وقفة مع عبدلكي في بيروت/ راشد عيسى
لم يغب الفنان التشكيلي السوري يوسف عبدلكي، منذ اعتقاله في 18 تموز، عن وجدان السوريين، المطالبين بالحرية، من متظاهرين ومثقفين وفنانين، أو حتى سواهم ممن وقفوا على الحياد، لهذا السبب أو ذاك. ذلك أن اعتقال عبدلكي فضيحة للنظام السوري، لأنه كفنان لا يملك من أدوات المواجهة سوى رسم حصان أو جمجمة، وردة، أو قبضة يد مبتورة، صورة حذاء أو علبة سردين، أما السكين فإذا عُثر عليها في لوحاته، فتلك سكاكينهم البغيضة المغروسة في قلب طائر وديع، أو وردة.
كذلك فإن اعتقال عبدلكي فضيحة لأنه أبرز المعارضين المناهضين لعسكرة الثورة، وهو مع النضال السلمي، ولم يوفر فرصة للتنديد بكل ما من شأنه أن يستدرج التدخل الخارجي في البلاد.
اليوم لم ينس المثقفون السوريون واللبنانيون زميلهم الغائب في قلب الظلام. تداعوا إلى وقفة تضامنية من أجله، وربما من أجلهم أيضاً. اجتمعوا في غاليري “أجيال”: زوجته هالا العبدالله، وابنته ليلى، عباس بيضون، حازم الأمين، محمد علي أتاسي، ثائر ديب، أحمد بزون، عمر الحلاج، حمود شنتوت، عروبة ديب، رغد مارديني، عبدالكريم مجدل بيك.. وسواهم. لم تتضمن الوقفة كلمات أو خطابات، لم تتضمن سوى الاجتماع، والسؤال مرة تلو المرة، واحداً تلو الآخر، عن يوسف عبدلكي، كيف اعتقل، ومن رآه أو اتصل به آخر مرة. هل حولوه إلى دمشق؟ هل وصل إلى قاعة المحكمة؟ في ضوء ماذا جرى اعتقاله؟ ودائماً لا جواب، سوى أنه اعتقل عند حاجز في مدخل مدينة طرطوس.
لا كلمات في وقفة “أجيال” لكن هناك مفاجأة من نوع آخر، هي عرض أعمال ليوسف عبدلكي كانت اختفت منذ العام 1982، لوحات لا يعرفها جمهور الفن السوري، وكثر من محبي عبدلكي. الأعمال كانت في غاليري “الكرامة” آنذاك، وحين اجتاح الاسرائيليون لبنان لم يعد أحد يدري عن تلك الأعمال شيئاً، إلى أن اتصلت جهة، قبل عامين، بالمقتني اللبناني غسان الخطيب، وعرضت عليه شراء تلك الأعمال، التي لم يتسن ليوسف رؤيتها بعد عودتها إلى الحياة. لقد وعد عبدلكي المقتني بأن يأتي لرؤيتها وتوقيعها في بيروت، لكن الظروف لم تتح له ذلك.
الأعمال هي لوحة من أجزاء ثلاثة، بعنوان “ثلاثية أيلول”، وتتناول شهداء مجازر أيلول في الأردن ضد الفلسطينيين العام 1970. كانت جزءاً من مشروع تخرج عبدلكي، ومؤرَّخة بـ”10- 1976”. وتحدث الفنان حمود شنتوت عن المشروع قائلاً: “كنت طالباً حينذاك، وكان المشروع مهماً ولافتاً. فللمرة الأولى يقدم مشروع تخرج بالقلم الرصاص، وبالأبيض والأسود، كذلك للمرة الأولى يقدم مشروع له هذا الطابع السياسي”.
أما العمل الثاني، وهو مؤلف من جزئين، وبعنوان “المرحلة التالية”، فيصوّر في الجزء الأول حصاناً مريضاً ومتهالكاً، وفي الثاني رأس حصان في أسفل لوحة يعمّها الظلام، ورأس الحصان يبدو وكأنه يغرق في بحر ظلام اللوحة.
كما عرضت الغاليري لوحتين معروفتين لعبدلكي، الأولى تصور سكيناً ضخمة أمام طائر ميت، والثانية أمام شتلة ورد.
لوحات يوسف عبدلكي المختفية منذ ثلاثين عاماً عادت إلى النور، فمتى يعود الرسام؟