الموقف الأميركي اتجاه سوريا، مسالة رفع العقوبات، الشروط التي تفرضها الولايات المتحدة الاميركية على الحكومة السورية تحديث 19 نيسان 2025

لمتابعة هذا الملف التبع الرابط التالي
العقوبات الأميركية على سوريا الجديدة وسبل إلغائها
——————————-
مواقف “ضبابية” وحذر شديد.. كل ما نعرفه عن خطط إدارة ترامب في سوريا ما بعد الأسد
عربي بوست
2025/04/18
اتخذت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مواقف عدة متباينة في سوريا منذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي وتولي فصائل المعارضة زمام الحكم في البلاد بقيادة أحمد الشرع، القائد السابق لهيئة تحرير الشام والرئيس الانتقالي الحالي للبلاد.
وشملت المواقف والخطط الأمريكية تجاه سوريا التوسط في اتفاق بين القيادة السورية الجديدة وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة، وسحب عدد من القوات من القواعد العسكرية في البلاد، فضلاً عن وضع شروط صارمة أمام الحكومة الجديدة مقابل تخفيف لبعض العقوبات المفروضة على دمشق.
وأشارت تقارير لوسائل إعلام أمريكية إلى أنه وفي ظل المخاوف من عودة ظهور تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) وعودة النفوذ الإيراني والروسي، لا تزال إدارة ترامب تحافظ على مسافة بينها وبين القيادة السورية.
وقال تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست إن إدارة ترامب، التي لا تزال تفرض عقوبات على دمشق منذ عهد الأسد، تتخذ موقفاً محايداً من البلاد. وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية “إننا نواصل التعامل مع سوريا بحذر شديد” حتى يثبت الشرع أنه تخلص من المتشددين الإسلاميين الأجانب وبقايا تنظيم القاعدة ويثبت أنه قادر على توحيد الأقليات المختلفة في سوريا.
في هذا التقرير نستعرض أبرز المواقف والخطط التي تبنتها الإدارة الأمريكية تجاه سوريا منذ بدء ولاية ترامب الثانية في 20 يناير/كانون الثاني الماضي.
أولاً: التوسط في اتفاق قسد والحكومة السورية
في مارس/آذار الماضي، أعلنت الحكومة السورية وقوات قسد التي تسيطر على مساحات واسعة في شمال شرق سوريا عن توصل الطرفين إلى اتفاق يهدف إلى تعزيز وحدة البلاد ودمج مؤسساتها المدنية والعسكرية.
ونقلت تقارير عن ضباط أمريكيين أن الجيش الأمريكي لعب دوراً دبلوماسياً مهماً خلف الكواليس في سوريا، وساعد في التوسط في الاتفاق الذي تم بين الحكومة السورية والقوات الكردية.
وقال مسؤول عسكري أمريكي رفيع المستوى: “كان هناك الكثير من النقاش، وكنا بمثابة وسيط لمساعدتهم على إجراء هذا النقاش. تبادلنا الآراء حتى توصلنا أخيراً إلى اتفاق يرضي الجميع، وكررنا ذلك عدة مرات، وأوصلناهم أخيراً إلى هذه النقطة”.
وشمل الاتفاق بنوداً عدة أبرزها:
وحدة الأراضي السورية ورفض أي محاولات للتقسيم أو الانفصال.
دمج قوات قسد ضمن المؤسسات العسكرية السورية تحت إشراف وزارة الدفاع، لضمان تكاملها في المنظومة الدفاعية.
إدماج المؤسسات المدنية للإدارة الذاتية ضمن هيكل الدولة السورية مع الحفاظ على بعض الخصوصيات لمناطق شمال وشرق سوريا وفقاً للقانون السوري.
وقال تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية إن الضباط الأمريكيين شجعوا فصيلاً آخر يعمل مع الولايات المتحدة في جنوب شرق سوريا بالقرب من قاعدتها العسكرية في التنف، وهو الجيش السوري الحر، على تحقيق السلام مع الحكومة السورية الجديدة.
وأضاف التقرير نقلاً عن الضباط الأمريكيين أن جهود الوساطة الأمريكية كانت تهدف إلى تحقيق الاستقرار في البلاد ومنع عودة الصراع الأهلي الذي قد يُعقّد جهود كبح جماح تنظيم داعش، الذي ينشط بشكل رئيسي في المناطق الصحراوية قليلة السكان في سوريا. كما تهدف إلى منح الولايات المتحدة دوراً فاعلاً في رسم مستقبل سوريا.
ولاقى الاتفاق آنذاك ترحيباً من وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الذي قال إن الولايات المتحدة “تؤكد دعمها للانتقال السياسي الذي يثبت أن الحكم الموثوق وغير الطائفي هو أفضل طريق لتجنب المزيد من الصراع”.
ثانياً: سحب القوات العسكرية الأمريكية من سوريا
بدأ الجيش الأمريكي في سحب مئات من قواته من شمال شرق سوريا، ويستعد لإغلاق 3 من قواعده التشغيلية الصغيرة الثماني في شمال شرق البلاد، مما سيخفض عدد قواته من ألفين إلى حوالي 1400 جندي، وفق ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين أمريكيين، الخميس 17 أبريل/نيسان 2025.
وأفاد المسؤولون أن القواعد الثلاث هي:
القرية الخضراء
الفرات
بالإضافة إلى قاعدة ثالثة أصغر بكثير
وقال المسؤولون إنه بعد 60 يوماً، سيُقيّم القادة الأمريكيون إمكانية إجراء تخفيضات إضافية. وأوصى القادة بإبقاء 500 جندي أمريكي على الأقل في سوريا.
ومع ذلك، أعرب الرئيس ترامب عن شكوكه العميقة بشأن إبقاء أي قوات أمريكية في البلاد. وقال المسؤولون، الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة الشؤون العملياتية، إن التخفيضات التي بدأت يوم الخميس، حتى الآن على الأقل، تستند إلى توصيات القادة الميدانيين بإغلاق القواعد ودمجها، وقد وافقت عليها وزارة الدفاع (البنتاغون) وقيادتها المركزية.
ومع أن تنظيم داعش لا يزال يُشكل خطراً داهماً في سوريا، وخاصةً في الشمال الشرقي حيث تتمركز القوات الأمريكية، إلا أن نيويورك تايمز أشارت إلى أن سقوط نظام الأسد قلص بشكل كبير، على الأقل في الوقت الحالي، مجموعةً من التهديدات الأخرى، بما في ذلك الميليشيات المدعومة من إيران والقوات الروسية التي تدعم الحكومة السورية.
وحدثت نقطة تحول رئيسية أخرى الشهر الماضي بعدما توصلت قوات قسد إلى اتفاق مع الحكومة السورية، وهو ما كان بمثابة اختراق لدمشق في جهودها لتوحيد بلد لا يزال يعاني من اضطرابات عنيفة، حسبما وصفت الصحيفة الأمريكية.
وقال المسؤولون الأمريكيون إن القوات الأمريكية، التي تشمل جنوداً تقليديين وقوات خاصة، ستواصل، بأعدادها المخفضة، تقديم المساعدة في مكافحة الإرهاب لقوات قسد والمساعدة في إدارة العديد من معسكرات الاحتجاز.
وأعلنت الولايات المتحدة في أواخر العام الماضي أن جيشها ضاعف عدد قواته على الأرض في سوريا إلى نحو 2000 جندي، للمساعدة في التعامل مع التهديد المتزايد من تنظيم داعش والميليشيات المدعومة من إيران التي هاجمت القواعد الأمريكية.
أمريكا في سوريا
وتأمل الولايات المتحدة أن تصبح الحكومة السورية الجديدة شريكاً في مواجهة داعش. وكانت المؤشرات الأولية إيجابية، إذ قادت الحكومة، بناءً على معلومات استخباراتية أمريكية، جهوداً لإفشال ثماني عمليات لداعش في دمشق، وفقاً لمسؤولين أمريكيين.
لكن بعض المحللين يقولون إن تخفيضات أعمق في القوات الأمريكية ربما تكون في الطريق، مما يهدد استقرار هذه العملية الانتقالية.
ومن المتوقع أن تجري إدارة ترامب مراجعة واسعة النطاق لسياساتها تجاه سوريا، ويقول بعض المسؤولين إن القوات الأمريكية قد يتم تقليصها إلى أقل من النصف أو سحبها بالكامل، كما ذكرت شبكة إن بي سي نيوز، من بين وسائل إعلام أخرى، في وقت سابق.
وقال مسؤولون ومحللون مستقلون إن العديد من المناصب المهمة المتعلقة بسياسة الشرق الأوسط لا تزال شاغرة في مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، وكذلك في وزارة الخارجية والبنتاغون، الأمر الذي يبطئ أي مراجعة شاملة للسياسة تجاه سوريا.
ثالثاً: وضع شروط صارمة مقابل تخفيف العقوبات
وبالتوازي مع سحب عدد من القوات الأمريكية من سوريا، كشف مسؤولون أمريكيون أن إدارة ترامب تهدد باتخاذ موقف متشدد مع الحكومة السورية الجديدة، مطالبة إياها بتنفيذ عدة مطالب مقابل تخفيف محدود للعقوبات.
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤولين أمريكيين أن البيت الأبيض أصدر توجيهات سياسية في الأسابيع الأخيرة تدعو الحكومة السورية إلى اتخاذ خطوات تشمل:
التعاون مع المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية لحماية الأسلحة الكيميائية المتبقية في البلاد، وتأمين اليورانيوم عالي التخصيب.
تعيين مسؤول اتصال للعمل على تحديد مكان 14 أمريكياً مفقوداً في سوريا.
اتخاذ إجراءات صارمة ضد من وصفتهم بالمتطرفين.
منع الجماعات الفلسطينية المسلحة من العمل في البلاد، بما في ذلك جمع الأموال هناك، وطرد أعضاء تلك الجماعات من البلاد. وتتخذ الجماعات الفلسطينية من سوريا، التي تستضيف عدداً كبيراً من اللاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948، مقراً لها منذ عقود.
وقال مسؤولون إن الولايات المتحدة ستنظر في المقابل في تجديد إعفاء محدود للعقوبات أصدرته إدارة بايدن بهدف تسريع تدفق المساعدات إلى البلاد. وكانت وزارة الخزانة قد منحت في يناير/كانون الثاني إعفاءات لمنظمات إغاثة وشركات تُقدم إمدادات أساسية، بما في ذلك الكهرباء والنفط والغاز الطبيعي.
وتعكس هذه التوجيهات الشكوك بين مسؤولي الإدارة في الحكومة السورية الجديدة، حسبما أشارت وول ستريت جورنال. ولوحظ أيضاً عدم وجود أي مطالبة تتعلق بروسيا، مما يدل على أن إدارة ترامب خففت من الضغط الذي مارسته في عهد الرئيس السابق بايدن لحث دمشق على التخلص من القواعد العسكرية للكرملين في سوريا، على الأقل في الوقت الحالي، بينما يتفاوض المسؤولون الأمريكيون مع موسكو بشأن إنهاء الصراع في أوكرانيا.
وبينما أرسلت إدارة بايدن مسؤولين كباراً للقاء الشرع في ديسمبر/كانون الأول، تبدو إدارة ترامب غير راغبة في المضي قدماً دون خطوات إضافية من القيادة السورية الجديدة.
ولم يتضح بعد موقف ترامب بشأن بقية عناصر السياسة الأمريكية تجاه سوريا.
وقال المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، وهو شخصية نافذة في الإدارة الأمريكية، الشهر الماضي إن الشرع “شخص مختلف عما كان عليه سابقاً. والناس يتغيرون”.
ويشعر قادة الحزب الجمهوري الرئيسيون بالقلق من تراجع النفوذ الأمريكي في سوريا بطريقة قد تتيح فرصة لروسيا والصين.
وقال مسؤولون إنه إذا اتخذت سوريا كل الخطوات الموضحة في السياسة، فإن الولايات المتحدة ستلتزم علناً بسلامة أراضي سوريا وستنظر في تجديد العلاقات الدبلوماسية وإزالة التصنيفات الإرهابية عن أعضاء الحكومة الجديدة.
ولكن العرض لا يرقى إلى مستوى رفع العقوبات الذي دعا إليه بعض المسؤولين الأوروبيين والقوى الإقليمية مثل تركيا ومحللي الأمن الذين يشعرون بالقلق من أن سوريا قد تنزلق مرة أخرى إلى العنف أو تنجرف مرة أخرى تحت تأثير روسيا وغيرها من المعارضين التقليديين للولايات المتحدة.
وقال بنيامين فيف، كبير محللي الأبحاث في شركة كرم شعار الاستشارية التي تعمل على الاقتصاد السوري: “هذا من شأنه أن يجعل الوضع معقداً للغاية، وفي واقع الأمر لن يؤدي إلا إلى دفع سوريا والسلطات الجديدة إلى أيدي الروس أو حتى الصينيين”.
عربي بوست
——————————–
الانسحاب الأميركي وسوريا الموحدة.. هل فشل المشروع الإسرائيلي؟/ سامر القطريب
2025.04.18
بدأت الولايات المتحدة في سحب مئات الجنود من شمال شرقي سوريا، في خطوة تعكس تغيّر البيئة الأمنية بعد سقوط بشار الأسد، وتعيد طرح الأسئلة حول مستقبل النفوذ الأميركي والمشروع الإسرائيلي في سوريا. حيث تزامن هذا الانسحاب مع دعوات إسرائيلية صريحة لفدرلة سوريا متذرعة بحماية الأقليات الطائفية والإثنية جنوبي وشمال شرقي سوريا، وتصريحات تركية حاسمة ضد أي مشاريع تقسيم أو كيانات مسلحة موازية، ما يعكس تصاعد التباين الإقليمي والدولي حول شكل سوريا الجديدة.
توازيا مع ذلك، قدمت واشنطن بطلباتها إلى دمشق، والتي تشمل سلسلة من الخطوات الأمنية والسياسية الصارمة، كشرط أساسي قبل النظر في تخفيف محدود للعقوبات أو إعادة العلاقات الدبلوماسية، بما في ذلك “إجراءات صارمة ضد المتطرفين، وطرد المسلحين الفلسطينيين”.
مشروع فدرلة سوريا في الخطاب الإسرائيلي
في 25 شباط الماضي، طالب وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي، جدعون ساعر، بتحويل سوريا إلى “دولة فيدرالية تضم مناطق حكم ذاتي”، وذلك خلال اجتماع مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل في بروكسل. وزعم ساعر أن الفدرلة تضمن الاستقرار وتحمي “طرق الحياة المختلفة”، معتبراً أن سوريا الموحدة لم تعد ممكنة إلا بصيغة اتحادية.
قبل ذلك، عبّر بنيامين نتنياهو عن خيبة أمل بلاده من الإطاحة ببشار الأسد في 8 كانون الأول، واعتبر أن التغيير في دمشق لا يصب في مصلحة إسرائيل. وطالب بإخلاء الجنوب السوري من القوات العسكرية التابعة للحكومة الجديدة، مشيراً إلى التزام إسرائيل بحماية الدروز جنوبي البلاد، ومنع تقدم الجيش السوري نحو جنوبي دمشق.
بين التهدئة الكردية والموقف التركي
في مواجهة هذه الرؤية، أكدت تركيا عبر رئيسها رجب طيب أردوغان ووزير خارجيتها هاكان فيدان، رفضها لأي شكل من أشكال الفدرالية أو الكيانات المسلحة خارج الجيش الوطني السوري. وشدد فيدان على ضرورة نزع سلاح “قوات سوريا الديمقراطية” ودمج عناصرها في المؤسسات الرسمية.
وصرّح أردوغان بأن بلاده دخلت مرحلة جديدة في مكافحة “الإرهاب”، بالتنسيق مع حليفها القومي دولت بهتشلي، مشيراً إلى أن السلام في سوريا لن يتحقق إلا بإنهاء المشاريع الانفصالية.
سبقت هذه التطورات تصريحات لافتة من زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، الذي دعا إلى حل الحزب ونزع السلاح، معتبرًا أن الحزب استكمل دوره التاريخي. وقال أوجلان إن التطورات الإقليمية والداخلية تُحتم حلولاً جديدة بعيداً عن العنف.
من جهته، قال جميل بايك، أحد أبرز قيادات الحزب، إن القيادة مستعدة للعودة إلى تركيا في حال رفع العزلة عن أوجلان والسماح له بالعمل بحرية. واعتبر بايك أن دعوة أوجلان “ليست مجرد رسالة، بل بداية مسار جديد”، في وقت أبدت فيه أنقرة استعدادًا للتعامل مع هذا المسار ضمن شروطها.
ورغم أن إلهام أحمد أشارت أمس إلى أن أن رفض اللامركزية سيؤدي إلى صراعات جديدة، إلا أنها نفت في الوقت نفسه الاتهامات الموجهة لـ “الإدارة الذاتية” بالسعي إلى الانفصال.
وعن الاتفاقيات بين الحكومة السورية في دمشق و”الإدارة الذاتية”، قالت إلهام إن الإدارة الذاتية تسعى إلى “اتفاقيات أعمق” فيما يتعلق بالعملية الدستورية والسياسية وإعادة إعمار سوريا، مؤكدة على أهمية الاتفاق بين القائد العام لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، مظلوم عبدي، والرئيس السوري، أحمد الشرع، لمختلف مكونات سوريا.
وفي السياق كشف مصدر مطّلع لموقع تلفزيون سوريا، الخميس، عن تأجيل المجلس الوطني الكردي (ENKS) وحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الإعلان رسمياً عن “الرؤية السياسة الكردية المشتركة” التي كان من المقرر إعلانها اليوم الجمعة بمدينة القامشلي بعد بروز خلافات بين الطرفين “بسبب تدخلات حزب العمال الكردستاني – PKK”.
وكان مصدر مطلع على سير المفاوضات الكردية في شهر آذار الفائت كشف لموقع “تلفزيون سوريا” عن اتفاق الطرفين على المطالبة بإقامة نظام لا مركزي فدرالي في سوريا. تزامنا مع تنفيذ الاتفاق بين دمشق وقسد ويأتي الانسحاب الأميركي لصالح تعزيز الحوار والتفاهم بين الطرفين وهو أيضا من نتائج لقاء ترمب ـ نتنياهو الأخير.
وكان من المزمع عقد كونفراس خاص بالإعلان وتصديق “الرؤية السياسية الكردية” يوم 18 نيسان الجاري بحضور أكثر من 300 شخص، من بينهم أحزاب كردية سورية وشخصيات سياسية واجتماعية وممثلين عن منظمات المجتمع المدني، والنقابات والمنظمات النسائية.
وأشار المصدر إلى أن “قرار التأجيل جاء بعد بروز خلافات بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي حول آلية عقد الكونفراس والإعلام والصور التي سترفع فيه”.
لقاء ترمب ونتنياهو.. الخيوط بيد أنقرة؟
في تطور سابق، دعا الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى “التفاهم مع تركيا” بشأن سوريا، وهو ما فُسّر إسرائيليًا على أنه محاولة لتقليص دور تل أبيب في شمال شرقي سوريا. وقال ترمب لنتنياهو: “أي مشكلة لديك مع تركيا، أعتقد أنني أستطيع حلها… طالما أنك معقول”.
وكانت تل أبيب قد أعلنت رفضها لوجود قواعد عسكرية تركية في سوريا، وهو ما عبرت عنه من خلال شن غارات على قاعدتي تدمر و”تي 4″.
هذا الطرح يشير إلى إدراك أميركي مبكر بأن مفاتيح التوازن في سوريا لا تكمن فقط في تل أبيب أو واشنطن، بل في أنقرة التي أثبتت قدرتها على التأثير في المسار العسكري والسياسي، وباتت تملك نفوذاً في الملف السوري لا يمكن تجاوزه.
يتراجع النفوذ الأميركي في شمال شرقي سوريا، في حين تتقدم خطوات توحيد البلاد تدريجياً على وقع الانفتاح التركي والحوار الكردي، وتلاشي مشاريع الفدرلة والتقسيم التي روّجت لها تل أبيب. ومع تصاعد الرفض الإقليمي والانفتاح العربي، وتثبيت الحكومة السورية الجديدة أركانها في الجنوب والشمال الشرقي، يبدو أن المشروع الإسرائيلي الرامي إلى تفتيت سوريا يفقد زخمه، ما يفتح الباب أمام مشهد جديد قد يعيد تشكيل الخريطة السورية بالكامل.
الجنوب السوري بين التصعيد والمبادرات المحلية
في الجنوب، أثارت مؤخرا تصريحات الشيخ حكمت الهجري، الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز، جدلاً واسعاً بعد تأكيده في مقابلة مع إذاعة NPR الأميركية، أن القوى المحلية في السويداء لا تنسق مع دمشق. لكن مصادر محلية أشارت إلى أن التصريحات تعود لشهر آذار، ولا تعكس بالضرورة الموقف الحالي.
في المقابل، أكد محافظ السويداء مصطفى البكور وجود تفاهم وتنسيق دائمين مع الهجري، مشيراً إلى أنه يؤيد أن يكون الأمن في المحافظة بيد أبنائها. كما زار البكور دارة الشيخ الهجري في عيد الفطر، في محاولة لإظهار وحدة الصف المحلي.
وسبق ذلك، رسالة وقعها مشايخ الطائفة إلى الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، طالبوا فيها بتعديلات على الإعلان الدستوري وتفعيل مؤسسات الدولة والضابطة العدلية، وشمل ذلك مقترحات لتشكيل لجان اقتصادية وتعليمية تمثل مختلف شرائح المجتمع.
مايجري شمال شرقي سوريا من انسحاب وتفاهمات ينعكس تدريجيا على الجنوب وتحديدا السويداء، فبعد حل الفيلق الخامس وإخراج أحمد العودة من المشهد يبدو أن الشيخ حكمت الهجري أصبح وحيدا وعليه فتح باب حوار جاد مع الإدارة السورية الجديدة.
من الجنوب إلى الشمال الشرقي.. ملامح توحيد سوريا تتشكل
حل “الفيلق الخامس” في درعا شكّل خطوة رمزية ضمن مسار إعادة هيكلة وزارة الدفاع، التي تواجه تحديات كبيرة في ضم التشكيلات العسكرية المحلية ضمن منظومة وطنية موحدة. ويُنظر إلى هذا التوجه كجزء من محاولات توحيد البلاد تدريجياً، من الجنوب إلى الشمال الشرقي.
وفي هذا السياق، تلعب تركيا دوراً مباشراً في فرض واقع ميداني جديد يقطع الطريق على مشروع الفدرلة، مستفيدة من تقاطع مصالحها مع واشنطن، التي بدأت بالانسحاب، وتباينها مع تل أبيب، التي ما زالت تراهن على إبقاء مناطق النفوذ الحالية كأمر واقع دائم.
