل» تنطلق من مطالب الجانبين والنقاط المشتركة.
وبين الأولويات تقديم ضمانات أمنية للجانب التركي وترتيبات عملياتية لنظام الأسد في إدلب وطريق «إم 4». وأحد الحلول أن يعكف الجانبان السوري والتركي على نسخ مسودة جديدة لاتفاق أضنة للعام 1998 الذي أسس للتعاون الأمني بينهما ضد «حزب العمال الكردستاني».
في الوقت ذاته، أكدت المصادر التركية أن أنقرة أتمت الاستعدادات العسكرية واللوجيستية للعملية العسكرية التي أعلنت عنها في مايو (أيار) الماضي بهدف استكمال إقامة مناطق آمنة لمسافة 30 كيلومتراً في العمق السوري، والتي أعلنت أن هدفها سيكون منبج وتل رفعت حيث تسيطر قوات من قسد والنظام بإشراف روسي.
ورأت المصادر أن تراجع التصريحات من جانب تركيا حول العملية العسكرية المحتملة لا يعني إلغاءها بل تعليقها، أولاً لإفساح المجال للجهود التي تبذلها روسيا للتطبيع بين أنقرة ودمشق، وثانياً لمواصلة العمل على تأمين مواقف الأطراف الأخرى المنخرطة في سوريا والرافضة للعملية العسكرية، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وروسيا، إضافة إلى إيران والدول الأوروبية.
وفي رأي بعض المحللين، ومنهم الكاتب التركي جلال باشلانجيتش، فإن العملية العسكرية ستبقى خياراً مطروحاً يلوح به الرئيس إردوغان من أجل حشد مؤيديه مع اقتراب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في 18 يونيو (حزيران) 2023، وأن التصعيد في الهجوم على اليونان والتلويح بعملية عسكرية ضدها لا ينفصل عن هذا السياق أيضاً. ولفت باشلانجيتش إلى قلق المعارضة التركية من انغماس تركيا في عمليات دموية الهدف منها فقط أن يحافظ حزب «العدالة والتنمية» الحاكم برئاسة إردوغان على بقائه على رأس السلطة، مدفوعاً بالنزعة المتشددة لحليفه حزب «الحركة القومية» لتكرار سيناريو انتخابات عام 2015 التي خسرها الحزب في 7 يونيو (حزيران)، ولجأ بعد ذلك إلى انتخابات مبكرة في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه، لكن البلاد شهدت عمليات دموية وهجمات أشعلت حماس القوميين.
ولا ترفض المعارضة التركية فكرة الحوار مع دمشق ونظام بشار الأسد بشأن تهيئة مناخ يسمح بإعادة السوريين اللاجئين في تركيا إلى بلادهم، إلى الحد الذي أعلنت فيه رئيسة حزب «الجيد» القومي، ميرال أكشينار استعدادها للقاء الأسد في دمشق لحل المشكلة، وهو ما سبقها إليه أيضاً رئيس حزب «الشعب الجمهوري» زعيم المعارضة، كمال كليتشدار أوغلو، والحزبان منضويان تحت راية «تحالف الأمة» المعارض.
وتعتقد المعارضة، التي ترفض العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا، أن أخطاء الحكومة في التعامل مع الملف السوري منذ البداية والتي بنيت على تقديرات خاطئة بأن سقوط نظام الأسد سيكون سريعاً جداً، هي التي قادت إلى الوضع الراهن.
الشرق الأوسط
————————–
صحيفة فرنسية: قلق متزايد للاجئين السوريين في تركيا وسط تضييق الخناق عليهم
تحت عنوان: “تركيا.. الخناق يضيق على اللاجئين السوريين”، قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إن القلق يتزايد بين اللاجئين السوريين في تركيا وسط مواجهتهم صعوبات إدارية متزايدة في ظل تشديد السلطات التركية نبرتها تجاههم.
وأضافت الصحيفة القول إن تصلب الخطاب السياسي في أنقرة ومخططات استئناف الحوار مع دمشق التي طرحتها السلطات التركية أدت إلى إعادة خلط الأوراق لكثير من السوريين الذين يعيشون في تركيا.
وذكّرت “لوموند” بأن ثلاثة ملايين سوري يعيشون بشكل أساسي في المدن الكبرى التركية يستفيدون من وضع الحماية المؤقتة في هذا البلد، وقد تم تسجيلهم في مدينة إقامتهم ولا يمكنهم السفر إلا بتصريح سفر خاص. فيما تم، رسميًا، منح 211 ألف سوري الجنسية التركية في السنوات الأخيرة.
ومع ذلك – تتابع “لوموند” – إذا كانت الأشهر الأولى من الحرب في سوريا، في عام 2011، قد تميزت بسياسة ترحيب من حزب العدالة والتنمية الحاكم، فإن الجمود في الصراع قد قلل تدريجياً من آفاق عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم. وبعد أحد عشر عامًا من التعايش، يُظهر السكان الأتراك الآن صراحة تعبهم. فبينما تغرق تركيا في أعمق أزمة اقتصادية، فإن الخطابات اللاذعة للقادة السياسيين القوميين ضد المهاجرين باتت أكثر فأكثر غير مقيدة. ومن خلال استغلال القضية سياسياً، جعل ائتلاف المعارضة، الذي يهيمن عليه القوميون، من نفسه المرحل الرئيسي.
وتنقل ”لوموند” عن جميع اللاجئين السوريين الذين التقتهم تأكيدهم بأنهم يشعرون بالقلق حيال التزايد الواضح للعداء تجاههم، موضحة أنه يتم تداول العديد من المعلومات الخاطئة، مما يؤجج التوتر. وذاك هذا هو الحال، على سبيل المثال، في حالة المساعدة التي يُفترض أن الحكومة التركية تمنحها للاجئين السوريين على حساب مواطنيها.
ويتم التعبير عن التوتر في أصغر المواقف في الحياة اليومية كما هو الحال أثناء تصفية الحسابات.
وقد أثارت الحملات العقابية ضد اللاجئين في أنقرة في أغسطس من العام الماضي بالفعل مخاوف من اندلاع أعمال عنف على نطاق واسع في البلاد. ومن الآن فصاعدًا، تعد قضية الهجرة واحدة من الاهتمامات الرئيسية التي طرحها الناخبون الأتراك في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية والتشريعية في شهر يونيو عام 2023. ففي شهر فبراير الماضي، أشار مسح استطلاع أجراه معهد Metropoll إلى أن %82 من المستطلعة آراؤهم يريدون عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
وتابعت “لوموند” القول إنه منذ الانتخابات المحلية لعام 2019، حيث خسر حزب الرئيس رجل طيب أردوغان إسطنبول، تغيرت سياسة الهجرة الحكومية، كما يحلل ديديم دانيس، عالم الاجتماع المتخصص في قضايا الهجرة والأستاذ في جامعة غلطة سراي، موضحا أن البعض داخل حزب العدالة والتنمية يلقي باللائمة في فشلهم على سياسة اللاجئين.
فقد كانت هذه الخسارة الرمزية للغاية لأكبر مدينة في البلاد بمثابة إذلال داخل حزب رجب طيب أردوغان، تقول “لوموند”، موضحة أن الرد عليها لم يتأخر طويلاً، فسرعان ما فرضت السلطات المحلية على الشركات خطًا أكبر للكلمات المكتوبة باللغة التركية مقارنة بتلك المكتوبة باللغة العربية على اللافتات، في الأحياء التي يسكنها عدد كبير من السكان السوريين. كما عززت تدابير أخرى هذا التحول في إسطنبول. فمثلاً، لم يعد يُسمح للأطفال الذين تم تسجيل آبائهم في مدن أخرى بتركيا عند وصولهم بالالتحاق بالمدارس العامة في إسطنبول. وهي خطوة يرى فيها البعض طريقة لتشجيع السوريين على مغادرة المدينة.
وأيضا دخل مشروع “التخفيف” الذي وضعته وزارة الداخلية، والذي يتمثل في تعليق توطين اللاجئين السوريين في الأحياء التي يتجاوز عدد السكان الأجانب فيها %20، حيز التنفيذ.
وهكذا – تتابع “لوموند” – يشعر اللاجئون السوريون بضيق الخناق، إذ يقول العديد منهم إنهم يواجهون صعوبات إدارية عند تحديث وضعهم، ويمكن أن تؤدي المواعيد النهائية الطويلة بشكل متزايد المفروضة في بعض الأحيان إلى عمليات ترحيل تعسفية إلى الحدود وإمكانية فحص الشرطة بنتائج غير مؤكدة تثير الرعب بين أوساط اللاجئين.
وأشار المتحدث باسم وزير الداخلية في الرابع من سبتمبر / أيلول الجاري إلى عودة 520 ألف لاجئ إلى سوريا في السنوات الأخيرة، لكن العديد من المراقبين والجمعيات ينددون بالإعادة القسرية.
في نهاية المطاف – توضح “لوموند” – الهدف هو إعادة “مليون سوري” كما أعلن الرئيس التركي أردوغان في شهر مايو/أيار الماضي. هذا المشروع الضخم للعودة “الطوعية” – بحسب الخطاب الرسمي – يتشابك مع الاستراتيجية التركية المتمثلة في الترسخ في شمال سوريا.
—————————–
مخاوف “المجنسين” السوريين في تركيا من سحب الجنسية.. واقعية أم مبالغ فيها؟
إسطنبول – ياسر العيسى
يساور السوريين من حملة الجنسية التركية الكثير من القلق، بعد تصاعد الخطاب السياسي ضدهم، لتزداد مخاوفهم اليوم، تزامناً مع زيادة حدّة مناهضتهم من قبل بعض المحسوبين على المعارضة التركية، ودعوات الأخيرة لمنع مشاركتهم في الانتخابات المقررة منتصف العام القادم، وصولاً إلى المطالبة بسحب الجنسية “الاستثنائية” التي حصلوا عليها.
وخلال الأسابيع الأخيرة، تصدر المجنسون الحديث المتعلق بالسوريين في تركيا، بعد أن شمل فيما سبق، حملة بطاقة الحماية المؤقتة (الكملك)، الأمر الذي دفع بعضهم إلى طرح تساؤلات ومخاوف من إمكانية سحب الجنسية منهم.. وإن كان هناك قانون رادع يُطمئنهم، ويمنع من حصول ذلك.
تقول ديانا التي نالت الجنسية التركية قبل أعوام بناء على دراستها الجامعية، إن تهديدات المعارضة بإمكانية إعادة دراسة ملفات السوريين الذين حصلوا على الجنسية، وسحبها منهم “جعلت مخاوفنا من إمكانية حصول ذلك حقيقية”.
وتؤكد الشابة السورية المقيمة في إسطنبول لموقع “تلفزيون سوريا”، أنه لا ثقة لديها اليوم بإمكانية عدم تحقيق ذلك – سحب الجنسية – في المستقبل، مضيفة أن “كل شيء ممكن في تركيا.
وتوضح أن الحل بالنسبة إليها، هو السفر إلى بلد آخر على الأغلب أنه عربي، تُعد له العدة حالياً بعد استخراجها لجواز سفر تركي، وتنتظر الفرصة للخروج “التي قد تكون غير بعيدة” بحسب وصفها.
محمد المقيم في أورفا بالجنوب التركي يساوره الشك ذاته، ورغم كل التطمينات من زملائه المدرسين الأتراك الذين يعملون معه في المدرسة ذاتها، والقائلة إن تهديدات المعارضة تدخل من باب “المناكفات السياسية”، إلا أن هذه “التطمينات” لم تنل الثقة الكاملة لديه.
وأضاف الشاب الذي طلب في حديث لموقع “تلفزيون سوريا” ذكر اسمه الأول فقط، أن إمكانية تنفيذ سحب الجنسية بشكل جماعي للمجنسين قد لا تكون ممكنة، إلا أنها يمكن أن تكون بشكل فردي، مشدداً على أن ذلك هو ما حصل بالفعل لأكثر من شخص، و”لأسباب قد لا تكون مقنعة قانونياً”، على حد تعبيره.
2
الجنسية التركية تفتح طريق لجوء لـ سوريين إلى أوروبا
خيار الهجرة..
قلق السوريين المجنسين، الذين كانت الجنسية التركية يوماً ما وقبل الحصول عليها، حُلماً للكثير منهم، دفع بعضهم إلى اتخاذ قرار الهجرة إلى أوروبا، بعد أن أصبحت الجنسية التي ظنوا بالأمس أنها “الملاذ الآمن”، غير مطمئنة لهم اليوم.
وفي الأسابيع الأخيرة، ازداد عدد السوريين الذين قرروا الهجرة إلى أوروبا باستخدام جوازات سفرهم التركية للوصول إلى صربيا، وهم بذلك اجتازوا نصف طريق الهجرة، بل واجتازوا النصف الأخطر منها، المتمثل خاصة في طريق تركيا اليونان.
وكان وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، قد كشف
في 19 من يونيو/ حزيران 2022، عن عدد السوريين الحاصلين على الجنسية التركية، معلناً في كلمة ألقاها خلال اجتماع لحزب “العدالة والتنمية” في عنتاب، أن “210 آلاف سوري حصلوا على الجنسية التركية خلال السنوات الـ 11 الماضية”.
سجالات
سجالات السياسيين الأتراك فيما يتعلق بالمجنسين السوريين، تمحورت ما بين تهويل بدورهم في الانتخابات القادمة، عبر تضخيم عدد من حصلوا عليها، أو عبر محاولات استمالة كل طرف لأصوات هؤلاء، أو تحييد أصواتهم من دعم خصومهم من جهة أخرى، وهناك من قلل أهميتهم ودورهم.
وفي 8 من أغسطس/ آب الجاري، قال رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، إن الأجانب الحاصلين على الجنسية التركية لا يشكلون خطراً على الانتخابات القادمة في بلاده.
وأضاف في مقابلة أجراها مع صحيفة “Sözcü” التركية، أن “حزب الشعب الجمهوري” على دراية تامة بكل الناخبين، و”يمكننا استنتاج عدد الحاصلين على الجنسية، من خلال اطلاعنا على أماكن الولادة، ونعلم الأجانب الذي يصوتون، ولا يوجد عدد مرتفع من قبيل 400 – 500 ألف ناخب”.
وزعم كليتشدار أوغلو، بأن المعلومات التي لدى الحزب ليست موجودة لدى الهيئة العليا للانتخابات التركية، وأضاف: “نحن نعرف كل ناخب، الناخبون الذين سيذهبون إلى صناديق الاقتراع لأول مرة، نعرف منازلهم وعناوينهم، ونعرف أماكن ولادتهم”.
الرد على هذه التصريحات، جاء عبر صحيفة “يني شفق
” الموالية للحكومة التركية، واتهمت فيها كليجدار أوغلو بأنه هو الذي فتح باب الخطاب المعادي للسوريين.
وتساءلت الصحيفة بأنه لو تطرق مسؤول في حزب العدالة والتنمية بتصريحات مماثلة لتصريحات رئيس الحزب الجمهوري المتعلق بالحصول على معلومات حول الناخبين الذين سيصوتون في الانتخابات “لأطبقوا الدنيا فوق رأسه وكتبوا أن هناك عملية تزوير حقيقية في انتخابات 2023”.
وذكرت “يني شفق”، أن المعلومات المتاحة، يمكن لأي حزب أن يستخرج العديد من النتائج المختلفة ويجري دراسات حول الانتخابات والناخبين، وتبين في السنوات الماضية، أن هناك جهات حصلت على معلومات من الهيئة العليا للانتخابات وقامت ببيعها للشركات التجارية.
وفي السياق ذاته، وفي أبريل/ نيسان الفائت، حذر زعيم حزب “الديمقراطية والتقدم” علي باباجان، خلال مؤتمر صحفي، الحكومة من منح الجنسية التركية للاجئين لأغراض سياسية.
وشدد باباجان في حديثه حول منح الجنسية التركية للسوريين، على ضرورة ربطها بأسس ومبادئ محددة: “إذا كانت هناك دوافع سياسية لمنح الجنسية فيجب إيقاف هذه العملية فوراً، وإلا فهو وضع غير مقبول، وصبر شعبنا محدود إلى حد ما، لذلك نحتاج إلى قياس نبضه جيداً، ويجب على الحكومة أن تجد حلاً جذرياً وتضعه أمام تركيا في أسرع وقت ممكن”. على حد تعبيره.
الهاشتاغ حاضر..
السجالات السياسية حول المجنسين، وصلت قبل نحو أسبوعين إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وكان أبرزها في تويتر، عبر إطلاق مغني البوب التركي مصطفى صندل وسماً (هاشتاغ)، يطالب بمنع السوريين الحاصلين على الجنسية التركية من المشاركة في الانتخابات المقبلة.
وتساءل “صندل” عن صحة الأرقام التي شاركها وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، وتضاربها مع الأرقام التي نشرها زعيم حزب “النصر” المعارض أوميت أوزداغ.
الوسم الذي أطلقه “صندل” تحت عنوان “#SuriyelilerOyKullanmasın” (امنعوا السوريين من التصويت)، تداول العديد من روّاد التواصل الاجتماعي، ما دفع نائب رئيس الكتلة النيابية لحزب “العدالة والتنمية” في البرلمان، يلماز تونش، بالرد على تغريدة “صندل”: قائلاً: “أتطرح سؤالاً تقارن فيه بالأرقام التي نشرها وزير داخلية الدولة بأكذوبة شخص جعل من الكذب مهنة له؟ ما الذي يمكننا قوله؟”.
وعاد “صندل” بالرد، بأن “تونش” لا يجد صعوبة في منح الجنسية التركية للسوريين بـ”سهولة”، إلا أنه يجد صعوبة في قبول التساؤلات التي يطلقها المواطنون.
لماذا الآن؟
ما سبق طرحه يُثير مجموعة من التساؤلات، حول إن كانت خشية انتزاع الجنسية التركية من السوريين الذين نالوها في وقت سابق، محقة؟ أم أنها مبالغ فيها قانونياً؟ ناهيك عن التساؤل الآخر: لماذا أثيرت قضية المجنسين الآن؟
المحلل السياسي التركي، “أوفوك أوراس”، وفي إجابة عن التساؤل المتعلق بسبب اشتداد الحملة ضد المجنسين في الأيام الماضية، يؤكد أنه “مع اقتراب موعد الانتخابات، تضع المقاربات الشعبوية في جميع أنحاء العالم خططًا لزيادة أصواتهم من خلال خدش الحساسيات العنصرية”
وتابع في حديث لموقع “تلفزيون سوريا”: “في تركيا، تم خلق جو غير واقعي، كما لو أن أولئك الذين حصلوا على الجنسية يمكن أن يؤثروا على نتائج الانتخابات”.
لكن وفق رأيه “كان هناك رد فعل إيجابي جداً في أوساط الجمهور ضد المقاربات العنصرية، والقائمة على خطاب الكراهية”.
وحول إن كانت تهديدات المعارضة التركية جدّية فيما يتعلق بسحب الجنسية من السوريين الحاصلين عليها، شدد “أوراس”، على أنه “ليس من الممكن استعادة الحقوق المكتسبة، ويمكن اعتبار الانتخابات كأساس لفضح مثل هذه الملاحقات غير القانونية”.
مخاوف “غير مبررة”..
المحامي السوري فواز حمام، يرى بدوره أن مخاوف المجنسين غير مبررة، خاصة وأنه “وفق الأساس القانوني لا يوجد مخاوف، كون كل قوانين العالمية الخاصة بمنح الجنسية أو سحبها تستند إلى المبادئ نفسها”.
وحول أبرز هذه الحالات التي تستدعي سحب الجنسية، قال لموقع “تلفزيون سوريا”، إنها تتمثل في “تقديم وثائق مزورة، أو ناقصة عند التقدم للجنسية بموجبها إذا تم اكتشاف هذا الأمر، ولو بعد حين، ويمكن من خلالها إبطال قرار منح الجنسية التركية، مستنداً إلى مبدأ قانوني عالمي، يقول إن ما بُني على باطل فهو باطل، وهذا ليس فقط في القانون التركي، وإنما في القوانين العالمية منصوص عليه”.
ويؤكد المحامي السوري الحاصل على الجنسية التركية، أنه لا توجد مخاوف من إلغاء الجنسية الاستثنائية للسوريين، “كونها صادرة عن سلطة تنفيذية خاضعة لرقابة القضاء، ويمكن لأي مواطن في حال إبطال جنسية مراجعة القضاء الإداري متظلماً من القرار، مستنداً في ذلك إلى بند التعسف في استعمال الحق من قبل السلطة التنفيذية”.
واستدرك: “هذه الخطوة تكون بواسطة القضاء الإداري حصرياً، المشهود له بالإنصاف، وطالما أن الجنسية مُنحت بموجب قانون، فان هذا القانون لا يُزال إلا بقانون جديد، يوقف سريان القانون القديم، دون المساس بالحقوق المكتسبة، كونها تخضع لمبدأ أساسي في حال إلغاء هذا القانون، وهو عدم رجعية القوانين، أي أن القانون يسري من تاريخه، و ليس له أثر رجعي”.
وحول الشق السياسي من القضية، يرى المحامي السوري، أن سبب إثارة قضية المجنسين، هو “نجاح خطاب الكراهية الذي تقوده المعارضة في تحريك الشارع التركي ضد الحكومية، بهدف كسب مزيد من الأصوات، عدا هدف التخلص من مصوتين محتملين للحكومة الحالية”.
طمأنة “قانونية”..
المحامي التركي، عبد الحليم يلماز، شدّد في حديث لموقع “تلفزيون سوريا” على عدم إمكانية سحب الجنسية الممنوحة للسوريين، مؤكداً أن “منحها جاء بناء على قرار دولة، وليس متعلقاً بصلاحيات حكومة، وهو القرار الذي اتخذ على أساس مواد موجودة ضمن القانون”.
وشبّه الحقوقي المهتم بقضايا وحقوق اللاجئين والأجانب في تركيا، قرار منح الجنسية بـ”قرارات الدول التي حتى لو تغيرت الحكومات، فإن الاتفاقيات الثابتة الموقعة باسم الدولة، لا يمكن أن تتغير ولا بأي شكل من الأشكال”.
إلا أن المحامي يلماز، والذي كان له دور في صياغة وإعداد قانون الحماية المؤقتة الخاصة باللاجئين السوريين في تركيا، أشار إلى أن هناك استثناءً وحيداً فيما يتعلق بسحب الجنسية، ويتمثل في أن يكون أحد الحاصلين عليها، قدم أوراقاً غير نظامية تحتوي على تزوير أو بيانات غير صحيحة، “عندها يحق للجهات الحكومية مراجعات هذه البيانات وسحب الجنسية”.
واستدرك: “أما إذا كانت أوراقه سليمة، فإنه حتى إذا كانت قد تقدمت شكوى ضده لسحبه لأسباب سياسية مثلاً، فلن يكون هناك أي طائل منها، إذا تأكد القضاء من صحة أوراقه الرسمية المقدمة”.
وهنا ينصح يلماز من يتقدمون للجنسية التركية، بأن يكونوا حذرين عند تقديم أوراقهم الثبوتية، لأن “كل ورقة فيها حالة تزوير أو ادعاء غير صحيح، قد يكون سبباً في سحب الجنسية بوقت لاحق”.
وحول تجربته كمحامٍ فيما يتعلق بالجنسية التي أُعطيت للأجانب والسوريين، أشار إلى أن “الشخص الذي يكون عليه قرار جزائي أو محكمة أو ما شابه ذلك، تتوقف ملفات الجنسية لديه دون أن تلغى، وإذا صدر براءة بحقه تستكمل ملفات الجنسية”.
وأخيراً، يرى الحقوقي التركي، أن “كل دعوات سحب الجنسية، لا تُمثل سياسات الحكومة التركية أو توجهاتها المستقبلية، بقدر ما تمثل سياسات بعض الأحزاب الرافضة أساساً للوجود السوري في تركيا، سواء بصفة اللجوء أو بصفة الجنسية الاستثنائية”.
وبناء على ذلك، دعا إلى عدم إعطاء أهمية لهذه الخطابات وهذه الدعوات، لأن “الدولة عندما تعطي الجنسية بناء على مادة ما في القانون، فلن تستطيع أي حكومة إلغاءها مستقبلاً، إلا عند تغيير المواد القانونية التي اعتمد عليها قرار منح الجنسية، أي تغيير دستور بأكمله من أجل إلغاء قرارات وسحب جنسية استثنائية، وهذا صعب جداً، وليس من السهولة تطبيقه”.
تلفزيون سوريا
———————————–
التحرُّكات التركية في سوريا: تطبيع أم تصعيد؟/ غاليا ليندنستراوس وكارميت فالنسي
مع اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، انقطعت في الآونة الأخيرة، العلاقات الوثيقة بين الرئيس الأسد، ونظيره التركي أردوغان، و بعد أكثر من عقد من الزمن، كانت هناك تصريحات متزايدة حول المصالحة؛ مصدرها أنقرة؛ وإن كانت متزامنة مع تهديدات بحملة عسكرية جديدة، لذلك يجب على الرئيس التركي أن يختار إما التطبيع أو التصعيد.
تُثير الهجمات المتزايدة الأخيرة على أهداف كردية في شمال سوريا، من قِبل تركيا، والجماعات المتمردة السورية التي تدعمها، تساؤلات حول ما إذا كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ينوي تنفيذ تهديده في أيار، 2022، لبدء عملية برية كبيرة أخرى ضد الكرد، ومن ناحية أخرى، تمّ إطلاق تصريحات استرضائية (تصالحية)، بشأن نظام الأسد مؤخّراً في تركيا، وكان هناك نقاش حول إمكانية تطبيع العلاقات بين البلدين بعد أكثر من عقد من العِداء والتنافس.
يبدو التناقض واضحاً في هاتين العمليتين، فبالنظر إلى أن النظام السوري يعارض السيطرة التركية الحالية على الأراضي السورية، ولا يرغب في رؤية هذه السيطرة تتوسّع، ومن ناحية أخرى؛ قد تكون هذه خطوة تركيّة محسوبة؛ تهدف إلى إظهار جُهداً منسقاً، متعدد الأوجه للجمهور التركي؛ لمواجهة كُلّاً من حركة المقاومة الكردية، وقضية اللاجئين السوريين في تركيا، حيث يمكن الاستفادة من مناقشة الأحداث في شمالي سوريا، وشبكة المصالح السورية والتركية؛ في تقييم السؤال، ما هو الاتجاه الذي سيسود العلاقات التركية السورية: التطبيع أم التصعيد؟
في منتصف آب / أغسطس 2022، اندلعت احتجاجات واسعة النطاق في عشرات البلدات التي تسيطر عليها المعارضة السورية، في محافظتي إدلب وحلب، شمال غربي سوريا، وظهر شعار “لن نصالح” في تلك المظاهرات، رداً على التصريح المُفاجئ لوزير الخارجية التركي، في الحادي عشر من آب/أغسطس، فقال حينها: “يجب أن نجمع المعارضة والنظام معاً، من أجل المصالحة بطريقة ما، وإلا فلن يكون هناك سلام دائم، خلاف ذلك”، كما أعلن وزير الخارجية، أنه التقى بنظيره السوري على هامش قمة حركة عدم الانحياز، في بلغراد، في أكتوبر، 2021.
غضب سكان الشمال، من البيان، وانتقدوا تركيا بشدة، مع اتهامها بالسعي إلى “التطبيع العلني” مع النظام السوري حقيقةً، وصرّح أردوغان، في التاسع عشر من آب / أغسطس، بأن “تركيا ستحتاج إلى اتخاذ خطوات أعلى مع دمشق، لإنهاء الألعاب التي تُلعب في المنطقة”.
يجب النظر إلى العِداء الذي أحدثته التصريحات التركية، في ضوء تاريخ التدخُّل التركي في سوريا، بعد أشهر قليلة من اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، عام 2011، عندما اتضح أن الرئيس السوري بشار الأسد، لم يكن ينوي تنفيذ إصلاحات مهمة، فأصبحت تركيا من أشد منتقدي نظامه، وأكثر من مرة وصفه أردوغان بـ”القاتل”، وطالبه بالاستقالة، لذلك فإن من وجهة نظر الثوار في سوريا، إن السلام بين تركيا وسوريا، هو بمثابة خيانة.
على مرّ السنين، دعمت تركيا، وساعدت العديد من منظّمات المعارضة السنيّة؛ بالتمويل والدعم المادي والأسلحة، وفي الوقت نفسه نظرت أنقرة بقلق إلى تقوية الكُرد وتوسيع الأراضي الخاضعة لسيطرتهم في شمالي سوريا، وهو ما نتج جزئياً عن حملتهم المستمرة والناجحة ضد داعش.
كانت أنقرة، غير راضية بشكل خاص عن هيمنة الفرع السوري، من حركة المقاومة الكردية في المنطقة، وخَشيت من إنشاء سيطرة كردية متواصلة على طول الحدود التركية السورية، ولإحباط هذا الوضع، شرعت تركيا إلى ثلاث عمليات عسكرية، في 2016-2019، أدت إلى سيطرة تركيا، على عدة مناطق في شمال سوريا.
في شباط 2020، في أعقاب هجمات القوات السورية على مواقع للجيش التركي، قُتل فيها 34 جندياً تركياً، باشرت أنقرة بعملية درع الربيع، في محافظة إدلب، وفي آذار/ مارس، تم توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار بين تركيا وروسيا، في إدلب، وتضمّنت الاتفاقية؛ إنشاء ممر آمن حول الطريق السريع M4، وتسيير دوريات مشتركة للقوات الروسية والتركية.
لا يزال حوالي 8000 جندي من الجيش التركي في المنطقة؛ يقدّمون الدعم العسكري واللوجستي للمنظّمات العاملة هناك، وفي مقدمتها الجيش الوطني السوري (الجيش السوري الحر سابقاً)، والتنظيم السلفي الجهادي هيئة تحرير الشام.
كما يعدّ وجود اللاجئين السوريين في تركيا، قضية مشحونة للغاية، سياسياً واقتصادياً، حيث لا تريد الغالبية العظمى من الأتراك بقاء اللاجئين السوريين في البلاد، وهذا أدى أحياناً إلى أعمال عنف مُغلّف بالعنصرية ضد اللاجئين، فيعيش اليوم 3.7 مليون لاجئ سوري، وصلوا في أعقاب الحرب الأهلية السورية إلى تركيا، ويعيش معظمهم خارج مخيّمات اللاجئين، وفي آذار/مارس 2022، وفقاً لوزير الداخلية التركي ، منحت تركيا الجنسية لـ 200 ألف سوري، دخلوا أراضيها، بينما عاد حوالي 500 ألف سوري “طواعية” إلى الأراضي التي تُسيطر عليها تركيا، في شمال سوريا، وفي أيار، 2022، أعلن أردوغان، أن الحكومة التركية بصدد صياغة خطط لإعادة توطين ما يقارب المليون لاجئ سوري في الأراضي السورية، فتركيا مهتمة للحصول على المساعدة من أطراف خارجية في تمويل بناء مُجمّعات سكنية للاجئين، مُدعيةً أن المناطق الواقعة تحت سيطرتها في شمال سوريا؛ آمنة بما يكفيهم.
على مدى السنوات القليلة الماضية ، كانت عمليات التتريك جارية في هذه المناطق، كما توسّعَ النفوذ التركي، والوجود التركي في جيب إدلب، كما استمرّت تركيا في تحسين روابط النقل إلى المعابر الحدودية بين البلدين، حيث ربطت بعض شبكات الكهرباء في شمالي سوريا بالشبكة التركية؛ كما أصبح مقدمو الخدمة الخلوية التركية يعملون في هذه المناطق؛ وأنشأت تركيا، أكثر من عشرة مكاتب بريدية تركية، في شمال سوريا ؛ تدفع للموظفين العموميين في المناطق الخاضعة لسيطرتها بالعملة التركية، فأصبحت الليرة التركية هي العملة الأساسية في شمال سوريا، كما تمّ تدريس اللغة التركية في مدارس هذه المناطق، وتمّ افتتاح مراكز ثقافية لتعليم اللغة التركية للكبار، وتمرّكز رجال الدين المُعيّنون من قبل مديرية الشؤون الدينية التركية” ديانت”، في المساجد التي افتتحتها تركيا أو جددتها.
إن النفوذ التركي في إدلب، محدود أكثر من المناطق الخاضعة للسيطرة التركية في الشمال، لكنه يتزايد هناك أيضاً، بالإضافة إلى الدعم العسكري واللوجستي للجماعات المتمردة ، فإن اختراق تركيا للحياة اليومية أصبح واضحاً، على سبيل المثال ، منذ عام 2018 ، بدأت تركيا في لعب دور أكثر بروزاً في الاقتصاد المحلي، وأصبح استخدام الليرة التركية، أمراً شائعاً. كما عرضت تركيا فرص عمل وقادت مشاريع تنموية لإعادة بناء البنية التحتية، بما في ذلك السدود والمنشآت الكهربائية والطرق، كما عملت تركيا، خلال العام الماضي، على بناء مجمّعات سكنية للنازحين الذين يعيشون في مخيّمات مؤقتة في إدلب، وتعمل المنظّمات التركية غير الحكومية أيضاً على التنمية في المحافظة، بما في ذلك مشاريع الإسكان والطاقة والثقافة والتمويل.
تطبيع العلاقات: المصالح والعَقبات
لهجة تركيا، التصالحية الأخيرة، والإشارات إلى تطبيع العلاقات مع سوريا، تُمثّل تحولاً بمقدار 180 درجة في السياسة الخارجية التركية، فقد تخدم أردوغان، بطريقتين رئيسيتين؛ أولهما: يُنظر إليها على أنها خطوات نشطة في إدارة مشكلة اللاجئين ومرحلة أولى في إعادة اللاجئين إلى سوريا، إضافة إلى ذلك، يُنظر إلى الحوار مع الأسد، على أنه ضروري في ظلّ الضغط الروسي في هذا السياق، كما عبّرت عنه اللقاءات الأخيرة بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في إطار مفاوضات موسّعة بين أنقرة وموسكو.
في ظلّ نمط التتريك القائم، يبدو أن احتمال انسحاب أنقرة من الأراضي السورية؛ مازال ضعيفاً، وفي ذات الوقت، فإن المعارضة الروسية والإيرانية والأمريكية، لعملية برية تركية أخرى واسعة النطاق في سوريا، فضلاً عن الصِلات المتزايدة بين الكُرد ونظام الأسد، من أجل منع مثل هذه العملية؛ تجعل من الصعب على تركيا، شنّ عملية جديدة بالمقياس الذي تُفضّله، ومن ناحية أخرى، لن تُفضي العملية العسكرية المحدودة، إلا إلى زيادة طفيفة في شعبية أردوغان، في الرأي العام التركي.
في موازاة ذلك، سعى النظام السوري، خلال العامين الماضيين؛ إلى إعادة بناء مكانته الإقليمية، والعودة إلى قلب العالم العربي. وفي هذا السياق، قامت سوريا بتطبيع علاقاتها مع الإمارات والبحرين والأردن ومصر، كما تمّ سماع الدعوات الأخيرة لإعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية، والتي تمّ طردها منها في وقت مبكر من الحرب الأهلية. قد يكون تطبيع العلاقات مع تركيا جزءاً من هذا الاتجاه، وليس أقل أهمية، وقد يؤدي إلى وقف أو تقليل الدّعم التركي للثوار، وبالتالي السماح للأسد، بتوجيه ضربة ساحقة للمعارضة المتبقية لنظامه، ومع ذلك، قد يُنظر إلى المصالحة بين نظام الأسد، وأنقرة، على أنها تنازل عن الأراضي السورية وإضفاء الشرعية على الوجود التركي هناك، إلا أن الأسد يرغب في استعادة السيادة على جميع الأراضي السورية؛ حيث أعلن وزير الخارجية السوري، أن سوريا لم تضع شروطاً مسبقة، لكن التطبيع مع تركيا، لن يتحقق إلا عندما تفي أنقرة بثلاثة مطالب: الانسحاب من الأراضي السورية، وضع حدّ لدعم تنظيمات المعارضة، وعدم التدخُّل في الشأن السوري الداخلي.
هناك عقبة إضافية؛ تتمثّل في الحاجة إلى صياغة “اتفاقية أضنة 2″، في عام 1998، بعد أن أخرجت سوريا؛ الزعيم الكردي المقاوم من أراضيها، وقّعت سوريا وتركيا اتفاقية أضنة؛ التي تنصّ على أن سوريا ستُعلن أن حركة المقاومة الكردية؛ منظّمة إرهابية، ولن تسمح لها بالعمل على الأراضي السورية، بل إن الملحق الرابع من الاتفاقية؛ ينصّ على أنه؛ إذا لم تفي سوريا بالتزاماتها، فقد تدخل تركيا حتى خمسة كيلومترات داخل الأراضي السورية؛ للعمل ضد نشطاء المقاومة الكردية. ومن أجل إعادة بناء الثقة بين الدولتين الآن، يجب أن يكون هناك اتفاق جديد بينهما، أو على الأقل توضيحاً بأن سوريا لا تزال ملتزمة باتفاقية أضنة، ومع ذلك، من المشكوك فيه أن يلتزم نظام الأسد بهذا الهدف وما إذا كان سيتمكن من توفير الضمانات الأمنية التي تطالب بها أنقرة.
بالنسبة إلى المتمردين السوريين في الشمال، يُعتبر تغيير أنقرة لموقفها؛ ضربة كبيرة لهم، بالنظر إلى أنهم كانوا ينظرون إلى تركيا؛ كحليف رئيسي، ومصدر للدعم العسكري واللوجستي، وعملياً، يُشكل الوجود التركي العقبة الرئيسية أمام محاولات النظام بدعم روسي وإيراني؛ تجديد سيطرته على محافظة إدلب. لم يتخلّى سكان المنطقة عن قيم الثورة السورية وهدفها الأساسي المُتمثّل في إسقاط نظام الأسد، كما يخشى سكان شمال غرب سوريا، من فرض عملية سياسية عليهم؛ لا تُلبّي احتياجاتهم، ولكن الثوار ليس لديهم الوسائل لإقناع تركيا بعدم تغيير سياستها، سوى عرض سيناريوهات الفوضى في حال التصعيد في إدلب، ووصول مليون لاجئ آخر إلى الأراضي التركية.
ختاماً، لن يكون طريق التطبيع بين تركيا وسوريا سلساً، لكن أردوغان والأسد؛ قد يستفيدان من الخطوات الأولية في هذا الاتجاه، فيمكن لأردوغان، أن يُقدّم حتى تسوية محدودة، مع اتخاذ خطوات عسكرية قوية ضد حركة المقاومة الكردية في شمالي العراق، وشمال سوريا، كإشارة للجمهور التركي، بأنه يفعل ما هو ضروري للتعامل مع كلّاً من “الإرهاب الكردي” كما يصفه، ومشكلة اللاجئين. وفي الجانب السوري، يمكن للأسد أن يستفيد من التطبيع مع تركيا، كجزء من جهوده لإعادة ترسيخ مكانة سوريا الإقليمية، وكوسيلة لإبعاد تركيا عن تنظيمات المتمردين وتحييد أهم جيب للمقاومة في البلاد.
المقال كتبته غاليا ليندنستراوس وكارميت فالنسي في معهد الدراسات الأمنية الوطنية,(INSS) وترجمته نورث برس.
———————————
سوريون يقفزون من “القارب التركي”: السياسة بددت أحلامنا/ مصطفى رستم
العنصرية وتطبيع أنقرة من جديد مع دمشق دفعا اللاجئين إلى التفكير بالرحيل
فقدت الشابة روز أملها بالبقاء في مدينة تركية احتضنتها في أولى خطواتها خارج وطنها عقب نزوحها من ريف دمشق منذ أكثر من 10 سنوات، فثمة فيض من المحبة بقلبها وذاكرتها نحو المدينة مع أمنيات العيش وإكمال حياتها المهنية والاجتماعية على تلك الأرض، لكنها حزمت حقيبتها الصغيرة بعد أن حسمت أمرها مودعة بدموعها مدينة غازي عنتاب، لتشق رحلة محفوفة بالأخطار نحو لوكسمبورغ علها تجد فرصة هناك.
وبداية النهاية للبقاء حدثت حين سحبت الشرطة من الشابة السورية اللاجئة جواز سفرها مرات عدة تحت ذرائع مختلفة، وبعد مضايقات كثيرة من الشارع حول نشاطها الملاحظ في العمل الإغاثي والذي لم يسعفها، تقول “أوقفت دراسة الماجستير بعلم الاجتماع ودرست المرحلة الجامعية والدراسات العليا هنا وعلى نفقتي، لكن الواقع يزداد سوءاً والمضايقات لم تعد تحتمل وهي تطاول كل اللاجئين”.
ورقة اللاجئين الناجحة
في هذه الأثناء تشهد كل المدن التركية رحلة نزوح جماعية تضم لاجئين معظمهم من فئة الشباب في أعقاب حديث يتردد بشكل لافت عن تقارب بين أنقرة ودمشق، وهنا بدأت الهواجس بقرب إعادة هؤلاء لبلدانهم، ولعل المخاوف سرت بشكل أكبر بين من يمتلكون مواقف سياسية مناهضة للسلطة في سوريا.
ويعتقد رجل أعمال سوري في تركيا طلب عدم الإفصاح عن هويته ولا يمتلك أي موقف سياسي مؤيد أو معارض للسلطة، أن “أنباء تسري عن ضغط من الشارع التركي لإعادة اللاجئين، وحزب العدالة والتنمية الحاكم يسعى إلى كسب أكبر قدر ممكن من المعارضين، وكما في الاقتصاد والمال فالمصلحة أولاً، والمناورة السياسية هي الاستدارة نحو دمشق، وأنقرة تمتلك عدداً ضخماً ليس من اللاجئين بل من المعارضين لدمشق، وأيضاً يمكن أن تفرط فيهم في مقابل نجاح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال الانتخابات المقبلة”.
وكان الرئيس التركي أعلن أثناء سفره بطائرته الخاصة للصحافيين في الـ 18 من أغسطس (آب) الماضي ضرورة التقارب مع دمشق، وقال إنه بحث مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين سبل التواصل مع سوريا.
عدو اليوم صديق الغد
إزاء ذلك يحث النازحون ومعظمهم من الشباب وبعض العائلات خطاهم من تركيا، ويسلكون طرقاً إلى بلغاريا وصربيا، كما يتجهون بحراً بقوارب مطاطية يطلق عليها “قوارب الموت” سعياً منهم إلى حياة كريمة نحو أوروبا، مع أنها ليست أفضل حالاً اليوم مع مأزق إمدادات الطاقة التي تواجهها هذا الشتاء بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية منذ فبراير (شباط) الماضي، ورياح سبتمبر (أيلول) تذكر من قطع الأسلاك الشائكة على الحدود التركية بضرورة العجلة، فالشتاء يطرق الأبواب باكراً في القارة العجوز، وبالتالي فليس هناك متسع من الوقت لاستراحة طويلة بين أشجار السرو والبلوط الخضراء في غابات شاسعة نحو صربيا.
ويقول الشاب مازن وهو يخطو أولى خطواته في رحلة اللجوء الثانية من تركيا إلى أوروبا وكان يعمل ويدرس في إسطنبول حتى طرده صاحب العمل، إن “التوقيت مناسب ولعل التأخر أسابيع إضافية سيجعلنا عرضة لمواجهة البرد”.
في المقابل، يجزم رئيس رابطة اللاجئين السوريين في تركيا مضر الأسعد في حديثه إلى “اندبندنت عربية” بعدم وجود “أرقام دقيقة للهجرة الآخذة بالانتعاش من تركيا، فكلها تحدث تحت جنح الظلام وبطرق غير مشروعة وعبر أقنية عرابوها شبكات تهريب البشر، لكن الأمر يكاد يصبح موجة تُعد الثانية من نوعها منذ عام 2015”. ويضيف، “لعل الضائقة الاقتصادية والتضخم الأعلى نسبة منذ 24 عاماً وبخاصة بعد كورونا وما نتج منه من أوضاع صعبة، إضافة إلى ما أظهره فريق من الشعب التركي من عنصرية، كلها أسباب دفعت الشبان نحو أصقاع العالم، لا سيما أن تركيا هي ممر للمهاجرين السوريين أساساً”.
عنصرية مفرطة
وإزاء هذا الواقع تتسارع وتيرة الهجرة من تركيا باستغلال الرحلة البحرية بقوارب الصيد والانتقال من الشواطئ التركية إلى اليونانية والتي تعد بوابة لدول الاتحاد الأوروبي قبل أن يباغتهم الشتاء بأمواج البحر المتلاطمة، في وقت كشفت فيه وسائل إعلام يونانية عن وصول قرابة 4 آلاف لاجئ من الجنسية السورية وجنسيات دول آسيوية.
ويعزو رئيس الرابطة ما يحدث من تغير في الشارع التركي ونظرته تلك إلى “جملة تغيرات داخلية بدأت عقب أحداث عام 2016 بانقلاب العسكريين الفاشل في هذا العام ضد نظام الحكم التركي، فبعد هذا التاريخ وفي أعقاب الإغلاق بسبب جائحة كورونا مع ما رافقه من ظروف أمنية تتعلق بالإرهاب، باتت تشوب الشارع حال عنصرية مفرطة مع ارتفاع أصوات الأحزاب المعارضة من أجل ترحيل اللاجئين، حتى وصل الأمر إلى اعتداءات وقتل”.
وعلى الرغم من حصول ما يناهز الـ 200 ألف سوري على الجنسية التركية وفق بيانات وزارة الداخلية التركية، يتوقع رئيس رابطة اللاجئين السوريين “تغير هذا الوضع بعد انتخابات يونيو (حزيران) 2023، ومنها النظرة السلبية التي سادت المجتمع التركي، ونتمنى تطبيق القرارات الدولية من أجل إعادة اللاجئين والتي تسهم بإنهاء المشكلات في سوريا”.
التطبيع وعودة اللاجئين
ويحاول حزب التنمية والعدالة الحاكم أن يقتنص أصوات الشارع المعارض، لا سيما نداءات الأحزاب المعارضة بطرد السوريين وإعادتهم، حيث تستضيف تركيا 3.6 مليون سوري لاجئ، وبالتالي تسحب هذه الورقة لمصلحتها بحسب مراقبين، في وقت أعلن فيه رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كيلجدار أوغلو في أغسطس (آب) عام 2021 تغيير السياسة الخارجية لبلاده واستعداده فتح علاقات مباشرة مع دمشق التي يرى فيها ضماناً لعودة اللاجئين إلى أوطانهم.
ويسهم اللاجئون في الاقتصاد التركي أو الزراعة إضافة إلى كونهم ملزمين بدفع الضرائب وجميع الفواتير من خدمات ونقل وغيرها، علاوة عن وصول دعم إغاثي من المنظمات الدولية مما يسهم في دعم الاقتصاد التركي، بحسب قوله، ولا تتكبد الحكومة التركية أعباء استضافتهم.
انحراف البوصلة
وتعد ألمانيا والسويد أكثر دول الاتحاد الأوروبي طلباً للجوء إليها، ووفق بيانات رسمية أعلن عنها بداية عام 2022، فقد وصل عدد السوريين في السويد إلى أكثر من 189 ألف سوري حاصل على إقامة وجنسية، وبذلك أصبحت الجالية السورية الأكبر في البلاد وتمثل ما نسبته 1.7 في المئة من السكان.
وهكذا تحولت بوصلة السوريين ممن يقيمون في تركيا باتجاه أوروبا، ومنذ اندلاع الحرب عام 2011 وصلت مليارات الدولارات من قبل مستثمرين سوريين مع منشآتهم ومعاملهم الثقيلة، بحكم أن البلدين متجاوران، ولعل ذلك دفع إلى أن تكون سوريا البلد الأول في حجم الاستثمار الأجنبي في تركيا، وبالتالي ترسم السياسة وتجاذباتها مصير الوجود السوري.
اندبندنت عربية
———————————-
أزمة بلا سياسة.. حسابات الصفقة الأخيرة في سوريا/ حسين جمو
تضيق دائرة السياسة على الأراضي السورية إلى الحد الأدنى هذه الأيام لتصبح محصورة في اجتماعات ثلاثية تعقدها روسيا وتركيا وإيران كل ستة شهور. خارج هذا الإطار، لم يبق سوى تهريج دولي يضمن رواتب لجيش من الموظفين، سواء الأمم المتحدة أو دوائر دبلوماسية في وزارات خارجية الدول الغربية.
حصيلة سنوات طويلة من الاضطرابات السورية منذ عام 2011 وحتى اليوم، انفصال القضية السورية عن السياسة بمفهوها التجريدي النظري المعروف. ما بقي حالياً هو إعادة تنصيب النظام السوري على رأس الدولة، وهي عملية يعود الفضل فيها إلى ديناميات إقليمية ودولية تتحكم فيها روسيا بشكل أساسي.
فقدت المعارضة السورية نصيبها من السياسة منذ سنوات، وباتت هيكلاً من هياكل الأمن القومي التركي. لم تكن لدى المعارضين الجرأة على تعريف دورهم الجديد، و أسقطوا أنفسهم في “مجزرة” حين انساقوا وراء وهم أن بإمكانهم الفوز بجائزتين يستحيل أن يفوز بهما طرف واحد: وحدة سوريا (وفق صيغة الدولة القومية المختلة) وإسقاط النظام. ولم تمض فترة على الجري وراء هذا الوهم حتى باتت قضية المعارضة الرئيسية، “وحدة سوريا”، تتبع أسلوب “الأنفال” البعثي العراقي، كما حدث في عفرين وسري كانيه وغيرها من المناطق التي تحولت إلى “أرض محتلة” من جانب تشكيلات المعارضة السورية. فباتت هذه المعارضة، حين تخلت عن السياسة لصالح الأمن القومي التركي، قوة خارجية مكتملة الأركان على الأرض السورية.
مع تحول المعارضة إلى قوة خارجية مرتهنة، بقي هناك طرفان إشكاليان، شبه داخليين، لكل منهما ديناميات سياسية محلية وأرضية اجتماعية: النظام السوري والإدارة الذاتية الديمقراطية.
شهد النظام فترات صعود وهبوط، كان من بينها أنه شارف على السقوط منتصف 2015 قبيل التدخل العسكري الروسي. وكانت الإدارة الذاتية أيضاً، حتى قبل تشكلها حين كان التمثيل العسكري محصوراً في وحدات حماية الشعب، على وشك السقوط في كوباني خريف 2014 قبل التدخل العسكري للتحالف الدولي. وأوشكت المعارضة المسلحة على السقوط في معركة إدلب مطلع 2020.
نظراً للفارق البيروقراطي في صناعة وتوجيه السياسة بين الولايات المتحدة وروسيا، ظهر عجز الجانب الأميركي عن مجاراة الروس في السياسة السورية. فالقوة الأميركية، المعزولة في قواعد متناثرة شمال شرق سوريا، ذات حجم صغير لا تستطيع التأثير على أي قرارات يتم اتخاذها في واشنطن، وعجزت عن الوقوف في وجه صفقات دموية تمت بين البيت الأبيض والحكومة التركية على حساب الكرد في سوريا. والملف السوري، وفق مفاهيم البيروقراطية السياسية الأميركية، والغربية عموماً، ليس غنياً ولا يرقى إلى طموحات حاملي الملفات بين أيديهم خلال جولاتهم الدولية. هذه العوامل وغيرها حسمت الثقل السياسي في سوريا لصالح روسيا بلا منازع وباتت الولايات المتحدة تمثل “همرات” عسكرية وشاحنات تنقل كتل إسمنيتة ضخمة قادمة من إقليم كردستان العراق إلى شمال شرق سوريا لبناء مقرات عسكرية وحواجز أمام القواعد الشبيهة بـ”مساكن مسبقة الصنع”.
بين روسيا والولايات المتحدة، كسبت تركيا مساحة سياسية واسعة. أولاً، استولت على “السياسة” الخاصة بالمعارضة السورية سابقاً، ثم قامت بتفعيل دورها الوظيفي التاريخي: لعب دور الساحة المشتركة لكل من واشنطن وموسكو في سوريا. فهي من جهة ما زالت تمثل حلف ناتو في إدلب، وهذا يقع في هوى دائرة واسعة من صنّاع القرار في واشنطن ممن لم يتخلصوا من كراهية الشيوعية السوفييتية ويعتبرون روسيا امتداداً للحرب الباردة. وفي المناطق ذات النفوذ الأميركي، شرقي الفرات، تمثل تركيا مصدر إزعاج للتحالف الدولي وفق الحسابات الروسية، وأداة استراتيجية لا غنى عنها لإسرائيل لجهة منع إيران حيازة مزيد من المساحات الجغرافية في سوريا. وهذا – وفق رؤية إسرائيل – لا يكون سوى بتوسيع الوجود التركي قدر الإمكان.
هذه المعادلات، الخاصة بكل من روسيا والولايات المتحدة وتركيا، أكبر من قدرة كل من النظام وقوات سوريا الديمقراطية على المشاركة فيها. وحين حاولت الإدارة الذاتية، عبر مجلس سوريا الديمقراطية، الحديث في السياسة مع “هؤلاء”، حظي الفيتو التركي بإجماع كافة الأطراف. هكذا، تم إجراء هندسة “مثالية” للوضع في سوريا تمهيداً لفرض الرؤية الثلاثية (الروسية التركية الإيرانية). وحقيقةً، لا يمكن تجاهل الدور الإسرائيلي الحاضر في إسناد تركيا، بكافة السبل، تحت فرضية أن أي نفوذ تركي إضافي يحرم إيران من نفوذ إضافي آخر. تتمثل هذه الهندسة في السماح فقط بتنمية الجانب العسكري في قوات سوريا الديمقراطية مقابل إجماع كافة الأطراف على شلها سياسياً. وهذه معادلة ليست اكتشافية، بل معروفة لأي شخصية على صلة بالإدارة الذاتية، التي حاولت على مدى سنوات كسر هذا الحصار من دون أن تنجح. وليس السبب هنا النقص في “خطابها الإقناعي” كما يتوهم المتوهمون.
على الجانب الآخر، لم تكتمل بعد معادلة المعارضة السورية، وهي معكوسة مقارنة مع قسد، أي تجريدها من القوة العسكرية وإبقائها جسماً سياسياً شكلياً يلتهي أربابها بتهريج مفصّل مسبقاً يسمى “اللجنة الدستورية”. في المرحلة الحالية، ما زالت تشكيلات المعارضة المرتهنة لتركيا تحظى بقوة عسكرية احتلالية داخل سوريا. لكن جرى الفصل بين العسكر والساسة منذ سنوات. والمرجح أن التسوية المقبلة هو تقليصها عسكرياً أكثر وأكثر وإبقائها فقط ضمن مجموعة من حملة الملفات الورقية في “اللجنة الدستورية”. ويرتبط مسار تقزيم المعارضة العسكرية بالصفقة التي تلوح في الأفق والتي ستحسم الصورة النهائية للصراع السوري.
في الاجتماع الأخير لـ”صيغة أستانا” في طهران، الشهر الماضي، حدثت متغيرات على الأرض من دون الإعلان عن اتفاق بشأنها في بيانات الاجتماعات الثنائية والثلاثية في طهران. فقد زادت وتيرة القصف التركي عبر المسيّرات في مناطق قوات سوريا الديمقراطية، وطالت مدينة القامشلي نفسها، وأدت في المحصلة حتى الآن إلى فقدان عشرات المدنيين والعسكريين حياتهم. وارتفعت وتيرة القصف بعد أن أظهرت تصريحات “أستانا” أن أي عدوان تركي جديد أمامه خط أحمر روسي وإيراني. إلا أن ما تشير إليه الوقائع “المسيّرة” أن هناك اتفاقاً غير معلن تم في طهران. هذا الاتفاق يرسمه مسار الأحداث والتطورات. ففرضية وجود اتفاق غير معلن ليس تسريباً لمعلومة إنما مسار تقود إليه الأحداث. ويفترض هذا الاتفاق أنه يتضمن عرضاً إيرانياً وروسياً إلى تركيا بأن تمتنع الأخيرة عن شن أي عمل عسكري جديد مقابل أن تحصل على النتيجة ذاتها، أي إنهاء تجربة الإدارة الذاتية بصيغتها الحالية، بما في ذلك الجانب العسكري، وهو الأهم بالنسبة لتركيا. يكون ذلك عبر تقدّم النظام في مناطق الإدارة الذاتية كحل وسط بين الأطراف الدولية الثلاثة. وبما أن التجارب السابقة تشير إلى أن الإدارة الذاتية لديها صلابة في التمسك بمطالبها أمام النظام، فإن الجزء المطلوب من تركيا في هذه الحالة توجيه ضربات مكثفة عبر المسيّرات في مناطق شمال وشرق سوريا، و هو ما يحدث منذ نهاية اجتماع طهران.
الحل الإيراني الروسي، وفق المعطيات، يتمثل في إحلال النظام محل الإدارة الذاتية. وهذا حل يحظى بقبول تركي غير مسبوق وفق تصريحات المسؤولين الأتراك، بما فيهم الرئيس رجب طيب أدروغان. الجزء المطلوب من أنقرة تكثيف الهجمات وتحويل الحياة في مناطق الإدارة الذاتية إلى جحيم اجتماعي واستنزاف عسكري لقيادات قوات سوريا الديمقراطية. وواقع الحال، أن هذا السيناريو يتقدم بتسارع. فالنظام قدر سوريا لمرحلة أخرى من المستقبل وفق الإرادات الخارجية الثلاث: روسيا وإيران وتركيا. أما داخلياً، تقاعدت المعارضة عن هدف إسقاط النظام وتبنت “وحدة سوريا العروبية”. وقد يستفيد النظام من وجود شكلٍ لهم داخل أي حكومة مستقبلية كطرف عصبوي عنصري وظيفته الوحيدة تعطيل أي شكل تعددي في سوريا “النظام”.
