“رحالة بلا حدود”..سوري يساعد المهاجرين من تركيا إلى أوروبا
لم يكن يخطر ببال الصحافي محمد علي السليمان أن حياته ستنقلب رأساً على عقِب، عقب رفض السفارة الفرنسية طلب لجوء تقدم به إليها لأسباب لا يعلمها.
أبو علي كما يحب أن يلقب نفسه، صحافي من مدينة حمص، عمل على تغطية أحداث الثورة السورية قبل أن يُهجّر مع باقي سكان حمص باتجاه شمال سوريا منتصف عام 2018. بعدها دخل إلى تركيا حيث أقام فيها قرابة العام، وتعرض لمضايقات كبيرة من قبل الأمن العام التركي بسبب عمله الصحافي، وتم سحب وثيقة الحماية المؤقتة (الكيملك) منه وترحيله إلى سوريا ليدخل مجدداً بطريقة غير شرعية، وهو ما دفعه إلى طلب اللجوء إلى فرنسا ألا أن طلبه قوبل بالرفض لأسباب يجهلها .هنا قام السليمان مع مجموعة من أصدقائه ممن يرغبون بالهجرة إلى اوروبا بمحاولة خوض غمار التهريب.
يقول السليمان ل”المدن”: “في بداية الأمر تعرفت إلى أحد المهربين وطلب مني مبلغ 2000 دولار لقاء إيصالي من تركيا إلى مدينة سالونيك اليونانية، وهو ما وافقت عليه. وبدأت الرحلة مع المهرّب ألا أننا وعند عبور النهر الفاصل بين تركيا واليونان ألقى حرس الحدود اليوناني القبض علينا وتركنا المهرّب وقام بالفرار.
ويضيف “تعرضنا للضرب وقاموا بإعادتنا إلى تركيا. بعدها حاولت مجدداً الهجرة، لكن هذه المرة بدون مهرّب حيث قمت بالاتفاق مع بعض الأصدقاء ممن يرغبون بالهجرة وتحدثنا مع أشخاص وصلوا إلى أوروبا وجمعنا معلومات كافية عن الطريق وخصوصاً خرائط ال”GPS”، إضافة إلى الأماكن التي يجب علينا تجنب المرور بالقرب منها والمناطق الآمنة والطرقات وأماكن الحصول على مؤن وغيرها. انطلقنا وبالفعل خلال عشرة أيام وصلنا إلى أوروبا ولم يكلفنا الطريق سوى ثمن الطعام الذي قمنا بشرائه وأجور سيارات الأجرة في بعض دول أوروبا الشرقية حيث لا يتعدى المبلغ 2000 يورو من تركيا وصولا إلى النمسا”.
بداية الفكرة
“هنا خطرت ببالي فكرة”، يقول أبو علي. “لماذا لا أقوم بانشاء حساب خاص على تلغرام وأرشد من خلاله الأشخاص ممن يرغبون بالهجرة، وأجنبهم تلاعب المهرّبين وابتزازهم ودفع مبالغ مالية كبيرة”. ويضيف “بالفعل قمت مع بعض الأصدقاء ممن شاركوني رحلة الهجرة بانشاء الحساب، وأطلقنا عليه اسم (رحالة بلا حدود) وبدأنا بإرشاد الناس وتزويدهم بالخرائط للطريق بالكامل من تركيا إلى النمسا”.
ويتابع: “بدأنا ننشر عن الأماكن التي يجب الحذر منها وطريقة التعامل في حال ملاحقة الشرطة الأوروبية لك الخ… بالإضافة لتزويدهم بأسماء قرى على الطريق لشراء المؤن والمياه منها. ويقول: “بالفعل حتى الان ساعدنا عشرات الأشخاص على الخروج من تركيا إلى أوروبا”. ويضيف “عملنا هذا بلا أي مقابل مادي، فقط لمساعدة الناس وتجنيبهم ابتزاز تجار البشر وعمليات النصب. وفكرتنا هذه انطلقت لدينا من معاناة شخصية مع المهرّبين وابتزازهم”.