تلفزيون سوريا
———————————
حسابات الشرع بين حقل ترامب وبيدر أردوغان/ رغيد عقلة
18 ابريل 2025
نشرت الروائية الأيرلندية، ماري هنغرفورد، روايتها “ماري بون” عام 1878، من دون أن يدور بخلدها أن مقولتها فيها “الجمال بعين ناظره” ستغدو مثلاً سائراً تتناقله الشعوب، على أنه لو قُيّض لها أن تعيش الحدث السوري لأضافتِ الفهم إلى الجمال، ففهم غالب السوريين اليوم لتصريحات إدارة الرئيس دونالد ترامب عن سورية هو غالباً تبعاً لرغباتهم، في مجافاةٍ مقصودة لقاعدة “لا اجتهاد مع النصّ”، خصوصاً عندما يكون بلغة إنكليزية واضحة وصريحة لا تحتمل كثيراً من تنميقات المعاني والبيان والبديع، التي تُميّز لسان الضاد، فالأميركيون غالباً يقولون ما يعنون، ويعنون ما يقولون، إلا أن هذا لا يمنع أن تحمل التصريحات والقرارات الواضحة الصادرة من واشنطن رسائلَ سياسيةً تحتمل في تفسيرها بعض الاجتهاد، وهنا يمكن القياس بمقولة هنغرفورد، فكما “الجمال بعين ناظره”، يكون غالباً فهم أغلب السوريين تصريحات واشنطن برغباتهم، وربّما بأمنياتهم، وأحياناً كثيرةً بمخيّلاتهم.
لا يدّعي كاتب هذه السطور مقدرةً فذّةً على قراءة الرئيس ترامب، أو توقّع ما يدور في ذهنه، فتلك مهمّة مستحيلة، حتى لأغلب من عملوا معه من قرب، ولعلّ الوصف الأكثر دقّةً له بإجماعهم أنه عصيٌّ على القراءة (very unpredictable)، وهو إن كان قد حافظ في سلوكه العام على بعض الخطوط الثابتة، التي طبعت سيرته رجلَ أعمال جريئاً ومقاولاً عنيداً لا يقبل كلمة “لا” جواباً، فإنّ هذا سيظهر في سلوكه رئيساً، سواء مع سياسيّي بلاده أو زعماء العالم، لا يُستثنى منهم الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، ولا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ورغم الانطباعات المتضاربة التي خلَّفها وصفه الإيجابي والدافئ لعلاقته بأردوغان في حضرة نتنياهو، عقب لقائه معه في البيت الأبيض قبل أكثر من أسبوع، يعلم من يعرف واشنطن جيّداً أن لا عشاءَ مجّانياً فيها، وإن وُجد، فقطعاً ليس عند الرئيس ترامب، فإطراءات الرجل (على ندرتها) لم تكن يوماً بلا مقابل، وتستدعي تساؤلاً مستحقّاً عمّا وراءها، وإذا كانت قد أتت في معرض الإشادة بإنجاز الرئيس أردوغان بسورية (بحسب كلام ترامب) فسيكون منطقياً جدّاً النظر فيها تحديداً لمحاولة استنباط ما قد يريده ترامب هناك، ويعوّل على علاقته القوية بأردوغان لتحقيقه، أمّا أن يكون هذا الاستعراض الحميمي لعلاقة الرجلَين بوجود نتنياهو خصوصاً، فإن ذلك سيحصر مهمّة التخمين ليكون ضمن القضايا التي تهم الأطراف الثلاثة معاً في سورية، التي قد يكون في مقدّمتها نيّات تركيا المُعلَنة في إنشاء قواعدَ عسكريةٍ لها في سورية، والموقف الإسرائيلي المُعلَن أيضاً، والرافض للأمر طبعاً، وكما العادة بحجّة “تعريض أمن إسرائيل للخطر”، ما يُحتّم أن آخر ما يتمنّى نتنياهو سماعه وصف ترامب الجالس على بعد خطوتَين منه في المكتب البيضاوي، وأمام الصحافيين لإنجاز أردوغان في سورية: “عليك التسليم بانتصاره، إذا كان لدى إسرائيل مشكلة مع تركيا فأنا قادر على حلّها”.
التفسير المبدئي لكلام ترامب قد يوحي بانحياز واضح إلى موقف الرئيس أردوغان، وما ينوي فعله في سورية التي أقرَّ الأوّل للثاني بانتصاره فيها، على حساب علاقته بنتنياهو الرافض للأمر شكلاً ومضموناً، ولا يخفى ذلك، ولكنّ قراءةً أكثر عمقاً للأمر تأخذ في حسابها طبيعة العلاقة بين واشنطن وتلّ أبيب، من جهة، وواشنطن وأنقرة من الجهة الأخرى، قد ترى أن انحياز ترامب الظاهري إلى موقف أردوغان في سورية هو “… بابٌ باطنه فيه الرحمة وظاهره من قِبَلِه العذابُ” (سورة الحديد: 13)، وأنه ربّما يحمل في طيَّاته مشروعاً في سورية يؤلم أردوغان ويُرضي نتنياهو لأبعد الحدود، وهل من أمر يهمّ نتنياهو أكثر من إخراجه من ورطته في غزّة التي لم يستطع انتصاره العسكري الماحق فيها تحقيق أيّ هدف سياسي حتى الآن، لا بل إغلاق ملفّها مرةً وإلى الأبد بتهجير أهلها منها؟ الأمر الذي تقوم عليه مخطّطات الرئيس ترامب، التي لا يخفيها لإعادة رسم المنطقة. ولكن، إلى أين، وقد أبدت كلٌّ من مصر والأردن تحفّظاتها الشديدة على الأمر؟ وهل يغامر الرئيس ترامب باستقرار بلدَين حليفَين وبمنتهى الأهمية له ولنتنياهو؟ أم أن هناك بلداً آخر رُشّح لهذا الترانسفير المخيف؟ وهل يكون سورية؟ وهل يكون تشديد الحصار الاقتصادي عليها، رغم سقوط أسبابه بسقوط نظام بشّار الأسد، هو جزء من مخطّط تهجير ما أمكن من فلسطينيّي غزّة إليها؟ وأن قبول سلطة الأمر الواقع فيها دولياً وأممياً ودعمها اقتصادياً سيكون من أثمان هذا القبول؟
قد يبدو الأمر جذّاباً ومفيداً لرئيس الفترة الانتقالية، أحمد الشرع، خصوصاً بعدما صارت الإشارة إليه تكتفي بوصفه بـ”الرئيس السوري” في تجاهل متعمّد (شعبي ورسمي) لكلّ ما يمتّ إلى الفترة الانتقالية بصلة، وفي الوقت الذي قد يرى فيه الفلسطينيون فيما خطّطه ترامب لمستقبلهم “قسمةً ضيزى”. إلا أن الشرع ومن حوله قد يرون أن الأمر لايخرج عن “الضوابط الشرعية”، فالرسول العربي وأتباعه هُجّروا من مكّة إلى المدينة، وكانت هذه الهجرة فاتحةَ خير لهم وللدولة التي أرسوها فيما بعد، وإذا كانت سورية عانت منذ 2011 نزيفاً مريعاً بتهجير طاول المكوّن السُّني فيها تحديداً، فإن تعويضه بمهجّري غزّة السُنَّه لن يكون أمراً سيئاً بالضرورة، ومن هنا فهل كانت زيارة الشرع للإمارات تصبّ في هذا الاتجاه، على حساب علاقته بأنقرة والدوحة اللتين قد يكون لهما موقف مختلف تماماً من الموضوع برمَّته؟
كما فعلت هنغرفورد تفعل درعا المستعصية على الدخول في بيت طاعة الشرع، وتذكّرنا بمثل حوراني يصف الحال بين حسابات السرايا وحسابات القرايا، وما يسري على أبناء حوران يسري على أبناء الجولان (والشرع منهم)، وقد يجد نفسه في موقف يحتاج فيه إلى موازنةٍ دقيقةٍ بين التماهي مع ما تحمله رؤية الرئيس ترامب إلى المنطقة وما يعتقد أنه سيجنيه منها، وموقف “صديق ترامب”، الرئيس أردوغان، من هذه الرؤية، بل فرص نجاحها بالأصل في ظلّ موقف شعبي فلسطيني متمسّك بأرضه بمنتهى العناد.
العربي الجديد
——————————–
الانسحاب الأميركي وسوريا الموحدة.. هل فشل المشروع الإسرائيلي؟/ سامر القطريب
2025.04.18
بدأت الولايات المتحدة في سحب مئات الجنود من شمال شرقي سوريا، في خطوة تعكس تغيّر البيئة الأمنية بعد سقوط بشار الأسد، وتعيد طرح الأسئلة حول مستقبل النفوذ الأميركي والمشروع الإسرائيلي في سوريا. حيث تزامن هذا الانسحاب مع دعوات إسرائيلية صريحة لفدرلة سوريا متذرعة بحماية الأقليات الطائفية والإثنية جنوبي وشمال شرقي سوريا، وتصريحات تركية حاسمة ضد أي مشاريع تقسيم أو كيانات مسلحة موازية، ما يعكس تصاعد التباين الإقليمي والدولي حول شكل سوريا الجديدة.
توازيا مع ذلك، قدمت واشنطن بطلباتها إلى دمشق، والتي تشمل سلسلة من الخطوات الأمنية والسياسية الصارمة، كشرط أساسي قبل النظر في تخفيف محدود للعقوبات أو إعادة العلاقات الدبلوماسية، بما في ذلك “إجراءات صارمة ضد المتطرفين، وطرد المسلحين الفلسطينيين”.
مشروع فدرلة سوريا في الخطاب الإسرائيلي
في 25 شباط الماضي، طالب وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي، جدعون ساعر، بتحويل سوريا إلى “دولة فيدرالية تضم مناطق حكم ذاتي”، وذلك خلال اجتماع مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل في بروكسل. وزعم ساعر أن الفدرلة تضمن الاستقرار وتحمي “طرق الحياة المختلفة”، معتبراً أن سوريا الموحدة لم تعد ممكنة إلا بصيغة اتحادية.
قبل ذلك، عبّر بنيامين نتنياهو عن خيبة أمل بلاده من الإطاحة ببشار الأسد في 8 كانون الأول، واعتبر أن التغيير في دمشق لا يصب في مصلحة إسرائيل. وطالب بإخلاء الجنوب السوري من القوات العسكرية التابعة للحكومة الجديدة، مشيراً إلى التزام إسرائيل بحماية الدروز جنوبي البلاد، ومنع تقدم الجيش السوري نحو جنوبي دمشق.
بين التهدئة الكردية والموقف التركي
في مواجهة هذه الرؤية، أكدت تركيا عبر رئيسها رجب طيب أردوغان ووزير خارجيتها هاكان فيدان، رفضها لأي شكل من أشكال الفدرالية أو الكيانات المسلحة خارج الجيش الوطني السوري. وشدد فيدان على ضرورة نزع سلاح “قوات سوريا الديمقراطية” ودمج عناصرها في المؤسسات الرسمية.
وصرّح أردوغان بأن بلاده دخلت مرحلة جديدة في مكافحة “الإرهاب”، بالتنسيق مع حليفها القومي دولت بهتشلي، مشيراً إلى أن السلام في سوريا لن يتحقق إلا بإنهاء المشاريع الانفصالية.
سبقت هذه التطورات تصريحات لافتة من زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، الذي دعا إلى حل الحزب ونزع السلاح، معتبرًا أن الحزب استكمل دوره التاريخي. وقال أوجلان إن التطورات الإقليمية والداخلية تُحتم حلولاً جديدة بعيداً عن العنف.
من جهته، قال جميل بايك، أحد أبرز قيادات الحزب، إن القيادة مستعدة للعودة إلى تركيا في حال رفع العزلة عن أوجلان والسماح له بالعمل بحرية. واعتبر بايك أن دعوة أوجلان “ليست مجرد رسالة، بل بداية مسار جديد”، في وقت أبدت فيه أنقرة استعدادًا للتعامل مع هذا المسار ضمن شروطها.
ورغم أن إلهام أحمد أشارت أمس إلى أن أن رفض اللامركزية سيؤدي إلى صراعات جديدة، إلا أنها نفت في الوقت نفسه الاتهامات الموجهة لـ “الإدارة الذاتية” بالسعي إلى الانفصال.
وعن الاتفاقيات بين الحكومة السورية في دمشق و”الإدارة الذاتية”، قالت إلهام إن الإدارة الذاتية تسعى إلى “اتفاقيات أعمق” فيما يتعلق بالعملية الدستورية والسياسية وإعادة إعمار سوريا، مؤكدة على أهمية الاتفاق بين القائد العام لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، مظلوم عبدي، والرئيس السوري، أحمد الشرع، لمختلف مكونات سوريا.
وفي السياق كشف مصدر مطّلع لموقع تلفزيون سوريا، الخميس، عن تأجيل المجلس الوطني الكردي (ENKS) وحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الإعلان رسمياً عن “الرؤية السياسة الكردية المشتركة” التي كان من المقرر إعلانها اليوم الجمعة بمدينة القامشلي بعد بروز خلافات بين الطرفين “بسبب تدخلات حزب العمال الكردستاني – PKK”.
وكان مصدر مطلع على سير المفاوضات الكردية في شهر آذار الفائت كشف لموقع “تلفزيون سوريا” عن اتفاق الطرفين على المطالبة بإقامة نظام لا مركزي فدرالي في سوريا. تزامنا مع تنفيذ الاتفاق بين دمشق وقسد ويأتي الانسحاب الأميركي لصالح تعزيز الحوار والتفاهم بين الطرفين وهو أيضا من نتائج لقاء ترمب ـ نتنياهو الأخير.
وكان من المزمع عقد كونفراس خاص بالإعلان وتصديق “الرؤية السياسية الكردية” يوم 18 نيسان الجاري بحضور أكثر من 300 شخص، من بينهم أحزاب كردية سورية وشخصيات سياسية واجتماعية وممثلين عن منظمات المجتمع المدني، والنقابات والمنظمات النسائية.
وأشار المصدر إلى أن “قرار التأجيل جاء بعد بروز خلافات بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي حول آلية عقد الكونفراس والإعلام والصور التي سترفع فيه”.
لقاء ترمب ونتنياهو.. الخيوط بيد أنقرة؟
في تطور سابق، دعا الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى “التفاهم مع تركيا” بشأن سوريا، وهو ما فُسّر إسرائيليًا على أنه محاولة لتقليص دور تل أبيب في شمال شرقي سوريا. وقال ترمب لنتنياهو: “أي مشكلة لديك مع تركيا، أعتقد أنني أستطيع حلها… طالما أنك معقول”.
وكانت تل أبيب قد أعلنت رفضها لوجود قواعد عسكرية تركية في سوريا، وهو ما عبرت عنه من خلال شن غارات على قاعدتي تدمر و”تي 4″.
هذا الطرح يشير إلى إدراك أميركي مبكر بأن مفاتيح التوازن في سوريا لا تكمن فقط في تل أبيب أو واشنطن، بل في أنقرة التي أثبتت قدرتها على التأثير في المسار العسكري والسياسي، وباتت تملك نفوذاً في الملف السوري لا يمكن تجاوزه.
يتراجع النفوذ الأميركي في شمال شرقي سوريا، في حين تتقدم خطوات توحيد البلاد تدريجياً على وقع الانفتاح التركي والحوار الكردي، وتلاشي مشاريع الفدرلة والتقسيم التي روّجت لها تل أبيب. ومع تصاعد الرفض الإقليمي والانفتاح العربي، وتثبيت الحكومة السورية الجديدة أركانها في الجنوب والشمال الشرقي، يبدو أن المشروع الإسرائيلي الرامي إلى تفتيت سوريا يفقد زخمه، ما يفتح الباب أمام مشهد جديد قد يعيد تشكيل الخريطة السورية بالكامل.
الجنوب السوري بين التصعيد والمبادرات المحلية
في الجنوب، أثارت مؤخرا تصريحات الشيخ حكمت الهجري، الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز، جدلاً واسعاً بعد تأكيده في مقابلة مع إذاعة NPR الأميركية، أن القوى المحلية في السويداء لا تنسق مع دمشق. لكن مصادر محلية أشارت إلى أن التصريحات تعود لشهر آذار، ولا تعكس بالضرورة الموقف الحالي.
في المقابل، أكد محافظ السويداء مصطفى البكور وجود تفاهم وتنسيق دائمين مع الهجري، مشيراً إلى أنه يؤيد أن يكون الأمن في المحافظة بيد أبنائها. كما زار البكور دارة الشيخ الهجري في عيد الفطر، في محاولة لإظهار وحدة الصف المحلي.
وسبق ذلك، رسالة وقعها مشايخ الطائفة إلى الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، طالبوا فيها بتعديلات على الإعلان الدستوري وتفعيل مؤسسات الدولة والضابطة العدلية، وشمل ذلك مقترحات لتشكيل لجان اقتصادية وتعليمية تمثل مختلف شرائح المجتمع.
مايجري شمال شرقي سوريا من انسحاب وتفاهمات ينعكس تدريجيا على الجنوب وتحديدا السويداء، فبعد حل الفيلق الخامس وإخراج أحمد العودة من المشهد يبدو أن الشيخ حكمت الهجري أصبح وحيدا وعليه فتح باب حوار جاد مع الإدارة السورية الجديدة.
من الجنوب إلى الشمال الشرقي.. ملامح توحيد سوريا تتشكل
حل “الفيلق الخامس” في درعا شكّل خطوة رمزية ضمن مسار إعادة هيكلة وزارة الدفاع، التي تواجه تحديات كبيرة في ضم التشكيلات العسكرية المحلية ضمن منظومة وطنية موحدة. ويُنظر إلى هذا التوجه كجزء من محاولات توحيد البلاد تدريجياً، من الجنوب إلى الشمال الشرقي.
وفي هذا السياق، تلعب تركيا دوراً مباشراً في فرض واقع ميداني جديد يقطع الطريق على مشروع الفدرلة، مستفيدة من تقاطع مصالحها مع واشنطن، التي بدأت بالانسحاب، وتباينها مع تل أبيب، التي ما زالت تراهن على إبقاء مناطق النفوذ الحالية كأمر واقع دائم.
تلفزيون سوريا
———————————
سوريا… إلى أين تتجه مهمة مكافحة “داعش”؟/ كارولين روز
تساؤلات حول نظرة إدارة ترمب إلى اتفاق “قسد” ودمشق
18 أبريل 2025
في العاشر من مارس/آذار الماضي، توصلت “قسد” ودمشق، إلى اتفاق مفاجئ مثّل نهاية رمزية لسوريا المجزأة، التي شهدت انقساما على أسس عرقية وطائفية، طوال قرابة أربعة عشر عاما من الصراع الأهلي. نص الاتفاق على دمج شمال شرقي سوريا، الذي يخضع لسيطرة الأكراد، في المشهدين السياسي والأمني السوريين، حيث تُدمج “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) رسميا ضمن القوات المسلحة السورية.
ورغم أن هذا الاتفاق يُعد إنجازا تاريخيا، وخطوة أساسية نحو توحيد سوريا، عقب السقوط السريع لنظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، فإن ما يطرحه من تساؤلات، يفوق ما يقدمه من إجابات. فمن المفترض أن يُطلق هذا الاتفاق، عملية تتضمن إنشاء عدد من اللجان، التي تتولى مهمة التنسيق بين “قسد” ودمشق، لوضع تفاصيل دمج قوات الأمن والنظم السياسية، بالإضافة إلى تقاسم السيطرة على مواقع حيوية كحقول النفط، ومراكز احتجاز مقاتلي تنظيم “داعش”. ويُعد تنفيذ هذه الخطط خلال المهلة المحددة بعام واحد تحديا ضخما، لا سيما في ظل التباين الواضح في الرؤى بين الطرفين، إذ تسعى دمشق إلى استيعاب “قسد” وحلّها، فيما تسعى روج آفا، إلى الحفاظ على قدر من الحكم الذاتي ضمن الهيكل الفيدرالي الجديد.
وبينما يرى البعض في الاتفاق، خطوة محتملة نحو تحقيق الاستقرار الإقليمي، فإن تداعياته على مهمة “العزم الصلب” التي تقودها الولايات المتحدة تبقى معقدة، وقد تنذر بتهديد بيئة الأمن الهشة في شمال شرقي سوريا، بل وربما بإضعاف جهود محاربة تنظيم “داعش” على نطاق أوسع. ومن المرجح بشكل متزايد أن تنظر إدارة ترمب، التي تسعى بشدة إلى فك ارتباطها بالنزاعات في الشرق الأوسط، إلى هذا الاتفاق باعتباره ضوءا أخضر للشروع في انسحاب سريع من شمال شرقي سوريا، في ظل وجود خطط قائمة بالفعل لخفض عدد العناصر الأميركيين في البلاد إلى النصف. وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” ذكرت أمس الخميس، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، أن الجيش الأميركي بدأ، اليوم (الخميس)، سحب مئات الجنود من شمال شرقي سوريا، ويعمل على إغلاق ثلاث من قواعده العسكرية الثماني هناك.
الاتفاق مع دمشق.. تحوّل في الولاءات؟
تُعدّ “قوات سوريا الديمقراطية”، وهي ميليشيا ذات أغلبية كردية، أحد الشركاء الرئيسين للولايات المتحدة في شمال شرقي سوريا، وقد لعبت دورا محوريا في كبح نشاط تنظيم “داعش” في المنطقة. وبدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، ساهمت “قسد” في دحر “الخلافة” الإقليمية للتنظيم، وأسهمت في تحرير مدن استراتيجية مثل الرقة ودير الزور. كما أدّت قوى الشرطة التابعة لـ”مجلس سوريا الديمقراطية- الأسايش”، دورا وصائيا على مراكز احتجاز عناصر “داعش”، بدعم أميركي مباشر.
غير أن هذا التحالف، لم يكن يوما خاليا من التعقيدات، خاصة أن تركيا، العضو في “حلف شمال الأطلسي”، تعتبر القوى الكردية المنضوية تحت لواء “قسد” على ارتباط بـ”حزب العمال الكردستاني” (بي كي كي)، المصنّف كمنظمة إرهابية.
ورغم هذه التوترات، حافظت الولايات المتحدة على تعاونها مع “قسد” نظرا لأهميتها في الحرب ضد تنظيم “داعش”. وبينما امتنعت إدارة ترمب إلى حد كبير عن تحديد سياسة جديدة لسوريا ما بعد الأسد، أدت وكالات دفاعية أميركية رئيسة، مثل القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم)، دورا مهما في دفع المشهد الأمني الجديد نحو الأمام. فقد انخرط قائد (سنتكوم)، الجنرال باتريك رايدر، في جولة دبلوماسية مكوكية قبل اتفاق (قسد- دمشق) في 10 مارس، حيث التقى بشخصيات بارزة، بينها قائد “قسد”، الجنرال مظلوم عبدي، في مسعى لتشجيع الحوار مع دمشق، واستكشاف إمكانية التوصل إلى اتفاق. ويعكس هذا الدور الهادئ الذي أدته (سنتكوم) ومهمة “العزم الصلب” التي تقودها أميركا مدى تأثير الولايات المتحدة في سوريا ما بعد الأسد، خصوصا فيما يتعلق بإصلاح القطاع الأمني.
ومع انتقال الطرفين من نشوة توقيع الاتفاق إلى واقع تطبيقه، بدأت تظهر مخاوف من الغموض المحيط بنطاق الاتفاق وتفاصيله. ورغم تأكيد عبدي على وحدة الرؤية بين الجانبين في مسألة التوحيد العسكري، بقوله: “لا ينبغي أن يكون هناك جيشان منفصلان، بل قوة عسكرية موحدة”، فإن الشيطان يكمن في التفاصيل. فقد وافق كل من “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) ودمشق، على إطلاق مفاوضات بين النظراء، تمتد لعام كامل تتناول مسائل الحوكمة، والأمن، والتعاون الاقتصادي، إلى جانب الجوانب اللوجستية والجداول الزمنية للتنفيذ. وتشمل بنود الاتفاق الأساسية، دمج مناطق سيطرة “قسد” بشكل أكبر ضمن الإطار السياسي والاقتصادي السوري العام، ما من شأنه أن يوفر لهذه المناطق الموارد والدعم اللازمين من الحكومة المركزية في دمشق.
ولا يمثل هذا الاتفاق خطوة برغماتية لـ”قسد” فحسب، بل أيضا خطوة إيجابية نحو توحيد المشهد الأمني السوري. فإن دمج الفصائل المسلحة، التي تتمتع بقدرات كبيرة وخبرة ميدانية يمكن الاستفادة منها في القوات المسلحة الجديدة، يُعد عنصرا أساسيا في بناء منظومة دولة موحدة وصحية. ومع ذلك، فإن الغموض القائم، إلى جانب احتمال انهيار المفاوضات إن لم تُحسم التفاصيل سريعا، قد يخلق ديناميكية خطرة من شأنها تعقيد مهمة “العزم الصلب” التي تقودها الولايات المتحدة في الشمال الشرقي، وتقويض جهود مكافحة تنظيم “داعش” في المنطقة.
نقاط الضعف
رغم أن تقارب “قسد” مع دمشق جاء بشكل حذر ومدروس، فإنه يعكس تحولا واضحا في موقفها من الولايات المتحدة كشريك أساسي في المنطقة، ويشكل خطوة رئيسة نحو تنويع علاقاتها الأمنية. وتبرز مسألة مستقبل التعاون الأمني بين “قسد” وواشنطن في شمال شرقي سوريا كأحد العوامل المحورية في النقاشات الجارية بين “قسد” ودمشق، إلى جانب كيفية الاستمرار في مهمة مكافحة تنظيم “داعش”. وبينما تسعى دمشق بوضوح إلى انسحاب أميركي نهائي من المنطقة، لتعزيز استقلالية البلاد، وقدراتها الذاتية في المجال الأمني، فإن العام المقبل سيكون حاسما للاستقرار، إذ ستُناقش التفاصيل الدقيقة، لدمج “قسد” ضمن القوات المسلحة السورية. ولذلك، فإن مهمة مكافحة “داعش” التي تقودها الولايات المتحدة، والشراكة المستمرة مع “قسد”، لا تزال قائمة في الوقت الراهن.
في المقابل، تتبنى إدارة الرئيس دونالد ترمب توجها مختلفا، إذ لطالما شكك ترمب في جدوى الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، وخصوصا في سوريا والعراق. ففي ولايته الأولى عام 2019، أصدر قرارا مثيرا للجدل بسحب معظم القوات الأميركية من شمال شرقي سوريا، ما فتح الباب أمام هجوم تركي ضد “قسد”، وأثار موجة من الاستقالات في صفوف مسؤولي الأمن القومي الأميركي. وقد دفع الغضب من هذا القرار، بسبب تعريض الشريك الكردي للخطر، ترمب إلى التراجع جزئيا عن الانسحاب، زاعما أن بقاء القوات الأميركية يهدف إلى حماية حقول النفط المحلية وأصول أخرى.
وخلال ربيع وصيف عام 2020، وبعد سلسلة ضربات متبادلة مع ميليشيات مدعومة من إيران، وافق ترمب على سحب جزئي كبير للقوات والأصول الأميركية، ودمج للقواعد في البلاد. شمل ذلك تقليص عدد القوات الأميركية من 5000 إلى 2500، وتسليم أكثر من ثماني قواعد عسكرية، وسحب المعدات الأميركية من مواقع دفاعية رئيسة. أما في ولايته الثانية، فقد أحاط نفسه بمستشارين مثل تولسي غابارد وجيه دي فانس، اللذين يتبنيان موقفا انعزاليا، مؤكدين أن الحرب ضد تنظيم “داعش” قد انتهت منذ وقت طويل. وقد أعاد ترمب تأكيد هذا الموقف بعد الانهيار المفاجئ لنظام الأسد في أوائل ديسمبر/كانون الأول قبل تنصيبه، بقوله: “لا علاقة لنا بسوريا. سوريا غارقة في مشاكلها، ولا حاجة لنا هناك”.
وفي خضم هذه المرحلة الانتقالية الحرجة والمفاوضات بين “قسد” ودمشق، هناك احتمال كبير أن ترى إدارة ترمب في هذا الاتفاق ضوءا أخضر لتنفيذ انسحاب أميركي سريع من سوريا. إذ لم يعد هناك وجود لـ”العائق” الذي حال دون تنفيذ قرار الانسحاب في عام 2019، والمتمثل بعزلة “قسد”، بعد التوصل إلى اتفاق مع حكومة الشرع المؤقتة، ما يوفر ذريعة لمغادرة أميركية محتملة. وتفيد تقارير من مسؤولين إسرائيليين بأن وزارة الدفاع الأميركية أخطرت تل أبيب بنيّتها تقليص عدد القوات الأميركية في شمال شرقي سوريا إلى النصف، أي من 2000 إلى 1000 عنصر. ومع تصاعد الضغوط على الجيش الأميركي خلال السنوات الأخيرة لتقليص تدخله في سوريا، فإن أي تنسيق بين “قسد” والنظام قد يعزز من مبررات واشنطن لخفض عملياتها في إطار مهمة مكافحة “داعش”.
مستقبل هش لعمليات مكافحة “داعش”
يُعدّ اتفاق “قسد” مع الحكومة السورية نقطة تحوّل في الجغرافيا السياسية المعقدة لشمال شرقي سوريا، ويثير مخاوف كبيرة بشأن مستقبل الجهود الأميركية في مكافحة تنظيم “داعش”. فرغم أن الاتفاق قد يوفر مكاسب قصيرة المدى لـ”قسد” على الصعيدين السياسي والاقتصادي، فإنه ينطوي على مخاطر جسيمة تهدد أمن المنطقة على المدى الطويل. فالتخلي عن الشراكة مع الولايات المتحدة، وزيادة التنسيق مع حكومة الشرع، واحتمال عودة تنظيم “داعش”، قد تقوّض المكاسب التي تحققت خلال السنوات الماضية في الحرب على الإرهاب.
وعلى صانعي السياسات الأميركيين أن يُقيّموا خطواتهم المقبلة بعناية، مع أخذ تداعيات هذا الاتفاق بعين الاعتبار، لما له من أثر محتمل في زعزعة استقرار منطقة هشة أساسا. فمستقبل مهمة مكافحة “داعش” بقيادة الولايات المتحدة في شمال شرقي سوريا يعتمد على القدرة على موازنة الديناميكيات السياسية المحلية، وتدخل القوى الإقليمية، والتهديد المستمر للإرهاب.
المجلة
——————————–
تجاهل روسيا وإبعاد الفصائل الفلسطينية.. ما شروط واشنطن لرفع العقوبات عن سوريا؟
2025.04.18
كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال”، أن الإدارة الأميركية تهدد باتخاذ موقف صارم مع الحكومة السورية الجديدة، حيث أصدرت خطة جديدة تضمنت شروطاً جديدة لإعادة بناء العلاقات الدبلوماسية ورفع العقوبات.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين قولهم إن الولايات المتحدة تطالب دمشق باتخاذ سلسلة من الخطوات الأمنية والسياسية الصارمة، كشرط أساسي قبل النظر في تخفيف محدود للعقوبات أو إعادة العلاقات الدبلوماسية، بما في ذلك “إجراءات صارمة ضد المتطرفين، وطرد المسلحين الفلسطينيين”.
وذكرت الصحيفة أن البيت الأبيض أصدر، في الأسابيع الأخيرة، توجيهات تدعو الحكومة السورية إلى اتخاذ خطوات تشمل تأمين مخزون البلاد من الأسلحة الكيميائية، في حين تنظر واشنطن في المقابل بتجديد إعفاء محدود من العقوبات، أصدرته إدارة بايدن، بهدف تسريع تدفق المساعدات إلى البلاد.
ما الشروط الأميركية وما الجديد فيها؟
ووفق مصادر “وول ستريت جورنال”، تتضمنت التوجيهات السياسية الجديدة للإدارة الأميركية بعض الطلبات المشابهة لتلك التي قُدمت في عهد إدارة بايدن، بما في ذلك التعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وتأمين اليورانيوم عالي التخصيب.
كما تتضمن المطالب الأميركية تعيين مسؤول اتصال للعمل على تحديد مكان 14 مواطناً أميركياً مفقوداً في سوريا، واتخاذ خطوات جادة ضد “الجماعات المتطرفة” وإعلان عام برفضها.
وفي شرط جديد، تُطالب الإدارة الأميركية الحكومة السورية بمنع الفصائل الفلسطينية المسلحة من العمل في البلاد، بما في ذلك جمع الأموال هناك، وطرد أعضاء تلك الجماعات من البلاد، وهذه خطوة وصفتها الصحيفة بأنها “قد تفجر مواجهة محتملة” مع الجماعات الفلسطينية، التي استقرت في سوريا منذ عقود.
تخفيف محدود للعقوبات مقابل إصلاحات سياسية وأمنية
وقالت “وول ستريت جورنال” إنه في حال التزام الحكومة السورية المؤقتة بجميع الشروط، تَعِد الإدارة الأميركية بمراجعة العقوبات، وتمديد بعض الإعفاءات لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، خاصة تلك المتعلقة بإمدادات الكهرباء، والنفط، والغاز.
إلا أن مسؤولين أميركيين شددوا على أن أي رفع واسع للعقوبات غير مطروح في الوقت الراهن، رغم ضغوط من بعض القوى الإقليمية مثل تركيا وأطراف أوروبية تحذر من أن غياب الدعم الاقتصادي قد يعيد سوريا مجدداً لحالة عدم الاستقرار، أو يعزز ارتماءها في أحضان روسيا والصين.
وأكد المسؤولون الأميركيون أنه إذا اتخذت سوريا كل الخطوات الموضحة في السياسة، فإن الولايات المتحدة “ستلتزم علناً بسلامة أراضي سوريا، وستنظر في تجديد العلاقات الدبلوماسية، وإزالة التصنيفات الإرهابية عن أعضاء الحكومة الجديدة”.
كما ستنظر الولايات المتحدة أيضاً في تمديد الإعفاءات الحالية من العقوبات، التي أصدرتها إدارة بايدن في كانون الثاني الماضي، بهدف تسريع إيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا.
تجاهل روسيا ووجودها في سوريا
وأشارت “وول ستريت جورنال” إلى أن اللافت في الخطة الأميركية الجديدة غياب أي إشارة لمطالب تتعلق بإخراج القوات الروسية من سوريا، في تحوّل واضح عن نهج إدارة بايدن السابق، الذي كان يربط أي تقدم دبلوماسي مع دمشق بملف الوجود العسكري الروسي.
وقال مسؤولان سابقان في إدارة بايدن إن أحد أهداف الجهود الدبلوماسية التي بذلتها الإدارة السابقة مع دمشق هو إنهاء الوجود العسكري الروسي في سوريا، بما في ذلك قاعدتان بحريتان وجويتان بالقرب من البحر الأبيض المتوسط، وهما ضروريتان لجهود روسيا العالمية لإظهار القوة.
واعتبر محللون ومراقبون أن هذا التغيير في الإدارة الأميركية الجديدة يأتي “انعكاساً للمفاوضات الجارية بين واشنطن وموسكو حول أوكرانيا، ما يدفع الولايات المتحدة لتجميد ضغوطها بهذا الملف مؤقتاً”.
تحذيرات من تعقيد المشهد السوري
ولا يرقى العرض الأميركي الجديد لمستوى رفع العقوبات الذي دعا إليه بعض المسؤولين الأوروبيين والقوى الإقليمية مثل تركيا، في حين يعرب محللو الأمن عن القلق من أن سوريا قد تنزلق مرة أخرى إلى العنف، أو تنجرف مرة أخرى تحت تأثير روسيا وغيرها من المعارضين التقليديين للولايات المتحدة.
وقال محللون ومراقبون للصحيفة إن الخطة الأميركية الجديدة قد تدفع الحكومة السورية إلى خيارات أكثر تقارباً مع روسيا والصين.
ونقلت الصحيفة عن بنيامين فيف، كبير محللي الأبحاث في شركة “كرم شعار” الاستشارية، قوله إن “السياسة الأميركية بهذه الصيغة المعقدة لن تترك لسوريا سوى خيار الارتماء أكثر في حضن الروس أو حتى الصينيين”.
وتعليقاً على السياسة الأميركية الجديدة في سوريا، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية إنه “ينبغي على السلطات السورية المؤقتة نبذ الإرهاب وقمعه تماماً”، مشيرة إلى أن “أي خطوات مستقبلية ستعتمد على مدى التزام دمشق بالشروط الموضوعة”.
————————————
الخطأ المتعمد الذي تخطط له واشنطن في سوريا؟/ سمير صالحة
2025.04.19
ذهب الواقع السوري الجديد بعد التاسع من كانون الأول المنصرم وبعد انهيار نظام بشار الأسد باتجاه تراجع النفوذ الإيراني، وجمود وتريث في سياسة روسيا السورية، مقابل عودة اللاعب العربي وصعود تركي – إسرائيلي واسترداد واشنطن لكثير من الفرص الاستراتيجية بطابع إقليمي هناك. العقبة التي تواجه القيادة الأميركية في سوريا اليوم هي إقناع أنقرة وتل أبيب بما تريده لهما هناك؟
تقلق سياسة تركيا العربية والإقليمية الجديدة في سوريا إسرائيل، لأنها تحرمها كثيراً من الفرص والأوراق وأهمها عرقلة مشروعها باتجاه التقسيم والكونفدراليات في مواجهة جهود بناء سوريا الجديدة، أو تسبب سياساتها في ولادة محور سني تركي عربي إسلامي يخلط كل حساباتها الإقليمية. لن يكفيها محاولات رفع مستوى التنسيق مع اليونان وقبرص اليونانية عبر تحالف الغاز في شرق المتوسط، أو التوجه نحو موسكو أو غيرها من العواصم الإقليمية بحثا عن فرص ومقايضات خصوصا وهي تشعر أن واشنطن على علم بكل ما يدور ويجري.
تزايد في الآونة الأخيرة عدد المعلومات المتضاربة المتناقضة حول احتمال اقتراب موعد الانسحاب الأميركي من سوريا. هناك من يردد أن الجيش الأميركي بدأ إخلاء قواعده في شرقي سوريا وأن وزارة الدفاع الأميركية تعتزم تقليص القوات إلى النصف، بالإبقاء على ألف عسكري فقط. مصادر مقربة من “قوات سوريا الديمقراطية” تقول إن الجيش الأميركي بدأ عملية إخلاء لقاعدة حقل كونيكو في ريف دير الزور شمال شرقي سوريا، وإلى أن القوات الأميركية المغادرة اتجهت إلى أربيل في إقليم كردستان العراق . لكن أنباء أميركية أخرى تردد أنه لم يتم سحب أي جندي أميركي من شمال شرقي سوريا وأن وضع القواعد الأميركية والمقار ما زالت كما هي. إلى أن جاء نفي وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” التقارير التي تحدث عن انسحاب القوات الأميركية من سوريا، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة “تعيد توزيع قواتها بحسب الاحتياجات”.
هي حتى الآن عملية إعادة تموضع وانتشار عسكري أكثر من أن تكون قرارا استراتيجيا بالتخلي عن الشريك المحلي “قسد” والحليف الإقليمي إسرائيل، ومغادرة الأراضي السورية لصالح تركيا.
تُشيد واشنطن بإنجازات أنقرة في سوريا. يغضب هذا التوجه الأميركي تل أبيب. لكن ترمب يحتاج إلى العاصمتين معا. هل يمكن أن تقدم واشنطن “هدية” لأنقرة بسحب قواتها من سوريا على حساب تحالفها الاستراتيجي مع إسرائيل؟
يذكر مسؤول أميركي رفيع في إدارة ترمب بالمطالب التي قدمتها واشنطن للسلطة السياسية الجديدة في سوريا وفيها الشق الداخلي والخارجي. فلماذا تغادر مناطق شرق الفرات قبل الحصول على ضمانات كافية حيال مطالبها؟ تريد واشنطن تحريك ورقة العقوبات على سوريا، في محاولة لانتزاع شرط التطبيع السوري الإسرائيلي. فلماذا تترك تل أبيب في منتصف الطريق وتسحب قواتها؟
من المستبعد أن تدعم أميركا تمدد النفوذ التركي في سوريا من دون ترتيبات مع إسرائيل. قد تسحب واشنطن جزءا من قواتها في سوريا، لكنها لن تقدم على ذلك قبل إنجاز عملية فتح قنوات تواصل خلفية بين أنقرة وتل أبيب على أكثر من مستوى.
تلويح واشنطن بالانسحاب من دون انسحاب فعلي. سلاح استراتيجي لدفع الحلفاء والشركاء نحو طاولة التفاهمات والتنسيق الإلزامي بعيدا عن نزاعات تهدد مصالحهم في سوريا.
حتى ولو كانت اشنطن أحد شركاء مخطط إسقاط نظام بشار الأسد رغما عن تل أبيب، فهي لن تقدم على خطوة تعرض مصالح حليفها الإسرائيلي للخطر على حساب تزايد النفوذ التركي في سوريا. إذا ما كان ترمب يريد التهدئة على خط أنقرة – تل أبيب فلماذا يقرر سحب القوات الأميركية من شمال شرقي سوريا في هذه الآونة؟ خطوة تزيد من توتر العلاقات والتصعيد بين الطرفين وتفعل أكثر سيناريو المواجهة العسكرية المباشرة؟
المشكلة هي ليست في دعم ترمب لأنقرة وتل أبيب في تشكيل فريق عمل تقني يبعد شبح المواجهة العسكرية بين قوات البلدين لأن احتمال حدوثها كبير جدا عند رتكاب أي خطأ فني ” مقصود ” فوق الأراضي السورية، بل في فتح الطريق أمام تسريع الحوار السياسي الحقيقي بين الطرفين لإزالة أسباب الخلاف والتباعد بشأن أكثر من ملف يتصدره المشهد السوري اليوم.
لم تعرقل إسرائيل دخول القوات السورية إلى لبنان في السبعينيات واقترابها من الحدود الشمالية لأن نظام الأسد لم يكن يشكل خطرا عليها. لكنها ترفض التفاهمات العسكرية التركية السورية باتجاه إعادة بناء سوريا الجديدة. واشنطن لن تسمح لإسرائيل بذلك لأن ظروف وأجواء ما قبل حوالي نصف قرن تختلف عما هي عليه الأمور اليوم.
لن تضغط واشنطن على أنقرة وتل أبيب لإلزامهما بتفاهمات سياسية وأمنية في سوريا. لكنها ستذكرهما بالخسائر والأضرار التي قد تلحق بهما عند اشتعال الجبهات بينهما فوق سوريا. لن تسرّع واشنطن الاعتراف بما يجري في سوريا قبل جلاء غموض الصورة السياسية، ومن دون أن يتم ذلك على حساب حليفين إقليميين لها.
يُروى في الحكايات البدوية أن جملًا طلب من صاحبه أن يُدخِل رأسه فقط إلى الخيمة هربًا من برد الصحراء، فوافق الرجل، ظنًا أن الأمر مؤقت. لكن الجمل، شيئًا فشيئًا، أدخل رقبته، ثم كتفيه، ثم صدره… حتى وجد الرجل نفسه خارج خيمته. توسع إسرائيل من توغلها في جنوبي سوريا. تقصف المدن والعاصمة دمشق نفسها، وفي النهاية تضع خطوط حمراء لا يجوز تجاوزها. ذرائع ذلك هي مواجهة الإرهاب وتأمين أمنها القومي. تراقب أنقرة ما يجري مع أن ترمب يردد أن الخيمة التي نصبها في سوريا هي من نصيب تركيا. هدف واشنطن هو إجبار الأطراف على تقديم تنازلات، سواء في الملف السوري أو في إطار ملفات أخرى مثل الطاقة وخطوط التجارة الإقليمية وتنسيق الأدوار في دوائر جغرافية أبعد باتجاه شرق المتوسط والقوقاز والبلقان.
مؤشرات كثيرة تقول أن الانسحاب الأميركي لن يكون تنازلًا، بل مناورة لإعادة تشكيل الواقع السوري بما يتوافق مع مصالح واشنطن وحليفيها التركي والإسرائيلي. تخلي أميركا عن خيمتها في سوريا ممكن طبعا، ولكن ضمن صفقة كبرى مع تركيا وإسرائيل، وبين تركيا وإسرائيل. المواجهة بينهما ستتحول إلى كارثة إقليمية بالنسبة لأميركا وهي لن تسمح بذلك.
تلفزيون سوريا
——————————-
الصراع على سوريا.. وخفايا الانضمام إلى التحالف الدولي/ نزار بعريني
2025.04.17
أفاد تقرير في صحيفة “النهار” “اللبنانية” عن فشل انضمام الإدارة السورية الجديدة إلى ما يُسمّى “التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب”، بعد رفض الولايات المتحدة، من دون أن يُقدّم معد التقرير أيّ دليل على تقديم طلب الانضمام، أو بيان الرفض.
وليس هذا بغريب على الجريدة العريقة التي أصبحت بعد اغتيال صاحبها التاريخي، “الشهيد جبران تويني”، أحد أبرز وسائل التضليل التابعة لـ”محور المقاومة”!
يُسوّقون لدعايات أنّ الهدف من سعي واشنطن وباريس لضم السلطة الجديدة إلى “التحالف الدولي” هو الحرص على بناء مؤسسة عسكرية وطنية، خالية من الغرباء غير المؤهلين لمحاربة “داعش”، لأنّ “التحالف الدولي ضد داعش، بقيادة الولايات المتحدة، ليس مجرد تكتل عسكري، بل هو معيار دولي لقياس التماهي مع منظومة القيم التي تتبناها القوى الغربية الكبرى، وعلى رأسها شرط الاحتراف المؤسساتي العسكري، والقطيعة مع منطق “الميليشيا العابر للحدود” (وفق ما قال لـ”النهار” مالك الحافظ، وهو باحث سوري في القضايا الدولية).
والحكومة السورية تقول إنّها ترفض الانضمام إلى التحالف الدولي لأنّها ستكون بجانب “قسد”، وهي تعتبر نفسها الممثل الوحيد للدولة السورية، ولأنّ نجاح العملية السياسية الوطنية الجارية يُوجِب ويتطلّب توحيد الجغرافيا، وحصر السلاح بيد الدولة!!
