الناسسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

سائق التاكسي السوري إذ يَفقد مهنته الإضافية/ خليل صويلح

العلاقة بين بعض سائقي التاكسي في سوريا وأجهزة الأمن؛ كيف تبدّلت بعد سقوط النظام؟

تحديث 04 نيسان 2025

تفترق مهنة سائق التاكسي السوري عن سواها في العالم، لاعتبارات محليّة في المقام الأول. إذ اتكأت مهنة بعض السائقين على أعمال إضافية، أبرزها أن يعمل هذا البعض مخبرًا لدى أحد أفرع الأمن، نظرًا لاختلاطه بأنماط مختلفة من البشر، ما يمنحه مخزونًا ثريًا عن توجهات الرأي العام لجهة الرضا أو الغضب أو السخط من ممارسات السلطة، وهو ما يتكشّف في التقارير اليومية التي ينجزها في نهاية وردية كل يوم!

تبدأ لعبة القط والفأر بين السائق والراكب باستكشاف اللهجة أولًا لمعرفة المنبت الجغرافي والبيئة التي ينتمي إليها الأخير بقصد “تقدير الموقف”، كأن يطرح الأول سؤالًا عن أحوال الطقس أو فوضى شارات المرور، أو الهندسة الخاطئة للأنفاق أو غلاء البنزين.

وبناء على الإجابة، يوجّه السائق بوصلته للإيقاع بالضحية، وذلك بأن يرمي طعمًا آخر لفحص جينات الكائن الذي يجلس إلى يمينه؛ هل هو شخص معاد للسلطة أم لا؟ وهل إجابته على أحد الأسئلة تعبّر عن قناعته الحقيقية أم ناجمة عن رَيبته من السائق؟ كما أنّ ما تبثه آلة التسجيل يفضح توجّهات السائق ومراميه في اصطياد ضحية، سواء انطوى البث على أغانٍ شوارعية أو أدعية دينية، أو كان رنين هاتفه بنغمة من أغنية وطنية.

وفي محاولة أخرى سيُلقي السائق قطعة جبنة إضافية أكثر دسمًا أمام الفأر الحذر، من موقع الاحتجاج على الأوضاع الاقتصادية والأزمات اليومية المتراكمة، عسى أن يتورط الراكب بما يمور في صدره من سخط، ويدلق ما يعتمل في الداخل من آلام وانكسارات وهموم، الأمر الذي يعزّز قوة “التقرير” ورضا الجهة الأمنية التي ينتسب إليها السائق.

في هذا المكان الطارئ والمؤقت والمفخخ، تدور معركة صامتة بين الاثنين تنتهي بالكراهية المتبادلة من دون الإعلان الصريح عن ذلك. وفي حال تمكّن السائق فعلًا من الإيقاع بالضحية، ربما يغيّر وجهته نحو أقرب فرع أمني لتسليمه كذبيحة صالحة للسلخ!

والحكاية لا تنتهي عند هذا الحدّ، فهناك طراز آخر من السائقين، أولئك الذين يدّعون أنهم من جهة أمنية لابتزاز الراكب، وذلك بارتداء فيلد عسكري أو تشغيل أغنية تمجّد القائد، وبتسريب معلومة خاطفة تفيد بأن التاكسي يتبع لأسطول “المعلم”، ما يعني عدم الالتزام بالتعرفة!

وزيادةً في جرعة التهديد المبطن للراكب، سيزوّد السائق عربته المطهّمة بشعارات وطنية وملصقات توحي بالانتماء المباشر للسلطة، أشهرها على الإطلاق، الصورة الثلاثية للأب والابن والشقيق بالنظارة السوداء، أو نسر الجمهورية.

وعلى المقلب الآخر، سنتعرّف على نموذج ثالث، هو سائق آخر الليل المتخصص بزبائن الملاهي الليلية. وهو نموذج نعرفه على الفور من طبيعة الإكسسوارات التي تتدلى من سقف التاكسي، والأغاني الغجرية التي يبثها بصوتٍ عالٍ، بما يتوافق مع مزاج زبون آخر الليل أو الراقصة التي أنهت نمرتها توًّا، فيما تشير الشعارات المكتوبة على الزجاج الخلفي إلى رسائل عشق، وأخرى مثقلة بفلسفة السائق من طراز “رميت همومي بالبحر طلع السمك يلطم”!

بسقوط النظام السوري وبزوغ لحظة وطنية جديدة، عاجل بعض سائقي التاكسي إلى تغيير استراتيجيتهم الراسخة في الاصطياد، والخروج من الخندق/ المستنقع، وذلك بإزالة الشعارات القديمة والتخلي عن لعبة القط والفأر، والتصرّف من موقع الضحية كما لو أنهم ركّاب لا أكثر، يقلبّون نصًّا واحدًا بلا مراوغة أو نفاق أو خشية من الآخر.

لكنّ المشكلة العالقة حتى هذه اللحظة تكمن في غياب بوصلة المدينة عن وعي السائق المستجد، إذ تختلط عليه الخرائط والجهات: أين تقع ساحة المرجة، أو ساحة الحجاز أو ساحة السبع بحرات، وهل ما ينتظره في الطريق نفق معتم أم حاجز أمني، أم جسر نحو بساتين الغوطة؟

أوان

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى