عبدلكي باقٍ في حي الورد
راشد عيسى
من المؤكد أننا سنركض جميعاً اليوم إلى أغنية قديمة للمغني السوري سميح شقير، أغنية فيها غرفة صغيرة وحنونة، على حيطانها رسم لحصان، وصورة ليوسف عبدلكي، الفنان التشكيلي السوري الذي اختُطف أمس على حاجز عند مدخل مدينة طرطوس الساحلية السورية. فقد تكون الغرفة (غرفة الأغنية) المكان الذي التقت فيه ذاكرة سوريين كثر مع رسام عرفوا صورته قبل أن يتعرّفوا إلى رسوماته، لأن العسكر حينذاك اعتقلوه، قبل أن يجد نفسه منفياً خارج البلاد حوالى ربع قرن.
اليوم سيأخذه العسكر ثانية، إلى الأقبية المظلمة، هو الذي اعتاد العمل في الضوء، مختاراً البقاء في مرسمه في حي الورد في قلب دمشق، رغم تضاؤل فسحة العيش، فما بالك بفسحة العمل السياسي؟
ليست هذه هي المرة الأولى التي يعتقل فيها عبدلكي، فهو اعتقل من قبل في ما سمي حملة أيار 1978، مع أخته صباح عبدلكي، وزوجته هالة العبدالله، وآخرين وأخريات، وأطلق في 4 شباط 1980، قبل أن يقيم في باريس منذ ذلك الوقت وحتى بداية الألفية الثالثة.
اعتقال يوسف عبدلكي (مواليد قامشلي 1951) يشكل فضيحة للنظام السوري، لا لأنه ذلك الفنان البارز الذي وصلت أعماله إلى العالم، وبيعت لوحاته في مزادات عالمية، بل لأنه كفنان وكذلك كقيادي سياسي (ينتمي إلى “حزب العمل الشيوعي” – المكوّن الأول لـ”هيئة التنسيق الوطنية”) كان خياره الدائم نبذ السلاح، معتبراً أن التسليح اغتيال للثورة.
التشكيلي السوري البارز رسم الثورة، وكان من أكثر التشكيليين السوريين مواكبة لها، إن كان بتلك الصفحة التي أنشأها مع مجموعة من التشكيليين بعنوان “الفن والحرية”، والتي باتت بمثابة غاليري افتراضي للثورة السورية، أو عبر رسوماته المستوحاة من المشهد الدموي السوري. رسم شهداء درعا، وورودها، وفراشاتها، غالباً بالأبيض والأسود، في مشهد قد يتخلله لون واحد فقط هو لون الدم، فبات مألوفاً ألا تشاهد على مدّ الأبيض والأسود سوى لون واحد لن يتعدى قطرة دم.
ما من عاقل، بعد سنتين من أكاذيب النظام، سيصدق أن هذا النظام قد يتورع عن قتل أو اعتقال أو تنكيل. وما اعتقال عبدالعزيز الخير، القيادي أيضاً في هيئة التنسيق، والتي دأب النظام على تصديرها كمعارضة وطنية يحق لها وحدها أن تتحدث باسم المعارضة السورية، سوى دليل إضافي على وحشية النظام وإجرامه في حق دعاة السلمية والمناهضين للتسليح، شأنهم شأن غيرهم.
عبدلكي اعتقل مع قيادييْن اثنين من “حزب العمل الشيوعي”، المنضم إلى “هيئة التنسيق الوطنية لقوى المعارضة”، هما توفيق عمران (مواليد صبورة- حماه 1950) وهي المرة الثالثة التي يعتقل فيها منذ اندلاع الثورة، إلى جانب عدنان الدبس (مواليد 1967 القريّا في محافظة السويداء)، وهذه المرة الثانية التي يعتقل فيها في غضون سنتين. وحسب مصادر مقربة من هؤلاء فإن التهديدات تلاحقهم منذ شهرين، مع العلم أنهم يتحركون في الضوء.
أخيراً، يصعب على المرء القول: “الحرية لعبدلكي، وعمران، والدبس”. فمن الواضح أنهم أحرار أكثر من اللازم، بل علينا نحن أن نتدبر أمر حريتنا. ولا ندري أي معركة يكسبها النظام حين يعتقل فناناً تشكيلياً من مثيل يوسف عبدلكي، كما لا ندري كيف سيفسر أنصاره من المثقفين “المنحبكجية” هذا الاعتقال.
المدن