على أيّة حال، لماذا تحرص واشنطن وباريس على انضمام الحكومة السورية إلى “التحالف الدولي”، وتمارسان كلّ الضغوط على السلطة الجديدة لجرّها، خاصة “شرط رفع العقوبات” القاتلة؟ لماذا يحرصون على وجود الإدارة السورية في تحالفهم؟
هل هو حرص على أن تُلبّي السلطة الجديدة “المعيار الدولي” لقياس التماهي مع منظومة القيم التي تتبناها القوى الغربية الكبرى، كما يدّعي “الباحث الحيادي” مالك الحافظ؟
هل هو خشية من وجود “الأجانب” داخل الجيش السوري الجديد، الذين يريدون له أن يكون “مؤسسة وطنية” وفقًا لمعايير مصالحهم؟
ألا يدرك السادة الأفاضل في قيادة التحالف، والسيد الباحث الدولي “مالك الحافظ”، أنّ مَن يقود جيش “قسد”، حليفهم السوري، ويشكّل عموده الفقري، العسكري والأمني، هم جزء لا يتجزأ من قيادة حزب العمال الكردستاني التركي العسكرية (الإرهابية، وفقًا للمعايير الأميركية ذاتها!)، الذين يتخذون من قنديل ملاذًا تحت مظلّة حماية “الحرس الثوري الإيراني” (الإرهابي، وفقًا للمعايير ذاتها!!)، وقد رفضت تلك القيادة الإيرانية في “قسد”، وشركاؤها في تحالف “المعيار الدولي”، حتى وجود “البيشمركة الكردية” التي ينتمي أفرادها إلى الأكراد السوريين؟
الحقيقة التي يكذبون من أجل طمسها هي أنّ مشكلتهم ليست مع “الأجانب”، طالما يكون هؤلاء تحت سيطرتهم، وينفّذون تعليماتهم، بل ما يسعون إليه هو هدف آخر، يُغطّون عليه، بتواطؤ مع “النهار” والباحث “الحافظ”، ويرتبط مباشرة بالحرص على تثبيت مرتكزات التقسيم التي عمل عليها “التحالف الدولي لمحاربة داعش” نفسه وشريكه “قسد”، بعد تدخّل جيوشه المباشر خلال صيف 2014، وكان كانتون “قسد” (الديمقراطي)، الذي تقوده “عناصر أجنبية – إيرانية وتركية”، أبرز إنجازاته!
أن تكون السلطة في التحالف الدولي الذي يضمّ “قسد” يعني أن تصبح السلطة الطرف السوري الثاني في التحالف… بما يشرعن وجود سلطتين، ويثبّت عوامل تقسيم سوريا، وهو الهدف المركزي الذي تسعى إليه واشنطن، وطابورها في التحالف الدولي، منذ ربيع 2011!
ليس خارج السياق، يقول تقرير السفيرة “دوروثي شيا” في إيجاز لمجلس الأمن بشأن الوضع في الشرق الأوسط: “إنّ استقرار سوريا وسيادتها أمران حاسمان لأمننا الجماعي”.
إذا كان من حق الولايات المتّحدة أن تسعى لتحقيق ما يضمن أمنها وأمن شركائها في مآلات العملية السياسية السورية الجارية، أليس أولى بالسوريين، أصحاب المصلحة، أن يعرفوا أين تكمن عوامل بناء “استقرار سوريا وسيادتها” من منظور مصالحهم الوطنية المشتركة؟
من نافل القول إنّ في مصلحة سوريا، الدولة السورية الوطنية الموحّدة، وفي مصلحة السوريين، الذين يتوقون إلى توفير شروط استقرار دائمة، بناء مؤسسات دولة القانون والعدالة، على جميع المستويات، خاصة على مستوى المؤسسات السيادية، العسكرية والأمنية، وما يُوجبه في ممارسات السلطة الجديدة من ضرورة استبعاد الأجانب، والاعتماد على العنصر الوطني السوري غير المؤدلج، الذي يؤمن بموجّبات قيام سوريا الجديدة، دولة المواطنة المتساوية، وهذه حقيقة لا تستطيع، ولا يجب، على السلطة الجديدة تجاهلها إذا كانت تسعى فعلًا لأن تكون سلطة وطنية، وتُعبّر عن مصالح السوريين الوطنية المشتركة.
لكن، ماذا عن “المقلب الآخر”؟!
إذا كانت ترى واشنطن، وشركاؤها في “التحالف الدولي”، أنّ ما يضمن “استقرار سوريا وسيادتها” هو تثبيت الوقائع القائمة التي تعزز شروط بقاء “سلطتين” و”جيشين” وتقسيم سوريا، فكيف يمكن التوفيق بين مصلحة سوريا، والسوريين، وبين رؤية واشنطن التي ترى، كما ترى “قسد”، أنّ ضمان شروط استقرار سوريا ووحدتها هو في الحفاظ على وجود سلطتين؟
لماذا تتجاهل ما تسمّى “القوى الديمقراطية” هذه الحقائق، وترفض سياسات السلطة الإقصائية، وهو واجب وحق، لكنها تفعل ذلك على أرضية المواقف الداعمة لـ”قسد”، ورؤية تحالفها الدولي اللاوطنية.
سوريا غير قابلة للتقسيم، وكلّ مَن يسعى إلى ذلك، أو يعمل على توفير شروطه، سواء داخل الحكومة أو في “المعارضات الديمقراطية”، يقف – من منظور مصالح السوريين المشتركة، وموجّبات الأمن القومي السوري – في الخندق اللاوطني، وعلى جميع الوطنيين السوريين إدراك مخاطر مشروع التقسيم، وهويّة القوى التي تعمل عليه، والعمل على مواجهتها بجميع السبل الوطنية المشروعة.
لم تكن لتصل سلطة حافظ الأسد إلى مرتبة الشراكة الاستراتيجية مع واشنطن (وتل أبيب) إلا “بفضل” المجازر التي ارتكبتها ضد الشعب السوري منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، خاصة مجازر حماة وحلب وجسر الشغور، والأزبكية، وقد حصل (الأهبل الفار) وسلطته اللاوطنية على درجة شراكة واشنطن في مشروع تقسيم سوريا ومحاربة الإرهاب، عندما وافق في ربيع 2011 على الذهاب في مسارات الخيار الأمني العسكري الميليشياوي في مواجهة السوريين، ومطالبهم المشروعة، وقد حصل المخلوع على حصّته، وكانت تعمل خطوات وإجراءات إعادة تأهيله الأميركية على تثبيت سلطته، وكانت ستؤدي إلى “توريث جديد” لولا تعارض شبكة السيطرة الأميركية مع مصالح وسياسات “إسرائيل” و”تركيا”، التي شكّلت العامل الرئيسي في إسقاطه، وفتح صيرورة أميركية جديدة، بنفس الأدوات الأميركية المتجددة.
وبالتالي، فإنّ “دماء السوريين” لا تدخل أبدًا في حسابات السيطرة الأميركية إلا بقدر ما تشكّله من أوراق ضغط لتحقيق أهداف واشنطن، وليست “عقوبات قيصر” إلا دليلًا واضحًا على موضوعية هذا الاستنتاج.
تلفزيون سوريا
—————————
لمن انحاز ترامب في سوريا؟/ سمير صالحة
2025.04.13
يعوّل البعض محليًّا وإقليميًّا على تسجيل اختراقات سياسية في التعامل مع ملفات المنطقة، وانتزاع دور أو فرصة من خلال اللعب على التوازنات الحساسة القائمة، واحتمال اشتعال جبهات تضارب المصالح بين تركيا وإيران وإسرائيل.
من الممكن أن تساعد الظروف والمعطيات المحلية على أخذ بعض ما يريده في مكانٍ ما، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أنه سينجح في تطبيق هذه الاستراتيجية في أماكن أخرى. إضعاف إيران في لبنان وإبعادها عن سوريا عبر الاستفادة من الورقة الإسرائيلية، لا يمكن البناء عليه وتكراره في سوريا من خلال الرهان على تفجير العلاقات الإسرائيلية – التركية، ودفعهما للمواجهة العسكرية المباشرة، معتمِدًا على واشنطن وموسكو لفتح الطريق أمامه هناك.
تذهب كثير من المؤشرات باتجاه أن التلويح بالقوة لن يصل إلى خط اللاعودة نتيجة للتصعيد الحاصل بين أنقرة وطهران وتل أبيب، وأنه من الصعب جني ثمار الانفجار الثلاثي من قبل البعض وبالمجّان. سبق أن اختلفت أنقرة وتل أبيب أكثر من مرة على تقاسم النفوذ والمصالح، وسبق لهما أن أنهيا هذا التوتر وأعادا العلاقات إلى ما كانت عليه وأفضل. إيران أيضًا قد تفاجئنا بخيارات بديلة إذا ما أعطت واشنطن ما تريده بعد أيام في الملف النووي. التعويل على تراجع نفوذ وتضارب مصالح الثلاثي التركي – الإيراني – الإسرائيلي في المنطقة، قابلٌ للتحوّل في كل لحظة إلى تفاهمات تخيب آمال المراهنين على الجلوس أمام طاولة انتزاع الأدوار من دون مقابل، وترامب هو ضابط الإيقاع هذه المرة.
يمنح الخبير العسكري والاستراتيجي التركي ورئيس مركز أبحاث “أسام”، إراي غوشلو آر، الجانبَ الإسرائيلي مدة نصف ساعة فقط قبل أن تفقد تل أبيب قوتها الجوية عندما تقرر القوات المسلحة التركية أن المواجهة حتمية. هو يذكّر تل أبيب أيضًا بأن تركيا هي من قطعت الطريق على مشروع تفتيت سوريا ومخطط اقتراب إسرائيل من حدودها الجنوبية بدلاً من إيران وميليشياتها.
هناك، بالمقابل، في الداخل الإسرائيلي، من يحاول أن يعيد إلى الأذهان ما فعلته إسرائيل في الأسابيع الأخيرة وعلى أربع جبهات إقليمية دفعة واحدة.
وإن “تل أبيب أوضحت بشكل لا لبس فيه أن أي تغيير في نشر القوات الأجنبية في سوريا، لا سيما إنشاء قواعد تركية في منطقة تدمر، هو خط أحمر وسيُعتبر خرقًا للقواعد”.
من منح تل أبيب تحديد قواعد اللعبة في سوريا ورسم خطوط تحرك البعض هناك؟ ربما هي غاراتها الجوية واستهداف العمق السوري دون رد تركي – عربي – إقليمي رادع. لكن ترامب هو الذي يدخل على خط التوتر والاحتقان، معلنًا رسم حدود التصعيد والمواجهة.
شكّل ملف غزة في الثلث الأول من نيسان العام المنصرم أحد أهم أسباب التصعيد بين أنقرة وتل أبيب، وهو ما قاد إلى التراشق ثم سحب السفراء وتجميد العلاقات التجارية وقرار أنقرة الالتحاق بالداعمين لمقاضاة القيادات الإسرائيلية أمام محكمة لاهاي. لم يكن الملف السوري حاضرًا بعد.
في الثلث الأول من شهر نيسان الحالي، شكر الجانبان التركي والإسرائيلي الرئيس الأذري إلهام علييف على جهود وساطته واستضافة محادثات الوفدين التركي والإسرائيلي لتفادي وقوع حوادث غير مرغوب فيها بينهما في سوريا. الحصيلة الأولى هي “قرار الاتفاق على مواصلة الحوار عبر قناة تواصل مباشرة للحفاظ على الاستقرار الأمني في المنطقة، بعد عرض كل طرف لمصالحه الأمنية”. تصريحات الرئيس الأميركي كانت مفتاح الحوار التركي – الإسرائيلي حول سوريا، حتى ولو قال إن أردوغان هو من يملك المفتاح في دمشق.
هناك ما يكفي من الأسباب التي تستدعي إبقاء العلاقات التركية – الإسرائيلية فوق صفيح ساخن. وهناك قناعة تركية – إسرائيلية أن تفعيل “آلية عمل مشتركة” بين البلدين لن تكفي لتحول دون وقوع الصدام المباشر بينهما في سوريا. لكن هناك من يردّد أيضًا أنها ليست وساطة باكو وقرار الدخول على خط التهدئة بين الشريكين التركي والإسرائيلي هي التي دفعت الأمور نحو التهدئة، بل هي رغبة ترامب، الذي استدعى بنيامين نتنياهو على عجل لإبلاغه بضرورة أن يكون منطقيًّا وواقعيًّا في طروحاته السورية حيال الجانب التركي، خلال لقاءات العاصمة الأذربيجانية.
احتمال أن تضحي واشنطن بحليفيها التركي والإسرائيلي في سوريا لصالح أي لاعب إقليمي ليس على جدول أعمال اليوم.
ترامب هو الذي دخل على الخط مجددًا لضبط الإيقاع، والحؤول دون انفلات الأمور، والتذكير بضرورة الأخذ بما يقوله الحليف الأكبر، وهو في طريقه لمفاوضة طهران على الملف النووي، وحيث لا يريدها أن تستقوي بالخلافات التركية – الإسرائيلية.
لمن انحاز ترامب في سوريا؟ المسألة لا تحتاج إلى كثير من الجهد للعثور على إجابة.
اشتعل التنافس التركي – الإسرائيلي في سوريا بعد الثامن من كانون الأول المنصرم مع سقوط نظام بشار الأسد. تل أبيب قلقة من تنامي النفوذ التركي، وترامب يراهن على “علاقته الرائعة بالرئيس رجب طيب أردوغان” لنزع فتيل التوتر بين البلدين. تصريحات ترامب حرّكت المبادرة الأذربيجانية، لكنها لم تفتح الطريق أمام حوار تركي – إسرائيلي بوساطة أميركية بعد.
سوريا على رأس أولويات ترامب في المنطقة لأن خيارات إسرائيل وتركيا متباعدة وتتطلب ذلك، وحيث يردّد الوزير هاكان فيدان بعد لقائه بنظيره الأميركي روبيو: “إن سلوك إسرائيل هذا لا يستهدف سوريا فحسب، بل يزعزع استقرار المنطقة بأسرها”.
لا يريد نتنياهو أن يستيقظ على كابوس انسحاب أميركي من سوريا لصالح أنقرة.
لكن الخيار العسكري بالنسبة لأنقرة وتل أبيب في سوريا يعني حتمًا فشلًا أميركيًّا سيكون له ارتداداته السلبية على مصالح واشنطن في الإقليم ككل.
سيقرأ الرئيس ترامب جيدًا نتائج اجتماعات منتدى أنطاليا للدبلوماسية، وما صدر عنه من مواقف علنية باتجاه تل أبيب وسياستها الفلسطينية، وتمسكها بحرب الإبادة ضد قطاع غزة. لكنه يعرف تمامًا أن ما قيل يعني واشنطن، الحليف والداعم الأول لنتنياهو، لمواصلة ما يقوم به ضد الشعب الفلسطيني.
رسائل أنطاليا كانت عربية وإسلامية وغربية، بدعم روسي وصيني أيضًا. هي اليوم تركز على الملف الفلسطيني، لكن لا شيء يمنع أن تنتقل الأمور إلى الملف السوري غدًا أو بعد غد، بسبب مواقف إسرائيل وتمسكها بإشعال المنطقة من هناك هذه المرة.
لا يملك الماعز الجبلي، الذي يتنقل في عالم من الصخور الحادة والمرتفعات الشاهقة، أجنحة. لكنه يملك ما هو أهم: الرشاقة، والمرونة، والقدرة على القفز بدقة، مستندًا إلى قوة ساقيه الخلفيتين، ومعتمدًا على فهمٍ عميق لطبيعة الأرض التي يتحرك فوقها. تغيير قواعد اللعبة والمعادلات لا يحتاج فقط إلى الطاقة والشجاعة، بل إلى معرفة مكان وضع القدم، وإدراك اللحظة المناسبة للتحرّك.
————————–
عالم في مهبّ الريح!/ حسان الأسود
2025.04.11
أزمة اقتصادية عالمية تلوح في الأفق، لم تأت من جائحة صحية مثل كورونا، ولا من انهيار مصارف عالمية كما حصل عام 2008 في أزمة الرهن العقاري، بل جرّاء فقد الثقة المتبادلة في العلاقات الدولية، ليس بين الأعداء كما هو المنطق، بل بين الأصدقاء والحلفاء، حتى يخال الناظر أنّ مصفوفة هؤلاء باتت بانزياح كبير لدرجةٍ أرعبت فيها البعض وأربكت البعض الآخر.
من كان يتصوّر أن تتغيّر أولويات الولايات المتحدة الأميركية تجاه أوكرانيا وروسيا بهذه الدرجة الحادّة، ومن كان يتوقّع هذه السياسة الحمائيّة الأميركية التي بدأها الرئيس ترمب وفرض بموجبات ضرائب متنوّعة وقاسية على الحلفاء قبل المنافسين والأعداء؟ وعندما نتحدّث عن هذا السبب الأميركي فإننا لا نقلل من قيمة الأسباب الأخرى العالمية، فكل منطقة في العام لديها اعتباراتها التي تؤثر في مسارها الخاص من جهة وفي المسار العالمي من جهة ثانية.
لا يمكن إغفال التحديات التي تواجهها منطقة آسيا بتضارب مصالح عملاقين بشريين هما الصين والهند، ولا يمكن القفز على التناقضات البينيّة في دول الاتحاد الأوروبي، ولا عن توترات منطقة الشرق الأوسط المستدامة. الأمر الحاسم في كل هذه القضايا أنّه ما لأي منها التأثير ذاته الذي يحدثه العامل الأميركي، ويعود السبب بحسب وجهة نظر كاتب هذه السطور لارتباط اقتصادات العالم بشكل كبير بالدولار وبحكم اتساع تأثير التكنولوجيا الأميركية والثقل السياسي والعسكري للولايات المتحدة عالميًا.
قد يعيد التاريخ نفسه مجددًا بالتحضّر لحرب عالمية من نوع جديد، من المحتمل ألا تكون عسكرية هذه المرّة، لكنّها قد تكون أشدّ تدميرًا لما لها من تداعيات ستصيب كل دول العالم. نظامٌ دولي جديد يتخلّق من رحم الواقع الهمجي الذي تطبق عليه رؤوس الأموال المرعبة المتركّزة بيد فئة قليلة من البشر على حساب الغالبيّة الساحقة منهم. تراجع القيم الديمقراطية والليبرالية المستمر حتى في الدول التي نشأت فيها وتطوّرت، ازدياد التوحش الرأسمالي الساعي إلى مراكمة الربح بغض النظر عن النتائج التدميرية لبنية المجتمعات الرأسمالية ذاتها، الموجة الشعبوية المتعاظمة والانزياح نحو اليمين المتطرّف والتي أخذت تضرب العالم في أربع جهاته، النزوع المتصاعد لسياسة إضعاف المؤسسات الراعية للقانون الدولي، وبالنتيجة هدمها أو إعاقتها عن الدور البسيط الذي كانت تقوم به في حفظ بعض القواعد والأعراف في التعاملات الدولية، هذه المؤسسات التي نشأت إثر صراعات كبرى في الحربين العالميتين الأولى والثانية بدأت تضمحلّ فعلًا وبدأت تفقد أي دور أو مكانة لها في عالم ينحو باضطراد تجاه العنف، تفاخرٌ بالدّوس على القيم الإنسانية التي تتعاطف مع ضحايا المجازر والجرائم الخطيرة وجرائم الحرب والإبادة في شتى أصقاع الأرض. هذا غيضٌ من فيض المؤشرات التي تدلّ على حجم التغييرات الكبيرة في عالما اليوم.
على صعيد الشرق الأوسط، ثمّة شعورٌ فائضٌ وكبيرٌ جدًا بالقوّة لدى نتنياهو، يزيد كثيرًا على مشكلاته الداخلية وتوازنات القوى السياسية ضمن حكومته وبينها وبين المجتمع الإسرائيلي. قد يترجم هذا الشعور عمليًا بحماقات كبيرة بعد زيارته إلى البيت الأبيض، وقد يؤدي بالنتيجة إلى خلق تصورات عجيبة عن إمكانية إعادة رسم خرائط الإقليم وفق مشيئته. يتوقّف هذا بالطبع على قدرته إقناع ترمب بتوافق مصالحهما أو تقريب وجهات نظرهما أكثر مما هي عليه الآن. لا يبدو ما رشح من خلال تصريحات الرئيس ترمب بهذا الشأن حتى الآن مطمئنًا لنا نحن السوريين، فرغم أنها تشير إلى رغبة ترمب بعدم دعم التصعيد الإسرائيلي تجاه تركيا، والذي يُفهم منه دعمه مبدأ التفاهم بين نتنياهو والرئيس أردوغان لا دعم الأول ضد الثاني وتبني وجهة نظره بالكامل، إلا أنّ التصريحات ذاتها تشير إلى فهم سطحي لتعقيدات الوضع عمومًا، وتدلّ على استخفاف كامل بإرادة السوريين، بل وحتى التصرّف بهم ووبلادهم كأنّهم بضاعة يتقاسمها من يستحوذ عليها أولًا أو بالقوّة العارية أو الحيلة أيهما أيسر. بكل الأحوال هذا ليس مستغربًا بحسب فهمنا طريقة تفكير ترمب الذي يحاول الاستيلاء على غرينلاند وبنما وغزّة وغيرها من دول ومناطق، فكيف سيُنتظر منه رؤية مصالح السوريين في خضمّ هذا الصراع الشديد بين المحاور الإقليمية والدولية ووسط هذا الفراغ الكبير في الساحة!
نعايش مشهدًا دراماتيكيًا متدحرجًا بتسارع ملحوظ، التغوّل الإسرائيلي منقطع النظير، ومنها المحاولة الحثيثة لوضع قواعد جديدة للتعامل الإقليمي التي لا تقتصر على سوريا فحسب، بل هي جزء من لوحة التصعيد مع إيران الذي بدأ بتسخينٍ عسكريٍ في اليمن ودبلوماسي في لبنان، وقد تتطوّر الأمور إلى أبعد من هاتين الساحتين لتصل إلى داخل إيران ذاتها. المشاغلة واضحة لتركيا في سوريا، القصف الهستيري والاقتحامات البرية وبناء قواعد عسكرية وتدمير أخرى، كلها محاولات حثيثة لرسم سيناريوهات جديدة وطرحها على طاولة التشريح. ما الذي سيشكّل الواقع الجديد غير مباضع السياسيين والحكّام ومدافع العسكر، أليس هذا ما اعتادت عليه الشعوب والحضارات منذ وعى الإنسان ذاته؟
ثمّة من يرى أنّها المرّة الثانية التي تتاح لنا فيها فرصة بناء سوريتنا خلال قرن ميلادي، وأنها تأتي دائمًا في ظرف غاية في السوء. أتاحت لنا الأقدار بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية بناء دولة قويّة تضمّ الجغرافيا الطبيعية لبلاد الشام، لكنّ ظروف الحرب العالمية الأولى وتشكلات العالم الجديد آنذاك منعت استكمال الولادة. واليوم أيضًا نعيش على حافة صدع تشكّل نظاماً دولياً مختلفاً عما سبقه كليًا، تغيب فيه كل القواعد السابقة شيئًا فشيئًا وتولد قواعد غير مألوفة بعد. خسرنا آنذاك أراضيَ تزيد على جغرافية سوريا الحالية بكثير، ونحن مهددون اليوم بخسارة ما بقي لدينا من جغرافيا وهُويّة وطنيةٍ إذا ما عثرنا مجددًا وشاءت لنا الأقدار المضيّ في طريق الخراب.