لم يعد هناك الكثير من هامش الانتظار بالنسبة إلى القوى المستهدفة في شمال شرق سوريا. فالمساحة القليلة المتبقية من السياسة هي تقليل القواسم المشتركة بين أنقرة ودمشق. ويتطلب ذلك خطوات مؤلمة، لكن ضرورية، قد يكون أولها حسم مسألة التعاون مع التحالف الدولي الذي تحول إلى أداة أخرى من أدوات تعطيل السياس
مركز الدراسات الكردية
—————————-
===================
تحديث 17 أيلول 2022
————————
هل التطبيع مع نظام الأسد ثمن للفوز بالانتخابات التركية؟/ مثنى عبد الله
ليست مفاجأة أن تكون الاستدارة التركية هذه المرة نحو النظام السوري، فهي حلقة جديدة ضمن سلسلة من المتغيرات التي رانت على مواقف أنقرة. البعض سماها سياسة تصفير المشاكل، فيما اعتبرها آخرون امتدادا في مسار التحولات السياسية والميدانية، سواء من جهة تعميق التحالف مع روسيا وإيران، أو من جهة العبء الكبير الذي يشكله الوضع الداخلي السوري على تركيا، والذي يضغط في لحظة سياسية مهمة، ألا وهي اقتراب الاستحقاق الانتخابي في العام المقبل.
ومع أن التصريحات الصادرة من أنقرة هذه الأيام، حول الاتصالات مع النظام السوري، وإمكانية إعادة العلاقات معه، ودعم تركيا لفكرة السلام بين دمشق والمعارضة السورية، تبدو كلها خروجا واضحا عن الخط السياسي الذي انتهجته في هذا الملف خلال أكثر من عشر سنوات، لكن أساس هذا التوجه لم تُوضع لبناته الآن، فقبل بضعة أشهر أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على التصريحات التي ذكرها المستشار إبراهيم كالن قبل عامين، عندما قال إن هناك تواصلا مع دمشق عبر القنوات الاستخباراتية بين البلدين، تلاه تصريح لوزير الخارجية التركي تحدث فيه عن لقاء جرى بينه وبين وزير الخارجية السوري قبل عام من الآن، وحديث عابر بينهما على هامش مؤتمر عدم الانحياز، قبل فترة قصيرة. وأخيرا تصريحات للرئيس التركي نفسه يقول فيها، ألا أطماع لبلاده في الأراضي السورية، وأنه لا يستبعد إجراء حوار مباشر من الحكومة السورية.
يبدو واضحا أن هذه المواقف التركية هي نتاج لمنظومة أستانة، التي تشكلت لرعاية مصالح الأطراف الرئيسية المتحاربة في سوريا وهي، تركيا وإيران وروسيا، حيث إن الحرب في سوريا كانت تجري بين أطراف تدعمها تركيا سياسيا وعسكريا وماليا وإعلاميا، وأخرى تدعمها كل من روسيا وإيران سياسيا وعسكريا وماليا أيضا. ومنذ أن شاركت تركيا في أستانة، كانت النتائج على الأرض سقوط حلب بيد النظام السوري وتلتها مناطق أخرى، واليوم يبدو أن هنالك تطورات أتت وأخرى ستأتي بعد قمة طهران بين بوتين وأردوغان ورئيسي، وكذلك بعد قمة سوتشي بين الرئيسين الروسي والتركي، حيث تبدو هنالك مؤشرات على إمكانية حصول حديث هاتفي بين الرئيس التركي ورئيس النظام السوري في الأيام المقبلة، فبعد اللقاء الأخير في سوتشي، ذكر الرئيس أردوغان أن بوتين طلب منه التعاون مع النظام السوري، ويبدو واضحا أنه كان هنالك إصرار تركي على روسيا في قمة سوتشي، باتجاه تنفيذ العملية التركية التي وعدت بها أنقرة في الشمال السوري. في المقابل كان هنالك مقترح روسي لتركيا، في التحرك لتطبيع العلاقات مع دمشق، كحل أفضل من العملية العسكرية. وقد سبق ذلك قيام موسكو بدفع كل من الأكراد والنظام السوري للتعاون العسكري في ما بينهما، في سبيل كبح جماح أنقرة من القيام بالعملية العسكرية. ويبدو أن هذه الخطوة نالت مباركة واستحسان واشنطن أيضا. السؤال الآن هو، هل من السهل على تركيا أن تذهب إلى مصالحة مباشرة مع النظام السوري؟
إن التغيرات في السياسة الخارجية التركية لم تقتصر على الملف السوري فقط، بل شملت عددا كبيرا من الدول، ومتابعة هذه التغيرات تشير إلى أنه منذ عام ونصف العام من الآن، بدا أن هناك سلوكا سياسيا تركيا مختلفا عن سابقاته، شمل مصر والسعودية والإمارات وإسرائيل والاتحاد الأوروبي وأمريكا أيضا، لكن التأخر في الانفتاح على الملف السوري كان بسبب مراهنات على حلول أخرى، بدلا من التطبيع مع نظام الأسد، منها القيام بعملية عسكرية في الشمال السوري، وتوسيع المنطقة الآمنة كي تستوعب مليون لاجئ سوري، لكن تعذر حصول موافقة الأطراف الدولية والإقليمية الموجودة على الأرض السورية على العملية، دفع تركيا للقبول بالضغوطات الروسية والإيرانية بالانفتاح على النظام السوري. وقد بدا المؤشر على ذلك واضحا عندما زار وزير الخارجية الإيراني قبل قمة طهران كلا من دمشق وأنقرة، وتحدث بصورة مبهمة عن سلام ما. لكن وجود وزير الخارجية السوري في إيران أثناء انعقاد قمة طهران بدا وكأنه ليس مصادفة، ثم حصل التطور في قمة سوتشي بين أردوغان وبوتين، التي طلب فيها الأخير من الرئيس التركي فتح الحوار مع النظام السوري، ومع كل ذلك فإن حصول تطبيع كامل بين دمشق وأنقرة ليس بالأمر السهل في الوقت الحالي. قد يبدو ما يسمى مكافحة الإرهاب هو القاسم المشترك بين الطرفين، وكذلك إبعاد الوحدات الكردية عن الحدود، وقد تحدث وزير الخارجية التركي عن إمكانية دعم النظام في ما يتعلق بمحاربة (قسد)، لكن اختلاف الأهداف بين الطرفين قد يقضي على أي أمل بالانفتاح السريع. أنقرة تريد ضمان وقف عمليات حزب العمال الكردستاني، تسهيلا لإعادة مليون لاجئ سوري في غضون الأشهر المقبلة. ودمشق تريد استعادة سيطرتها على شمال سوريا، وهذا يتطلب انسحاب الأتراك وتقليص دعمهم للمعارضة السورية. فهل يدخل العامل الانتخابي في قرار الانفتاح التركي على النظام السوري؟ يذهب البعض إلى جعل الانتخابات التركية في العام المقبل هي أساس بوادر التطبيع من قبل أنقرة. صحيح أن النقطة الأهم بعد عام 2019 كانت الانتخابات المحلية التركية، التي خسر فيها حزب العدالة والتنمية بلديات كبرى ومهمة مثل إسطنبول وأزمير وغيرها، ما دفع الحزب للتفكير بشكل جدي لإيجاد حل للملف السوري، لكن الحقيقة هي أبعد من مسألة الانتخابات ووجود اللاجئين السوريين، هي قرار سياسي تركي بإعادة التموضع في الملفات الأساسية في المنطقة، كما أن أنقرة بدأت تعتقد أن روسيا وإيران يمكن أن يقدما لها ما يساعدها في ملف الاقتصاد، وكذلك في موضوع الإرهاب من خلال توسيع المنطقة الآمنة في الشمال السوري، من دون عملية عسكرية. أيضا يدخل في هذا الجانب رغبة أردوغان في تلبية ما يريده بوتين بتطبيع أولي مع النظام السوري، عله يقطف بعض ثمار موقفه المزدوج في الحرب الأوكرانية، بين روسيا من جهة والغرب والولايات المتحدة من جهة أخرى، بعد أن لم تتحقق رغبته في العملية العسكرية في الشمال السوري.
يقينا لقد خسرت المعارضة السورية أكبر داعميها، وإذا كانت الكيانات الرسمية لهذه المعارضة، التي دربتها وسلحتها أنقرة، مثل المجلس الوطني السوري، والجيش الوطني السوري، ما زالوا يؤكدون أن مصيرهم مرتبط بالمصير التركي، فالأكيد أن حسابات أنقرة ليست مرتبطة مصيريا بمصير المعارضة السورية. كما يبدو أنه في الوقت الذي تأخذ فيه موسكو قرارات بالنيابة عن النظام السوري، فإن أنقرة تأخذ قرارات بالنيابة عن المعارضة السورية، وتقول إنها قدمت الدعم الكامل لهم ولهيئة التفاوض، لكنها اليوم تؤكد أن المسار السياسي لا يشهد تقدما، بسبب ما وصفته بمماطلة النظام السوري، حسب بيان الخارجية التركية، الذي جاء في رد فعل على التظاهرات التي خرجت في الشمال السوري مستنكرة دعوة تركيا للمصالحة بين النظام والمعارضة، لكن العبرة في التطبيق وليس في اتخاذ القرارات. فالنظام السوري يريد مصالحة مجانية من دون أن يقدم أي شيء للمعارضة، حتى مسألة الانتقال السياسي ضربها عرض الحائط.
كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية
القدس العربي
——————–
تغيير سلوك النظام السوري من وجهة نظر تركية/ محمد السكري
تعود المواقف التركية لخلط الأوراق من جديد، على الساحة الإقليمية تجاه النظام السوري، بعد تصريحات ألقاها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 9 أيلول/ سبتمبر، 2022 بأنّ النظام لم ولن يغير موقفه من التنظيمات الإرهابية أي حزب العمال الكردستاني المصنف على قوائم الإرهاب.
يلحظ في هذه التصريحات الجديدة على مستوى الرئاسة، ربط مسار بدء إعادة علاقات جديدة بين تركيا والنظام، بقدرة الأخير على توضيح مواقفه حول حزب العمال، وتطويره من مواقف سياسية إلى مقاربات جديدة بالتنسيق مع روسيا وتركيا ضد الإدارة الذاتية، رغم علم أنقرة بالدعم الذي يقوم به النظام من خلال روسيا وإيران أو بتوجيه منهما لحزب العمال وبعض التنظيمات المرتبطة به بشكل مباشر، لكنها ما زالت تبحث عن مبررات يمكن أن يقدمها لها، عبر الإيحاء بأنه سيقوم بمحاربة تلك التنظيمات لأجل إيجاد مصوغٍ للتقارب تندرج في إطار أدوات بناء الثقة.
المقاربة التركية الجديدة، هي ذاتها مقاربة “تغيير سلوك النظام” التي طرحتها واشنطن منذ العام (2018) وأكّدت عليها المملكة الأردنية الهاشمية
وهذا يعني، حتّى أدوات بناء الثقة تبدّلت لدى الجانب التركي، من تلك المتعلقة بالقرارات الدولية الخاصة بوقف إطلاق النار، وإخراج المعتقلين، وتحقيق تقدم في العملية السياسية، إلى ارتباطات أمنية متعلقة بالأمن القومي التركي.
الحقيقة، أن المقاربة التركية الجديدة، هي ذاتها مقاربة “تغيير سلوك النظام” التي طرحتها واشنطن منذ العام (2018) وأكّدت عليها المملكة الأردنية الهاشمية ضمن مسار خطوة بخطوة (2021) من حيث العنوان العريض لها والمخرجات التي قد تؤدي للتراجع عن تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات كما نصّ بيان جنيف 1 (2012)، لكن الاختلاف الجوهري بأن واشنطن، ربطتها بقدرة النظام على إنهاء العنف ضد شعبه، والتراجع عن دعم القوات غير الحكومية الإيرانية أي الميليشيات.
بينما يمكن القول إنّ التصور والتفسير التركي، يركّز أكثر على ضرورة إنهاء مشروع الإدارة الذاتية بما في ذلك تنظيمات حزب العمال ومن ثم البدء بعملية إصلاحات من خلال مسار المصالحة الذي سبق وأن قامت بطرحه، باعتباره من الأصل مساراً روسياً-إيرانياً.
ويُرى في هذه النقطة، مدى الاستعداد التركي في التخلي عن مواقفها “الحادّة” تجاه الثورة السورية، لتصبح أكثر مرونة، فقط في حال استجابت موسكو وطهران لمطالبها كذلك بالطبع النظام، الأمر الذي يبدو صعب التحقيق ضمن المعطيات الراهنة، لعدة أسباب ربما على رأسها التخوف الروسي-الإيراني من مناورة أنقرة في الملف بغرض إنهاء التنظيمات الإرهابية وعودة التركيز على دعم المعارضة السورية “عسكرياً”.
في حين، تلعب واشنطن دوراً محورياً في التخوفات التركية، لأنّها تعتبر من القوى الأساسية التي تدعم الإدارة الذاتية ولا سيما “قوات سوريا الديمقراطية” التي بدورها أكثر تماهياً مع الموقف الأميركي منه الروسي والإيراني، مما يعني صعوبة أن تكون تلك القوى ضمن الطرح الروسي-الإيراني-التركي، في حال عدم القدرة على إقناع واشنطن، التي على ما يبدو ما زالت مصرة على مواقفها حول العملية العسكرية التركية.
في الواقع، إن الانعطاف التركي، نحو مقاربة التقارب مع النظام أتى بضغطٍ روسي إيراني خلال قمّة طهران الأخيرة (2022)، وتم ربطه بوعودٍ متعلقة في العملية العسكرية، أكثر مما تكون ضغطاً داخلياً ضمن الحياة السياسية التركية، بالرغم من أهمية عامل ضغط أحزاب المعارضة في تركيا على التحالف الحكومي إلّا أنّ ذلك لا يمكن أن يسهم في تغيير مواقف استراتيجية كاملة، بل قد يكون عاملاً إضافياً، وهذا يدفع للقول إنّ عدم قدرة موسكو على الإيفاء بالتزاماتها حول العملية العسكرية التركية قد يسهم في العودة إلى نقطة الصفر وهذا على ما يبدو يمكن تتبعه من خلال التصريحات الأخيرة التي أتى بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
تعلم أنقرة، بأنّ النظام، غير قادر على الكف عن دعمه لحزب العمال، لكون الأخير يعتبر ذراعاً مهماً له، ولا يمكن التخلي عنه، لأنّ ذلك قد يعني تعرّض المنطقة التي يفرض السيطرة عليها للفراغ الكبير ولا سيما في الوقت الذي يُعاني به النظام من ضعفٍ من حيث عدد القوات وصعوبة تغطية الفراغ الذي قد يخلفه هذا القرار.
ما عدا عدم ثقته بمواقف أنقرة، التي على ما يبدو لن تتوقف عن دعم المعارضة السورية في هذه المرحلة، وهي من الأساس تعمل جاهدة على فصل تلك المتناقضات عن بعضها البعض، فعودة العلاقات مع النظام لا تعني التنازل عن دعم المعارضة ولا يمكن إغفال عنصر الوقت عن المرحلة ما قد يعني أن النوايا التركية قد تكون تشكلت بما يفرضه ضرورة إدارة المرحلة وفق معطياتها الراهنة.
وقبل كلّ شيء، من المهم تتبع السياسات التركية الجديدة، في المنطقة تجاه الانفتاح على الدول الإقليمية، من ضمنها الملف السوري، والتي يشوبها عراقيل كثيرة، على رأسها التخوفات من حيث فوارق القوة في العلاقات الدولية، التي من الصعب تجاوزها، أي تلك المرتبطة بتوسع أنقرة من الناحية الجيوسياسية خلال العقد الأول من ثورات الربيع العربي.
على هذا الأساس يمكن طرح سؤالين في الإطار ذاته، الأول: هل يمكن أن تتقبل الدول الإقليمية تركيا في حلتها الجديدة كدولة إقليمية تنافس على المركز؟ والثاني: هل لدى أنقرة الاستعداد للتنازل عن مكاسبها الماضية؟ ولعلّ في الإجابة عن تلك الأسئلة يسهل في بلورة تصور أولي عمّا ستؤول إليه سياسات التقارب مع النظام السوري بشكل خاص.
تلفزيون سوريا
—————————–
أنقرة وانعكاسات التقارب في الملف السوري/ فراس رضوان أوغلو
مع اقتراب الانتخابات التركية المزمع إجراؤها في يونيو/حزيران من العام المقبل، تبرز تحديات كبيرة أمام حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يدرك صعوبة الانتخابات هذه المرة، في المقابل يسعى معارضوه للإطاحة به، في ظل وضع اقتصادي صعب تعاني منه تركيا التي كانت تطمح لتكون عاشر دولة اقتصادية في ٢٠٢٣.
في ظل هذا الوضع، تحول الملف السوري إلى ورقة ساخنة ليست بعيدة عن القضايا الداخلية وتستثمر فيه عدة أطراف سياسية، ويرافق ذلك محاولات تركية لإعادة ترتيب عودة اللاجئين السوريين وسعي الحزب الحاكم للتهدئة مقابل تصعيد المعارضة ضده.
في الوقت الذي تدعو فيه تركيا للتقارب مع النظام السوري، ترى المعارضة التركية أن تصريحات الخارجية التركية انتصار لمطالبها التي دعت إليها من قبل وتحاول استثمار هذه التصريحات لمصلحتها في حين ترى الحكومة في تركيا أن التقارب أصبح أمراً ضرورياً، بعيداً عن أي ضغط من المعارضة.
تركيا أمام اختبار صعب في حال تراجعت ثقة هذه الفصائل بتركيا، وقد يختار بعضها التنسيق مع أميركا ومغادرة تركيا، وهذا يعني فقدان تركيا التأثير في الملف السوري
أول انعكاسات هذا التقارب سيتجلى أمام المعارضة السورية لأنها أصبحت أمام أمر واقع مغاير، فالنظام الذي ثارت عليه تتعزز قوته أكثر، والحليف تغيرت معادلته في الوقت الحالي وفقاً لمصالحه الجديدة، ويظهر أن أي تسوية قادمة ستؤدي إلى إعادة ترتيب السلطة وإشراك المعارضة، وهذا التوجه التركي يصطدم مع حسابات القوى الثورية.
ومع هذا فمن مصلحة تركيا ألا تفرط بورقة المعارضة، لأنها من الأوراق الرابحة في عملية التفاوض والضغط إقليمياً ودولياً، ومن ثم فإن تركيا أمام اختبار صعب في حال تراجعت ثقة هذه الفصائل بتركيا، وقد يختار بعضها التنسيق مع أميركا ومغادرة تركيا، وهذا يعني فقدان تركيا التأثير في الملف السوري، في حال تراجع ثقة المعارضة السورية بتركيا.
وثاني هذه الانعكاسات في حال التقارب السوري التركي سيؤثر في المكونات “الكردية” إذا صح التعبير في الشمال و الشرق السوري كما أنه قد يعيد تنظيم الدولة للواجهة من جديد، خصوصاً إذا لم يحظ التقارب بمباركة أميركية، حيث يظهر أن ملف الإرهاب أصبح من الأوراق التي يسهل تفعيلها لمواجهة أي تسويات حقيقية في المنطقة، كما يظهر أن مناطق النفط التي تسيطر عليها “قسد” تتيح لها التحكم في هذه الورقة، وقد تستثمرها في حال كان هناك ضغط إقليمي ودولي تتعرض له، ولهذا يبدو أن الخيارات التركية في التعامل مع “قسد” محدودة في ظل هذا الوضع، وعليه فإن الإقدام على تفاهمات مع النظام السوري بعيداً عن الملف الكردي قد تكون لها انعكاسات سلبية.
أما في ملف اللاجئين فلا يمكن الحديث عن ضمانات حقيقية للعودة وخصوصاً من تركيا، إذ من المؤكد أن النظام السوري وحلفاءه الدوليين يقفون ضد أي عملية عسكرية تركية جديدة في الأراضي السورية، ومن ثم فإن فرص تقديم حماية تركية للاجئين تبدو ضئيلة
ثالث هذه الانعكاسات هو الدول الفاعلة في الملف السوري وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية والتي قد تعود للواجهة بقوة هذه المرة إذ من المتوقع أن يثير التقارب التركي مع النظام السوري برعاية روسية غضب الولايات المتحدة الأميركية الرافضة للتقارب، لأنها ترى فيه استهدافاً لها في المنطقة، ومن ثم قد تلجأ هي الأخرى إلى التنسيق مع المعارضة السورية خصوصاً أنها لا تزال محتفظة بعلاقات جيدة بهيئة التفاوض السورية ومنها سوف تقوم بإعادة إحياء الملف السياسي السوري في جنيف بعيداً عن أستانا علاوة على قدرتها على التأثير في الورقة الكردية.
ويمكن اعتبار روسيا الانعكاس الرابع فهي تدرك أهمية تركيا كمتنفس لها في ظل الحصار الأميركي والأوروبي لها بعد إعلانها الحرب على أوكرانيا، وتركيا في ظل وضعها الاقتصادي المتأرجح استفادت من تدفق بعض الأموال الروسية في البنك التركي، ولهذا تراهن أنقرة كثيراً على موسكو فيما يتعلق بالملف السوري، فحتى الآن كل المعطيات تدل على رفض النظام في دمشق تقديم تنازلات في هذا الموضوع في حين تضغط روسيا باتجاه المصالحة وتشجع حزب العدالة والتنمية على الانخراط فيها لأنها وفق رؤية موسكو ستكون مفيدة جداً في الانتخابات المقبلة وسحب الملف السوري من يد أوروبا وأميركا في استغلاله ضد أنقرة وتدرك هذه الأخيرة بأنه إذا أرادت فرض بعض الشروط سواء معاهدات أو اتفاقيات على دمشق فلن يتم دون ضغط من موسكو.
تلفزيون سوريا
————————-
تركيا لم تطلب من الائتلاف المغادرة..العلاقات أصبحت باردة/ عقيل حسين
نفى الائتلاف الوطني السوري مجدداً أن تكون الحكومة التركية قد طلبت منه مغادرة أراضيها، بينما استبعد محللون أن يحدث ذلك في الوقت الحالي، رغم وجود تغير في التعاطي مع المعارضة السياسية السورية مؤخراً، الأمر الذي يثير قلق الائتلاف.
وقالت وكالة”سبوتنيك” الروسية الرسمية إن “جهاز الاستخبارات التركي أبلغ أعضاء الائتلاف السوري المعارض بضرورة مغادرة الأراضي التركية قبل نهاية 2022”. ونقلت عن مصادر أن “هذا البلاغ جاء بعد قرار سياسي تم اتخاذه في تركيا مؤخراً على خلفية التقارب مع النظام السوري برعاية روسية-إيرانية”.
لكن رئيس الائتلاف سالم المسلط نفى بشكل حاسم هذه المعلومات، مؤكداً أن هذا الكلام لم يصدر عن أي مسؤول تركي.
وأضاف في رسالة قصيرة وزعها على مراسلي وسائل الإعلام، بعد نشر الوكالة الروسية تقربرها مساء الثلاثاء، أنه “لا صحة لكثير من الأخبار التي راجت خلال الأيام الأخيرة عن الائتلاف”، مشيراً إلى استمرار موقف تركيا “الثابت من الثورة ومن مؤسسات المعارضة دون وجود أي تغيير”.
وسبق للائتلاف أن نفى تقريراً مشابهاً نشرته وكالة “تسنيم” الإيرانية للأنباء، وتحدث عن طلب تركي مماثل، الأمر الذي يستبعده أيضاً السياسي السوري المعارض سمير نشار.
وقال نشار ل”المدن”: “ليس من مصلحة تركيا أن تتخلى عن ورقة سياسية تمتلكها هي مؤسسة (الائتلاف) بل تريد الاستفادة منها في أي صفقة مع الروس والنظام، وهنا يجب ألا ننسى مسار أستانة وكيف حققت تركيا من خلاله صفقات مهمة خارج سوريا، ولولا وجود أوراق بيدها تتعلق بالمعارضة لما تمكنت من ذلك”.
نشار المقيم في اسطنبول، ذكّر بأن تركيا وعندما أرادت التخلص من المجلس الوطني السوري توقفت عن دفع إيجار مقره أولاً، ومن ثم سحبت السيارة الممنوحة لرئيس المجلس وقتها، واليوم فإنها لو أرادت التخلص من الائتلاف فلا ضرورة لمطالبته بمغادرة تركيا، وستكتفي بالتوقف عن تمويله وإخلاء مقره فقط.
لكن تمويل الائتلاف بدا مسألة ملحّة مؤخراً، حيث تعاني المؤسسة على هذا الصعيد، إلى حد تحذير البعض من أن وفد المعارضة لن يكون بإمكانه السفر إلى نيويورك لحضور اجتماعات الهيئة العامة للأمم المتحدة.
وكانت رواتب أعضاء الائتلاف قد تأخر توزيعها خلال الشهرين الماضيين، ورغم أن هذه الرواتب ومصاريف المؤسسة تقدم كمنحة من دولة قطر، إلا أن تركيا هي من يقوم بصرفها.
وأكد مسؤول بارز في الائتلاف ل”المدن”، أن سفر وفد المعارضة لن يتعثر لأسباب مالية، وأنهم بانتظار الحصول على التأشيرات. لكنه قال إن “عدم تبرع أي دولة بتحمل مصاريف سفر وفد الائتلاف إلى نيويورك، كما كان يجري خلال الأعوام الماضية، سيشكل عبئاً على خزينة المؤسسة بلا شك، خاصة وأنها تعاني مؤخراً، لكن ليس لدرجة عدم قدرتها على تغطية تكاليف سفر الوفد”.
ورغم استبعاد أن تكون أنقرة قد طلبت من الائتلاف مغادرة الأراضي التركية، إلا أن بروداً واضحاً يخيم على العلاقات بين الطرفين، وبينما يعتقد أن ذلك نتيجة للتفاهمات الروسية-التركية الأخيرة حول الملف السوري، تؤكد مصادر في المعارضة أن أنقرة غير راضية عن أداء الإئتلاف في ما يخص إقناع الرأي العام المعارض بالتوجهات التركية الجديدة.
المدن
———————————-
تقرير: رئيسا المخابرات التركية والسورية تحدثا سويًا
يأتي تقرير موقع “إنتليجنس أونلاين” من باريس، وسط تقارير عن تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، رغم تهديد أردوغان بشن عملية جديدة على الأراضي السورية.
وأضاف الموقع أنه في حين فشل الاجتماع الذي سهلته روسيا بين رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان ونظيره السوري علي مملوك في تحقيق نتائج مقنعة، فقد سمح للطرفين بالتعبير عن موقفهما ومطالبهما.
أصدر مسؤولون أتراك كبار في الأسابيع الأخيرة بيانات تشير إلى التمهيد لمحادثات بين دمشق وأنقرة، بعد أكثر من عقد من التوترات.
وكانت تقارير سابقة ذكرت أن قادة في المخابرات التركية يلتقون مع نظرائهم في المخابرات السورية.
وأكد الرئيس رجب طيب أردوغان الشهر الماضي، تقارير عن تطبيع العلاقات مع دمشق، منوها بأن تركيا لا تسعى لإزاحة بشار الأسد، على النقيض من التصريحات السابقة في هذا الصدد.
أردوغان قال: “لا يشغلنا هزيمة الأسد من عدمه.. كل الخطوات التي اتخذناها مع الروس في شمال سوريا وشرق وغرب الفرات هدفها القتال ضد الإرهاب”(لا الحكومة السورية)، على حد قوله.
كانت حكومة حزب العدالة والتنمية تدخلت في الحرب الأهلية السورية المستمرة منذ 11 عامًا إلى جانب المعارضة، لتنقلب علاقة الصداقة بين أردوغان والأسد إلى عداوة.
شنت تركيا منذ عام 2016 أربع عمليات عسكرية عبر الحدود في شمال سوريا استهدفت القوات الكردية، لمنع تشكيل ما تسميه ممرًا إرهابيًا، ويسيطر الجيش التركي حاليا على مساحات من الأراضي في شمال سوريا بالتعاون مع مقاتلين سوريين متحالفين مع أنقرة.
ولم يحدد إنتليجنس أونلاين ما إذا كان الاجتماع بين فيدان ومملوك، تم عبر الإنترنت أم بشكل شخصي.
قال الرئيس التركي الشهر الماضي إن تركيا تحتاج إلى اتخاذ “خطوات أوسع” مع دمشق، مضيفًا أن أنقرة لا تستطيع قطع العلاقات الدبلوماسية تمامًا مع نظام الأسد، وذلك رغم أنه كرر منذ مايو الماضي خططه لشن هجوم جديد على الدولة المجاورة.
زمان تركية
——————
عن سوريا المتروكة لإيران وتركيا/ عبدالناصر العايد
يوماً بعد آخر تصبح الصورة أكثر جلاء، فمصير سوريا تقرره القوتان الإقليميتان الأقوى، تركيا وإيران، أو بالأحرى المصالح القومية لكل منهما، وهو ما صار بارزاً في هذه المرحلة، في ظل تراجع دور روسيا الغارقة في أوكرانيا، والولايات المتحدة المشغولة بالصين. أما إسرائيل فتفعل ما يكفي لحماية مصالحها وأمنها ولا شيء آخر، ولا أحد يعرف سر نأي الدول العربية بنفسها عن الشأن السوري، لكن السبب على الأرجح هو الافتقار الى استراتيجية واضحة، مغلفة بتبكيت السوريين لاختيار فرق منهم الفرس نصيراً، واختيار فريق آخر للأتراك ولياً، وإدارة الظهر للأشقاء.
لن ألجأ هنا إلى خرائط توزع السيطرة على الأرض السورية، فالحدود أحياناً خادعة، أما عذابات البشر فصادقة، وذروة ما عاناه السوريون يتبدى في ركوب الأهوال للفرار من أرض الآباء والأجداد، أي تجربة اللجوء التي بلغت أقاصي الأرض شرقاً وغرباً.
فاليوم ثمّة موجة لجوء سورية كثيفة، وكل يوم يدخل بلدان الاتحاد الاوربي نحو 500 لاجئ جديد، على غرار موجة العام 2015 التي حملت نحو نصف مليون سوري إلى بر الأمان.
وقد أخبرني صديق مطلع على أحوال المخيم المركزي للاجئين في هولندا، على سبيل المثال، إن نصف طالبي اللجوء هناك من مناطق سيطرة النظام، التي تسيطر عليها إيران فعلياً، والنصف الآخر من تركيا، أو مناطق الشمال التي تسيطر عليها بدورها.
حتى عام مضى، كان سوريو تركيا يعزّون أنفسهم بأن وجودهم في بلد مجاور، يشعرهم بأنهم في بلادهم وعلى مقربة من أرضهم التي سيعودون إليها مع أول بشائر الحلّ. وعلى الرغم من مرور السنوات عجافاً وبلا أمل، ومع صعوبة ظروفهم في تركيا حيث يعيشون كضيوف بما يعنيه ذلك من حرج على الأقل، إلا أن آمالهم لم تخبُ، وقاوموا الرغبة في الهجرة إلى أوروبا. لكن، في السنة الأخيرة، بدأت السياسة التركية تتغير، وأدارت قيادة حزب “العدالة والتنمية” وجهها عن مأساة السوريين، لتتطلع إلى التلاقي مع المتسبب فيها، كما تقتضي مصالح الدولة الجيوستراتيجية. وبالتزامن، تصاعدت موجة العداء للسوريين في تركيا، على نحو لا يمكن تحمله، فهاجر من أسعفته إمكاناته المالية في تحمّل أجور المهرّبين، فيما تجمع العاجزون عن ذلك في حملة في وسائل التواصل الاجتماعي للهجرة الجماعية إلى أوروبا، سُمّيت بقافلة النور، وضمت حتى الآن ما يزيد عن 40 ألف مشترك، ولم يتضح بعد إن كانت ستنجح أم ستفشل، شأن قافلة أخرى حاولت الانطلاق من شمال غربي سوريا لعبور الأراضي التركية إلى اوروبا، ودُعيت بقافلة السلام.
إذن، ثمّة تحولات سلبية معلنة في تركيا، تفسر هروب السوريين، لكن ما الذي يدفع أقرانهم الواقعين تحت سيطرة النظام للرحيل الكثيف بعدما أعلن النظام انتصاره، وعودة الاستقرار إلى المناطق التي يسيطر عليها، بل ودعوته اللاجئين للعودة.. فكم بالحريّ مَن “صمد” معه عشر سنوات؟ لماذا يفرّ منه اليوم؟
الحال إن مَن يشعر بانتصاره في سوريا هو إيران، وهي تريد أن تترجم انتصارها إلى امتلاك حصري لهذا البلد، على غرار العراق ولبنان واليمن. ولما كانت غالبية سكان سوريا على تناقض عقائدي مع إيران، بخلاف البلاد آنفة الذِّكر، فإن تهجيرهم بشتى الأساليب، وجلب سكان جدد موالين لطهران، يبدو الحل الأفضل لإعادة هندسة البلد سكانياً بما يتوافق مع التطلعات الإيرانية.
وقد أخبرني الصديق المطلع على أحوال مخيم طالبي اللجوء في هولندا أيضاً، أن معظم القادمين من مناطق النظام صرحوا بأنهم باعوا منازلهم لتأمين تكاليف الرحلة إلى أوروبا، والتي تبلغ نحو 15 ألف يورو. وبحثت بنفسي في سوق العقارات ووضعه الراهن في سوريا، لأجد أن وكلاء إيران، في منطقتين على الأقل، هم من يشترون تلك المنازل. ففي البو كمال الحدودية، أخبرني أحد الأهالي بأن عشرات المشترين يتوافرون ما أن يعرض أحد السكان منزلاً للبيع، وهو أمر مستغرب في ظل ضيق أحوال عامة الناس وفقرهم. إلا أن الأمر يصبح مفهوماً عندما نعرف أن كل الراغبين في الشراء هم من المرتبطين بالمليشيات الإيرانية هناك.
وفي ضاحية المعضمية أيضاً، قرب دمشق، أخبرني ناشط إعلامي بأن تاجراً يدعى فرحان المرسومي، اشترى وما زال يشتري معظم المنازل المعروضة للبيع. ويستقيم الأمر عندما نعلم أن المرسومي شخص مغمور من قرية على الحدود السورية العراقية السورية، وكان مِن أوائل مَن عقدوا صِلات مع المليشيات الإيرانية الوافدة، وخاض معها في تجارة المواد المخدرة والتجنيد والتشيُّع، ليغدو اليوم من كبار المتمولين في عموم البلاد، يتحرك بحقيبة مالية منتفخة لشراء العقارات بأسعار سخية، ولا أحد يعرف على وجه الدقّة الجهة التي تقف وراءه، ولا الغاية من جمع كل تلك الأراضي والدّور.
إن هذا المشهد المتشائم، الذي يبدأ مكانياً من مخيم اللاجئين في هولندا، يزداد قتامة فيما لو تم سحبه زمنياً نحو المستقبل. فسوريا التي فقدت نصف سكانها في خلال عشرة أعوام، وطاولت الهجرة القوى البشرية الصلبة فيها، أي الأجيال الشابة والتكنوقراط وأصحاب رؤوس الأموال، ستفقد في غضون سنوات ما تبقى من سكانها الأصليين، سواء بالهجرة أو بتحويل هويتهم، لتصبح إيرانية أو تركية. بمعنى آخر، ستفقد هذه البقعة الجغرافية هويتها الثقافية ودورها السياسي المستقل، وربما أيضاً وجودها السياسي المكرس ذاته، لتتقاسم ذلك كله الدولتان الإقليميتان الكبيرتان.
لكن التشاؤم هذا ليس مدعاة للتسليم ولا دعوة للاستسلام. التاريخ بتجاربه يقول إن ثمة ما يمكن فعله دائماً، ويقول أيضاً إن الغزاة والمحتلّين إلى رحيل مهما طال جثومهم، ولا خيار أمامنا كسوريين، سوى الإعلان بأن انتزاع بلادنا من أنياب محتليها وعملائهم هو هدفنا الأول اليوم، مع ايلاء اهتمام خاص لأصحاب المصلحة القومية المباشرة والمستمرة في سوريا، أي إيران وتركيا.
الدعوة لسيادة واستقلال سوريا، لا يمكن أن تبدأ سوى من أروقة السياسة والسياسيين، المخضرمين منهم والصاعدين، على أن تقترن بإعادة الاعتبار للوطنية السورية والمأسسة ونسج التحالفات مع العمق العربي والجوار الأوروبي، لخلق نوع من توازن القوى مع الدولتين المهيمنتين. وتبدو المَهاجر مكاناً مناسباً لها اليوم، لكن بقاءها هناك لا يجوز، إذ يجب أن تنتقل إلى الداخل السوري، وأن يتم الاستعداد منذ الآن لنقلها من الشكل السياسي والثقافي إلى الحالة الميدانية الحركية، ما إن تسمح بذلك موازين القوى الإقليمية والدولية، دائمة التقلب والتغير.
المدن
———————-
في هشاشة الائتلاف السداسي المعارض في تركيا/ بكر صدقي
في حوار تلفزيوني طرح سؤال على غورسل تكين، من قيادات الصف الثاني في حزب الشعب الجمهوري، حول مدى استعداد الائتلاف لمنح مقعد وزاري لحزب الشعوب الديمقراطي في حال فوزه في الانتخابات المقبلة. فأجاب تكين بأن هذا ممكن.
وقامت القيامة على الرجل. ففي حين أكدت صحف الموالاة وكُتّابها على أن كلام تكين دليل على ما دأبت السلطة على تكراره بصدد وجود تحالف خفي بين الائتلاف السداسي وحزب الشعوب الديمقراطي، هاجم أركان الحزب الخيّر تكين قائلين إن حزبهم لا يمكن أن يلتقي مع «الشعوب الديمقراطي» في أي إطار تنسيقي، طالبين من حزب الشعب الجمهوري إصدار موقف صريح في رفض تصريحات تكين. وهو ما لن يتأخر زعيم الحزب كمال كلجدار أوغلو في الاستجابة له، فقال إن غورسل تكين غير مخوّل بإطلاق تصريح من هذا النوع، وقال عن اتهامات السلطة للائتلاف بأنه يتألف من «ستة أحزاب فوق الطاولة وحزب الشعوب الديمقراطي تحت الطاولة» إنها مجرد «سفسطات لا أساس لها من الصحة».
الحق أن مضمون تصريح تكين لا ينطوي على أي «هرطقة» سياسية. فحزب الشعوب الديمقراطي هو حزب شرعي اختط لنفسه نهج العمل السياسي في الإطار البرلماني، ويصوت له نحو ستة ملايين ناخب، بل إنه يتوجه باطراد ليكون حزباً لتركيا وليس لكردها فقط، وإن كانت القضية الكردية في مركز اهتماماته، ويصوت له كثير من الناخبين من غير الكرد أيضاً. لكن السلطة، والرئيس أردوغان بالذات، يعاملانه على أنه حزب إرهابي ومجرد واجهة لحزب العمال الكردستاني، وتم التضييق على نشاطه من خلال اعتقال بعض كوارده، وفي مقدمتهم زعيمه السابق صلاح الدين دمرتاش المسجون منذ سبع سنوات، وعزل رؤساء بلديات من الحزب فازوا في الانتخابات المحلية. ويعود عداء أردوغان لحزب الشعوب ودمرتاش بالذات إلى أنه طرح شعار «لن نسمح لك أن تصبح رئيساً» أثناء الحملة الانتخابية في 2015، إضافة إلى المنافسة التقليدية على أصوات الناخبين الكرد بين «الشعوب» و«العدالة والتنمية». ويمكن إضافة سبب آخر لتصعيد السلطة ضد حزب الشعوب هو تحالف العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية بقيادة دولت بهجلي. فالأخير يدعم الحكومة من خارجها مقابل مزيد من التشدد في الموضوع الكردي.
الحزب الأخيّر بقيادة مرال آكشنر هو حزب منشق من حزب الحركة القومية، ومعظم كادراته القيادية وقاعدته الانتخابية تنتمي إلى التيار القومي المتشدد نفسه، وموقفه من الموضوع الكردي والتمثيلات السياسية الكردية هو نفسه موقف الحزب الأم الذي انشق عنه. وعلى رغم رغبة آكشنر في احتلال حزبها لموقع يمين الوسط، بالنظر إلى تحدرها منه، لم يُجرِ الحزب أي مراجعة نقدية لأسسه الفكرية، فظل نسخة طبق الأصل عن حزب بهجلي، باستثناء رفضه تحالف بهجلي مع السلطة الذي بسببه حدث الانشقاق وليس لأسباب فكرية. مع ذلك تمكن الحزب، في السنوات القليلة الماضية منذ تأسيسه، من استقطاب مؤيدين من بيئات اليمين التقليدي كما من التيار الوطني في حزب الشعب الجمهوري، فبلغت نسبة شعبيته المتصاعدة، في استطلاعات الرأي، نحو 12٪.
وكسب الحزب الأصوات التي تنفض من حول حزب بهجلي الذي تشير استطلاعات الرأي إلى تراجع شعبيته إلى ما دون 7٪.
بالنسبة لحزب الشعب الجمهوري الموضوع أكثر تعقيداً، ففي بنيته تيارات متعددة، وكتلة من المثقفين وصناع الرأي ذوي أصوات متنوعة. أما زعيم الحزب كلجدار أوغلو فقد اختط لنفسه خطاً متصالحاً مع مختلف البيئات الاجتماعية، ويقود حملة بعنوان «طلب التسامح» من الفئات التي تعرضت لمظالم في تاريخ تركيا الجمهورية حين كانت السلطة في يد حزبه، وتشمل بصورة رئيسية الكرد والعلويين والمحافظين المتدينين. لكنه يواجه معارضة قوية داخل حزبه رافضة لمبدأ طلب التسامح، وبالأخص من التيار الوطني العلماني المتشدد. لكن السلطة المطلقة الممنوحة لزعماء الأحزاب في تركيا تمنح كلجدار أوغلو هامشاً كبيراً للتمسك بتوجهاته المنفتحة. هذه التوجهات هي ما جعلته يتمكن من جمع ستة أحزاب متنافرة سياسياً وإيديولوجياً تحت مظلة «الطاولة السداسية» لكنه يدرك هشاشة هذا الائتلاف بالنظر إلى اقتصار المشتركات بينها على الرغبة في الفوز في الانتخابات على الائتلاف الحاكم واستعادة النظام البرلماني.
في موضوع العلاقة مع حزب الشعوب الديمقراطي، يدرك كلجدار أوغلو، كما يدرك حلفاءه الخمسة في الائتلاف السداسي، أن فوزهم بالسلطة في الانتخابات القادمة غير ممكن بلا دعم من ناخبي حزب الشعوب الديمقراطي. وعملياً حدث هذا التحالف في الانتخابات المحلية في 2019، وبفضله فازت أحزاب المعارضة بأهم البلديات في إسطنبول وأنقرة وأضنة وغيرها. في الانتخابات الرئاسية بالذات يحتاج الائتلاف السداسي المعارضة إلى موافقة «الشعوب» على مرشحه الذي لم يتفق عليه إلى اليوم، وإلا قدم «الشعوب» مرشحه الخاص، على غرار ما فعل في الانتخابات الرئاسية في عام 2014 حين ترشح دمرتاش للمنصب في مواجهة أردوغان ومرشحين آخرين.
بهذا المعنى فإن اتهام السلطة للائتلاف المعارض بأن «الشعوب» هو الحزب السابع في الائتلاف هو نوع من الترهيب كي لا يحدث أي تنسيق مع الحزب وهو ما يضمن خسارة الائتلاف المعارض في الانتخابات القادمة. لكن المشكلة الأساس ليست في هذا الترهيب، بل في استجابة أهم أركان المعارضة له، الشعب الجمهوري والخيّر، والاستسلام لمنطقه، ليس خوفاً من اتهامها بالتحالف مع «إرهابيين» بل خشية من تفكك الائتلاف الذي تنخره تيارات متشددة ضد المطالب الكردية في كلا الحزبين الرئيسيين. وهكذا يجد مهندس الائتلاف السداسي كلجدار أوغلو نفسه مشدوداً بين حزب آكشنر القومي من جهة وحزب الشعوب الديمقراطي من جهة ثانية، إضافة إلى نفور قواعد الحزب العلماني الانتخابية من تحالفه مع ثلاثة أحزاب إسلامية أو ذات أصول إسلامية، حزب السعادة وحزب المستقبل وحزب دواء.
ترى هل يتمكن كلجدار أوغلو من حفظ التوازنات داخل الائتلاف، وداخل حزبه، إلى موعد الانتخابات؟ هذا ما سنتابعه في الأشهر الثمانية المتبقية على هذا الموعد.
كاتب سوري
القدس العربي
—————————
ما أسباب تحوّل سياسة تركيا تجاه سوريا من النقيض إلى النقيض؟
بعدما أعلن إردوغان صراحةً أنه كان يتمنى لقاء الأسد
أنقرة: سعيد عبد الرازق
أثار التحول، الذي بدا مفاجئاً من جانب تركيا تجاه نظام الرئيس السوري بشار الأسد، حالة من الدهشة وفجّر الكثير من التساؤلات حول أسباب هذه الاستدارة الصادمة في الموقف التركي، لا سيما موقف الرئيس رجب طيب إردوغان، من القطيعة التامة مع النظام السوري ووصفه بالقاتل والتمسك برحيله إلى إبداء الاستعداد للقاء معه وإعادة العلاقات إلى سابق عهدها بدءاً من مفاوضات غير مشروطة.
حقيقة الأمر أنه كانت هناك اتصالات سرية على المستوى الاستخباراتي والأمني بين أنقرة ودمشق بدأت تظهر إلى العلن عبر تسريبات خلال العامين الماضيين، وسبقها حديث عن لقاءات في إطار غير رسمي ولكن بمباركة من الحكومة وتمت على هيئة مبادرات من حزب «الوطن» التركي المعارض، الذي يضم في كادره القيادي واحداً من المنخرطين بقوة سابقاً في ملف العلاقات التركية – السورية و«اتفاق أضنة» الذي وُقِّع عام 1998 لإنهاء أزمة «حزب العمال الكردستاني» وزعيمه عبد الله أوجلان، هو رئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق إسماعيل حقي بكين، الذي كشف لـ«الشرق الأوسط»، في وقت سابق، عن زيارات لوفود من الحزب إلى دمشق وعقد لقاءات مع الأسد منذ عام 2017، وأعلن الحزب أن تلك الزيارات كانت تتم بعلم الحكومة. وبدا هذا الحزب في الأعوام الأخيرة قريباً من حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، فضلاً عن أنه يؤيد منذ البداية إعادة العلاقات مع الأسد كضرورة من ضرورات الأمن القومي التركي.
في مرحلة لاحقة بدأ الحديث عن لقاءات بين رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان، وعلي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني السوري، مرة في طهران وأخرى في موسكو، ولقاءات بين وفود أمنية عند المعابر الحدودية، إلى أن أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في 11 أغسطس (آب) الماضي عن لقاء جمعه مع نظيره السوري فيصل المقداد جرت خلاله محادثة قصيرة بينهما على هامش اجتماعات حركة عدم الانحياز في بلغراد العام الماضي، مؤكداً في الوقت ذاته ضرورة حدوث «توافق» بين المعارضة والنظام.
ووقعت هذه التصريحات كالصاعقة سواء على المتابعين لسياسة تركيا في الملف السوري أو بالنسبة للمعارضة السورية، أو للسوريين في مناطق سيطرة تركيا والمعارضة في شمال غربي سوريا، الذين تظاهروا للمرة الأولى احتجاجاً على الخطوة التركية، ما استدعى جهوداً من أنقرة لإقناع مختلف الأطراف بأن إعادة العلاقات إلى مسارها الطبيعي قبل 2011 هو أمر يعود إلى متغيرات وظروف محيطة بتركيا تتعلق في المقام الأول بأمن حدودها الجنوبية.
وبعد تصريحات جاويش أوغلو، جاءت تأكيدات من إردوغان، أنه سيتم المضي قدماً في مسار التطبيع مع النظام وأنه يتعين الإقدام على خطوات متقدمة وأعلى من مستوى الاستخبارات، وأن هدف تركيا ليس هزيمة الأسد وإنما إفساد المخططات التي تستهدف المنطقة، مبرراً أنه لا يمكن التخلي عن الحوار بين الدول في أي وقت.
من يعرف أسلوب السياسة الخارجية لتركيا، يعي تماماً أن القرار اتُّخذ بعودة العلاقات مع الأسد، لكنه يدرك أيضاً أن الخطوات الكبيرة يمكن أن تستغرق سنين حتى يتم الوصول إلى مرحلة اللقاء بين رأسي الدولتين.
فعلى الرغم مما كشف عنه الكاتب بصحيفة «حرييت» التركية القريب من الحكومة وجهاز المخابرات التركي عبد القادر سيلفي، في مقال له بالصحيفة يوم الجمعة، عن أن إردوغان أكد خلال اجتماع للجنة التنفيذية لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم أنه كان يتمنى أن يحضر الأسد قمة مجموعة شنغهاي (انعقدت في سمرقند الجمعة) لكي يتحدث معه «لكنه لا يستطيع الحضور».
وحسب سيلفي، فإن إردوغان كان يرغب في لقاء الأسد حتى يقول له وجهاً لوجه إنه خاض الحرب مع المعارضة من أجل الحفاظ على حكمه وحماية سلطته. وأضاف نقلاً عن إردوغان: «كنت أقول هذا في وجهه، قلنا لك: إذا فعلت هذا فإن سوريا ستقسَّم… لقد ظننت أن المعارضة هي مجرد أعداد كبيرة لكن لا تملك السلاح… لم تنتبه إلى تحذيراتنا، لم يفكر أن أميركا وروسيا ستدخلان سوريا… اخترت حماية الأرض التي تسيطر عليها لكن لم تستطع حماية الأراضي السورية الكبيرة». ومن هذا المنظور، وكما عبّر سيلفي في لقاء لاحق على المقال مع قناة «سي إن إن تورك»، فإن لقاء إردوغان مع الأسد كان فقط سيتحقق ليوجه له هذه العبارات والنصائح، أي أن اللقاء لم يكن سينظر في إعادة العلاقات وإحداث اختراق بين رئيسي البلدين. وتابع سيلفي أنه سأل إن كان إردوغان سيلتقي الأسد، فكانت الإجابة: «في الوقت الحالي، لا يوجد اتصال متوقع على المستوى السياسي». واستدرك قائلاً: «انتبهوا، قيل: في الوقت الحالي، لم يُقل: لا».
وسبق أن نفت تركيا تقارير إيرانية عن لقاء محتمل بين إردوغان والأسد على هامش قمة شنغهاي، التي يحضرها إردوغان للمرة الأولى بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأكد وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو أنه لم يتم توجيه الدعوة للأسد.
والواقع أن العلاقات بين إردوغان والأسد قبل القطيعة بينهما، بعد اندلاع الأحداث في سوريا عام 2011، كانت علاقات قوية إلى حد بعيد ما جعل وسائل الإعلام المحسوبة على المعارضة في تركيا تذكّره بها عندما بدأ الهجوم على الأسد ووصفه بـ«القاتل». وليس ذلك فحسب، بل إن العلاقة بين كل من أمينة إردوغان وأسماء الأسد كانت علاقة صداقة حقيقية كما وصفتها زوجة الرئيس التركي التي صرحت في 2012 بأنها أُصيبت بخيبة أمل من أسماء الأسد زوجة الرئيس السوري، حيث كانت تربطها صداقة قوية معها، مضيفة أن الأحداث الدموية والمأساة الإنسانية في سوريا «أذهلتني وآلمتني كثيراً، وتركت أسماء الأسد خيبة أمل كبيرة لديّ، مع العلم أنني فتحت لها قلبي… لقد بعثت برسالة لأسماء الأسد وطلبت منها الاتصال للحديث عن الأوضاع في سوريا، ولكنها مع الأسف لم تردّ عليّ حتى يومنا هذا، واستغربت لتصرفها». وتابعت: «نعم نحن كنا بالفعل أصدقاء، ولا يوجد بيننا أي بروتوكول، واستضفتها مرات عدة مع والدها، ووالدتها، وأطفالها وكنا نسافر لسوريا على الأقل ثلاث مرات بالسنة».
ونقلت صحيفة «حريت» عن أمينة إردوغان قولها، في ذلك الوقت، إنه «لو جرى الاتصال بينها وبين أسماء، فهي كانت ستقول لها أن تأخذ أطفالها وتأتي إلى تركيا وستكون في حمايتها»، مشيرةً إلى أنها كانت تأمل حقاً أن تأتي إلى تركيا مع أولادها للإقامة فيها، وأن زوجها كان يدعم هذه الفكرة.
وبالعودة إلى تطور العلاقات بين تركيا وسوريا بعد أزمة أوجلان الشهيرة التي دفعت البلدين إلى شفا الحرب والتي انتهت بتدخل مصر وإيران لتوقيع اتفاقية أضنة عام 1998 ثم القبض على أوجلان في كينيا عام 1999، فالواضح أن العلاقات بدأت تتخذ منحنى إيجابياً منذ زيارة الرئيس التركي الأسبق أحمد نجدت سيزار لدمشق عام 2000. ومع تولي حزب «العدالة والتنمية» الحكم في تركيا في 2002 ونموذج السياسة الخارجية الجيد الذي طبقه الحزب معتمداً على مبدأ «صفر مشاكل» مع دول الجوار الذي صاغه وزير الخارجية الأسبق أحمد داود أوغلو، تحوّلت العلاقات التركية – السورية باتجاه التفاهم والتعاون، حيث جرى التفاهم على تحويل الحدود من نقطة خلاف وتوتر إلى نقطة تفاهم وتعاون. فوُقعت اتفاقية إزالة الألغام من على جانبي الحدود لإقامة مشاريع تنموية مشتركة، لينقلب العداء التاريخي إلى تعاون وثيق، لا سيما أن أنقرة رفضت سياسة الحصار الأميركية على سوريا في عهد الرئيس جورج بوش وتولت دور الوساطة بين دمشق وواشنطن وأوروبا. كما انفتحت دمشق أيضاً على العلاقات مع تركيا بقوة متجاوزةً عن صفحات الماضي. وأصبحت تركيا أيضاً تلعب دوراً في المفاوضات السورية – الإسرائيلية واستضافت إحدى جولاتها في إسطنبول كراعٍ غير مباشر.
ومثّل التعاون الاقتصادي حجر زاوية في العلاقات بين البلدين تحت حكم «العدالة والتنمية» وأصبحت سوريا بوابة للبضائع التركية إلى منطقة الخليج العربي. ووقّع البلدان عام 2004 اتفاقية التجارة الحرة وتم الشروع في تطبيقها عام 2007، كما تم فتح الحدود بين البلدين بلا تأشيرة دخول وتوقيع عشرات اتفاقيات التعاون الاقتصادي.
وعموماً، فإن مجمل التسريبات والتصريحات تشير إلى أن هناك ردة واستدارة في الموقف التركي من حالة العداء السافر التي عبّر عنها إردوغان من قبل بهجومه على الأسد ووصفه بـ«قاتل شعبه» والتمسك بضرورة الإطاحة به من أجل نجاح الحل السياسي في سوريا، إلى الحديث عن أن هدف تركيا ليس هزيمة الأسد، وأنه لا يمكن تصوّر ألا يكون هناك حوار بين الدول في أي وقت.
ويجري الحديث عن دوافع كثيرة لإحداث هذا التحول في سياسة تركيا تجاه سوريا، منها أن تركيا في مرحلة إعادة صياغة جديدة لسياستها الخارجية تتجاوب مع المتغيرات الإقليمية والدولية، وأنها بهذه السياسة تكسر عزلتها في محيطها الإقليمي بعد أن باتت هذه العزلة مشكلة حقيقية وورقة تُستغل من جانب المعارضة التركية في إظهار حالة الضعف التي وصلت إليها المؤسسات التركية تحت حكم «العدالة والتنمية» قبل التوجه إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في منتصف العام المقبل. كما يجري الحديث عن محاولة تركية للتخلص من التهديدات الأمنية وإنهاء وجود المسلحين الأكراد بتنسيق مع النظام السوري تلبيةً لرغبة موسكو. ودفع هذا الأمر تركيا إلى تعليق عملية عسكرية لوّحت بها في مايو (أيار) الماضي ضد مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في منبج وتل رفعت (بريف حلب)، حيث توجد أيضاً قوات للنظام وروسيا. وذهبت وسائل إعلام موالية للحكومة إلى حد القول إن أنقرة اكتشفت أنها أخطأت في الحسابات الاستراتيجية بسبب الانجراف وراء الرغبة الأميركية في تغيير وجه المنطقة عبر «الربيع العربي»، وتحميل الخطأ لوزير الخارجية في ذلك الوقت أحمد داود أوغلو.
