يوسف عبدلكي في الخطر/ عقل العويط
مرةً ثانيةً نوجّه نداءً قوياً وملحّاً من “الملحق” إلى الهيئات الحقوقية والمدنية والانسانية في لبنان والعالم، للضغط على النظام السوري من أجل الإفراج الفوري عن الفنان يوسف عبدلكي ورفيقيه عدنان الدبس وتوفيق عمران.
عزيزي يوسف،
أكتب إليكَ، حيث أنتَ، لعلّني بهذا الفعل الرمزي المتواضع، أظلّ أحلم بأني أساهم معنوياً، بقوة العناد والمثابرة على الأمل والكلمة، في فتح كوّة ضوء قليلة في جدران السجن الكبير التي يقبع وراءها شعبٌ سوري عظيم، أنتَ واحدٌ من أفراده الميامين.
ليس عندي معلوماتٌ البتّة عن المكان الذي أُرسِلتَ إليه، مع رفيقيكَ المناضلَين عدنان الدبس وتوفيق عمران. كلّ ما أعرفه بالاستنتاج، أنه لا بدّ أن يكون شبيهاً بأمكنة الذلّ والخراب التي كانت غفيرة على الدوام، وقد باتت اليوم أكثر من أن تُحصى في بلدكَ، وفي بلدي على السواء.
أيضاً، ليس عندي معلوماتٌ حسية عن الطريقة التي تُعامَل بها. هي لن تكون، في كلّ حال، أفضل، معنوياً ومادياً، من الطريقة التي يُعامَل بها الملايين من السويين، الذين يرزحون تحت النير الأسدي، حاملاً نفسي على الاقتناع الافتراضي بأن شخصكَ المادي الجسماني ربما لا يزال في منأى من الأذى. هذا ما أرغبه وأتمنّاه.
أعرف أن الأذى ليس كلّه جسدياً. بل أكثره هو الذي تُعطَب به الروح، مما قد يخفى على العين، والحواس الأخرى. شخصٌ مثلكَ، لا بدّ أن يكون راكم على مدى اثنين وستين عاماً، جروحاً معنوية هائلة، هي بعضٌ من جروح الوجود المأسوية التي يُمنى بها كلّ يوم شعبكَ السوري، وشعبنا اللبناني، على يد النظام الأسدي الجائر.
أعرف أن السجن البعثي ليس جديداً عليك، وعلى عائلتك. فقد كان سبق لنظام الأسد الأب أن اعتقل والدكَ، ثمّ اعتقلكَ، وحجز حريتكَ، في ما مضى من ثمانينات القرن الماضي. هكذا يمكنكَ الآن، بعدما آلت مفاتيح السجن العزيزة إلى يد هذا الوارث الأسدي العظيم، أن تتخفّف قليلاً من هول المرّة الأولى. لكنّ شخصاً مثلكَ، هذه أصالته وأوصافه وقيمه، ليس في حاجة إلى تجربة إضافية مشينة كهذه، لكي يدرك بالمقارنة والتماهي، حجم الكارثة السورية، وليزداد كبرياء وكرامةً وشكيمةً على المستوى الروحي. شأنكَ في هذا، شأن الكثيرات والكثر من أبناء شعبكَ، يواصلون وقوفهم المهيب والصلب في وجه الجبروت البعثي.
أنتَ، يا يوسف، يا أخي، مقيمٌ من الأساس، في ضمير المأساة السورية، التي هي أنينكَ الأنوف، غير المسموع إلاّ بشقاء الروح. لكنكَ إذ تواصل الإقامة في ضمير هذه المأساة، ووجدانها، فإنكَ لقادرٌ، من حيث أنتَ، على مواصلة التغلّب عليها، أكثر من كلّ وقتٍ مضى.
لقد حملني احتجازكَ، خلال الأيام القليلة الماضية، على أن أعود إلى أرشيف “الملحق”، قديمه قبل الثورة السورية، وجديده الراهن، لأزور أعمالكَ التي كرّمْتَ صفحاتنا بها، بالكاريكاتور الذكي، القوي، اللمّاح، الهدّاف، الرهيف، اللئيم، المحنّك، كما بالرسوم ذات الكفاءة الفنية والثورية النادرة. ازددتُ يقيناً أن شخصاً هذا هو، وهذه فنونه، لا بدّ أن يظلّ يعرف، وهو في الأقبية الأسدية، ووراء العتمة الاستبدادية الماحقة، كيف يظلّ مرفوع الرأس، هادئاً، صلباً، متماسكاً، قوياً، ثابتاً، بوجهه الأصيل، وقامته المهيبة.
لن أقلّل الخطر الذي يواجهكَ، فأنتَ في قلب هذا الخطر. يكفيني أن أستنتج أن النظام الاستبدادي الذي يعرفكَ جيداً، ويعرف مَن تكون، والذي منح نفسه “حقّ” اختطافكَ الأمني الثاني، وحجب المعلومات عن مصيركَ المقلق، لا بدّ أن يكون قادراً على ارتكاب الجرائم والخطايا كلّها، ومنها احتمال تعريضكَ لخطر التعذيب الجسدي، بل الموت.
عزيزي يوسف،
انضمّ اليكَ، بعقلي، وجميع روحي ومشاعري وكلماتي، عسايَ أساهم، وإنْ بالنزر القليل، في مضاعفة قدرتكَ على أن تواجه التجربة المرّة هذه، بالعزم الذي يطلبه منكَ شعبكَ، والتاريخ. سلامي إليك.