ستحدد طريقة تعاملنا مع واقعنا السوري الراهن مدى تأثير هذا العالم المضطرب علينا، وسيكون العامل الحاسم في قيامتنا مجددًا أو في اندثارنا هو نحن، إرادتنا وتضامننا واتفاقنا على تعريف المواطن والوطن والوطنية والدولة والسياسية والشأن العام، تواضعنا للعمل وفق أسس ديمقراطية تشاركية تبادلية سلمية تحترم كرامة كلٍ منّا بالقدر نفسه الذي يرتضيه كل واحد لنفسه وعليها. نحن الآن بمجموعنا أمام الواقع وفي مواجهة التاريخ، سلطة جديدة وقوى سياسية ومدنية ومجتمعيّة. فإمّا أن ننجو جميعًا معًا، وإما أن نبقى في مهبّ الريح تتقاذفنا الأطماع والأهواء إلى أجلٍ لا يعلمه إلّا الله، فهل نغتم رياحنا التي هبّت أم نصبح نحن الغنيمة؟
———————
ماذا يعني أن يكون نتنياهو “معقولاً”؟/ علي أسمر
2025.04.11
في مشهد سياسي ثقيل بالدلالات، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال استضافته رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في المكتب البيضاوي: “أيّ مشكلة قد تكون لديك مع تركيا، أعتقد أنني أستطيع حلها، أعني، طالما أنك معقول، يجب أن تكون معقولًا”.
هذه العبارة، التي تبدو للوهلة الأولى عابرة، تخفي خلفها إشارة واضحة إلى تغير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط، وتحديدًا في الساحة السورية التي أصبحت اليوم، وبعد سقوط نظام بشار الأسد وصعود حكومة سورية جديدة بقيادة أحمد الشرع، ساحةً لإعادة رسم التحالفات، وميدانًا لاختبار “عقلانية” الفاعلين الإقليميين، وعلى رأسهم إسرائيل.
فما الذي قصده ترمب بـ”العقلانية”؟ وماذا يعني أن يكون نتنياهو معقولًا في لحظة إقليمية حرجة، حيث تتضارب المصالح التركية مع المصالح الإسرائيلية؟
“العقلانية” تعني قبول الوجود التركي في سوريا
في السياق السوري الجديد، لم يعد الوجود التركي خيارًا مثيرًا للجدل، بقدر ما أصبح ضرورة استراتيجية تمليها الوقائع على الأرض. وخاصة بعد الانسحاب الأميركي المرتقب، وانشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا، وتراجع النفوذ الإيراني نتيجة للمتغيرات السياسية الإقليمية، باتت تركيا الدولة الوحيدة القادرة على ملء الفراغ الأمني في شمال البلاد.
هذا الوجود التركي لم يعد قائمًا على الطموحات التوسعية أو الأجندات الأيديولوجية كما يروّج البعض، بل أصبح مطلبًا أمنيًا وجيوسياسيًا لحماية الحدود، وإعادة الاستقرار، وتسهيل عودة ملايين اللاجئين السوريين الموجودين على الأراضي التركية.
العقلانية، في هذا الإطار، تعني أن تدرك إسرائيل أن تركيا ليست خصمًا في سوريا الجديدة، بل شريك إقليمي لا يمكن تجاوزه. وفي الوقت الذي لا تستطيع فيه إسرائيل لعب دور مباشر داخل سوريا، بسبب حساسيتها كـ”عدو تقليدي” لدى الشارع السوري، فإن تركيا تحظى بقبول نسبي، وتؤدي دورًا ميدانيًا بالغ الأهمية، مدعومًا بشكل غير مباشر من واشنطن.
“العقلانية” تعني وقف التدخل الإسرائيلي في الشأن السوري عبر بوابة الأقليات
إحدى أبرز أدوات النفوذ التي استخدمتها إسرائيل في سوريا خلال العقد الأخير تمثلت في توظيف الأقليات، سواء كانت قومية أو دينية، كقنوات ضغط واختراق داخل البنية المجتمعية السورية. فسواء عبر تشجيع النزعات الانفصالية في الشمال الشرقي، أو دعم خطاب “حماية الأقليات” في الجنوب، لعبت تل أبيب دورًا غير مباشر في تأجيج الانقسام السوري.
لكن في ظل ولادة سوريا الجديدة، التي تسعى لإعادة بناء الدولة على أساس المواطنة لا الطوائف، لم يعد هذا النهج مقبولًا أو ممكنًا. فالحكومة الجديدة، التي جاءت نتيجة توافق وطني واسع، وضعت ضمن أولوياتها إنهاء حالة التفكك المجتمعي، وتكريس سيادة الدولة على كامل التراب السوري.
العقلانية هنا تقتضي من إسرائيل أن تتوقف عن محاولات استخدام المكونات السورية كأدوات تفاوض أو ابتزاز سياسي، فمثل هذه السياسات لم تُنتج سوى مزيد من عدم الاستقرار، كما أنها تدفع المكونات السورية الأخرى نحو الاصطفاف خلف الدولة المركزية، رفضًا للحماية الإسرائيلية المشبوهة.
“العقلانية” تعني القبول بالحكومة السورية الجديدة والانخراط في تسوية سياسية
لطالما تعاملت إسرائيل مع النظام السوري السابق كخطر دائم، ولكن قابل للاحتواء. أما اليوم، فإن إسقاط النظام وبروز حكومة جديدة ببرنامج إصلاحي وطني، يضع إسرائيل أمام واقع مغاير تمامًا، يتطلب منها إعادة بناء تصورها للعلاقة مع دمشق.
العقلانية هنا لا تعني فقط التوقف عن قصف الأراضي السورية، بل الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك، أي الاعتراف بالحكومة الجديدة والدخول في مفاوضات مباشرة معها، تحت رعاية إقليمية ودولية. فالمعادلة واضحة: سوريا تحتاج إلى وقف الهجمات الإسرائيلية لكي تتمكن من إعادة الإعمار وتأمين عودة اللاجئين، وإسرائيل تحتاج إلى ضمانات أمنية بأن الأراضي السورية لن تتحول من جديد إلى ساحة نفوذ إيراني أو تهديد مستقبلي.
إن التمسك بالسياسات القديمة تجاه سوريا ما بعد الأسد هو أقصر طريق لإنتاج عداء جديد لا يمكن السيطرة عليه، بينما يمثل القبول بالواقع الجديد والبحث عن تسوية سياسية فرصة نادرة لكتابة صفحة مختلفة في تاريخ العلاقات السورية-الإسرائيلية.
“العقلانية” تعني تفادي فتح جبهة مع تركيا حفاظًا على التوازن الإقليمي
في خلفية تصريح ترمب، يقف هاجس أميركي واضح: الخوف من أن يتحول الخلاف التركي-الإسرائيلي في سوريا إلى مواجهة مفتوحة، تهدد بنية التحالفات الأميركية في المنطقة. فتركيا وإسرائيل هما حليفان استراتيجيان للولايات المتحدة، وصراعهما يعني شرخًا في الجبهة الأميركية التي تواجه إيران أولًا وأساسًا.
الولايات المتحدة من جانبها تدرك أن فتح جبهة مع تركيا سيقود إلى نتائج عكسية، لعل أخطرها هو دفع أنقرة إلى التنسيق الميداني والسياسي مع دمشق وطهران على قاعدة “العدو المشترك”. هذا الاصطفاف الثلاثي المحتمل – سوري تركي إيراني – لا يصب بأي حال في مصلحة إسرائيل أو الولايات المتحدة.
ترمب، حين طالب نتنياهو بـ”العقلانية”، كان ينبهه إلى أن الدور الإسرائيلي في سوريا يجب أن يُعاد تصميمه بما لا يضر المصالح الأميركية الكبرى، خصوصًا في ظل التركيز الاستراتيجي على احتواء إيران.
“العقلانية” كخارطة طريق نحو شراكة إقليمية جديدة
إن “العقلانية” التي دعا إليها ترمب ليست مجرد نصيحة سياسية، بل هي رؤية استراتيجية متكاملة لإعادة بناء توازنات المنطقة، في ضوء متغيرات ما بعد الحرب السورية. أن يكون نتنياهو “معقولًا” لا يعني أن يتخلى عن المصالح الإسرائيلية، بل أن يعيد تعريفها وفقًا للواقع الجديد، بعيدًا عن الأوهام القديمة والتدخلات غير المجدية.
في سوريا الجديدة، لم تعد الأدوات القديمة صالحة. من العقل أن تقبل إسرائيل بدور تركي فعّال، وأن تتوقف عن التدخل الطائفي، وأن تنفتح على الحكومة السورية الجديدة بحوار سياسي واقعي. فالمعادلة واضحة: سوريا تريد الاستقرار، وتركيا تريد الأمن، وإسرائيل تريد الطمأنينة، والعقل وحده هو ما يمكن أن يجمع بين هذه الأهداف المتقاطعة.
——————————
الاعتراف والاشتراطات الأميركية.. مفترق طرق بالعلاقات مع سوريا/ بشار الحاج علي
2025.04.08
منذ 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، لم تعد العلاقات السورية – الأميركية تدار وفق قواعد ما قبل التحول. دخلنا مرحلة جديدة، عنوانها الحذر الأميركي، ومفرداتها تجريبية، تراقب وتختبر وتُبقي على الباب مواربًا دون أن تفتحه بالكامل.
في هذا السياق، يمكن فهم الخطوة الأميركية الأخيرة المرتبطة بوضع بعثة سوريا الدائمة في نيويورك، والتي تتجاوز مسألة تأشيرة دبلوماسية لتكشف عن موقف سياسي غير معلن بعد، لكنه يتبلور بهدوء وثبات.
من التأشيرة إلى الرسالة الحديث عن تغيير نوع تأشيرات أعضاء البعثة السورية من فئة G1 إلى فئة G3 قد يبدو تفصيلاً تقنيًا، لكنه في واقع الأمر يعكس موقفًا قانونيًا وسياسيًا بالغ الدلالة.
فالفئة الأولى تُمنح لبعثات الدول التي تعترف بها واشنطن رسميًا، في حين تُخصص الفئة الثانية لممثلي حكومات لا تحظى بهذا الاعتراف.
ما جرى أن وزارة الخارجية الأميركية أبلغت بعثتها في الأمم المتحدة – في الثالث من نيسان/أبريل – بتغيير نوع التأشيرة السورية، استنادًا إلى تقييم داخلي سابق صنّف الحكومة الانتقالية المؤقتة في سوريا على أنها امتداد لهياكل غير مقبولة أميركيًا، وتحديدًا من حيث علاقتها المفترضة بفصائل مصنفة على لوائح الإرهاب.
بعيدًا عن الجدل التحليلي، فإن الوثائق والمراسلات المتبادلة بين الجهات المعنية، بما فيها وزارة الأمن الداخلي وإدارة الهجرة والجنسية، أكدت أن القرار لا يعبّر عن رغبة في القطيعة، بل يعكس تريثًا في الاعتراف الكامل، فسوريا الجديدة تُرصد حركتها، ويُسجَّل عليها، لا لها، أن تبدو مختلفة جذريًا عن كل ما سبق، وهو ما لم يتحقق بعد بما يكفي ليُبنى عليه موقف اعترافي رسمي.
ما بعد السقوط
سياسة الحذر ومشاغل الاعتراف منذ خروج إيران وسقوط النظام السابق، والحكومة السورية الجديدة تحاول أن تؤسس لتوازن داخلي وخارجي دقيق، يعكس انتقالًا حقيقيًا للسلطة وتوجهاً جديدًا في إدارة الدولة، وعلى الرغم من أن رسائل الانفتاح بدأت مبكرًا – ومنها خطاب التهنئة الذي وجّهه رئيس المرحلة الانتقالية للرئيس الأميركي المنتخب – فإن الاستجابة الأميركية بقيت ضمن حدود العلاقات غير الرسمية، أو ما يُعرف بـ”إدارة الوضع” لا “الاعتراف به”.
في العمق، لا تعني هذه الخطوة الأميركية أن واشنطن لا ترى تحوّلاً، لكنها ترى أن هذا التحوّل لم يكتمل بعد، فالشروط المبدئية التي تنتظرها الإدارة الأميركية وترى أنها ليست تعجيزية، مثل الفصل الواضح عن الجماعات المصنفة، التعاون الأمني، احترام التزامات حقوق الإنسان، كشف مصير مواطنين أميركيين مفقودين، وبلورة إدارة مدنية قابلة للتعاطي الدولي.
التأشيرة كأداة سياسية
ما جرى في نيويورك يحمل رمزية ثقيلة، فالتأشيرة الجديدة تعني انتهاء الامتيازات الدبلوماسية – من الحصانة إلى بطاقات الدخول الخاصة – وتحوّل أعضاء البعثة إلى مجرد مقيمين أجانب، وهو ليس سحبًا للاعتراف، لكنه رسالة واضحة بأن الولايات المتحدة لا ترى حتى الآن أن ما جرى في دمشق كافٍ لتغيير قواعد التعامل معها.
لكن في المقابل، فإن نفس هذه الخطوة تبقي الباب مفتوحًا، فبمجرّد أن يتغيّر التقييم السياسي، يمكن تعديل نوع التأشيرة، وإعادة الوضع إلى ما كان عليه. أي أن الحركة الدبلوماسية ما تزال ممكنة، لكنها مشروطة، وقابلة للمراجعة بناء على أداء الحكومة الجديدة، وتحديدًا في ملف التمثيل الخارجي، والقدرة على بناء أدوات حكم موثوقة.
في جوهر المسألة.. من يُمثل سوريا؟
في هذه اللحظة، يبدو أن تجديد صورة سوريا في المحافل الدولية يتطلب أكثر من تبديل السفراء أو تصحيح لغة الخطاب، هناك حاجة لمراجعة شاملة لطبيعة التمثيل الخارجي، بحيث يُعبّر فعلًا عن سوريا الجديدة، لا عن استمرار رمزي لأدوات قديمة، أُنهكت بفعل الزمن، أو تقادمت بتغير الظروف. لكن المسألة لا تقف عند حدود السفارات، بل ترتبط بطبيعة القرار السياسي الداخلي نفسه.
ما يبدو أنه غير مكتمل حتى اليوم ليس مجرد قرار إداري أو إجراء تقني، بل إرادة سياسية تنفتح على مشاركة أوسع للسوريين في إدارة دولتهم، لا سيما في المواقع السيادية، إذ لا يمكن لتجديد الواجهة الدبلوماسية أو تحسين الأداء الخارجي أن ينجح ما لم يكن مدعومًا بخيارات داخلية تعكس روح التغيير.
والمشكلة، في جوهرها، لم تعد مرتبطة ببقايا النظام السابق فقط، بل تتصل بطبيعة السلطة الجديدة التي تميل – تحت ذريعة الحاجة إلى المركزية – إلى حصر الصلاحيات من دون وجود آليات رقابة فعّالة، ولا جدول زمني واضح لانتقال كامل وشامل.
هذا يضعف الثقة في المسار الانتقالي، ويؤجج التساؤلات حول جدية المشروع الوطني برمته، داخليًا وخارجيًا. لذلك، لا بد من فتح المجال أمام مشاركة سياسية حقيقية، تتيح تمثيلاً أوسع لمكونات الثورة السورية وكفاءاتها، في السياسات السيادية والدبلوماسية.
فالأمر لا يتعلق فقط بإرسال وجوه جديدة، بل ببناء سياسة خارجية متماسكة تعبّر عن مشروع وطني جديد، قائم على الكفاءة، والتمثيل، والشرعية الأخلاقية.
الاعتراف يُنتزع ولا يُمنح، فالاعتراف الأميركي بالحكومة السورية الجديدة ما زال رهن التفاعل، وهو لن يُمنح تلقائيًا، بل يحتاج إلى أداء سياسي ودبلوماسي رصين، يُقنع لا يُجبر، ويستند إلى ما تفعله الحكومة على الأرض أكثر مما تقوله في البيانات. إنه اختبار لنمط الحكم الجديد، وللشخصية السياسية التي تُراد لسوريا في الإقليم والعالم، والفرصة لا تزال قائمة، لكنها لن تبقى مفتوحة إلى ما لا نهاية.
وما ينقص الآن، أكثر من أي وقت مضى، هو القرار السياسي الجريء باستبدال الواجهات القديمة التي لا تزال تمثل بقايا عهد مضى، رغم تغير الواقع، وتبدّل السياق، وتطلّع السوريين إلى مشاركة حقيقية تعكسهم في الداخل والخارج على السواء.
———————————
سوريا الجديدة : خيوط اللعبة الإقليمية تتشابك خلف الكواليس/ سعد فنصة
ليس الهدف من هذه المقالة استعراضًا عابرًا لمقتطفات سبق أن نشرتها على منصات التواصل الاجتماعي ، أو تلك التي تطرقت إليها في أحاديثي مع الأصدقاء والمعنيين. أو مجرد إعادة تدوير لما يُقال هنا وهناك.
هذه محاولة لكشف الواقع المرير الذي يعيشه المشهد السوري بعد سقوط النظام البائد، حيث يواصل الجميع بيع الشعارات والوعود، تمامًا كما كانت تُباع الأوهام سابقًا للشعب السوري باسم الثورة والتغيير.
الجار الاسرائيلي ، الذي يملك مفاتيح الشرعية في المنطقة، لن يمنح صك البراءة للنظام الجديد في دمشق. فهي ترى فيه كيانًا هشًا، لا يستحق الاعتراف أو الشراكة، لأنه لا يمثل حكومة منتخبة أو قابلة للحياة على المدى الطويل.
أما الولايات المتحدة، فهي تمضي في لعبتها الكبرى ضد إيران، مستخدمة سوريا كأداة ضغط إضافية في معادلة أكبر تشمل الملفات النووية، الإرهاب، وحتى النفوذ الروسي والصيني.
هذه القراءة ليست ترفًا فكريًا أو محاولة لملء الفراغ بالنقاش، بل هي محاولة جادة لفهم ما يدور خلف الكواليس.
سوريا اليوم ليست سوى جزء من لوحة إقليمية معقدة، أُعيد رسمها بمزيج من العنف والتواطؤ الدولي، وما زال المستقبل يلوح بأفق مليء بالمفاجآت، بعضها قد يأتي – إذا صحت توقعاتي – بحلاقة لحية خامنئي، او تشذيبها .. مع لحى أخرى سبقته ، أو ما هو أكثر من ذلك بكثير. …!!
سوريا بين مطرقة التحرير وسندان القوى الخارجية
في هذه المقدمة، أستعرض واقع سوريا المعقد بعد تحريرها من قبضة النظام البائد. ورغم هذا التحرير، لم يصبح القرار السوري بيد أبنائه، بل وجدت البلاد نفسها عالقة بين مطرقة التحرير وسندان القوى الإقليمية والدولية التي تضاعف من معاناة الشعب السوري المنهك.
مع انهيار النظام البائد ، ظهر مشهد سياسي متشابك حيث تتصارع مصالح القوى الخارجية، مما يضيف أبعادًا جديدة من عدم الاستقرار.
تحاول الحكومة الجديدة في دمشق بشكل محموم تعزيز شرعيتها وترسيخ سلطتها، لكن هذه الجهود غالبًا ما تأتي بنتائج عكسية تُضعف استقرارها وتخيب آمال أولئك الذين ظنوا أن هذا العهد سيكون خلاصًا حقيقيًا.
وفي هذا السياق، تتصاعد أهمية إسرائيل كلاعب مؤثر في تشكيل مصير النظام الجديد، بينما تستمر الضغوط الأمريكية المتزايدة على إيران. بذلك تصبح الأزمة السورية جزءًا صغيرًا من لوحة إقليمية أوسع تحمل في طياتها الكثير من الاحتمالات غير المتوقعة.
إسرائيل: الحاكم الفعلي لشرعية دمشق
في خضم التحولات السياسية العاصفة التي تمر بها سوريا، تبرز إسرائيل كلاعب محوري في تقرير مصير شرعية النظام الجديد في دمشق.
من وجهة نظر تل أبيب، النظام الجديد يفتقر إلى الشرعية المطلوبة للبقاء على المدى الطويل، لعدم انتخابه ديمقراطيًا، ولغياب الثقة في قدرته على تحقيق الاستقرار الدائم. يتضح هذا الموقف بشكل جليّ في تصريحات لمسؤولين إسرائيليين أشاروا خلالها إلى خطط للسيطرة العسكرية والاستخباراتية على منطقة تمتد إلى عمق 60 كيلومترًا داخل الأراضي السورية، وذلك لمنع أي تهديدات محتملة، وفق ما نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت بتاريخ 10 يناير 2025. إسرائيل، التي نفذت مئات الغارات على الأراضي السورية منذ سقوط النظام البائد، تنظر بريبة إلى النظام الجديد بقيادة أحمد الشرع (المعروف سابقًا بأبو محمد الجولاني). وعلى الرغم من لهجته المعتدلة الحالية، ترى إسرائيل في هذا النظام تهديدًا طويل الأمد.
تعكس هذه النظرة استراتيجية إسرائيلية تتجنب إبرام أي اتفاقية سلام مع دمشق، إذ تعتبر أن أي استقرار مؤقت قد يتحول إلى عداء في المستقبل.
ووفقًا لتحديث إعلامي حديث نشرته الجزيرة نت بتاريخ 6 أبريل/ نيسان 2025، نقلت “وول ستريت جورنال” -عن مسؤول عسكري إسرائيلي- قوله إن الجيش ينفذ عمليات لضمان الأمن بالمنطقة العازلة في سوريا.
الضغوط الأمريكية على إيران: المشروع النووي كورقة تفاوض
في سياق متوازٍ مع التحولات الإقليمية، تتصاعد الحملة العسكرية والدبلوماسية الأمريكية ضد نظام الملالي في إيران بهدف الضغط على طهران لتفكيك مشروعها النووي العسكري.
وبينما يظهر التصعيد العسكري على السطح، تُجرى خلف الكواليس مفاوضات شاقة تهدف إلى صياغة معاهدة جديدة مع واشنطن، تتضمن شروطًا صارمة قد تؤدي إلى إنهاء الطموحات النووية الإيرانية بالكامل.
هذا المسار يبدو الأكثر احتمالًا مقارنة باللجوء إلى ضربات عسكرية استراتيجية على المنشآت النووية، والتي قد تُسفر عن كارثة بيئية ذات تداعيات تمتد إقليميًا وعالميًا.
تؤكد تحديثات إعلامية حديثة هذا النهج. فقد أفادت وكالة رويترز بتاريخ 25 مارس/ آذار 2025 أن مسؤولًا أمريكيًا رفيع المستوى التقى وزير الخارجية السوري “أسعد الشيباني ” لمناقشة تخفيف العقوبات، مشيرًا إلى أن واشنطن تهدف إلى ضمان مغادرة المقاتلين الأجانب ومنع إعادة النفوذ الإيراني في سوريا.
كما أوضحت نيويورك تايمز في 3 أبريل/نيسان 2025 أن الإدارة الأمريكية تعتبر استقرار سوريا الجديدة أداة فعالة لتقويض النفوذ الإيراني، مع التحذير من أن أي تصعيد قد يعيد إيران إلى الساحة السورية بقوة.
واشنطن ودمشق: بيع الأوهام أم سياسة واقعية؟
من جانب آخر، تروج بعض الأطراف في واشنطن، بدعم من حلفاء إقليميين كقطر وتركيا، لرواية مفادها أن العقوبات الأمريكية والدولية المفروضة على سوريا قد تُخفف أو تُرفع، بل وأن الرئيس الأمريكي قد يلتقي أحمد الشرع.
