جون بولتون: أفغانستان مشكلة العالم وإسرائيل وراء حرائق إيران
عيسى نهاري
خلال ولاية دونالد ترمب المثيرة للجدل، كان جون بولتون أكثر الصقور الجمهورية صرامةً تجاه إيران، ولذا قيل عنه، إنه قد يتحمل الزعيم الكوري الشمالي، لكنه لن يتحمل الإيرانيين. وكان تعيينه مستشاراً للأمن القومي عام 2018 بمثابة كابوس في طهران، فهو داعم بارز لحركة “مجاهدي خلق”، التي تأسست في الستينيات بهدف إسقاط “حكم الملالي”، ومتحدث دوري في مؤتمرات المعارضة الإيرانية، التي بشر في أحدها قبل 4 أعوام تقريباً، بالاحتفال في طهران بسقوط النظام عام 2019.
في حوار مع “اندبندنت عربية”، تحدث مستشار الأمن القومي الأميركي السابق عن سبب عدم تحقق نبوءته بسقوط النظام الإيراني بعد، وما الذي تغير، وكشف عن توصيته الرئيس دونالد ترمب بشن ضربات جوية على إيران، رداً على إسقاط طائرة من دون طيار أميركية وممارسات طهران العدائية ضد حلفاء واشنطن، مشيراً إلى أن ترمب لم يصغ لنصيحته، بل صعد من لهجته تجاهه، واتهمه لاحقاً بدفع الولايات المتحدة إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط.
وشرح بولتون موقفه من سياسات الإدارتين الأميركية السابقة والحالية في مناطق الصراع الساخنة في العراق وسوريا واليمن. وانتقد قرار الانسحاب العسكري من أفغانستان الذي يعده “خطأً استراتيجياً”، مشدداً على أن التركيز على الخطر الصيني، يجب ألا يكون على حساب مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. كما تطرق إلى القضايا الداخلية، ومنها مخاوف قائد الجيش الأميركي من عدم تسليم ترمب السلطة بشكل سلمي، وعما إذا كان بوسع الرئيس السابق التخطيط لانقلاب وتنفيذه”.
هل فكر ترمب بتغيير النظام الإيراني؟
يعرف الأميركيون بولتون بميله إلى التدخل العسكري لإيقاف أنشطة إيران تجاه واشنطن وحلفائها، وهو يؤمن صراحة بأن تغيير النظام هو الحل لإطاحة الثيوقراطيين في طهران، ولطالما تباهى ترمب بعدم الاستماع إلى بولتون، قائلاً إن الأخير كان سيدفع الولايات المتحدة إلى حرب جديدة. ويعتقد البعض أن الدبلوماسي السبعيني انضم إلى إدارة ترمب وهو يأمل أن يمرر أفكاره، خاصة تلك المتعلقة بإيران، إلا أن رفض الرئيس السابق الإصغاء له في ملفات كثيرة دفعه إلى الاستقا
ومن الواضح أن بولتون رغب في أن تنهج إدارة ترمب سياسة تغيير النظام في تعاملها مع إيران، لعدم ثقته بأن تثمر استراتيجية الضغط الأقصى في ضبط سلوك طهران، لكن ربما بالغ بولتون في قدراته على إقناع ترمب بالأخذ بأفكاره وتحويلها إلى واقع جديد في الشرق الأوسط يخلو من النظام الإيراني، فقبل أشهر من تعيينه مستشاراً للأمن القومي، وتحديداً في صيف 2017، قال للآلاف الذين حضروا مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس، “سنحتفل معاً في طهران عام 2019″، مؤكداً أن أميركا انتخبت رئيساً يعارض بشكل مطلق النظام الإيراني.