وفي هذا الصدد، رأى الكاتب محمد بارلاس في صحيفة «صباح» الموالية بشدة للحكومة التركية، أن «الأسد هو أحد ضحايا الربيع العربي المصنوع أميركياً»، واتهم داود أوغلو بـ«الانجراف وراء الرياح الأميركية وإفساد العلاقات التركية – السورية بشكل كبير، حتى إنه أقنع إردوغان بأن الأسد سيسقط بعد فترة قصيرة»، وأشار إلى أنه «يتم العمل من جديد على إعادة العلاقات على المستوى الدبلوماسي».
وكانت أنقرة في عام 2011 على قناعة تامة بأن نظام الأسد سيسقط بسرعة البرق. وأعلن إردوغان أنه سيذهب قريباً للصلاة في المسجد الأموي في دمشق، لكن ذلك لم يتحقق حتى الآن بالطريقة التي فكرت بها أنقرة.
وتؤكد دوائر الحكم في تركيا، وتتفق معها المعارضة السورية، التي تفضل الاحتماء بالصمت في مثل تلك المواقف، أنه لن يكون هناك تقارب كامل بين أنقرة ودمشق وإنما سيتم تذويب الخلافات الحادة وفتح الباب أمام توافقات على ملفات محددة سياسية وأمنية أهمها الاتفاق على إبعاد المسلحين الأكراد عن الحدود التركية مسافة 30 كيلومتراً، وهو ما لا تثق تركيا في قدرة النظام السوري على تحقيقه بمفرده، والتصدي لمخططات تقسيم سوريا، وحل مشكلة اللاجئين التي باتت تشكل عبئاً على كاهل أنقرة وورقة ضغط أخرى في يد المعارضة التركية المؤيدة، في أغلبها، للتعامل مع الأسد في حل هذه المشكلة.
وتذهب غالبية التحليلات بشأن الحراك في الاتصالات والحوار بين أنقرة ودمشق إلى أن لكل من الطرفين مصالح سياسية واقتصادية وأمنية في عودة العلاقات، لكنّ كلاً منهما لن يتخلى أيضاً عن شروطه وتحفظاته، وأنه ليس من المتصور أن يلتقي الأسد وإردوغان وجهاً لوجه قريباً، ولكن يُتوقع أن يستجيب الطرفان معاً للدفع الروسي باتجاه الوصول إلى درجة معينة من التنسيق والتعاون حتى لو لم يتحقق اللقاء بين رئيسي البلدين.
وتتردد في أروقة أنقرة أن روسيا ترغب في الانتهاء من هذا الملف والقضاء على المواجهات المحتملة بين تركيا والنظام في شمال سوريا بسبب ضغوط الحرب في أوكرانيا وعدم وجود فرصة للتركيز بشكل كامل على الوضع السوري، لا سيما أنها ترى أن مشكلة تركيا الأمنية في سوريا يمكن حلها من خلال اتفاقية أضنة مع تطويرها لتضمن لتركيا تحقيق أهدافها الأمنية عبر بوابة التعاون مع دمشق، وأن أنقرة بدأت بالفعل جني بعض المكاسب الاقتصادية من روسيا في هذا الإطار عبر تدفق أكثر من 6.7 مليارات دولار، ما بين تدفق نقدي واستثمارات مباشرة وغير مباشرة، تركزت في القطاع العقاري ثم الطاقة، بالإضافة إلى نقل بعض المصانع الروسية وخطوط الإنتاج، هذا بخلاف ما يمكن أن يتحقق عند عودة العلاقات مع سوريا سواء على مستوى التبادل التجاري أو تسهيل حركة التجارة التركية مع دول المنطقة وفي مرحلة لاحقة الاستفادة من مشروعات إعادة الإعمار إذا تحقق الاستقرار في سوريا.
والخلاصة أن التحرك التركي في الملف السوري له دوافعه الداخلية التي تتعلق بالتحولات في سياسة تركيا المدفوعة بشكل أساسي بعزلتها وبالتغيرات الإقليمية والدولية فضلاً عن ضغط الانتخابات والأزمة الاقتصادية ومشكلة اللاجئين، والرغبة في التخلص من التهديد الأمني على الحدود الجنوبية وتحقيق الاستقرار هناك، وهو ما تشير إليه التحركات المتزامنة تجاه العراق ومحاولة تركيا المساهمة في حل المعضلة السياسية هناك مع الاستمرار في عملياتها العسكرية التي تستهدف حزب العمال الكردستاني والذي ترغب في أن تكون بتوافق مع بغداد وأربيل، وهو النموذج الأمني الذي ترغب الآن في تطبيقه في سوريا، والذي يجد تأييداً من روسيا التي ترغب في إعادة سيطرة النظام على آخر معاقل المعارضة في شمال غربي سوريا حيث توجد تركيا بنفوذ واسع في حلب وإدلب.
الشرق الأوسط»،
——————————
نظام الأسد وتركيا بعد هدوء “عاصفة التصريحات”..المصالحة في الهواء؟
لم يكن التهديد الذي أطلقه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في شهر مايو/أيار الماضي بشن عملية عسكرية في شمال سورية “على حين غرّة” كغيره من التهديدات التي سبقته خلال السنوات الماضية، فقد أفضى وبالتدريج على مدى 3 أشهر عن “متغيرات ميدانية وسياسية” عدة، لينتهي عند “محطة” أثارت الكثير من الجدل، كونها ارتبطت بطبيعة علاقة أنقرة بنظام الأسد.
هذه المحطة الجدلية كانت قد أثارت أيضاً بالصورة العامة “عاصفة” استمرت لأسابيع، وبلغ أوجها خلال شهر أغسطس/آب الماضي، عندما تحدث وزير خارجية تركيا، مولود جاويش أوغلو، عن ضرورة “تحقيق مصالحة بين النظام السوري والمعارضة، بطريقة ما”، ليتبعه أردوغان معلناً أن تركيا لا تسعى لـ”تنحية بشار الأسد”، وأنها لا تستطيع قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري في دمشق، بشكل كامل.
تحليلاتٌ وتقديراتٌ كثيرة لهذين الموقفين، إذ بينما اعتبر قسم منها أن أنقرة باتت على أبواب تغيّر واضح في علاقتها مع نظام الأسد، ذهبت أخرى للتحدث عن “تكتيك” تحاول تركيا المضي فيه، لاعتبارات “داخلية” تتعلق بالانتخابات التي تنتظرها، و”خارجية” في مسعى للتناغم مع التحولات الاقليمية بشكل خاص.
لكن وبعيداً عمّا إذا كان هناك تغير “جذري” في السياسة التركية اتجاه الأسد ونظامه، لم تستقر صورة أقرب بشأن “تساؤلات شائكة ومعقدة” تعد الإجابة عنها في صلب ما يمكن أن ينتقل إليه الطرفان، فما الذي يمكن أن يقدمه الأسد لتركيا؟. وفي المقابل، هل الأخيرة واثقة بأنها قد تحصل على أي شيء منه أو أنه قادرٌ بالفعل؟.
وقد تطرق الكثير من الباحثين والصحفيين الأتراك المقربين من الحكومة، خلال الأسابيع الماضية، إلى القضايا والملفات المشتركة بين نظام الأسد وتركيا، والتي قد تكون الأساس لأي عملية “تفاوض”، في حال بدأت مسارات “التطبيع” على أرض الواقع بالفعل.
وعلى رأس هذه الملفات: الحل السياسي في سورية بموجب قرار مجلس الأمن 2254، ملف الإرهاب و”حزب العمال الكردستاني” على طول الحدود، ملف اللاجئين، ملف المعارضين للأسد والمنشقين عنه.
“بين تهديد وتهديد”
قبل أن تصل الأمور بتركيا للحديث عن العلاقة الحالية والمتوقعة مع النظام السوري، كانت قد مرّت قبل ذلك وعلى مدى 3 أشهر بسلسلة من المحطات، سواء على الميدان أو على طاولات السياسية.
وبعد أن هدد أردوغان، في الثالث والعشرين من شهر مايو/أيار، بشن العملية العسكرية الجديدة وأنها ستستهدف مدينتي تل رفعت ومنبج في ريف حلب، سرعان ما لاقى موقفه معارضة من الولايات المتحدة الأمريكية، وشركائه في مسار “أستانة”، الروس والإيرانيين.
مع ذلك، شهدت جبهات الشمال السوري “عمليات تسخين”، إذ بينما حشدت القوات التركية وفصائل “الجيش الوطني السوري” تعزيزات على طول خطوط التماس مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، تتالت التهديدات التركية على لسان المسؤولين، مع تأكيدات أن المعركة ستكون “بين ليلة وضحاها”.
فيما بعد، تطورات الأمور يوماً بعد يوم، لتتحول إلى حوادث قصف متبادل واستهدافات جوية بالطائرات المسيّرة، قتل إثرها قياديون وعناصر في “قسد” و”وحدات حماية الشعب”، إلى أن انتقل المشهد بدخول قوات النظام السوري على الخط، منتشرة في مناطق الأخيرة، بموجب “تفاهمات”، لطالما كانت حاضرة، بالتوازي مع العمليات التركية السابقة، مثل “غصن الزيتون” (2018) و”نبع السلام” (2019).
“لم تحصل تركيا على الضوء الأخضر”، في ذلك الوقت لبدء الهجوم، حسب ما أشار إليه مراقبون، لتأتي “قمة طهران” الثلاثية، في شهر يونيو/حزيران، وتأكد على أن التهديد التركي ما يزال “يواجه معارضة روسية-إيرانية”، بعيداً عن الموقف الذي أبدته واشنطن، الداعمة لـ”قسد”.
وكان لافتاً في “قمة طهران” النبرة الإيرانية المعارضة لأي هجوم تركي، وهو ما أشارت إليه كلمات المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، قبيل بدئها بساعات، ثم تصريحات لوزراء خارجية إيران وموسكو، معتبرين أن أي تغير في الميدان، من شأنه أن “يهدد استقرار المنطقة”.
في مقابل ذلك سادت نبرة غير مسبوقة، رددها مسؤولون إيرانيون أولا، مقترحين “الوساطة بين أنقرة والنظام السوري لمعالجة الأوضاع الأمنية على طول الحدود”، ليتردد صدى ذلك فيما بعد إلى الجانب الروسي.
لم يطرأ أي تغيّر عقب “قمة طهران الثلاثية”، رغم أن ميدان الحدود الشمالية لسورية مع تركيا بقي “ساخناً”، مع توجه الأتراك لتكثيف ضربات الجو والأرض على المناطق الخاضعة لسيطرة “قسد”، وخاصة في محيط عمليات “نبع السلام” و”درع الفرات”.
وبالتوازي مع هذه الظروف، حينها، واصل المسؤولون الأتراك تصريحاتهم حول العملية العسكرية، وأنها ستستهدف بالفعل “تل رفعت ومنبج”، إلى أن جاءت القمة الثنائية في موسكو بين أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في سوتشي مطلع أغسطس/ آب الماضي.
وفي القمة كان الملف السوري حاضراً بقوة على طاولة الزعيمين، وأيضاً العملية العسكرية التركية، وبينما كانت الأنظار تتجه إلى ما سيؤول عليه المشهد في سورية بعد اللقاء، خرج أردوغان متحدثاً عن “مقاربة” أخبرهُ بها بوتين.
مفاد هذه “المقاربة” بأن “الأمر سيكون أكثر دقة إذا كنت تفضل حلّها مع النظام السوري قدر الإمكان”. وأضاف الرئيس التركي مخاطباً بوتين (صاحب تلك الكلمات): “نحن نقول إن جهاز استخباراتنا يتعامل بالفعل بمثل هذه القضايا مع المخابرات السورية، لكن بيت القصيد هو الحصول على نتائج”.
وقبل حديث أردوغان كان وزير خارجيته، مولود جاويش أوغلو، قد قال إن تركيا أجرت سابقاً محادثات مع إيران بخصوص إخراج “الإرهابيين” من شمال سورية، وأنها “ستقدم كل أنواع الدعم السياسي لعمل النظام (السوري) في هذا الصدد”.
وعاد جاويش أوغلو بعد كلمات “المقاربة”، ليضيف أنه “من الضروري تحقيق مصالحة بين النظام السوري والمعارضة، بطريقة ما”، بينما كشف عن لقاء عابر جمعه مع وزير خارجية نظام الأسد، فيصل المقداد، في أكتوبر/تشرين الأول عام 2021.
وفتح تتالي هذه المواقف “اللافتة” وبفارق توقيت بسيط من الجانب التركي باب جدل كبير، لاسيما داخل أوساط السوريين في ريف حلب ومحافظة إدلب، حيث شهد الشمال السوري لأسبوعين “غليان شعبي”، تمثل بخروج مظاهرات، رفض فيها المشاركون أي مصالحة مع النظام، بينما انتقدوا “التغير” الذي أشارت إليه تصريحات المسؤولين الأتراك، وبالخصوص جاويش أوغلو.
ورغم أن الخارجية التركية نشرت بياناً أوضحت فيه موقفها من الملف السوري، وأنها تدعم الحل السياسي بموجب قرار مجلس الأمن “2254”، بقيت حالة الشك قائمة، إلى أن جاءت تصريحات أردوغان بعد عودته من أوكرانيا، أواخر أغسطس/آب الماضي، لتزيد من هذه الحالة إلى حد كبير.
“ما بعد النبرة الجديدة”
أعطت كلمات الرئيس التركي بأنه بلاده لم تعد تهدف إلى “تنحية الأسد”، وأنه من الضروري عدم قطع العلاقات الدبلوماسية مع أي جهة، بما فيها دمشق مؤشراً على “تغيّر طرأ على صعيد السياسة الخارجية لتركيا حيال النظام السوري”.
وبينما خفتت تهديدات العملية العسكرية التي كانت شرارتها الأولى في شهر مايو/أيار طوال شهر آب/أغسطس، إلا أن أردوغان عاد ليرددها، مع الدخول في شهر سبتمبر/أيلول الحالي، مؤكداً نية بلاده المضي فيها.
لكنه أضاف في سياق آخر أن “النظام السوري لم يتطور ولم يطوّر أي موقف اتجاه المنظمات الإرهابية الانفصالية في سورية”.
جاء هذا الحديث الجديد من الرئيس التركي، بعدما رد وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد بقوله إن “دمشق تثمن الجهود التي تبذلها روسيا وإيران بهدف إصلاح ذات البين بين سورية وتركيا”، مضيفاً أن “هناك استحقاقات لابد أن تفي بها أنقرة”.
كما أكد المقداد في مؤتمر صحفي مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف في موسكو، 23 آب/أغسطس، على “ضرورة أن تنسحب تركيا من الأراضي السورية وتوقف دعمها للتنظيمات الإرهابية”.
وما بين هذين الموقفين المستجدين، اهتز الميدان على طول الحدود الشمالية لسورية لثلاث مرات، أولاً بعدما نفذت طائرات حربية تركية قصفاً على نقطة عسكرية في عين العرب بريف حلب، ما أسفر عن مقتل عناصر للنظام السوري وآخرين من “قسد”، في 16 أغسطس/آب الماضي.
والمرة الثانية، في التاسع عشر من ذات الشهر، أثناء القصف الذي نفذته قوات الأسد على مدينة الباب بريف حلب الشمالي، أسفر عن مقتل وإصابة عشرات المدنيين، وصولاً إلى الحادثة الثالثة التي فرضتها الطائرات الحربية الروسية، بقصفها لمناطق مأهولة بالسكان في إدلب (يوم 22 أغسطس/آب).
حديث في الهواء؟
حتى الآن لا تبدو أي إشارات” على أرض الواقع، تشي بأن “عملية التطبيع” بين أنقرة والنظام السوري بدأت أو أنها ستبدأ في المرحلة القريبة، فيما تسود ضبابية كبيرة حول الملفات والقضايا التي طرحت كأساس المضي بأي خطوة إلى الأمام.
ويجادل مراقبون تحدثوا لـ”السورية.نت”، أن كل ما حصل، خلال الأيام الماضية، لا يمكن أن يختصر بمعادلة “أنقرة-النظام السوري” فقط، بل هناك روسيا التي تعتبر المحرك لكل ما سبق.
وبالنظر إلى قضايا مثل ملف اللاجئين “حزب العمال والإرهاب”، “الحل السياسي”، تطرح تساؤلات بشأن ما الذي يمكن أن يقدمه الأسد لتركيا؟ وهل هو قادر وينوي بالفعل تحقيق أي خرق؟.
في المقابل، هناك تساؤلات تتعلق بتركيا على نحو أكبر، مثل: هل مقتنعة بالفعل أنها ستحصل على أي شيء من خلال تطبيع علاقاتها مع الأسد؟ وإن تم ذلك. هل تثق بقدرته على تقديم مطالبها؟
يرى الدبلوماسي السوري السابق، بسام بربندي أنه “لا يوجد أي شيء مشترك بين تركيا والنظام السوري. سواء في السياسة أو المصالح أو الاستراتيجية أو التحالفات أو العقيدة”.
ويقول بربندي لـ”السورية.نت”: “كلا الطرفين غير قادرين على إعطاء أي شيء للطرف الآخر”، معتبراً أن “النظام السوري غير قادر أن يقضي على حزب العمال الكردستاني، ولا يريد استيعاب اللاجئين، ولو في إدلب فقط”.
في المقابل “لا قدرة لتركيا على التنازل في ملف إدلب أو ملف الإرهاب وحزب العمال، أو حتى على ملف اللاجئين المقيمين على أراضيها. هي تحصل على 7 مليار دولار من خلالهم”، حسب بربندي.
وبذلك يقود المشهد الذي حصل على مدى الأسابيع الماضية من “جدل التطبيع”، إلى فكرة مفادها أن “الطرفان يتحدثان في الهواء”، كما يعتبر الدبلوماسي السوري السابق.
ويضيف أن أسباب التصريحات التركية الأخيرة لها “دوافع داخلية. الحكومة تريد أخذ نقاط قوية من معارضيها، وخاصة التي تتعلق بملف اللاجئين. هي تقدمت خطوة للأمام من أجل سحب هذا الكرت”.
علاوة على ذلك، يشير الدبلوماسي السوري السابق: “النظام السوري وحيد، رغم الدعم الإيراني والروسي له. هو غير قادر على تقديم أي شيء لتركيا، والأخيرة لا تثق به ولن تسلم له أي مكتسبات”.
“ما يحدث شيء سيريالي نتيحة تقاطعات سياسية لها علاقة بالداخل التركي”، وفق بربندي.
“أسباب داخلية وخارجية”
في غضون ذلك يوضح الباحث في الشأن التركي، سعيد الحاج، أن هناك أسباب كثيرة “داخلية وخارجية” تدفع أنقرة لقبول الحوار مع النظام السوري، في هذه الفترة على الأقل.
وتتعلق الأسباب الداخلية بجزء أساسي بالانتخابات والعوامل المتعلقة والمؤثرة بها، والموضوع السوري من بوابة اللاجئين أو مكافحة الإرهاب، فـ”تركيا تريد تحقيق إنجاز في هذه الملفات”، وفق الحاج.
ويضيف الباحث لموقع “السورية.نت”، أن الأسباب الخارجية تتعلق بالعلاقة مع روسيا، فضلاً عن نقطة ثالثة أساسية تتعلق بأن العملية العسكرية التي هدد بها أردوغان تنتظر فكرة “التفاهمات السياسية”.
“على المستوى الميداني واللوجستي أتمت تركيا استعداداتها، كما أعلنت أكثر من مرة، لكن على المستوى السياسي يبدو أن روسيا وإيران وتحديداً موسكو مازالت لا توافق، وبالتالي تخشى تركيا أن يتحول الاعتراض الروسي إلى تعقيدات ميدانية، وبذلك تسديد كلفة العملية ويطول أمدها وتكون خسائرها كبيرة”.
ومن ضمن كل هذه الظروف، وبغض النظر عن مدى الثقة بالنظام السوري، يوضح سعيد الحاج أن “تركيا ترى فسحة أو نافذة يمكن أن تستثمر فيها، وأن أهداف العملية التي وضعتها تركيا لإبعاد قسد من الحدود بعمق 30 كيلومتراً يمكن أن تتحقق من خلال المسار السياسي”.
ووفق الباحث “هنا ليس التعويل على النظام، وقد لا يكون تعويل عليه، بل قد يكون على المحادثات مع روسيا، خصوصا أن هذه الفترة أفضل من السابق، وأن هناك زيادة في الأدوار التي تلعبها تركيا لموسكو على هامش الحرب في أوكرانيا والوساطة المتعلقة بالحبوب”.
يؤكد الحاج أن “التعويل التركي على العلاقة مع روسيا وليس على النظام السوري”.
علاوة على ذلك، فإن “تركيا لا ولن تضع كل بيضها في سلة النظام السوري. هي تضع يدها على الزناد كما يقال. لم تلغي فكرة العملية العسكرية تماماً بل تلوح بها. استعداداتها الميدانية موجودة، وعملياتها مستمرة من قصف ومكافحة وضربات”.
وفي الفترة الحالية مازالت أنقرة في محاولات الحديث مع موسكو.
ويشير الباحث إلى أنها “تعطي فرصة-على أقل تقدير- لإمكانية تحقيق بعض هذه الأهداف. لاسيما الهدف الأساسي المرتبط بالانتخابات، وهو إعادة مليون سوري إلى شمال سورية”.
ويتابع الحاج: “هذا الهدف يرتبط بشكل أو بآخر بالنظام السوري، كونه يُفترض أن يكون منطقة آمنة، وبالتالي على النظام أن يتوقف من قصفه لها. هذا الأمر قد تراهن تركيا فيه على الحوار المباشر مع النظام أو مع روسيا، وبالتالي عودة السوريين بما ينعكس إيجابا على الانتخابات وفرص أردوغان والعدالة والتنمية فيها”.
————————-
تتويجاً لمباحثات سابقة بين بوتين واردوغان: دمشق تؤكد إحراز اختراق في العلاقات السورية – التركية تمهيدا للقاءات أرفع/ هبة محمد
تتويجاً للمباحثات السابقة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان، التي عقدت مطلع شهر أغسطس /آب الفائت في سوتشي، إزاء المصالحة وتطبيع العلاقات التركية مع النظام السوري شهدت العاصمة السورية دمشق، خلال الأسابيع القليلة الماضية، سلسلة من الاجتماعات والمباحثات بين رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان ومدير «مكتب الأمن القومي» لدى النظام السوري علي مملوك، تمهيداً للقاءات رفيعة لمسؤولي البلدين وخلق الظرف والمناخ المناسب للمصالحة.
وأكدت مصادر سورية شبه رسمية «نجاح موسكو في تقريب بعض وجهات النظر خلال المفاوضات الأمنية بين جهازي أمن البلدين» كما قالت وسائل إعلام تركية بأن «دمشق وأنقرة تبحثان خريطة طريق للعودة الطوعية للاجئين السوريين». وقال مصدر إقليمي موالٍ للنظام السوري ومسؤولون أتراك لوكالة رويترز إن فيدان ومملوك التقيا مؤخراً هذا الأسبوع في العاصمة السورية.
وقالت أربعة مصادر لوكالة رويترز إن رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان عقد عدة اجتماعات مع مدير «مكتب الأمن القومي» لدى النظام علي مملوك في دمشق خلال الأسابيع القليلة الماضية، كما قال مصدر إقليمي موالٍ للنظام السوري ومسؤولون أتراك لرويترز إن فيدان ومملوك التقيا مؤخراً هذا الأسبوع في العاصمة السورية، وتعكس الاتصالات تحولاً في السياسة الروسية، حيث تكافح موسكو من أجل صراع طويل الأمد في أوكرانيا وتسعى لتأمين موقعها في سوريا.
وفي السياق، نقلت صحيفة الوطن شبه الرسمية، الخميس عن مصادر مقربة من الحكومة التركية، «أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تطرق خلال لقائه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في مدينة سمرقند العاصمة التاريخية لأوزبكستان، لملف التقارب السوري – التركي، استكمالاً للمشاورات والتفاهمات، التي توصلا إليها بخصوص ذلك في مدينة سوتشي الروسية في 5 تموز الماضي». وذكرت صحيفة «حريت» التركية، الجمعة، أن الرئيس اردوغان أبدى رغبة في لقاء نظيره السوري بشار الأسد لو أنه حضر القمة في أوزبكستان، لكنه أشار إلى أن الأسد ليس مشاركاً فيها.
وذكر عبد القادر سلفي، وهو كاتب عمود في صحيفة حريت، أن اردوغان أدلى بهذه التصريحات بشأن الأسد في اجتماع لحزبه الحاكم (العدالة والتنمية) عقد خلف الأبواب المغلقة يوم الاثنين. ونقل سلفي عن اردوغان قوله في اجتماع الحزب «أتمنى لو كان الأسد قد جاء إلى أوزبكستان، لكنت تحدثت معه. لكنه لا يستطيع الحضور إلى هناك». كما نقل عن اردوغان قوله «لقد خاض الحرب مع المتمردين للحفاظ على سلطته. اختار حماية سلطته. كان يرى أن (بوسعه) حماية المناطق التي يسيطر عليها. لكنه لم يستطع حماية مناطق واسعة».
فيدان – مملوك: ترتيب لقاء رسمي
وخلال الاجتماعات أجرى فيدان ومملوك تقييماً لإمكانية وكيفية أن يلتقي وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ووزير خارجية النظام فيصل المقداد في نهاية المطاف، وفقاً لمسؤول تركي كبير ومصدر أمني تركي. وقال المسؤول التركي: «تريد روسيا أن تتخطى سوريا (النظام السوري) وتركيا مشاكلهما وتتوصلان إلى اتفاقات معينة… تصب في مصلحة الجميع، تركيا وسوريا على حد سواء» مشيراً إلى أن «أحد التحديات الكبيرة هو رغبة تركيا في إشراك المعارضين السوريين في أي محادثات مع دمشق» وكشف المسؤول عن سحب روسيا «بعض الموارد العسكرية من سوريا للتركيز على أوكرانيا، وطلبت من تركيا تطبيع العلاقات مع دمشق في سبيل «تسريع الحل السياسي». وقال المصدر المتحالف مع النظام السوري إن روسيا حثت النظام على الدخول في محادثات حيث تسعى موسكو لتحديد موقفها وموقف الأسد في حال اضطرت لإعادة نشر قوات في أوكرانيا، مشيراً إلى ان الاجتماعات الأخيرة – بما في ذلك زيارة فيدان لدمشق استمرت يومين في نهاية أغسطس / آب – سعت إلى تمهيد الطريق لجلسات على مستوى أعلى.
وقال المسؤول التركي الكبير إن أنقرة لا تريد أن ترى القوات الإيرانية أو المدعومة من إيران – المنتشرة بالفعل على نطاق واسع في المناطق التي يسيطر عليها النظام في سوريا – تسد الفجوات التي خلفتها الانسحابات الروسية، مضيفاً أن روسيا لا تريد أن يرى النفوذ الإيراني يتوسع لأنه يقلل من وجودها.
دبلوماسي مقيم في المنطقة، قال بدوره إن روسيا سحبت عدداً محدوداً من القوات من جنوبي سوريا في وقت سابق هذا الصيف لا سيما في المناطق الواقعة على طول الحدود مع إسرائيل والتي تم ملؤها لاحقاً من قبل القوات المتحالفة مع إيران، وأضاف المصدر الإقليمي المتحالف مع دمشق ومصدر آخر رفيع المستوى موالٍ للأسد في الشرق الأوسط، لرويتز، إن الاتصالات التركية – السورية أحرزت الكثير من التقدم، دون الخوض في تفاصيل. ومصدر إقليمي ثالث متحالف مع النظام السوري قال إن العلاقات التركية – السورية بدأت تتحسن وتتقدم إلى مرحلة «خلق مناخ للتفاهم» وتحدثت المصادر شريطة عدم الكشف عن هويتها نظراً لحساسية جهات الاتصال التي لم يتم الكشف عنها علنا.
وامتنع جاهز المخابرات التركي عن التعليق، ولم تعلق وزارة الخارجية، لكن موقع «خبر 7 » التركي ذكر في تقرير له نشر الجمعة، أن الجانبين التركي والنظام السوري توصلا في مباحثاتهما الاستخباراتية إلى نقطة متقدمة، ونقل عن مصدر أمني تركي تأكيده أن «دمشق وأنقرة تبحثان خريطة طريق للعودة الطوعية للاجئين السوريين».
وقالت المصادر التركية لصحيفة الوطن «إنه من الطبيعي أن يتركز قسم كبير من مباحثات بوتين – اردوغان حول المواضيع الاقتصادية، لكون قمة شنغهاي مخصصة للتعاون الاقتصادي بين أعضائها، إلا أنه سيجري التشاور في العديد من المسائل الإقليمية ذات الاهتمام المشترك خلال اللقاء، وفي مقدمتها ملف المصالحة بين دمشق وأنقرة» كما رجحت أن يحض بوتين اردوغان خلال لقائهما على استمرار نهج التقارب، وأن تبذل موسكو في المرحلة القريبة المقبلة جهوداً استثنائية لإحراز المزيد من التقدم في استدارة أنقرة نحو دمشق، بعد أن نجحت أخيراً في تقريب بعض وجهات النظر خلال المفاوضات الأمنية بين جهازي أمن البلدين، حيث تحدثت تسريبات عن حدوث تطورات مهمة خلال المفاوضات الأمنية، لم يكشف عن مضمونها.
تحذير «الائتلاف»
وأشارت إلى أن الرئيس بوتين مهتم شخصياً في تحقيق اختراقات في هذا الملف الحيوي، ويشاطره التوجه اردوغان مع بعض التحفظات التي يمكن تذليلها عبر استمرار وتكثيف اللقاءات الأمنية القادرة على تذليل العقبات التي تحول دون ارتقاء التعاون بين البلدين إلى مجال التقارب السياسي، وفي أقرب وقت ممكن، «لما فيه مصلحة مشتركة لهما».
في موازاة ذلك، حذر الأمين العام للائتلاف الوطني السوري هيثم رحمة، الجمعة، من المساعي الأممية -غير المعلنة – لإعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا، ودعا للالتزام بالاتفاقيات الدولية التي تمنع العودة القسرية للاجئين وخصوصاً أن سوريا ما تزال غير آمنة لعودة أي لاجئ بسبب وجود نظام الأسد.
وأشار إلى أن أسباب لجوء السوريين ما تزال قائمة، وهي وجود نظام الأسد في الحكم، وهو الذي تسبب بنزوح ولجوء ما يقارب 13 مليون سوري، بسبب سياسته القمعية القائمة على القتل والاعتقال والإخفاء القسري لكل المعارضين له. وذكّر الأمين العام بأن النظام المجرم لم يتقيد بمضمون القرارات الدولية سابقاً، ولا يمكن التعويل عليه بأي مشروع يخص السوريين، لأنه مجرد دمية بيد روسيا يعمل خدمة لمصالحها وأوامرها. ونبه رحمة إلى أن مجازر نظام الأسد بحق السوريين ما تزال تتكرر إلى الآن بحق الشعب السوري، لأن هذا النظام مبني على الإرهاب والقمع، وأي محاولة لإعادته إلى الأسرة الدولية هو بمثابة قبول بجرائمه الوحشية ودعم لها.
وأشاد رحمة بجهود المنظمات الحقوقية -الدولية والمحلية- التي تحذر الأمم المتحدة والمفوضية السامية من التورط مع نظام الأسد في أي اتفاق لإعادة اللاجئين لأنه يشكل خطراً على حياة العائدين، ولأن ظروف العودة الآمنة غير متاحة بعد. وأشار الأمين العام إلى أن النازحين واللاجئين السوريين ما يزالون ينتظرون تهيئة الظروف لعودتهم إلى مدنهم وبلداتهم، وذلك عبر تحقيق الانتقال السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254 ومحاسبة نظام الأسد وحلفائه على مئات الجرائم والانتهاكات التي ارتكبوها بحق السوريين.
القدس العربي»
——————————-
أردوغان لن يلتقي الأسد في المدى المنظور
قالت صحيفة “صباح” التركية السبت، إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لن يلتقي برئيس النظام السوري بشار الأسد في المدى المنظور.
وأوضحت الصحيفة أن اللقاءات التي جمعت رئيس جهاز الاستخبارات التركية هاكان فيدان برئيس جهاز الأمن القومي السوري علي مملوك خلال الأسابيع الماضية في دمشق، كانت “محاولة لوضع خريطة طريق آمنة لعودة اللاجئين السوريين”، و”مناقشة هوامش المرونة والمواضيع الرئيسية الواجب السير عليها من أجل تنفيذ الخريطة.
ووضع المسؤولون في جهاز الاستخبارات التركية خلال الاجتماع، حسب الصحيفة، القضايا التي من شأنها أن تضمن عودة آمنة لجميع اللاجئين وعدم إصدار أحكام قضائية بحقهم وإعادة جميع العقارات المصادرة لأصحابها، لافتةً إلى “نتائج الاجتماعات الملموسة ستستغرق وقتاً حتى تظهر”.
وأكدت الصحيفة أن اللقاء بين أردوغان والأسد “لن يحصل” على المدى المنظور وكذلك لن يحصل اجتماع على مستوى الوزراء في الحكومة.
ونقلت وكالة “رويترز” الخميس عن 4 مصادر أمنية تركية قولها إنه خلال لقاء فيدان بمملوك في دمشق، جرى تقييم إمكانية عقد لقاء بين وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو ووزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد. وكذلك نقلت عن مصدر حليف لدمشق أن فيدان ومملوك التقيا مرات عدة خلال الأسابيع الأخيرة، موضحاً أن هذه اللقاءات وضعت الأسس لاجتماعات على مستويات أعلى بين البلدين. وأضاف أن اللقاءات السورية-التركية حققت تقدماً كبيراً من دون تقديم مزيد من التفاصيل.
وحول مطالبات النظام بانسحاب الجيش التركي قبل الشروع بالمفاوضات، قالت الصحيفة إن المسؤولين الأتراك أوضحوا لنظرائهم في مخابرات النظام الالتزام التركي بوحدة الأراضي السورية، وطلبوا إرجاء تقييم هذه المطالب لاحقاً بشرط استكمال العملية الدستورية وإجراء انتخابات حرة وتجديد اتفاقية أضنة بشأن مكافحة الإرهاب.
وكانت الصحافية في جريدة “النافذة” التركية نوراي باباجان قد كشفت الخميس اشتراط مملوك على نظيره التركي “عودة الجنود الأتراك الموجودين على الأراضي السورية إلى منازلهم”، قبل الشروع بالتفاوض على قضية اللاجئين التي يشكل حلها أبرز نقاط القوة لتحالف الحزب الحاكم خلال الانتخابات الرئاسي.
وقبل أسبوع، تحدث موقع “إنتلجنس أونلاين” عن حدوث اللقاء بين فيدان ومملوك برعاية روسية. وذكر الموقع الفرنسي المتخصص بالمعلومات الاستخباراتية أن موسكو رعت الاجتماع في إطار مساعيها ل”لعب دور الوسيط” في التقارب بين الحكومة التركية والنظام السوري. إلا أن نتائج اللقاء غير مرضية حسب الموقع، لكنه سمح على الأقل للجانبين بتحديد مطالبهما وعرض شروطهما.
المدن
——————————–
أردوغان:عندما سألتقي الاسد سأبلغه أن سوريا ستتقسم!
قالت صحيفة “حرييت” التركية إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أبدى رغبته بلقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد “لو كان مشاركاً في قمة منظمة شنغهاي”، المنعقدة حالياً في أوزبكستان.
وبحسب صحيفة “حرييت” التركية فإن الرئيس التركي أبدى رغبته في لقاء الأسد “لو كان حاضراً في قمة منظمة شنغهاي التي عقدت في العاصمة الأوزبكية سمرقند. لكنه أشار إلى أن الأسد لم يكن يحضر القمة”.
وقالت الصحيفة في التقرير الذي نشرته الجمعة، إن أردوغان أدلى بهذه التصريحات بشأن الأسد في اجتماع مغلق لحزب العدالة والتنمية الحاكم الاثنين.
وفي وقت سابق من شهر آب/أغسطس، نفى وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو وجود ترتيبات لعقد اجتماع بين أردوغان والأسد على هامش قمة شنغهاي. وأتى النفي التركي بعد أنباء أفادت بأن روسيا تبذل مساعي لعقد لقاء بين الرجلين من أجل تحقيق تقارب بين تركيا ودمشق.
وقال أردوغان بحسب “حرييت”، إن سوريا على وشك الانقسام لأن الأسد فضّل حماية مناطقه من غير أن يكون قادراً على حماية المناطق الكبيرة.
وأضاف “أتمنى لو كان قد جاء إلى أوزبكستان، لكنت التقيته. كنت سأقول هذا في وجهه. قلنا له: انظر، إذا فعلت هذا، سوريا سوف تنقسم. لم ينتبه لتحذيراتنا. لكنه لم يكن يعتقد أن الولايات المتحدة وروسيا ستدخلان هناك. فضّل حماية منطقة نفوذه، لكنه لم يستطع حماية الأراضي السورية الكبيرة”.
فيدان في دمشق
والخميس، نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر أن رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان عقد اجتماعات مع مدير مكتب الأمن القومي السوري علي مملوك في دمشق خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وقال مصدر إقليمي موالٍ للنظام السوري ومسؤولون أتراك ل”رويترز”، إن فيدان ومملوك التقيا هذا الأسبوع في العاصمة السورية، وتعكس الاتصالات تحولاً في السياسة الروسية، حيث تكافح موسكو من أجل صراع طويل الأمد في أوكرانيا وتسعى لتأمين موقعها في سوريا.
وخلال الاجتماعات أجرى فيدان ومملوك تقييماً لإمكانية وكيفية أن يلتقي وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو ووزير خارجية النظام فيصل المقداد في نهاية المطاف، وفقاً لمسؤول تركي كبير ومصدر أمني تركي.
وقال المسؤول التركي: “تريد روسيا أن تتخطى سوريا (النظام السوري) وتركيا مشاكلهما وتتوصلان إلى اتفاقات معينة تصب في مصلحة الجميع، تركيا وسوريا على حد سواء”.
وتشكل المواقف التركية الأخيرة تحولاً دراماتيكياً من موقف أنقرة على مدى العقد الماضي، حيث كانت تركيا أحد الداعمين الرئيسيين للمعارضة السورية والفصائل المسلحة التي قاتلت للإطاحة بنظام الأسد في سوريا، كما تدخلت أنقرة عسكرياً، وأصبح لديها وجود في مناطق داخل سوريا إلا أنها اليوم بدأت ترسل إشارات بأنها مستعدة لبدء حوار مع النظام.
وأعادت تركيا ضبط سياستها الخارجية على مدار العام الماضي لإصلاح العلاقات والمصالحة مع جيرانها، بما في ذلك الإمارات والسعودية وإسرائيل، وسط مساع لإعادة العلاقات مع مصر، التي أطاح نظامها الحاكم بحكومة إسلامية منتخبة ديمقراطياً كانت مدعومة من تركيا.
—————————–
“حماس” وتركيا وروسيا.. والنظام السوري/ خيرالله خيرالله
ليس ما يدل على الإفلاس الروسي أكثر من الضغوط التي مارستها موسكو من أجل مصالحة حركة “حماس” مع النظام السوري، وهي ضغوط ترافقت مع جهود من أجل تقارب بين تركيا والنظام السوري.
توّجت المصالحة بين النظام السوري و”حماس” ببيان صدر حديثا عن الحركة، التي هي جزء لا يتجزّأ من تنظيم الإخوان المسلمين في العالم. يتجاهل النظام السوري أنّه يتصالح عمليا، عبر “حماس”، مع الإخوان المسلمين الذين يعتبرهم من ألدّ أعدائه. يشير البيان الصادر عن “حماس” والقاضي باستئناف العلاقات بينها وبين النظام السوري إلى أنّ تلك الحركة لا تمتلك أيّ مبدأ من أيّ نوع باستثناء خدمة إسرائيل.
قال البيان: “أكّدت حركة حماس مضيّها في بناء وتطوير علاقات راسخة (مع النظام السوري)، خدمة لأمتنا وقضاياها العادلة وفي القلب منها قضية فلسطين لاسيما في ظل التطوّرات الإقليمية والدولية المتسارعة التي تحيط بقضيتنا وأمتنا”. لم توضح “حماس” ما هي هذه التطورات المتسارعة، اللهمّ إلّا إذا كانت تتحدث عن حاجة روسيا إلى تعويم النظام السوري في ضوء الهزائم التي لحقت بها في أوكرانيا. إنّها هزائم لا يزال فلاديمير بوتين يحاول التخفيف من وقعها، على الرغم من أنّها بدأت تدقّ أبواب الكرملين.
أعربت “حماس” في بيانها أيضا عن تقديرها لـ”الجمهورية السورية قيادة وشعبا لدورها في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة”. هل سألت “حماس”، قبل أن تخرج بمثل هذا النوع من المواقف المؤيدة للنظام السوري الذي قتل في تاريخه من الفلسطينيين أضعاف مضاعفة ما قتلت إسرائيل، عن مصير مخيّم اليرموك قرب دمشق أو عمّا حلّ بالفلسطينيين المعتقلين في السجون السوريّة منذ سنوات طويلة؟
واضح أنّ تصرّف “حماس” يشبه إلى حدّ كبير تصرّف صغار الانتهازيين مثل الرئيس اللبناني ميشال عون وصهره جبران باسيل اللذين عقدا صفقة مع النظام السوري ولم يعد في بالهما اللبنانيون القابعون في السجون السوريّة منذ عشرات السنين.
الأكيد أنّ “حماس” تعمل، ظاهرا فقط، بموجب أجندة روسيّة ليست بعيدة عن الرغبات الإيرانيّة في الوقت ذاته. اعتذرت من النظام السوري عن طريق إبداء “تقديرها للجمهوريّة العربية السورية قيادة وشعبا” متجاهلة رأي الشعب السوري بنظام أقلّوي أخذ على عاتقه تطويع الفلسطينيين وتحويلهم ورقة لديه. ما لبثت هذه الورقة أن انتقلت إلى “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران في أعقاب تحوّلها إلى اللاعب الأساسي والمحوري في سوريا بشكل تدريجي.
لا تعكس مصالحة “حماس” للنظام السوري، بالطريقة التي تمّت بها، سوى مدى الضعف الروسي وحاجة فلاديمير بوتين إلى إظهار أنّه لا تزال لديه أوراقه في حين أنّه صار في الحضن الإيراني. في النهاية، إن إيران هي التي لعبت دورا حاسما في جعل “حماس” ترضخ لمطالب النظام السوري في وقت لم يعد من فائدة تذكر للحركة خارج إطار الإستراتيجية الإقليميّة لـ”الجمهورية الإسلاميّة” ومشروعها التوسعي… وعدم اعتراض إسرائيل على ذلك!
رضخت “حماس”، لكنه من الصعب رضوخ تركيا التي لديها شروطها من أجل مصالحة النظام السوري. لا يمكن تجاهل أن تركيا، بعثت برئيس جهاز المخابرات فيها هاكان فيدان إلى دمشق أخيرا لعقد سلسلة من اللقاءات مع مسؤولي الأجهزة الأمنيّة التابعة للنظام السوري على رأسهم اللواء علي مملوك. كان ذلك بناء على إصرار روسي وبعد سلسلة من اللقاءات بين الجانبين عقدت في روسيا نفسها. هل لدى فلاديمير بوتين ما يكفي من النفوذ لحمل الرئيس رجب طيب أردوغان على الاعتذار من بشّار الأسد وعلى التخلي عن توسيع المنطقة الأمنية التركية في الأراضي السوريّة؟
يريد النظام السوري انسحابا تركيا من الأراضي السوريّة. هذا الأمر غير وارد في ضوء حسابات مختلفة لأنقرة التي تسعى إلى تطوير اتفاق أضنة الذي يسمح لها بالتدخل عسكريا في سوريا. أين تقف موسكو من ذلك كلّه وما قدرتها على التأثير على أردوغان الذي استفاق أخيرا على إعادة مدّ الجسور بين تركيا وإسرائيل وتبادل الزيارات ذات الطابع العسكري معها؟
يبدو الضعف الروسي العامل المشترك بين “حماس” وتركيا والرغبة في مصالحتهما مع النظام السوري. إنّه ضعف كشفته الحرب الأوكرانيّة التي قرّر فلاديمير بوتين خوضها بسبب جهله بالعالم وموازين القوى فيه أوّلا. مثلما لم يدرك الرئيس الروسي معنى شنّ حرب على أوكرانيا، البلد الأوروبي الذي يمتلك أهمّية إستراتيجية كبيرة، لا يدرك حاليا أنّ لا فائدة من تعويم النظام السوري. ليس هناك ما يمكنه تعويم نظام أقلّوي مرفوض من الأكثرية الساحقة من شعبه. الأهم من ذلك كلّه، أن “حماس” تنظيم لا يمكن الوثوق به. ما الذي تمثله “حماس” على الأرض باستثناء أنّها تؤمّن استمرار الانقسام الفلسطيني وتكريس قطاع غزّة إمارة إسلاميّة على الطريقة الطالبانيّة؟
باختصار شديد، إن “حماس” حاجة إسرائيليّة أكثر مما هي حاجة روسيّة، وهي أيضا حاجة إيرانيّة في ضوء رغبة “الجمهوريّة الإسلاميّة”، بين حين وآخر، في إظهار أنّ لديها ورقة فلسطينيّة مميّزة تمتلك صواريخ تحرّكها في إطار يخدم مشروعها التوسّعي.
يظلّ الموضوع التركي أكثر تعقيدا بمراحل. لا يعود ذلك إلى حجم تركيا وموقعها فحسب، بل إلى حسابات داخليّة وإقليميّة ودوليّة خاصة بها أيضا. لا تقتصر هذه الحسابات على العلاقة بروسيا، بل تتعداها إلى مستقبل العلاقات مع دول أوروبا ومع أميركا نفسها. تشمل هذه الحسابات الهمّين الكردي والاقتصادي الداخلي اللذين يقلقان أردوغان وحزبه، بل يمكن اعتبارهما بمثابة هاجس من هواجسه اليوميّة.
يلعب فلاديمير بوتين في الوقت الضائع ويتلهّى بالقشور. لن ينقذه تعويم النظام السوري في شيء. لا لشيء سوى لأن مشكلته في أوكرانيا وفي القرار الخاطئ الذي اتخذه والذي جعله يغرق في وحولها. لم تكشف أوكرانيا ضعف الجيش الروسي وأسلحته فقط. كشف قبل كلّ شيء أنّ بوتين لم يتعلّم شيئا من انهيار الاتحاد السوفياتي وأسباب موته!
إعلامي لبناني
العرب
——————————
======================
تحديث 22 أيلول 2022
——————————–
مصير المعارضة السورية في ضوء التقارب التركي مع نظام الأسد/ بكر صدقي
المقصود بالمعارضة السورية هنا هي، بصورة رئيسية، الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة التي تتخذ من إسطنبول مقراً لها، ويحصل قادتها على رواتبهم من الحكومة التركية (أو ربما من جهاز الاستخبارات).
هذا الائتلاف وبعض الأطر المشتقة منه كهيئة التفاوض وحصتها من اللجنة الدستورية يتبعون الأجندة التركية بصورة تامة، ليقتصر هامش استقلاليتهم على نشاط إعلامي شحيح يتصل بتفاصيل لا تهم الظهير التركي. وقد عرف السوريون، قبل أسابيع قليلة، أن ممثلي الخارجية والاستخبارات التركيين قد اجتمعا مع قادة الائتلاف ومشتقاته ليوبخوهم بسبب تصريحات «استفزازية» أدت إلى اندلاع مظاهرات في مناطق سيطرة الجيش التركي في الشمال، وطالبوهم بـ«تسويق» التقارب التركي مع نظام الأسد، وأحاطوهم علماً بخفض رواتبهم الشهرية!
وفيما كانت التكهنات تدور في وسائل الإعلام حول مدى جدية أنقرة في التطبيع مع نظام دمشق من عدمها، جاءت أخبار جديدة تفيد بحدوث سلسلة اجتماعات بين رئيسي جهازي المخابرات الرئيسيين، هاكان فيدان وعلي مملوك، أين؟ في دمشق!
هذا هو العنصر الجديد في اللقاءات الأمنية الجارية بين الجانبين منذ العام 2019، أي زيارة فيدان لدمشق. لنا أن نتوقع أن يتم اللقاء التالي في أنقرة أو إسطنبول، فالهدف من تحديد مكان اللقاء هو إحداث أثر نفسي ربما يكون أهم من فحوى المحادثات. فمواقف الطرفين المعلنة لا جديد فيها، النظام يطالب بانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، ووقف دعم الفصائل المعارضة، في حين يركز الأتراك على محاربة الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب، وإعادة اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا، ويفاوضون على مصير «المعارضة المعتدلة» أي الفصائل المسلحة التابعة لتركيا.
هذه هي محاور المفاوضات كما تذكرها «تسريبات» صحافية، أما إذا كان هناك نقاط أخرى يتم التباحث بشأنها، فهذا ما لا يمكننا معرفته قبل أن يقرر المتفاوضون الإعلان عنها. وهناك تكهنات لا يمكن التأكد من مصداقيتها تتحدث عن طلبات محددة كالطلب التركي بشأن إلغاء القانون رقم 49 للعام 1980 الذي يجرّم الانتماء إلى تنظيم الإخوان المسلمين ويحكم على أفراده بالإعدام. هذا تكهن معقول، على أي حال، بالنظر إلى حظوة الجماعة لدى القيادة التركية، كما أن تصورات الأخيرة بشأن حل سياسي في سوريا ما زالت تراوح عند النقطة التي كانت عليها في العام 2011 حين قيل إن أحد بنود مقترحات وزير الخارجية آنذاك أحمد داوود أوغلو هو إدخال عدد من وجوه جماعة الإخوان المسلمين في حكومة النظام، وهو ما رفضه الأسد رفضاً قاطعاً آنذاك، وربما ندم عليه لاحقاً بعدما امتدت الثورة المسلحة لتشمل معظم الأراضي السورية. أما الآن فالنظام سيرفض المقترح نفسه مجدداً لأن الظروف تغيرت كثيراً بعد التدخل الروسي في العام 2015.
لم تقتصر التسريبات الصحافية على الصحافة التركية، كما كانت الحال في الشهرين الماضيين، بل دخلت صحيفة الوطن «المقربة من نظام الأسد» أيضاً على الخط لتتحدث عن موضوعات الخلاف في المفاوضات بين رئيسي جهازي الاستخبارات التركي والأسدي في دمشق، وهو ما يعني تناغماً بين النظام وانقرة بشأن وتيرة «تدفئة» العلاقات على طريق التطبيع. ويمكن تفسير التجاوب الأسدي مع تودد أنقرة بالعامل الروسي الذي «يشجع» هذا التقارب على ما أفاد نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف مؤخراً.
هذه التطورات المتسارعة التي يتوقع إعطاؤها دفعة سياسية بلقاء قريب بين وزيري الخارجية مولود شاويش أوغلو وفيصل المقداد، لا بد أنها تثير قلق الائتلاف السوري المعارض الذي بدأ يلمس على رأسه وسط أنباء عن مطالبة النظام بترحيل أعضائه خارج الأراضي التركية، على غرار مطالبات نظام السيسي بترحيل المعارضين المصريين. نفى بعض أركان الائتلاف أن تكون السلطات التركية قد طالبتهم بذلك، ولكن من يدري متى تفعل إذا تطور مسار التطبيع بين انقرة ودمشق في الفترة القادمة؟
لذلك فإنه من الحصافة أن يفكر قادة الائتلاف بصورة جدية في مستقر بديل قد يضطرون إليه في الأشهر القادمة، هذا على فرض أنهم مهتمون أصلاً بالاستمرار في تمثيل «الثورة والمعارضة» في المستقبل.
فقد مضت سنوات على انخراطهم في «الحل السياسي» في إطار عملية آستانة، وسلموا تمثيل «برنامجهم» في هذه العملية إلى الظهير التركي الذي تختلف أولوياته، بداهةً، مع الأولويات السورية المعارضة. وحصل أبرز قادة الائتلاف وهيئته السياسية على الجنسية التركية، وهو ما قد يجنبهم الترحيل لكنه قد يفرض عليهم ما هو أسوأ: الصمت السياسي ووقف الأنشطة المعارضة لنظام الأسد. أما من قد يتم ترحيلهم ممن لا يحملون الجنسية التركية فسوف يكون عليهم إيجاد دولة أخرى تمنحهم مقراً على أراضيها، وهو ما لا يبدو أنه ميسور في الظروف الحالية.
على أي حال، وبصرف النظر عن السيناريو المذكور، يبقى أن القضية السورية بحاجة لإطار يمثلها في المحافل الدولية، يكون مستقلاً عن الدول «الصديقة» ومقبولاً في الوقت نفسه في المجتمع الدولي وفي البيئات السورية المعارضة. الائتلاف المعارض بعيد عن تحقيق هذه الشروط منذ سنوات، وكان بقاؤه مرهوناً بإرادات الدول الأخرى، ولأن السوريين لم يبتكروا بديلاً عنه.
ترى هل سيتمكنون من ذلك في الفترة القادمة؟
كاتب سوري
القدس العربي
——————————
إذ يحذر أردوغان الأسد/ عمار ديوب
كنت سأقول له في وجهه: أنت سبب مآسي سورية، وإنْ لم تبادر إلى تسوية سياسية فإنّ سورية ذاهبة نحو التقسيم. هذا فحوى ما نُقِل عن الرئيس التركي، أخيراً، إن التقى الرئيس السوري بشار الأسد. وأكد رئيس الاستخبارات التركي هاقان فيدان، في دمشق، مع رئيس جهاز الاستخبارات السورية علي مملوك، الفكرة ذاتها؛ وليس من تطبيعٍ بين البلدين قبل العودة الآمنة للاجئين، وتطبيق القرارات الدولية، والحفاظ على وحدة سورية غير قابل للتحقق من دون ذلك، والإجهاز على قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والمصالحة بين النظام والمعارضة. الجديد في تلك التصريحات موضوع التقسيم؛ فأردوغان وحكومته يصرّان على التطبيع، ولأسبابٍ داخلية، وبضغطٍ روسي.
المشكلة التي تعترض أردوغان أنّ النظام السوري غير قابلٍ للإصلاح، وهي مشكلة تتجاهلها روسيا وتدعمها إيران. الوضع التركي الداخلي، وانتخابات 2023، وقوة المعارضة التركية تجبرانه على الاستمرار في التصريحات بما يخصّ التطبيع. ويبدو، وهذا ما أرجّحه، أن النظام التركي لن يتوقف عن التصريحات، فهذا ضروري في لعبة الصراعات الداخلية، ويأتي ضمن ذلك زيارة فيدان دمشق.
رغم التسريبات المتضاربة بأنّ تركيا أنذرت المعارضة السورية بضرورة المغادرة، وضغوطها الشديدة على اللاجئين السوريين في تركيا، فإن الأخيرة ليست في وارد التخلي عن المجموعتين. وربما، وحينما تصل إلى قناعةٍ بأن التطبيع غير ممكن، كما كان الأمر في عام 2011، واستنفذت كل الفرص حينها في إجبار النظام على تقديم التنازلات للشعب والاستجابة لبعض المطالب، أقول، ربما حينها، تكثّف من سياساتها في شمال سورية وشرقها، من أجل إعادة ملايين اللاجئين وإلحاق مناطقهم بالولايات التركية، وهذا سيعني فعليّاً تقسيم سورية، وسيؤدّي إلى تعزيز سلطة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وربما هيئة تحرير الشام. ضمن تحليلٍ كهذا، يمكن فهم تصريح أردوغان، ويمكن أيضاً تحليل كلامه، بمثابة إنذار للروس وللنظام السوري، وبالطبع لإيران، أي إمّا التطبيع بشروطٍ أو التقسيم.
لا تتجاهل رسالة أردوغان هذه الرغبة الروسية، بل تُظهِر لموسكو أن المشكلة ليست لديه، وقد فتح كل الطرق من أجل التطبيع، بينما النظام السوري لم يستجب مطلقاً، وما زالت سياساته مطابقة للسياسات الإيرانية، بضرورة مغادرة تركيا الأراضي السورية، وعودة اللاجئين من دون أيّة شروط، وتجاهل كل القرارات الدولية.
وسيجبر التحرّك التركي الواسع نحو التطبيع روسيا على مواقف جديدة مع النظام. وبالطبع، ليست من نوعية استقبال شخصيات “معارضة” سورية غير فاعلة، ولا تمتلك موقفاً سياسياً صلباً تجاه النظام، كما جرى في لقاء هذه الشخصيات مع نائب وزير الخارجية الروسي، بوغدانوف، أخيراً. روسيا المتورّطة بقوّة في أوكرانيا، والتي تتعرّض لهزائم كبيرة هناك، وسحبت منظومة الدفاع الجوي إس 300، والعديد من قواتها من سورية، لن تكتفي بممارسة الضغوط على النظام، أو هذا ما يُفترض، لا سيما أنّها ترى اشتداد قوة التدخل الإيراني وتوسّع الرد الإسرائيلي. وبالتالي، ستخسر أكثر فأكثر في حال امتناع النظام السوري عن الدخول في حوارٍ جادٍ مع تركيا؛ الوضع معقد جداً، فأميركا لم تغيّر مواقفها إزاء تركيا، وزادت من دعمها “قسد”. استمرار روسيا بسحب قواتها من سورية سيُضعِف موقفها تجاه الدول المتدخلة، وسيعني زيادة حصة الدول المتدخلة، ومنها أميركا بالتأكيد، وهذا ليس لصالح تركيا، وبالطبع ليس لصالح روسيا. وبالتالي، هل يمكن لروسيا أن تتخلص من سياساتها السابقة تجاه دعم النظام، والإقلاع عن مساراتها عبر أستانة وسوتشي واللجنة الدستورية وإجبار النظام على تقديم تنازلاتٍ فعلية، والاستجابة لمطالب أردوغان بعودة اللاجئين وتطبيق القرارات الدولية، وعدم السير بتقسيم سورية إلى نهايته.
