أم الشهيد
خاص سند:
صعدت امرأة من الباب الخلفي لباص النقل العام.. كان الوقت ظهيرة وكانت تتصبب عرقا وتكاد شفتاها تتشققان من العطش في يوم رمضاني لهاب ..
ما ان أخذت مكاناً بين الركاب المتزاحمين حتى اتكأت على جانب كرسي ومسحت عرقها وشردت في يومها المرير .. لم تنتبه الى نظرات امراة شابة كانت تجلس في الكرسي المحاذي ..
نكشتها الشابة: -اذهبي واقطعي ِ
– لا اريد ..
-كيف لا تريدي ؟؟ هذا باص للدولة وواجبك ان تقطعي كرت لتصعدي .
-الدولة . الدولة النا عندها كثير .. فمعليش نخسرها كرت باص ..
-الدولة الها فضل علينا كلنا ولولاها ما كنا موجودين .. ولازم كل الناس تعرف واجباتها ..
-واجبات شو .؟؟ الدولة اخذتلنا كثير ..بتعرفي يا مدام شو اخذتلي الدولة ؟؟. اخذتلي ابني ..شاب متل الوردة . عنده ولدين بعدهن صغار وبحاجته اعتقلوه وبعثولي ورقة روح أخد أغراضه لأنه توفى : “ابنك المعتقل المتوفى” . هيك كتبولي وأنا هلق كنت عندهن . من الصبح وأنا واقفة على باب الفرع منشان أخد ورقة منشان يسمحولي اخذ جثته ..بس جثته … الدولة أخذتلي ابني متل الفلة وما رح تعطيني حتى جثته . وأنت بدك تعلميني واجباتي تجاه الدولة ؟؟؟
كان صوت المرأة يرتفع مع ارتفاع ضغط دمها. وصوت المرأة الأخرى يرتفع لكي يرغمها على السكوت .. وكان كل الركاب صامتون ..
رفعت المرأة الشابة صوتها : – قف قف عند الحاجز ، والله لانزل وخبرهن عنك … لوما كان ابنك إرهابي ما كانوا قتلوه . هلق بفرجيكي …
وقف الباص عند الحاجز .. نزلت المرأة الشابة وتوجهت الى الجندي . لكن سائق الباص أغلق الباب بسرعة خلفها وأسرع لتجاوز الحاجز.. كاد الركاب يصفقون لهذا الرجل الشجاع .. لكن أحدا لم يقم بأي حركة .. وقف أحدهم وأجلس المرأة في مكانه .. وظل الركاب صامتون … وعلى شفاههم ارتسمت ابتسامات خائفة وكلمات عزاء كثيرة لن تقال ..
اللوحة للفنان السوري يوسف عبدلكي القابع الآن خلف القضبان.
الاسم: أم الشهيد.