عندما سألته لماذا كنت واثقاً من إطاحة النظام؟ وما الذي تغير؟ أجاب، “لم أكن أتنبأ بحدوث ذلك، لقد قلت إن الهدف يجب أن يكون إطاحة النظام في الذكرى الأربعين لثورة 1979، التي أوصلت الخميني إلى السلطة”. وقال إن “انسحاب إدارة ترمب من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، كان خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، وإن عودة العقوبات الاقتصادية الأميركية كان لها تأثير مدمر على النظام نفسه”، على الرغم من وجود مشككين، آنذاك، في تأثير انسحاب الولايات المتحدة وعقوباتها الأحادية ضد إيران، خاصة أن العقوبات متعددة الأطراف فشلت قبل ذلك.
ويرى بولتون المعروف بدعمه العلني للمعارضة الإيرانية أن إطاحة النظام في إيران تتطلب تنسيقاً فعالاً بين الدول المتضررة، والبحث عن انشقاقات في نواة الحرس الثوري داخل الجيش، كونهم يعرفون الحالة المعيشية السيئة للسكان، مؤكداً أن النظام بات أضعف مما يعتقد الناس، إذ تضاءلت شعبيته أكثر من أي وقت مضى منذ ثورة 1979″.
وعما إذا كانت إدارة ترمب قد فكرت في الدفع بسياسة تغيير النظام، أجاب، “لا، لكنه كان موقفي لعدة سنوات. إلا أن ترمب لم يكن مستعداً لأخذه بعين الاعتبار، فيما كان يأمل الآخرون أن يكون الضغط الاقتصادي على مدى فترة زمنية طويلة وحده كافياً”. وتابع، “ربما كان سيحدث ذلك، لكنني كنت، وما زلت، قلقاً من أن إيران ستنتهك شروط الاتفاق النووي، سواء تمسك الاتحاد الأوروبي به أو لم يفعل”.
وفيما يؤكد بولتون أثر العقوبات السلبي على النظام بفضل آليات التنفيذ التي وضعتها الإدارة الأميركية السابقة، فإنه يعتقد أن سياسة العقوبات لم تكن كافية، قائلاً، “لن يغير الملالي في طهران سياستهم ما دامت السلطة لديهم”. وطالب الاتحاد الأوروبي بأن يعتمد سياسة تغيير النظام لتمكين الشعب الإيراني من اختيار حكومته، مستنكراً انتخاب الرئيس الجديد، إبراهيم رئيسي، الذي يصفه بأنه “قاتل رسمي ومنتهك للحقوق المدنية وحقوق الإنسان”.
ويؤمن مستشار الأمن القومي الأميركي السابق أن انتخاب رئيس جديد لن يؤدي إلى تغيير النظام الإيراني سياساته، نظراً لأن المرشد الأعلى وعدد من الأشخاص هم الذين بيدهم القرار، إلا أنه يقول “على الأقل، لبضع سنوات، لن يكون هناك وجه مبتسم لنظام طهران، فالذي نراه الآن هو الوجه الحقيقي للنظام وإخفاق الحكومة المستمر، في ظل نقص هائل في المياه في الأهواز وأماكن أخرى في البلاد”.
وحذر من أن النظام الإيراني يواصل تخصيب اليورانيوم، وتطوير صواريخ باليستية، بهدف حمل رؤوس حربية نووية، لافتاً النظر إلى أن “هذا ليس إطلاق أقمار طقس صناعية لتحقيق الخير، بل ليستمر التهديد الإيراني في التنامي في المجالين النووي والصاروخي، إضافة إلى الصراع التقليدي في الشرق الأوسط ودعم الإرهاب حول العالم”.
انفجارات إيران
وعن موقفه مما يجري تداوله من خطط عسكرية محتملة وضعتها إسرائيل لاستهداف منشآت إيرانية. يقول بولتون، “نعم أدعمها. في الواقع، هناك من يستهدف المنشآت الإيرانية حالياً، في سلسلة من الحرائق والانفجارات، مثلما حدث لمنشأة نطنز النووية، كما توجد تقارير عن أعمال تخريب في منشآت إيرانية أخرى يعتقد أنها مرتبطة بالبرنامج النووي”.
واعتبر مستشار الأمن القومي السابق أن كثرة هذه الحوادث المستمرة تشير إلى أن حدوثها ليس مصادفة. وعن الجهة التي تقف وراءها، قال بولتون، إن “الإسرائيليين بالتأكيد وراء هذه الحوادث، ومن المحتمل ضلوع لاعبين آخرين من العالم العربي. كل ما أستطيع قوله: حظاً موفقاً، استمروا!”.
توترات 2019
أعدت بولتون سنتين إلى الوراء، وسألته عن التوتر بين الولايات المتحدة وإيران قبل عامين تقريباً، وعما إذا كنا حينها قريبين من اندلاع حرب بين البلدين؟ فأجاب، “أعتقد بوجود خطوات كان على الولايات المتحدة اتخاذها رداً على السلوك الإيراني غير المقبول بإسقاط طائرة أميركية مسيرة في المجال الجوي الدولي، والقيام بأعمال تخريبية ضد ناقلات النفط خارج مضيق هرمز، ومهاجمة المطارات المدنية في السعودية والإمارات من خلال الحوثيين، إضافة إلى استهداف البنية التحتية النفطية في السعودية”.
واعتبر بولتون أن “الأعمال العدوانية” ضد المصالح السعودية والإماراتية المتقاطعة مع الولايات المتحدة، وضد أميركا تحديداً، عندما “استخدم الإيرانيون الميليشيات الشيعية في العراق لمهاجمة المنشآت الأميركية”، كانت كافية لشن هجمات انتقامية ضد إيران، منوهاً بمقتل قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، ومشيراً إلى أنه كان من الممكن القضاء على آخرين، لأنه كلما شعر النظام بقدرته على الإفلات من العقاب، فسيزداد التهديد الإيراني.
وعن صحة قوله، إن ترمب لو أصغى له في شأن شن ضربات جوية على إيران، لكان من الممكن تجنب هجمات سبتمبر (أيلول) 2019، التي استهدفت منشأتي نفط في السعودية، قال، “لو صدّت الولايات المتحدة الأعمال العدائية من قبل الإيرانيين، لرجحت كفة الأهدأ والأكثر عقلانية، ولربما أدركوا أن قدرة الولايات المتحدة أكبر بكثير من قدراتهم”. وشدد على أن الغرض من الضربات هو “ردع إيران، لا الدخول في صراع معها، وعلى ضرورة أن يفهم النظام في طهران أنه لا يستطيع إطلاق الطائرات من دون طيار وصواريخ كروز على أهداف مدنية في السعودية والإمارات من دون مواجهة عقوبات شديدة. هذه أعمال دولة إرهابية”.
وعن استراتيجية ترمب لمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية، بعد الانسحاب من الاتفاق النووي عام 2018، وتفضيل الإدارة الأميركية عدم الانخراط في عمل عسكري، قال إن الضغط الأقصى كان استراتيجية الإدارة الجمهورية، وإنه لم يكن يعتقد أنها ستنجح. وأضاف، “كنت آمل بالتأكيد أن تنجح، وكما أشرت ربما يحدث ذلك خلال فترة زمنية أطول، لكنني لا أعتقد أن تغيير سلوك النظام مؤقتاً سيكون كافياً. أعتقد أنك بحاجة إلى تغيير النظام نفسه، وإيجاد طريقة لجعل الشعب الإيراني يختار نوع الحكومة التي يريدها”.
وحذر من أن الخطر الإيراني ليس نووياً فقط، بل هناك “تهديدات الإرهاب والأعمال العدائية التقليدية” التي ستبقى قائمة طالما بقي النظام، لافتاً إلى أن “الثورة في إيران من 1979، وحتى اليوم لا تزال قوية جداً، إنها ثورة أيديولوجية، وليست مجرد معرفة دينية حياتية، لقد طورت أيديولوجيتها الخاصة، ويمكن لأيديولوجيتها أن تحترق بشدة لفترة طويلة”.