هناك قضية عدم مرونة النظام السوري، وعجزه الكامل عن إصلاح ذاته أو المصالحة مع المعارضة؛ فقد فشلت كل مسارات التطبيع معه، وهي لم تشرعن وجوده، وتذهب به إلى اجتماعات جامعة الدول العربية أو إلى قمة منظمة شنغهاي، رغم أن لا أسباب فعلية لعدم ذهابه إلى الأخيرة. يعود السبب الرئيسي في ذلك إلى سجله الكبير في عدم الاستجابة لمطالب شعبه في الديموقراطية، أو العدالة، ورفضه أيّ تغييرٍ منذ 2011، وبالتالي، ورغم أن الدول المجتمعة في شنغهاي ليست معادية له، فإن ذهابه تعثّر، وهناك الرفض المستمر للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للتطبيع معه قبل البدء بتطبيق القرارات الدولية.
منذ رَفض النظام السوري الاستجابة للشعب السوري في 2011، وكل المبادرات الإقليمية والدولية للحل في سورية، واستمرّ في سياسة القمع، واستجلاب المليشيات وإيران وروسيا لم يعد قادراً على العودة إلى ذلك العام، والتطبيع مع العالم. يتحرّك أردوغان تجاهه من أجل معركته الداخلية بصورة خاصة، ويشكل التعقيد الكبير والتضارب في المصالح بين الدول المتدخلة في سورية، كأميركا وروسيا وإيران وتركيا وإسرائيل، سبباً أساسياً لاستمرار الواقع كما هو، وبالتالي، لن يتمكّن أردوغان من تليين النظام والتطبيع معه وإحداث المصالحة.
لا يمكن لأي تفكير موضوعي أن يتجاهل دور المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، والمعارضة المكرّسة، أي الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، ودور كل الفعاليات السياسية والثقافية السورية في هذه اللحظة. التغيير الحاصل في السياسات التركية، والضعف الروسي، وأنقرة وموسكو فاعلتان في النظام والمعارضة، يستدعيان دوراً حاسماً للائتلاف الوطني. والمقصد هنا أن وجود موقف قوي للمعارضة سيرجّح خيارات أفضل لصالح الشعب السوري والحل السياسي واستمرار المواقف الهامشية لها، قد يدفع تركيا إلى سياسات تفريطية أكثر مما فعلت منذ تسليم حلب للنظام 2016 والسير بالمسارات الروسية، المشار إليها أعلاه. أردوغان مضطر لتغيير سياساته، فهو ليس برفاهيةٍ في الداخل التركي، والمعارضة هناك مدعومة أميركياً وأوروبياً، ومشكلته أن النظام السوري يتفق مع الأخيرات في إسقاطه، والتضيق على اللاجئين والمعارضة السورية هناك.
الفشل الكامل لـ”لائتلاف” يفترض أن تتقدّم، وبدلاً منه قوى سياسية سورية جديدة، حيث لم يعد الاكتفاء بالنقد، وتحليل أوضاع المعارضة المكرّسة بذي فائدة، وهي أصبحت تابعة بشكل كامل للدول الداعمة لها. تشكيل قطب معارض جديد يجب أن يكون من مهمات المعارضة الجديدة، وأينما كانت، بما يوصلها إلى رؤية استراتيجية للواقع الحالي، والتمسّك بالقرارات الدولية، ووضع تصوّرات دقيقة عن مستقبل سورية، وبما يشكل حافزاً، ودافعاً للانخراط في العمل السياسي من جديد.
أخطأت تركيا كثيراً حينما أَخضعت الفصائل، وحينما جعلت من “الائتلاف” المعارض ومؤسّساته ورقة بيدها، بينما كان الصواب، وهي ترى تَمسّك روسيا وإيران بالنظام كما هو، أن تدعم المعارضة والفصائل، ودفعهما إلى الحفاظ على استقلال مواقفهم إزاء قضيتهم المركزية. اللحظة الراهنة للقضية السورية خطيرة، وعلى المعارضين المستقلين، المبادرة إلى تشكيل ذلك القطب، وطرح استراتيجية ثورية، وإعادة القضية السورية، كما هي، قضية شعبٍ، يريد الوصول إلى دولة تمثل الكل الاجتماعي، وهذا وحده ما سيفتح المجال نحو الحل السياسي وفقاً للقرارات الدولية، والاستفادة من ضعف الروس ورفض العالم لوجود إيران في سورية، وفرملة المواقف التركية للتطبيع مع النظام.
في كل الأحوال، لن يقبل النظام السوري بالتطبيع أو المصالحة. وبالتالي، سورية ذاهبة نحو أزماتٍ أكبر، وربما نحو التقسيم، كما قال الرئيس التركي.
العربي الجديد
—————————
التحول التركي.. مبعث جديد للقضية السورية/ منير الربيع
لا بد للمرء أن يصاب بخيبة أو ألم، نتيجة التسريبات الكثيرة التي تتحدث عن إمكانية إعادة التواصل بين تركيا والنظام السوري. عوامل كثيرة، عاطفية وسياسية تتداخل فيما بينها. خاصة أن الرهان على أنقرة كان كبيراً في دعم المعارضة ومواجهة النظام والسعي لإسقاطه، وهو أمر لم تقدم عليه تركيا باكراً في سنوات 2012 و 2013 بسبب عدم توفر الظروف الدولية ولا الإقليمية المناسبة. ووراء ذلك أسباب كثيرة إقليمية ودولية، وجيوستراتيجية تتعلق بالتغير الديناميكي الذي يشهده النظام العالمي والعلاقات بين الدول.
قبل أسابيع عقد اللقاء الأول لمسؤول تركي في العاصمة السورية دمشق. التواصل الأمني استمر بين الطرفين بوساطات روسية وإيرانية، ولقاءات عُقدت سابقاً في هاتاي وفي موسكو بين هاكان فيدان وعلي مملوك. لتركيا أسباب كثيرة تدفعها للإقدام على هذه الخطوة، وهنا أيضاً لا مجال للحديث بالعاطفة التي تدفع إلى معارضة الخطوة التركية ومناصرة الثورة السورية. ولا مجال أيضاً للتبرير لأنقرة خطوتها. إلا أن ثمة متغيرات سياسية واستراتيجية تفرض نفسها على رجب طيب أردوغان. الذي نجح في لعب أدوار بارزة على صعيد الإقليم ونجح في استعادة تركيا لدور مؤثر في القوقاز، وآسيا وأوروبا بالإضافة إلى الشرق الأوسط.
وبناء عليه، يمكن تقسيم المسار السياسي التركي منذ ما بعد وصول العدالة والتنمية إلى السلطة إلى ثلاث مراحل، المرحلة الأولى أيام الوئام بين أردوغان وأحمد داود أوغلو والتي ارتكزت على الرؤية الاستراتيجية لأوغلو أحد أبرز وزراء الخارجية الأتراك وهي نظرية العمق الاستراتيجي القائم على صفر مشكلات، فنجحت أنقرة بتعزيز نفسها اقتصادياً وتجارياً. المرحلة الثانية هي مرحلة الربيع العربي والخلاف بين أوغلو وأردوغان، وصولاً إلى دخول تركيا في مشكلات الإقليم، فكان الحضور في مصر ما أدى إلى خلافات وتباعد مع الدول العربية والخليجية، وكذلك بالنسبة إلى الدخول في ليبيا على الرغم من تحقيق أنقرة لمكسب استراتيجي بتوقيع الاتفاق البحري مع طرابلس الغرب. في هذه المرحلة، نجح أردوغان بتثبيت حضور تركيا ودورها في العراق، سوريا، وعزز وضعه في أذربيجان، والقوقاز، وصولاً إلى أوروبا انطلاقاً من الدور الذي لعبه في أوكرانيا، فأصبح حاجة وضرورة للطرفين الأوكراني والروسي فيما الأوروبيون يقفون عاجزين أمام آلة الحرب وتبعاتها وتداعياتها.
المرحلة الثالثة والتي تدخلها تركيا للتو، هي مرحلة استعادة العلاقات مع كل الدول التي خاصمتها سابقاً، بدءاً من المصالحة مع السعودية والإمارات واستكمال المساعي لترتيب العلاقات مع مصر، وحتى مع إسرائيل، ولهذه الترتيبات اعتبارات طاقوية، لا سيما أن تركيا تستعد لاستخراج الغاز والنفط في السنة المقبلة، وهي السنة التي ستشهد الانتخابات الرئاسية التي يخوضها أردوغان مجدداً وستتحكم بها عوامل كثيرة. تقتضي هذه المرحلة العودة تدريجياً إلى نظرية صفر مشكلات، على الرغم من صعوبتها. فيما تطمح تركيا للعب دور أساسي في عملية توريد الغاز إلى أوروبا.
أمام هذه الوقائع، لا يمكن إغفال إمكانية احتلال هاجس أساسي لعقل أردوغان وهي بنتيجة ما خبره الرجل من سياسات الدول، وكانت ترجمته القاسية في محاولة الانقلاب في العام 2016. كانت تلك إشارة أساسية حول استعداد الدول للقيام بأي خطوة ضده أو لقلب نظامه أو إضعاف الدور التركي. وذلك باللجوء إلى استخدام الساحة الداخلية والضرب تحت الحزام، طالما أن الرجل كان يقول إن القوى الخارجية عجزت عن تطويع تركيا أو هزيمتها. هنا لا بد من الوقوف أمام تجربة أردوغان مع حلفائه في الناتو أو خارجه مع التنظيمات الكردية والتي تنظر إليها أنقرة بأنها تمثل خطراً وجودياً، فيما القوى الخارجية تدعمها، هذا يدفع الرجل إلى التخوف من الذهاب إلى دعم الخيارات الانفصالية على قاعدة تصغير الكيانات في الساحة العالمية من أوروبا إلى الشرق الأوسط. وهو لا يريد أن يصل هذا الدور على تركيا لا باستخدام المسألة القومية أي الاكراد، ولا المسألة الطائفية أي العلويين الذين ينحصر وجودهم بين تركيا وسوريا.
وهذا ما يتثبت في ما نُقل عن أردوغان بأنه لو التقى الأسد في قمة شنغهاي لكان أبلغه أن سوريا ستتقسم، فهذا الكلام له دلائل استراتيجية بعيدة المدى، وهي تؤشر إلى أن أي لقاء سيعقد بين الرجلين سيكون له هدف الحصول من الأسد إلى اعتراف بالوجود التركي في الشمال السوري، على قاعدة انتزاع تلك المنطقة الآمنة والحفاظ عليها تحت عنوان الأمن القومي التركي، وإلا لن يكون هناك أي رغبة لدى الرئيس في اللقاء.
يأتي ذلك على وقع التشظيات الكبيرة التي أصيبت بها القضية السورية، التي أصبحت عبارة عن قضايا متشابكة ومتضاربة، سواء بالموضوع الكردي، أو بالموضوع الطائفي. بينما تبدو المعارضة السورية غائبة عن أي تأثير أو فعالية، وغائبة عن تقديم خطاب أو برنامج واضح، ومعروف أن الكلام في هذا المجال أصبح مستهلكاً وممجوجاً. وكان له ما يماثله بشأن القضية الفلسطينية على مدى 70 عاماً، إذ لم تجد فلسطين من يساندها سوى بالكلام، فيما كانت الفعالية للفلسطينيين أنفسهم والذين نجح ياسر عرفات كما غيره بإعادتهم إلى قلب فلسطين وإنشاء الدولة.
وهذا ما يجب على السوريين إعادة إنتاجه، أو من خلال إعادة مأسسة العمل السياسي، وصناعة الثورة مجدداً بصناعة الرمز الذي سيكون قادراً على فرض شروطه وإسماع صوته في تركيا أو في الدول العربية أو على الصعيد العالمي أيضاً. وهذا لا بد أن يترافق مع مواجهة حالة الضعف التي أصيبت بها المعارضة السورية التي أصبحت عاجزة عن الإمساك بالواقع على الأرض في المناطق المحررة، بينما تحولت السيطرة إلى الميليشيات بما فيها الميليشيات المتطرفة التي هي بعيدة كل البعد عن الثورة. فيما تبحث أنقرة عن جهة ما تكون قادرة على التواصل معها وبناء عليه لم يوجد في الميدان سوى بشار الأسد، بنتيجة ظروف دولية وإقليمية تكمن فيها مقومات نظرية المؤامرة.
تلفزيون سوريا
———————————-
تركيا في تسامحها مع خصومها الدوليين والأسد/ سميرة المسالمة
تبقى حالة السلم أولوية بين الدول التي تحكمها مصالح شعوبها واستقرارهم، وانسياب علاقات التعاون التي تؤسّسها المصالح المتبادلة بينها، سياسية كانت أم اقتصادية، تعود بالفائدة على الشعوب واقتصاداتها. هذه حقائق لا يمكن التعامي عنها في أي مكان وزمان تتأسس عليها العلاقات الدولية البينية الطبيعية، ما يجعل أي جنوحٍ إلى السلم مرحباً به وبنتائجه، ومنه ما بدا خطّاً واضحاً في سياسة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حين عاد إلى منطق الصفر مشكلات مع دول الخليج العربي (السعودية والإمارات)، ومن ثم مصر، في محاولةٍ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من اقتصاد بدا في أصعب مراحله منذ منتصف التسعينيات، حيث تزامن تحسّن مستوياته مع صعود نجم أردوغان سياسياً، بعد تولّيه رئاسة بلدية إسطنبول 1994، وصولاً إلى رئاسة البلاد.
وحالة المصالحة التي يسعى إليها أردوغان مع دول عديدة تأتي أيضاً في سياق السعي إلى وضع حد للصراع مع معارضته في كسب أصوات ناخبيه، وسحب ورقة اللاجئين السوريين منهم عبر فتح باب الحوار مع النظام السوري، والتقارب معه لما يحقّق له غايتين أساسيتين: الأولى أنه يمكنه استخدام النظام السوري لمحاصرة الوجود الكردي في الشمال، وذلك بديلاً عن عملية تركية عسكرية، روّجها خلال العامين الماضيين، وسحبت روسيا والولايات المتحدة فتيلها عبر رفضهما إعطاء الضوء الأخضر له. الثانية، تتميز بتحقيق مشروع إعادة اللاجئين السوريين إلى داخل الحدود السورية بالتوافق مع النظام السوري، وهذا يعطي للعملية غطاءً شرعياً يتمثل بأنه جرى بالتوافق مع حكومة دمشق، وضمن اتفاقاتٍ سيعلن عنها خلال اجتماعات أستانة اللاحقة، ما يخفّف الضغط الشعبي التركي الرافض الوجود السوري في تركيا، وفي الوقت نفسه، يحقق مشروع التغيير الديمغرافي في المنطقة بزرع حزام عربي يحيط بحدوده، وبما لا يتعارض مع رغبة النظام في انهاء هذا الملف، ولكن بشروط وخريطة تركية.
لا يمكن، في ظل انقلابات السياسة التركية، نفي حقيقة التقارب، أو الرغبة في التقارب مع نظام بشار الأسد، على الرغم من حجم التهم المتبادلة بين الدولتين، والرئيسين، وعلى كل الصعد. ولكننا تعوّدنا في السنوات الماضية على تسامحٍ “لافت” من الرئيس أردوغان مع خصومه الخارجيين، وخصوصاً مع اقتراب مواعيد انتخابية تركية. ومفهومٌ أن العلاقات بين الدول تقوم على المصالح، وأن لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة، وفق المنهج البراغماتي في السياسة، لكن الرئيس التركي تعامل مع ذلك كله بخفة واضحة تجاه الشعب السوري، أو على الأقل تجاه المعارضة السورية التي يحتضن كيانها الرسمي (الائتلاف الوطني لقوى الثورة المعارضة والثورة)، إذ غيّر تموضع تركيا، بطريقة الانقلابات الدراماتيكية، لا سيما أنه كان يحيل كل سياساته، في علاقاته ومواقفه الدولية، إلى قيم سياسية وأخلاقية مبدئية.
وفي مراجعة إجمالية، اعتمدت تركيا في عهد الرئيس أردوغان عدة تحوّلات في سياساتها عامة، ومع الملف السوري والاستثمار فيه خصوصاً. الأولى، وقوامها صفر مشكلات مع الدول الأخرى، لا سيما المجاورة، والتي هندس أركانها رئيس الوزراء السابق، داود أوغلو، الذي أطيح فيما بعد، وهي السياسة التي وسمت سياسات تركيا ومواقفها قبل ثورات الربيع العربي. وكانت تلك المرحلة تستند إلى محاولة تركيا تعظيم نفوذها بواسطة القوة الناعمة، أي عبر فعاليتها الاقتصادية، وعبر نموذجها لدولة إسلامية وعلمانية وديمقراطية، ودولة في حلف الناتو.
أما المرحلة الثانية، وترسّمت بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، بخاصة في محطتها السورية (مارس/ آذار 2011)، ففيها شجّعت تركيا الثورة السورية نحو العسكرة، ودعمت أو شكلت فصائل إسلامية، وهيئات المعارضة (المجلس الوطني ثم الائتلاف الوطني)، ما أدّى إلى تحول الصراع من داخلي بين نظام ومعارضة إلى حربٍ بين نظام وفصائل مسلحة بأجندات خارجية، أباح خلالها النظام (وداعماه، إيران وروسيا، لاحقاً) لنفسه استخدام كامل أسلحته الأرضية والصاروخية والجوية، واتخذت تركيا موقفاً معادياً للنظام وفق شعارات أن حلب خطّ أحمر.. إلخ، وامتدت تلك المرحلة إلى حين إسقاط الدفاعات الجوية التركية الطائرة الروسية (2015).
وجاءت المرحلة الثالثة بعد التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية (سبتمبر/ أيلول 2015)، وبعد الاعتذار عن إسقاط الطائرة الروسية (نوفمبر/ تشرين الثاني 2015)، والذي تم تأكيده في زيارة أردوغان روسيا ولقائه الرئيس بوتين (أغسطس/ آب 2016). ففي تلك المرحلة جرى التحول الكبير في السياسة التركية بعقد اتفاق أستانة الثلاثي الذي جمع تركيا بروسيا وإيران شريكي النظام السوري وداعميه في الحرب ضد معارضيه من جهة، وضد فصائل تابعة لجهات خارجية من جهة ثانية، ومنها تركيا. وقد نجم عن ذلك إنشاء قناة تفاوضية (أستانة)، واتفاقات “خفض التصعيد”، التي أدّت إلى خسارة المعارضة مكانتها السياسية، وسيطرتها على مناطق في سورية، لصالح النظام (باستثناء منطقة إدلب التي بقيت تحت حكم جبهة النصرة وفصائل محسوبة على تركيا).
وهنا لا بد من ذكر أن ما بعد تسليم تركيا حلب لروسيا والنظام هي المرحلة التي ولدت فيها أكثر موجات اللاجئين، التي استخدمت ورقة إزاء الدول الأوروبية، كما جرى في تلك المرحلة استخدام ورقة الصراع التركي مع القوى الكردية، وإبرازها الهم الأول لتركيا، والأمن القومي التركي، على حساب وحدة الشعب السوري، ومصالح السوريين، وسلامة مسار الثورة السورية.
المرحلة الرابعة، وهي التي نشهد فصولها منذ العام الماضي (2021)، والتي تتمثل بالقطيعة مع كل السياسات السابقة، وهو ما تجلى في إنهاء حال الخصومة السياسية التركية مع إسرائيل، أي بتطبيع العلاقات وتوطيدها معها، وكانت هذه العلاقات قد جمّدت سياسياً بعد الاعتداء الإسرائيلي على الباخرة مرمرة، وبعد العدوان الإسرائيلي على غزة (2012). كذلك تم تطبيع العلاقات مع السعودية، التي كانت تأزمت بفعل تصريحات واتهامات التركية للقيادة السعودية بعد حادثة مقتل الصحافي جمال خاشقجي في إسطنبول (2018)، وهو ما حصل أيضاً في تطبيع العلاقات مع الإمارات، وتفعيل الخطوة نفسها مع مصر.
القصد أنه بعد كل تلك التحولات الهائلة والكبيرة، تأتي قصة التحوّل في علاقة تركيا مع النظام السوري، واستعدادها لتطبيع العلاقات معه، وتبريرها ذلك بحجّة مواجهة انفصاليين وإرهابيين في شمال سورية، باعتبار ذلك هدفاً مشتركاً، وكأن كل تصريحاتها ومواقفها وسياساتها سابقاً لم تكن، أو كأن ذلك كان صادراً عن نظام آخر، أو دولة أخرى، أو تحت ضغط قوة عظمى استطاعت تركيا اليوم تجاوزها أو الانتصار عليها.
في ظل تلك التقلبات، ليس السؤال الآن عن موقف تركيا، والتي ربما تكون فعلياً في مصلحة حزب أردوغان الحاكم وانتخاباته، على الرغم من أن الشعب السوري هو من انكوى وينكوي بآثارها، وإنما عما يمكن أن تجرّه تلك السياسات على اللاجئين السوريين في تركيا، وعن مصير المفاوضات التي يأمل السوريون منها تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254، في ظل التبعية الكاملة للقسم الأكبر من أعضاء الكيانين المعارضين، سواء “الائتلاف” أو هيئة التفاوض، لما تمليه عليهم تركيا (المتصالحة مع النظام) وسياساتها؟
العربي الجديد
—————————
أهمية الفاعل الوطني السوري في ضوء احتمالات الموقف التركي/ عبد الباسط سيدا
المناقشات بين السوريين في هذه الأيام بشأن حقيقة التحولات التي طرأت على الموقف التركي من الملف السوري عموماً، ومن موضوع إمكانية مد الجسور مجدّداً مع النظام وبناء العلاقات معه، تذكّر إلى حد بعيد بتلك المناقشات التي كانت تُجرى في آواخر ثمانينات القرن المنصرم وبدايات تسعيناته عن طبيعة (ومستقبل) ما كان يشهده المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفياتي في ذلك الحين، فبينما كان فريق من الشيوعيين والماركسيين، واليساريين عموماً، في منطقتنا يراهنون على استمرارية الأمور على ما كانت عليه عقودا، مع إجراء بعض التغييرات والتحولات؛ كان فريق آخر من المتابعين يرى أن الأمور هي أبعد من التحوّلات والمتغيرات التي تتناسب مع طبيعة المرحلة، ويؤكد أن ما كان يجري كان تحوّلاً نوعياً، تبلور نتيجة تراكمات نوعية، وجميعاً نعلم النتائج بعد ذلك.
الموقف التركي من الموضوع السوري في طريقه نحو التحوّل، ويبدو أن نتائج التراكمات التي كانت، سواء على مستوى الوضع التركي الداخلي، أو على مستوى المعارضة السورية، أو على المستويين الإقليمي والدولي، قد تفاعلت، وبدأت النتائج تظهر، وستُصبح أكثر تلمّساً في المستقبل القريب. هذا ما لم تحصل تطوّرات أو متغيّرات جديدة مرتبطة بالحرب الروسية على أوكرانيا، أو بملف العلاقات بين الغرب وإيران بشأن جملة من القضايا، منها الملف النووي، فالحديث عن الاتصالات الأمنية المتواصلة، وعلى أعلى المستويات بين الحكومة التركية وسلطة بشار الأسد؛ إلى جانب تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، وكشفه عن لقاء عابر مع فيصل المقداد وزير خارجية الأسد، إلى جانب تسريبات حول تمنيات الرئيس التركي أردوغان بخصوص حضور بشار الأسد (لم يحصل) قمة دول منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند (عاصمة أوزبكستان) 15 – 16 سبتمبر/ أيلول الحالي، ليلتقي به، ويبيّن له حجم المخاطر التي تهدد سورية نتيجة سياساته كلها مؤشّرات على هذا التحوّل.
وكل هذه الأمور، وغيرها ربما ستكشف الأيام المقبلة عنها، تؤكّد أن التحولات الكمية التي طرأت على الموقف التركي منذ انطلاقة مسار أستانة بداية عام 2017، والذي ما زال يجمع بين تركيا وكل من روسيا وإيران قد تفاعلت، وباتت كيفية.
وربما من المناسب التذكير هنا مجدّداً بأن هذا المسار قد كرّس الرغبة الروسية في جعل موضوع كتابة الدستور بالتوافق بين المعارضة والسلطة أولوية الأولويات في مشروع الحل السوري، عوضاً عن هيئة الحكم الانتقالي التي كان المبعوث المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية الخاص بسورية، كوفي أنان، قد اقترحها أصلاً، وهي الخطة التي تم تبنيها لاحقاً في بيان جينف 1 عام 2012.
وليس بعيداً عن هذه التحوّلات في الموقف التركي محاولات أقدمت عليها أكثر من دولة عربية بغرض إعادة سلطة بشار الأسد إلى جامعة الدول العربية في القمة المرتقبة في الجزائر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. وكان من الواضح تناغم هذا المطلب مع التوجهات الروسية والإيرانية. غير أن هذا الموضوع قد تم تجاوزه حالياً، بناء على اعتراضات دول عربية عديدة، لإدراكها أن هذا الموضوع سيضفي قسطاً من المشروعية على ما فعلته إيران في الإقليم، لا سيما في سورية ولبنان.
ويبدو أن الموقف الغربي العام، والأميركي على وجه التخصيص، من هذا الموضوع، قد عزّز مواقف بعض الدول العربية المعترضة، وحسم مواقف بعضها الآخر، وكان التوافق على عدم دعوة بشار الأسد إلى القمة المذكورة، بغض النظر عن التخريجة الجزائرية التي حاولت تفسير الأمر برغبة الأخير في المحافظة على الانسجام في الموقف العربي، ما لا يتطابق مع الواقع بأي شكل.
التحولات في مواقف الدول تكون عادة بناء على المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية، وهي من الأمور الاعتيادية في عالم العلاقات بين الدول التي لا توجد بينها تحالفات استراتيجية عضوية. وسيكون العالم على الأغلب أمام كثير من هذه التحوّلات في هذه المرحلة المعقدة التي يشهد فيها حرباً شبه عالمية نتيجة الحرب ـ الغزو الروسي لأوكرانيا، وهي حربٌ أدّت إلى أزمات اقتصادية كبرى، وأسهمت في تغيير الهويات السياسية لبعض الدول (السويد وفنلندا مثالاً)، كما أنها تنذر بمزيد من التداعيات والمخاطر، ما لم تُبذل مساع جادّة للوصول إلى حل مقبول من الجانبين الروسي والأوكراني، لإيقاف الحرب. كما يؤدي توتر العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، والتوجه الروسي إلى استمالة الصين وغيرها من الدول، إلى تشكّل اصطفافات واستقطابات جديدة على المستويين الإقليمي والعالمي.
ومن الطبيعي في هذه الظروف المعقدة أن يغدو الملف السوري، رغم كارثية المعاناة السورية، مجرّد تفصيل من التفصيلات بالنسبة إلى الدول العظمى والإقليمية الكبرى التي تسعى حكوماتها، بكل إمكاناتها، إلى تحاشي نتائج ارتدادات الحرب المقنعة بين روسيا والغرب، خصوصا الاقتصادية منها، التي تؤثر مباشرة في المستوى المعيشي اليومي للناس في كل مكان.
هذا بالنسبة إلى الدول، ماذا عن السوريين سلطة ومعارضة؟ على مستوى السلطة، ما زالت تعتبر نفسها منتصرة على القسم الأكبر من السوريين الذين ترى فيهم خونة، ارتبطوا مع الخطط التآمرية الخارجية. هذا في حين أن الجميع يعلم أنه لو كانت هناك إرادة دولية فعلية بتغيير هذه السلطة، لكانت قد سقطت خلال الأشهر الأولى من الثورة السلمية في مواجهة الشعب. ولكن ما أنقذها هو التقاعس الدولي، إلى جانب الدعم الروسي والإيراني والمليشات المذهبية، بالإضافة إلى الإرهاب الوظيفي. هذه السلطة متمسكة بموقفها، ومستمرّة في فسادها واستبدادها بدعم من رعاتها، وهي تعلم علم اليقين أنها لا تستطيع وحدها التحكّم بالشعب السوري مجدّداً.
هذا في حين أن أوضاع المعارضة راهناً ليست على ما يرام بكل أسف؛ فالمعارضة الرسمية تعاني من جملة أزمات بنيوية مستعصية، ولا تلوح في الأفق أية بوادر لجهود فعلية توحي بإمكانية تجاوزها استعدادا لمواجهة التحديات المقبلة المتاحة. ولم يعد سراً أن هذه المعارضة، بكل مسمّياتها، من ائتلاف، وهيئة عليا للمفاوضات، ولجنة دستورية، بالإضافة إلى المنصّات المختلفة، قد أصبحت امتداداً لأجندات الدول وحساباتها، وهذه الهيئات قد تشكلت أصلاً بناء على توافقات الدول لأداء دور وظيفي أو وظائف محدّدة في مرحلة محددة. ومع ذلك يلاحظ، رغم كل المتغيرات التي طرأت على مواقف الدول وأولوياتها، أن متصدّري المشهد ما زالوا يصرّون على أنهم يمثلون قوى الثورة والمعارضة والتغيير. في حين أن كثيرين منهم، إن لم نقل غالبيتهم الغالبة، قد وصلوا إلى ما وصلوا إليه، واستمرّوا في مواقعهم بفعل إرادة (أو رغبة) هذه الجهة الدولية أو تلك؛ وهذا فحواه أن الأولويات السورية ليست هي التي تحدّد توجهات هؤلاء، حتى ولو كانت لديهم الرغبة في المحافظة على تلك الأولويات، ولكن الرغبات شيء والإرادة شيء آخر.
أما على مستوى القوى السياسية التي كانت قبل الثورة أو التي تشكّلت لاحقاً، ويُشار هنا إلى “إعلان دمشق” و”هيئة التنسيق” بأحزابهما وقواهما المختلفة، وجماعة الإخوان المسلمين، والأحزاب الكردية سواء ضمن المجلس الوطني الكردي أم خارجه، فهي جميعها تعاني من جملة مشكلات على مستوى القيادة والرؤية، وعدم القدرة على إجراء المراجعات الجادّة للأخطاء التي كانت. وقد أخفقت في اتخاذ الخطوات المطلوبة لاستعادة المصداقية، وتجاوز وضعية الترهل الشمولي (الترهل الفيزيائي والفكري والسياسي ..).
وفي المقابل هناك طاقات شبابية سورية واعدة، في داخل الوطن وخارجه، ممن اكتسبوا خبرة تنظيمية وبحثية في ميادين العمل المدني البحثي والإعلامي، كما تمكّنوا من إتقان اللغات الأجنبية والاطلاع على تجارب الآخرين، وبناء العلاقات على المستويين، الوطني والدولي. ولكن هذه الجهود تحتاج إلى وجود قيادة وطنية سورية تلتزم بالأولويات السورية، وتحقق التكامل بين هذه الطاقات، وتستثمر إنجازاتها وقدراتها وجهودها في صالح السوريين جميعاً من دون أي تمييز.
ومثل هذه القيادة الغائبة لا بد أن تمتلك من الرصيد الوطني، والمؤهلات والمصداقية والحيوية، ما يخوّلها لإجراء المراجعات وإعادة التقييم والتقويم، ويمكّنها من ذلك. على أن تقدم بعد ذلك للسوريين، وللأشقاء والأصدقاء والمجتمع الدولي عموماً، خريطة طريق مقنعة قابلة للتطبيق وللحل، تركّز بصورة أساسية على ضرورة إنهاء معاناة السوريين، واستعادة وحدة سورية شعباً وأرضاً على قاعدة إزالة الهواجس واحترام الخصوصيات والاعتراف بالحقوق، والتوافق على شكل النظام السياسي وطبيعة الإدارة، واعتماد خطّة وطنية تعليمية تنموية شاملة في مقدمة اهتماماتها إعادة إعمار المجتمع والوطن، مع الاهتمام الخاص بالمناطق التي تضرّرت أكثر من غيرها. ويستوجب مثل هذا الأمر إطلاق المبادرات الفردية والجماعية للنهوض بالمجتمع والوطن، بعد كل ما حصل من قتل وتهجير وتدمير.
العربي الجديد
—————————-
صحيفة تركية قريبة من الحكومة تكشف عن فحوى محادثات فيدان والمملوك في دمشق
أنقرة: سعيد عبد الرازق
كشفت صحيفة مقربة بشدة من الحكومة التركية تفاصيل حول ما دار خلال لقاء رئيس جهاز المخابرات التركي هاكان فيدان مع مدير مكتب الأمن الوطني السوري على مملوك في دمشق خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وقالت صحيفة «صباح»، الأحد، إن المباحثات خلال اللقاء كانت بمثابة محاولة لوضع خريطة طريق للعودة الآمنة للسوريين في تركيا إلى بلادهم، مشيرة إلى أنه جرت مناقشة القضايا ذات الأولوية للطرفين وهوامش المرونة والبنود الرئيسية لخريطة الطريق التي يجب اتباعها من الآن فصاعداً. وأكدت أن الأمر سيستغرق بعض الوقت للحصول على نتيجة ملموسة من هذه المحادثات.
ونقلت الصحيفة عن مصادرها أن مسؤولي المخابرات الأتراك عرضوا في دمشق قضايا تخص العودة الآمنة لجميع طالبي اللجوء، وإعادة العقارات لأصحابها، وتهيئة ظروف العمل والتوظيف، وضمان عدم إصدار أحكام بحقهم.
وأضافت أن الجانب التركي طالب أيضاً بضرورة إلغاء «القانون رقم 10» الذي أصدرته الحكومة السورية في 2 أبريل (نيسان) عام 2018، والذي يقضي بجواز إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر في المناطق التي دمرتها الحرب، إلا إنه ينص على سحب ملكية العقار من المواطن خارج البلاد الذي لا يقدم إثباتات الملكية خلال 30 يوماً، وهو ما فسره الحقوقيون والناشطون بأنه عقاب جماعي للسوريين في دول اللجوء.
وبشأن ما طرحه الجانب السوري خلال لقاء فيدان والمملوك، قالت الصحيفة التركية إن النظام طالب بانسحاب القوات التركية من كامل سوريا، وكان رد الوفد التركي أن أنقرة ملتزمة بوحدة الأراضي السورية، لكن يمكن تقييم هذه المطالب لاحقاً، بشرط استكمال العملية الدستورية وإجراء انتخابات حرة وتجديد «اتفاقية أضنة» بشأن مكافحة الإرهاب الموقعة بين تركيا وسوريا عام 1998.
وأكدت الصحيفة أنه ليس من المتوقع أن تكون هناك لقاءات في المدى القريب على مستوى الوزراء من الجانبين التركي والسوري أو لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان والرئيس السوري بشار الأسد.
الشرق الأوسط
————————–
أنقرة – دمشق: باعتبار ما سيكون!/ سمير صالحة
تتعامل العديد من وسائل الإعلام داخل تركيا وخارجها مع مواقف قيادات حزب العدالة والتنمية الحاكم حول التحولات الحاصلة في سياسة أنقرة السورية التي بدأ يكشف النقاب عن بعض تفاصيلها بشكل مقنن ومبرمج ومدروس على طريقة “لا تقربوا الصلاة..”.
باستثناء أصوات خافتة في صفوف المعارضة السورية لا أحد يحدثنا عن استعدادته لسيناريوهات التحول المحتمل في مواقف أردوغان وحزبه في التعامل مع الملف السوري. السبب ربما هو أن من يراجع سياسته السورية أو يبحث عن ذريعة لإعلان ذلك في أقرب ما يكون كثر في المنطقة وهم ينتظرون التحول في مواقف وسياسات تركيا.
هدف البعض إذا هو الكشف عن تفاصيل هذا التحول ومساره ومعرفة ما تم إنجازه حتى الآن من خلال المحادثات بين هاقان فيدان رئيس جهاز الاستخبارات التركية وعلي مملوك رئيس جهاز استخبارات النظام في دمشق برعاية روسية، حتى ولو جاء العنوان العريض يحمل الكثير من التجني والاستفزاز “أردوغان أبدى رغبته في لقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد”. وحتى لو جاءت “التسريبات” المنسوبة إلى إعلام فرنسي وبريطاني وروسي مكررة ومعروفة مسبقا وتم التعامل معها من قبل الخارجية التركية أكثر من مرة.
كثرة ما يوصف بالتسريبات والأنباء المتعلقة بمسار الملف السوري في الآونة الأخيرة واحتمال حدوث لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورأس النظام في دمشق بشار الأسد وأنباء الحديث عن طلب تركي رسمي لقوى الائتلاف السوري بمغادرة الأراضي التركية في إطار سياسة سورية جديدة تتبناها أنقرة، فرضت على وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الخروج عن صمته مجددا هذا الأسبوع لتوضيح الكثير من هذه المسائل:
– جاويش أوغلو قال إن هناك محادثات تركية سورية تجري على مستوى أجهزة الاستخبارات في البلدين وأنه سبق له أن كشف النقاب عن ذلك أكثر من مرة. وقال إن المحادثات بين الجانبين محصورة بحوار في هذا الإطار حتى الآن.
– ونفى الأنباء التي تتحدث عن لقاء محتمل بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورأس النظام في دمشق بشار الأسد على هامش قمة شنغهاي معلنا أن الأسد ليس بين المدعوين أساسا.
– وأوضح أن العلاقات بين أنقرة وحلفائها في المعارضة السورية على ما يرام وأنه استقبل وفدا رفيعا قبل فترة لبحث التنسيق وسبل دعم تنفيذ القرارات الأممية حول ملف الأزمة السورية وهي بحد ذاتها رسالة تأكيد لنفي الأنباء التي تتحدث عن تغير في سياسة تركيا حيال الائتلاف وقياداته ودوره وتمثيله. وعدم صحة ما يقال حول دعوة أنقرة لقيادات الائتلاف بالاستعداد لمغادرة الأراضي التركية قبل نهاية العام الحالي وأنه بمقدور المجنسين منهم البقاء في تركيا شرط عدم ممارسة أي نشاط سياسي أو إعلامي.
– وتوقف جاويش أوغلو عند مسألة مطالبة النظام السوري بانسحاب القوات التركية من شمالي سوريا كشرط مسبق للحوار، معلنا رفض أنقرة لخطوة بهذا الاتجاه على اعتبار أن الانسحاب يضر بتركيا والنظام السوري على حد سواء. “إذا انسحبنا من تلك الأراضي اليوم فلن يحكمها النظام، وستهيمن عليها التنظيمات الإرهابية ” هو ما يقوله وزير الخارجية التركي.
بعد ساعات على تصريحات جاويش أوغلو خلط الإعلامي التركي عبد القادر سلفي المقرب من قيادات الحزب الحاكم في تركيا، الأوراق مجددا حول سياسة تركيا السورية والتطورات والاحتمالات، عندما كشف النقاب عن مقاطع من حديث أردوغان في اجتماع مغلق عقده مع اللجنة المركزية ومركز القرار لحزب العدالة والتنمية في مطلع الأسبوع، بقوله إن أردوغان ردد أمام الحضور أنه كان يتمنى لو أن الأسد يأتي إلى أوزبكستان حتى أقابله، لكنه لا يستطيع المجيء إلى هناك بسبب موقفه الذي يقود سوريا نحو التقسيم، وأشعل حرباً مع المعارضة من أجل الحفاظ على سلطته. فضّل التمسك بسلطته، واعتَقَدَ أنه يحمي المناطق الواقعة تحت سيطرته، إلا أنه لم يستطع تأمين نفوذه خارج حمص وحماه وحلب. وتابع “أتمنى لو أنه أتى إلى أوزبكستان حتى أقابله، لقلتها في وجهه، حيث إننا قلنا له سابقاً: ‘انظر، إذا تصرفت بهذا الشكل، فإن سوريا ستتقسم. تجاهل تحذيراتنا، ولم يكن في حسبانه أن روسيا وأميركا ستدخل إلى سوريا. اختار التمسك بحكمه، إلا أنه فشل في حماية جزء كبير من الأراضي السورية “.
يحاول البعض الربط بين مسألة مطالبة قوى المعارضة السورية بمغادرة الأراضي التركية وتجميد نشاطاتها في تركيا وبين ما حدث مع قيادات الإخوان وإعلامهم في إسطنبول.
علاقة تركيا بالملف السوري وارتدادات ما يجري في سوريا على الأمن القومي التركي وما يقلق أنقرة في المشهد السوري سياسيا وعسكريا واقتصاديا واجتماعيا يختلف كليا عن نظرتها إلى الملف المصري. التشبيه أو المقارنة شبه مستحيلة. قبل بحث موضوع قوى المعارضة السورية وتواجدها داخل الأراضي التركية ستطرح أنقرة في حديثها مع النظام مسائل أبرزها ضرورة إبقاء سوريا موحدة تحت سلطة سياسية وإدارية واحدة، وإفشال مشروع قسد المدعوم أميركيا في الحكم الذاتي كمقدمة لدولة كونفدرالية سورية، وحسم ورقة داعش وإسقاطها من يد هذه المجموعات التي تتلاعب بها بالتنسيق مع واشنطن. ووضع خطط واضحة ومحددة في مسائل عودة مئات الآلاف من السوريين إلى داخل أراضيهم وإبعاد الميليشيات الإيرانية التي وصلت إلى مناطق الحدود التركية قادمة من لبنان والعراق وفتح الطريق أمام التسوية السياسية الحقيقية في سوريا.
سرب الإعلام الإيراني بحماس كبير نبأ احتمال حدوث لقاء بين أردوغان والأسد على هامش قمة شنغهاي. لم يتم ذلك رغم أن أردوغان أعلن أنه لو جاء الأسد إلى سمرقند لكنت التقيته لأشرح له بعض الأمور حول مسؤوليته ودوره في كل ما حل بسوريا. ما تقوله أنقرة مهم طبعا لكن رد النظام في دمشق لا يقل أهمية حسب موسكو وطهران وهو الذي لن ينكر جميلهما إلى الأبد. لو جاء لكان أردوغان أبلغه. لم يحضر الأسد ونحن لن ننتظر قدوم غودو أيضا. هل من الضروري لقاؤهما من أجل هذه الرسائل التي كشف أردوغان النقاب عنها أصلا؟ أليس بمقدور فيدان الذي يحاور مملوك أن يقوم بالمهمة؟ وما الذي سيجري بعد إيصال ونقل هذه الأمور لبشار الأسد؟ كيف سيرد عليها؟ هل سيقبل تحمل مسؤولية ما جرى ويعلن الندم والتوبة ويفتح الطريق أمام تسريع العملية الانتقالية السياسية في سوريا؟
الحوار التركي بدأ مع النظام قبل أكثر من عقد لكنه لن يحسم مع النظام في دمشق حتى ولو قال أردوغان إن هدفنا ليس هزيمة بشار الأسد بل التوصل إلى حل سياسي في سوريا. حكومة العدالة والتنمية تستعد لانتخابات صعبة بعد 9 أشهر، يتصدر الملف السوري الأولويات في حسم نتائجها، لكن أنقرة لن تساهم في تلميع صورة الأسد خصوصا بعد سقوط حلم وصوله إلى قاعة اجتماعات القمة العربية المرتقبة. هناك تطورات ومعادلات سياسية وأمنية ولعبة توازنات جديدة نشأت في سوريا ومن يتحدث نيابة عن النظام هو في الكرملين وأنقرة ستحاول أن تحسم المسألة معه إذا ما كان جادا في تحريك عجلة التسويات في سوريا بعكس ما جرى حتى اليوم. رغم أنها تدرك وجود الحصة الأميركية والإيرانية والإسرائيلية وعودة المجموعة العربية إلى المشهد وهي توازنات من الواجب أخذها بعين الاعتبار في الملف.
كل ما يدور من حديث عن تسريبات وتخمينات وتوقعات حول مسار العلاقات بين أنقرة ودمشق هي لمجرد إلهاء الرأي العام في تفاصيل لن تقدم وتؤخر. وهي كلها تمنح قوى المعارضة السورية التي عليها أن تستغل ما بيدها من ثقل ووزن وأوراق داخل سوريا وخارجها فرص لن تعوض لإعلان ولادة الانطلاقة الجديدة كي لا تكون في مقعد المتفرج.
تلفزيون سوريا
————————–
ما الذي يطمئن المعارضة السورية للخطوات التركية نحو دمشق
تزايدت التصريحات والتحركات التركية، تجاه النظام السوري، وإمكانية فتح قنوات الحوار لإعادة العلاقات معه، خلال الأشهر القليلة الماضية، وسط جمود في تحركات المعارضة السياسية بمختلف مؤسساتها كـ”الائتلاف لقوى الثورة السورية والمعارضة” أو “هيئة التفاوض العليا”، ما أثار التساؤلات حول موقفها من السياسة التركية، ومدى قدرتها على اتخاذ موقف فعلي.
وخلال الأيام الماضية، نشرت كل من وكالة “تسنيم” الإيرانية”، و “سبوتينيك” الروسية، في فترات زمنية متقاربة، تسريبات لم تكشف عن مصادرها، مفادها أن تركيا طلبت من المعارضة السورية التي تتخذ من تركيا مقرًا رسميًا لها مغادرة أراضيها، أو البقاء فيها بشرط عدم ممارسة أي عمل سياسي، الأمر الذي نفته مؤسسات المعارضة أكثر من مرة.
وفي 15 من أيلول الحالي، ذكرت وكالة “رويترز” أن رئيس جهاز المخابرات التركي، هاكان فيدان، التقى مدير مكتب “الأمن الوطني” لدى النظام السوري، علي مملوك، مؤخرًا هذا الأسبوع في العاصمة السورية، دمشق، وفق “مصدر إقليمي موالٍ لدمشق”.
ووفق ما نقلته الوكالة، عن أربعة مصادر “لم تسمها”، فإن فيدان عقد عدة اجتماعات مع نظيره السوري خلال الأسابيع القليلة الماضية، ما اعتبرته مؤشرًا على جهود روسية لتشجيع “ذوبان الجليد” بين الدول التي تقف على طرفي نقيض في الملف السوري.
وجرى خلال اللقاء تقييم كيف يمكن أن يلتقي وزيرا خارجية البلدين في نهاية المطاف، وفقًا لمن قالت “رويترز” إنه مسؤول تركي كبير، إلى جانب مصدر أمني تركي أيضًا.
وأضاف المسؤول التركي أن أحد التحديات الكبيرة، هو رغبة تركيا بإشراك المعارضة في أي محادثات مع دمشق.
“ربما خطوة للحل”
عضو الهيئة العامة في “الائتلاف”، أيمن العاسمي، قال لعنب بلدي، حول موقف المعارضة من التحركات التركية، إن لكل دولة سياساتها الخاصة المتعلقة بالسياسة الخارجية، مضيفًا أن المعارضة لا تستطيع أن تتحكم أو تفرض رأيها في سياسة أي دولة سواء كانت حليفة أو غير ذلك.
لكن موقف المعارضة من لقاء أي دولة مع الأسد “واضح”، بحسب ما قال العاسمي، موضحًا أن “مكان الأسد الطبيعي يجب أن يكون في لاهاي لمحاكمته على ما ارتكبه من جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وما فعله بسورية وشعبها”.
“تركيا تسعى لوضع الملف على الطاولة بشكل مباشر دون الاعتماد على بعض القوى التي تتعامل مع الملف منذ عشر سنوات كإدارة أزمة وليس كقضية شعب يحتاج إلى حل، وربما تكون هذه الخطوة هي خطوة في قضية تفعيل الحل.
أما سؤال كيف؟
فستكشف الأيام القادمة هذا الأمر”.
ووردًا على أنباء طلب تركيا مغادرة المعارضة السورية، أكد العاسمي أن علاقة الأخيرة مع تركيا “علاقة قوية” لن تتغير مهما كانت الأخبار التي تتوارد، مشيرًا إلى أن المعارضة مطالبها واضحة، ولن تتنازل عنها، وتتلخص بتطبيق القرارات الدولية الأممية ذات الشأن خاصة “2254”، ومحاسبة الأسد.
المعارضة “الجديدة” موازية لتركيا
تزامنًا مع زيادة التصريحات التركية حول العلاقة أو الحوار مع النظام السوري، تزداد أيضًا الانتقادات الموجهة للمعارضة السورية، التي تتهم بتجاهلها لجدية الأتراك في لقائهم مع الأسد.
الرئيس السابق لـ”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، الدكتور خالد خوجة، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن المعارضة على مدى عشر سنوات حصل فيها تغيير جذري، وتمييع منذ تأسيس “المجلس الوطني” وتوسعته، وبعدها “الائتلاف” وتوسعته أيضًا لأكثر من مرة، لذا فإن بنية المعارضة نفسها تغيرت وبالتالي فإن مواقفها طالها التغيير أيضًا.
وأوضح خوجة، أنه بعد تبني مسار “سوتشي” في 2016 حصل نوع من تعديد المعارضة بما يتماشى مع المسار الذي قبلت به تركيا بالتوافق مع إيران ورسيا، فأصبحت مواقف المعارضة التي قبلت بالبقاء بهذا الوضع، سواء السياسية أو العسكرية، موازية للمواقف التركية، منذ ذلك الوقت.
واعتبر أنه بحسب هذه المعطيات، وفي ظل غياب موجه أو بوصلة للمعارضة يمكن أن تستهدي بها من الطبيعي أن تكون مواقف وتصريحات المعارضة متناسبة مع بنيتها، معتبرًا أنه لا يجب أن ننتظر موقفًا واضحًا منها في هذه الحالة، بخصوص التوجه التركي نحو دمشق.
على المعارضة الانخراط لـ”تفشل المبادرة”
من جهته، اعتبر الباحث الزميل في مركز “عمران” للدراسات الاستراتيجية، نادر الخليل، في حديث إلى عنب بلدي، أن ما تعيشه المعارضة السورية اليوم، لا يخرج عن الهدف الذي جرى صنعها وإيجادها له، وهو “وجود جسم معارض يشارك في محادثات ومفاوضات فارغة من أي عمل ثوري فاعل أو مؤثر، وهي في حقيقة الأمر تتماهى مع الجهة التي أوجدتها وتدعمها ماليًا، وهي بذلك فقدت أهم شرط من شروط استقلال القرار”.
وأضاف الخليل، أن تركيا الآن تقوم بجس نبض احتمالات التفاهم مع النظام، معتبرًا أنها قد لا تستطيع الوصول لتفاهمات حاسمة معه، وذلك لوجود ملفات تهم الأتراك، لن يقدم النظام تنازلات فيها، من أبرزها ملف “الإدارة الذاتية” و “عودة اللاجئين وإجراء تسوية سياسية”.
واعتبر الباحث، أنه لهذه المعطيات، يجب على المعارضة ألا تخرج من المشهد، لأن وجودها كطرف في التفاوض على نحو فاعل، سيجعل النظام يفشله، وعليه سيظهر بشار الأسد بمظهر من أفشل “المبادرة الروسية- التركية”.
لقاء الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في مدينة سوتشي الروسية- 5 من آب 2022 (سبوتنيك)
وبعيدًا عن الآراء والخطابات الشعبوية، وانطلاقًا من الواقعية والموضوعية، يتفق الباحث نادر الخليل مع الرأي الذي يقول إنه: على المعارضة أن تتفاعل مع مسألة تفاوض تركيا مع النظام السوري، وأن تُبدي مرونة وفق معادلتين:
الأولى: أنها الممثل السياسي الوحيد للشارع المعارض المعتمد من القوى الخارجية، وبالتالي عليها ألا تتجاوز الحد الأدنى الذي يمكن لهذا الشارع قبوله، وألا تفقد مصدر شرعيتها وتأثيرها، وهذه المعادلة يتم التلويح بها امام الأتراك، بالتزامن مع المعادلة الثانية.
وتتمثل المعادلة الثانية باستعدادها لأن تكون طرفًا في التفاوض، وهو ما سيتيح لها التأثير في مساراته، بمعنى أن تستغل المأزق الذي وجدت نفسها وتحويله لمكاسب إيجابية، فتركيا تريد غطاء سياسيًا محسوبًا على المعارضة يمثله الائتلاف، وبالتالي تركيا بحاجة للائتلاف وهو ما يجب أن يستغله “الائتلاف المعارض” في انتظار وضوح نتائج ما يجري لاحقًا.
عندما يفرض الائتلاف نفسه طرفًا فاعلًا في التفاوض ستفشل المفاوضات لأن النظام لن يقبل بأي طرف معارض فاعل شريكًا له.
النظام يشترط ولا يتعاون
لا يعتقد رئيس “الائتلاف” السابق، خالد خوجة، أن التسريبات حول طلب تركيا من المعارضة السورية مغادرة أراضيها “صحيحة”، فمن المبكر جدًا أن تطلب تركيا من المعارضة مغادرة تركيا، بحسب رأيه.
وأشار خوجة إلى وجود مطلب قديم من أجسام المعارضة السورية الأولى لتدعم تركيا ومجموعة “أصدقاء سوريا” وجودَ المعارضة في الداخل السوري، لكن هذا لم يحدث، مضيفًا أنه ربما يكون هناك توجيه من تركيا إلى أن تنتقل المعارضة إلى الداخل ضمن الدعم التركي.
واعتبر أنه لا يمكن أن ننتظر هكذا موقف من تركيا في ظل عدم الوضوح بقضية التقارب التركي مع النظام السوري، لأنه إلى الآن النظام يشترط على تركيا أن تسحب جنودها من شمالي سوريا، ولا يظهر استعداده لاستقبال اللاجئين، مشيرًا إلى أن هدف تركيا الأساس من الحوار معه هو إعادة اللاجئين.
وأضاف خوجة، أنه في قضية التعاون بشأن “حزب العمال الكردستاني” لا يوجد أيضًا عند الأسد رغبة بهذا التعاون، فلذلك من الصحيح أن هناك توجهًا تركيًا نحو النظام، لكن لا توجد رغبة من الأخير حتى الآن بتقييم هذا التوجه.
مطالب ومطالب مضادة
وفي 17 من أيلول الحالي، نقلت صحيفة “صباح” التركية، “تفاصيل ومطالب كل من تركيا والنظام السوري” فيما يتعلق باللقاء الاستخباراتي الذي جمع رئيس جهاز المخابرات التركي، هاكان فيدان، بمدير مكتب “الأمن الوطني” لدى النظام ، علي مملوك، في دمشق.
ووفق تقرير الصحيفة، من المستبعد حصول لقاء دبلوماسي رفيع المستوى بين تركيا والنظام، على المستوى الرئاسي أو الوزاري، وأن اللقاءات الاستخباراتية ستتواصل من أجل تشكيل أرضية مشتركة بين الجانبين.
وبحسب التقرير، تمثلت مطالب تركيا، بضمان العودة الآمنة للاجئين، وإعادة الممتلكات، وضمانات عدم الملاحقة القانونية.
بينما كانت بالمقابل مطالب النظام تتمحور حول انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، وجاء الرد التركي عليها، بأنه “يمكن تقييم هذا الموضوع لاحقًا، بشرط استكمال العملية الدستورية، وإجراء انتخابات حرة، وتجديد اتفاقية (أضنة) حول مكافحة الإرهاب”.
“شق إسفين” بين المعارضة وجمهورها
اعتبر الباحث الزميل في مركز “عمران” للدراسات الاستراتيجية، نادر الخليل، أن ما يجري في موضوع التسريبات حول طلب تركيا من المعارضة السورية مغادرة أراضيها، هدفها زيادة الضغط على المعارضة ودفع الشارع المعارض السوري إلى مواقف حادة تجاه تركيا، وذلك لإيهامه أن تركيا تتخلى عنه، وهذا ما سيزيد من ضغط الشارع على المعارضة السياسية لمقاومة المقترحات التركية، بمعنى أن الهدف “شق إسفين” بين المعارضة والجمهور المعارض السوري وتركيا.
وفي مقال للرأي، نشر في موقع “الشرق الأوسط” في 17 من أيلول الحالي، اعتبر السفير التركي السابق في سوريا، عمر أنهون، الطريق أمام الاتفاق بين تركيا والنظام السوري “وعرة للغاية، مع الكثير من الطرق المسدودة المحتملة”.
وأوضح أنهون، أن لقاء على مستوى الوزراء أو كبار المسؤولين بين تركيا والنظام، ليس شيئًا لا يمكن حدوثه، وذلك لوجود عدة قضايا يمكن تناولها، أبرزها المعارضة السورية، ومستقبل الكرد في سوريا، واللاجئين، و”الجماعات المسلحة”، ومحافظة إدلب.
وأضاف أنهون، أن هذه ليست سوى عناوين عامة، وعندما يذهب المرء إلى العناوين الفرعية تصير الأمور أكثر تعقيدًا، بحسب تعبيره.
عنب بلدي/
———————————
معارضون سوريون يخشون «صفقة» بين تركيا ونظام الأسد
إدلب: فراس كرم
يتخوف سوريون في مناطق سيطرة المعارضة بشمال غربي سوريا من تسارع خطوات التقارب بين تركيا ونظام الرئيس السوري بشار الأسد، وانعكاسها على الواقع الميداني والإنساني، بعدما ازدادت في الأيام الماضية المعلومات عن اجتماعات جرت مؤخراً في دمشق على مستوى قادة الاستخبارات في البلدين، وتضمّنت أيضاً مناقشات حول العودة الآمنة للاجئين إلى ديارهم.