هذه الرواية تعيد إلى الأذهان أوهام المرتزقة السياسيين في الائتلاف السوري المعارض السابق، الذين باعوا الشعب السوري وعودًا كاذبة خلال سنوات الحرب على الشعب السوري.
لكن الواقع يشير إلى أن الجهود الدبلوماسية السابقة والمستمرة لم تُثمر عن أي تحول ملموس في الأوضاع السورية، نتيجة تداخل المصالح المتضاربة. في هذا السياق، أكدت وزارة الخارجية الأمريكية في تصريحات لتلفزيون سوريا بتاريخ 1 أبريل/ نيسان 2025، أنها تدعم سيطرة السلطات الجديدة على كامل الأراضي السورية، مع مراجعة العقوبات المفروضة على النظام البائد، واستبعاد النفوذ الإيراني والمقاتلين الأجانب.
ومع ذلك، تبقى هذه التصريحات مجرد خطاب سياسي يفتقر إلى ضمانات عملية، خاصة في ظل هيمنة إسرائيل على القرار السوري.
سوريا تحت المجهر ومستقبل مفتوح
تظل سوريا جزءًا من لوحة إقليمية معقدة تتشابك فيها مصالح إسرائيل، الولايات المتحدة، وإيران. إسرائيل ترفض الاعتراف بالنظام الجديد كشريك موثوق، بينما تسعى واشنطن لاستخدام استقرار سوريا كورقة ضد إيران. داخليًا، يعتمد نجاح النظام على قدرته على توحيد الفصائل وإعادة بناء الاقتصاد، وهي مهام تبدو بعيدة المنال حاليًا.
من بين السيناريوهات المحتملة:
تسوية نووية مع إيران: قد تؤدي إلى انسحاب تدريجي لنفوذها من سوريا، مما يعزز استقرار النظام الجديد بشرط دعم دولي.
تصعيد إسرائيلي: استمرار الغارات والسيطرة على المناطق العازلة قد يُبقي سوريا في حالة ضعف دائم.
انهيار داخلي: فشل النظام في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي قد يُعيد الفوضى إلى البلاد.
مستقبل سوريا يبقى مفتوحًا، لكن نجاح أي مسار يتطلب توازنًا دقيقًا بين الضغوط الخارجية والإصلاحات الداخلية.
وسط هذه الديناميات المضطربة، يبقى مستقبل سوريا مفتوحًا على جميع الاحتمالات، بما في ذلك مفاجآت قد تغيّر موازين القوى الإقليمية. من بين تلك الاحتمالات، تفكيك المشروع النووي الإيراني بشكل رمزي يعكس “حلاقة لحية خامنئي”، أو التحول نحو تسويات سياسية غير متوقعة تُعيد صياغة المشهد الإقليمي.
————————–
هل كانت الولايات المتحدة وراء تدمير سوريا؟/ نوار الماغوط
حول تصريحات جيفري ساكس بشأن السياسة الأمريكية في سوريا
في مشهدٍ من مؤتمر أنطاليا الدولي الأخير، طرح وضاح خنفر، المدير العام السابق لشبكة (الجزيرة) الإعلامية، سؤالاً مباشراً على الخبير الاقتصادي الأمريكي المعروف جيفري ساكس، مستشار الأمم المتحدة السابق في قضايا التنمية المستدامة، حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تقف على الحياد في الملف السوري، أم أنها تتخذ موقفًا واضحًا من خلال سياساتها، خاصة العقوبات المفروضة على النظام السوري.
جاء رد ساكس مثيرًا للجدل، إذ قدم تفسيرًا يعتبر أن الحرب السورية ليست ناتجة بشكل أساسي عن قمع داخلي أو حراك شعبي، بل نتيجة قرار اتخذته واشنطن عام 2011 لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، ضمن ما وصفه بـ”مشروع إقليمي أوسع” تقوده إسرائيل وتدعمه الولايات المتحدة لإعادة تشكيل المنطقة على مقاسها. وذهب إلى القول إن هذا المشروع اعتمد على عملية سرية تحت اسم “تيمبر سيكامور”، نفذتها وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) بالتعاون مع بعض دول الإقليم، وجرى خلالها تدريب وتسليح فصائل مسلحة، بينها جماعات جهادية، بهدف إسقاط النظام السوري[1].
جيفري ساكس خلال مشاركته في منتدى أنطاليا الديبلوماسي
ورغم أهمية ما طرحه ساكس، فإن هذا التفسير يغفل عمداً حقيقة أساسية لا يمكن تجاوزها، وهي أن شرارة الثورة السورية انطلقت من داخل البلاد، حين خرج آلاف السوريين، ثم ملايين، في احتجاجات سلمية تطالب بالحرية والكرامة، لا بتدخلات خارجية أو تصفية حسابات إقليمية. أسماء مثل غياث مطر وحمزة الخطيب لم تأتي نتيجة مشروع استخباراتي، بل نتيجة رصاص نظام لم يكن يرحم حتى الأطفال في الشوارع. إن تجاهل هذه اللحظة المؤسسة للثورة السورية، والتركيز فقط على الأبعاد الدولية، يُفقد الرواية توازنها وصدقيتها.
يبدو أن ساكس، في مسعاه لنقد السياسة الخارجية الأمريكية، قد وقع في فخ التبسيط. نعم، هناك تدخل أمريكي في سوريا، وهناك دعم عسكري لبعض فصائل المعارضة، وهناك مشروع “تيمبر سيكامور” الذي بدأ بالفعل خلال ولاية أوباما، وتم من خلاله نقل الأسلحة وتدريب مقاتلين[2].
لكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة كانت تملك قرار اشعال ثورة في دولة ذات بنية سلطوية محكمة كالنظام السوري، كما أن ما أشار إليه ساكس بشأن مبادرة السلام التي قدمها كوفي عنان عام 2012 صحيح من حيث فشل المبادرة بسبب خلافات حول مصير الأسد، إلا أن تحميل واشنطن وحدها مسؤولية تعطيل الاتفاق يغفل مواقف روسيا وإيران والنظام السوري نفسه، الذين لم يُبدوا أي مرونة حقيقية في التعاطي مع فكرة انتقال سياسي حقيقي للسلطة[3].
أما إدارة ترامب، التي تولت السلطة بعد أوباما، فقد حافظت على سياسة العقوبات الاقتصادية الشديدة ضد النظام السوري، وأبقت على وجود عسكري محدود في الشمال الشرقي، وركزت في خطابها على محاربة “داعش” واحتواء النفوذ الإيراني. لكنها، في الوقت نفسه، أظهرت تناقضًا واضحًا في القرار السياسي، بدءاٍ من إعلان الانسحاب ثم التراجع عنه، وصولًا إلى التخلي عن بعض الحلفاء المحليين، لا سيما قوات سوريا الديمقراطية[4]. وبذلك، فإن واشنطن كانت – ولا تزال – لاعبًا مؤثرًا في سوريا، لكنها لم تكن، كما يصور ساكس، الجهة الوحيدة التي أشعلت الحرب أو أدارت خيوطها من وراء الستار
القول إن الولايات المتحدة وحدها كانت خلف الكارثة السورية هو تسطيح للتاريخ، وتبرئة ضمنية لأنظمة إقليمية مارست القتل، ولجماعات متطرفة غذّت الحرب، ولصراعات طائفية وقومية دفعت البلاد إلى الهاوية. كما أن اختزال صوت ملايين السوريين الذين خرجوا في مظاهرات سلمية في “مؤامرة خارجية” هو إهانة مباشرة لضحايا تلك الثورة، ولأولئك الذين لا يزالون يدفعون ثمن مواقفهم حتى اليوم.
أن الحرب السورية لم تكن فقط نتيجة تدخل خارجي، ولا يمكن أيضًا فهمها بمعزل عن احتجاجات شعبية التي فجرت الثورة. جيفري ساكس قدّم وجهة نظر متماسكة من حيث نقد السياسة الأمريكية، لكن التوازن الغائب في حديثه يُضعف من مصداقيته. إن الصراع في سوريا هو نتاج تفاعل معقد بين ثورة شعبية، وردّ دموي من نظام شمولي، وتدخلات دولية وإقليمية جعلت من البلاد ساحة حرب مفتوحة. والحديث عن المؤامرة لا يجب أن يُستخدم لتبرير القمع أو لمحو ثورة شعب .
ومن الجدير ذكره أن قطر التي ينتمي إلى مؤسساتها السيد وضاح خنفر لعبت دورًا محوريًا في الملف السوري، خاصة في المراحل الأولى من الثورة عام 2011. فقد كانت من أوائل الدول التي دعمت المعارضة السورية سياسيًا وإعلاميًا، وساهمت في إنشاء غرف عمليات في الأردن وتركيا، بالتعاون مع السعودية وتركيا والأردن والولايات المتحدة، بهدف تنسيق الدعم للفصائل المعارضة، قبل أن تنتقل إدارة الملف إلى الأمير بندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات السعودية آنذاك، الذي طلب ميزانية ضخمة تُقدّر بحوالي 2000 مليار دولار لإسقاط النظام السوري السابق.[5]
ولابد هنا من الإشارة إلى أهمية السياق الذي دار فيه هذا الحوار بين وضاح خنفر والبروفيسور جيفري ساكس، في مؤتمر أنطاليا الأخير بتركيا. تركيا، التي تحولت في العقد الأخير إلى محطة بارزة للقاءات المعارضة والنقاشات الإقليمية الحساسة، عكست هذه المرة نبضًا جديدًا من المواجهة الفكرية بين سرديتين متعارضتين: سردية التدخل الخارجي والصراع الجيوسياسي، وسردية الشعوب الباحثة عن الحرية والكرامة.
وضاح خنفر، الذي كان شاهدًا على بزوغ الربيع العربي من قلب غرفة الأخبار في الجزيرة، لم يكن سؤاله لجيفري ساكس عابرًا، بل يعكس صراعًا جوهريًا في فهم ما جرى في سوريا والمنطقة عمومًا. صراع بين من يرى الأحداث على أنها مؤامرة كبرى، ومن يؤمن بأن شعوب هذه المنطقة هي من أطلقت شرارة التغيير، رغم كل ما تخلل ذلك من تدخلات وتواطؤات لاحقة.
في أنطاليا، لم يكن النقاش فقط حول الماضي، بل كان جرس إنذار حول الحاضر والمستقبل: هل نسمح بإعادة كتابة التاريخ على أيدي الأقوياء، أم نتمسك برواية الشعوب، مهما كانت معقدة ومليئة بالخذلان؟
__________________________________
الهوامش:
1. صحيفة نيويورك تايمز، “عملية تيمبر سيكامور: كيف سلّحت السي آي إيه المعارضة السورية”، 2016.
2. مركز السياسة الخارجية الأمريكي، “تيمبر سيكامور ودور الاستخبارات الأمريكية في سوريا”، 2017.
3. صحيفة الغارديان البريطانية، “لماذا فشلت خطة كوفي عنان للسلام في سوريا؟”، 2012.
4. معهد بروكينغز، “سياسات ترامب المتناقضة في سوريا: من الانسحاب إلى الإرباك”، 2019..
5. صحيفة (القبس) الكويتية حوار مع رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري السابق “حمد بن جاسم”
العربي القديم
———————————–
زيارات أميركية إلى سوريا.. إعادة تقييم العلاقات في ظل المستجدات الإقليمية
أيهم الشيخ
19 أبريل 2025
تشهد الساحة السورية في الفترة الأخيرة تزايدًا في عدد الزيارات الأميركية إلى كل من شمال سوريا والعاصمة دمشق، سواء من قبل وفود الكونغرس أو ممثلين عن منظمات سورية – أميركية، مما يعكس تنامي الحراك السياسي في واشنطن تجاه الملف السوري.
ويبدو أن هذه التحركات تتم وسط تباين ملحوظ بين مواقف السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية في الولايات المتحدة، مع اهتمام متزايد بإعادة تقييم العلاقة مع الحكومة السورية في ظل المستجدات الإقليمية والدولية.
وفي تصريح خاص لـ”الترا سوريا”، كشف السياسي والإعلامي السوري الأميركي، أيمن عبد النور، أن زيارات وفود من الكونغرس الأميركي إلى شمال سوريا تجري بشكل مستقل عن موقف الإدارة التنفيذية في واشنطن، مشيرًا إلى وجود تباين واضح في المواقف بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
وأوضح عبد النور أن السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة، والتي تشمل البيت الأبيض ووزارة الخارجية، منفصلة تمامًا عن السلطة التشريعية المتمثلة بالكونغرس بمجلسيه، النواب والشيوخ. وقال: “الكونغرس ليس تابعًا للإدارة التنفيذية، ولا يتوجب عليه الالتزام بموقفها”، مضيفًا: “وزارة الخارجية الأميركية أبلغتنا خلال أحد الاجتماعات بعدم موافقتها على زيارة وفد من الكونغرس إلى شمال سوريا، بسبب مخاوف أمنية وأسباب أخرى، إلا أن هذا التحفظ لا يمنع الكونغرس من تنفيذ الزيارة”.
وأشار عبد النور إلى أن وفدًا من منظمة “التحالف السوري الأميركي للازدهار والسلام” (ساب)، يضم نائبًا ديمقراطيًا ونائبين من الحزب الجمهوري، غادر متوجهًا إلى المنطقة، وهناك وفد آخر من المقرر أن يزور شمال سوريا في نهاية الشهر، ويتكون حتى الآن من عضوين ديمقراطيين، مع إمكانية تغير التركيبة خلال الأسبوعين القادمين، وذلك بحسب نتائج وتقييمات الزيارة الأولى.
وختم عبد النور بالقول إن نجاح الزيارة الأولى سيكون مؤشرًا حاسمًا في تحديد عدد وأسماء أعضاء الوفد الثاني، موضحًا أن “الاهتمام سيتزايد إذا ثبتت جدوى الزيارة الأولى على أرض الواقع”.
وأكدت المستشارة السياسية والصحافية المعتمدة في البيت الأبيض، مرح البقاعي، في تصريحات خاصة لـ”الترا سوريا”، أن الزيارات المباشرة واللقاءات بين المسؤولين السوريين ونظرائهم الأميركيين، سواء كانت رسمية أو غير رسمية، تمثل خطوة مهمة في مسار تخفيف العقوبات المفروضة على دمشق.
وأوضحت أن قرار منح التأشيرات وتحديد صفة الزيارة يعود لوزارة الخارجية الأميركية، مشيرةً إلى أن مشاركة وفد سوري رفيع المستوى برئاسة وزير الخارجية في اجتماعات مرتقبة في نيويورك وواشنطن، بالتزامن مع انعقاد فعاليات صندوق النقد الدولي، يعكس جدية في السعي نحو تواصل مباشر مع المجتمع الأميركي، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني والجالية السورية في الولايات المتحدة.
كسر الجليد
واعتبرت البقاعي أن مثل هذا الانفتاح قد تحتاجه دمشق في المرحلة المقبلة، إذا ما أرادت تحقيق تقدم ملموس على صعيد العمل لرفع العقوبات الأميركية، خاصة إذا تخلل الزيارة لقاءات مع الجالية السورية أو منظمات أميركية فاعلة.
وفيما يتعلق بالشروط الأميركية المفروضة على النظام السوري لرفع العقوبات، كشفت البقاعي أن وزارة الخارجية السورية وجهت مؤخرًا رسالة مطوّلة إلى الإدارة الأميركية، ردًا على رسالة سابقة أرسلتها ناتاشا فرونشيسكي على هامش مؤتمر بروكسل.
وتضمنت الرسالة السورية، بحسب ما أفادت، إشارات إلى استعداد للتفاوض بشأن مجموعة من الشروط الأميركية، من بينها إنهاء وجود المقاتلين الأجانب في المناصب العسكرية العليا، وتقليص الدور الإيراني في سوريا، إضافةً إلى التعاون في ملف الصحفي الأميركي المفقود أوستن تايس. واعتبرت البقاعي أن الرد السوري قابل للتفاوض، وهو ما يمثل خطوة نحو فتح حوار جاد بشأن العقوبات.
أما بشأن الوفد الأميركي الذي يعتزم زيارة دمشق، والذي تشارك في ترتيبه بعض المنظمات السورية الأميركية، فأوضحت البقاعي أنه وفد غير رسمي ويزور البلاد بصفة شخصية، بعيدًا عن أي تمثيل حكومي أو برلماني. وأشارت إلى أن الانتماء الحزبي لأعضاء الوفد لا يشكل عاملًا حاسمًا، إذ لا تمثل الزيارة موقفًا رسميًا للحكومة الأميركية أو الكونغرس.
ومع ذلك، اعتبرت أن مثل هذه الزيارات تسهم في تعزيز الفهم المتبادل، وتمثل نتيجة ملموسة لجهود منظمات المجتمع المدني السوري في الولايات المتحدة، لكنها شددت على أن رفع العقوبات يتطلب مسارًا تفاوضيًا طويلًا، إلا أن ما يحدث حاليًا يعد خطوة في الاتجاه الصحيح.
وقال الباحث في مركز جسور للدراسات، وائل علوان، لـ”الترا سوريا”، إن العاصمة دمشق أصبحت اليوم وجهة رئيسية للسياسيين والدبلوماسيين من مختلف الاتجاهات، سواء أولئك المقربين من الأحزاب الحاكمة في الغرب، أو من الأحزاب المعارضة، بما في ذلك شخصيات أميركية تسعى إلى الاقتراب، وإن بشكل غير مباشر، من المشهد السوري.
وأشار علوان إلى أن وفودًا من نواب ديمقراطيين وجمهوريين، إضافةً إلى باحثين وإعلاميين ومسؤولين في دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة، يزورون دمشق في سياق متابعة تطورات الملف السوري، مؤكدًا أن الاهتمام الأميركي لا ينطلق فقط من الوضع الداخلي في سوريا، بل من أهمية الاستقرار الإقليمي وانعكاساته على الأمن الدولي.
وأوضح أن هذه الزيارات تأتي كجزء مما ما وصفه بمحاولة لفهم نوايا الأطراف المختلفة في المنطقة، لافتًا إلى أن واشنطن تراقب عن كثب ديناميكيات الاستقرار في سوريا، ما قد يؤثر بشكل مباشر على موقفها من الحكومة السورية الجديدة، وعلى مستقبل العقوبات المفروضة عليها.
وشدد علوان على أن النتائج لم تتضح بعد، سواء على صعيد رفع العقوبات، أو تخفيفها، أو تقديم استثناءات أوسع للحكومة السورية الجديدة، مشيرًا إلى أن ملامح الموقف الأميركي ما تزال قيد التبلور، وسط مراقبة دقيقة لتفاعلات المشهد السوري والإقليمي.
تُظهر مجمل التصريحات أن العلاقة بين الولايات المتحدة والحكومة السورية تمر بمرحلة دقيقة من “جس النبض”، حيث تسعى أطراف أميركية متعددة لاختبار مدى جدية دمشق في الاستجابة للشروط الأميركية، مقابل تحركات سورية تهدف إلى خلق نوافذ للتواصل وكسر حالة الجمود.
ويكشف تباين المواقف بين الكونغرس والإدارة التنفيذية عن هامش مناورة متاح لبعض الأطراف الأميركية، لا سيما عبر منظمات المجتمع المدني والجالية السورية، التي يبدو أنها باتت تلعب دورًا مركزيًا في تسهيل هذا النوع من الاتصالات.
مع ذلك، لا تزال العقوبات الأميركية على النظام السوري قائمة كأداة ضغط أساسية، ويبدو أن واشنطن تراقب التغييرات بعناية قبل اتخاذ قرارات نهائية، سواء بتخفيف القيود أو بإبقاء الوضع على ما هو عليه.
———————————
“8 خطوات لبناء الثقة”.. أميركا تقدم للحكومة السورية شروطها
كشفت تقارير صحفية أن الإدارة الأميركية هددت باتخاذ موقف صارم من الحكومة السورية الجديدة، إذ هي تجاهلت شروطها التي قدمتها لوزير خارجيتها لإعادة بناء العلاقات الدبلوماسية والتفكير برفع العقوبات.
وأفادت صحيفة “واشنطن بوست” نقلًا عن مسؤول أمريكي (لم تذكر اسمه)، أمس الخميس، إن إدارة ترامب سلمت وزير خارجية سوريا، خلال اجتماع دولي عقد في بروكسل الشهر الماضي، قائمة تضمنت 8 خطوات لـ”بناء الثقة”، على حد تعبيرها.
وتتضمن القائمة بحسب الصحيفة، إصدار إعلان رسمي من قبل الحكومة السورية الجديدة بدعمها لقوى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
كما دعت القائمة إلى تمكين الولايات المتحدة من تنفيذ عمليات لمكافحة الإرهاب داخل سوريا، بحق أي طرف تعتبره الإدارة الأمريكية خطرًا على أمنها القومي.
وفي خطوة جديدة، طالبت القائمة بإصدار إعلان رسمي يحظر جميع الجماعات والأنشطة السياسية الفلسطينية على الأراضي السورية وترحيل أعضاء هذه الجماعات، وذلك بهدف تهدئة المخاوف الإسرائيلية.
وفي المقابل، لم تتطرق القائمة، بحسب الصحيفة، إلى الوجود الروسي ووجهة نظر الولايات المتحدة بشأن هذا الأمر.
وأشارت الصحيفة، نقلًا عن مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية، إلى أن الولايات المتحدة ما تزال حذرة في تعاملها مع سوريا، حتى يثبت الشرع أنه نجح في تطهير حكومته من المتشددين الإسلاميين الأجانب وبقايا تنظيم القاعدة، ويثبت قدرته في التعامل مع الأقليات المختلفة في سوريا.
وشددت الصحيفة على أهمية هذه الشروط بالنسبة لأميركا، وضرورة أخذها على محمل الجد من قبل الحكومة السورية والإسراع في اتخاذ هذه الخطوات، للنظر في رفع العقوبات جزئيًا عن سوريا.
وفي آذار/مارس الماضي، قدمت الإدارة الأميركية قائمة من الشروط إلى سوريا مقابل تخفيف جزئي للعقوبات، لكن إدارة ترامب لم تكن على تواصل مع القيادة السورية الجديدة.
وبحسب وكالة “رويترز”، يؤيد بعض مسؤولي البيت الأبيض اتخاذ موقف أكثر تشددًا، مشيرين إلى ارتباطات القيادة السورية الجديدة السابقة بتنظيم القاعدة كسبب للإبقاء على الحد الأدنى من التواصل معها.
وقالت تقارير سابقة إن الإدارة الأميركية أصدرت قرارًا بتغيير الوضع القانوني لبعثة سوريا الدبلوماسية لدى الأمم المتحدة، من دولة عضو في المجموعة الأممية إلى بعثة حكومة غير معترف بها من قبل البيت الأبيض.
وبحسب ما تناقلت التقارير، فإن الولايات المتحدة أبلغت البعثة السورية في نيويورك، في مذكرة مُسلّمة عبر الأمم المتحدة، بأن وضعها القانوني تغيّر من بعثة دائمة لدولة عضو في الأمم المتحدة إلى بعثة تُمثّل حكومةً غير معترف بها من قبل واشنطن.