الطريق إلى أوروبا
يشرح السليمان آلية مساعدة الناس وفق الخطوات التالية:
أولاً، يجب شراء جميع المستلزمات الخاصة بالسفر من حقائب جلدية تكون ضد الماء من أجل سلامة الاوراق الثبوتية والهواتف وغيرها التي يحملها المسافرون. وأحذية ذات متانة عالية تتحمل السير بها لمسافات طويلة وخطوط هواتف تركية، وتحديداً من شركة (Turkcell) وتفعيل خاصية المكالمات الدولية. وننصح بشراء أكثر من خط هاتفي لكل شخص، بالإضافة لشراء طعام يكفي على الأقل لمدة عشرة أيام، وهي المدة التي يسير بها المهاجرون ويصعب خلالها الحصول على أماكن لشراء الطعام. طبعا المعلبات والبسكويت وغيرها تفي بالغرض أما بالنسبة للماء فهو متوفر على طول الطريق هناك ينابيع نظيفة وصالحة للشرب.
ثانياً، يجب أن يكون الشخص الراغب بالهجرة متواجداً في إسطنبول لسهولة التواصل معه وارشاده.
ثالثاً، بعد شراء المستلزمات اللازمة للسفر تقوم إدارة حساب “رحالة بلا حدود” بجمع الأشخاص الراغبين بالهجرة وتقسيمهم الى مجموعات صغيرة لا يزيد عددها عن خمسة أشخاص.
ويقول السليمان: “نحرص على ان يكون في كل مجموعة شخص على الأقل يجيد العمل وعلى معرفة بموقع الخرائط (Gps) حتى يستطيع السير وفق الخرائط والنقاط التي نبلغهم عنها”.
يبدأ المسير من منطقة أدرنة الحدودية باتجاه حدود اليونان، يكون خلالها أعضاء “رحالة بلا حدود” على اتصال دائم مع المسافرين ويساعدونهم على عبور النهر الفاصل والوصول إلى برّ الأمان. تنصح المجموعة الناس دائناً بالسير ليلاً والنوم نهاراً في الغابات الكثيفة. وتزود الأشخاص بجميع الأماكن التي يجب أن يقيموا فيها وجميع الطرق التي يجب أن يسلكوها. ويتم تحذير المسافرين دائما ً من الاقتراب من المناطق السكنية أو لفت انتباه المارة أو المزارعين أو غيرهم، لأنهم جميعاً مجندون من قبل “الكومندوس” اليوناني للتبليغ عن المهاجرين.
رابعاً، بعد تخطي النهر تحت إشراف “رحالة بلا حدود”، يكون لدى المسافرين خرائط جاهزة للسير عبرها، ونبلغهم بالتكلفة المادية لكل جانب من جوانب الرحلة بدءاً من تركيا وصولاً إلى النمسا والتي لا تتعدى بجميع الأحوال مبلغ 2000 يورو. ومن هناك يصبح اللاجئون أحراراً لاختيار الوجهة الأوروبية التي يريدون التوجه إليها.
ووفقاً لتقديرات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تشهد اليونان انخفاضاً ملحوظاً في أعداد المهاجرين الواصلين إليها. لكن منظمات حقوقية تشكو عمليات صدّ غير قانونية لإعادة المهاجرين إلى تركيا.
تراجعت أعداد المهاجرين واللاجئين الذين تمكنوا من الوصول إلى الجزر اليونانية في بحر إيجة، شرقي البلاد، إلى أقل مستوى لها منذ بداية أزمة اللجوء قبل حوالي تسع سنوات. وبحسب بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي صدرت مؤخراً، تمكن 4109 مهاجرين من الوصول إلى الجزر اليونانية قادمين من تركيا في 2021، مقابل 9714 مهاجرا في عام 2020، و60 ألفاً في عام 2021 وفي أوج أزمة الهجرة في عام 2015، وصل العدد إلى 856 ألفاً.
يشار إلى أن خفر السواحل اليوناني يفرض قيوداً صارمة على الحدود مع تركيا منذ عام 2019. وتشكو منظمات حقوقية دولية من عمليات غير قانونية لإعادة المهاجرين إلى تركيا.
ولطالما أكدت أثينا أن قوات الأمن اليونانية تحمي الحدود الأوروبية، بما يتوافق مع القانون الدولي. وفي ظل القيود الصارمة في المضائق بين تركيا والجزر اليونانية، يلجأ المهرّبون والمهاجرون إلى البحث عن طرق جديدة. ويتردد أن حوالي 11000 شخص تمكنوا خلال الشهور الأخيرة من الوصول إلى إيطاليا، قادمين من تركيا عبر بحر إيجة والبحر الأيوني. ولا توجد بيانات رسمية بشأن عدد الذين لقوا حتفهم خلال هذه الرحلات، ولكن يُعتقد أن العدد كبير. وفي كانون الأول/ديسمبر 2021 وحده، غرق 30 شخصا في الطريق، بحسب خفر السواحل اليوناني.
المدن