وتوقع «براء الإدلبي»، وهو ناشط معارض للنظام في محافظة إدلب، أن تشهد المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة في إدلب وأرياف حماة وحلب واللاذقية، خلال الأيام المقبلة، تصعيداً عسكرياً، بعد تسارع خطوات التقارب بين تركيا والنظام السوري، معتبراً أن «هذا الأمر سيفسح، بالطبع، المجال أمام الروس لمواصلة القصف الجوي بأكثر حدة مما سبق، كما سيشجع قوات النظام على قصف مناطق (سيطرة المعارضة) على نطاق أوسع». ودعا «المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته تجاه المدنيين في شمال غربي سوريا»، مشيراً إلى مخاوف من «تصعيد محتمل لقوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية ضد المناطق المأهولة والمكتظة بالسكان في شمال غربي سوريا، وهي منطقة تؤوي نحو 4 ملايين ونصف مليون مواطن أكثر من نصفهم من النازحين الذين يرفضون العودة إلى ديارهم طالما بقي نظام (الرئيس) الأسد في السلطة».
من جهته، قال العقيد مصطفى بكور، الضابط المنشق عن قوات النظام السوري، إن «هناك تخوفاً بدا واضحاً خلال الآونة الأخيرة من قبل سكان إدلب وأهالي المناطق المحررة والنازحين، من أن يؤدي التقارب التركي مع النظام السوري إلى حصول صفقات معينة تسمح للأخير بالتمدد شمالاً، وبالتالي تزداد حدة أزمة المهجرين»، مشيراً إلى أن التصعيد العسكري في محيط مدينة إدلب في الأسابيع الأخيرة قد يكون محاولة من الروس والنظام في دمشق للضغط على سكان المنطقة للقبول بأي اتفاقات متوقعة يمكن أن تنتج عن التقارب التركي مع النظام السوري، لافتاً إلى أن «الجميع (المنطقة الخاضعة لسيطرة المعارضة) يعتقدون أنها (الاتفاقات التركية مع نظام الرئيس الأسد) لن تكون في مصلحة الشعب السوري ولا الثورة السورية».
وأوضح قيادي في فصائل المعارضة السورية أن «فصائل غرفة عمليات (الفتح المبين) المعنية بالعمليات العسكرية في محافظة إدلب باتت الآن جاهزة أكثر من أي وقت مضى لخوض المعارك ضد قوات النظام وحلفائه في حال حاولت التقدم باتجاه المناطق المحررة»، مشيراً إلى أن «الفصائل استطاعت خلال فترة الهدوء الماضية، تدعيم وتعزيز مواقعها العسكرية القريبة من خطوط التماس مع قوات النظام، وإقامة السواتر الترابية وتدريب العناصر على القتال، كما تم تطوير الأسلحة الدفاعية التي من شأنها تكبيد القوات المهاجمة خسائر فادحة».
وشهدت مناطق المعارضة السورية في شمال غربي سوريا، في الآونة الأخيرة تصعيداً عسكرياً ملحوظاً، لقوات النظام السوري وميليشيات متحالفة معها، بالإضافة إلى تكثيف الغارات الجوية الروسية، فيما عززت فصائل المعارضة مواقعها على خطوط التماس تحسباً لأي محاولة تقدم يقوم بها النظام وحلفاؤه.
وتأتي هذه التطورات في وقت بدأ فيه المسؤولون الأتراك بإطلاق تصريحات عن إمكانية التقارب مع النظام السوري، ومطالبة المعارضة السورية والنظام بـ«المصالحة»، الأمر الذي أثار مخاوف المعارضة وحلفائها الذين شاركوا في مظاهرات حاشدة رافضة للموقف التركي في عدد كبير من المدن والبلدات الخاضعة لسيطرة المعارضة في شمال غربي سوريا.
الشرق الاوسط
——————————
إندبندنت: ماذا وراء الرسائل التركية المتصالحة مع سوريا؟
إبراهيم درويش
نشرت صحيفة “إندبندنت” تقريراً أعدّه بورزو دارغاهي، قال فيه إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والسوري بشار الأسد قد يحتاجان لبعضهما البعض في قابل الأيام. وقال فيه إن معظم العالم ركز على الحرب في أوكرانيا، لكن عندما سافر الرئيس التركي الشهر الماضي إلى منتجع سوتشي على البحر الأسود للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، وكان في ذهنه موضوع واحد وهو إقناع بوتين للموافقة على عمليته العسكرية التي يخطط لها ضد الأكراد في شمال- شرق سوريا. ولم تعرف إلا قلة ما دار من حديث بينهما في اجتماع مغلق استمر أربع ساعات في قصر بوخاروف روشي، المقر الصيفي الذي بني في الخمسينات لقادة الاتحاد السوفييتي. وخرج أردوغان من اللقاء وقد غير رأيه.
وبعد 11 عاماً من التحريض والدعم ضد نظام الأسد ودعم المعارضين له، بدأ بإرسال الرسائل عن المصالحة والحوار مع القيادة في دمشق. وأخبر أردوغان الصحافيين بعد أيام وأثناء رحلة خارجية منفصلة: “تحتاج المعارضة والنظام في سوريا للتصالح”، وأضاف: “هدف تركيا في سوريا ليس هزيمة الأسد، ولكن التوصل لحل سياسي والدعوة للحوار السياسي أو الدبلوماسي” مع النظام في دمشق.
بالنسبة للكثيرين عبر النهج الجديد عن صدمة. فتركيا ظلت داعما مهما لجماعات المعارضة واصطدمت عسكريا أكثر من مرة مع قوات الأسد. وعارض أردوغان الرئيس السوري عندما وجه قواته وأمنه ضد المتظاهرين السلميين في عام 2011، إلا أن الأمور تغيرت حاليا، وقبل عقد قمة شنغهاي للتعاون في أوزبكستان سرت شائعات عن لقاء بين أردوغان والأسد على هامش القمة.
ويرى الكاتب أن تركيا أعادت، في السنوات الماضية، ضبط سياستها الخارجية، وتصالحت مع أعدائها في المنطقة. لكن سوريا تظل مختلفة، وتعقد الحقائق على الأرض التقارب التركي- السوري. ويقول عمر أوزكيزيلتشك من المؤسسة السياسية، الاقتصادية والاجتماعية للأبحاث المرتبطة بالحكومة إن المصالحة ليست قريبة: “صورة بين أردوغان والأسد مستحيلة، وهذا لا يمنع تركيا من الدعوة للتطبيع في العلاقات، لكنني لا أتوقع علاقات دبلوماسية وستكون متعجلة كثيرا”.
وانخفض مستوى الغليان في الحرب في البلاد، مع أن الأمم المتحدة حذرت، يوم الأربعاء، من أن جبهات عدة اشتعلت من جديد وحذرت من مخاطر التصعيد. وقال رئيس اللجنة المستقلة للتحقيق في سوريا بالأمم المتحدة باولو سيرجيو بينيرو: “لا تحتمل سوريا العودة إلى قتال واسع، ولكن هذا هو الطريق الذي ربما تتجه إليه”. وقال إن هناك زيادة “انتهاكات حقوق الإنسان” في الأشهر الستة الأخيرة، بما في ذلك القتال في شمال- غرب سوريا، والذي ترك أعداداً من المدنيين القتلى وقيّد حركة دخول الطعام والماء. وحذرت وكالات الأمم المتحدة من الكوليرا التي قد تنتشر في سوريا ودعت للتحرك العاجل. وسجلت الأمم المتحدة مزيدا من الغارات الجوية ضد مواقع المعارضة السورية. وقال بنيرو: “كانت لدينا فكرة عند نقطة ما أن الحرب قد انتهت بالكامل”، لكن الانتهاكات أثبتت أنها ليست هي الحال. وتحمل المصالحة بين أنقرة ودمشق الكثير من التداعيات على الغرب والشرق الأوسط، ولربما قربت تركيا عضو الناتو للفلك الروسي أكثر. وربما عقدت من الوجود العسكري الأمريكي في شمال- شرق سوريا ، وربما زادت من معاناة ملايين السوريين الذين عارضوا الأسد وأجبروا على المنفى.
وأدى التحول التركي لغضب بين حلفائها السوريين الذين يسيطرون على معظم مناطق شمال- غرب البلاد. وحرق المتظاهرون العلم التركي بعد اعتراف وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو بلقائه مع نظيره السوري فيصل مقداد على هامش مؤتمر عقد في بلغراد عام 2021. وحمل المتظاهرون لافتات “لا للمصالحة” و “لا يمكن محو الثوريين”.
وتظل سيطرة تركيا على مساحات من شمال سوريا ولعب دور الحماية في مناطق المعارضة وتأثيرها على محافظة إدلب، التي تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام”، عقبة لأي تصالح. وقال آون ستين، من مبادرة أبحاث السياسة الخارجية: “تقوم أنقرة على ما يبدو برمي بالونات اختبار حول تقارب محتمل مع دمشق”. وأضاف: “تملك تركيا بشكل أساسي شمال سوريا، ويمكننا قول ما نريد، لكن الآليات الفعلية لإعادة الأراضي التي تسيطر عليها وتدعمها تركيا إلى دمشق ستظل صعبة”. ويرى الكاتب أن تخفيف تركيا نبرتها من دمشق قد تكون خديعة للحصول على دعم الكرملين في الحملة العسكرية التي تريد من خلالها مهاجمة الأكراد الذين سيطروا على مناطق شمال- شرق سوريا. وتتعامل أنقرة مع تجربة الأكراد بقيادة “حزب العمال الكردستاني” كخطر أكبر عليها من خطورة نظام دمشق. وقال أوزكيزيلتشك إن روسيا تواصل حث تركيا على حل مشكلتها مع الأكراد من خلال نظام دمشق، و”حاولت تركيا التواصل، وكان الرد الأول من دمشق هو التأكيد على أن تركيا راعية للإرهاب ويجب الانسحاب أولا” من المناطق التي تسيطر عليها.
ويعتبر تحول أردوغان تجاه سوريا متجذراً بالانتخابات المقبلة في 2023، حيث تحاول المعارضة توحيد صفوفها لهزيمة حزب العدالة والتنمية. وسط مشاعر حنق من ملايين اللاجئين السوريين وغيرهم الذي يحملون أردوغان مسؤولية السماح لهم بالبقاء. ويحاول أردوغان مواجهة المعارضة من خلال تبني مقترحاتهم والتصالح مع الأسد. وعلق المحلل السياسي المستقل والمختص بالشؤون التركية والشرق الأوسط: “ينظر للحكومة على أنها مؤيدة لبقائهم في البلد” و”هذا تحضير للانتخابات في العام المقبل، وتبني شعارات مثل المعارضة”.
وساعدت المشاعر المعادية للغرب وأمريكا أردوغان في بلد يشعر بالخيانة من تعاون ودعم واشنطن للأكراد ورفض أوروبا طلب أنقرة العضوية في الاتحاد الأوروبي. وكتب حقي أوجال في الصحيفة الموالية للحكومة “ميليت” في 12 أيلول/سبتمبر: “ستعاني الولايات المتحدة العواقب لدفعها تركيا حيث ستترك بـ ناتو مشلول”. وقال: “ليست اليونان ولا أوكرانيا أو أرهابيي بي كي كي/واي بي جي الذين تدربهم في سوريا من منحَ الناتو وضعه الحالي كمنظمة قوية بل تركيا المسلحة جيدا”. وأدهشت تركيا في السنوات الأخيرة حلفاءها المهمّين عندما عززت علاقاتها مع إسرائيل، إيران وروسيا ونفرت أعضاء في الناتو مثل أمريكا وفرنسا. وفي الفترة الأخيرة شددت تركيا الضغط على اليونان، المنافس القديم، وأصلحت العلاقة بشكل نسبي مع أرمينيا التي شهدت العلاقات معها تعقيدات. ودهش الكثيرون من هذه التحركات، واعتقدوا أنها محاولات في السياسة الخارجية يرغب من خلالها أردوغان تحقيق انتصار قبل انتخابات 2023. ويقول سنان جيدي، الأستاذ المتخصص في جامعة مشاة البحرية الأمريكية بفرجينيا: “إنه أردوغان ورجاله”، و”هم يحسنون الأداء مع تقدمهم”. ولم يعرف حتى المحيطين بالرئيس في القصر الرئاسي ما جرى بينه وبين بوتين، أو ما يفكر به أردوغان. وكان أحد الحاضرين رمضان قديروف، زعيم الشيشان، والمنفذ المحتمل لاغتيال زعيم شيشاني معارض في تركيا عام 2021. وربما كانت القمة محاولة لحل المشاكل العالقة بين البلدين وتعزيز الشراكة. وتعهد الطرفان بالتبادل التجاري بالعملات المحلية، مما سيعقد من مهمة الغرب في تشديد العقوبات على موسكو. وسرت شائعات أن روسيا حولت 10 مليار دولار للبنك المركزي التركي قبل قمة سوتشي. وهناك مجالات للتعاون، مثل حصول تركيا على الطاقة الرخيصة وزادت الصادرات التركية لروسيا إلى حوالي 738 مليون دولار. وقال السناتور أندريه كيلموف لسبوتنيك أثناء زيارته لتركيا: ” نمت العلاقات التركية- الروسية في الكثير من المجالات، من الطاقة النووية إلى السياحة”. ونظمت القنصلية الروسية في اسطنبول قبل فترة مؤتمراً اقتصاديا لمدة ثلاثة أيام. وأشار الكاتب لتصريحات أردوغان التي انتقد فيها الغرب ومحاولاته إضعاف روسيا. وفي الوقت الذي يحاول فيه أردوغان الحصول على ضوء أخضر من موسكو لعمليته العسكرية ربما كانت الأخيرة تحاول جلبه لفلكها.
————————-
مساعٍ تركية روسية لجمع الائتلاف السوري والمقداد في نيويورك؟
أكد مصدر خاص ل”المدن”، دقة التسريبات عن التحضير لاجتماع بين وفد الائتلاف السوري ووفد النظام السوري في الولايات المتحدة، أثناء مشاركتهما في أعمال الدورة ال77 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وكانت وسائل إعلامية قد تناقلت محضر اجتماع الائتلاف بالجانب التركي في أنقرة في 9 أيلول/سبتمبر 2022، وجاء فيه أن الروس طلبوا عقد لقاء سري بين وفد الائتلاف والنظام برئاسة وزير خارجية الأخيرة فيصل المقداد في السفارة الروسية بواشنطن، لكن لم يتسن التأكد من صحة المحضر، الذي رجحت معلومات أن يكون مزوراً.
ووفق المحضر، فإن الجانب التركي عرض فكرة أن يكون الاجتماع في السفارة التركية في واشنطن، وذلك للتقليل من مخاوف وفد المعارضة، لكنه اشترط أن يشارك في الاجتماع رئيس الائتلاف سالم المسلط، ورئيس هيئة التفاوض بدر جاموس، ورئيس اللجنة الدستورية عن المعارضة هادي البحرة، ورئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى، فقط.
———————————-
“دويلة” الجولاني ومسار التقارب بين دمشق وأنقرة!/ عبدالله سليمان علي
يعمل زعيم “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) أبو محمد الجولاني بهدوء وتأنٍ على ترسيخ ركائز “دويلته” في منطقة إدلب ومحيطها ضمن حدود ما يعرف بمنطقة خفض التصعيد الرابعة وفق مقررات آستانا، ساعياً إلى الانتقال بهذه الدويلة من عباءة الحكم الإسلامي المتشدد إلى صيغة أكثر اعتدالاً من حيث الظاهر، على نحو قد يزيد من فرص قبولها والاعتراف بها كقوة أمر واقع من بعض الدول والجهات.
واستفاد الجولاني في ذلك من مجمل التطورات الإقليمية والدولية التي ساهمت في إبعاد الأنظار عنه وتخفيف الرقابة عليه، في ظل انشغال معظم الأطراف الفاعلين بالملف السوري بقضايا أكثر سخونة وتأثيراً.
غير أن مسعى الجولاني، إذا نجح في تكريس نموذجه الخاص للحكم الذاتي، سوف يترك انعكاسات معقدة على المشهد السوري الذي يتعرض لتغييرات جذرية لا سيما في ظل تدشين مسار التقارب السوري – التركي وما يمكن أن يترتب عليه من آثار عميقة، وكذلك في ضوء ميل روسيا نتيجة انشغالها في أوكرانيا إلى الاتّكال على صيغة الشراكة في إدارة أدوارها في سوريا بالاعتماد على كل من إيران وتركيا باعتبارهما شريكين لا غنى عنهما، بعدما كانت تحاول احتكار المشهد بممارسة دور اللاعب الأوحد.
وقد يكون قرار إصدار بطاقات شخصية لكل من يقيم من السوريين والأجانب في منطقة إدلب ومحيطها، الصادر عن حكومة الإنقاذ التي تعد بمثابة الذراع الحكومية والإدارية لـ”هيئة تحرير الشام”، آخر تجليات مسعى الجولاني لإقامة “دويلة” تتمتع بحكم ذاتي مقتبساً من تجارب جماعات في دول أخرى، وحتى من تجربة “قوات سوريا الديموقراطيةط (قسد) التي تسيطر على منطقة شرق الفرات في سوريا، وتعمل بدورها على فرض حكم ذاتي خاص بها.
وسبقت ذلك خطوات أخرى قطعها الجولاني على المسار ذاته، منها إنشاء أكاديمية عسكرية لتخريج ضباط وضباط صف برتب عسكرية متعارف عليها عالمياً، متخلياً عن التراتبية الجهادية التي كانت فيها ألقاب “أمير” أو “والي” وغيرها من المسميات الإسلامية تشكل محور التنظيم والهيكلية العسكرية لجماعته. ويتوخى الجولاني من وراء تأسيس هذه الأكاديمية أن يصل إلى مرحلة يستطيع فيها تشكيل جيش بمعايير دولية لاعتماده كورقة قوة إضافية تمكنه من التفاوض على شطب جماعته من قوائم الإرهاب العالمية، أولاً، وثانياً تمكنه من إقناع بعض الدول والجهات بالاعتراف به كقوة أمر واقع لا غني من التعامل معها لحل الأزمة السورية.
ولم يكن ذهاب الجولاني في جولات مكوكية إلى مناطق الأقليات ضمن “دويلته” لكسب ودّهم وإبلاغهم بالتغيير الاستراتيجي الذي طرأ على سياسة الهيئة تجاههم، من النظر إليهم ككفار ينبغي أن يتوبوا ويعلنوا إسلامهم إلى اعتبارهم مواطنين متساوين مع المسلمين، سوى حلقة أخرى من حلقات سعي الجولاني إلى تلميع صورته أمام المجتمع الدولي باعتباره اصبح “تائباً” عن نهج التكفير وقادراً على أن يسير في طريق حماية الأقليات ورعايتها وفق معايير المجتمع الدولي وقوانينه.
وقد باشر الجولاني بمخططه لإقامة “دويلته” منذ عام 2017، وكان يسير فيه بخطى متدرجة وفق ما تسمح له الظروف والتطورات. وجاءت هدنة عام 2020 بموجب تفاهم بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان لتمنح الجولاني فسحة واسعة من الوقت والهدوء من أجل المضي قدماً وبخطوات متسارعة نحو تحقيق مشروعه. فإذا كانت الفوضى والمعارك هي البيئة المواتية لنمو أي جماعة جهادية مثل “هيئة تحرير الشام”، فإن الهدوء وخفض التصعيد هي أفضل بيئة لتتحول فيها هذه الجماعة من مجرد تنظيم إرهابي إلى إطار “حكم ذاتي” يعمل على التأقلم مع المواثيق والقوانين الدولية التي كان في مرحلته الجهادية يصفها بـ”الكفر” والخارجة عن حكم الشريعة.
وكان لافتاً للانتباه، أن خطوات الجولاني الأخيرة لترسيخ ركائز “دويلته” جاءت متزامنة مع بداية تدشين أنقرة لمسار التقارب مع دمشق، وهو ما من شأنه أن يطرح العديد من التساؤلات حول العلاقة بين “دويلة الجولاني” ومسار التقارب، وما هي الانعكاسات التي يمكن أن يتركها نجاح الجولاني في انتزاع حكم ذاتي على خطوات أنقرة لتغيير استراتيجيتها في سوريا. بمعنى هل يمكن اعتبار ما يقوم به الجولاني إنما جاء بإيعاز خارجي لتسهيل التقارب مع دمشق أم لعله على العكس من ذلك تماماً يصب في خانة عرقلة هذا التقارب وعدم السماح له بالوصول إلى المحطة التي يتوخاها.
عملياً، يسير الجولاني في مسار متناقض، فصحيح أن الهدنة وخفض التصعيد اللتين كرسمهما اتفاق بوتين – أردوغان يشكلان البيئة الحاضنة لعملية تحوله إلى إطار “حكم ذاتي” بعدما كان جماعة جهادية. ولكن الصحيح أيضاً أن الهدنة مشروطة بالقضاء على الجماعات الإرهابية في منطقة خفض التصعيد بإدلب، وقد ذكرت مقررات آستانا “هيئة تحرير الشام” بالاسم كجماعة من الجماعات المطلوب القضاء عليها. لذلك يبدو الجولاني كمن يسير على طريق يمكن أن يصل به إلى محطتين مختلفتين، وهذا قد يكون أحد ابرز المعضلات التي تواجهه والتي يحاول أن يسابق الوقت من أجل إيجاد حل لها قبل أن يحين موعد التفاوض على حل الأزمة السورية برمتها.
ويميل بعض المراقبين إلى اعتبار أن الجولاني قام بخطواته الأخيرة نحو تركيز دويلته بالتنسيق أو بإيعاز مباشر من أنقرة التي تريد بحسب رأيهم أن تولّي الجولاني مسؤولية الإشراف على كامل المناطق الخاضعة لاحتلال قواتها في الشمال السوري وذلك عبر دمج مناطق درع الفرات وغصن الزيتون مع منطقة إدلب وتعيين حكومة واحدة للإشراف عليها، يكون الجولاني هو “العرّاب” وإن من خلف الستار.
ويميل البعض الآخر، إلى أن الجولاني الذي استطاع أن يرتقي بتنسيقه مع قوات الاحتلال التركي إلى درجات عالية جداً، بحيث أصبح هو الوكيل المعتمد للقوات التركية من أجل بسط نفوذها وحماية وجودها في مناطق سيطرته، ما زال عاجزاً على انتزاع الثقة المطلقة من الدور التركي، وليس بمقدوره أن يأمن طعنة الغدر من الظهر، لذلك فإنه عندما يسير بمشروع دويلته فإنه لا يحسم موقع ووظيفة هذا الدور بل يترك تحديدهما لطبيعة المتغيرات وتطوراتها، فإما أن يسير بها حسب الأوامر التركية إن حافظت أنقرة على موقعه وسلطته، وإما أن يستخدمهما للمشاغبة على المخططات التركية إذا حاولت الانقلاب على علاقة التنسيق بينهما.
النهار العربي
———————
تركيا لن تسحب قواتها من سوريا أنقرة أبلغت موقفها إلى الفصائل الموالية لها إدلب
فراس كرم
أكد مصدر عسكري تركي في لقاء مع فصائل معارضة سورية شمال غربي سوريا، أنه لا توجد خطة أو حديث عن انسحاب القوات التركية من محافظة إدلب وريف حلب، وأن القوات التركية المتواجدة في المنطقة، هي «قتالية بحتة»، وتنفيذاً لاتفاق أُبرم مطلع عام 2020 بين تركيا وروسيا في إطار اتفاقية أستانا.
ونقلت صحيفة «الشرق الأوسط»، عن قيادي في فصائل المعارضة السورية المسلحة، حضر اللقاء، أن «اجتماعًا خاصاً في شمال غربي سوريا، عُقد خلال الأيام الأخيرة وضم عدداً من العسكريين في فصائل المعارضة، بحضور مسؤول عسكري في القوات التركية، جرى خلاله مناقشة الملف السوري وتطوراته الأخيرة، والخطة المتعلقة بالتقارب بين تركيا والنظام السوري، وتطبيع العلاقات بين الجانبين. وقد أكد المسؤول التركي في كلمته أثناء الاجتماع، بأن ليس لتركيا خطة أو نية للانسحاب من الأراضي السورية، وأن هذا الأمر مرفوض بشدة من قبل تركيا «في المدى القريب»، رغم أن أحد شروط النظام السوري للموافقة على التقارب مع أنقرة، هو انسحاب القوات التركية من سوريا.
وأوضح المسؤول التركي وفق المصدر، أن «القوات التركية المتواجدة في مناطق إدلب وأرياف حماة وحلب واللاذقية، هي قوات قتالية بحتة، وليست قوات حفظ سلام أو لمراقبة وقف إطلاق النار بين المعارضة والنظام السوري، وقد جرى انتشارها في المنطقة نتيجة لاتفاق بين تركيا وروسيا في إطار اتفاقية أستانا مطلع عام 2020 إبان الهجوم الفاشل لقوات النظام وحلفائه في حينها، إلى ما بعد مدينة سراقب شرق إدلب. وإن مهام القوات التركية في المنطقة هي مواجهة أي محاولة تقدم لقوات النظام باتجاه إدلب والمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في شمال غربي سوريا»، مشدداً على أن أي هجوم للأخير يعتبر «خرقاً واضحاً للاتفاق المذكور ويحق للقوات وفصائل المعارضة (مشتركة)، مواجهة العملية وسحق أي قوة مهاجمة».
وفي ظل تبادل التصريحات بين مسؤولين أتراك ونظرائهم في النظام السوري، حول خطة المصالحة والتقارب وشروطها بين أنقرة ودمشق، كان موقع «TRT HABER» قد نقل (الجمعة)، عن جاويش أوغلو، قوله، إن «مطالب النظام السوري بانسحاب القوات التركية من المناطق السورية، طرح غير واقعي، مشيراً إلى خطورة التنظيمات الإرهابية في تلك المناطق»، مضيفا أنه «إذا انسحبنا من تلك الأراضي اليوم، فلن يحكمها النظام وستهيمن عليها التنظيمات الإرهابية، هذا الأمر خطر علينا، وخطر على النظام أيضاً، ويعني أنه خطر على سوريا كلها».
وكانت وكالة «رويترز» قد نقلت، الجمعة، عن مصادرها، أن رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان، عقد اجتماعات مع رئيس مكتب الأمن الوطني السوري، علي مملوك، في دمشق، خلال الأسابيع القليلة الماضية، بحث خلالها الطرفان الخلافات وتجاوزها للتوصل إلى اتفاقيات محددة، تصب في مصلحة الجميع، بما في ذلك تركيا وسوريا».
من جانبها قالت الصحافية في جريدة «النافذة» التركية، نوراي باباجان، إن «مملوك اشترط على نظيره التركي، عودة الجنود الأتراك الموجودين على الأراضي السورية إلى منازلهم، قبل الشروع بالتفاوض على قضية اللاجئين وقضايا متعلقة أخرى».
وكانت تصريحات وزير الخارجية التركية مولود جاووش أوغلو، حول المصالحة بين المعارضة والنظام السوري، قد دفعت السوريين في مناطق المعارضة والنازحين في المخيمات، إلى الخروج بمظاهرات حاشدة على مدار شهر كامل للتنديد بتلك التصريحات، مطالبين الجانب التركي بالحديث عن نفسه فقط في مصالحته النظام السوري دون إشراك المعارضة.
يذكر أنه تنتشر في مناطق إدلب وأرياف حماة وحلب واللاذقية، ومناطق العمليات التركية (غصن الزيتون) و(درع الفرات) شمال حلب و(نبع السلام) بأرياف الرقة والحسكة، في شمال وشمال شرقي سوريا، نحو 124 قاعدة ونقطة عسكرية تركية، تضم أكثر من 120 ألف جندي تركي، وآلاف القطع العسكرية والأسلحة، بينها منظمات دفاع جوي ومدافع ثقيلة وراجمات صواريخ، تشكل خطاً دفاعياً عسكرياً بوجه قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية وقوات قسد، أمام أي محاولة تقدم باتجاه تلك المناطق، فيما تسلح وتدعم الفصائل المعارضة للنظام السوري، التي تضم أكثر من 50 ألف مقاتل، برواتب شهرية.
الشرق الأوسط
——————————-
سفير للنظام: إغلاق تركيا لفضائيات المعارضة السورية سيكون “إشارة حسن نية”
قال سفير النظام السوري السابق لدى أنقرة، نضال قبلان، إن هناك تقدماً “محدوداً” في تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام، متحدثاً عن خطوات ملموسة ينتظرها الأخير من أنقرة.
وفي مقابلة له مع شبكة ” BBC” بنسختها التركية، اليوم الأربعاء، قال قبلان إن النظام السوري يؤيد بشكل عام التطبيع مع تركيا، لكنه لم يصدر بياناً رسمياً حول ذلك لأن الأمر مرتبط بمدى تنفيذ أنقرة لهذه الخطوات.
وأضاف أن النظام لديه مطالب كثيرة من تركيا، إلا أن وقف بث القنوات التلفزيونية السورية المعارضة في تركيا سيعتبر “مؤشراً هاماً على حسن النية”، حسب تعبيره.
إلى أي مرحلة وصلت المحادثات؟
وأفادت وكالة “رويترز”، قبل أيام، أن رئيس جهاز المخابرات الوطنية التركية، هاكان فيدان، ورئيس مكتب الأمن القومي بنظام الأسد، علي مملوك، عقدا محادثات في دمشق مؤخراً.
ولم يتم نفي الخبر رسمياً من قبل السلطات في تركيا.
من ناحية أخرى، ذكرت صحيفة “حريت” التركية، أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قال في كلمة ألقاها في قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند: “أتمنى لو كان الأسد قد جاء إلى أوزبكستان، سألتقي به”.
وأضاف: “لكنه (الأسد) لا يستطيع الحضور.. سورية ستنقسم بسببه وبسبب سلوكه. لقد حارب المعارضة لحماية سلطته”.
وعمّقت تلك الأنباء من النقاشات داخل الرأي العام التركي، حول مزاعم عملية التطبيع بين أنقرة والنظام.
وبهذا الصدد، قال سفير النظام السابق لدى تركيا، نضال قبلان، إن هذه التطورات تتم متابعتها عن كثب من قبل الدوائر العامة والحكومية في سورية أيضاً.
وأضاف في تقييمه للتطورات “أرى تقدماً محدوداً” في التطبيع بين البلدين.
ويشير إلى أن النظام لم يصدر بعد بياناً رسمياً بشأن هذه القضية، لأنه يتوقع “خطوة ملموسة” من تركيا، ويقول: “نحن جميعاً ننتظر كيف ستتطور الأحداث وما إذا كانت تصريحات أردوغان ومسؤولين أتراك آخرين بشأن استئناف العلاقات مع سورية سيتحقق أم لا”.
ويضيف السفير السابق: “تطبيع العلاقات مع تركيا هو بالتأكيد في مصلحة الشعب السوري والدولة السورية”.
“الظروف أفضل”
يعتقد قبلان أن الوضع السياسي الحالي في المنطقة والعالم أكثر ملاءمة لتطبيع العلاقات بين تركيا والنظام، بقوله “لقد تغيّر العالم”، في إشارة منه إلى كل من حرب أوكرانيا والشرق الأوسط.
ويقول: “ربما نحن نراقب نظاماً عالمياً جديداً. كان للحرب في أوكرانيا تأثير على العديد من البلدان. أقنعت التوترات التي شهدتها مناطق مختلفة، البلدان التي اتخذت مواقف أكثر صرامة من قبل، بالمبادرات الجديدة”.
لذلك، فإن الظروف أكثر ملاءمة اليوم لإعادة تطوير العلاقات بين تركيا ونظام الأسد، حسب تعبيره.
وأضاف: “لكن تركيا كانت جزءاً من تصعيد التوترات في سورية. لذلك، فإن تركيا هي التي ستبدأ في الحد من هذا التوتر”.
ما هي مطالب النظام الأولية؟
بحسب قبلان، الذي يقيم في دمشق، فإن نظام الأسد يتوقع من تركيا خطوات عدة قبل عملية التطبيع، ومن بينها سيطرة النظام الكاملة على محافظة إدلب، وإعادة السيطرة على الطريق السريع M4 بين حلب واللاذقية.
كما يطالب بضمان رفع العقوبات عن المؤسسات والأفراد السوريين، ووقف الدعم العسكري والمالي والاستخباراتي للجماعات التي تعتبرها تركيا ودول المنطقة “إرهابية”.
وأضاف: “ستكون هذه موضع ترحيب في سورية وسترد دمشق بالتأكيد على هذه الخطوات “.
وحول مخاوف تركيا الأمنية من “وحدات حماية الشعب” و”حزب العمال الكردستاني”، قال قبلان إنه بالنسبة للنظام السوري هذه مسألة تتعلق بالأمن القومي.
وأضاف: “سواء أكانت كردية أو عربية أو تركمانية.. نحن ضد الوجود المسلح لجميع الجماعات غير الشرعية. نحتاج أيضاً إلى تعريف واضح للإرهاب”.
وتابع: “تم التأكيد على وحدة أراضي سورية في القمة الأخيرة التي حضرها أردوغان وبوتين في طهران. هذا مهم جداً ويحتاج إلى خطة شاملة لتحقيقه”.
يُشار إلى قضية أمن الحدود لها تاريخ مهم لكلا البلدين، وأثناء عمل قبلان سفيراً في أنقرة كانت هناك اجتماعات منهجية رفيعة المستوى بين ضباط المخابرات التركية والسورية، حسب قوله.
وأضاف: “كان هناك تعاون جاد بين سورية وتركيا للسيطرة على الجماعات الكردية الإرهابية في شمال سورية. وقبل ذلك، تم التوقيع على اتفاقية أضنة”.
إيقاف القنوات السورية المعارضة
يرى قبلان أنه على الرغم من أن النظام السوري لديها مطالب مختلفة من تركيا، فإن خطوة ملموسة أصغر مقارنة بهذه المطالب الرئيسية، ستتم تلبيتها كدليل على حسن النية وسيتم الرد عليها بإيجابية من قبل النظام.
ويقول إن هذا قد يكون، على سبيل المثال، إيقاف بث القنوات التلفزيونية السورية المعارضة في تركيا.
وتابع: “برأيي الشخصي، ستكون خطوة صغيرة وذات جدوى كبيرة لتركيا أن تمنع القنوات التلفزيونية المعارضة السورية التي تبث في هذا البلد من العمل”.
واعتبر أنه “عندما بدأ أردوغان عملية التطبيع مع مصر، أوقف القنوات التلفزيونية للإخوان المسلمين في البلاد عن انتقاد الحكومة المصرية وزعيمها. يمكن لخطوة صغيرة وقابلة للتطبيق أن تخفض التوتر وستستقبل بالتأكيد استقبالاً جيداً في دمشق”.
عودة اللاجئين
ذكر قبلان أن أحد البنود المهمة على جدول الأعمال بين البلدين في الفترة المقبلة سيكون عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
وبحسب السفير السابق، فإنه يرى أن على دول المنطقة والمؤسسات الدولية التعاون مع النظام السوري، مقابل دول المنطقة التي تستضيف السوريين.
واعتبر أن “قسماً كبيراً من اللاجئين في تركيا يريدون العودة”، لكن يتم استخدامهم لأغراض سياسية في بلدان مختلفة.
ومع ذلك، تعتبر وكالات الأمم المتحدة ومختلف منظمات حقوق الإنسان الدولية بأن الظروف في سورية ليست آمنة للعودة.
وينفي قبلان التصريحات التي تفيد بأن العائدين يواجهون انتهاكات مختلفة لحقوق الإنسان في بلدهم.
ويقول: “أعتقد أنه يمكن تسوية قضية عودة اللاجئين السوريين في المستقبل القريب. أعتقد أن غالبية اللاجئين يمكنهم العودة بأمان إلى بلدانهم. وصدرت عدة قرارات عفو، أحدها جديد. يُروى أن الإدارة السورية تعتقل العائدين. أعلم أن مئات الآلاف من الأشخاص قد عادوا، وحتى أولئك الذين حملوا السلاح قبلوا أن يكونوا مواطنين عاديين”.
وأشار إلى أن الحوار مع الجماعات التي يصفها بـ “الجماعات المتشددة والمحافظة” غير ممكن.
“التطبيع في مصلحة البلدين”
وتحدث السفير السابق في أنقرة، على أمن الحدود بشكل متكرر، مشيراً إلى أن الأحداث التي استمرت 12 عاماً أضرت بالبلدين اقتصادياً وسياسياً.
ويرى قبلان أن التطبيع “ضرورة للمصالح الوطنية للبلدين”.
وينهي بقوله “إن الوقت ضروري للتطبيع الحقيقي للعلاقات والانتقال إلى مرحلة فتح السفارات”.
————————————
الإخوان المسلمون وورقة السوريين بتركيا وكنفها.. مُساومة قادمة مع النظام
عقب أكثر من عقد على الحراك الشعبي في سوريا، يكتشف السوريون على اختلاف مشاربهم الإثنية والعقائدية والطائفية والطبقية، اعدائهم وأصدقائهم، ومن كان يدعي مساندتهم، لتحقيق غاياته ومصالحه الحزبية والفئوية، والأخرى المرتبطة بمصالح دول إقليمية، على حساب الدماء السورية التي طافت بها المدن والبلدات المنتفضة على حكم السلطة المركزية في دمشق.
أهم التنظيمات التي خدعت السوريين إلى حد بعيد، وركبت موجة الانتفاضة لتحقيق أهدافها بالوصول إلى السلطة، كان تنظيم الإخوان المسلمين، على اختلاف الهيئات السياسية والعسكرية والإغاثية التي عمل من خلالها على احتكار قرار السوريين، خاصة ممن ثمل بخطابات التنظيم وأعوانه من المسلحين، ممن اعتبروا أنفسهم مالكي “الثورة”، والمتحدثين الوحيدين باسمها.
لكن إخفاق التنظيم في تقديم بديل مقنع للمجتمع السوري على اختلاف تلويناتهم أولاً، وإخفاقه في إقناع المجتمع الدولي بإمكانية أن يكون بديلاً للنظام الحاكم في دمشق، ثانياً، جعله وحيداً مع مرور السنوات ولا سند له، إلا تركيا، التي بدورها قبضت على القرار السوري المعارض المقيم على أراضيها والمتمثل بـ”الائتلاف السوري”، وبالتالي بات الساسة المعارضون المقيمون في تركيا، من حملة الجنسية السورية، كـ”الببغاوات” التي تُردد ما يقوله مالكها بالحرف، دون زيادة أو نقصان.
المصالحة مع النظام
أفقد ذلك المعارضة السورية المتمثلة بـ”الائتلاف”، أي وزن، إن في الداخل السوري أو لدى الأصدقاء الذين ساندوها يوماً بالمطالب المحقة للشعب السوري، حتى بات الجانب التركي نفسه، يرى بأنه مصالحه تقتضي الحوار مع النظام السوري، وهو ما طالب به المعارضة السورية المتمثلة بـ”الائتلاف”، علماً أن تنظيم الإخوان يعتبر عاموده الفقري، وهو ما شكل تناقضاً كبيراً بين مطالب السوريين من جهة، وتنظيم الإخوان وداعمهم التركي من جهة ثانية.
ولتخفيف الصدمة، نفى المراقب العام لتنظيم الإخوان المسلمين في سوريا، محمد حكمت وليد، في الرابع والعشرين من أغسطس، صحة “تورط الجماعة في فخ المصالحة مع نظام الأسد”، بالقول: “هذه فرية يعلم قائلها إنها كذب صراح”، زاعماً أن “هناك مَن يتعمد الإساءة للجماعة وتاريخها الطويل في الريادة الفكرية ومقاومة الاستبداد السياسي”.
مدعياً في مقابلة مع إحدى الوسائل الإعلامية السورية المعارضة، إن “جماعة الإخوان سيدة قرارها، وهو قرار تأخذه مؤسساتها الراسخة منذ عقود، ومخطئ من يظن أن أحداً بإمكانه توريط الجماعة في مسار لا تريده، ولدينا قناعة أثبتت الأيام صحتها، هي أن النظام الأسد بطبيعته نظام إبادة إجرامي، لا يقبل الإصلاح، ولا يقبل الشراكات، ولا المصالحات”.
المياه تُكذب الغطاس
إلا أن موقف المراقب العام لتنظيم الإخوان، مرهون بما يطبق على الأرض، وعلى الأرض، هناك حديث مختلف إلى حد بعيد، يمكن استنتاجه من مواقف الإخوان وهيئاتهم على اختلاف مسمياتها من القضايا المرتبطة بالسوريين، خاصة المقيمين منهم على الأراضي التركية.
ففي وقت الذي دعا فيه ناشطون، العمال السوريين في تركيا إلى إضراب لمدة أسبوع، بهدف إيصال صوتهم للسلطات ومنظمات حقوق الإنسان للنظر في مسألة العنصرية التي يتعرضون لها في عملهم وفي حياتهم الاعتيادية، دعا الإخوان المسلمين في العاشر من سبتمبر، لتجنب التجاوب مع مثل تلك الدعوات التحريضية المريبة على حد وصفهم.
وقال التنظيم في بيان حول الدعوة: “إنّ الدعوة المريبة التي أطلقها بعض الناس للانخراط في إضرابٍ جَماعيٍّ للعمال السوريين، على الأرض التركية.. لَهي دعوة تفتقر إلى الحكمة ولا تراعي واقع العمال السوريين، في توقيتها، وفي مضمونها، وفي غاياتها”.
السوريون والفرار من تركيا
وجاءت الدعوة إلى الإضراب العام، في الوقت الذي أطلق فيه مجموعة من اللاجئين السوريين في تركيا، دعوة لإطلاق ما عرف بـ”قافلة النور” للوصول إلى أوروبا، حيث بدأت الدعوات للانضمام إلى القافلة، بداية سبتمبر، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقال منظموها إنه يجري العمل على وضع الخطط للقافلة، عبر قناة أنشئت على تلغرام.
وأكد هؤلاء الناشطون أن السبب يعود لمعاناة السوريين في تركيا من جرائم القتل بسبب الخطابات العنصرية ضدهم، والتي زادت حدتها خلال الفترة الماضية، بالإضافة لسوء الأوضاع المعيشية وصعوبتها، وناشدوا المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام دعمهم ومساعدتهم لتسهيل عبور القافلة بشكل إنساني إلى أوروبا.
وكما كان متوقعاً، لم يختلف رأي هيئات الإخوان المسلمين من “قافلة النور” عن موقفها من رفض الإضراب، باعتبار أن كل منهما يعتبر فاضحاً للعنصرية التركية بحق السوريين، والتي تدفعهم إما للإضراب أو محاولة الفرار من تركيا، إلى مكان آمن يجد فيه حياة كريمة.
حيث أصدر ما يسمى بـ”المجلس الإسلامي السوري”، في الثاني عشر من سبتمبر، بياناً بسبب تزايد عمليات تهجير السوريين من بلادهم، على “يد نظام الأسد والميليشيات التابعة له، بسبب استمرار عمليات الاغتيال والاعتقال في مناطق سيطرته، بالإضافة لسياسة التجويع التي يفرضها لتنفيذ مخطط ديموغرافية سورية وهويتها”.
وبحسب ما جاء في البيان، فإن “موجات تهجير السوريّين تتوالى بشكلٍ كبيرٍ”، وهو ما بدى بأنه تلميح موارب من “المجلس”، إلى “قافلة النور” كذلك، لسببين، أولهما الزمن، حيث تزامن البيان مع إطلاق الحملة والعمل عليها، وثانيهما، أنه القافلة بدأت باستقطاب سوريين راغبين بالتوجه إلى أوروبا، ممن هم متواجدون على الأراضي السورية.
مُهاجمة قافلة السلام في إدلب
وبالصدد، هاجم مسلحو تنظيم “هيئة تحرير الشام\جبهة النصرة” في إدلب، بذات اليوم (أي 12 سبتمبر)، على ”قافلة السلام”، وهي تجمع لمئات الأشخاص قرب معبر “باب الهوى” الحدودي، لمحاولة الدخول إلى تركيا وإكمال الهجرة إلى أوروبا، أي أنه ورغم اختلاف المسمى بين “نور\سلام”، فإن الغاية ظلت نفسها، وهي الفرار من تركيا، أو من مناطق خاضعة لنفوذها في سوريا.
وقد زعم “المجلس الإسلامي السوري” أن “موجات التهجير تلك تشكّل استمراراً في تنفيذ مخطّط تغيير ديموغرافيّة سورية وهويّتها، وتخدم بشكل أساس المحتلّ الإيراني والنظام الذي تسعى لسورية متجانسة وفق منظور رئيس النظام”، وبالتالي فقد أقر “المجلس” بمساعي تغيير الديموغرافية في سوريا، لكنه شهادته منقوصة، كونه تجاهل تهجير كثير من السوريين، من مكونات عرقية وطائفية، رافضة لفكر الإخوان في مناطق شمال سوريا، كـ”عفرين ورأس العين وتل أبيض وغيرها”، والتي ساند فيها مسلحو الإخوان، ضمن مليشيات “الجيش الوطني السوري”، الجيش التركي لاحتلال الأراضي السورية وتغيير ديمغرافيتها.
وعليه، يبدو أن الإخوان المسلمون، يسعون حالياً، إلى مشاركة السلطات التركية في التضييق على السوريين، من خلال الطعن في نشاطاتهم المدنية الرافضة للعنصرية التي يتعرضون لها، بجانب سعيهم لمنع السوريين من مغادرة الأراضي التركية أو المناطق الخاضعة لنفوذها شمال سوريا، كونهم يعتبرون السوريين هناك، “ورقة مساومة” قد يحصلون خلالها على امتيازات ما، عندما يصل الأمر بهم إلى التفاوض المباشر مع النظام السوري، تحت إشراف روسي تركي، في يومِ ما، لا يبدو بعيداً.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
———————————
عن سوريا المتروكة لإيران وتركيا/ عبدالناصر العايد
يوماً بعد آخر تصبح الصورة أكثر جلاء، فمصير سوريا تقرره القوتان الإقليميتان الأقوى، تركيا وإيران، أو بالأحرى المصالح القومية لكل منهما، وهو ما صار بارزاً في هذه المرحلة، في ظل تراجع دور روسيا الغارقة في أوكرانيا، والولايات المتحدة المشغولة بالصين. أما إسرائيل فتفعل ما يكفي لحماية مصالحها وأمنها ولا شيء آخر، ولا أحد يعرف سر نأي الدول العربية بنفسها عن الشأن السوري، لكن السبب على الأرجح هو الافتقار الى استراتيجية واضحة، مغلفة بتبكيت السوريين لاختيار فرق منهم الفرس نصيراً، واختيار فريق آخر للأتراك ولياً، وإدارة الظهر للأشقاء.
لن ألجأ هنا إلى خرائط توزع السيطرة على الأرض السورية، فالحدود أحياناً خادعة، أما عذابات البشر فصادقة، وذروة ما عاناه السوريون يتبدى في ركوب الأهوال للفرار من أرض الآباء والأجداد، أي تجربة اللجوء التي بلغت أقاصي الأرض شرقاً وغرباً.
فاليوم ثمّة موجة لجوء سورية كثيفة، وكل يوم يدخل بلدان الاتحاد الاوربي نحو 500 لاجئ جديد، على غرار موجة العام 2015 التي حملت نحو نصف مليون سوري إلى بر الأمان.
وقد أخبرني صديق مطلع على أحوال المخيم المركزي للاجئين في هولندا، على سبيل المثال، إن نصف طالبي اللجوء هناك من مناطق سيطرة النظام، التي تسيطر عليها إيران فعلياً، والنصف الآخر من تركيا، أو مناطق الشمال التي تسيطر عليها بدورها.
حتى عام مضى، كان سوريو تركيا يعزّون أنفسهم بأن وجودهم في بلد مجاور، يشعرهم بأنهم في بلادهم وعلى مقربة من أرضهم التي سيعودون إليها مع أول بشائر الحلّ. وعلى الرغم من مرور السنوات عجافاً وبلا أمل، ومع صعوبة ظروفهم في تركيا حيث يعيشون كضيوف بما يعنيه ذلك من حرج على الأقل، إلا أن آمالهم لم تخبُ، وقاوموا الرغبة في الهجرة إلى أوروبا. لكن، في السنة الأخيرة، بدأت السياسة التركية تتغير، وأدارت قيادة حزب “العدالة والتنمية” وجهها عن مأساة السوريين، لتتطلع إلى التلاقي مع المتسبب فيها، كما تقتضي مصالح الدولة الجيوستراتيجية. وبالتزامن، تصاعدت موجة العداء للسوريين في تركيا، على نحو لا يمكن تحمله، فهاجر من أسعفته إمكاناته المالية في تحمّل أجور المهرّبين، فيما تجمع العاجزون عن ذلك في حملة في وسائل التواصل الاجتماعي للهجرة الجماعية إلى أوروبا، سُمّيت بقافلة النور، وضمت حتى الآن ما يزيد عن 40 ألف مشترك، ولم يتضح بعد إن كانت ستنجح أم ستفشل، شأن قافلة أخرى حاولت الانطلاق من شمال غربي سوريا لعبور الأراضي التركية إلى اوروبا، ودُعيت بقافلة السلام.
إذن، ثمّة تحولات سلبية معلنة في تركيا، تفسر هروب السوريين، لكن ما الذي يدفع أقرانهم الواقعين تحت سيطرة النظام للرحيل الكثيف بعدما أعلن النظام انتصاره، وعودة الاستقرار إلى المناطق التي يسيطر عليها، بل ودعوته اللاجئين للعودة.. فكم بالحريّ مَن “صمد” معه عشر سنوات؟ لماذا يفرّ منه اليوم؟
الحال إن مَن يشعر بانتصاره في سوريا هو إيران، وهي تريد أن تترجم انتصارها إلى امتلاك حصري لهذا البلد، على غرار العراق ولبنان واليمن. ولما كانت غالبية سكان سوريا على تناقض عقائدي مع إيران، بخلاف البلاد آنفة الذِّكر، فإن تهجيرهم بشتى الأساليب، وجلب سكان جدد موالين لطهران، يبدو الحل الأفضل لإعادة هندسة البلد سكانياً بما يتوافق مع التطلعات الإيرانية.
وقد أخبرني الصديق المطلع على أحوال مخيم طالبي اللجوء في هولندا أيضاً، أن معظم القادمين من مناطق النظام صرحوا بأنهم باعوا منازلهم لتأمين تكاليف الرحلة إلى أوروبا، والتي تبلغ نحو 15 ألف يورو. وبحثت بنفسي في سوق العقارات ووضعه الراهن في سوريا، لأجد أن وكلاء إيران، في منطقتين على الأقل، هم من يشترون تلك المنازل. ففي البو كمال الحدودية، أخبرني أحد الأهالي بأن عشرات المشترين يتوافرون ما أن يعرض أحد السكان منزلاً للبيع، وهو أمر مستغرب في ظل ضيق أحوال عامة الناس وفقرهم. إلا أن الأمر يصبح مفهوماً عندما نعرف أن كل الراغبين في الشراء هم من المرتبطين بالمليشيات الإيرانية هناك.
وفي ضاحية المعضمية أيضاً، قرب دمشق، أخبرني ناشط إعلامي بأن تاجراً يدعى فرحان المرسومي، اشترى وما زال يشتري معظم المنازل المعروضة للبيع. ويستقيم الأمر عندما نعلم أن المرسومي شخص مغمور من قرية على الحدود السورية العراقية السورية، وكان مِن أوائل مَن عقدوا صِلات مع المليشيات الإيرانية الوافدة، وخاض معها في تجارة المواد المخدرة والتجنيد والتشيُّع، ليغدو اليوم من كبار المتمولين في عموم البلاد، يتحرك بحقيبة مالية منتفخة لشراء العقارات بأسعار سخية، ولا أحد يعرف على وجه الدقّة الجهة التي تقف وراءه، ولا الغاية من جمع كل تلك الأراضي والدّور.
إن هذا المشهد المتشائم، الذي يبدأ مكانياً من مخيم اللاجئين في هولندا، يزداد قتامة فيما لو تم سحبه زمنياً نحو المستقبل. فسوريا التي فقدت نصف سكانها في خلال عشرة أعوام، وطاولت الهجرة القوى البشرية الصلبة فيها، أي الأجيال الشابة والتكنوقراط وأصحاب رؤوس الأموال، ستفقد في غضون سنوات ما تبقى من سكانها الأصليين، سواء بالهجرة أو بتحويل هويتهم، لتصبح إيرانية أو تركية. بمعنى آخر، ستفقد هذه البقعة الجغرافية هويتها الثقافية ودورها السياسي المستقل، وربما أيضاً وجودها السياسي المكرس ذاته، لتتقاسم ذلك كله الدولتان الإقليميتان الكبيرتان.
لكن التشاؤم هذا ليس مدعاة للتسليم ولا دعوة للاستسلام. التاريخ بتجاربه يقول إن ثمة ما يمكن فعله دائماً، ويقول أيضاً إن الغزاة والمحتلّين إلى رحيل مهما طال جثومهم، ولا خيار أمامنا كسوريين، سوى الإعلان بأن انتزاع بلادنا من أنياب محتليها وعملائهم هو هدفنا الأول اليوم، مع ايلاء اهتمام خاص لأصحاب المصلحة القومية المباشرة والمستمرة في سوريا، أي إيران وتركيا.
الدعوة لسيادة واستقلال سوريا، لا يمكن أن تبدأ سوى من أروقة السياسة والسياسيين، المخضرمين منهم والصاعدين، على أن تقترن بإعادة الاعتبار للوطنية السورية والمأسسة ونسج التحالفات مع العمق العربي والجوار الأوروبي، لخلق نوع من توازن القوى مع الدولتين المهيمنتين. وتبدو المَهاجر مكاناً مناسباً لها اليوم، لكن بقاءها هناك لا يجوز، إذ يجب أن تنتقل إلى الداخل السوري، وأن يتم الاستعداد منذ الآن لنقلها من الشكل السياسي والثقافي إلى الحالة الميدانية الحركية، ما إن تسمح بذلك موازين القوى الإقليمية والدولية، دائمة التقلب والتغير.
المدن
—————————–
أجندات وجبهات مختلفة في سوريا/ عمر أنهون
انخرطت إيران، منذ اليوم الأول للأزمة السورية، بشكل مباشر في الجبهات الأمامية ووجدت فيها. وكان «الحرس الثوري»، و«حزب الله» اللبناني، وميليشيات شيعية أخرى من العراق وأفغانستان وباكستان، جزءاً أساسياً من المجهود الحربي لنظام الأسد.
أما روسيا، حليفة الأسد الكبرى الأخرى، فتخوض راهناً حرباً في أوكرانيا، وهناك تصور عام بأنَّ روسيا تقلص وجودها في سوريا.
صحيح أن الحرب في أوكرانيا لا تسير بسلاسة كما كان الروس يتوقعون، واضطروا إلى إعادة نشر بعض قواتهم ومعداتهم التي كانت في سوريا. غير أن ذلك لا يعني أن روسيا تعمل على تقليص حجم وجودها وقدراتها إلى المستوى الذي قد يجعلها غير ذات أهمية، بل على العكس، في ظل الظروف الراهنة، يسعني القول بأن الوجود والنفوذ الروسي في سوريا قد صار أكثر أهمية، باعتباره أداة في علاقاتها مع الخصوم و«الأصدقاء» على حد سواء.
على أي حال، تحاول إيران استغلال الوضع واتخاذ خطوات لتوسيع وجودها ونفوذها في سوريا.
في هذا الصدد، توسع إيران من قدراتها العسكرية، وتتوغل بشكل أعمق في الهياكل العسكرية والمدنية السورية، وتعكف على الهندسة السكانية عبر توطين أفراد الميليشيات الشيعية وعائلاتهم في دمشق وما حولها، وفي أماكن أخرى مختلفة من البلاد.
حتى وإن كان لأسباب مختلفة، فإن ما تباشره إيران في سوريا يشكل مصدر إزعاج للجميع تقريباً، بما في ذلك روسيا رغم وقوفها في نفس الجانب، وربما يشمل الانزعاج بعض أجزاء نظام الأسد.
إسرائيل هي أكثر الدول انزعاجاً من الوجود الإيراني في سوريا، وهي عازمة على عدم السماح لإيران بحرية التصرف هناك.
وكثيراً ما توجه إسرائيل الضربات ضد الأهداف الإيرانية والتابعة لها هناك. وشملت هذه الأهداف معسكرات «الحرس الثوري» حول البوكمال، ومستودعات في مصياف يُقال إنها تضم الصواريخ الإيرانية، كما قصفت مطاري دمشق وحلب لمنع الطائرات الإيرانية من الهبوط. وقيل إن هذه الطائرات كانت تحمل معدات من شأنها تعزيز القدرات العسكرية الإيرانية التي تُستخدم أيضاً ضد إسرائيل.
وتردد أن روسيا طلبت من إيران وقف أنشطتها، لا سيما في المناطق القريبة من إسرائيل حتى لا تستفزها.
وهناك قضية رئيسية أخرى تتعلق بسوريا، ألا وهي سياسة تركيا الجديدة الواضحة. فقد أظهرت تعليقات الرئيس إردوغان، قبل بضعة أسابيع، نية «التصالح مع نظام الأسد»، وصارت القضية الآن موضع نقاش عام محتدم في تركيا.