كما نصّت المذكرة على إلغاء التأشيرات من فئة G1 إلى G3 الممنوحة لأعضاء البعثة، وهي الفئة المخصصة للدبلوماسيين المعتمدين لدى الأمم المتحدة من حكومات تعترف بها الدولة المضيفة. وتُمنح هذه التأشيرات المُصنفة G3 لمواطنين أجانب مؤهلين وفق معايير الأمم المتحدة، دون أن يُعد ذلك اعترافًا من الولايات المتحدة بحكوماتهم.
——————————–
هل تقنع الحكومة السورية الجديدة الغرب برفع العقوبات؟/ أحمد زكريّا
منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، شهدت سوريا تحولات سياسية غير مسبوقة، أعادت رسم ملامح علاقتها بالمجتمع الدولي.
وبعد أشهر من الفوضى والتفاوض، أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع في 29 آذار/مارس 2025 عن تشكيل حكومة جديدة تضم 23 وزيرًا، وصفت بأنها “خطوة تاريخية” نحو الاستقرار والإصلاح.
لكن وسط هذا التفاؤل الحذر، يبقى السؤال المحوري: هل ستتمكن هذه التشكيلة من إقناع الدول الغربية برفع العقوبات الاقتصادية التي أثقلت كاهل السوريين منذ 2011؟ أم أن الطريق نحو ذلك سيظل طويلًا ومعقدًا، مشروطًا بمتطلبات سياسية وأمنية صارمة؟
خطوة نحو التمثيل الشامل أم استمرار للجدل؟
وجاء إعلان الحكومة الجديدة بعد ضغوط دولية مكثفة لتشكيل إدارة تكنوقراطية تعكس تنوع المجتمع السوري وتبتعد عن إرث نظام الأسد. التشكيلة، التي تضم ممثلين عن المسيحيين والدروز والكرد والعلويين، إلى جانب حضور نسائي محدود تمثل بتعيين هند قبوات وزيرة للشؤون الاجتماعية والعمل، بدت محاولة لتلبية هذه المطالب، لكن تعيين شخصيات مثل أنس خطاب، الجهادي السابق ورئيس جهاز الاستخبارات العامة، كوزير للداخلية، أثار تساؤلات حول مدى جدية التحول، خاصة مع بقائه على قوائم العقوبات الأممية.
وفي سياق متصل، دعا الشرع في نهاية آذار/مارس 2025، خلال قمة افتراضية مع قادة فرنسا ولبنان وقبرص واليونان، إلى رفع العقوبات، محذرًا من تأثيرها الكارثي. وقال في بيان الرئاسة: “بدأنا خطوات فعلية في الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لبناء دولة قوية ومستقرة. رفع العقوبات ضرورة لدعم هذه الجهود”.
الموقف الأميركي والأوروبي: بين الترحيب الحذر والشروط
الولايات المتحدة، التي فرضت عقوبات مشددة مثل “قانون قيصر” منذ 2020، تبنت موقفًا يمزج بين الإيجابية والحذر. وأعلنت وزارة الخارجية أن العقوبات “قيد المراجعة”، مشيرة إلى دعمها لحكومة مدنية شاملة. وفي وقت سابق من 2025، أصدرت وزارة الخزانة تراخيص مؤقتة لمدة 6 أشهر تسمح بمعاملات محدودة مع مؤسسات حكومية، لكن هذا لم يتجاوز مرحلة التجربة.
على الجانب الأوروبي، بدا النهج أكثر انفتاحًا، فالاتحاد الأوروبي، الذي علّق عقوباته لمدة عام في كانون الثاني/يناير 2025، أشار إلى أن الرفع الكامل مرهون بالتقدم الملموس.
وقالت نائبة رئيس المفوضية الأوروبية كايا كالاس: “الحكومة الجديدة خطوة نحو الاستقرار، ونحن مستعدون لتخفيف العقوبات تدريجيًا، لكن هذا مشروط بالتزام الحكومة بحقوق الإنسان والإصلاحات”.
بدورها، رحبت فرنسا بالتشكيلة في 30 آذار/مارس 2025، معتبرةً أنها “بداية مرحلة جديدة”، بينما قدمت ألمانيا خطة دعم من ثماني نقاط تشمل إعادة الإعمار.
كمل أن دول مثل كندا وسويسرا والمملكة المتحدة اتخذت خطوات عملية منذ منتصف آذار/مارس الماضي، كتخفيف القيود المصرفية وإزالة 24 كيانًا سوريًا من قوائم العقوبات البريطانية، مما يعكس استعدادًا أكبر لدعم التعافي.
المشهد الدولي: تباين في النهج وتأثير على السوريين
وقبل الخوض في آراء المحللين، يجدر بنا التوقف عند السياق الأوسع: إن العقوبات الغربية، التي فُرضت كرد على انتهاكات نظام الأسد، قد أثرت بشدة على الاقتصاد السوري، مع انهيار الليرة وارتفاع معدلات الفقر إلى أكثر من 80% بحسب تقارير الأمم المتحدة.
التشكيلة الجديدة، رغم إثارتها للجدل، حظيت بترحيب دولي نسبي، لكن التباين بين الموقف الأميركي الحذر والمرونة الأوروبية يضع الحكومة أمام تحدٍ كبير: كيف تثبت جديتها دون أن تُنظر إليها كأداة لتنفيذ أجندات خارجية؟
أوروبا تتقدم وأمريكا تتأخر
في هذا السياق، يقدم فاروق بلال، رئيس المجلس السوري الأميركي في تصريح لـ”الترا سوريا”، تحليلاً يرصد التباين بين النهجين الأوروبي والأميركي. يقول: “عندما لاحظنا أن الدول الأوروبية رحبت بالحكومة الانتقالية الجديدة واعتبرتها خطوة إيجابية، كان ذلك بعد أن سبق لهذه الدول أن خففت العقوبات عن دمشق قبل تشكيلها، كما أصدرت قرارات بزيادة الدعم واستخدام أموال الأسد المصادرة لمشاريع التنمية وإعادة الإعمار”.
وأضاف: “أما الولايات المتحدة فموقفها مختلف ومتأخر، ورغم ترحيبها بالحكومة الجديدة، فهي ترى أن هذا غير كافٍ لرفع العقوبات، حيث تتبنى أميركا تصريحات إيجابية لكن بحذر شديد، تربط الرفع بشروط مثل محاربة النفوذ الإيراني، تقليص العلاقات مع روسيا، وتدمير أسلحة الدمار الشامل”. ويرى بلال أن أوروبا بدأت بتحويل الأموال المجمدة لدعم البنية التحتية، بينما يعيق الحذر الأميركي تقدمًا أسرع، حسب تعبيره.
وتشير التقارير إلى أن العقوبات، رغم استهدافها لنظام الأسد سابقًا، أدت إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، حيث بات أكثر من 12 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
من جهتها، تواجه الحكومة الجديدة، التي تسعى لاستعادة الثقة الدولية، ضغوطًا داخلية لتحسين الأوضاع، بينما تتأرجح بين تلبية مطالب الغرب وحماية السيادة الوطنية.
العقوبات كأداة ضغط والتحديات المستقبلية
عبد العزيز دالاتي، نائب مدير المنظمة العربية الأوروبية لحقوق الإنسان، يحذر من تبعات استمرار العقوبات على الشعب السوري. يقول لـ”الترا سوريا”: “بعد سقوط نظام الأسد، الذي كان السبب الرئيسي وراء العقوبات، كان من المتوقع رفعها لتخفيف معاناة الشعب”.
وتابع: “لكن استمرارها يُنظر إليه من وجهة نظر السوريين كابتزاز سياسي لفرض تنازلات، خاصةً مع ربط بعض الدول الرفع بشروط مثل الإصلاحات وحماية الأقليات، وربما تنازلات سرية غير معلنة، وهذا التأخير يزيد من الأزمة الاقتصادية والإنسانية، ويحرم السوريين من بداية جديدة كانوا يأملونها”. كما أعرب عن اعتقاده بأن الغرب قد يستخدم العقوبات كورقة ضغط لتحقيق أهداف سياسية، مما يعقد مسار التعافي.
تتجاوز التحديات أمام الحكومة الجديدة مجرد تشكيلها، إذ يتعين عليها التعامل مع ملفات معقدة كالنفوذ الإيراني والروسي، وتصنيف “هيئة تحرير الشام” على قوائم الإرهاب، إضافةً إلى إعادة بناء الثقة مع المجتمع الدولي. هذه العوامل ستحدد مدى نجاحها في تخفيف العقوبات أو رفعها كليًا.
الكاتب والصحفي باسل المحمد يرى أن الحكومة الجديدة تمثل بداية واعدة لكنها ليست كافية، ويوضح لـ”الترا سوريا”: تشكيل الحكومة السورية الجديدة يُعد خطوة إيجابية نحو تعزيز الاستقرار السياسي في سوريا، وقد يساهم في تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد منذ عهد النظام السابق، وقد أبدت دول أوروبية والولايات المتحدة ترحيبًا بهذه الخطوة، مشيرة إلى أن الحكومة الجديدة تتكون من تكنوقراط، مما يعزز فرص مراجعة هذه العقوبات، ومع ذلك، فإن رفعها بالكامل لن يكون فوريًا أو دون شروط”.
وتابع: “الولايات المتحدة تشترط تحقيق ثلاثة محاور رئيسية: أولًا، محاربة الإرهاب، ثانيًا، ضمان دور الحكومة السورية الجديدة في مكافحة الإرهاب، وثالثًا، تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، وهو هدف تسعى إليه الحكومة الجديدة نفسها”.
ورأى أن: “الدول الأوروبية، تركز على قضايا حقوق الإنسان والحريات، بالإضافة إلى ضمان تمثيل أوسع للطوائف والأقليات في العملية السياسية، وقد حاولت الحكومة الجديدة تحقيق هذا التوازن عبر تشكيل وزاري يعكس تنوع المجتمع السوري، حيث تمثلت الطوائف مثل الدروز والعلويين والكرد في الحكومة بناءً على الكفاءة الوطنية، ومع ذلك، تشترط أوروبا أيضًا تقليص النفوذ الروسي وإنهاء وجود القواعد الروسية في سوريا، وهو أمر قد يشكل تحديًا كبيرًا”.
واعتبر المحمد أنه: “على الرغم من الجهود المبذولة، فإن رفع العقوبات بشكل كامل يعتمد على قدرة الحكومة الجديدة على تنفيذ إصلاحات شاملة ومستدامة في المجالات السياسية والأمنية. وطالما بقيت هيئة تحرير الشام وقادتها مصنفين على قوائم الإرهاب لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ستظل العقوبات قائمة جزئيًا أو كليًا”.
خطوة إلى الأمام لكن المسافة طويلة
تشكيلة الحكومة السورية الجديدة فتحت بابًا للتفاؤل، لكنها لم تُقنع الغرب بعد برفع العقوبات كليًا، حيث إن أوروبا تتقدم بخطوات عملية مثل تخفيف العقوبات ودعم الإعمار، بينما تظل أميركا متمسكة بشروط صارمة، ومن هنا فإن التحدي الأكبر أمام الشرع يكمن في إثبات أن حكومته قادرة على الإصلاح الشامل، مع التوفيق بين مطالب الغرب وحاجات الشعب. وحتى ذلك الحين، يبقى السوريون عالقين بين آمال التغيير وأعباء واقع قد يطول أمده، وفق مراقبين.
————————-
سمير التقي: مفاتيح رفع العقوبات بيد السوريين والمصالحة الوطنية أول الطريق
قال الباحث في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، سمير التقي، في مقابلة مع وكالة “الأناضول” التركية، إن رفع العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا لا تتعلق بالإقناع، بل ترتبط بمصالح واشنطن ورؤيتها لمستقبل البلاد، مؤكدًا أن رفعها يتطلب جهودًا سياسية ودبلوماسية واقتصادية شاملة.
أكد التقي أن العقوبات الأميركية على سوريا تُعد “قضية ليست مرتبطة بإقناع”، لكنها مرتبطة بـ”مصالح الولايات المتحدة وبمفاهيم تتعلق بما تراه مناسبًا لمستقبل سوريا”. ورأى أن “تمويل التعافي في سوريا أمر ممكن وأن رفع عقوبات محددة متعلق بالتعافي المبكر”.
ووفقًا للتقي، فإن “القضية تتطلب جهدًا كبيرًا”، والتي يعتبر أن أولها “سياسي ودبلوماسي يظهر أين تتموضع سوريا في سياقها الإقليمي والاستراتيجي”، وثانيها “أين تتموضع سوريا من ناحية اقتصادية؟ وأي نموذج من الدولة سوف نذهب إليه”، وفق حديثه.
توافق الكونغرس
الباحث كشف أن الصعوبات المرتبطة بوضع الكونغرس بالقول: “يجب أن ندرك بأن هناك في الكونغرس الأميركي قوى متنفذة جدا ويحتاج رفع العقوبات لتوافقات بين الأحزاب، بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وحتى ضمن كل حزب على حدة”.
وأضاف التقي أنه في هذا السياق “ينبغي أن يكون هناك حملة كبيرة، أولًا صورة مهمة إيجابية جيدة جدًا لسوريا من حيث مستقبلها، ويكون هناك اطمئنان”.
ولفت التقي إلى أن “هناك قضية متعلقة بتموضع سوريا في الإقليم”، معتبرًا أنه في هذه الحالة “يمكن القيام بحملة داخل الكونغرس، لأن ما يمكن للرئيس (أحمد الشرع) أن يفعله عبر بعض الإعفاءات لا يكفي لبناء مستقبل للتنمية”. وأكد أن “لا بد من التفكير بالتوجه إلى الكونغرس مباشرة بكل تناقضاته للتوصل لنوع من التوافقات”، مشيرًا إلى أنه “ينبغي أولًا أن ننجز نحن مصالحتنا الوطنية بطريقة سلمية، ثم نذهب إلى رفع العقوبات”.
واعتبر التقي أن المطلوب من السلطات السورية أن تتوصل مع جميع السوريين إلى ما هو مشابه للاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
إعلام يعبر عن السلطة الراهنة
كما أوضح التقي أنه “نشأت تحفظات في الولايات المتحدة بعد الإعلان الدستوري، لأنه لم يكن واضحًا بالشكل الكافي فيما يتعلق بطبيعة السلطة والنظام السياسي”.
بالإضافة إلى ذلك، أكد التقي على أهمية دور الإعلام، لافتًا إلى أنه “حتى الآن لا نشاهد إعلام يعبر عن طبيعة السلطة الراهنة في سوريا”، مؤكدًا ضرورة إثبات “أننا نسير في اتجاه دولة تعددية”.
وأضاف التقي أنه ينبغي أن “دولة ليست مبنية على قمع طرف باتجاه طرف”، وأردف موضحًا: “ليس الموضوع طائفي بقدر ما هو متعلق بتأمين مقدار جدي من الوحدة الوطنية، نستطيع عندها أن نقف حتى في وجه أميركا ونقول لهم أنتم مخطئون”.
المواقف الإقليمية
وحول الموقفين القطري والتركي من السلطات السورية الجديدة، رأى التقي أنها “تؤثر في إعطاء فرصة لسوريا أن تثبت نفسها”، لكنه أكد في المقابل أنها “لا يمكن أن تغير رأي المجتمع الدولي إذا سارت الأمور باتجاه غير مناسب”.
وأضاف التقي: “بالتالي هي تعطي فرصة، عمليا نحن نشتري الوقت، تركيا الآن توظف إمكانات كبيرة في عملية تأهيل الدولة السورية وإعادة بنائها من الصفر عمليا”.
وأكد أن “هذا يلعب دورًا مهمًا في أن يعطي فرصة نجاح”، لكن هذه الفرصة من وجهة نظر التقي “تحتاج من السوريين أن يخوضوا تجربة جديدة، ونظام دولة جديدة يؤمن السلم الأهلي العيش المشترك، ومن ثم التنمية الاقتصادية”.
وتلخيصًا لتوقعات المرحلة القادمة، يقول التقي: “ليس من حقي إلا أن أتفاءل بالنتيجة، يعني كل السوريين مستعدين لبذل كل ما هو ممكن من أجل مساعدة الحكومة الراهنة لأن تتقدم في اتجاه بناء الدولة”.
وختم حديثه مع “الأناضول” قائلًا: “مستوى الخراب القائم في سوريا هائل إلى درجة يجعل المهمة غاية في الصعوبة”، لذلك يشدد على أن “بدون تكاتف كل السوريين لن يمكن بناء دولة جديدة”.
——————————
سياسة ترامب تجاه سوريا: التحول نحو الاحتواء الاستراتيجي/ لين خطيب
يتبنى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في ولايته الثانية، نهجًا مختلفًا تجاه سوريا يقوم على “التقليل الاستراتيجي”، حيث يتم تقليل التدخل المباشر للولايات المتحدة مع الحفاظ على وجود يخدم المصالح الإقليمية الأميركية. أربعة عناوين تلخص سياسة ترامب تجاه سوريا بعد انهيار نظام الأسد: فك الارتباط العسكري، والتحالف مع تركيا، واحتواء إيران، وخدمة المصالح الإسرائيلية.
الانسحاب العسكري مع الاحتفاظ بالنفوذ الاستراتيجي
أحد أهم التطورات في ظل قيادة ترامب المتجددة هو نيته الواضحة في تقليص وجود القوات الأميركية في سوريا. وقد أدى ذلك إلى محاولة مساعدة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” والحكومة السورية الجديدة على التوصل إلى اتفاق يهدف إلى دمج “قسد”، التي يقودها الأكراد، ضمن الحكومة السورية المؤقتة بقيادة أحمد الشرع. وإذا تحقق هذا الاتفاق بالكامل، فسيشكل خطوة نحو استقرار شمال سوريا، مع السماح بانسحاب أميركي يتم بطريقة تمنع حدوث فراغ أمني.
ومع ذلك، فإن الانسحاب الأميركي ليس خاليًا من التعقيدات. فقد استخدمت الولايات المتحدة تاريخيًا وجودها العسكري في شمال شرق سوريا لمواجهة تنظيم “داعش”، ودعم حلفائها من الأكراد، وموازنة النفوذ الإيراني. وقد يؤدي الانسحاب المتسرع إلى ترك فراغ يمكن للاعبين إقليميين استغلاله.
ومن منظور سوري، يُنظر إلى خروج القوات الأميركية على أنه خطوة ضرورية لاستعادة السيادة الكاملة، رغم المخاوف من القوة التي قد تملأ هذا الفراغ. وفي الوقت الراهن، يبدو أن استراتيجية ترامب لن تكون انسحابًا كليًا بل إعادة تموضع تُقلل من البصمة الأميركية مع الحفاظ على النفوذ من خلال تحالفات مع إسرائيل وتركيا.
دور تركيا والمساومات الجيوسياسية
بالفعل، تُعد كل من تركيا وإسرائيل من اللاعبين الرئيسيين في تشكيل سياسة ترامب تجاه سوريا. فيما يتعلق بتركيا، فقد سلطت تصريحات ترامب، التي جاءت فور الإطاحة بنظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، الضوء على الدور المحدود للولايات المتحدة في سوريا، مع الإقرار بالدور الكبير لتركيا في البلاد، وأشارت التصريحات إلى أن تركيا خرجت كالمُنتصر الوحيد في سوريا وتتمتع بجميع المزايا الاستراتيجية فيها.
أربعة عناوين تلخص سياسة ترامب تجاه سوريا بعد انهيار نظام الأسد: فك الارتباط العسكري، والتحالف مع تركيا، واحتواء إيران، وخدمة المصالح الإسرائيلية
ومن منظور سوري، يُنظر إلى النفوذ التركي على أنه معقد؛ فبالرغم من معارضة كثير من السوريين لأي تدخل أجنبي، إلا أن الدور التركي يُعتبر في كثير من الأحيان أفضل من التدخل الإسرائيلي أو الأميركي، نظرًا للعلاقات التاريخية لأنقرة مع المنطقة ومعارضتها لنظام الأسد.
وتكمن المصلحة الأساسية لأنقرة في منع إقامة كيان كردي مستقل على حدودها، والذي تعتبره تهديدًا للأمن القومي. وإذا انسحبت القوات الأميركية، فمن المرجح أن تسعى تركيا إلى زيادة نفوذها في شمال سوريا، خاصةً في المناطق التي كانت تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية. وستكون مهمة ترامب هي تحقيق توازن بين هذا الطلب التركي والحفاظ على مصداقيته لدى القوات الكردية، التي كانت حليف الولايات المتحدة الرئيس في مكافحة داعش وتأمين حقول النفط والغاز. كما تتوقع إسرائيل من ترامب أن يضمن تحقيق تحول جيوسياسي أوسع يقوي موقعها الإقليمي على حساب تركيا، ما يثير قلق الأتراك والسوريين على حد سواء.
ويعتبر موقف تركيا من اتفاقيات أبراهام أمرًا حاسمًا معقدًا للأمور، إذ تجادل أنقرة بأن هذه الاتفاقيات تقوض القضية والحقوق الفلسطينية ولا تعالج سياسات الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة بأسرها، وترى أنها جزء من الاستراتيجية الأميركية – الإسرائيلية لتعزيز موقع إسرائيل الإقليمي مع تهميش اللاعبين الرئيسيين الآخرين، بما في ذلك تركيا نفسها.
احتواء إيران وسياسة العقوبات
ليست تركيا اللاعب الوحيد الذي تهتم به سياسة ترامب في سوريا. ففي الواقع، ترتبط استراتيجية ترامب في سوريا ارتباطًا وثيقًا بسياساته الأوسع في الشرق الأوسط، لا سيما فيما يتعلق بإيران. يُعد من أهداف ترامب الرئيسية الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، ولا سيما في سوريا والعراق واليمن.
وعلى عكس جو بايدن الذي انتهج نهجًا غير واضح تجاه إيران، من المتوقع أن يواصل ترامب سياسته المتشددة، وربما يكثف التدخلات الأميركية ضد طهران. ففي اليوم الذي تولى فيه ترامب منصبه، أعاد تصنيف المتمردين الحوثيين في اليمن، المتحالفين مع إيران، كمنظمة إرهابية أجنبية. وكان فريقه قد بدأ بالتعامل مع الملف العراقي حتى قبل توليه رسميًا سدة الرئاسة، حيث وجه عدة رسائل إلى الحكومة العراقية طالبًا دمج قوات الحشد الشعبي (PMF) في الجيش الوطني لكبح حرية تحرك إيران في العراق.
ومع ذلك، تُعتبر هذه الجهود الأميركية للحد من النفوذ الإيراني في سوريا كخدمة للمصالح الإسرائيلية بدلًا من أن تخدم استقرار سوريا.
العامل الإسرائيلي وإعادة الترتيبات الإقليمية
يمكن القول إن سياسة ترامب تجاه سوريا مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بإعطاء الأولوية لأمن إسرائيل. ومن ثم، فإن أحد العناصر الرئيسية في سياسة ترامب هو تقاطعها مع المصالح الإسرائيلية. ففي إدارته السابقة، اتخذ ترامب إجراءات كانت في مصلحة إسرائيل وعلى حساب حقوق السوريين، مثل الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان المحتلة. وفي ولايته الثانية، يُتوقع أن يحافظ على مسار مماثل من خلال ضمان ألا تتحول سوريا إلى منصة لنشاط عسكري معاد لإسرائيل.
