مقالات سينمائية

مهرجان برلين 2025

مهرجان برلين 2025: خروجٌ من الصالة وحماسة التوقّعات وملاحظات أخرى/ نديم جرجوره

23 فبراير 2025

كتابة ملاحظات عمّا يحدث في مهرجان سينمائي يُصنَّف فئة أولى أو غيرها، تمرينٌ على “مراقبة” تفاصيل تبدو هامشية بالنسبة إلى كثيرين وكثيرات، لكنّها تجمع بين المُضحك والمُثير للسخرية أو النفور أو الغضب. “مُراقبة” تفاصيل كهذه تؤدّي إلى كتابة ملاحظاتٍ عن “هامشيّات” حاصلة قُبيل بدء عرضٍ صحافي لفيلمٍ مُشارك في مسابقة أو برنامج، أو في “البيئة المحيطة” للعرض ذاك، مع أنّ الحاصل في تلك اللحظات، السابقة على بدءِ عرضٍ أو اللاحقة عليه، وأحياناً نادرة بينهما، كما في البيئة إياها، غير مخفيّ. لكنّ كثيرين وكثيرات غير مكترثين به، أو غير مهتمّين، أو غير معنيين، وهذا كلّه عاديّ.

ملاحظات كهذه مستلّة من تفاصيل تشهدها الدورة الـ75 (13 ـ 23 فبراير/شباط 2025) لـ”مهرجان برلين السينمائي (برليناله)”، في صالة “قصر برليناله”، حيث تُعرض صباحاً أفلام المسابقة للنقاد والصحافيين والصحافيات السينمائيين، وحيث يُحتفل مساءً بالعرض الرسمي الدولي الأول للأفلام نفسها.

    أيغفل الناقد والصحافي ـ الصحافية السينمائيّين عن معلوماتٍ، بينها مدّة الفيلم، يُمكن قراءتها قبل بدء العرض؟ إنْ “ينزعج” أحد هؤلاء من الفيلم، لماذا ينتظر مرور 90 دقيقة أو أكثر للتخلّي عن معرفة خاتمة المسار الدرامي، بصرف النظر عن فحواها وقيمها السينمائية المختلفة؟ ألن يكون “التنبّه” إلى الانزعاج باكراً أفضل بكثير؟ أمْ أنّ التبرير جاهزٌ: هناك فيلمٌ آخر يتوجّب اللحاق به قبل بدء عرضه؟ تبرير خاطئ، فأفلام المسابقة الرسمية معروضة بترتيب يُسهِّل أمور الجميع: فيلمان كلّ صباح، تفصل بينهما ساعة واحدة (مُعدَّلا عاما)، وثالث أول المساء.

الخروج من الصالة عاديّ. هناك من يُفضِّل عدم إكمال فيلمٍ غير مُتمكّن من جذبه. لكنّ عدم الإكمال يُفترض به أنْ يحصل بعد أول 30 دقيقة، أو ربما بعد 60 دقيقة على بدايته. أمّا الخروج من الصالة قبل دقائق قليلة أخيرة على النهاية فمُضحك ومزعج، لأنّ خروج البعض يتطلّب وقوف بعضٍ آخر أمام آخرين وأخريات يتابعون العرض، وبعض الضجيج المُصاحِب خروجاً كهذا، في أي وقتٍ أصلاً، يُكمِل مهمّة الإزعاج.

سيُقال إنّ المؤتمر الصحافي الخاص بفريق عمل الفيلم المعروض، الذي يُقام دائماً بعد دقائق على نهايته، دافعٌ إلى خروج قبيل النهاية، لحجز مقعدٍ، فالأمكنة قليلة غالباً. هذا تبرير مقبول ربما، لكنّه غير مُقنع. مع أنّ المهنة (نقد وصحافة سينمائيان، وإعلام مرئي ومسموع) تتطلّب تغطية مؤتمرات صحافية كهذه، تُتيح طرح أسئلةٍ تُنشر إجاباتها بعد وقتٍ قليل، في مواقع إلكترونية طاغية في “المشهد الإعلامي”، أو في مطبوعاتٍ ورقية لها مواقع إلكترونية، وهذا لا علاقة له بالقِيَم المهنية والثقافية والأخلاقية والحِرفيّة لهذه المواقع، ولتلك المطبوعات الورقية ومواقعها الخاصة. هذا منسحبٌ أيضاً على إذاعات ومؤسّسات تلفزيونية.

    نشر تغطيات صحافية وإعلامية لنشاطات مختلفة في مهرجان سينمائي، خارج إطار العروض والأفلام والكتابة النقدية، جزءٌ من المهنة. لكن كثرة المواقع الإلكترونية، العربية تحديداً (الصالح منها قليلٌ، والطالح غالبٌ عليها)، تدفع إدارات مهرجانات دولية كثيرة إلى إرسال تحذير عنوانه “الحظر (Embargo)” إلى العاملين والعاملات في النقد والصحافة والإعلام، يمنع عليهم/عليهنّ نشر رأي أو تقرير أو نقدٍ يتناول المعروض لهم/لهنّ صباح كلّ يوم، قبل العرض الرسمي الأول مساء اليوم نفسه.