ومع الانتخابات المقبلة عام 2023، تحتاج الحكومة التركية إلى أن تفعل شيئاً، أو أن تبدو وكأنها تفعل شيئاً، حيال قضايا الأمن واللاجئين. وقد أصبح اللاجئون السوريون في تركيا وعودتهم إلى وطنهم من القضايا السياسية الداخلية الكبرى على وجه الخصوص.
يتحدث الرئيس إردوغان، منذ مايو (أيار) الماضي، عن عملية عسكرية كبيرة أخرى في شمال سوريا، بهدف طرد «وحدات حماية الشعب» من المواقع التي لا تزال متواجدة فيها، وإنشاء منطقة يمكن أن يعود إليها السوريون المقيمون في تركيا.
إنَّ جميع الجهات الفاعلة تقريباً، سواءً كانت من «حلفاء» تركيا (الولايات المتحدة، بلدان الاتحاد الأوروبي) أو مما يسمى الشركاء الإقليميين (روسيا وإيران)، تعارض مثل هذه العملية. ومن الواضح أن بوتين نصح إردوغان بالتحدث إلى الأسد من أجل معالجة الشواغل الأمنية.
ولم يرفض الرئيس إردوغان اقتراح نظيره الروسي. في الواقع، كانت تصريحات إردوغان في طريق عودته من طهران، ولا سيما سوتشي، واضحة للغاية حول الأهمية التي يوليها لما يقوله بوتين.
والعلاقات التركية – الروسية معقدة ومثيرة للاهتمام. فسوريا ليست قضية قائمة بذاتها في العلاقات بينهما. ومن المنطقي النظر إليها كجزء من حزمة تشمل الحرب الأوكرانية والقوقاز وليبيا، وكذلك العلاقات الثنائية، بما فيها محطات الطاقة والغاز الطبيعي والسياحة وغيرها.
من جهة أخرى، فإن استمرار الدعم الأميركي لـ«وحدات حماية الشعب» يثير غضب إردوغان ويقرّبه أكثر من روسيا.
ووردت الأنباء بأن الولايات المتحدة أنشأت قاعدة ثالثة بالقرب من مدينة القامشلي، في الجزء الخاضع للنفوذ الكردي، وتسيطر عليه «وحدات حماية الشعب» في سوريا. كما أجرى الجانبان تدريبات عسكرية مشتركة في الطرف الشمالي الشرقي من البلاد. ويُقال إن نحو 900 جندي أميركي موجودون في سوريا بهدف رئيسي مُعلن، ألا وهو مواصلة الضغط على تنظيم «داعش».
ومن المعروف أنَّ نظام الأسد و«وحدات حماية الشعب» يتعاونان في مجالات عدة، بما في ذلك تجارة النفط. كما أنهما يتعاونان – أو يعطيان الانطباع بذلك – بتشجيع من روسيا، ضد التهديدات الخارجية، أي تركيا.
وثمة مسألة مهمة تتعلق بـ«وحدات حماية الشعب»، أو الأكراد، وهي: ماذا سيحدث معهم في مستقبل سوريا؟ وقد صرح قادة «وحدات حماية الشعب» بأنهم سوف يحترمون وحدة أراضي البلاد، لكنهم لن يتنازلوا عما لديهم الآن؛ ما يعني أنهم سيصرون على نوع من الحكم الذاتي.
وتشكّل هذه القضية مصدر قلق مشترك لأنقرة ودمشق، وكذلك للمعارضة السورية.
أعتقد أنَّ هذا يجب أن يكون أحد الموضوعات الرئيسية التي يجب مناقشتها في الاجتماعات بين رؤساء أجهزة الاستخبارات التركية والسورية. وذكرت الأنباء، أنَّ آخر اجتماع بينهما عُقد في موسكو منذ بضعة أيام. ولا توجد بيانات رسمية حول هذه المحادثات، ومن ثم، فإنَّ ما يحدث هناك ليس معروفاً بشكل مؤكد، ويثير التكهنات.
لكن ما قاله وزير الخارجية السوري فيصل المقداد خلال مؤتمره الصحافي في موسكو، أثناء زيارته الأخيرة هناك، يعطي فكرة جيدة عما هو واضح. فقد أشار المقداد، على وجه التحديد، إلى انسحاب القوات التركية من سوريا، ووضع حد للدعم المقدم للجماعات المسلحة، فضلاً على التدخل في الشؤون الداخلية السورية. وليس من المستغرب أن يكون لدى تركيا نسختها الخاصة من الشواغل والطلبات كذلك.
السؤال الآن، ما إذا كانت المحادثات بين قادة الاستخبارات الأتراك والسوريين قد نضجت بالقدر الكافي، لقيادة العملية إلى المرحلة التالية، أي إلى المستوى السياسي.
كان وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو قد كشف عن أنَّه التقى نظيره السوري فيصل المقداد في اجتماع دولي في بلغراد، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وأنَّهما أجريا محادثات سوياً.
هل من الممكن أن يتقابل وزيرا تركيا وسوريا أو بعض كبار المسؤولين الآخرين مرة أخرى، وهذه المرة في أروقة الأمم المتحدة، بمناسبة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستبدأ في نيويورك في 20 سبتمبر (أيلول)؟ هذا ليس شيئاً لا يمكن حدوثه.
وأياً كان الأمر، هناك العديد من القضايا التي يجب تناولها، بما في ذلك مستقبل الأكراد واللاجئين والجماعات المسلحة والمعارضة السورية ومحافظة إدلب، والقائمة تطول.
هذه ليست سوى عناوين عامة، وعندما يذهب المرء إلى العناوين الفرعية، تصير الأمور أكثر تعقيداً.
وهناك تساؤل كبير حول الكيفية التي تتفاعل بها الجهات الفاعلة الأخرى، مثل روسيا وإيران والولايات المتحدة، والعديد من البلدان العربية، مع أجندات مختلفة، وغالباً ما تكون متضاربة.
من الواضح أنَّ الطريق أمامنا وعرة للغاية، مع الكثير من الطرق المسدودة المحتملة.
————————————
=====================
تحديث 23 أيلول 2022
——————————
قطار إعادة تأهيل النظام السوري المتسارع/ تنن عبد الحكيم بشار
تطوّرات نوعية، ربما لم تكن متوقعة عند بعض أطراف المعارضة السورية ونخبها، لكن الذي يقرأ اللوحة الدولية لن تفاجئه هذه التطورات، وهي مؤشّرات على بداية تطبيع واسع مع النظام السوري، حتى من أشد خصومه، منها عودة النظام إلى منظمة الشرطة الدولية الجنائية (الإنتربول)، زيارة وفد من الاتحاد الأوروبي إلى دمشق، إصرار دول أوروبية على دعم بعض قطاعات البنية التحتية في مناطق سيطرة النظام باسم التعافي المبكّر، كلمة ممثل النظام في الأمم المتحدة، في اجتماع خُصص لمحاربة الإرهاب، زيارة رئيس الاتحاد الرياضي السوري إلى قطر، .. وإن يبدو أن قطار إعادة التأهيل انطلق من بوابات غير سياسية، لأن التأهيل السياسي سيشكل الحلقة الأخيرة والنهائية.
ولمعرفة أسباب هذه التطورات، يجب أن نقرأ اللوحة السياسية لأصدقاء الشعب السوري بصورة صحيحة، ويمكن تلخيصها بما يلي: أولا، باتت أولوية الاتحاد الأوروبي اليوم دعم المجهود الحربي الأوكراني، ومنع خسارته أمام روسيا، ومعالجة سيل المهاجرين الأوكرانيين إليه، وكذلك العقوبات الاقتصادية التي طبّقها الاتحاد على روسيا، ومعالجة ارتدادات تلك العقوبات على اقتصاده، خصوصا في مجالي الطاقة والغاز، ولم يعد الوضع في سورية يشكّل له أولوية.
ثانيا، أكّدت الولايات المتحدة أكثر من مرة، منذ أكثر من سنتين، أن أولويتها في سورية هزيمة الإرهاب، ومنع عودته، وإيصال المساعدات الإنسانية، ومراقبة حالة حقوق الإنسان، ودعم جهود مبعوث الأمم المتحدة استنادا إلى قرار مجلس الأمن 2254. ورغم أن الانتقال السياسي وفق مؤتمر جنيف (2012) لم يعد من أجندات الولايات المتحدة منذ سنوات، إلا أن التطورات الحالية جعلت الملف السوري غير ذي أهمية، وإن أولويات أميركا هي دعم المجهود الحربي الأوكراني، ومنع روسيا من تحقيق الانتصار، وكيفية مواجهة أزمة الطاقة العالمية نتيجة العقوبات على روسيا. والأهم من هذا كله كيفية مواجهة التطوّر والتقدم الاقتصادي والتقني في الصين، الذي إن استمر بهذه الوتيرة فإنها، أي الصين، قد تتقدّم على أميركا خلال قرن.
ثالثا، رغم أهمية الملف السوري لديها، إلا أن أولوية السعودية اليوم كيفية تحقيق الأمن والاستقرار في اليمن، ومنع الحوثيين من الانتصار، وأيضا مواجهة تهديدات هؤلاء الأراضي السعودية، وكذلك إعادة ترتيب علاقاتها ورسم الاستراتيجيات، لتخفيف الخطر الإيراني المباشر وغير المباشر عليها. ومع ذلك، تُعتبر السعودية من أهم الدول العربية الداعمة للثورة السورية، والتي تُعارض إعادة تأهيل النظام.
رابعا، تتحمل تركيا العبء الأكبر في ما يتعلق بنتائج الأزمة السورية، حيث يعيش على أراضيها حوالي أربعة ملايين لاجئ سوري. ويعيش في منطقة نفوذها، أيضا، أربعة ملايين آخرون، وهذا يكلفها عبئا اقتصاديا وأمنيا واجتماعيا كبيرا جدا، ونتيجة إطالة أمد الأزمة وانعاكاساتها المباشرة على الوضع الداخلي في تركيا، خصوصا موضوع اللاجئين السوريين الذي بات الملف الأهم والورقة الأساسية التي تستعملها المعارضة التركية ضد الحكومة، والتحريض الإعلامي ضد الوجود السوري. لذا باتت الحكومة التركية أمام استحقاقاتٍ قديمة جديدة، وبات موضوع اللاجئين المعضلة الرئيسية التي قد يتوقف على طريقة حلها مستقبل حكومة حزب العدالة والتنمية. لذلك بات من أولى أولويات الحكومة التركية معالجة ملف اللاجئين السوريين، وإن اقتضى الأمر القيام بلقاءات سياسية، وتواصل سياسي بين الحكومة التركية والنظام السوري. إضافة إلى ملف قديم، مكافحة وجود حزب العمال الكردستاني على حدودها الجنوبية، حيث ترى أن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وحزب الاتحاد الديمقراطي ما هما إلا فرعين للحزب، وإن وجودهما وحكمهما شمال شرق سورية يشكل خطرا عليها، ولا بد من إنهائه، الأمر الذي تعارضه أميركا بوجهة نظر مختلفة، على أن “قسد” قوات مسلحة سورية، تشكل الذراع الرئيسي للتحالف الدولي لمكافحة إرهاب “داعش”، وهذا هو السبب الرئيسي لتوتر العلاقات التركية الأميركية، إضافة إلى ملفات أخرى.
إن القراءة الصحيحة لهذه التطورات، وتبدل الأولويات لدى الدول الرئيسية من أصدقاء الشعب السوري، تفتح الطريق أمام إعادة تأهيل النظام، خاصة أن اللوحة الوطنية هي الأخرى تساعد في تحقيق ذلك، لأن الصراع في سورية بات منخفضا أو مجمدا، ولم يعد ما يهدد الأمن الإقليمي أو الدولي، عدا الوضع بين تركيا وقسد، ووجود أربع إدارات على الأراضي السورية، وهي، إدارة النظام. وإدارة قسد وإدارة هيئة تحرير الشام، وإدارة المعارضة. وفي أحسن حالات التفاؤل، ليست إدارة منطقة المعارضة أحسن، إن لم تكن بالعكس، وليست النموذج الذي ثار من أجله السوريون وسانده المجتمع الدولي، وليست النموذج الذي يمكن أن يراه المجتمع الدولي بديلا للنظام.
لذلك، تسارع قطار إعادة تأهيل النظام، وإنْ يمر حاليا من بوابات غير سياسية، يشكل انفتاحا على النظام، قد يتوّج، في النهاية، بإعادة التطبيع الكامل، وباتت القضية مسألة وقت. وبما أنه لا توجد في السياسة مستحيلات، فإن وقف مسار التطبيع، بل حتى إمكانية عكسه قد يحدث في الحالات التالية: حصول تفاهم أميركي روسي بضرورة تحقيق حل سياسي وفق القرار 2254 وفرضه على النظام، أو انهيار التفاهم الروسي الأميركي في سورية، ولجوء الولايات المتحدة إلى توسيع الرقعة الجغرافية لمواجهة روسيا في سورية. حصول تغيرات في القيادة الروسية نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا، وبالتالي، إعادة ترتيب أوراقها ومن ضمنها إيقاف دعمها النظام السوري. تسخين الساحة السورية بعمليات حربية واسعة ترافقها هجرة واسعة، والتي قد تشكل خطرا جديدا على الأمنين الإقليمي والدولي. نجاح المعارضة في بناء حوكمة رشيدة في مناطق نفوذها، بما يشكّل بديلا للنظام، مقنعا للسوريين وللمجتمع الدولي، على أن يترافق ذلك بنمط تفكير جديد، واستراتيجية تقوم على علاقات حسن الجوار، من دون استثناء، وحل الخلافات مع الجوار من خلال الحوار والمفاوضات، وإقامة علاقات بنّاءة مع الجوار تساهم في إحداث الاستقرار الإقليمي، وتقطع الطريق أمام المنظمات الراديكالية الإيديولوجية التي تهدد الاستقرار في المنطقة والعالم.
إذا لم تحصل انعطافة دولية مهمة جدا كما أسلفنا، واستمرّت المعارضة باستراتيجيتها الحالية، فإن قطار إعادة تأهيل النظام سيصل إلى محطته النهائية في وقت ليس بعيدا.
العربي الجديد
——————————-
بهدوء.. الإخوان المجرمون على مقصلةِ التفاهمات السورية ـ التركية.. من التالي؟!/ فراس عزيز ديب
كانَ من الطبيعي أن يرشَحَ عن المواقفِ المتقدمة للنظام التركي فيما يتعلق بالمصالحة مع سورية بوساطةٍ روسية الكثير من المواقف الجانبية المُكمِّلة لمواقفهِ، تحديداً بعدَ أن وصلَ الحال برأسِ النظام رجب طيب أردوغان للحديثِ صراحةً وللمرةِ الأولى عن رغبتهِ بلقاءِ الرئيس بشار الأسد، هذا التسريب لكلامٍ قاله أردوغان في اجتماعٍ حزبي وفي أهم الصحف التركية جاءَ بشقين، الأول هو تهيئة داخلية لكل خطوة سيُقدم عليها النظام التركي ونوع من المبادرة خارجياً، أما الثاني وهو حديث أردوغان عن «ارتكابات النظام في سورية» فهي تقديم مبرر للتراجعات التي يتبناها من منطلق القوة التي تجعلهُ يقول كل شيء في وجهِ خصومه، أردوغان يثق بأن قطيعه سينسى وعوده ويتذكر «الرجل الذي مدَّ يده للسلم»، هو قال هذا الكلام عندما زار المملكة العربية السعودية صاغراً مدَّعياً أنه جاء ليبحث كل الملفات بما فيها ملف الأماكن المقدسة ودماء جمال خاشقجي، ثم خرج ليتغنى بالعلاقات «الأخوية» بين البلدين، هذهِ المواقف المُكمِّلة لمواقف النظام التركي لم تخرُج عملياً عن الدائرةِ المُغلقة لتنظيمِ الإخوان المسلمين بمستويين اثنين:
المستوى الأول على صعيدِ الدول، هنا يبرُز دور الداعم الأكبر لتنظيمِ الإخوان المسلمين وهي مشيخة قطر، حيث شكَّلت هذه المشيخة بنك التمويل الأول في العالم لتقديمِ كل أشكال الدعم المادي وتمويل العمليات المرتبطة بالأجنحة العسكرية لهذا التنظيم في دولٍ كثيرة كسورية ومصر راح ضحيتها آلاف الأبرياء، ورعاية حتى إعلاميين وصحفيين يدعون صراحةً لتدميرِ بلدانهم واستعادة نهج الخلافة الإسلامية، التبرؤ القطري من تنظيم الإخوان والذي جاءَ عبر الأمير تميم وإن حمَل في طيَّاتهِ الكثير من الأكاذيب، لكنهُ في النهاية يبدو دفعةَ حسابٍ نحو المزيد من التراجعات تحديداً أن التنظيمات الإرهابية على شاكلةِ هذا التنظيم المجرم تنتهي قدراته العملية بانتهاء التمويل، هناك من يرى في الكلام القطري مراوغة فاشلة إذ ما الذي يعنيهِ عدم دعم الإخوان المسلمين بينما المشيخة غارقة حتى أذنيها بالتواصل مع «جبهة النصرة» والكثير من التنظيمات الإرهابية في سورية والتي تشكل لهم واجهةَ المعارضة السورية التي عليها الجلوس مع النظام للتفكير بمستقبل سورية؟!
هذهِ المقاربة تبدو صادقة شكلاً، إذ لا فرقَ عملياً بين ادعاء عدم تورطك بجريمةِ الاغتصاب لكنك أنت من جهَّزت السكاكين للقاتل الذي حاول التخلص من ضحيته، الجريمة هي الجريمة والتورط هو التورط سواء أكان مع التنظيم الإرهابي أم غيره ممن يساويهِ في الإرهاب، لكن المقاربة لا تبدو بذات الصدق مضموناً لأن هناك من يتجاهَل حقيقة قائمة بأن تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي هو الرحم القذرة التي أنجبت كل هذهِ التنظيمات منذ سقوط خلافة الإجرام العثمانية وإطلاق مؤسس الحركة المقبور حسن البنا لعبارة: «الإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف»، حتى يومنا هذا بمعزل عن قيام بعض الدول التي تنتهج النظام الإسلامي بترجمةِ كتبه إلا أن هكذا خطوة لم ولن تضفي شرعية على هذا الفكر القذر بما فيها اقتناع هذه الدول «الصديقة» بضرورة دمج الإخوان المسلمين في الحياة السياسية لمستقبل سورية، على هذا الأساس لا يجب النظر لتبرؤِ تميم من التنظيم الإرهابي على أنها دعوة عادية، هي فعلياً نقطة تحول في تاريخ المشيخة إن صدقت بتنفيذها!
المستوى الثاني، على صعيدِ «التنظيمات المقاومة»: فعلياً، وليكن هذا الكلام رأياً شخصياً، علينا وضع كل التوصيفات المتعلقة بالفعل المقاوم التي باتت مثارَ جدل تحت الضوء، هل حقاً هناك شيء اسمه «محور مقاومة»؟ هناك دولة مقاومة اسمها سورية وتنظيمات أو حركات مقاومة عابرة للحدود كـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» و«الجهاد الإسلامي»، لا يمكن لكَ أن تكون دولة مقاومة وفي نهجكَ السياسي دعم لتنظيمات إرهابية على شاكلة الإخوان المجرمين، هل حقاً هناك تنظيمات مقاومة؟ نعم، لكن لا يمكن لكَ أن تحمل لقب «مقاوم» وأنت تتواطأ وتتآمر مع المتآمرين على دولةِ المقاومة هذهِ، المقاربة تبدو ضرورية لتوصيف الوضع الذي تبدو عليه حركة حماس فيما يتعلق بملف عودة العلاقة مع سورية فكيف ذلك؟
دعونا نتفق أولاً بأن هذا الملف أخذَ أكبرَ من حجمه بكثير، من حماس اليوم وماذا تمثل بالمقاربة لجهة التائبين والعائدين إلى دمشق؟ حماس استمدت يوماً سطوتها الأخلاقية عندما احتضنتها عاصمة المقاومة دمشق، وبعد غدرها بالسوريين باتت كرتاً يتقاذفهُ من يريد تسجيل النقاط لا أكثر، بذات السياق وهو الأهم وقلنا هذا الكلام مراراً، لا تقرؤوا بيانات حماس التي عادت للتغني بالدولة التي دعمتها واحتوت قياداتها قبلَ أن تتلقفهم فنادق قطر للمقاومة والصمود، بل اقرؤوا في الصمت السوري ففيه لغة أكثر بلاغة تحديداً عندما يكون الحديث عن دولة مقابل تنظيم، هنا قد يسأل البعض وهل هذا الكلام معناه بأن الدولة السورية رفضت انعطافةَ حماس؟
من الواضح بأن الدولة السورية ليست بوارد الرفض أو القبول، حماس ليست دولة ليتم تبادل سفراء معها، هي مجرد تنظيم يجب النظر إليها من هذا الباب لا أكثر، إن قرر أحدهم في هذا التنظيم زيارة سورية فأبواب سورية مفتوحة لكل من يقدم نفسه كمقاوم وليسَ من يتاجر بملف المقاومة، أما المستويات التي سيتم التعاطي معها فلتكن أسوة بالشقيقة مصر التي تتعاطى مع التنظيم على مستوى الأجهزة الأمنية لا أكثر، من هذا المنطلق ربما على حماس الكف عن إصدار البيانات حول «قرارها» بعودة العلاقة مع سورية، لكثرةِ ما يوجد متحدثون باسم حماس فقد تكرَّرَ هذا البيان لمراتٍ ثلاث في الأسابيع الماضية والنتيجة ماذا؟
النتيجة أن الجانب السوري لا يرى هذهِ الانعطافة السياسية إلا انطلاقاً من انعطافات الرأس الأكبر لا أكثر ولا أقل، وبمعنى آخر هناك تقاطع انعطافات ولَّدَ لدى حماس هذه الرغبة ولو بقي التركي والقطري على مواقفهما لرأينا علم الانتداب يحلق من جديد فوق رأس المدعو خالد مشعل دعماً لـ«الثوار» في سورية، ومن ثم ادعائِه بعدم علمه بما يمثلهُ هذا العلم! يا له من رئيس مكتب سياسي محنَّك! كانَ من المفترض أن يكون هذا الموقف الحمساوي إن صحَّت مصداقيته الأخلاقية نتيجة لمراجعة داخلية وليست رقصاً على أنغام كبيرهم الذي علمهم الكفر!
من هنا لا يبدو بأن الحديث عما يجري من سعي روسي لإنهاء ملف المصالحة السورية التركية والمواقف الناتجة عنه قابل للتجزئة، فما حدود نجاحها تحديداً بعد الحديث عن لقاءٍ جمع في دمشق رئيس مكاتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك ومسؤول المخابرات التركية حقان فيدان؟
من الواضحِ أن القيادة السورية تسير في قبول المصالحة مع النظام التركي بالكثير من الحذر عبرَ ردود الفعل المتصاعدة، هذا الحذر مشروط بحدوث تقدم ملموس على الأرض باعتبار أن النظام التركي لا يؤمَن جانبه فيما يتعلق بتنفيذ الوعود، هذا التقدم هو الذي يحدد عملياً تطور هذه العلاقة أو تطور مستوى اللقاء القادم فبعدَ أن كانت المباحثات عبارة عن تبادل معلومات أمنية بين جهازي الأمن السوري والتركي، هناك من يتحدث اليوم عن لقاءٍ مباشر بين أهم شخصيتين أمنيتين بين البلدين، هل قدمت تركيا معلومات سهَّلت وصول سلاح الطيران السوري لقيادات التنظيمات الإرهابية في إدلب؟ من التالي الذي ستقدمه تركيا على مذبح الهروب من جحيم الشمال السوري؟ هذا معناه بأن على النظام التركي وقبل الحديث عن نوعية اللقاء القادم، تقديم المزيد من التراجعات، سورية بالمناسبة لا يعنيها إن بقي ما يسمى الائتلاف في تركيا أو غادرَ أراضيها هو ليسَ موقفاً يمكننا اعتباره دفعة مقدمة من النظام التركي، في سورية يدركون بأن تلكَ الإمعات عبارة عن ورقة محروقة ستنتهي عاجلاً أم آجلاً ودون ثمن، لكن كلمة الفصل هي في الشمال السوري وتحديداً دعم التنظيمات الإرهابية التي خلَّفها فكر المقبور حسن البنا، هل إن التركي جاهز لذلك؟
دعونا ننتظر، تحديداً بأن عدم الاستعجال السوري يوحي بهدوءٍ ناتج عن الكثير من المعلومات بأن هذه التراجعات التركية ومن خلفها القطرية وصولاً إلى الحمساوية، هي تراجعات أميركية ستصل حكماً إلى مكانٍ ما لكن حتى ذلك الحين ليعلم الصديق قبل العدو، لا مكان لعصابة الإخوان المسلمين في سورية تحديداً بعدَ أن باتت وباعتراف عربي ودولي تنظيماً إرهابياً، وهناك من يطلب منا إعادة الروح إليها.
يالكم.. من سذَّج!
الوطن السورية
—————————-
على وقع خطاب الكراهية المتنامي: الاقتصاد التركي.. ماذا لو رحل السوريون؟/ضياء عاصي و لجين مراد و محمد فنصة
ستجني المعارضة التركية ما زرعت من خطاب الكراهية المتنامي، وستُصدم الحكومة بما غفلت عنه، ولن يكون غياب السوريين عن مواقع العمل والمعامل سهلًا أبدًا على واقع الاقتصاد التركي.
بهذه الكلمات ألقى المحلل الاقتصادي التركي وعضو جمعية “رجال الأعمال المستقلين الأتراك” (موصياد) علاء الدين شنجولر (Alaeddin Şengüler)، باللوم على جميع الأطياف السياسة التركية، لعدم فعل شيء تجاه تناقص اليد العاملة السورية.
وفي حين تظهر الأرقام الرسمية نموًّا مطردًا في الاقتصاد التركي منذ أن قدم اللاجئون السوريون، دون الجزم بدور لهم في هذا النمو، ليس واضحًا بعد أي أثر ستتركه الحملات العنصرية على قطاعات العمل التي ينشط فيها السوريون داخل تركيا، نظرًا إلى غياب الإحصاءات، لكن بعض المهن والقطاعات التي يحجم الأتراك عنها لصعوبتها، سيكون لفقدان السوريين أثر فيها، كما يتوقع خبراء.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف مع خبراء وباحثين، التحول الذي شهده الاقتصاد التركي قبل اللجوء السوري وبعده، إلى جانب مدى واقعية المخاوف المتداولة حول الآثار المترتبة على غياب اليد العاملة السورية على الاقتصاد التركي.
العمالة السورية..
حجر الزاوية في ثغرة الحكومات
منذ 25 عامًا، أدى إهمال الدولة التركية لتعليم وإعداد فئة من الشباب الحرفيين في ورشات العمل بعيدًا عن خانات التنظير (الجامعات)، إلى نقص في الأيدي العاملة التركية الماهرة.
ولم تستدرك حكومة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، هذا الأمر عقب توليها السلطة، بل ركزت على بناء الجامعات والمعاهد، وهو ما خلق فجوة في السوق، كان السوريون حجر الزاوية فيها، وفق ما قاله المحلل الاقتصادي علاء الدين شنجولر، لعنب بلدي.
ويرى شنجولر أن جدلية الخطاب التي اعتبر بها أردوغان السوريين مهاجرين وهم الأنصار، مقابل تهميش إسهاماتهم وقدرتهم على النهوض بأنفسهم، لم تتوافق مع سلوك شريحة واسعة من الشعب التركي، بل رسخت الاعتقاد القائل بأن السوريين يعيشون على معونات الحكومة المستمدة من ضرائب الشعب.
كما يجد أن التصريح بالمبالغ التي أُنفقت على اللاجئين السوريين مغالطة صريحة تتنافى مع ادعاء النصرة، منتقدًا عدم إبراز حجم المساعدات الخارجية التي حصلت عليها الدولة مقابل إيواء اللاجئين، ما ألحق بهم ضررًا معنويًا.
“سيتأثر الاقتصاد سلبيًا، ليس لقلة الكفاءة التركية عددًا ومهارة، إنما بسبب العدول عن القطاعات التي شغلها السوريون، ما تسبب بنوع من الخمول الذي يحتاج إلى وقت لانسجام اليد العاملة التركية، وهو ما سيؤذي أصحاب العمل”.
“فقد لغائب واحتقار لحاضر”
معامل فارغة وورشات تفتقر لعمالها، نقلتها عدسات أصحابها وهم يتحسسون أثر انخفاض أعداد السوريين، متخوفين من العواقب الاقتصادية لذلك.
دفع التضييق المستمر على اللاجئين السوريين في تركيا الآلاف منهم للبحث عن ملجأ آخر، بعد أن تنامى خطاب الكراهية، مع تصاعد حملات الترحيل العشوائية ضمن خطة “العودة الطوعية”، بالإضافة إلى استمرار تدهور الأوضاع المعيشية.
ومنذ بدء الثورة السورية في 2011، اتجه نحو أربعة ملايين لاجئ سوري إلى تركيا بحثًا عن الاستقرار، وطلبًا للأمان الذي فقدوه في بلادهم.
وبعد سنوات من محاولات تعويض خساراتهم، والعمل في مختلف المجالات، أصبحت محاولات الوصول إلى حالة الاستقرار حلمًا لمعظم السوريين اللاجئين في تركيا.
خلال أربعة أشهر، انخفض عدد السوريين الحاملين لبطاقة “الحماية المؤقتة” بنحو 105 آلاف و778 شخصًا، إذ بلغ عددهم عند إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن مشروع إعادة مليون لاجئ، في أيار الماضي، ثلاثة ملايين و761 ألفًا و267 لاجئًا سوريًا.
وبلغ عدد السوريين المقيمين في تركيا بموجب “الحماية المؤقتة”، بحسب أحدث إحصائية صادرة عن الرئاسة العامة لإدارة الهجرة التركية، في 8 من أيلول الحالي، ثلاثة ملايين و655 ألفًا و489 شخصًا.
السوريون أمام طريقين
عوامل كثيرة أدت إلى تناقص أعداد السوريين ورسمت طريقين لا ثالث لهما، للطبقة المتوسطة وما دونها، “عودة طوعية” أو هجرة غير شرعية إلى أوروبا.
“الطريق الذي مشيناه طريق الموت، لكن دافع الخوف من الموت البطيء في هذا البلد، يجعل الإنسان يمضي قدمًا”، بهذه الكلمات برر محمود معراوي (24 عامًا)، اختيار طريق الهجرة غير الشرعية، بعد أن فقد الأمل بحصوله على مستقبل آمن في تركيا، حسب قوله.
أربع سنوات أمضاها محمود، متنقلًا بين اسطنبول وبورصة، ساعيًا إلى الحصول على فرصة عمل جيدة، واضعًا أخطار الترحيل نصب عينيه لعدم امتلاكه تصريحًا للسفر، إذ كان يحمل “كملك” (هوية الحماية المؤقتة في تركيا) مدينة بورصة.
وبعد عثوره على عمل في بورصة، واجه مشكلة جديدة بالحصول على تصريح العمل في شركة نقل عمل بها، رغم محاولاته المتكررة، وفق قوله.
“خرجت لحاجتي بالشعور أني إنسان، إلى من يعترف بي عقب معاناتي من العنصرية والتضييق”، أضاف محمود، معتبرًا رفض إصدار أذون العمل ورفض إصدار “الكملك” والتنقل بين الولايات أسلوب “تعجيز”، حسب تعبيره.
وتعتبر هذه الدوافع أمرًا مشتركًا بين معظم الشباب السوريين الذين اختاروا طريق الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
ومنذ تصاعد وتيرة التصريحات حول “العودة الطوعية”، وزيادة التضييق على اللاجئين السوريين بمختلف مجالات الحياة، سلك مئات الأشخاص طريق العودة إلى سوريا، كما تعرّض العديد منهم للترحيل بطرق متعددة ولأسباب مختلفة.
بينما اختار آخرون العودة بعد أن رأوها مصيرًا حتميًا، وخيار النجاة الوحيد من التضييق المفروض عليهم مع ازدياد مخاوفهم من إمكانية بقائهم في تركيا.
هذا ما ظهر أثره من خلال العديد من الدراسات، بينها دراسة أجراها مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، بعنوان “العودة الطوعية وواقع اللاجئ السوري في تركيا”.
وخلصت الدراسة إلى أن الحديث عن “العودة الطوعية” والإجراءات المترتبة عليها، أسفرت عن تزايد مخاوف السوريين تجاه فرصة بقائهم في هذا البلد.
استغلال وسد للعجز
أسهمت العمالة السورية بنمو الاقتصاد عبر سنوات اللجوء في تركيا، وبلغ عدد العاملين في السوق التركية حوالي مليون سوري منذ 2017، بحسب دراسة نشرتها منظمة العمل الدولية في آذار 2020.
وسجّلت تركيا أعلى مستوى نمو اقتصادي خلال الربع الثالث من 2021 بين دول “مجموعة العشرين”، بنسبة بلغت 7.4%، مقارنة بالفترة نفسها من 2020، بعد الانتعاش الذي شهده الاقتصاد مع الرفع التدريجي للقيود التي فرضتها جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19).
وبحسب الدراسة، يعمل 97% من السوريين دون تصريح عمل، في حين أصدرت وزارة العمل والضمان الاجتماعي التركية حتى 2019 (أحدث تقرير للوزارة)، نحو 140 ألف تصريح عمل للسوريين.
ولم يُسمح للسوريين من حملة بطاقات “الحماية المؤقتة” باستصدار تصاريح العمل حتى 15 من كانون الثاني 2016، أي بعد أكثر من خمس سنوات على بداية اللجوء السوري إلى تركيا، ما اضطر السوريين إلى العمل دون ضمان اجتماعي.
واستغل أرباب العمل الأتراك النسبة الكبرى من السوريين بسبب عدم تسجيلهم في الضمان الاجتماعي، ما حرمهم من العديد من الميزات فيما يتعلق بالأجر وحقوق العمالة.
وهو ما كان أحد الأسباب الأساسية لشيوع حالة التوتر من قبل العمالة التركية ضدهم، متهمة إياهم بالاستحواذ على فرصها في سوق العمل، بسبب الأجور المتدنية التي يقبلون بها، وفق ما قاله الباحث في مركز “عمران” محمد العبد الله، لعنب بلدي.
وأضاف الباحث أن نسبة من العمال السوريين يمتنعون عن تسجيل أنفسهم في الضمان الاجتماعي، لأسباب ترتبط بحصولهم على المساعدات الإنسانية وخوفهم من توقفها، ما أدى إلى “تجييش إعلامي كبير” ضدهم خلال الأعوام الماضية، متهمين إياهم برفع معدلات البطالة، وتأثيرهم على تردي الواقع المعيشي.
لكن معدل البطالة لم يتأثر بشكل فعلي بقدوم السوريين، إذ بلغت نسبة البطالة 12% في 2021، مقارنة بـ11.9% في 2010، وفقًا لأرقام هيئة الإحصاء التركية (TÜİK).
ويرى العبد الله أن ما عمّق من أثر العمالة السورية بشكل فعلي هو طبيعة سوق العمل، التي تحتل مرتبة متأخرة على التصنيف الدولي، إذ إن أكثر من 60% من العمالة التركية تُصنف كعمالة غير رسمية، “وهذا ما انعكس بشكل مباشر على واقع العمالة السورية ضمن هذا السوق، وأدى إلى هذه الارتدادات الاجتماعية السلبية ضدها لدى المجتمع التركي”.
وتحت عنوان “حقوق العمال تنهار”، جاءت تركيا في المرتبة العاشرة ضمن أكثر الدول التي تنتهك حقوق العمال، من بين 148 دولة غطاها تقرير صدر عن “الاتحاد الدولي لنقابات العمال” لعام 2022، موثقًا الانتهاكات التي يتعرض لها العمال حول العالم.
وبحسب منظمة العمل الدولية، كان معظم العمال السوريين يعملون تحت الحد الأدنى للأجور، في حين تركّز عمل السوريين في قطاعات الملابس الجاهزة، والتجارة واستخراج الأوراق القانونية، والبناء، والزراعة، التي أحجمت العمالة التركية عن العمل بها، ليسد السوريون هذا “العجز”، بحسب الباحث.
عمالة ماهرة سريعة التعلم..
السوريون في ميزان الاقتصاد
الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، لا يعتقد أن هجرة أو رحيل السوريين قد تؤثر في الاقتصاد التركي بشكل يؤدي إلى انهياره، لأن تركيا تعتبر دولة ناشئة ذات اقتصاد قائم، رغم إسهام السوريين بالاقتصاد.
لكنه أوضح أنه في حال غياب السوريين، سيحصل “خلل” في الاقتصاد التركي لفترة معيّنة، إلى حين إيجاد البديل من العمالة الإفريقية والآسيوية.
ونوه إلى أن ما سيفقده الاقتصاد التركي في هذا السيناريو، هو العمالة الماهرة السريعة التعلم، التي تقوم بالدور الأكبر في التطوير.
ويشترط القانون التركي حصول السوريين على تصاريح عمل تخولهم الدخول إلى سوق العمل، وتجعل وزارة العمل التركية تقديم طلبات إذن العمل واجبًا على أي صاحب عمل مستقل في تركيا، إن كان صاحب محل لبيع المواد الغذائية، أو صاحب ورشة خياطة، أو صاحب معمل أقمشة.
ولا يجوز لحملة بطاقة “الحماية المؤقتة” من السوريين أن يعملوا خارج الولاية التي حصلوا على بطاقاتهم منها.
وردًا على سؤال عنب بلدي حول تأثير السوريين على الاقتصاد التركي، قال نائب رئيس “حزب العدالة والتنمية” لحقوق الإنسان والمتحدث باسم الحزب، ياسين أقطاي، على هامش فعالية لدعم رواد الأعمال السوريين، “إن تأثير السوريين في الاقتصاد التركي إيجابي”.
وأضاف أن “إسهام السوريين في الاقتصاد لا يقتصر على سوق العمل فقط، بل كان لهم دور كبير في تصدير المنتجات التركية إلى السوق العربية، بواسطة الموظفين السوريين في الشركات التركية”.
شركات سورية أسهمت بالنمو
أوضح الباحث محمد العبد الله، أن السوريين أصحاب رؤوس الأموال والخبرات الصناعية، كان لهم دور مهم في نمو الاقتصاد التركي، إذ استثمروا في تركيا ما يتجاوز عشرة مليارات دولار تقريبًا، في قطاعات اقتصادية متنوعة بالعديد من المدن التركية.
وساعد هؤلاء من حيث الإنتاج والتصدير وتوفير فرص العمل للأتراك منذ عام 2012، كما لقيت هذه الفئة الكثير من التسهيلات من قبل الحكومة التركية لتوطين استثماراتها التي أصبحت مندمجة حاليًا في الاقتصاد التركي، بحسب الباحث.
بحلول آذار 2021، بلغ عدد الشركات السورية في تركيا 20 ألف شركة صغيرة ومتوسطة الحجم، وحتى كانون الثاني الماضي، أسهمت المؤسسات المملوكة لسوريين بتشغيل 500 ألف عامل من ضمنهم أتراك، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة “Takvim” التركية، في أيار الماضي.
وتجاوزت استثمارات رجال الأعمال السوريين في تركيا عشرة مليارات دولار، وبلغ إسهامهم في الصادرات ثلاثة مليارات دولار أمريكي إلى أكثر من 50 دولة، بحسب الصحيفة.
وفي تقرير صادر في أيلول 2019 عن “المنتدى الأورومتوسطي لمعاهد العلوم الاقتصادية” (فيميز)، الممول من الاتحاد الأوروبي، وجد أن عدد الشركات التي أسسها السوريون في تركيا من عام 2014 إلى عام 2016، ارتفع بنسبة 168%.
وفي نهاية عام 2017، كان لدى تركيا أربعة آلاف و793 شركة سورية برأسمال قدره 39.1 مليون يورو.
وأوضح التقرير أن تأثير اللاجئين السوريين من ناحية القيمة المضافة للاجئين في الاقتصاد التركي، وصل إلى 4.3 مليار يورو، بنهاية 2017، أو 1.96% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في تركيا.
وتوقع أن ترتفع تلك القيمة إلى 4% في عام 2028 مع تشغيل مليون عامل سوري لاجئ بشكل نظامي في تركيا.
أرقام خارج الحسابات
لفت الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، إلى أن التجار السوريين جلبوا أصحاب الشركات إلى تركيا، عبر “رأس المال الاجتماعي” المتمثل بعلاقاتهم التجارية في الدول العربية.
وأسهم السوريون في خلق فرص عمل للأتراك عن طريق شركاتهم ومعاملهم، بحكم فرض القانون التركي توظيف نسبة من الأتراك في الشركات الأجنبية.
وفي 2010، بلغ الناتج المحلي الإجمالي في تركيا 776 مليار دولار، بمعدل نمو سنوي 8.4%، ووصل حجم الصادرات إلى نحو 113 مليار دولار، والواردات إلى حوالي 185 مليار دولار.
بينما بلغ الناتج المحلي الإجمالي 815 مليار دولار في 2021، بمعدل نمو سنوي 11%، بعد الانتعاش الذي شهده الاقتصاد عقب رفع القيود التي فرضتها جائحة فيروس “كورونا”، وهو ما أكده حجم الصادرات الذي وصل إلى نحو 225 مليار دولار، والواردات إلى 271 مليار دولار.
في المقابل، بلغت نسبة التضخم السنوي خلال 2010، 8.6%، بينما تجاوزت نسبته الـ80% في آب الماضي قياسًا بنفس الشهر من عام 2021، بحسب الإحصاءات التركية الأحدث، وفقًا لأسعار المستهلك، مدفوعة بتبعات الحرب الروسية على أوكرانيا، وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، مع انخفاض قيمة العملة التركية، بالإضافة إلى تخطي الدولار حاجز 18 ليرة تركية، بحسب موقع “Döviz” المتخصص بأسعار الصرف والعملات الأجنبية.
الدكتور فراس شعبو، أرجع سبب سوء الأوضاع الاقتصادية التركية كالتضخم في الآونة الأخيرة، إلى عدة عوامل، منها السياسة الاقتصادية التركية، والأوضاع الخارجية كالحرب الروسية على أوكرانيا، بالإضافة إلى التضخم العالمي الذي حصل، مستبعدًا أن يكون وجود اللاجئين السوريين هو السبب الرئيس، كما تدعي أحزاب المعارضة التركية.
وأشار شعبو إلى أن اللاجئين قد يكونون أثّروا على حجم الطلب، لكنه شدد على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار حجم الجالية العربية الكبيرة التي أسهمت أيضًا بهذا الجانب.
استطلاع رأي
أجرت عنب بلدي استطلاعًا للرأي عبر موقعها الإلكتروني، حول احتمالية تأثر الاقتصاد التركي بخسارة اليد العاملة السورية مع موجات الهجرة والترحيل.
وجاءت النتائج متباينة، إذ صوّت 76% من المشاركين في الاستطلاع بـ”نعم”، في حين صوّت 24% بـ”لا”.
برأيك.. هل يتأثر الاقتصاد التركي بخسارة اليد العاملة السورية مع موجات الهجرة والترحيل؟
نعم
76%
لا
24%
الاصوات: 517
هل يغادر التجار الكبار؟
استبعد الباحث في مركز “عمران” محمد العبد الله، خروج فئة أصحاب رؤوس الأموال والخبرات الصناعية التي وطّنت استثماراتها في تركيا، ولقيت تسهيلات من الحكومة التركية.
وأرجع ذلك إلى التكلفة المترتبة على الانتقال إلى بلد آخر، بالإضافة إلى عدم رغبتها بخسارة شبكة العلاقات التي أسستها منذ 2012، إلى جانب حصول النسبة الكبرى من المستثمرين السوريين على الجنسية التركية، وفق الباحث.
ويرى العبد الله أن فئة العمالة السورية التي سدت عجزًا واضحًا في بعض القطاعات كالزراعة والإنشاءات، والتي تحجم العمالة التركية بقسم كبير منها عن العمل بها، ستتأثر حتمًا مع نقص اليد العاملة مستقبلًا.
ويصعب قياس أثر السوريين في الاقتصاد التركي بجانبيه السلبي والإيجابي لأسباب عدة، بحسب الباحث، منها يتعلق بالجانب التقني ومنها مرتبط بالجانب السياسي.
واعتبر الباحث أن التنبؤ بالآثار المتوقعة لمغادرة أعداد كبيرة من السوريين على مستقبل الاقتصاد التركي من الصعوبة بمكان، نظرًا إلى غياب الإحصائيات الدقيقة والمنشورة عن حجم العمالة وتوزعها القطاعي.
ومن المتوقع حدوث نقص ملموس بالعمالة في بعض القطاعات ذات التشغيل الكثيف لليد العاملة، كصناعات الألبسة الجاهزة والنسيج الأحذية، بحسب العبد الله.
ويؤثر ذلك على نسبة الصادرات التركية التي احتلت مراتب متقدمة في الساحة الدولية، وفق الباحث، الذي أشار إلى احتمالية هجرة بعض الاستثمارات السورية.
عنب يلدي
——————————-
تركيا – دمشق ( نهاية معارضة )
كمال اللبواني
———————————–
مسؤول عسكري تركي يؤكد لفصائل معارضة أن قواته لن تنسحب من سوريا
بحسب قيادي حضر اللقاء وتحدث لـ«الشرق الأوسط»
إدلب: فراس كرم
أكد مصدر عسكري تركي في لقاء مع فصائل معارضة سورية شمال غربي سوريا، أنه لا توجد خطة أو حديث عن انسحاب القوات التركية من محافظة إدلب وريف حلب، وأن القوات التركية المتواجدة في المنطقة، هي «قتالية بحتة»، وتنفيذاً لاتفاق أُبرم مطلع عام 2020 بين تركيا وروسيا في إطار اتفاقية أستانا.
ونقلت صحيفة «الشرق الأوسط»، عن قيادي في فصائل المعارضة السورية المسلحة، حضر اللقاء، أن «اجتماعًا خاصاً في شمال غربي سوريا، عُقد خلال الأيام الأخيرة وضم عدداً من العسكريين في فصائل المعارضة، بحضور مسؤول عسكري في القوات التركية، جرى خلاله مناقشة الملف السوري وتطوراته الأخيرة، والخطة المتعلقة بالتقارب بين تركيا والنظام السور، وتطبيع العلاقات بين الجانبين. وقد أكد المسؤول التركي في كلمته أثناء الاجتماع، بأن ليس لتركيا خطة أو نية للانسحاب من الأراضي السورية، وأن هذا الأمر مرفوض بشدة من قبل تركيا «في المدى القريب»، رغم أن أحد شروط النظام السوري للموافقة على التقارب مع أنقرة، هو انسحاب القوات التركية من سوريا.
وأوضح المسؤول التركي وفق المصدر، أن «القوات التركية المتواجدة في مناطق إدلب وأرياف حماة وحلب واللاذقية، هي قوات قتالية بحتة، وليست قوات حفظ سلام أو لمراقبة وقف إطلاق النار بين المعارضة والنظام السوري، وقد جرى انتشارها في المنطقة نتيجة لاتفاق بين تركيا وروسيا في إطار اتفاقية أستانا مطلع عام 2020 إبان الهجوم الفاشل لقوات النظام وحلفائه في حينها، إلى ما بعد مدينة سراقب شرق إدلب. وإن مهام القوات التركية في المنطقة هي مواجهة أي محاولة تقدم لقوات النظام باتجاه إدلب والمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في شمال غربي سوريا»، مشدداً على أن أي هجوم للأخير يعتبر «خرقاً واضحاً للاتفاق المذكور ويحق للقوات وفصائل المعارضة (مشتركة)، مواجهة العملية وسحق أي قوة مهاجمة».
وفي ظل تبادل التصريحات بين مسؤولين أتراك ونظرائهم في النظام السوري، حول خطة المصالحة والتقارب وشروطها بين أنقرة ودمشق، كان موقع «TRT HABER» قد نقل (الجمعة)، عن جاويش أوغلو، قوله، إن «مطالب النظام السوري بانسحاب القوات التركية من المناطق السورية، طرح غير واقعي، مشيراً إلى خطورة التنظيمات الإرهابية في تلك المناطق»، مضيفا أنه «إذا انسحبنا من تلك الأراضي اليوم، فلن يحكمها النظام وستهيمن عليها التنظيمات الإرهابية، هذا الأمر خطر علينا، وخطر على النظام أيضاً، ويعني أنه خطر على سوريا كلها».
وكانت وكالة «رويترز» قد نقلت، الجمعة، عن مصادرها، أن رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان، عقد اجتماعات مع رئيس مكتب الأمن الوطني السوري، علي مملوك، في دمشق، خلال الأسابيع القليلة الماضية، بحث خلالها الطرفان الخلافات وتجاوزها للتوصل إلى اتفاقيات محددة، تصب في مصلحة الجميع، بما في ذلك تركيا وسوريا».
من جانبها قالت الصحافية في جريدة «النافذة» التركية، نوراي باباجان، إن «مملوك اشترط على نظيره التركي، عودة الجنود الأتراك الموجودين على الأراضي السورية إلى منازلهم، قبل الشروع بالتفاوض على قضية اللاجئين وقضايا متعلقة أخرى».
وكانت تصريحات وزير الخارجية التركية مولود جاووش أوغلو، حول المصالحة بين المعارضة والنظام السوري، قد دفعت السوريين في مناطق المعارضة والنازحين في المخيمات، إلى الخروج بمظاهرات حاشدة على مدار شهر كامل للتنديد بتلك التصريحات، مطالبين الجانب التركي بالحديث عن نفسه فقط في مصالحته النظام السوري دون إشراك المعارضة.
يذكر أنه تنتشر في مناطق إدلب وأرياف حماة وحلب واللاذقية، ومناطق العمليات التركية (غصن الزيتون) و(درع الفرات) شمال حلب و(نبع السلام) بأرياف الرقة والحسكة، في شمال وشمال شرقي سوريا، نحو 124 قاعدة ونقطة عسكرية تركية، تضم أكثر من 120 ألف جندي تركي، وآلاف القطع العسكرية والأسلحة، بينها منظمات دفاع جوي ومدافع ثقيلة وراجمات صواريخ، تشكل خطاً دفاعياً عسكرياً بوجه قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية وقوات قسد، أمام أي محاولة تقدم باتجاه تلك المناطق، فيما تسلح وتدعم الفصائل المعارضة للنظام السوري، التي تضم أكثر من 50 ألف مقاتل، برواتب شهرية.
الشرق الأوسط»
———————————-
أردوغان يدعو العالم لدعم المشروع السكني في سوريا
دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العالم إلى دعم مشروع التجمعات السكنية الذي ستنفذه بلاده في سوريا.
جاء ذلك في خطاب له، الثلاثاء، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في نيويورك.
وجدد أردوغان، خلال حديثه عن الأزمة السورية، التأكيد على أهمية إيجاد حل دائم بما يتماشى مع التطلعات المشروعة للشعب السوري وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254.
وتبنى مجلس الأمن في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2015 القرار رقم 2254 الذي ينص على وقف فوري لإطلاق النار في جميع أنحاء سوريا، وبدء مفاوضات سياسية، وتشكيل “حكومة وحدة” في غضون عامين تليها انتخابات.
وبيّن أن استمرار فشل التوصل لحل يهدد بشكل متزايد أمن واستقرار المنطقة ووحدة الأراضي السورية.
وأضاف: “أكثر من 4 ملايين مدني في شمال سوريا يتشبثون بالحياة بفضل المساعدات الدولية والمظلة الأمنية التي توفرها بلادنا، على مجلس الأمن أن يفي بمسؤولياته لتمديد القرار الذي يشكل أساس آلية المساعدات شمال غربي سوريا”.
وذكر أردوغان أن بلاده قامت بصدق بما يقع على عاتقها في تهيئة الظروف اللازمة لضمان عودة طوعية وآمنة ومشرفة للسوريين إلى بلادهم.
ولفت إلى تشييد تركيا 100 ألف منزل من الطوب في مناطق مختلفة من سوريا حتى يتمكن المدنيون الفارون من الحرب من مواصلة حياتهم في ظروف إنسانية.
ونوه إلى اكتمال وتسليم جزء كبير من المنازل، مشيرا إلى بدء الاستعدادات لتشييد 200 ألف مسكن من شأنها أن توفر عودة نحو مليون سوري إلى أراضيهم.
وأكد على ضرورة دعم المجتمع الدولي من أجل تنفيذ هذا المشروع الذي سيتم إنشاؤه في 13 موقعا مختلفا في المناطق الآمنة شمالي سوريا.
وأردف: “ننتظر من الجميع بذل الجهد اللازم وإبداء التضامن بشأن مشروع التجمعات السكنية الذي سننفذه في سوريا”.
وفي 9 مايو/أيار الماضي، كشف أردوغان أن تركيا تعمل على إنشاء 200 ألف وحدة سكنية في 13 منطقة على الأراضي السورية، بتمويل من منظمات إغاثية دولية.
وفي سياق متصل، أفاد أردوغان أن “أزمة اللاجئين لا يمكن حلها عبر إغراق قوارب الأبرياء الباحثين عن مستقبل أفضل وتركهم للموت أو الزج بهم في معسكرات اعتقال”.
وبيّن أن حل هذه الأزمة يتم من خلال الجهود التي تولي أهمية كبرى للإنسان وحياته.
وأشار إلى ازدياد الظلم الذي تمارسه اليونان تجاه اللاجئين مؤخرا في بحر إيجه وشرقي المتوسط.
وأضاف: “بينما نكافح لمنع وصول جثث الأطفال إلى الشواطئ على غرار الطفل إيلان حولت اليونان بسلوكها المتهور بحر إيجه إلى مقبرة لطالبي اللجوء”.
وتابع: “الأسبوع الماضي لقي الطفل عاصم ذو التسعة أشهر، والطفل عبد الوهاب في الرابعة من العمر، مصرعيهما مع عائلتيهما إثر إغراق قاربهم على يد قوات خفر السواحل اليوناني”.
وأوضح أنه منذ زمن بعيد حان الوقت الذي يجب فيه على أوروبا ومنظمات الأمم المتحدة أن تقول “كفى” لهذه الحوادث القاسية التي تعتبر جرائم ضد الإنسانية.
(الأناضول)
—————————–
سوريا على طاولة ثلاثية في نيويورك.. أربع نقاط قبل التطبيع
أعلنت وزارة الخارجية الروسية في بيان، الأربعاء 21 من أيلول، عن اجتماع ثلاثي للدول الضامنة لمسار “أستانة” (تركيا، روسيا، إيران).
وعقد الاجتماع على على مستوى وزراء الخارجية بصيغة “أستانة”، على هامش الدورة الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك.
وجرى تبادل “معمق” لوجهات النظر حول الوضع الراهن ف سوريا، مع تأكيد الوزراء على ضرورة تحقيق الاستقرار المستدام على الأرض وإحلال السلام والأمن في سوريا من خلال استعادة سيادتها واستقلاها ووحدتها وسلامة أراضيها.
ولم ترد أي تفاصيل حول الأساليب المتخذة لمعالجة هذه الملفات في المباحثات، بحسب ما جاء في البيان.
من جهته علق وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، عبر حسابه في “تويتر”، بالقول، “عقدنا اجتماع وزراء خارجية عملية أستانة، نواصل جهودنا الدبلوماسية في كل المجالات لإيجاد حل سياسي دائم للأزمة السورية”.
Astana Süreci Dışişleri Bakanları Toplantısı’nı icra ettik. Suriye krizine kalıcı siyasi çözüm bulunması için diplomatik çabalarımızı her alanda sürdürüyoruz.
Held Astana Process FMs Meeting. Continuing our diplomatic efforts to find a political solution to the Syrian crisis. pic.twitter.com/UzF9jdJZur
— Mevlüt Çavuşoğlu (@MevlutCavusoglu) September 21, 2022
وعقب الاجتماع الثلاثي، أجرى وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا مشاورات مع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لسوريا، غير بيدرسون.
وناقشوا تقدم العملية السياسية، التي يديرها السوريون أنفسهم بدعم من الأمم المتحدة وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم “2254” من أجل التوصل لحل سياسي.
ولفت بيان الخارجية الروسية، إلى ضرورة أن تلعب اللجنة الدستورية، دورًا رئيسيًا في هذه العملية، مشيرًا إلى كونها منصة لا غنى عنها لإجراء حوار سوري داخلي مباشر حول الجوانب الرئيسة لمستقبل البلاد.
سوريا في مصلحة الحلفاء
ذكرت صحيفة “كوميرسانت” الروسية في تقرير لها بعنوان “اتصالات الأصدقاء المحلفين“، في 19 من أيلول، أن موسكو أكدت اهتمامها بإجراء اتصالات بين أنقرة ودمشق، مشيرة إلى أن الأمر لا يتعلق بالمصالحة السياسية بل بعودة اللاجئين السوريين.
وبحسب ما قال الخبير في المركز الإقليمي للاستجابة للطوارئ، كيريل سيمينوف، للصحيفة، فإن التقارب السوري- التركي “يعفي موسكو من مسؤولية حل المشكلة في منطقة خفض التصعيد في إدلب شمالي سوريا وغيرها من الجوانب الإشكالية للعلاقات السورية التركية”.
وأكد أن “ذلك ما تحتاجه موسكو للقضاء على أخطار لإفساد العلاقات مع حليفتها دمشق وشريكتها أنقرة”.
