(عبدلكي الموقف)/ رياض نعمة
لم يكن يوسف سورياً فقط . بل كان بالنسبة لنا الثيمة الأخلاقية والإنسانية التي يفتقدها عصرنا الملتبس.
ربما سنوات المنفى التي عاشها وقلة من المناضلين اليساريين في أواخر السبعينات، بسبب مواقفهم من حزب البعث والنظام الحاكم ، يقابله منافي العراقيين (يساريين وغيرهم) في بلدان العالم بسبب خلافهم مع نفس الحزب . وبدوري أنا وضعته بخريطتي” العاطفية” الخاصة والبسيطة كعراقي، وصرت أنظر إليه من هذا المشترك. إضافة لعلاقتي الشخصية به، والتي كشفت لي عن آدمية هائلة تفوح من هذا اليوسف.
لا أعرف!! هل أبدأ بأمنيتي له بالتحرر من قيود سجانيه ؟ أم أختُم بذلك !؟
وأراني الآن أرغب بكتابة”الحرية لك يا يوسف.. الحرية لك يايوسف” …أعيدها وأكررها ، كي أملأ صفحات كثيرة ، وأجعل من ورقتي هذه تشبه تعويذة .. أختلف معها عقلياً ، وإرغب أن تكون فاعلة عاطفياً.
هنالك جزء من الزمن يتوقف عند يوسف .. !! أذكرهُ، يقدم لنا الشاي مع البرازق في مرسمه الدمشقي. ليعيدني إلى زيارات العيد. تلك الغبطة لا أنساها! وأسأل نفسي: أمفردتين فقط؟ ‘الشاي والبرازق’ تخلق كل هذا الدفئ؟ ثم أرفع رأسي لأتأمل بعض ما علق من أعماله، وأتساءل .. بالفحم فقط!!؟ كل هذا العمق!! متانة بالتكوين تقانة بالظل .. وبالممحاة فقط يضئ أشكاله!.. جمجمة خروف فقط.. عصفور فقط يموت بفضاء مصنوع بعناية .. بَراصيا.. كرزة.. حذاء امرأة، أشعرني بدمعٍ مخلوط بكحل أسود ينهمر بسبب الخديعة!! وسكين.. تنهي المشهد!!
عادتي أن ألقي التحية على الآخرين في الشارع (أرفع يدي مع بعض الكلمات وأظل ماشياً). غالباً مع يوسف أصاب بالحرج !! فهو يقف على مسافة متر منكَ أو أقل، يلقي التحية، ويسأل بشكل جاد عن الأحوال.. ليس كطريقتي، من على مسافة أمتار وعلى عَجل !! لا أستطيع أن أصِف هكذا سلوك إلا أنه القوة والوضوح.. فمن عصفور وحيد في لوحة، إلى الكرزة، السكين، اليد… ماهي إلا تعابير مختصرة وعميقة جداً لفكرة كبيرة، اسمها الموقف .
يوسف … أقف معك … نقف معك … قلوبنا معك .
الحريّة لك وللمعتقلين جميعاً