مستقبل مفاوضات فيينا
وبعد جولات عدة من المفاوضات غير المباشرة في فيينا، التي جاء انتخاب إبراهيم رئيسي ليبعثر أوراقها، فتح بولتون النار على الإدارة الحالية، قائلاً، لقد “أمضت إدارة بايدن 6 أشهر في تقديم التنازلات، متجاهلين بيأس التهديدات الإيرانية، وانتهاكات الاتفاق الحالي لإيجاد طريق للعودة”، مضيفاً، “أعتقد أنهم (مسؤولي إدارة بايدن)، حاولوا تحقيق ذلك، قبل انتهاء ولاية الرئيس حسن روحاني، ورحيل جواد ظريف من منصبه كوزير الخارجية”.
وتابع، “قال الرئيس المقبل رئيسي إنه لا يريد مزيداً من المفاوضات قبل أن يتم تنصيبه في 3 أغسطس (آب)، لذا على الرغم من تقديم تنازلات أكثر مما كان مستحسناً تحت أي ظرف من الظروف، ما زالت إدارة بايدن تواصل فشلها في العودة إلى الصفقة. ونرى أمثلة استمرار السلوك الإرهابي الإيراني، وآخرها محاولة اغتيال لمواطنة إيرانية في الولايات المتحدة، وهذه حالة أخرى مشابهة لمحاولة اغتيال أخرى جرت قبل بضع سنوات، حيث حاول الإيرانيون ضرب الولايات المتحدة”، معتبراً أن هذا هو “نوع السلوك الذي يظهر الطبيعة الحقيقية للنظام ويظهر لماذا لا يمكن الوثوق بأي تعهدات أو التزامات يقدمها في شأن البرنامج النووي”.
واشنطن عززت وكلاء إيران في العراق
وحذر بولتون إدارة بايدن من سحب القوات الأميركية في العراق، مذكراً بقرار أوباما الخاطئ بسحب الجنود من العراق عام 2011، الذي “سمح للإيرانيين بتسليح الميليشيات الشيعية ومحاولة جعلهم مثل “حزب الله” في لبنان، وترك المنطقة بأكملها عرضة لخطر “داعش” الذي هو في الحقيقة نوع مختلف جداً من تنظيم القاعدة”، الأمر الذي “استدعى عودة القوات الأميركية إلى العراق”، وفق المسؤول الأميركي، وعلى نحو ساخر، “التعاون مع الميليشيات الشيعية والأكراد أيضاً، ومع الأولى صد (داعش) تحديداً”.
وقال مستشار الأمن القومي السابق إنه “على الرغم من القضاء على التنظيم الإقليمي لـ(داعش)، فإن الولايات المتحدة ساعدت في تقوية الميليشيات الشيعية التي هي ذراع إيران في العراق”، بينما “لو بقيت القوات الأميركية في العراق عام 2011، فلا يمكن التنبؤ بالضبط ماذا سيحدث، إلا أنه من الصعب تخيل سياسة أسوأ من المغادرة، ومن ثم الاضطرار إلى العودة”. أضاف، “أنا قلق جداً من أن السيناريو نفسه قد يتكرر في أفغانستان، يجب أن يكون لديك اهتمام مستمر بالمشكلة التي لا يمكن تشغيلها وإيقافها مثل زر تشغيل الضوء”.
ولادة جماعات إرهابية جديدة
وفي الملف الأفغاني، يرد بولتون على تصريح الرئيس الأميركي جو بايدن بأن “أفغانستان ليست مشكلة أميركا”، قائلاً إن “أفغانستان ستكون مشكلة العالم كله بسبب تهديد الإرهاب النابع من دولة تسيطر عليها طالبان”. ويحذر من أن “تقديم اللجوء إلى عدد كبير من الأفغان الذين عملوا مترجمين لقوات الولايات المتحدة والناتو، وإن كان الفعل الصائب الذي يجب القيام به، فإنه يعكس هشاشة الحكومة الأفغانية”.
ويقول الدبلوماسي الأميركي، إن “النهاية المرغوبة لم تكن سقوط الحكومة الأفغانية واستعادة طالبان السيطرة على معظم أو كل الأراضي الأفغانية، لأن ما يعنيه ذلك، هو أن (أفراد) “القاعدة” و”داعش” الباقين هناك على تواصل مع طالبان، سيحصلون مجدداً على ملاذات وقواعد لعملياتهم الإرهابية”. والأسوأ، هو إمكانية “ظهور جماعات إرهابية جديدة لم نسمع بها من قبل، تريد الاستفادة من المناطق إلى يتعذر الوصول إليها في أفغانستان، حيث نما الإرهابيون وبدأوا بتهديد الولايات المتحدة، ودول أوروبا والشرق الأوسط”.
