“عدت يا يوسف عبدلكي”/ نجوى بركات
لن يضيف كلامي عن يوسف عبدلكي شيئا على ما سبق أن قيل وسيقال، لن يفك أسره ولن يهوّن على عائلته وأهله وأحبائه، ولن يفديه تعذيبا سيتعرّض له ولا مذلة وضربا وإهانة، وحتى ربما سيلقى أكثر بكثير مما لا أجرؤ على تصوّره، لا سمح الله.
أود فقط التخلّص من تلك الصورة التي ما فتئت تطاردني منذ أن بلغني نبأ اختطافه من قبل الأجهزة الأمنية في طرطوس، هو ورفيقيه، على أحد حواجز الرعب، حيث اقتيد إلى جهة مجهولة مساء الثامن عشر من تموز الجاري.
نجوى بركات روائية لبنانية ومؤسسة “محترف كيف تكتب رواية”، عملت كصحفية حرّة في عدد من الصحف والمجلات العربية، كماأعدّت وقدّمت برامج ثقافية أنتجتها “إذاعة فرنسا الدولية” و”هيئة الإذاعة البريطاني”ة،إلى جانب إنجازها عدد من السيناريوهات الروائية والوثائقية والحلقات 15 الأولى من برنامج قناة الجزيرة الثقافي “موعد في المهجر”.
كتبت نجوى بركات 5 روايات باللغة العربية صدر معظمها عن دار الآداب في بيروت وهي: “المُحَـوِّل” – “حياة وآلام حمد ابن سيلانة” – “باص الأوادِم” – “يا سلام” – “لغة السرّ” ؛ وقد حاز بعضها على جوائز وترجم إلى لغات أجنبية، إلى جانب رواية واحدة باللغة الفرنسية – La locataire du Pot de fer-؛ كما ترجمتْ “مفكّرة كامو” في ثلاثة أجزاء صدرت حديثا عن دار الآداب ومشروع “كلمة”.
صفحة الكاتبة بالفيس بوك اضغط هنا
نحن في العام 2001، في مرسم يوسف في باريس، وأنا أقوم بتصويره لإحدى حلقات برنامج “موعد في المهجر” الذي كنت أعدّه “للجزيرة”. أسأله، فيسهب في حديثه عن حنينه لدمشق وحلمه بالتجوال في زواريبها وأحيائها، والولوج في نهاية النزهة إلى بيت أمه لشرب القهوة معها… يقول يوسف ذلك، ثم يغصّ حلقه بكلامه، تدمع عيناه الواسعتان ويصمت، فيما تتدافع صور مدينته الممنوعة في رأسه.
تعاودني غصّته هذه ولا تبرح، أشعرها في حلقي وقلبي وأحشائي، تمنعني من النوم وتطبق على أنفاسي، وأخاف عليه من الأسوأ، ثم أجدني أتساءل ما عساه يكون أسوأ من الاختطاف والتعذيب وكمّ الأنفاس وقطع الحناجر وتكسير الأصابع وبتر الحاضر ومصادرة المستقبل..
لكن، وبالرغم من كل شيء، غادرت سنوات منفاك الطويلة وعدت يا يوسف لتقوم بها نزهتك تلك.
واليوم، بعد أن اختطفوك، ألبس وجهُك الضحيةَ في عينيّ وجها ووضع لها اسما، ثم برّأها تماما إلا من حبها لشعبها وإيمانها بحقها في أن تكون حرة كريمة في وطنها.
لم يعد ضحايا وقتلى جرائم الظلم والقمع والاستبداد أسماء نكرة وأرقاما فحسب، وإنما بات لها، بفضلك، وجه وإسم.
عساك ترجع يا يوسف سالما، كاملا، علك تعود قريبا. غدا. الآن.