من جهته، اعتبر الكاتب في صحيفة “يني شفق” التركية المقربة من الحكومة، سليمان أوغون، في مقال له بعنوان “بينما تحتدم الأمور“، اليوم، الخميس 22 من أيلول، أن المجريات على الساحة الدولية بمنزلة حصار لتركيا.
ويرى أن تركيا في ظل هذه المجريات تكافح من أجل الانفصال عن روسيا، معتقدًا أن ذلك سيتسارع في الأيام المقبلة، مشيرًا إلى أن رجال الأعمال والمصارف التركية مهددون بإنهاء العلاقات مع روسيا والامتثال للحظر الغربي.
ولفت إلى أن روسيا تشكل معادلات جديدة في هذه المرحلة، من خلال إدراجها اليونان وجنوب قبرص في قائمة الدول المعادية.
واعتبر أن التعاون بين تركيا وروسيا وأذربيجان هو الفرصة الوحيدة لإفساد حيل الولايات المتحدة وفرنسا وإحباط حسابات إيران، حسب تعبيره.
وشدد أوغون، على ضرورة أن تعقد تركيا اتفاقية جديدة مع روسيا بشأن سوريا، إذ يجبر الوضع “الدولتين السابقتين اللتين طردتا من الغرب”، على التعاون على محور المصلحة المشتركة.
وتساءل عن عدد القادة الغربيين الذين طرقوا باب تركيا، خلال الشهرين الماضيين، بينما التقى بوتين وأردوغان ثلاث مرات، دون احتساب المكالمات الهاتفية بينهما، حسب قوله، في إشارة إلى تحالف الدولتين في مواجهة الغرب.
على شفا التطبيع
في حديثه لهيئة الإذاعة البريطانية بنسختها التركية “BBC Türkçe“، اليوم 22 من أيلول، قال السفير التركي السابق في دمشق، عمر أونهون، إن عملية التطبيع وصلت إلى مرحلة معينة من النضج، متوقعًا أن تنقل المحادثات إلى أرض الواقع السياسي.
وأشار إلى النقاش الذي جرى على مستوى رؤساء مخابرات البلدين في دمشق، قائلًا، “عندما تفكر في منصب رئيس مخابراتنا في تركيا، من الممكن أن تفهم أهمية ذلك جيدًا”.
وأضاف أونهون، أن “هناك عملية جادة، مؤكدًا أنها لن تكن سهلة، مرجعًا ذلك لعد أسباب أسماها بـ”المشاكل الخطيرة”، والتي تتقدم على طريق وعر للغاية لكنها مستمرة حسب تعبيره.
ووفقًا لأونهون فإن العوائق الرئيسية أمام التطبيع أربعة:
دعم تركيا للمعارضة
الوجود العسكري على الأراضي السورية
وحدات حماية الشعب
عودة اللاجئين
وتساءل أونهون عن مصير كل من المنظمات التي تتخذ من تركيا مقرًا لها لممارسة أنشطتها السياسية، بالإضافة إلى حماية أمن الحدود بحال الانسحاب التركي، وعن قضية الأحزاب الكردية التي تصنفها تركيا “إرهابية”.
ويرى أن عودة اللاجئين، هي أحد البنود الرئيسية على جدول الأعمال في السياسة الداخلية، مشيرًا إلى أنها لن تكون مهمة سهلة في ظل بعد اللاجئين عن وطنهم طيلة 11 عامًا.
ورغم صعوبة هذه الموضوعات، شدد أونهون على ضرورة البدء من مكان ما، ويعتقد أن البداية حصلت
——————————
“لا مفاوضات..لا اتصال”.. تصريحان يكبحان مسار “تطبيع” أنقرة والأسد
نفى مسؤولون في أنقرة والنظام السوري حصول أي مفاوضات أو عمليات اتصال سياسي بين الجانبين، ما يرجئ “فرضية التطبيع” التي يدور الحديث عنها، منذ أكثر من شهرين.
وبينما قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين في حوار تلفزيوني إنه “لا يوجد حالياً أي خطط للاتصال السياسي مع النظام السوري”، أكد وزير خارجية الأسد، فيصل المقداد أنه “ليست هناك مفاوضات حالياً حول تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة”.
وقال كالن، أمس الجمعة: “لا توجد حالياً أي خطط للاتصال السياسي مع النظام السوري. المخابرات تجري الاتصالات فقط”، مضيفاً: “موقف تركيا من سورية واضح. تستمر عملية أستانة، بينما تستمر عملية اللجنة الدستورية”.
من جانبه قال المقداد لوكالة “سبوتنيك” الروسية، اليوم السبت: “ليست هناك اتصالات على مستوى وزارتي الخارجية بين البلدين”.
وأضاف وزير خارجية النظام السوري أن “عدم التزام تركيا يعد عقبة تعيق عملية تسوية سورية بموجب إطار أستانة”، مؤكداً أن “أستانة هو الإطار الوحيد القابل للتطبيق لحل النزاع السوري”.
وهذان التصريحان يعطيان مؤشراً على أن “فرضية التطبيع” التي دار الحديث عنها بكثرة خلال الأيام الماضية لن تتم في المدى القريب، فيما ربط كالين والمقداد عدم وجود المفاوضات والاتصال السياسي بعبارة “الوقت الحالي”.
وقبل أيام كانت وزارة الخارجية الروسية قد اقترحت تنظيم لقاء بين وزيري خارجية تركيا والنظام السوري مولود جاويش أوغلو وفيصل المقداد، معتبرة أنه “سيكون مفيداً في الوقت الحالي”.
وقال نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف إن “موسكو فكرة تنظيم اجتماع لوزيري خارجية تركيا وسوريا.. ونحن على استعداد للمساعدة في عقده إذا لزم الأمر”.
وأضاف، حسب وكالة “ريا نوفوستي”: “نرى أن الاجتماع سيكون مفيداً. نحن نتحدث عن إقامة اتصالات بين الجانبين، حالياً تجري الاتصالات على المستويين العسكري والاستخباراتي بين الجانبين.. نحن ندعم هذا اللقاء، ونشجعهم على ذلك”.
وكانت وكالة “رويترز” قد نقلت، الأسبوع الماضي ، عن 4 مصادر أن رئيس جهاز الاستخبارات التركي، حقان فيدان عقد عدة اجتماعات مع نظيره السوري، علي مملوك خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وتعتبر هذه الاجتماعات التي حصلت في العاصمة دمشق مؤشر على جهود روسية لتشجيع “ذوبان الجليد” بين الدولتين، وفق “رويترز”.
وأجرى فيدان ومملوك تقييماً لإمكانية وكيفية أن يلتقي وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ووزير خارجية النظام فيصل المقداد في نهاية المطاف، وفقاً لمسؤول تركي كبير ومصدر أمني تركي.
وقال المسؤول التركي: “تريد روسيا أن تتخطى سوريا (النظام السوري) وتركيا مشاكلهما وتتوصلان إلى اتفاقات معينة .. تصب في مصلحة الجميع، تركيا وسوريا على حد سواء”.
ولم يصدر أي تأكيد رسمي من جانب أنقرة أو النظام السوري عما نقلته وكالة “رويترز” بشأن زيارات فيدان المتكررة إلى دمشق.
بدوره أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، قبل يومين أن تصريحات نظيره فيصل المقداد بشأن ضرورة “الانسحاب التركي من سورية” تعتبر “غير واقعية”.
واستبعد جاويش أوغلو حصول أي لقاءات دبلوماسية في المدى القريب، مؤكداً أن التواصل يقتصر في الوقت الحالي مع النظام السوري “على القنوات الاستخباراتية”.
—————————-
المقداد يطالب بالانسحاب التركي الفوري..قبل التقارب
أقرّ وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد بتقديم تنازلات لتركيا لقاء التقارب في الفترة التي سبقت الثورة السورية، واضعاً شروطاً جديدة لتطبيع العلاقات مرة جديدة مع أنقرة “إذا أرادت ذلك خلال الفترة القادمة”.
وقال المقداد في مقابلة متلفزة مع قناة “RT” الروسية، إن النظام السوري قدم “تنازلات” من أجل علاقة ممتازة مع تركيا بين العامين 2009/ 2010 مضيفاً إن “العلاقة كانت ممتازة مع تركيا، وفي سبيل تعزيزها قمنا في سوريا باتخاذ إجراءات في بعض الأحيان لا تنسجم مع مصالحنا لكننا ضحينا من أجل تعزيز العلاقات مع تركيا”.
وهاجم المقداد تركيا الآن، ووصفها بـ”الدولة المحتلة” و”الداعمة للمجموعات الإرهابية”، واتهمها بالمسؤولية عن “تدهور العلاقات الثنائية” عندما “تدخلت في شؤون سوريا ودعمت الإرهابيين الذين تدفقوا إليها من كل أنحاء العالم، وقتلوا شعبها ودمروا بناها التحتية”.
وعن التقارب الجديد بين الحكومة التركية والنظام السوري، قال المقداد: “نحن جاهزون دائماً لبناء علاقات طيبة وطبيعية مع الشعب التركي”، لكن “ليس على حساب الأرض أو الدماء السورية”، ثم استدرك: “لكن يجب عليها وقف الأعمال العدائية ضد سوريا وإنهاء احتلالها، ودعمها المجموعات الإرهابية إذا أرادت إعادة العلاقات الثنائية إلى سابق عهدها”.
وتابع: “نحن هنا لا نفرض الشروط ولكن أقول إنه من الطبيعي أن تتوقّف هذه الأعمال التركية لإعادة العلاقات إلى ما كانت عليه”. واستطرد: “كيف يمكن أن أتفاهم مع محتل لأرضي لم يبد أيّ رغبة أو أهمية لحل هذه القضية؟”، معتبراً أنها “ليست اشتراطات وإنما أمور طبيعية في العمل السياسي”.
وطالب المقداد تركيا بـ”الانسحاب الفوري والتام من المنطقة” و”وقف دعمها للمجموعات الإرهابية”، مضيفاً: “مهما طال أمد الاحتلال التركي فلن يلقى إلا مصير الاحتلال الأميركي للعراق وأفغانستان”. واعتبر أن مصير محافظة إدلب مرتبط بـ”نضال الشعب السوري الذي لن يترك ذرة تراب خارج الدولة السورية”.
وهاجم مشروع بناء الوحدات السكنية التي شرعت تركيا بإنشائها في الشمال السوري لعودة مليون لاجئ سوري موجودين في تركيا، واصفاً إياها بـ”الوحدات الاستيطانية التي تهدف إلى توطين سكان مكان سكانها الأصليين”.
ودعا المقداد “المهجرين السوريين” للعودة إلى مناطق سيطرة النظام السوري، قائلاً إن “الدولة السورية ستؤمن كل متطلباتهم الحياتية بالتعاون مع من يرغب من الأصدقاء والأشقاء والمنظمات الدولية”.
وكان وزير حكومة النظام أكد السبت، عدم وجود مفاوضات تجري حالياً بين النظام وتركيا من أجل تطبيع العلاقات بينهما، واصفاً أنقرة بـ”العقبة أمام التسوية السورية” وفق مسار أستانة.
—————————
===================
تحديث 28 أيلول 2022
———————–
الاستدارة التركية في سوريا..تموز المقبل موعد فاصل/ العقيد عبد الجبار العكيدي
منذ اللقاء الأخير الذي جمع الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، والمشهد السياسي السوري منشغل بما بات يدعى بالاستدارة التركية تجاه المصالحة مع نظام الأسد، وما يزيد المشهد انشغالاً هو تأكيد الجانب التركي الرسمي نفسه على هذه الاستدارة، ابتداءً من تصريحات أردوغان التي كشف فيها عما أسماه نصائح من بوتين تدفع باتجاه التفاوض المباشر مع حكومة الأسد، أضف إلى ذلك التصريحات المتواترة لوزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو التي أفصح من خلالها عن نية بلاده التفاوض المباشر مع نظام دمشق وذلك تحت مظلة القرار الدولي 2245، وقد أعقب تلك التصريحات أكثر من لقاء بين قادة الكيانات الرسمية للمعارضة والوزير التركي، وكلها تمضي ضمن هذا المسعى، الأمر الذي أوجد سؤالاً كبيراً ضمن المشهد السوري المعارض: هل تخلّت تركيا عن دعم شعار المعارضة بإسقاط نظام الأسد؟، وخاصة أن هذا التساؤل الذي تضمن الكثير من الذهول السوري جاء على أعقاب تصريح الرئيس التركي الذي أشار فيه إلى أن تركيا لا تنافس نظام الأسد.
ما يمكن تأكيده هو أنه ليس تركيا فحسب قد تغيّرت أولوياتها حيال القضية السورية، بل معظم الدول النافذة على الجغرافية السورية، وربما بدا ذلك طبيعياً حين ندرك أن انقضاء عشر سنوات من عمر الثورة كفيل بتغيير الكثير من المواقف وذلك تبعاً لتبدّل السياسات المبنية على المصالح التي لا تعرف الثبات والاستقرار، وربما تكون واشنطن هي السباقة إلى تدشين الانعطافات السياسية حيال الموقف السوري، وذلك حين أعلنت عن تشكيل قوات سورية الديمقراطية عام 2015 بهدف محاربة تنظيم داعش، وبات واضحاً منذ ذلك الحين أن واشنطن لها أولوية في سوريا وهي محاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم داعش، وظل موقفها من نظام الأسد محصوراً بالمراهنة على تغيير سلوكه دون أن تبدي موقفاً رسمياً بوجوب زواله، بل ربما بدت حريصة على بقائه من خلال موافقتها التامة على التدخل الروسي الذي كان مدفوعاً بالحفاظ على نظام الأسد والحيلولة دون سقوطه.
وما من شك أيضاً في أن مشروع واشنطن الذي أفضى إلى تحالفها مع قسد بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي قد فهمت منه تركياً على أنه مشروع يستهدف مصالحها وأمنها القومي، وبخاصة حين تسعى الولايات المتحدة إلى تمكين الخصم التقليدي واللدود لأنقرة، وحينها لم تجد الحكومة التركية أي غضاضة من ان تتخذ خطوة بحجم الاستدارة الأيركية، أي إذا أرادت واشنطن محاربة الجهة الإرهابية التي تهدد أمنها ومصالحها، فلماذا لا تتخذ أنقرة أيضاً وجهةً مماثلة تحمي من خلالها أمنها ومصالحها؟ داعش تجسد خطراً يهدد أمن الولايات المتحدة والمنطقة عموماً، وحزب العمال الكردستاني ومشتقاته في سوريا أيضاً “جهة إرهابية” تهدد أمن تركيا والمنطقة وفقاً للسياسة التركية، ولئن استطاعت الولايات المتحدة القضاء على القسم الأكبر من مقوّمات داعش البشرية والمادية، فإن أنقرة لم تنته بعد من تحقيق الهدف ذاته حيال خصمها “الإرهابي”، ومن هنا يمكن أن يكون المسعى التركي لتحقيق هذا الهدف هو الأولوية التركية في سوريا قبل أي مسألة أخرى، ولو اقتضى ذلك الحوار أو المفاوضات المباشرة مع نظام الأسد، وذلك بعيداً عن مواقف حلفائها في المعارضة السورية.
على أية حال، ثمة أمران لهما صلة جدّ هامة بالمواقف التركية سواءٌ حيال شركائها الدوليين أو حيال الموقف الداخلي للشارع التركي لا ينبغي تجاهلها:
1 – الإشادة التركية الإعلامية بنصائح بوتين التي تدفع باتجاه المصالحة مع نظام الأسد، لا يمكن تفسيرها على أنها جسّدت لدى الجانب التركي قناعة بصوابيتها وجدواها، بقدر ما يمكن اعتبارها مجاراةً للشريك الذي باتت العلاقات والمصالح معه متشابكة ومتعددة الأوجه والمجالات، بل ويمكن التأكيد على أنها تجاوزت المسألة السورية، مع التأكيد أيضاً على أن مسار أستانة لم يعد إطاراً مختصاً بالنظر إلى المسألة السورية فحسب، بل بات مساراً يُعنى بمصالح الدول الثلاث الراعية له سواء في سوريا أو خارجها، أضف إلى ذلك أن الحرب الروسية الأوكرانية أتاحت لتركيا أن تأخذ دوراً ربما من النادر أن يتيحه أي ظرف تاريخي آخر، أعني دور الوسيط المتوازن الذي يرى أنه يستطيع الاستفادة من التدخل في نزاع هو الأكثر استقطاباً لدول العالم في الوقت الراهن، وطبيعي – نتيجة ذلك – أن تبدو مجاملة بوتين أو مجاراته أمراً مقبولاً وفقاً لأنقرة.
2 – لعله من النافل القول إن الاستدارة التركية قبل أن تتجه نحو الأسد فهي موجهة أصلاً إلى الداخل التركي، أي إلى أحزاب المعارضة التركية التي يرى حزب العدالة والتنمية أن أقرب وسيلة لقطع الطريق عليها وانتزاع ملف اللاجئين السوريين من بازاراتها السياسية هو التواصل المباشر مع نظام دمشق، وبالتالي تحييد ورقة المعارضة التركية عن مساحة التأثير في الشارع التركي الذي يتنافس الجميع على كسب أصواته غداة الانتخابات المقبلة في شهر حزيران.
ولكن في موازاة ذلك، ثمة أمران أيضاً لا يمكن لتركيا تجاهلهما – خلال استدارتها الراهنة – سواء بما يتعلق بماهية نظام الأسد، أو بما يتعلق بالقضية السورية:
1 – لعل تركيا تدرك قبل غيرها أن استمرار نظام الأسد في رأس الحكم إنما بفضل الدعم المباشر من روسيا وإيران، ولولا هذا الدعم لما استطاع البقاء في السلطة، فضلاً عن عدم امتلاكه لقرار مصيره، وكذلك عدم قدرته على بسط سيطرته الكاملة حتى على المناطق التي يسيطر عليها شكلياً، إذ بات من المعلوم للقاصي والداني أن ميليشيات إيران تنازعه النفوذ حتى ضمن أحياء كثيرة من مدينة دمشق ذاتها. كما تدرك أنقرة جيداً أن حكومة الأسد لم يعد بمقدورها أن تقدّم لمواطنيها أبسط أنواع الخدمات، كما أن العقوبات الأميركية المفروضة على نظام الأسد لا تتيح له أي فرصة لانتعاش اقتصادي في المدى المنظور، فما الذي ترجوه أنقرة إذاً من نظام هو في طور الاحتضار؟
2 – ربما كان من الميسور إعادة تأهيل نظام الأسد سياسياً، إن لم تكن ثمة رغبة دولية بزواله، ولكن لعله من العسير بل من المستحيل تأهيله حقوقياً وأخلاقياً، نظراً لسجلّه الفظيع بالإجرام الذي استهدف السوريين على مدى أكثر من عقد، بل من غير المستبعد أن يكون رأس النظام الأسدي وبطانته أمام المحاكم الدولية متى أتاحت الظروف ذلك، ولعل الأهم من ذلك كلّه، وهو ما ينبغي ألّا يغيب عن الحكومة التركية، أن هزيمة الشعب السوري أمام السلاح الكيمياوي والبراميل المتفجرة وغدر قوى الإرهاب والظلامية وخذلان المجتمع الدولي، لا تعني أبداً هزيمة إرادتهم وإصرارهم على التحرر والتغيير.
ربما لا يكون مستبعداً أن يستمر التواصل بين دمشق وأنقرة على المستوى الأمني، وربما أيضاً تطور التواصل إلى مستوى سياسي، ولا أعتقد أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى قفزات نوعية في العلاقة بين الطرفين، ولكنه في الوقت ذاته قادر على إبقاء المواقف وأحاديث المصالحة ساخنةً حتى حزيران القادم، ولكن بدون شك سيختلف كل ذلك بعد انقضاء تموز حين يكون أمر الانتخابات التركية بات محسوماً.
المدن
————————-
دمشق تتوقع تطبيعاً إقتصادياً مع تركيا..يمهد للتقارب السياسي
أفادت صحيفة “الوطن” السورية نقلاً عن مصادر مقربة من المعارضة السورية بأن أنقرة تعمل على تشجيع دمشق للانفتاح عليها من خلال “التطبيع الاقتصادي”، انطلاقاً من “بوابة المعابر”، بعد تعذّر التطبيع السياسي.
ونقلت “الوطن” عن مصادر أن “التطبيع الاقتصادي، الذي سينتهجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد يكون أحد أهم مقاربات أردوغان للملف السوري، وموجه أساسي وضروري للاستدارة التركية نحو النظام السوري في الفترة القريبة المقبلة”، مشيرةً إلى أن “التطبيع الاقتصادي ومغرياته كفيل بإعطاء مسارات التفاوض الأمنية السورية-التركية وقطار التطبيع، تسارعاً وزخماً إضافياً للمضي بخاتمته السعيدة إلى الشق السياسي”، حسب تعبير الصحيفة.
وأضافت “الوطن” أن تركيا تسعى لإطلاق مبادرة تستهدف إعادة دمج المجموعات المعارضة، التي تشكل “الجيش الوطني” في المناطق التي تحتلها، عبر تشكيل مجلس عسكري موحد وإدارة اقتصادية واحدة لإدارة مواردها الاقتصادية، والتي تشكل المعابر مع الحكومة السورية أهم جهاتها للتحصيل المالي وتدفقاته النقدية”.
وقالت الصحيفة: “في هذا الاتجاه، عمدت “هيئة تحرير الشام” إلى إزالة السواتر الترابية الموضوعة على الطريق الذي يصل بين مدينتي سرمين وسراقب، والتي تشكل عائقاً أمام مرور الشاحنات نحو معبر ترنبة القائم غرب الأخيرة”.
في الوقت نفسه، قالت مصادر محلية في سراقب لصحيفة “الوطن” أن هذا الإجراء يعد “خطوة باتجاه افتتاح المنفذ الإنساني الذي أقامته محافظة إدلب سابقاً، وأن الخطوة لا يمكن أن تتم من دون ضوء أخضر من النظام التركي”، موضحة أنه “من شأن ذلك مساعدة عبور الراغبين بتسوية أوضاعهم العسكرية من المدنيين من أبناء إدلب إلى مركز المصالحة الذي أقامته الجهات السورية المختصة في 7 أيلول/سبتمبر في مدينة خان شيخون جنوب المحافظة، كبادرة حسن نية سورية- تركية مشتركة للدفع بترتيبات المصالحة قدماً”.
مصالحة مستبعدة
ويأتي ذلك في ظل فشل التطبيع السياسي. وكانت الرئاسة التركية ووزارة الخارجية التابعة للنظام السوري، استبعدتا في تصريحات منفصلة، إمكانية التقارب بين أنقرة ودمشق وتطبيع العلاقات في الوقت الراهن.
وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن إنّ الاتصالات مع النظام السوري تجرى على مستوى أجهزة المخابرات، ولا وجود لأي خطط من أنقرة للاتصال مع النظام السوري في الوقت الراهن.
وأضاف كالن في حديث لقناة “إن تي في” التركية، نشر مساء الجمعة، أنّ موقف تركيا من سوريا واضح: “تستمر عملية أستانة، يستمر مسار اللجنة الدستورية”.
من جانبه، أكد وزير الخارجية في حكومة النظام السوري فيصل المقداد السبت، عدم وجود اتصالات على مستوى وزارتي الخارجية بين البلدين.
وقال المقداد، في حديث لوكالة الأنباء الروسية “سبوتنيك” على هامش الدورة الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك، إنّ مسار أستانة “هو الإطار الوحيد القابل للتطبيق لحل النزاع السوري ونتوقع المزيد من الجدية في الوفاء بالوعود التي قطعها الجانب التركي في أستانة”، بحسب قوله. كذلك زعم المقداد أنّ “عدم التزام تركيا يعدّ عقبة تعيق عملية تسوية سورية بموجب إطار أستانة”.
وتأتي هذه التصريحات بعد أن أعلنت الخارجية الروسية أنّ موسكو تدعم فكرة تنظيم لقاء بين وزيري خارجية سورية وتركيا، وعلى استعداد للمساعدة في عقده إذا لزم الأمر.
—————————
من أمَّنَك لا تخنه ولو كنت أردوغان/ عبد الناصر الحسين
عندما رفعت الولايات المتحدة الأمريكية يدها عن المعارضة السورية في الجنوب السوري، في 2018 إبَّان ولاية «دونلالد ترامب»، تحدث الجميع بأن أمريكا غدرت بالشعب السوري، علماً بأن الأمريكان وقتها لم يطلبوا من قوى الثورة السورية المصالحة مع نظام الأسد، بل على العكس تماماً، أبلغوهم بقطع الدعم وأوضحوا لهم أن بإمكانهم متابعة القتال ضد النظام بما لديهم من عتاد.
فما القول فيما تعرضه تركيا على المعارضة السورية من تصالح مع النظام الذي ارتكب من المجازر ما يصعب توثيقه ويستحيل حصره؟
إنه الغدر التركي الحقيقي بالشعب السوري، فلو فعلت تركيا ما فعلته أمريكا سابقاً لهان الأمر بل إنه غاية المنى أن ترفع تركيا يدها عن الثورة السورية، ليتحرر القرار الوطني الثائر من قبضة المخابرات التركية التي لا تمانع لاحقاً بتسليم أشخاص موضوعين على قوائم الاعتقال من قبل النظام السوري.
لقد حرصت تركيا على مدى سنوات على إبعاد أي جهد عربي عن الشأن السوري، وتحديداً «المملكة العربية السعودية». واستخدمت «الإخوان المسلمين» في تنفيذ تلك الخطة، فضربت بذلك طوقاً من العزلة العربية والدولية على الشعب السوري، وتفردت بقراره، وهي مطمئنة إلى أن الإخوان المسلمين سلَّموا للأتراك قرار تقرير المصير، مقابل استنفاعهم -أي الإخوان- بالمال والمناصب.
وحين أطبق الأتراك على كل شيء في الثورة السورية، واطمأنوا على نجاح فكرة «العزلة» والاستفراد بالقرار، أطلقوا فكرة «تطبيع العلاقات» مع نظام الأسد، وجلب المعارضة إلى حظيرة النظام، كما جلبوهم سابقاً إلى حظيرة روسيا وإيران، عبر تفاهمات «أستانا»، ليخرج الناس في مظاهرات غاضبة رافضين تلك الخطة، ثم تنطلق الحملات الإعلامية، منددة بها، مطلقة هاشتاغ «لن نصالح».
من فهم السياسة التركية المتعلقة بالشأن السوري فلن يتفاجأ بتصريحات مولود جاويش أوغلو، الداعية للحوار بين المعارضة والنظام، ثم الانتقال إلى الشراكة بينهما على مبدأ “أن تحقق المعارضة جزءاً يسيراً من الكعكة بدلاً من فقدان كل شيء”، فتركيا لا مشكلة لها سوى مع «قوات سوريا الديمقراطية» وبمعنى أدق مع «الأكراد»، وهي في خندق واحد مع نظام الأسد، وهو التخندق ذاته مع روسيا وإيران.
المشكلة الحقيقية في الأتراك أنهم أرادوا للثورة السورية أن تتبنى تلك المقاربة فلا تعادي قوى الثورة إلا الأكراد، بل وتتصالح مع النظام المجرم قاتل الأطفال مطلق الكيماوي.
وعلى الرغم من كل التنازلات التي تقدمها أنقرة لموسكو وللأسد، ورغم كل التنسيق الأمني بين أنقرة ودمشق، واللقاءات المتكررة بين رئيس المخابرات التركية «هاكان فيدان» ونظيره السوري «علي مملوك»، فإن نظام الأسد لا يظهر الحماس نفسه لجهة إعادة العلاقات مع تركيا، فقد قال وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد: “إن بلاده لا تجري في الوقت الراهن أي مفاوضات مع تركيا بشأن تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة”. وقال المقداد -في تصريح لوكالة «سبوتنيك» الروسية- إنه ليست هناك اتصالات أيضاً على مستوى وزارتي الخارجية في البلدين.
وشدّد على أن عدم التزام تركيا يعدّ عقبة تعيق التسوية في سوريا بموجب اتفاقات أستانا، وأضاف أن هذه الاتفاقات تمثل الإطار الوحيد القابل للتطبيق لحل الأزمة السورية.
لقد وصل الغدر التركي بالشعب السوري إلى حدّ يفوق الخيال، فتركيا تمارس دوماً دور المنقذ للسياسات الروسية والأخرى الإيرانية، فكلما دخلت هاتان القوتان بمأزق، سارعت تركيا لمد يد النجاة لهما، فروسيا اليوم تمر بمأزق رهيب في ملف «الغزو الروسي لأوكرانيا»، لا سيما بعد الخسائر التي منيت بها القوات الروسية مؤخراً في الحرب الدائرة هناك. وإيران ليست أحسن حالاً من روسيا، في خضم الانتفاضة الشعبية العارمة التي تشهدها المدن الإيرانية.
فلو كانت تركيا التي تقمصت دور «الأنصار» مقابل «المهاجرين» في الثورة السورية، صادقة في دعمها للشعب السوري لاقتنصت أفضل فرصة، لمساعدة الشعب السوري وإنهاء معاناته، بتحقيق الانتقال الحقيقي والتغيير المنشود في سوريا، لكن تركيا استفادت كثيراً من المقايضات مع روسيا، لأن تلك المقايضات كانت من حساب السوريين.
——————————
====================
تحديث 02 تشرين الأول 2022
———————-
فورين بوليسي: حماقة العودة للتعامل مع الأسد
ترجمة: ربى خدام الجامع
خلال الأسابيع الأخيرة، دارت التكهنات حول احتمال تفكير تركيا بالعودة للتعامل مع نظام بشار الأسد بطريقة ما، وعلى الرغم من وجود كثير من الأسباب التي شككت بهذا الاحتمال كثيراً، إلا أن فكرة البحث عن قنوات جديدة للتواصل مع النظام في دمشق لم تكن مجرد تطور جديد لمجرى الأحداث.
إذ على الرغم من سجل نظام الأسد المرعب مع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ومعرفة الجميع بكل ذلك، مع تأكيد المدعين العامين الدوليين على وجود مزيد من الأدلة التي تكفي لإدانة نظام الأسد بارتكاب جرائم دولية أكثر من تلك التي قدمها المجتمع الدولي في محاكمات نورمبيرغ لإدانة الحزب النازي الذي تزعمه الديكتاتور السابق أدولف هتلر، إلا أن العديد من الحكومات في الشرق الأوسط سعت مؤخراً للعمل بسياسات تتيح لها العودة للتعامل مع نظام الأسد والتطبيع معه، وفي ظل المناخ السائد اليوم، لا بد من التفكير بمصير تلك المبادرات التي أثارت كثيرا من الجدل، وعواقبها.
محاولة إماراتية فاشلة
كانت الإمارات أكثر من دفع بعزم وتصميم نحو التطبيع مع الأسد، عبر الاستعانة بالعلاقات التجارية وأفق الاستثمار في الصناعة والبنية التحتية بسوريا بوصف ذلك قناة رئيسية بالنسبة لها. ولهذا فرش كل من ولي عهد إمارة دبي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي، السجاد الأحمر للأسد خلال زيارته المفاجئة للبلاد في شهر آذار الماضي، والتي لم يكتشفها كبار المسؤولين الأميركيين إلا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، بما أن أبوظبي لم تلوح لهم بذلك بشكل مسبق. بيد أن الجهود التي بذلتها الإمارات، والتي تسببت بإخراجها من مجموعة التواصل الدولية بشأن سوريا، لم تفلح في تحقيق أي اتفاق مهم مع دمشق، بل لفتت إليها انتباه السلطات التي تقوم بفرض عقوبات في كل من أوروبا والولايات المتحدة، إلى جانب بدء تركيز أجهزة التحقيق الدولية على الفساد المستشري في الإمارات وغسيل الأموال والتهرب من العقوبات فيها.
محاولات عربية أخرى
أما الجزائر، فقد تجنبت الوقوف ضد النظام السوري لفترة طويلة، لكنها عملت بشكل مكثف خلال الفترة بين 2021 و2022 لإقناع الدول الأعضاء في الجامعة العربية على إعادة سوريا لمقعدها في الجامعة، بيد أن هذه الجهود منيت بالفشل اليوم. ولفترات متقطعة سعت كل من مصر والبحرين وعُمان للعودة للتعامل مع نظام الأسد، إلا أن أياً منها لم يحقق نتيجة مهمة تذكر.
التجربة الأردنية
ولعل الفشل في العودة للتعامل مع الأسد دون العمل على إضفاء لمسة مصداقية مجانية على ذلك مع تقويض قضية العدل في السياق يتجلى بأبهى صورة مع الأردن، إذ على الرغم من أن هذه الدولة بقيت طوال فترة طويلة داعماً مهماً وأساسياً للمعارضة المسلحة السورية المناهضة للأسد، منذ عام 2012، إلا أن الأردن انقلب على المعارضة في عام 2017 و2018، حيث قفز إلى المشهد في نهاية المطاف ليعطي الضوء الأخضر للحملة الوحشية التي شنها النظام السوري بتنسيق روسي على الجنوب السوري في صيف عام 2018. ويمثل تفكير عمان في الانقلاب على المعارضة السورية رغبتها بحفظ الاستقرار على حدودها، وخلق الظروف المواتية أمام عودة اللاجئين، والتخلص من خلايا تنظيم الدولة في الجنوب السوري، إلى جانب القضاء على الوجود الإيراني ووجود ميليشيا حزب الله الكبير في المنطقة.
وهكذا، وفي الوقت الذي كان فيه الآلاف من السوريين يتعرضون لحصار سريع وقصف عشوائي من البر والجو، أرغم الأردن شركاءه في الجيش السوري الحر على الاستسلام، وذلك بحسب المقابلات التي أجريت مع قادة الجيش الحر في ذلك الحين، ومقابل ذلك، وعدت الأردن هؤلاء القادة بعقد مصالحة معهم بموجب ضمانة روسية.
ومقابل نية الأردن في الانقلاب على شركائها والتخلي عنهم دون وجود أي نصير لهم، سارعت سوريا والأردن لإعادة فتح معبر نصيب في تشرين الأول 2018، وذلك لاستئناف العمليات التجارية بين البلدين. وخلال السنين التي أعقبت ذلك، ارتفعت نسبة التجارة بين البلدين بحدود 17% أي ما يعادل بمجمله 94 مليون دولار اعتباراً من عام 2020، أي بما يقل بنسبة ضئيلة عن كلفة طائرة إف-16 من الطائرات الخمسين المقاتلة التي تعمل لدى سلاح الجو الملكي الأردني.
وبعيداً عن الفائدة الضئيلة لاستئناف التجارة، فشل الوعد الروسي بالمصالحة فشلاً ذريعاً، وبذلك أصبحت محافظة درعا اليوم المحافظة الأسوأ في سوريا من حيث انعدام الاستقرار، وذلك بسبب تعرضها لهجمات من قبل النظام بشكل يومي، فضلاً عن الصراع بين الفصائل، والاغتيالات، وغير ذلك. ووسط هذه الفوضى التي لم تتمكن روسيا من أن تجد لها حلاً، لم تبق إيران وحدها في المنطقة فحسب إلى جانب حزب الله وشبكة من الميليشيات المحلية التي تعمل بالوكالة تحت إمرتها، بل توسعت هي ووكلاؤها في المنطقة عبر مد نفوذهم ونطاق وجودهم، إذ أصبحت تدير نحو 150 مقرا عسكريا في عموم أنحاء الجنوب السوري. في حين يواصل تنظيم الدولة شن هجمات متفرقة في المنطقة.
الكبتاغون كمخرج لسوريا ودليل للأردن
إن لم يكن كل ذلك دليلاً كافياً على فشل محاولة الأردن في العودة للتعامل مع نظام الأسد، إذاً لابد لموجة تهريب المخدرات التي يمولها نظام الأسد عبر الأردن أن تكفي للتأكيد على تلك الحقيقة. إذ بما أن الاقتصاد السوري بات في حالة مزرية عقب 11 عاما من النزاع، وعقود كثيرة من الفساد، لذلك لجأت الطبقة المقربة من النظام للمخدرات، وخاصة إنتاج الكبتاغون بطريقة غير مشروعة، وهو نوع من المنشطات يشبه الأمفيتامين، يعرف باسم: “كوكايين الفقراء”. وهكذا، وبفضل صناعة الكبتاغون، أصبحت سوريا اليوم دولة مخدرات ذات شأن على الصعيد الدولي. إذ في عام 2021، تم إنتاج كبتاغون بقيمة بلغت 30 مليار دولار في مصانع تخضع لحراسة متعهدين عسكريين من القطاع الخاص، ليتم تهريبها خارج سوريا على يد أقوى جهة أمنية في البلاد، ألا وهي الفرقة الرابعة مدرعات، التي يترأسها شقيق الأسد، ماهر، وذلك بالتنسيق مع حزب الله.
هذا ويعادل مبلغ 30 مليار دولار قيمة الصادرات السورية بشكل قانوني بــ 35 ضعفاً، أي باختصار، لا يوجد أي قطاع اقتصادي أهم من هذا القطاع، وهذا ما جعله يزدهر بشكل كبير. إذ بحسب ما ذكره مسؤولون أردنيون، فإن 16 مليون حبة كبتاغون قادمة من سوريا تمت مصادرتها ضمن الأراضي الأردنية خلال عام 2021، وخلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2022، وصل ذلك العدد إلى 20 مليون حبة، أما اليوم، فقد بلغ العدد 33 مليوناً. وهنالك ارتفاع كبير في حجم وكميات أنواع أخرى من المخدرات القادمة من سوريا والمصادرة في الأردن، مثل الهيروين الذي زادت كمياته من كيلوغرام واحد في عام 2021 إلى 36 كيلوغراماً حتى الآن من عام 2022، هذا على سبيل المثال.
على الرغم من وجود عمليات تهريب محدودة للمخدرات على الحدود السورية-الأردنية، إلا أن حجم تجارة المخدرات السورية قد ارتفع بشكل كبير خلال العامين المنصرمين، ليبلغ أقصى ارتفاع له مباشرة عقب القرار الذي اتخذه الملك الأردني عبد الله الثاني بشأن إجراء حوار هاتفي مع الأسد في تشرين الأول 2021 (وقد واصلت هذه النسبة الارتفاع منذ ذلك الحين). ومنذ ذلك الحين، قتل العشرات من الأشخاص في اشتباكات على الحدود حدثت بسبب تجارة المخدرات السورية، وعلى الرغم من كون الأردن بالأصل نقطة عبور باتجاه السوق الرئيسية في الخليج العربي، إلا أنها تحولت إلى سوق مهمة منذ ذلك الحين هي أيضاً، فقد تفشى تعاطي الكبتاغون في المملكة الأردنية اليوم بشكل بات يوصف بالجائحة، خاصة بين صفوف الشبان، والعاطلين عن العمل الذين بلغت نسبتهم 30%.
وهكذا أتت مكافأة الأردن على محاولتها العودة للتعامل مع نظام الأسد على شكل موجة تهريب مخدرات غير مسبوقة، ما يعبر عن أقصى حالات السخرية التي يبدي الأسد استعداده لمعاملة جيرانه الذين سعوا لإسقاطه منذ فترة قريبة من خلالها. إذ بناء على حجم صناعة الكبتاغون الهائل في المناطق التي يسيطر عليها النظام في سوريا، فإن الارتفاع الكبير والهائل في تهريبه إلى الأردن لم يأت فجأة أو بالمصادفة، بل يؤكد على الأهمية الوجودية لتجارة المخدرات بالنسبة لاقتصاد الأسد المتعثر. إذ عندما تسوء الأحوال، يصبح تداول أموال المخدرات أهم من محاولات التشجيع على العودة للتعامل مع النظام إقليمياً، وأهم من كل ما يدفع باتجاه التطبيع مع النظام، أي بمعنى أصح، يمكن القول إن الأسد يسعده كل ما يحصل، وليس أمامه أي خيار سوى أن يستولي على كعكته وأن يأكلها أيضاً.
بحسب ما ذكره دبلوماسيون أردنيون، فإن صناعة تهريب المخدرات في سوريا لم تصبح “منظمة بشكل جيد” إلا منذ “مدة قريبة”، حيث صارت عمليات التهريب تتم بصورة يومية، ويشارك فيها نحو 200 عنصر مقسمين على مجموعتين، بعضهم يقوم بعملية المراقبة باستخدام مسيرات، وبعضهم يعمل على تشتيت الانتباه من خلال فرق مؤلفة من مسلحين يحاولون تشتيت القوات الأردنية وصرف انتباههم عن العملية. ولقد زار مسؤولون أردنيون رفيعو المستوى واشنطن منذ بدء ذلك، وقدموا إحاطات خاصة حول تعقيدات خطر تهريب المخدرات، وارتباطاتها المباشرة بقلب النظام السوري ومركزه، ودور إيران وحزب الله فيها.
العودة للوضع السابق
لم يكن من المفاجئ أن يكف الأردن عن الإشارة إلى الصداقة الأخوية بينه وبين النظام السوري على الملأ، وأن ينصب اهتمام وزراء الدولة فيما يخص الملف السوري على الحديث حول مواضيع مثل اللاجئين وإيران، ضمن ما يمثل عودة إلى الوضع السابق. والاستثناء الوحيد هنا هو عندما واصل الأردن الدفع لإقناع الحكومة الأميركية بإصدار إعفاء من العقوبات فيما يتصل باتفاقية الطاقة التي ستعمل على تمرير الطاقة عبر سوريا، وتخصيص جزء منها لتلك الدولة (بما أن جزءاً من تلك الكميات سيمر مباشرة عبر أنابيب ليمد سجون النظام ومرافقه العسكرية بالطاقة)، ضمن أجر سوريا من هذه العملية. وهذه الاتفاقية، التي كان الغرض منها تزويد لبنان بساعة إلى ساعتين من الكهرباء يومياً، لن تفيد بشيء أكثر من دعم نفوذ سوريا في لبنان، وجعل الأسد يتبوأ مركز أي اتفاق إقليمي كبير يحظى بدعم دولي.
على الرغم من أن وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، يرى بأنه يمكن حل أزمة سوريا من خلال “منهج يعتمد على السير خطوة بخطوة” ويسعى للتعامل مع نظام الأسد ومشاركته، حيث سيقدم المجتمع الدولي لدمشق مزايا وفوائد مقابل الخطوات الإيجابية التي تقدمها سوريا عملاً بمبدأ المعاملة بالمثل، إلا أن ما يقود النهج الأردني هو الاعتقاد بأن العودة للتعامل مع نظام الأسد في الآليات الإقليمية لا بد وأن يشجع على ظهور سلوكيات أفضل من قبله، وإحباط السيئ من تلك السلوكيات. وفي الوقت الذي ينعدم فيه أي دليل يؤكد هذه الفرضية، نجد بأن هنالك قائمة لا تنتهي من الأمثلة التي ترجح نقيض كل ذلك، وذلك لأن تجربة الأردن نفسها مع العودة للتعامل مع نظام الأسد تعتبر خير دليل على أن “نهج خطوة بخطوة” لن يضمن إلا تنازلات تقدم لدمشق، مقابل لا شيء (أو ما هو أسوأ).
وبعد الاستفادة من هذا الإدراك الذي تأخر، أصبح المسؤولون الأردنيون يقولون سراً بأن نيتهم لم تكن العودة للتعامل مع نظام الأسد بشكل كامل، فكيف بالتطبيع معه؟! إلا أن تلك النبرة لم تكن نبرة المسؤولين الأردنيين الذين خرجوا ليدافعوا عن رأيهم في أواخر عام 2021، بعد تعرضهم لموجة انتقادات بسبب سعيهم للعودة للتعامل مع نظام الأسد بكل وضوح وجلاء. إذ في ذلك الحين، تم تبرير التواصل والزيارات التي تمت على أعلى مستوى مع النظام على أنها خطوات اتخذت لنشر الاستقرار في الجنوب السوري ولخلق الظروف المواتية لتسهيل عودة اللاجئين، مع تعزيز التجارة ودعمها، وتشديد أمن الحدود، وإنهاء عمليات تهريب المخدرات، والبحث خطوة بخطوة في حدود المشاركة مع الأسد والتعامل معه.
لا يمكن لتلك الحسابات أن تخطئ أكثر مما هي عليه اليوم، بعدما تبين كم كانت العواقب واضحة ولعينة. فسياسة “الورقة البيضاء” التي قدمها الملك الأردني للبيت الأبيض بشأن الملف السوري في تموز 2021، لم تتبين النقاط التي وضعتها روسيا قبل مدة طويلة بخصوص الحوار، لأنها لو فعلت ذلك كانت قد دقت أجراس الخطر. ثم إن سياسة الأردن التي تغيرت تجاه الملف السوري تعود لعام 2017 وذلك عبر عملية التفاوض والتنسيق المباشر مع موسكو، وقد استمر هذا التواصل على قدم وساق منذ ذلك الحين. ولكن، وبدلاً من كل ذلك، كان الضوء البرتقالي بانتظار الأردن وذلك بحكم الأمر الواقع، وهذا الضوء يعني: تقدم بحذر للأمام.
بعد مرور أشهر على الغزو الروسي لأوكرانيا، لم يوجه الأردن أي انتقاد لروسيا بخصوص ذلك إلا نادراً، ونظراً للعلاقة الاستراتيجية القوية التي تربط عمان بواشنطن، فإن آثار ونتائج عملية العودة للتعامل مع نظام الأسد من قبل الأردن والتي لم تدم طويلاً، أتت بمنزلة ضربة قوية للمساعي الدولية التي تعمل على الحفاظ على سياسة تهدف لخلق حالة تغيير يعمل على نشر الاستقرار والعدالة في سوريا. ولذلك تواصل الولايات المتحدة ممارسة نفوذها وبذل مواردها لإقناع شركائها الدوليين بالتوحد في صف واحد للوقوف ضد عودة الأسد إلى الحظيرة الدولية، ولكن عندما يقوم أحد حلفائها الاستراتيجيين المقربين في المنطقة بكسر هذا الطوق، عندها لا بد وأن تبدأ جدران هذا الصف بالتصدع والتداعي.
وبالرغم من كل ذلك، حصل الأردن على 10.5 مليار دولار بموجب صفقة اقتصادية عقدها مع الولايات المتحدة، وبدأ بالاستفادة من توسع مهم للتعاون العسكري مع دول عديدة بهدف تأمين حدوده مع سوريا. وعلى الرغم من أن السياسيين قد يصفحون عن الأردن بسبب ما أبداه من حسابات خاطئة في تعامله مع سوريا، إلا أن الدروس المستفادة من تلك الأخطاء يجب ألا تنسى، وذلك لأن الفكرة التي ترى بأن التعامل مع نظام الأسد لابد وأن يحمل معه فوائد ملموسة يجب أن تقابل بما يناسبها من السخرية والاستهزاء.
المصدر: فورين بوليسي
تلفزيون سوريا
————————————
تطبيعٌ تركي – سوري محكومٌ بالفشل/ رانيا مصطفى
أبدت أنقرة رغبتها في إعادة العلاقات مع حكومة دمشق، عبر تصريحات المسؤولين الأتراك المتتابعة، والتي ربما لم تنته بعد، وقابلها النظام، عبر قنوات الإعلام شبه الرسمي ومحلليه السياسيين، وتصريحات لوزير خارجيته فيصل المقداد، بالقبول المبدئي بالتفاوض. لم تحصل مفاوضات، وفق المقداد، لكن الأكيد أن اجتماعاً أمنياً عُقد في دمشق، برعاية روسية، بين رئيسي جهازي المخابرات في البلدين؛ هاكان فيدان وعلي مملوك، وعلى الأرجح أنه ليس الأول من نوعه. يرحّب النظام السوري بكل الراغبين في إعادة العلاقات معه، وهو مستفيدٌ من الضجّة الإعلامية التي تُثار حول ذلك، ضمن بروباغاندا الانتصار التي يجترّها إعلامه، ويجيد إعادة لوكها وتقديم نفسه للعالم على أنه أهل للحكم، وعلى المجتمع الدولي التعامل معه، والمضي بخطّة الإنعاش المبكر، والتي تعني له تدفّق أموال على شكل مساعدات، تخفّف من الانهيار الدراماتيكي لقيمة العملة السورية.
أن تطرح أنقرة مصالحة النظام في دمشق، هو ليس الانقلاب الأول في الموقف التركي من نظام الأسد خلال سنوات الأزمة التي تزيد على 11 عاماً؛ فبعد أن كان أردوغان، رئيس الوزراء حينها، ناصحاً للأسد بمصالحةٍ مع المعارضة السورية، وفي مقدمتها الإخوان المسلمون، ومع تعنّت النظام في قبول الحلول السلمية، تبنّى النظام التركي الدعم الكامل للمعارضة السورية السياسية، والعسكرية بأجنحتها الإسلامية، واحتضانها، مراهناً على تمكّن الإسلاميين من قلب النظام واستلام الحكم، كما حصل في مصر وتونس حينها، وبالتالي، أن تكون لتركيا حكومة موالية لها في دمشق؛ وبذلك انتقل حزب العدالة والتنمية من سياسة تصفير المشكلات مع الجوار، إلى الانخراط المباشر في كل تفاصيل المشهد السوري. جاءت النقلة التالية حين شعر الأتراك، بعد أن تبنّى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) دعم “قوات سوريا الديمقراطية” وتشكيلها، والتي تشكّل وحدات حماية الشعب الكردية عصبها الرئيسي، ويعتبرها الأتراك امتداداً لتنظيم حزب العمال الكردستاني المصنّف إرهابياً في تركيا، الأمر الذي دفع أنقرة، في منتصف 2016، إلى مصالحة موسكو والاعتذار عن حادثة إسقاط المقاتلات التركية الطائرة الروسية، ودفع بمسارات جديدة في الملف السوري رسمتها روسيا، وتدور تركيا وإيران في فلكها، من مسار أستانة إلى اتفاقات خفض التصعيد والمصالحة وانسحابات المعارضة من العمق السوري، وما رافقها من تهجير، مقابل حصول أنقرة على مناطق نفوذ حدودية، وتدجين الفصائل الإسلامية المعارضة، لحماية الأمن القومي التركي من الخطر الكردي المزعوم.
وقد جاء التغيير في الموقف التركي، أخيراً، باتجاه إعادة العلاقات مع النظام السوري، تحت ضغوط داخلية تركية؛ ففي ظل التضخّم الاقتصادي، وصعوبات معيشية يعاني منها الأتراك، تراجعت فرص حزب العدالة والتنمية بالفوز بالانتخابات البرلمانية العام المقبل. لم يتمكّن الرئيس التركي أردوغان من انتزاع قبول أميركي وروسي بعملية عسكرية جديدة داخل سورية على الشريط الحدودي، لإعادة مليون لاجئ سوري في أراضيها، فضلاً عن تحقيق إنجاز جديد بشأن تأمين الحدود من خطر عناصر حزب العمال الكردستاني. لذلك توجّه المسؤولون الأتراك لإطلاق تصريحات في إعادة العلاقات مع نظام الأسد، وإعادة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم، خصوصاً أن المعارضة التركية ترفض الوجود السوري في تركيا، وتحمّله مسؤولية التدهور الاقتصادي.
تريد موسكو من أنقرة أن تتوسّط في مصالحة بين نظام الأسد ومعارضيه من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية والفصائل الإسلامية، وهذا الطرح سيفشل، فلو افترضنا أن المعارضة قبلت بذلك، فإن النظام غير قادر على القيام بهذه الخطوة؛ فبنْيَتُه لم تكن تسمح بهذه الخطوة في 2011، وهو الآن أكثر صلابة في رفضه مثل هذه الشراكة في الحكم، بسبب التوغّل الإيراني في مفاصل القرار السوري، ولأن خطوةً كهذه ستعني، بالضرورة، إعطاء الشعب المحكوم بالقمع مزيداً من الحريات، في ضوء الأزمات الاقتصادية المنهكة له، ما يشكّل تهديداً للنظام بخروج احتجاجات شعبية مجدّداً. أما ملف عودة اللاجئين، ففضلاً عن أنه لا ضمانات تكفل عدم ملاحقتهم، فإن النظام نفسه لن يقبل بهذه الخطوة، إلا بالتصريحات الإعلامية، أو أنه سيقبل بتوافد مجموعات صغيرة من المهجّرين، وليس بالحجم الذي يطمح إليه أردوغان؛ فالسياسة الداخلية للنظام السوري باتت تقوم على “تطفيش” الشعب في مناطق سيطرته، خصوصاً الشباب منهم، بل والاستفادة من التحويلات المالية بالعملات الصعبة التي يرسلها المهجّرون إلى أهاليهم في الداخل.
تذهب تحليلات إلى أن التطبيع العربي والإقليمي مع دمشق ماضٍ وأكيد، وأن بإمكان روسيا وتركيا فرض حلٍّ سياسي على المجتمع الدولي، يقوم على إعادة تأهيل النظام وتدعيمه ببعض معارضيه، ووفق مسار سوتشي الروسي في 2018 “للحوار الوطني”؛ لكن هذه الفرضية تتجاهل ثقل الدعم الأميركي لـ”لإدارة الذاتية”، والتي تسيطر على ثلث الأراضي السورية، وتضم غالبية مصادر الطاقة والمنتوجات الزراعية السورية، وهذا يعني أن أي حل سياسي يستوجب الموافقة الأميركية، وواشنطن تعرقل عمليات التطبيع مع نظام الأسد، من خلال قانون قيصر، ولا تريد لروسيا أن تنفرد بالحل السوري، لكنها في الوقت نفسه لا تمانع بقاء سورية بلا حل سياسي، ومستنقعاً للروس والأتراك معاً، وهذا واضحٌ من اقتصار الاهتمام الأميركي بالوضع السوري على ملف المساعدات الإنسانية ومحاربة تنظيم داعش.
ستقود الرغبة التركية في تحسين العلاقة مع دمشق إلى فتح طريق للمفاوضات، لكنها طريق من الصعب أن تؤدّي إلى إعادة العلاقات كما كانت قبل 2011؛ فالنظام لا يستطيع استقبال ملايين من اللاجئين في مناطق سيطرته، ولا يملك استعادة السيطرة على حدوده مع تركيا، وضبطها من تحرّكات الوحدات الكردية، وهناك إيران غير الراغبة في المصالحة مع أنقرة والمعارضة السورية. الممكن هو تحسّن في العلاقات على مستوى التنسيق الأمني، وهو موجود سابقاً؛ أو قد تتقدّم المفاوضات بالفعل باتجاه إعادة عدد محدود من اللاجئين تُقدم منجَزاً للداخل التركي، مقابل أن يتمكّن النظام من الحصول على مزيد من المساعدات وتمويل لبعض مشاريع البنى التحتية.
العربي الجديد
———————–
لماذا يحتاج الأسد وأردوغان لبعضهما البعض مرة أخرى؟
في الوقت الذي كانت تتوجه فيه أنظار العالم إلى الحرب في أوكرانيا، استُقلّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ في طائرته وذهب للقاء الرئيس الروسي؛ فلاديمير بوتين، في مدينة سوتشي، المطلة على البحر الأسود؛ سعياً وراء الحصول على ضوء أخضر حول خططه العسكرية ضدّ المقاتلين الكُرد في شمال سوريا.
القليل فقط يعرف عما تحدّث عنه الرجلان في الخامس من آب/أغسطس، على مدار أربع ساعات من اجتماعٍ مغلق بين الجدران، وعلى الأرضيات الخضراء المورقة في قصر بوشاروف روشى؛ المقرّ الصيفي الذي يعود إلى خمسينيات القرن الماضي، والذي تمّ بناؤه من أجل قادة الاتحاد السوفيتي، لكن كما يجري غالباً بعد اجتماعات طويلة بين بوتين ونظرائه من قادة العالم؛ خرج أردوغان من الاجتماع بهيئة مختلفة.
بعد أكثر من 11 عاماً؛ من التحريض العلني ضدّ نظام بشار الأسد، ودعم معارضيه المسلحين، بدأ أردوغان؛ في توجيه رسالة مختلفة تماماً عن سوريا، داعياً إلى المصالحة والحوار مع حكومة دمشق.
وبعد أيام من رحلة خاصة خارج تركيا، قال أردوغان؛ للصحفيين: “المعارضة والنظام في سوريا بحاجة إلى المصالحة، إن هدف تركيا في سوريا؛ ليس هزيمة الأسد؛ بل إيجاد حلّ سياسي والدعوة إلى حوار سياسي و دبلوماسي مع نظام دمشق”.
صدمة للكثيرين
كانت تركيا؛ الداعم الرئيسي للفصائل السورية التي خاضت حرباً بائسة استمرت عقداً من الزمن ضد نظام دمشق، واشتبكت عسكرياً عدّة مرات مع قوات الأسد.
انقلب أردوغان على الأسد؛ بعد أن شنّ حملة عسكرية عنيفة لسحق كل من المعارضين السلميين والمسلحين؛ الذين انتفضوا ضدّ دكتاتوريّة دمشق؛ المدعومة من روسيا وإيران، في عام 2011.
لقد أعادت تركيا، في الأشهر الأخيرة؛ تشغيل سياستها الخارجية وقامت بتسوية وضعها مع العديد من أعدائها السابقين، لكن قد تكون سوريا، مختلفة؛ لأن الحقائق على الأرض تؤدي إلى تعقيد أيّ تقارب سريع بين تركيا وسوريا.
يقول المحلّل المستقل في شؤون السياسة الخارجية والأمن، عمر أوزكيزيلجيك؛ المقيم في أنقرة: “لا أتوقّع أي نوع من المصالحة أو التطبيع”، كما يقول: “إن لقاء أردوغان والأسد؛ أمر مستحيل، ولكن هذا لا يعني أن تركيا لن تُدلي بتصريحات وتحاول الدعوة إلى تطبيع العلاقات، لكنني لا أتوقع إقامة أية علاقات دبلوماسية ستكون صدمة للكثيرين”.
على الرغم من أن الحرب في سوريا؛ قد خفّت حدّتها، إلا أن مخاطر الصراع لا تزال قائمة، وقد حذّرت الأمم المتحدة، من أن الصراع الدامي في سوريا؛ معرّض لخطر التصعيد بعد اندلاع عدّة جبهات في أنحاء البلاد في الأشهر الأخيرة.
“لا للمصالحة”
سيكون للمصالحة بين دمشق وأنقرة، تداعيات واسعة على الغرب والشرق الأوسط، ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى اقتراب تركيا؛ حليفة الناتو من محور موسكو، ويمكن أن يعقّد من استمرار وجود العسكريين الأميركيين في شمال شرقي سوريا، كما أنه سيزيد من ويلات ملايين السوريين المعارضين لنظام الأسد والمضطرّين للهجرة.
أثار تحوّل النهج التركي؛ غضب عملاء أنقرة السوريين، الذين يسيطرون على جزء كبير من شمال غربي سوريا، الأمر الذي دفع بالمحتجّين إلى حرق الأعلام التركية بعد اعتراف وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو؛ بلقائه بنظيره السوري فيصل المقداد، على هامش مؤتمر بلغراد عام 2021.
تبقى العقَبة الرئيسية أمام أيّ نوع من المصالحة؛ هي السيطرة التركية الفعلية على أجزاء من سوريا، ورغم اعتراضات دمشق الشديدة؛ تحتفظ تركيا، فعليّاً بوصايتها الخاصة على عدّة مناطق في شمال البلاد، وتحتفظ بنفوذ قوي على محافظة إدلب؛ التي تحكمها هيئة تحرير الشام؛ وهي جماعة معارضة مسلحة تعود بجذورها إلى تنظيم القاعدة.
يقول آرون شتاين؛ من مبادرة أبحاث السياسة الخارجية: “من الواضح تماماً أن أنقرة ترفع بالونات الاختبار لمعرفة رؤيتها حول تقارب محتمل مع دمشق، فتمتلك تركيا؛ شمال سوريا بشكل أساسي، ولذا يمكننا اجترار كل ما نريد، لكن الآليات الفعليّة لعودة الأراضي إلى دمشق، والتي تسيطر عليها أنقرة وتدعمها؛ ستكون صعبة للغاية”.
قد يكون موقف تركيا؛ المعدّل تجاه نظام دمشق؛ حيلة تهدف إلى كسب الضوء الأخضر من الكرملين؛ من أجل سحق الكُرد الذين سيطروا على شمال شرقي سوريا، حيث تَعتبر تركيا؛ تجربة الإدارة الذاتية الكردية والتي يقودها الكُرد الموالون لحزب العمال الكردستاني؛ تهديداً أمنياً أخطر من النظام في دمشق.
يقول “أوزكيزيلجيك”: “تواصل روسيا إخبار تركيا؛ بأنها بحاجة إلى حلّ مشكلتها الكردية عبر دمشق، وقد حاولت تركيا التواصل وكان أول تصريح من دمشق؛ هو أنها تعتبر تركيا الراعي الرئيسي للإرهاب وتتوقّع انسحابها أولاً من سوريا”.
وفوق كل شيء، فإن تحوّل أردوغان؛ متجذّر في الحسابات السياسية المحلية قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2023، حيث يرى خصوم حزب العدالة والتنمية؛ قضية ترحيل اللاجئين السوريين أساسية، فقد سئِم الأتراك من ملايين اللاجئين السوريين وغيرهم من اللاجئين الذين استقروا في البلاد، وتمّ إلقاء اللوم على حكومة أردوغان؛ للسماح بذلك، ويسعى الرئيس التركي لتخفيف انتقادات المعارضة حول هذه المسألة من خلال استمالة مقترحاتهم بشكل أساسي “للمصالحة مع الأسد” .
يقول ديليك غورسل، محلّل السياسة الخارجية المستقلّ والمتخصّص في تركيا والشرق الأوسط: “كان يُنظر إلى الحكومة على أنها تُفضِّل وجود السوريين في البلاد، وذلك استعداداً للانتخابات التي ستُجرى العام المقبل من خلال قول نفس الشيء علانية مثل المعارضة تماماً”.
قد تساعد معاداة أميركا، ومعاداة الغرب لأردوغان؛ محليّاً؛ في دولة تشعر بالخيانة من قِبل واشنطن؛ لدعمها المقاتلين الكُرد السوريين، ومن قِبل أوروبا لرفضها طلبها بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي منذ أكثر من عقد من الزمان.
كتب حقي أوجل، كاتب الأعمدة في صحيفة ميلييت؛ الموالية للحكومة في الثاني عشر من أيلول/سبتمبر، فيقول: “ستعاني الولايات المتحدة من عواقب الضغط على تركيا، عندما تُترك وحدها مع الناتو المشلول، ليست اليونان أو أوكرانيا أو مقاتلو حزب العمال الكردستاني/ وحدات حماية الشعب الذين كانوا يتدربون في سوريا؛ من أوصلوا الناتو إلى وضعه الحالي وجعله منظمة قوية، إن حلف شمال الأطلسي قوي فقط بوجود تركيا”.
لقد أذهلت تركيا؛ حلفاءها القدامى في السنوات الأخيرة، من خلال تعزيز العلاقات مع خصوم سابقين مثل إيران وإسرائيل وروسيا، بينما عزلت زملاءها من أعضاء الناتو مثل الولايات المتحدة وفرنسا.
في الأيام الأخيرة، زادت تركيا، من حدّة التوتر مع اليونان؛ المنافس القديم، بينما قامت بتسوية وضعها مع أرمينيا؛ التي كان لها معها ماضٍ صعب، ويشعر الكثيرون بالحيرة من التحرُّكات التركية الأخيرة، ويتكهّن البعض، بأن أردوغان؛ يتنقّل بين العديد من مقامري السياسة الخارجية في محاولة لكسب بعض الانتصارات قبل عام 2023.
حتى بعض اللاعبين والمحلّلين الأقرب إلى القصر الرئاسي في أنقرة، ليس لديهم فكرة تُذكر عما يفكّر فيه أردوغان، وما تمّت مناقشته خلال اجتماعه في سوتشي مع بوتين، فلا تزال هناك تكهُّنات محيّرة.
وكان من بين الذين حضروا القمة، رمضان قديروف، منفذ الكرملين المثير للجدل في الشيشان، والمتّهم المحتمل بمؤامرة عام 2021؛ لاغتيال شخصية معارضة شيشانية رفيعة المستوى كانت تحتمي في تركيا، وربما كانت القمة تهدف إلى تخليص العلاقات بين أنقرة وموسكو؛ من المشاكل العالقة وإقامة شراكة أوسع.
خلال الاجتماع، أبدت كل من أنقرة وموسكو؛ التزامهما بالتداول بالعملات المحلية، الأمر الذي قد يعرقل الجهود الغربية لعزل روسيا؛ بسبب غزوها لأوكرانيا، وتكهّن المحلّلون أيضاً؛ بأن روسيا، قد حوّلت ما يصل إلى 10 مليار دولار؛ إلى احتياطيات البنك المركزي التركي قبل اجتماع سوتشي.
وهناك مجالات أخرى موسّعة للتعاون، حيث تأمل تركيا؛ في إنعاش اقتصادها بطاقة روسية رخيصة، وقد وصلت الصادرات التركية إلى روسيا؛ إلى مستوى قياسي بلغ 738 مليون دولار.
قال السناتور الروسي، أندريه كليموف؛ لوكالة سبوتنيك؛ خلال زيارة لتركيا: “لقد نمَت العلاقات التركية الروسية في العديد من المجالات، بدءاً من الطاقة النووية إلى السياحة، فقد أقامت دولنا علاقات سياسية فريدة، ويناقش قادتنا مواضيع مهمة للغاية في اجتماعاتهم ويجدون لها الحلول”.
قال رئيس مجلس الأعمال الروسي التركي، عزت إكمكجيباسي، إن “خروج الشركات الغربية من السوق الروسية بعد العقوبات؛ تسبّب في فراغ، ونحن نجلب الشركات التركية لملء هذا الفراغ”.
وقال، بحسب وكالة الأنباء التركية الرسمية: “بعد شهر من مؤتمر سوتشي، تحدّث أردوغان؛ في الكرملين عن محاور النقاش، وأستطيع أن أقول بوضوح إنني لا أجد موقف الغرب تجاه روسيا صحيحاً، إن هناك غرباً يتّبع سياسة تقوم على الاستفزاز، وأقول لأولئك الذين يستخفّون بروسيا؛ أنتم تخطئون، لأن روسيا ليست دولة ممكن الاستهانة بها”.
المقال كتبه بورزو داراغاهي لصحيفة إندبندنت وترجمته نورث برس
———————————-
أنقرة قد تُرغب السوريين بالعودة إلى سوريا.. بمبالغ مالية
تواترت التأكيدات والتصريحات التركية إن من جانب المعارضة أو النظام على اتفاق ضمني لإخراج اللاجئين السوريين من الأراضي التركية في صفقة جلية لكسب الانتخابات على حساب أكثر من 3 ملايين سوري.
ووفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، “ليس بغريب عن نظام أردوغان الذي بيّن قبح تلاعبه بالملف السوري ومسألة اللاجئين الذين كسب من ورائهم ملايين الدولارات بطرق ابتزازية للأمم المتحدة وأوروبا، التي طالما هدّدا وخوّفها باعتماد سياسة الحدود المفتوحة لتسرّب اللاجئين إليها”.
وأضاف المرصد: “والأكثر استهتاراً وإهانة بالملف، تصريح رئيس حزب الشباب التركي، جيم أوزان، الذي أكّد أّنه سيتم إلغاء الجنسية الممنوحة للسوريين وتصاريح إقامتهم وسيتم تشجيعهم على العودة من خلال تقديم الحوافز المالية لهم، قائلاً: “سنقدّم 4000 دولار لعائلة مكونة من 4 أفراد، وهكذا سنجعلهم يذهبون إلى بلدهم”.
ومع دنو موعد الانتخابات يواصل أردوغان والمعارضة على حد سواء في استثمار ملف اللاجئين السوريين في كورقة ضغط سياسية وابتزاز في وجه الدول الأوروبية للحصول على مساعدات مالية.
وكانت تقارير تركية، قد أفصحت عن أن عدد اللاجئين السوريين الذين تركوا الأراضي التركية وتوجهوا إلى الدول الأوروبية خلال الفترة الأخيرة، وبلغ ما يقرب من 25 ألف سوري، من ضمنهم 10 آلاف غادروا عبر الأمم المتحدة من خلال سياسة إعادة التوطين و15 ألفا عبر التهريب.
وجاء الإقبال على مغادرة تركيا نتيجة تصاعد الخطاب المناهض للاجئين، شعبياً في الشارع التركي، وسياسيا من جانب أحزاب المعارضة، ورسمياً نتيجة القيود على الإقامة والحركة علاوة على الصعوبات الاقتصادية..
واشتكى العديد من اللاجئين السوريين في تركيا، من سوء المعاملة وارتفاع نبرة العنصرية، وتغذية أحزاب المعارضة المشاعر العنصرية ضد اللاجئين السوريين سعياً لتحقيق مكاسب في حملاتها الانتخابية.
ويعتقد الدكتور حبيب حداد، وزير الإعلام السوري الأسبق في حديثه مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أنّه منذ خروج أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية ورئيس الوزراء السابق من حزب العدالة والتنمية، طويت صفحة السياسة التركية الخارجية التي نادى بها والمتمثلة بسياسة صفر مشاكل مع دول العالم، بعدها انفرد رجب طيب أردوغان بتسيير السياسة التركية في منحى جديد مختلف نوعياً وبخاصة بعد التعديلات الدستورية التي طرحها والتي أسفرت عن تحويل نظام الحكم في تركيا، إلى نظام رئاسي يمنح رئيس الدولة سلطات واسعة واستثنائية.
وأكمل: ”هكذا انقلبت توجهات سياسة تركيا الخارجية من تسوية النزاعات وتحسين العلاقات على الصعيدين الإقليمي والدولي إلى استراتيجية تهدف إلى إحياء أمجاد السلطنة العثمانية وزعامة العالم الإسلامي السني شعورًا من أردوغان بأن تركيا بالذات هي الدولة المؤهلة والقادرة على الاضطلاع بهذه المهمة، ونتيجة لذلك وبعد انطلاق الانتفاضات الشعبية فيما سمي بالربيع العربي عملت تركيا أردوغان بالتنسيق والتعاون مع قطر على دعم هذه الانتفاضات وتمكين تيار الإسلام السياسي من السيطرة على المسار العام لتلك الانتفاضات والتحكم في مصيرها وتحريفها عن تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها والرامية إلى إنهاء أنظمة الاستبداد والتخلف وبناء دول مدنية ديمقراطية تواكب مسار العصر”.
ونوّه حداد إلى أنّ تدخل نظام أردوغان في الشؤون السورية طوال العقد الماضي، موقف يتنافى وأبسط المبادئ الدولية وعلاقات حسن الجوار.. فتحت تركيا أجواءها وحدودها لعبور مختلف المنظمات الإرهابية إلى سورية ولا يبرر ذلك إذا كانت إيران أو حتى إسرائيل أو غيرهما، تقوم بمثل هذه الأفعال.. ولم يقف الأمر كما هو معلوم عند هذا الحد بل قامت تركيا باحتلال مناطق واسعة من الجغرافيا السورية بحجة حماية أمنها القومي وحماية المواطنين السوريين فيها والنازحين إليها من مختلف المحافظات السورية.
واستكمل حداد بالقول: “لعل أخطر ما قامت وتقوم به حكومة أردوغان حتى اليوم هو استخدام ورقة النازحين السوريين من جهة وورقة المعارضة السورية المسماة بالائتلاف التي تستضيفها وتهيمن عليها وتستخدمها في سياساتها الدولية من جهة أخرى”.
ول يستبعد حداد أنّ “تطلب تركيا من المعارضة السورية المقيمة فوق أراضيها وقف كل نشاطاتها السياسية والإعلامية والتوجه إلى بلدان أخرى والبحث عن مقر جديد ، معتبرا أنّ طبيعة هذه الإجراءات المتوقعة ستتفاوت في حجمها وطبيعتها حسب مستوى ومدى التقارب بين النظامين السوري والتركي الذي تتولى الآن إدارته كل من روسيا وإيران”.
وتابع: “لقد أصبح واضحًا لجميع المراقبين والمحللين السياسيين أن استدارة أردوغان نحو تسوية وإعادة علاقاته مع الدول العربية : السعودية ومصر وأبو ظبي والآن سورية لا تنطلق- حسب وجهة نظرنا – من قناعة راسخة بفشل وخطأ الاستراتيجية التي اعتمدها على امتداد السنوات العشر الماضية ..فالوضع الداخلي وبخاصة الوضع الاقتصادي وتراجع شعبية حزب العدالة والتنمية التي تدنت بنسبة كبيرة في مواجهة شعبية المعارضة التي يقودها حزب الشعب الجمهوري ، هذا الوضع ينذر في حال استمراره بخسارة أردوغان وحزبه الانتخابات القادمة”.
من طرفه، بيّن محسن حزام، القيادي بهيئة التنسيق المعارضة في حديثه مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أنّ قضية اللاجئين السوريين في تركيا أضحت ورقة ضاغطة على أردوغان من قبل المعارضة التركية ستهدده في الاستحقاق الانتخابي القادم، لافتاً إلى تعامل الرئيس التركي مع هذه المسألة بخطين متوازيين لإبعاد الضغوطات التي يتعرض لها في هذه المسألة، مضافا إليها تزايد الأزمة الاقتصادية الخانقة وتراجع قيمة الليرة التركية بسبب التضخم مع أزمة الغلاء العالمي على خلفية الحرب الأوكرانية.
وتناول التحرك التركي في المنحى الأول، مع الروس لإقناع النظام بتعديل شروط اتفاقية أضنة عام 1998 بحيث تكون مسافة المنطقة الآمنة لاستيعاب اللاجئين السوريين أكثر من 15 كم طولاً، وعرضاً يجري الاتفاق بشأن ذلك، والمنحى الثاني مع المعارضة السورية المقيمة في تركيا بإيجاد طريقة للمصالحة مع النظام السوري.
وكشف حزام أن المسار الأول تجاوب معه الروس لإيقاف فكرة العملية العسكرية لدى أردوغان، وفي المقابل كذلك طلبوا من الأتراك تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وهو ما أكده لقاء رئيس الاستخبارات السوري علي مملوك مع رئيس الاستخبارات التركي هاكان فيدان برعاية روسية في موسكو لبحث هذه المسائل ووضع خارطة طريق، وعلى ذات السياق التقى وزير خارجية النظام مقداد مع نظيره التركي جاويش أوغلو في اجتماع الهيئة العامة للأمم المتحدة مؤخرا حيث بحثا العديد من القضايا من ضمنها قضية اللاجئين والتقارب السوري التركي
كما أتى على لسان ” داوود اوغلو ” أن هناك تحولا في السياسة التركية تجاه الملف السوري”، ليعتبر السياسي السوري أنّ الحراك الدبلوماسي الأخير بين الأطراف المتدخلة بالحالة السورية كانت كلها تصب باتجاه ملف اللاجئين، ولاشك في أن هذا الملف ورقة سياسية للمساومة على حساب اللاجئين الذين يتجاوز عددهم الثلاثة ملايين لأن النظام التركي بات معنيا الآن بوضعه الداخلي أكثر كلما ضاقت عليه المسافة الزمنية التي تفصله عن الانتخابات للخروج من هذه الأزمة، ولا مانع لديه أن تتم في ملف اللاجئين، لأن المصالح دائما تتحكم بالسياسات.
كما أشار إلى أنّ قضية إعادة اللاجئين بدون ضمانة دولية سيكون لها تبعات مأساوية لأن النظام السوري تحركه المسألة الأمنية، والإرهاب موصوف به كل من غادر سورية، لافتاً إلى أنه تبعاً لذلك قد تفرط المعارضة الخارجية ( الائتلاف ) في العديد من القضايا على حساب الدم السوري لتسويةٍ ما مع النظام، وهذه الصفقة المهمة يلعب عليها الروسي والتركي خدمة لمصالحهما في مواجهة الأمريكي لأن التوازنات الدولية باتت مطلوبة في هذه الفترة بالذات”.
ليفانت-المرصد السوري
——————-
التمركز الخاطئ للنخبة السورية: عاصمة تركيا ليست إسطنبول/ عمر أوزكيزيلجيك
نعم، إسطنبول هي مركز القوة الاقتصادية لتركيا، ونعم، إسطنبول أضحت عاصمة حركات المعارضة من مختلف البلاد العربية، لكن القرارات السياسية في تركيا يتم اتخاذها في أنقرة لا إسطنبول. إن التمركز الخاطئ لمراكز الفكر السورية والمؤسسات الإعلامية ومراكز البحث الاستراتيجية في إسطنبول قلل من كفاءتها وزاد في نفقاتها فالسوريون غير ممثلين تقريبا في أنقرة التي هي عاصمة تركيا.
بعد فرار أعداد كبيرة من السوريين إلى تركيا، اختار كثير منهم الاستقرار في إسطنبول حيث وفرت المدينة فرصا للأعمال الكبيرة وكذلك الوظائف. إن نمط الحياة الحضري بدا وبشكل نسبي أكثر ملاءمة للاجئين السوريين. فبحسب الأرقام الرسمية تستضيف إسطنبول 551 ألف لاجئ سوري بالإضافة إلى 720 ألف أجنبي يقيمون بموجب أذونات إقامة رسمية والكثير منهم أيضا من سوريا. وكما هو معلوم على نطاق واسع فإن عدد السوريين المقيمين في هذه المدينة وغير المسجلين هو أعلى من الأرقام الرسمية.
إن الفوائد والإشكاليات المتعلقة بالكثير من السوريين الذين يعيشون في إسطنبول – من منظور اقتصادي واجتماعي وسكاني – هو موضوع لمقال مختلف. المشكلة الأكبر حاليا هي أن السوريين غير ممثلين تقريبا في أنقرة. وباعتبار أنهم لا يتمتعون بأي حقوق تمثيل سياسي ولا يمكنهم التصويت لذا يبدو من غير الحكمة ألا يكون للمجتمع السوري وجود فعلي في أنقرة.
تختلف السياسة التركية عن نظيراتها في الدول الأخرى، إذ تعتمد هذه السياسة وعمليات صنع القرار فيها على العلاقات الشخصية. أهم سلوك سياسي في تركيا هو زيارة الناس. فالعلاقات الشخصية على أرض الواقع تحدد المشهد السياسي في هذا البلد إلى حد بعيد. لذلك فإن أي ناظر في الشخصيات السياسية ذات المستوى المتوسط والمنخفض والمسؤولين رفيعي المستوى في الدولة سيدرك أن هناك تركيزا كبيرا على التعارف الشخصي. فمفهوم “المعرفة الشخصية المسبقة” بين الأشخاص يلعب دورا كبيرا في صنع القرار السياسي، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالسياسة الداخلية.
لأجل إنجاز التعارف وبناء العلاقات المفيدة، لا بد من الحضور الشخصي، لسوء الحظ إن جهود الدعم الخاصة بالسوريين في أنقرة تكاد تكون منعدمة. المنظمة السورية الوحيدة الموجودة في أنقرة -التي أعرفها على الأقل- والتي تعمل لصالح السوريين هي “مركز الدراسات الاستراتيجية للدبلوماسية الإنسانية”.
في السابق، كان الممثل الرسمي للشعب السوري “الائتلاف الوطني السوري” حاضرا في أنقرة وله مكتبه وتمثيله. لكن لسوء الحظ قرر الائتلاف إغلاق ذلك المكتب.
والواقع أن جميع المؤسسات السياسية ومراكز الفكر والبحوث والمؤسسات الإعلامية والمنظمات غير الحكومية السورية غير موجودة فعليا في أنقرة نتج عنه ظاهرة نفسية محددة. ذلك أنه بالنسبة للمسؤولين الأتراك فإن ممثلي السوريين ومفكريهم جميعهم ضيوف يأتون مؤقتا للزيارات من وقت لآخر. تعزز هذه الظاهرة الاعتقاد الخاطئ بأن السوريين مؤقتون في تركيا وأن ملف سوريا مؤقت أيضا.
وبما أن النخبة السورية لا تقيم في أنقرة، بل في إسطنبول، فليس للمسؤولين الأتراك علاقة يومية وشخصية دائمة مع المثقفين والسياسيين السوريين. الأمر لا يتوقف عند المسؤولين الأتراك، بل يتعداه إلى السياسيين الأتراك عموما. وغني عن القول إن الصحفيين الأتراك والنخبة التركية في قلب أنقرة ليس لديهم أي فرصة حقيقية لإنشاء علاقات شخصية ودائمة مع النخبة السورية.
لا تسيئوا فهمي! فأنا لا أدعو السوريين كأفراد وعائلات إلى الانتقال من إسطنبول إلى أنقرة. إنما أدعو المؤسسات السورية ومراكز البحوث ومراكز الفكر السوري إلى الانتقال من إسطنبول إلى أنقرة. فمن خلال القيام بذلك يمكن أن يكون للنخبة السورية تأثير حقيقي. إن التمركز في إسطنبول يرمز إلى أن الجمهور الرئيسي المستهدف من عمل هذه المؤسسات هو العالم العربي والجالية السورية، وليس تركيا والشعب التركي.
لفهمٍ أعمق لسوء التقدير هذا، نضرب مثلا: إنه إذا كان على أي من المنظمات السورية في إسطنبول الذهاب إلى بلد آخر، الولايات المتحدة أو ألمانيا أو فرنسا على سبيل المثال، فهل ستعمل هذه المنظمات في لوس أنجلوس وميونيخ وتولوز؟ أم سيتركز عملها في واشنطن وبرلين وباريس؟
فلماذا إذا نرى كل التنظيمات والنخب السورية موجودة في إسطنبول بدلا من أنقرة؟
إن الجواب على هذا السؤال يوضح أن النخبة السورية ما زالت لا تتبنى الواقع، بل تحيا في الماضي. من الأهمية بمكان بالنسبة للسوريين في تركيا وكذلك في سوريا أن تتقبل نخبتهم في تركيا الواقع. فتركيا لم تعد أي دولة، بل هي الدولة الأكثر أهمية بالنسبة للسوريين وسيكون للسوريين علاقة طويلة ودائمة مع تركيا والشعب التركي. لسوء الحظ، لم يتقبل الشعب التركي عموما الواقع حتى الآن، ويبدو أن النخبة السورية لم تتقبل هذا الواقع أيضا – باستثناء أولئك الموجودين بالفعل في أنقرة.
كما أن النخبة اليهودية تدافع عن إسرائيل في واشنطن، على النخبة السورية أن تدافع عن القضية السورية في أنقرة.
تلفزيون سوريا
——————-
هل الائتلاف الوطني السوري ضعيف أم تتعمد تركيا إضعافه؟/ عبد الملك عبود
دعمت تركيا مؤسسات المعارضة السورية منذ بداية الحراك السلمي في بداية عام 2011، ورعت غالبية المؤتمرات والاجتماعات التي نظمت من خلالها المؤسسات السياسية والعسكرية والخدمية، وقدمت لقادة المعارضة كافة التسهيلات اللازمة ليكونوا بأفضل حال وممثلين حقيقيين للشعب السوري في المحافل الدولية.
حجم الاهتمام الذي تلقاه المعارضون السوريون في تركيا، كان على مستوى رئاسي وعالي في الأوساط الرسمية التركية في بداية الحراك الثوري، وبدأ ينخفض بسبب انخفاض أداء المعارضة وخلافاتها الداخلية التي لم تنتهي حتى الآن، الأمر الذي أصبح يزعج المسؤولين الأتراك.
ضعف أداء مؤسسات المعارضة شكل وجهة نظر لدى الكثير من السوريين أن تركيا تريد هذا الضعف وتستثمر فيه، ولكن إذا أردنا تقييم الواقع بشكل صحيح نجد أن الضعف الأساسي هو من الشخصيات التي تصدرت المشهد السوري، لأن تركيا تعتمد على الائتلاف الوطني السوري كحليف أساسي وممثل للشعب السوري، وتدعم توجهاته وتسعى ليكون بقوة كافية وذو مكانة شعبية واسعة واحترام جماهيري، يفرض على المجتمع الدولي تقبله كبديل عن نظام الأسد.
خلال السنوات السابقة تعاقب على رئاسة الائتلاف الوطني العديد من الشخصيات بتنوع توجهاتهم السياسية ومكانتهم الاجتماعية، وآخرهم الشيخ سالم المسلط الذي ينتمي إلى مكون عشائري كبير يشكل جزءاً كبيراً من المجتمع السوري، وشغل سابقاً منصب الأمين العام لمجلس القبائل والعشائر السورية، ولديه مكانة كبيرة بين السوريين، ويتمتع بمكانة في الأوساط العربية، وحمل خطة إصلاحية واسعة هدفها النهوض بأداء المؤسسة سياسياً وشعبياً، هذا ما دفع أجهزة الدولة التركية لتقديم كل الدعم له ولفريقه على أمل أن تكون ولايته مزدهرة بالنتائج التي ترضي السوريين.
وعد الفريق الرئاسي للائتلاف بقيادة الشيخ سالم المسلط بإنجاز ملفات مهمة على رأسها تحسين العلاقة مع الحاضنة الشعبية، وتحسين صورة الائتلاف في الأوساط السورية، ويكون ارتباطه مع الداخل ارتباطاً كلياً، وأيضاً تحسين العلاقات في الأوساط العربية بشكل خاص وفي الأوساط الدولية بشكل عام، بالإضافة إلى النقطة المهمة التي تلبي تطلعات السوريين والحليف التركي بشكل متوازٍ، وهي الإصلاح الداخلي لمؤسسة الائتلاف عبر إنعاش مكاتبه ولجانه بالأكاديميين والخبرات العلمية، وإضافة شخصيات لها مكانتها الشعبية تدعم رصيد المؤسسة.
لكن مع الأسف كل ذلك لم يطبق حتى الآن، وجميع الخطوات التي اتخذت خلال الفترة الماضية لم تكتمل، ومن المتوقع أن تنتهي الولاية الحالية ولا يتم إنجازها.
حتى الآن ما زال رصيد الائتلاف الشعبي بأدنى مستوياته، وعلاقاته الدولية لم تتطور، وبيته الداخلي لم ينظم، بالإضافة إلى تخبط واسع وخلافات بين أعضائه، وهذا ما يزعج السوريين والحليف التركي.
وبالعودة إلى نقطة البداية، مشكلة الائتلاف الوطني لا تتجسد بحلفائه ولا بالمجتمع الدولي، إنما بالأشخاص الموجودين فيه، والذين جزء منهم غير معروفين من قبل السوريين وليس لديهم أدنى رصيد شعبي ولا حتى مكانة دولية، وإن لم يتم الأخذ بعين الاعتبار الأسباب الرئيسية لضعف الأداء، فلا يجب علينا أن نرمي اللوم فقط على حلفائنا، إذ لا بد أن نصلح أنفسنا وندعم مكانتنا أولاً، وبعدها نطالب الآخرين بدعمنا.
وكالة زيتون
—————————–
هل يصافح أردوغان الأسد؟/ محمد طاهر أوغلو
يمكن القول إن الأيام القليلة الفائتة كانت الأكثر زخماً لطرح مسألة تطبيع في العلاقات بين تركيا بقيادة الرئيس أردوغان والنظام السوري بقيادة بشار الأسد الذي طالما وصفته أنقرة بالظالم والقاتل.
كان وقْعُ ذلك بمثابة صدمة لكنه بعد تخطي الوهلة الأولى قد يمر مرور الكرام في قطار التطبيع الذي ركبته حكومة العدالة والتنمية في الآونة الأخيرة مع دول عربية وغيرها، في تهدئة يحرص عليها أردوغان وهو متجه نحو أصعب انتخابات برلمانية ورئاسية “حاسمة” في منتصف 2023 المقبل.
لا مستحيل في السياسة، صحيح؛ ولكن المواقف والقرارات لا بد أن ترتبط بمسوغات منطقية ومصالح معقولة، وهنا لا بد من سؤال؛ لماذا تفكر تركيا بالفعل في التطبيع مع هذا النظام أو لنقل مع جار برتبة عدو مثّل لها تهديداً سواء بنفسه أو عبر مناطق خرجت عن سيطرته لتستولي عليها تنظيمات يمكن أن تتسامح تركيا مع كل شيء إلا معها؟
الإجابة عن هذا السؤال تقتضي الابتعاد عن رسم فرضية حصول هذا التطبيع في المؤدّى أم لا، بل سرد جملة من الأسباب المهمة لأنقرة، بطريقة مجردة.
سحب البساط من تحت المعارضة
مجمل التحليلات تذهب لفرضيات تتعلق بروسيا تارة وإيران تارة أخرى أو تنظيمات قسد وغيرها، لكن باعتقادي أن العامل الأهم من ذلك بالنسبة لتركيا هو الداخل التركي بالدرجة الأولى، وكأن العدالة والتنمية بقيادة أردوغان لا يريد أن تتفرد المعارضة بأطروحة حل الملف السوري واللاجئين في تركيا من خلال الحديث مع الأسد.
وبالمناسبة، هذه الأطروحة ليست محصورة في أحزاب المعارضة التركية فحسب، بل حزب الحركة القومية حليف العدالة والتنمية رحّب بتصريحات وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو منتصف آب المنصرم، حول ضرورة الحل السياسي بين النظام والمعارضة السورية.
نضيف إلى ذلك أيضاً، أصواتاً من داخل العدالة والتنمية نفسه ترى أن حل الملف السوري يقتضي الحديث مع نظام الأسد، وأن الأجواء الحالية مغايرة تماماً لما كانت عليه في السابق حينما كانت أنقرة تدعم المعارضة السورية السياسية والمسلحة على حد سواء، وأن قضية اللاجئين باتت في المراتب الأولى من المشاكل التي تهم الرأي العام و”تستغلها” بعض أحزاب المعارضة.
لذلك، وبالدرجة الأولى؛ فإن الحديث المتكرر عن مصالحة أو تطبيع مع نظام الأسد، إنما هو رسالة للداخل.. للرأي العام، بأننا كحكومة مستعدون لكل السيناريوهات لحل هذه القضية “فلا داعي أن تنتظروا ذلك من المعارضة فقط”.
ولو نظرنا في الواقع إلى مختلف شرائح أحزاب المعارضة المعتبرة أي التي لها صوت وتأثير في المناخ السياسي التركي، سنجدها مجتمعة على فكرة الحديث مع الأسد لحل هذا الملف العالق منذ 11 عاماً، ولن تجدوا سوى حزب المستقبل برئاسة أحمد داود أوغلو الوحيد الذي يمانع ذلك.
وما تبقى من أحزاب “محافظة” مثل السعادة، والرفاه مجدداً (يقوده نجل الراحل أربكان)، والديمقراطية والتقدم؛ فجميعها تؤيد الحديث مع الأسد.
أودّ أن أختم هذه الفقرة بشاهدين، الأول دعوة دولت باهجلي (حليف أردوغان) إلى رفع مستوى الاتصال مع النظام السوري إلى “حوار سياسي” منتصف آب، الثاني حينما صرّح أردوغان وهو عائد من أوكرانيا في 19 آب وقال: “ليس لدينا هدف من قبيل الانتصار على (بشار) الأسد، وإذا كانت المعارضة في تركيا ترى الأمر من هذا المنظور فهذا يعكس مدى ضحالة تفكيرها”.
وحدة الأراضي السورية!
في الدرجة الثانية، تحاول أنقرة حين حديثها عن إمكانية الحديث مع الأسد؛ ربط ذلك بضرورة وحدة الأراضي السورية وطرد تنظيمات قسد وأخواتها من المناطق التي تسيطر عليها بدعم أميركي/غربي في شمال شرقي سوريا، وقد جاء ذلك على لسان أردوغان ووزير الخارجية تشاووش أوغلو
بالطبع هذا يعني من زاوية أخرى أن أنقرة باتت تعترف بطريقة ما بشرعية النظام السوري من جهة، وأنه الرقم الأول في المعادلة من جهة أخرى، لدرجة أنها على ما يبدو من التصريحات تعقد آمالها عليه من أجل طرد التنظيمات الإرهابية التي تزعجها على طول حدودها الجنوبية تقريباً.
على قدر أن هذه النتيجة المستنبطة بالفعل من تصريحات المسؤولين الأتراك “مزعجة ومؤسفة”، إلا أن الجميع يعلم أن نظام الأسد إنما هو أسد من ورق، لا يملك قراره بنفسه دون الرجوع إلى من دعمه أصلاً لتغيير مسار الصراع الداخلي، وأقصد هنا روسيا وإيران بالدرجة الأولى بعيداً عن الميليشيات الطائفية والمرتزقة.
ولذا فهناك نقطة شائكة، وهي على ماذا تعول تركيا كدولة إقليمية ذات حجم كبير؛ حين تفترض جدلاً أن المحادثات مع هذا النظام قد يضمن لها تأمين حدودها الجنوبية، لا سيما أن نظام الأسد يضع منذ الآن شروطاً معقدة مقابل تطبيع العلاقات.
ثم علينا أن نسأل، هل يمكن لتركيا بعد 6 سنوات من دخولها سوريا بشكل فعلي، ونشر جنودها وتأسيس مجالس وقوى تتبع لها، وضخ استثمارات هائلة في البنية التحتية، وتأمين مساحات شاسعة من الحدود المحاذية لها؛ أن تتخلى فجأة عن جميع ذلك وتسحب جنودها وعتادها؟ هل من المنطقي حقاً أن تفرط بكل ذلك وكأنها كانت في نشاط سياحي لم يكلفها أي شيء؟
موسكو ضد التطبيع بين تركيا والأسد!
في مؤتمر صحفي لتشاووش أوغلو في 12 آب، قال إن بوتين عرض على أردوغان أن يجمعه مع الأسد، ليخبره أردوغان بأن أجهزة الاستخبارات على تواصل فيما بينها بالفعل، ثم كشف الوزير التركي عن لقاء جمعه بوزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد في بلغراد أواخر 2021 الماضي، وأكد أن المحادثات الاستخباراتية لا تزال مستمرة بعد انقطاعها لفترة.
ربما من هذا التصريح بالذات، رأى البعض أن محادثات أنقرة مع الأسد إنما تأتي لتنفيذ ضغوط روسية، لكن في الواقع علينا أن نسأل ما مصلحة روسيا أصلاً في جمع الطرفين أو تصالحهما؟ هناك من يرى عكس ذلك تماماً، وهو أن موسكو ترفض أي محادثات بين أنقرة والنظام السوري.
ربما أول من لفت إلى ذلك هو الكاتب التركي البارز والمقرب من أروقة الحكم، عبد
القادر سلفي
، حيث يرى أن روسيا تمانع في الحقيقة هذه المحادثات، وأن بوتين “لا يريد أن يكون للأسد أي اتصال مع أي دولة سوى روسيا، خاصة مع تركيا (..) إدارة دمشق لا تتخذ خطوات بمفردها، وروسيا لا تسمح بذلك، ولا تريد أي اتصالات بين تركيا والأسد إلا من خلال موسكو حصراً”.
بغض النظر عن هذا الجدل، لكن من المؤكد أن أي محادثات بين تركيا والنظام السوري لن تكون سهلة، بل ستكون عسيرة للغاية، ولا يمكن قياسها على نماذج تطبيع نجحت بالفعل مع السعودية والإمارات وإسرائيل وبصورة أقل مصر، لأن تركيا ليس بينها وبين هذه الدول حدود، ولا قضية لاجئين، ولا قضية أمن قومي، ولا وجود عسكري.
سيتواصل الزخم بوتيرة متسقة حول قضية التطبيع الشائكة وعلى أرض وعرة، فهناك انتخابات قادمة والملف السوري بأكمله حاضر فيها بقوة.
تلفزيون سوريا
———————————–
صالح مسلم: الطلاق حتمي بين النظام السوري وتركيا
رئيس «الاتحاد الديمقراطي» لـ«الشرق الأوسط»: نستمد أفكارنا من أوجلان… لكن لا ارتباط «عضوياً أو تنظيمياً» بـ«العمّال الكردستاني»
القامشلي: كمال شيخو
جدد الرئيس المشارك لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي» في سوريا، السياسي الكردي صالح مسلم، نفي ارتباط حزبه «عضوياً أو تنظيمياً» بـ«حزب العمال الكردستاني» المصنّف إرهابياً في تركيا، لكنه أقر بأن «فلسفة مشتركة» تجمع بينهما. واعتبر مسلم، في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، أن اللقاءات التي تمت بين النظام السوري وتركيا أشبه بـ«الزواج القسري»، وأن الأطراف التي تسعى إليه «تعلم وتدرك أنه لن يدوم… ومصيره الحتمي الطلاق». و«حزب الاتحاد الديمقراطي» الذي تأسس سنة 2003، برز مع بدايات الحرب السورية، عندما أسس، مع جهات عربية ومسيحية وكردية، «إدارات ذاتية»، في ثلاث مناطق يشكل الأكراد غالبية سكانها في شمال شرقي البلاد. وبعد معركة عين العرب (كوباني) عام 2014، حصلت «وحدات حماية الشعب» الكردية، التابعة لـ«الاتحاد»، على دعم التحالف الدولي المناهض لـ«داعش»، وسيطرت على أراضٍ جغرافية تقع في أربع محافظات بمساحة قُدّرت عام 2017 بثلث مساحة سوريا. غير أن تركيا، القلقة من تنامي دور هذا الحزب، شنت ثلاث عمليات عسكرية ضده (درع الفرات، 2016) و(غصن الزيتون، 2018) و(نبع السلام 2019)، وانتزعت منه مدناً رئيسية عدة. «الشرق الأوسط»، حاورت صالح مسلم عن علاقة «حزب الاتحاد» بـ«حزب العمال الكردستاني»، ومسار التطبيع بين تركيا وسوريا، وموقفهم من المعارضة السورية و«المجلس الوطني الكردي»، واللقاءات التي حصلت بين ممثلي «الإدارة الذاتية» ومسؤولين في حكومة الرئيس بشار الأسد… وهنا أبرز محاور اللقاء:
> ما العلاقة التي تربط «حزب الاتحاد الديمقراطي» السوري بـ«حزب العمال الكردستاني» التركي؟
– هذا السؤال أصبح كلاسيكياً، من كثرة الدعاية التي تمارسها تركيا والأوساط التي لا ترغب في حل القضية الكردية. يقولون إن حزبنا (PYD) يتبع «حزب العمال» لاتهامه بالإرهاب، ونحن نؤمن بأن «العمال» ليس إرهابياً، وإنما تم وضعه على «قائمة الإرهاب» بناءً على مطالب وضغوط تركية. أمّا إلحاق «حزب الاتحاد» بـ«حزب العمال»، فهدفه جعله إرهابياً، تمهيداً لشن الحرب عليه. صحيح، نحن متقاربون آيديولوجياً، ونستمد أفكارنا ونعمل على تطبيق استراتيجيتنا بالتوافق مع أفكار ونظريات السيد عبد الله أوجلان، لأنه قائد كردي وعالمي. لكننا لسنا مرتبطين بحزب العمال عضوياً أو تنظيمياً بأي شكل من الأشكال، وإنما تجمعنا فلسفة مشتركة.
> سافرتم إلى تركيا أكثر من مرة، بين عامي 2012 و2015… ماذا حصل في تلك الزيارات؟
– نعم، سافرت إلى تركيا في زيارات عدة، وقابلت كبار مسؤولي وزارة الخارجية التركية. كانت اللقاءات بمثابة محاولات لبناء علاقات بيننا. بدأت بأول لقاء مع السفير التركي لدى سوريا، في العاصمة المصرية، القاهرة، سنة 2012. لتتطور الاتصالات، وتمت دعوتي رسمياً من الخارجية التركية. تمحورت لقاءاتنا حول إلحاق «حزب الاتحاد» وقواته العسكرية، «وحدات حماية الشعب» الكردية، بصفوف «المجلس الوطني» بداية، ثم بـ«الائتلاف السوري» لاحقاً، دون أن تكون لنا كلمة أو رأي، واعتبارنا ملحقاً لا أكثر. كما عقدت لقاءات مع مسؤولين في «الائتلاف»، وطلبت منهم، بشكل مباشر، أن يكتبوا في برنامجهم السياسي عن حل القضية الكردية بشكل عادل، في إطار وحدة سوريا، أرضاً وشعباً، لكنهم رفضوا حتى الإشارة إلى وجود قضية كردية، وأعتقد أن الرفض كان مرده ضغوط تركيا.
> هل ترى أن مسار التطبيع بين النظام السوري وتركيا بدأ بالفعل؟
– دعني أشبّه اللقاءات التي تمت بين النظام السوري وتركيا بالزواج القسري؛ فالأطراف التي تسعى لإتمام هذا الزواج، سواء أكانت روسيا أو إيران، تعلم وتدرك أنه لن يدوم، ومصيره الحتمي الطلاق. فالتناقضات كبيرة بين دمشق وأنقرة، وإذا كان هذا التقارب يحقق الحل السياسي؛ فهو مرحَّب به، وإذا وضع حداً لهذه الحرب فهو مرحَّب به. لكن لا أعتقد أن هذا التطبيع سيتطور ويأخذ شكل العلاقات الودية، كسابق عهدها قبل 2011، لوجود تناقضات وخلافات كبيرة بين الدولة السورية وتركيا، وهي أعمق بكثير من أن تقفز فوق كل شيء لمحاربة الإدارة الذاتية، وجزء من الشعب السوري.
> عقد ممثلون من الإدارة الذاتية لقاءات مباشرة مع مسؤولين في النظام الحاكم بدمشق… متى كان آخر هذه اللقاءات وماذا تناول؟
– باستثناء اللقاءات العسكرية والأمنية المباشرة بين «قوات سوريا الديمقراطية» والقوات النظامية، برعاية القوات الروسية، لم تعقد الإدارة أي اجتماعات مع مسؤولي النظام الحاكم منذ قرابة عامين. نعم، كانت هناك محاولات روسية، لكن النظام رفض تشكيل لجان مشتركة وتطوير تلك المباحثات. ما تم طرحه حول تطوير قانون الإدارة المحلية (107) كان في الإعلام فقط، ولم نبحث في لقاءاتنا المباشرة مع النظام هذه القضايا. خلافاتنا مع النظام سياسية أكثر ما هي خدمية أو قانونية، فقانون الإدارة المحلية عبارة عن تشريع إداري، وليس مادة دستورية، وتقتصر مهامها على الجوانب الخدمية، ورغم ذلك يرفض النظام تطبيق روح القانون. الشعب السوري لن يرضى بأي حل، إذا لم يحقق مبدأ مشاركة المواطن في صناعة القرار السياسي الصادر من المركز، وغياب المشاركة السياسية هو الذي أدى إلى استفحال الأزمة السورية.
> تديرون مناطق ينتشر فيها الجيش الأميركي والقوات الروسية، وهما قوتان متنافستان. كيف يحصل ذلك؟
– نحن لم ندعُ أحداً، لا الأميركيين ولا الروس؛ فالتحالف الدولي تشكل لمحاربة تنظيم «داعش» في سوريا والعراق، وأثناء معركة عين العرب (كوباني) عام 2014، عرضوا علينا التعاون ودعم «الوحدات» الكردية المدافعة عن المدينة. كما بحث التحالف عن شركاء سوريين آخرين، وشكّل معسكرات ودرّب فصائل معارضة… وبعد تسليحها ودخولها إلى سوريا انضم عناصرها إما لـ«جبهة النصرة»، التي هي ذاتها «هيئة تحرير الشام» اليوم، أو لتنظيم «داعش» الإرهابي. لذلك لم يجدوا شريكاً حقيقياً، بينما نحن كنا ندافع عن مدينتنا ومناطقنا؛ فعرضوا علينا التعاون والشراكة في محاربة التنظيم. وهنا أريد الإشارة إلى أن وجود قوات التحالف الدولي يساعد في عمليات دعم الاستقرار، وستلعب دوراً رئيسياً في دعم الحلول السياسية مستقبلاً. أما القوات الروسية، فهي موجودة بدعوة رسمية من الحكومة السورية منذ سنة 2015، ووجودها في شمال شرقي سوريا جاء بعد العمليات التركية واحتلال مناطقنا الكردية.
> لماذا أنتم خارج أطر المعارضة؟
– مبادئ حزب «PYD» لم تتغير، وأهدافه لم تتبدل. كنا نبحث عن شركاء في المعارضة، ومع بداية الثورة كان أمامنا خياران. أولهما «إعلان دمشق»، وكنا ندرك ما هو هذا الإعلان الذي تأسس سنة 2005، وحظي بتأييد «جماعة الإخوان المسلمين». حاولنا وقتذاك التعاون والانضمام إلى هذا الإطار المعارض، لنكون جزءاً منه، لكنهم رفضوا بسبب رفض الجماعة التي كان تهمين على «الإعلان»، والتي كانت موجودة في تركيا، وتأخذ أوامرها منها. أما ثاني الخيارات، فكان «هيئة التنسيق الوطنية»، وكان حزبنا من مؤسسيها؛ فبعد انطلاقة الاحتجاجات السلمية (ضد النظام) كانت الثورة بحاجة إلى قادة سياسيين، والجهات التي أسست الهيئة كانت معروفة لدى الأوساط المعارضة، وبينها «حزب العمل الشيوعي» و«حركة الاشتراكيين» و«حزب البعث الديمقراطي» وآخرون، وكان موقف هؤلاء معارضاً للنظام الحاكم. تحالفنا معهم وأسسنا الهيئة في أوخر 2011.
> لكن بقاءكم في الهيئة لم يدم طويلاً؛ لماذا انسحبتم؟
– كنتُ نائباً لرئيس «هيئة التنسيق» وبقينا فيها حتى سنة 2014. ولأكون صريحاً أكثر، بحكم وجودنا داخل هذا الإطار، يمكن القول إن المعارضة لم تستطع التخلص من العقلية الشوفينية العربية، وكانت «الهيئة» تنظر إلى «حزب الاتحاد» على أنه انفصالي. وبعد اعتقال قادة «الهيئة»، أمثال الدكتور عبد العزيز الخير والسياسي رجاء الناصر، الذين كانوا يعرفون الحقائق، وافتتاح مكتب رسمي لها في تركيا، وانزلاق البعض من قادتها في المحور التركي، شعرنا بالغربة. الشعرة التي قصمت ظهر البعير تمثلت في رضوخ قادة «الهيئة» إلى بعض الدول التي اشترطت عدم مشاركة ممثلين من الإدارة الذاتية في مؤتمر الرياض، نهاية 2015. نحن رشحنا 3 أسماء يمثلون الإدارة في وفد الهيئة، وقلنا لهم إننا لن نقبل أي تغيير في قائمة الأسماء، لأن ذلك سينسف الشراكة والتحالف بيننا. عُقد المؤتمر وألغيت دعوات الأسماء التي رشحناها، فقررنا الانسحاب.
جانب من تشييع مقاتل في «قوات سوريا الديمقراطية» في مدينة القامشلي التي يسيطر عليها الأكراد بشمال شرقي سوريا بعد مقتله على الحدود التركية في 10 أغسطس الماضي (أ.ف.ب)
> بالعودة إلى لقاءاتكم مع «الائتلاف السوري»؛ ألم تبحثوا مسألة انضمامكم إليه؟
– لم ندخل في حوارات مباشرة مع الائتلاف السوري، لكن عقدنا اجتماعات ولقاءات مع أغلب قادته في مناسبات كثيرة. بحثنا كثيراً من المسائل والقضايا، بما فيها انضمامنا للائتلاف، لكن كل هذه الاجتماعات عُقدت بشكل سري (…) طرحنا رغبتنا بالانتساب إلى صفوف الائتلاف، لكنهم رفضوا بذريعة أن تركيا سترفض مشاركتنا.
> «حزب الاتحاد» دخل في مباحثات مع «المجلس الوطني الكردي»، لكنها سرعان ما تعثرت، رغم المساعي الأميركية… لماذا؟
– تصحيحاً للسؤال: ليس «حزب الاتحاد» من دخل بمفرده في حوارات مباشرة مع «المجلس الكردي»، فنحن جزء من تحالف «الوحدة الوطنية الكردية»، ومنذ تأسيس حزبنا سنة 2003، عملنا على وحدة الصف الكردي، والتحرك بشكل مشترك. ومع بداية الثورة السورية، ربيع 2011، قمنا بجهود ومساعٍ لترتيب البيت الكردي تكللت بإعلان تحالف ضم آنذاك 11 حزباً كردياً في شهر أبريل (نيسان) 2011، ووقعنا بياناً مشتركاً ورؤية كردية لحل سياسي للأزمة السورية، وحل القضية الكردية. غير أن «المجلس الكردي» لم يكن هدفه عقد اتفاق كردي، والسبب أنهم حتى اليوم لا يعترفون بحماية قوى الأمن الداخلي (الآسايش) لمناطق الإدارة الذاتية، كما أنهم لا يعترفون بمؤسسات الإدارة الذاتية وقوانينها وهيكليتها الإدارية. عندما تعرضت مكاتب المجلس لبعض الاعتداءات والهجمات من قبل «منظمة الشبيبة الثورية»، قلنا لهم: «اذهبوا إلى قوى الأمن لحماية مقراتكم»، فقالوا لنا إنهم لا يعترفون بهذه الجهات. كما طلبنا منهم ترخيص أحزابهم، فقالوا لنا: «لن نطلب الرخصة». ونحن مَن طلب من الإدارة الذاتية السماح بفتح مكاتبهم؛ فالمجلس يتحمل عرقلة الحوارات بين الأحزاب الكردية، لأنه موجود في الحضن التركي.
> أكراد سوريا إلى أين اليوم؟
– نعمل على تعزيز ودعم مؤسساتنا وقواتنا العسكرية. فمصيرنا مرتبط بالمكونات التي تعيش هنا، ومشروعنا يعمل على سد الثغرات بين شعوب المنطقة، منعاً لأي تفرقة. كما نعمل على توحيد صفوفنا، وأي جهة تعتدي علينا، سترى أننا سندافع عن أنفسنا، وهذا حق مشروع مصون. ونحن نعتبر مشروع الإدارة الذاتية يصلح لتطبيقه في بقية أنحاء سوريا؛ فأهالي السويداء يطالبون بإدارة ذاتية مدنية، وأهالي درعا طالبوا بأن الحل الأنسب يتمثل في إدارة لا مركزية، وهذا الأمر سمعناه من أهالي الساحل السوري ومحافظات الداخل. وهذا المشروع يأتي في إطار وحدة سوريا أرضاً وشعباً.
الشرق الأوسط
————————-
الأكراد يخشون فقدان “كل شيء” إذا تصالحت سوريا وتركيا!
بعد أن ظلوا على مدى عقد من الزمن يتمتعون بنوع من الحكم الذاتي؛ يخشى أكراد سوريا من أن يتسبب التقارب الواضح بين دمشق وخصمهم الحكومة التركية في فقدان نمط حياتهم الذي اكتسبوه بشق الأنفس.
وقبل اندلاع الصراع في سوريا، لم يكن مسموحا للأكراد البالغ عددهم نحو مليوني شخص بتعلم اللغة الكردية في المدارس أو الاحتفال بمناسباتهم الثقافية.
لماذا الخوف من تحسن علاقة دمشق بأنقرة؟
وبعد عام من اندلاع الانتفاضة السورية في عام 2011، انسحبت القوات الحكومية من مناطق في الشمال مما مهد الطريق أمام “الإدارة الذاتية” التي يقودها الأكراد للتحكم في مؤسساتها الخاصة، ومنها مدارس يتم فيها تعلم اللغة الكردية.
لكن الكثيرين في ما يسمى بالإدارة الذاتية يقولون إنهم قد يفقدون حقوقهم الجديدة إذا تصالحت الحكومة السورية مع تركيا،التي دعمت المعارضة في مواجهة الرئيس بشار الأسد منذ عام 2011 وتهاجم المناطق السورية التي يديرها الأكراد، والتي تعتبرها أنقرة تهديدا للأمن القومي.
وقال سليمان أبو بكر (55 عاما)، أحد سكان منطقة الإدارة الذاتية “إذا افترضنا أن تم هذا الاتفاق ستكون ضربة قاضية للإدارة الذاتية”.
وقالت أربعة مصادر لرويترز الأسبوع الماضي إن هذه المخاوف ناتجة عن تحسن واضح في العلاقات بين دمشق وأنقرة بمباركة موسكو. ومن شأن أي تطبيع بين أنقرة ودمشق أن يعيد تشكيل الحرب السورية المستمرة منذ عقد من الزمن.
وأجرى رئيس المخابرات التركية محادثات سرية في دمشق هذا الشهر، وشجع وزير الخارجية التركي أيضا المصالحة بين المسلحين المعارضين ودمشق، وقال الرئيس رجب طيب أردوغان إنه كان يود لقاء الأسد لو حضر الأخير قمة انعقدت الأسبوع الماضي في سمرقند.
هل انقلبت روسيا أيضا على الأكراد؟
من المرجح أن تدور أي مناقشات بين تركيا وسوريا حول 3.6 مليون لاجئ سوري مازالوا يقيمون في تركيا. ويرغب أردوغان في البدء بعودتهم إلى بلادهم قبل الاستعداد لإعادة انتخابه العام المقبل، ولكن المناقشات قد تتناول أيضا اتفاقيات حول الأمن والحكم في الشمال.
وبالنسبة للمُعلمة دلال محمد (45 عاما)، فإن اللغة الكردية يمكن أن تتعرض للمحو، إذ تعارض كل من أنقرة ودمشق تدريسها في المدارس. وقالت “لدينا مخاوف من التقارب التركي السوري، (سيؤدي إلى) قمع مقومات المنطقة نتيجة هذا التقارب ومنها محو الثقافة الكردية واللغة الأم بعد ما وصلنا اليه في العشر سنوات”.
وفي حين أن تركيا هي عدو معلن للإدارة الذاتية، فقد انخرط أكراد سوريا في حوار مشوب بالتوتر مع دمشق بينما حافظوا على علاقات جيدة مع موسكو والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الذي يقاتل الجهاديين في سوريا.
وقال صالح مسلم، الرئيس المشارك لحزب الاتحاد الديمقراطي، وهو الحزب الرئيسي في منطقة الإدارة الذاتية، إن روسيا ربما انقلبت أيضا على الأكراد الآن. وأضاف “هذه الدعوة تأتي من روسيا، روسيا هي التي تريد التقريب”.
وبالنسبة لدلفين، وهي صاحبة متجر، فإن أي اتفاق بين الخصمين يعني أن ابنتها لن تنعم بالعيش تحت الحكم الذاتي قصير الأجل الذي عاشته هي في مدينة كوباني شمال سوريا.
وقالت لرويترز “هلخطوة (هذه الخطوة) رح تلغى وجود الإدارة الذاتية وبهداك (وبهذا) الحال رح يتغير كلشي (كل شيء)، طريقة عملنا اللغة اللي عم ندرس بها أطفالنا… نحنا برأينا ان كل مساعي الدولة التركية هي فقط التخلص من الادارة الذاتية ليس أكثر ولا أقل”.
(رويترز)
——————————
====================