وعن مغادرة القوات قاعدة باغرام التي شكلت على مدى عقود نقطة ارتكاز للقوات الأجنبية، من دون إبلاغ القيادة الأفغانية الجديدة، ما سمح للصوص باقتحام القاعدة، ونهب ما وقعت عليه أيديهم قبل وصول الجنود الأفغان، أقر بولتون بأن مستقبل أفغانستان مظلم، وأعرب عن أمله في ألا يعني ذلك انسحاب إدارة بايدن من دول أخرى في المنطقة، مضيفاً، “أعلن أخيراً أن سحب القوات القتالية الأميركية في العراق، لكن هذا مجرد تغيير في التسمية، فلاً توجد بالفعل قوات قتالية أميركية كبيرة، إنما (قوات) تتولى مهمات أخرى منذ أن تم تدمير (داعش) الإقليمية”.
وفيما أيد المسؤول الأميركي السابق وجهة النظر السائدة في الولايات المتحدة التي تقول إن أكبر تهديد في القرن الحادي والعشرين للاتحاد الأوروبي وحلفائه يأتي من الصين، فإنه يرى أن التركيز على بكين لا ينبغي أن يكون على حساب المناطق الأخرى، لأن الولايات المتحدة لديها مصالح متقاطعة مع أصدقاء في جميع أنحاء العالم إضافة إلى اضطلاعها بمسؤوليات عالمية.
وانتقد الاتحاد الأوروبي، واعتبره مخطئاً في تجاهل التهديدات والمصالح الاستراتيجية القائمة في الشرق الأوسط، أثناء التركيز على التهديدات التي تمثلها الصين، مؤكداً أن واشنطن قادرة على التعامل مع الصين والمناطق الأخرى في آنٍ، مستشهداً بالقول المأثور في الولايات المتحدة، “يجب أن تكون قادراً على المشي ومضغ العلكة في الوقت نفسه”.
تركيا أكبر مستفيد من انسحاب ترمب
الإدارة الجمهورية التي عمل فيها بولتون اتخذت خطوة مشابهة لما فعلته إدارة أوباما في العراق، وذلك عندما وجه ترمب بسحب القوات الأميركية من شمال شرقي سوريا. هل أهدى الانسحاب العسكري انتصاراً مجانياً لروسيا؟
يجيب بولتون، “أعتقد أنه أعطى انتصاراً لتركيا أكثر من غيرها، وهو (قرار) خاطئ، لأنه منح أردوغان ما كان يريده”. وتابع، “بالعودة إلى تاريخ ما بعد الحرب العالمية الأولى، وتفكك الإمبراطورية العثمانية، لطالما اعتقد الأتراك أن المنطقة الواقعة على طول الحدود السورية – التركية يجب أن تبقى تحت السيادة التركية”.
والأهم من ذلك، وفق المسؤول الأميركي، أن قرار سحب القوات “ترك منطقة شمال شرقي سوريا مفتوحة للروس والإيرانيين، ما ساعد في تقوية نظام الأسد”، مؤكداً أن “الانسحاب كان خطأً أحمقَ وغير مقصود سمح لخصوم الولايات المتحدة بالحصول على ميزة في شمال شرقي سوريا لم يكن ليحصلوا عليها لولا ذلك”، ومشيراً إلى أن منطقة شمال شرقي سوريا لم تعد مستقرة كما كانت عليه عندما كانت قوات الولايات المتحدة وحلفائها موجودة.