ومن منظور وطني سوري، فإن أي سياسة تعزز موقع إسرائيل على حساب سيادة سوريا غير مقبولة. لا يزال السوريون متمسكين بمعارضتهم لاحتلال إسرائيل لهضبة الجولان، ويعتبرون السياسات الأميركية التي تضع أمن إسرائيل فوق استقرار سوريا وأمن شعبها بمثابة إجراء غير مقبول. وستلعب إعادة ترتيب التحالفات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، بما في ذلك الاتفاقيات المحتملة لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، دورًا في تشكيل موقف ترامب تجاه سوريا.
التحديات والتوقعات المستقبلية
على الرغم من ميل ترامب إلى تقليل التدخل العسكري، فإن عدة عوامل قد تعقد استراتيجيته في سوريا، مثل احتمال عودة نشاط داعش، والتوترات بين تركيا والقوات الكردية، والمناورات الروسية. علاوة على ذلك، ورغم تفضيل ترامب لتقليل التدخل المباشر، فإن إدارته ستظل مضطرة للتعامل مع تعقيدات السياسة الإقليمية. وفيما يتعلق بتعامل إدارة ترامب مع الحكام الجدد في دمشق، فمن المحتمل أن تستجيب الإدارة للمبادرات الإقليمية التي تقودها تركيا وقطر والسعودية لاستقرار سوريا.
ومن منظور سوري، فإن السيناريو المثالي هو انسحاب أميركي لا يترك سوريا عرضة لمزيد من التدخلات الأجنبية. قد يكون أحد السيناريوهات المحتملة هو التحول نحو نوع من المشاركة غير المباشرة، حيث تعتمد الولايات المتحدة على شركاء إقليميين مثل تركيا وقطر بدلًا من التدخل المباشر. وهذا يتماشى مع نهج ترامب “أميركا أولًا” الذي يركز على الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية بدلًا من الالتزامات العسكرية المطولة.
——————————
وول ستريت جورنال: سياسة أمريكا من سوريا تتشدد وتطالب الشرع بنبذ الإرهاب وطرد الجماعات الفلسطينية
إبراهيم درويش
نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا أعده جاريد ماسلين ونانسي يوسف ومايكل غوردون، قالوا فيه إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، شددت من المطالب على القيادة الإسلامية الجديدة في سوريا. وتريد واشنطن من دمشق قمع المتطرفين وطرد المنظمات الفلسطينية من البلاد، مقابل تخفيف محدود للعقوبات.
وأضافت الصحيفة أن إدارة ترامب هددت باتخاذ موقف متشدد من حكومة سوريا الجديدة إن لم تنفذ مطالب جديدة حتى ترفع بعض العقوبات. وبحسب مسؤولين أمريكيين مطلعين، فقد أصدر البيت الأبيض توجيهات سياسية في الأسابيع الأخيرة تدعو الحكومة السورية إلى اتخاذ خطوات تتضمن أيضا تأمين مخزون البلاد من الأسلحة الكيميائية. وأضافوا أن الولايات المتحدة ستنظر في المقابل في تجديد إعفاء ضيق من العقوبات أصدرته إدارة بايدن والذي كان يهدف إلى تسريع تدفق المساعدات إلى البلاد.
وتعلق الصحيفة أن هذه التوجيهات تعكس شكوكا بين مسؤولي الإدارة الأمريكية تجاه الحكومة السورية، التي يقودها قادة سابقون للمعارضة المسلحة والذين أطاحوا بالرئيس بشار الأسد من السلطة في كانون الأول/ ديسمبر، وهو ما أنهى حربا أهلية استمرت 13 عاما.
وتعلق الصحيفة أن اسم روسيا لم يذكر في توجهات السياسة الأمريكية الجديدة. وهو ما يكشف عن الطريقة التي تخفف فيها إدارة ترامب من الضغط الذي مارسته إدارة الرئيس السابق بايدن لحث دمشق على التخلص من القواعد العسكرية للكرملين في سوريا، على الأقل في الوقت الحالي، حيث يجري المسؤولون الأمريكيون مفاوضات مع موسكو لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
ونقلت الصحيفة عن متحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ردا على سؤال حول إشعار السياسة: “لا تعترف الولايات المتحدة حاليا بأي كيان كحكومة سورية”. وأضافت: “على السلطات السورية المؤقتة أن تنبذ الإرهاب تماما وأن تقمعه”. ولا تزال الحكومة الأمريكية تصنف أحمد الشرع، كإرهابي، وهو تصنيف عندما كان يقود مجموعة ربطتها أمريكا بتنظيم القاعدة قبل أن يفك علاقته بها.
ويبدو أن إدارة ترامب غير راغبة بالتحاور مع النظام الجديد، أسوة بما فعلته إدارة بايدن التي أرسلت مسؤولين كبارا للقاء الشرع في كانون الأول/ ديسمبر، ورفعت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار كان مكتب التحقيقات الفيدرالي قد وضعها سابقا للوصول على أحمد الشرع.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين دفاعيين هذا الأسبوع، أن البنتاغون يخطط لتخفيض عدد القوات الأمريكية في سوريا إلى النصف، حيث يرابط ما يقرب من 2,000 جندي هناك، ويعملون مع قوات سوريا الديمقراطية في شمال- شرق سوريا. وتخطط الإدارة الأمريكية لإجراء مراجعة لتحديد ما إذا كان ينبغي خفض المزيد من القوات هذا الصيف.
وكانت القوات الأمريكية قد كُلفت بمنع سوريا من أن تصبح موطئ قدم للجماعات المتطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية. وليس من الواضح بعد موقف ترامب بشأن العناصر الأخرى للسياسة الأمريكية تجاه سوريا.
وقال المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط وأوكرانيا، ستيف ويتكوف، الشهر الماضي إن الشرع “شخص مختلف عما كان عليه سابقا. والناس يتغيرون”.
ويشعر قادة الحزب الجمهوري الرئيسيون بالقلق من تراجع النفوذ الأمريكي في سوريا بطريقة قد تتيح فرصة لروسيا والصين. وفي اتجاه آخر، تعامل القادة العسكريون البارزون مع الوضع الجديد بنوع من البراغماتية، وساعدوا في التوسط في اتفاق في آذار/مارس لوضع قوة عسكرية قوية يسيطر عليها الأكراد مدعومة من الولايات المتحدة تحت قيادة الحكومة في دمشق. وقد رفضت الحكومة السورية التعليق على مطالب السياسة الأمريكية الجديدة التي تم إبلاغها بها.
وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” قد كشفت في وقت سابق قرار البنتاغون بسحب قوات من سوريا. وتشير الصحيفة إلى أن الشرع أمضى سنوات للعمل على تحسين صورته وتطهير صفوف جماعته من المتطرفين ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية. ومنذ توليه السلطة، عمل الشرع وحكومته على كسب القبول الغربي والدولي، ووعدوا بحكم سوريا بشكل شامل وتعهدوا بتجنب الصراع مع إسرائيل. وفي آذار/مارس، عيّن الشرع حكومة جديدة احتفظ فيها الإسلاميون بالوزارات الرئيسية، لكنها ضمت أيضا أعضاء من الأقليات وقادة المجتمع المدني.
وأشارت الصحيفة إلى أن الرهانات عالية بالنسبة للشرع وحكومته، فالاقتصاد متعثر ومدن البلاد مدمرة بعد سنوات من الحرب التي دعمت فيها روسيا وإيران النظام السابق. وبدون رفع العقوبات التي فرضتها الدول الغربية وأمريكا على النظام السابق، فستكون إعادة إعمار سوريا صعبة.
وفي الوقت الذي خففت فيه دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بعض العقوبات، إلا أنه وبدون دعم أمريكي ومنافذ للنظام المالي العالمي، فستظل سوريا تكافح من أجل تأمين رواتب موظفيها وبدء عملية إعادة الإعمار بشكل يسمح للاجئين بالعودة إلى بلادهم، ويمنع عودة العنف المتجدد.
ونقلت الصحيفة عن ناتاشا هول، الزميلة البارزة في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن قولها: “هناك حاجة ماسة إلى الكثير من المساعدة لإنجاز أي من هذه الأمور وتأمين البلاد، علاوة على بدء أي نوع من التنمية” و”الوقت ينفد”.
وتتضمن التوجيهات السياسية الأخيرة للإدارة الأمريكية بعض الطلبات المشابهة لتلك التي قدمتها إدارة بايدن للشرع، بما في ذلك العمل مع المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية، وتأمين اليورانيوم عالي التخصيب، وتعيين ضابط اتصال للعمل على تحديد مكان 14 أمريكيا مفقودا في سوريا.
كما تطلب الإدارة الأمريكية من الحكومة الجديدة إصدار إعلان عام ضد الجماعات الجهادية. وفي طلب جديد، تريد الإدارة الأمريكية من سوريا حظر الجماعات الفلسطينية المسلحة من العمل في البلاد، بما في ذلك جمع الأموال وطرد أعضائها من سوريا. وتعمل الجماعات الفلسطينية منذ عقود في سوريا، التي تضم عددا كبيرا من اللاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948 وأي خطوة لطردهم قد تؤدي إلى مواجهة بين الحكومة وتلك المنظمات، كما تقول الصحيفة.
وفي مقابل تنفيذ هذه المطالب، ستدعم أمريكا وحدة الأراضي السورية وتفكر باستئناف العلاقات الدبلوماسية ورفع المسؤولين السوريين عن قائمة الإرهاب. وبموجب السياسة الجديدة، ستنظر الولايات المتحدة أيضا في تمديد الإعفاءات الحالية من العقوبات التي أصدرتها إدارة بايدن في كانون الثاني/ يناير، والتي تهدف إلى تسريع تسليم المساعدات الإنسانية إلى سوريا.
وقد منحت وزارة الخزانة الأمريكية في كانون الثاني/ يناير إعفاءات لمجموعات الإغاثة والشركات التي توفر الإمدادات الأساسية، بما في ذلك الكهرباء والنفط والغاز الطبيعي. ويظل العرض الأمريكي أدنى من رفع العقوبات الذي دعا إليه بعض المسؤولين الأوروبيين والقوى الإقليمية مثل تركيا ومحللي الأمن الذين يخشون أن تنزلق سوريا مرة أخرى إلى العنف أو تصبح مرة أخرى تحت تأثير روسيا وغيرها من المعارضين التقليديين للولايات المتحدة.
وقال بنيامين فيف، كبير محللي الأبحاث في شركة كرم شعار الاستشارية، وهي شركة استشارية تعمل على الاقتصاد السوري: “سيؤدي ذلك إلى تعقيد الوضع للغاية، وفي الواقع لن يؤدي إلا إلى دفع سوريا والسلطات الجديدة إلى أيدي الروس أو حتى الصينيين”.
والملاحظ أن السياسة الجديدة لإدارة ترامب لا تأتي على ذكر روسيا التي تدخلت عسكريا في سوريا عام 2015. وبعد انهيار الأسد، أرسلت شحنات من الأوراق النقدية السورية إلى البلاد في محاولة للحفاظ على نفوذها هناك.
وصرح مسؤولان سابقان في إدارة بايدن بأن أحد أهداف الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الإدارة مع دمشق هو إنهاء الوجود العسكري الروسي في سوريا، بما في ذلك قاعدتان بحريتان وجويتان قرب البحر الأبيض المتوسط، وهما أساسيتان لجهود الكرملين العالمية لتوسيع نفوذه.
——————————-
مطالب قبل رفع العقوبات: إدارة ترامب متمسكة بسياسة أمريكا حول سوريا الأسد ولا تريد الاعتراف بالشرع وحكومته
إبراهيم درويش
علقت صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير أعدته أبيغيل هاوسلونر وكارين دي يونغ بالقول إن الولايات المتحدة تعمل على إبعاد نفسها عن سوريا، رغم الإشارات عن عودة إيران وروسيا إليها، مع أن تأثيرهما تبخر بعد انهيار نظام الأسد.
وفي الوقت الذي حاولت فيه إدارة الشرع التواصل مع الغرب والقوى الإقليمية، باستثناء إسرائيل، فيما نظر إليه كفرصة لأمريكا للاستفادة من الوضع إلا أن إدارة ترامب لا تزال على موقفها من سوريا كما في عهد الأسد.
وقال مسؤول بارز في الإدارة “لا نزال نتعامل مع سوريا بحذر” حتى يثبت الشرع أنه طهر حكومته من المقاتلين الإسلاميين الأجانب. وقال المسؤول، وهو واحد من عدة مسؤولين أمريكيين وأجانب تحدثت إليهم الصحيفة شريطة عدم الكشف عن هويتهم: “نحن لا نتطلع بالضرورة إلى إنقاذ سوريا من أجل الشعب السوري. نحن ننظر إلى عدم عودة إيران وعدم عودة [تنظيم الدولة الإسلامية] باعتبارهما المصلحة الحاسمة للشعب الأمريكي هناك”.
ويقول العديد من الحلفاء والخبراء الإقليميين والمشرعين الأمريكيين من كلا الحزبين إن تردد إدارة ترامب قد يضمن عودة نفس الأشياء التي تحاول منعها.
وبحسب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الجمهوري عن ولاية أيداهو، جيمس إي. ريش في جلسة استماع في شباط/ فبراير: “إن المشاركة المفرطة في وقت مبكر جدا قد تخلق المزيد من المعضلات الأمنية” و”لكن عدم المشاركة أو قلة المشاركة سيعطي روسيا وإيران القدرة على ممارسة نفوذ كبير مرة أخرى”. وأضاف ريش: “الوقت هو الجوهر هنا” و”الباب لا يزال مواربا، لكنه سيغلق في وجوهنا إذا لم نستغل وضعنا الحالي”.
وبعد شهرين، لم تقرر الإدارة بعد ما إذا كانت ستدخل من الباب أم تغلقه. وقال دبلوماسي أوروبي حث واشنطن على المشاركة في إعادة تأهيل سوريا: “من الواضح لدينا أن الأمريكيين وللأسف ليست لديهم سياسة”.
وأضافت الصحيفة أن مسؤولا أمريكيا سلم وزير الخارجية السوري الجديد في اجتماع دولي عقد في مركز الاتحاد الأوروبي ببروكسل الشهر الماضي، قائمة بثماني خطوات “لبناء الثقة” يتعين على حكومته اتخاذها للنظر في رفع العقوبات جزئيا.
وتتضمن القائمة، التي اطلعت صحيفة “واشنطن بوست” على نسخة منها، السماح للحكومة الأمريكية بإجراء عمليات مكافحة الإرهاب على الأراضي السورية ضد أي شخص تعتبره واشنطن تهديدا للأمن القومي. كما تلزم القائمة الحكومة السورية “بإصدار إعلان رسمي عام يحظر جميع الميليشيات الفلسطينية والأنشطة السياسية” على الأراضي السورية، وترحيل أعضاء هذه الجماعات “لتهدئة المخاوف الإسرائيلية”.
وحتى مع بدء الإدارة في سحب جزء من القوات الأمريكية في سوريا، فإن قائمة المطالب تضمنت أيضا توجيهات لدمشق بإصدار إعلان رسمي لدعم عملية “العزم الصلب”، وهي مهمة ما يقرب من 2,000 جندي أمريكي متمركزين هناك ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
ومنذ توليه منصبه، لم يدل ترامب بأي تصريحات عن سوريا، وعندما سئل بعد توليه منصبه بفترة وجيزة عما إذا كان سيسحب القوات الأمريكية، وهو ما قيل إنه أمر به ثلاث مرات خلال ولايته الأولى قبل أن يقنع بالتراجع عنه، قال إنه “سيتخذ قرارا بشأن ذلك”. وأضاف أن سوريا “في فوضى عارمة. لديهم ما يكفي من الفوضى هناك. لا يريدون أن نتدخل في كل واحدة منها”.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول أمريكي بشأن خفض القوات قوله: “من الخطأ اعتبار هذا انسحابا”، مضيفا أن “عملية إعادة نشر القوات والجنود ستمضي حسب ما هو مخطط لها” وأن “الولايات المتحدة ستظل مركزة على مهمة هزيمة تنظيم الدولة”.
ومع أنه لا يتم الحديث حاليا عن سحب كامل للقوات الأمريكية من سوريا، إلا أن مسؤولا دفاعيا قال بأن الخطط تهدف إلى “تقليص” و”تعزيز” الوجود الأمريكي.
وأضاف المسؤول، في إشارة إلى المفاوضات بين طهران وواشنطن بشأن البرنامج النووي الإيراني التي بدأت الأسبوع الماضي: “الأمور تسير على ما يرام بالفعل، على الرغم من أنهم على الأرجح لن يعلنوا عن أي شيء قبل محادثات إيران”.
ومن المقرر عقد جولة ثانية من المحادثات في روما نهاية هذا الأسبوع. وقال مسؤول أمريكي يراقب المنطقة إن هناك توقعات بأن تخفض الإدارة عدد القوات “إلى الحد الأدنى، أعتقد أننا سنحصر وجودنا في منطقة صغيرة جدا في الشمال الشرقي”.
ولم يتضح بعد مدى تأثر خطط الانسحاب الأمريكي بالأحداث على الأرض، في وقت بدأ فيه تنظيم الدولة الإسلامية بتصعيد هجماته في شرق سوريا، سعيا منه للاستفادة من أي فراغ قد يخلفه تقليص الوجود الروسي واحتمال انسحاب الولايات المتحدة.
ومن بين الأهداف الأكثر أهمية له، معسكرات الاعتقال في شمال – شرق سوريا التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وتضم حوالي 9,000 مقاتل من تنظيم الدولة الإسلامية و40,000 من أفراد عائلاتهم. وتعمل قوات سوريا الديمقراطية تحت إشراف القوات الأمريكية هناك، وبمساعدة استخباراتية وتسليح منها.
وأشارت الصحيفة إلى شكوك الحلفاء وخبراء المنطقة من قدرة الشرع على إقامة دولة شاملة ومركزية، ولكن بدون رفع تدريجي للعقوبات على الأقل، “لن يتمكن الشرع من تلبية احتياجات شعبه”، كما قال مروان المعشر، نائب رئيس مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ووزير خارجية الأردن الأسبق. وقال المعشر: “الكهرباء متوفرة لبضع ساعات فقط في اليوم والاقتصاد في حالة يرثى لها” و”بدون رفع العقوبات، لن يتمكن من إحراز تقدم وما لم يتمكن من إحراز تقدم، فهو في ورطة”.
على الرغم من أن إدارة بايدن ألغت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار على رأس الشرع في كانون الأول/ ديسمبر، إلا أن تصنيف الولايات المتحدة لسوريا كدولة داعمة للإرهاب لا يزال قائما. وأشار جيمس جيفري، المبعوث الأمريكي السابق لسوريا إلى أن إيران ستجد طريقا للعودة إلى سوريا “إذا لم تحصل دمشق على دعم شركاء دوليين” وكذا روسيا التي سترسل شحنات النفط وضروريات أخرى.
وترى الصحيفة أن سبستيان غوركا، المدير الأول لمكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي، هو من يقود الحملة ضد أي تنازلات. وقال غوركا في مقابلة نشرتها “بريتبارت” الأسبوع الماضي: “لا أعتقد أن أحدا ذرف دمعة على سقوط نظام الأسد”. لكنه أضاف: “ما لديكم في دمشق الآن ليس ديمقراطيا جيفرسونيا”. وقال غوركا في المقابلة: “كل ما نعرفه هو أن ما يسمى بالرئيس المؤقت قد قال إن الشريعة الإسلامية ستكون قانون سوريا”،”لذا، لا يزال الجدل محتدما بشأن الجولاني وما يريد فعله في سوريا”.
وقال مسؤول آخر: “نحن ننظر إلى ما يفعلون لا ما يقولون”. ومع ذلك لا تزال واشنطن متشككة بشأن الحكومة السورية المعينة حديثا والتي تفتقر كما ترى إلى تمثيل جيد للأقليات، بينما تضم في مناصب بارزة مقاتلين أجانب متطرفين لعبوا أدوارا رئيسية في الإطاحة بالأسد.
وقال المسؤول إن الإعلان الدستوري للحكومة المؤقتة ليس أكثر من “شريعة إسلامية بغطاء أنيق”. ومع ذلك، أظهر كبير مفاوضي ترامب ومبعوثه إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، وجهة نظر أكثر تفاؤلا تجاه الحكومة الجديدة. وقال ويتكوف في مقابلة الشهر الماضي مع مذيع “فوكس نيوز” السابق، تاكر كارلسون: “تشير الدلائل إلى أن الجولاني أصبح شخصا مختلفا عما كان عليه في السابق”، مضيفا: “يمكن للناس أن يتغيروا”. وأشار إلى أن تطبيع العلاقات مع سوريا قد يكون جزءا من اتفاق سلام “ملحمي” في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
في غضون ذلك، اقترب حليفان إقليميان رئيسيان للولايات المتحدة في المنطقة: إسرائيل وتركيا من المواجهة المباشرة في ظل تنافسهما على دعم ترامب لأهدافهما المختلفة لمستقبل سوريا.
ولدى تركيا حوافز عديدة تدفعها إلى السعي لتحقيق الاستقرار في حكومة الشرع، بما في ذلك عودة ملايين اللاجئين السوريين الذين فروا من الحرب الأهلية التي استمرت 13 عاما. وكذا منع طموحات الأكراد السوريين بإقامة دولتهم الخاصة على الحدود التركية. إلى جانب لعب دور مهم في سوريا الجديدة وتحقيق مكانة أكثر هيمنة في المنطقة وفرص استثمارية لاقتصاد أنقرة المتعثر.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول تركي قوله: “على حد علمنا، تحاول الإدارة الأمريكية أن تقرر ما إذا كانت ستبقى في سوريا أم لا”.
وأضاف المسؤول أن وزير الخارجية التركي حقان فيدان أكد في محادثات مع مسؤولين أمريكيين أن دمشق، بدعم من تركيا، يمكنها إبقاء تنظيم الدولة الإسلامية تحت السيطرة مع القضاء على الحاجة إلى قوات كردية مسلحة تابعة لقوات سوريا الديمقراطية.
أما إسرائيل، التي تعتبر الشرع إسلاميا متطرفا في ثوب حمل، فتفضل سوريا ضعيفة لامركزية على حدودها. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي توترت علاقاته بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ فترة طويلة، خلال اجتماع في المكتب البيضاوي مع ترامب الأسبوع الماضي: “لا نريد أن نرى سوريا تستخدم من قبل أي أحد، بما في ذلك تركيا، كقاعدة لمهاجمة إسرائيل”.
وبعد أيام من الإطاحة بالأسد في كانون الأول/ ديسمبر، بدأت إسرائيل بقصف منشآت عسكرية هجرها جيش الأسد، وكان آخرها قاعدة جوية في تدمر، جنوب دمشق، كانت تركيا تتطلع لإدارتها. كما واحتلت القوات الإسرائيلية أراضي على بعد عدة أميال داخل جنوب غرب سوريا، وعرضت حوافز مالية على الدروز وغيرهم من الأقليات لمقاومة الحكومة الجديدة. وفي اجتماعه الأخير مع نتنياهو في المكتب البيضاوي، أخبره ترامب أنه يحب أردوغان “و[أردوغان] يحبني”. وقال إن أي مشكلة مع تركيا “أعتقد أنني أستطيع حلها. أعني، طالما كنت متعقلا”.
—————————-
===============================