حل الأزمة السورية يبدأ من حل مشكلة إيران
وعما إذا كانت الولايات المتحدة بحاجة إلى تغيير نهجها في التعامل مع نظام بشار الأسد إذا أرادت القضاء على “داعش” نهائياً، قال المسؤول الأميركي السابق، إن “الأسد عرض للمشكلة، وليس المشكلة الاستراتيجية، ونظامه مدعوم من قبل إيران وروسيا، وإذا تعاملنا مع المشكلة الأساسية في طهران، سيكون الوضع في سوريا مختلفاً تماماً”.
وتابع، “ما يريد أن يخرج به الروس من سوريا هو القواعد البحرية والجوية، وحاكم يسمح لهم بالبقاء في سوريا. لا أعتقد أن ذلك في مصلحة الولايات المتحدة، لكنها الطريقة الممكنة لاستعادة الاستقرار… وهو أن يكون على رأس السلطة شخص غير خاضع لإيران”. وشدد على أن طهران هي التهديد الأول في سوريا، فيما يأتي الخطر الروسي بالدرجة الثانية، محذراً من أن الولايات المتحدة لا تتعامل مع أي منهما بفاعلية.
ما لم يدركه ترمب وبايدن في اليمن
وفيما ينتقد مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، سياسة إدارة بايدن الساعية لإنهاء حرب اليمن، فإن الإدارة التي عمل فيها لم تفعل شيئاً حيال الأزمة سوى قرار في آخر أيامها بإضافة الحوثيين إلى قائمة الإرهاب. هل كان على إدارة ترمب التعامل مع الملف اليمني بشكل مختلف؟ يجيب، “نعم، وكان هناك الكثير المناقشات حول ذلك”.
يقول بولتون، إن “الإيرانيين يعتبرون وجودهم في الفناء الخلفي للسعودية والإمارات وجميع دول مجلس التعاون الخليجي مهماً من الناحية الاستراتيجية، ولا أعتقد أن إدارة ترمب أدركت ذلك أو تصرفت على أساسه، والأمر ينطبق على إدارة بايدن بالتأكيد”. وشدد على أن “إحدى الطرق لحل الأزمة الإنسانية بأسرع ما يمكن، كان عبر إكمال السعوديين والإماراتيين الحرب ضد الحوثيين لاستعادة الاستقرار إلى اليمن”.
وأضاف، “الرواية السائدة التي كنا نسمعها في واشنطن ونيويورك في الأمم المتحدة كانت متمحورة حول الأزمة الإنسانية، وبالتأكيد لم يكن استخدام الغذاء كسلاح وعزل السكان واحتجازهم رهائن لتحقيق أهداف بعض الأطراف، وخاصة الإيرانيين والحوثيين، أمراً مقبولاً لأي أحد”، مؤكداً أن “الحوثيين لم يكونوا ليشكلوا خطراً كبيراً من دون تلقي التدريب والدعم المالي من إيران، وهو أمر يعرفه الجميع”.
وتابع، “في ظل نظام الرئيس علي عبدالله صالح لم يكن اليمن حديقة لحقوق الإنسان، ولكنه كان مستقراً، ولم تكن حياة الناس مضطربة بحرب أهلية، ووضع يكون فيه الحوثيون والإيرانيون قادرين على تحويل المدنيين إلى رهائن، ليس للعب وفقاً للقواعد الدولية للحرب، ولكن لجعل المدنيين دروعاً بشرية”. وأشار إلى “أنهم استغلوا الغرائز الإنسانية لكثير من الناس في الخارج”، محذراً من أنه ما دام الوجود الإيراني في اليمن فلن تستعيد البلاد السلام والاستقرار.
وعن مخاطر قرار إدارة بايدن تجميد مبيعات السلاح لكل من السعودية والإمارات، وإمكانية لجوء حلفاء الولايات المتحدة إلى روسيا أو الصين لملء الفراغ، قال مستشار الأمن القومي السابق، “أعلم أن التعامل مع قواعد مبيعات الأسلحة الأميركية قد يكون محبطاً، لكن يوجد دعم كبير لإتمام هذه المبيعات”، مشيراً إلى أن روسيا والصين قد يبدوان بديلين جاذبين، لعدم وجود شروط كثيرة، لكنه ينوه هنا بأمرين: الأول تحذير من أسلحة الصينيين التي يعتبرها “نسخاً مسروقة من الولايات المتحدة ومصنعة بشكل رديء”، والثاني هو التكلفة السياسية لتوقيع صفقات مع بكين أو موسكو، ولذلك يدعو دول الخليج إلى تحمل قواعد السلاح في أميركا، لأن التعامل مع الولايات المتحدة في شأن ذلك، أسهل من التعامل مع مقدمي البدائل الأخرى.
وعن خطة القواعد الأميركية الجديدة، وما جرى تداوله حول إغلاق الولايات المتحدة قواعدها في قطر والانتقال إلى الأردن، رجح بولتون أن تطاول التغييرات القواعد العسكرية في العالم كله بمرور الوقت، لافتاً إلى وجود من يدعو إلى نقل القوات الأميركية في ألمانيا وأوروبا إلى أجزاء أخرى من العالم”. وفي هذا السياق، لا يعتبر الدبلوماسي الأميركي، أن “أياً من هذه التغييرات الحالية استراتيجية أو مقصودة”. ويخشى من أن “بايدن في نهاية المطاف قد يقرر الانسحاب من العراق كما يحدث في أفغانستان، وتخفيض الوجود العسكري في الخليج، وهو ما سيكون خطأً كبيراً”.
حل الدول الثلاث
ويرد بولتون على من يقول، إن سياسة الإدارة الأميركية السابقة في تعاملها مع الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، مهدت إلى التصعيد العسكري الأخير في مايو (أيار) الماضي، قائلاً، “لا أعتقد أن هذا صحيح، إذ لا يوجد دليل ملموس يؤكد هذا الافتراض، لكن المشكلة الحقيقية هي جماعة حماس الإرهابية المدعومة بالسلاح والمال من إيران”، مضيفاً، “إذ أبعدت إيران كمحرض، كثير من (الحلول) ستكون ممكنة”.
ومن الواضح أن الدبلوماسي الأميركي، فقد الأمل في حل الدولتين، الذي ينص على دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية العربية، فهو يقترح ما يطلق عليه بـ”حل الدول الثلاث”، الذي يعيد قطاع غزة إلى السيادة المصرية، على أن يتقاسم الأردن وإسرائيل السيادة على الضفة الغربية.
ويقول عن بديله، “نعم، إنه لا يحظى بشعبية لدى كثير من الناس لأسباب كثيرة، وأفهم السبب، لكنني منفتح على اقتراحات أخرى. لقد كنا نحاول تنفيذ حل الدولتين لفترة طويلة، ولم يحدث أي تقدم، لذا في مرحلة ما، يجب على صانعي السياسة أن يقولوا ربما يتعين علينا النظر في البدائل، بالتالي فإن بديلي هو حل الدول الثلاث”.
أميركا مدينة لمايك بنس
اشتهر بولتون بنقده العلني لدونالد ترمب، كتاب “الغرفة التي شهدت الأحداث”، الذي نشر الصيف الماضي، أحدث عاصفة جدل في الشارع الأميركي حوله وحول الرئيس الجمهوري، ومعروف عن بولتون أنه استقال من منصبه اعتراضاً على سياسات الرئيس، إلا أنه في إحدى مقابلاته الأخيرة، لمح أيضاً إلى أن نائب الرئيس، مايك بنس، لم يكن على وفاق تام مع ترمب، خاصة في الأيام الأخيرة قبل نهاية ولايته، فهل فكر بنس بالاستقالة؟
قال بولتون، “أنا لا أعرف الإجابة عن ذلك، لأنني غادرت منصبي في نهاية سبتمبر 2019، ولكنك تعلم أن نائب الرئيس يختلف عن أي شخص آخر في الإدارة، فهو (مسؤول) منتخب، واعتدنا على المزاح في الجناح الغربي، كيف أن نائب الرئيس هو المستشار الوحيد لترمب الذي لا يستطيع تقديم استقالته”.
وأضاف “بنس فهم أهمية العلاقة الوثيقة بين الرئيس ونائبه، في حال كانت هناك مأساة، تتطلب من نائب الرئيس أن يتولى منصب الرئيس، فهو بحاجة لأن يكون مستعداً بشكل كامل”، مؤكداً أن نائب الرئيس كان “مخلصاً لترمب طوال السنوات الأربع الماضية، وقد قام بكثير من الأمور من أجل ترمب، التي لا يعرفها العالم، لإبقاء الولايات المتحدة في مسارها الصحيح تحت إدارة ترمب. والشعب الأميركي مدين له”.
ترمب غير قادر على تخطيط انقلاب
وعلى الرغم من أن ترمب ما زال يلمح إلى إمكانية ترشحه لولاية ثانية عام 2024، فإن بولتون يعتقد أن الرئيس السابق لن يرشح نفسه، بل سيتحدث عن ذلك باستمرار حتى ذلك الحين، لأن “الشيء الوحيد الذي يريده في الحياة هو ألا يكون خاسراً، ومن المحتمل أنه يعرف حقيقة أنه سيخسر الانتخابات الرئاسية بعد أربع سنوات”، على حد وصفه.
وتابع، “ترمب سيتحدث عن كونه مرشحاً للبقاء في دائرة الضوء، لكن ما سيحاول فعله هو العمل خلف الكواليس، ليكون صانع الملوك في الحزب الجمهوري بين كثر من المرشحين المحتملين، مثل حاكم فلوريدا، رون ديسانتيس، الذي يحظى بدعم كبير من الحزب، لكن الأمر ما زال مبكراً، والمؤكد أننا سنرى عدداً هائلاً من المرشحين”.
وعن الكشف الأخير حول مخاوف الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، من أن ينوي ترمب تنفيذ انقلاب في أعقاب انتخابات 2020، وانعكاس ذلك على صحة الديمقراطية الأميركية، قال، “أعتقد أن ترمب حالة شاذة، والناس في جميع أنحاء العالم، وخاصة أصدقاء الأميركيين، يجب أن يفهموا أنه لا يمثل أي شيء آخر غير دونالد ترمب، وأنت تعلم أنه يريد البقاء في المنصب”.
وأضاف، “لا أعتقد أنه (ترمب) قادر على تخطيط انقلاب أو تنفيذ… وبينما كانت (حادثة) السادس من يناير (كانون الثاني)، مأساة على لولايات المتحدة، ويوماً حزيناً للغاية، فإنه لم يكن تهديداً للنظام الديمقراطي أو الدستور.
سألت بولتون، أخيراً، عندما لم تشهد ضد ترمب في عملية العزل، كنت تحت هجوم من الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء، على الرغم من أنك امتلكت فرصة لإطاحة الرئيس السابق، كانت ستوفر عليك كثيراً من الوقت والعناء أثناء محاولتك الكشف عن كواليس ولايته، فهل ندمت على عدم الشهادة ضده؟
أجاب، “لا، لم أندم، ذلك لأنني أعتقد أن عملية العزل برمتها جرى تصويرها وتنفيذها بشكل سيئ، إذ ما نتج عنها هو خلاف الهدف الأساسي، وهو ما يدل على وجود مشكلة”، مشيراً إلى أن دعاة الإقالة أرادوا معاقبة ترمب أو ردعه وتقييده، وعلى الرغم من أنهم عزلوه في مجلس النواب، فإنهم لم يتمكنوا من إدانته في مجلس الشيوخ، مما لم يؤدِ إلى ردع الرئيس السابق، بل زاد جرأته، كما حدث بعد الانتخابات.
ويختتم مستشار الأمن القومي الأميركي السابق حديثه، “في النهاية، أخبرت مجلس الشيوخ بأنني سأدلي بشهادتي في المحاكمة، لكنهم صوتوا على عدم إدلائي بأي شهادة. أعلم أن ذلك كان محبطاً لكثير من الناس، وهو محبط بالنسبة لي أيضاً، لكنني أعتقد أن الأمر في نهاية المطاف، سار بالشكل الصحيح”.
اندبندنت عربية