هذا متأتٍ من بلبلةٍ تُحدثها المواقع الإلكترونية خاصة، فتُثير بشكلٍ أو بآخر تشويشاً قبل الإطلاق الرسمي للفيلم، بسبب المنشور فيها، المكتفي إجمالاً بكلامٍ محرِّض أو انفعالي أو متسرّع أو غير دقيق، خاصة أنّ مواقع إلكترونية كثيرة، إضافة إلى وسائل تواصل اجتماعي مختلفة الأشكال، غير مهنيّة صحافياً، وغير نقدية أبداً.

    إذاً، هناك “حظر” في مهرجانات سينمائية، إذْ تُرسِل إدارة “برليناله”، وإدارات مهرجانات أخرى، رسالة إلكترونية، قبل أيامٍ عدّة على بدء كلّ دورة سنوية، تقول فيها إنّ الكتابة عن فيلمٍ معروض في عرض صحافي “ممنوعةٌ” قبل عرضه الرسمي، الذي يكون دائماً، في مهرجانات عدّة كـ”برليناله”، أول عرض في العالم.

حصولُ خرقٍ للحظر يُكتشف، لأنّ مهرجانات عدّة تُكلِّف أناساً يراقبون ويتابعون. أما الخرق هذا فيُسبِّب “حظراً” من نوع آخر: كلّ خارِق/خارِقة الحظر يُمنعان من حضور الدورة اللاحقة عادة، بعدم منحه/منحها البطاقة الصحافية الخاصة بكلّ مهرجان.

ماري لوينْبيرغر “أمّ الصبيّ”: أداء الملامح والتعابير الصامتة (الموقع الإلكتروني لـ”برليناله”)

    بعض زملاء المهنة ينشر، منذ اللحظات الأولى أحياناً، توقّعات/تمنيات بفوز هذا الفيلم أو ذاك بالجائزة الأولى، في وسائل تواصل مختلفة، مع نبرة “تشي” بحسمٍ. هذا تسرّع في التوقّع، لأن البعض يختار فيلماً معروضاً في “الساعات” الأولى لبدء دورة جديدة، تُعرض فيها (الساعات/الأيام الأولى) أفلامٌ قليلة، من أصل 19 فيلماً آخر، وهذا عدد الأفلام المُختارة للمسابقة الرسمية لـ”برليناله 2025″.

هذا يُشير أساساً إلى حماسةٍ مفهومة لنقّاد عربٍ، قليلين للغاية، يمتلكون مصداقية في اشتغالاتهم، رغم أنّ المصداقية غير فارضة قبولاً بالرأي والتحليل، أو موافقة عليهما. بالتالي، فالحماسة تلك محصورة في وسيلة تواصل اجتماعي، كفيسبوك، ما يعني أنّ المتوقَّع أو المرغوب في فوزه غير متضمِّن نقداً سينمائياً، كالمنشور في صحيفة أو موقع إلكتروني، بصرف النظر عن مدى الأهمية الثقافية والفكرية والنقدية لهذه الصحيفة، ولذاك الموقع.

الحماسة جزءٌ من المهنة، لكنّها أساس العلاقة الشخصية بالسينما. وهذا جميل.

———————————–

برليناله 2025″: أفضل فيلم لـ”حلم” نرويجي عن ارتباكات مُراهقة/ نديم جرجوره

23 فبراير 2025

في ختام الدورة الـ75 (13 ـ 23 فبراير/شباط 2025) لـ”مهرجان برلين السينمائي”، فاز “حلم”، للنرويجي داغ يوهان هاوغِرود، بالدبّ الذهبي لأفضل فيلم، الممنوح للمُنتِجَين إنْغْفِ سايتر وهِغي هاوف هْفاتُم. بينما نال “اللون الأزرق الأخير” (ترجمة حرفية للعنوان البرازيلي، أو “المسار الأزرق” بحسب العنوان الإنكليزي الدولي)، للبرازيلي غبريال ماسْكارو، الدب الفضي ـ الجائزة الكبرى للجنة التحكيم، و”الرسالة” للأرجنتيني إيفان فاند بالدب الفضي ـ جائزة لجنة التحكيم. أمّا الدب الفضي لأفضل إخراج، فحصل عليها الصيني هيو مينغ عن “عيش الأرض” (ترجمة حرفية للعنوان الإنكليزي Living the Land).

هذه نتائج غير متوقّعة، فغالبية التوقّعات، العربية تحديداً، محصورة بثلاثة أفلام من أصل 19 فيلماً جديداً في المسابقة الرسمية: “انعكاس في ألماسة ميتة” للفرنسيّين (المُقيمين في بلجيكا) إيلِن كاتيه وبرونو فورزاني، و”يونان” للسوري (المُقيم حالياً في ألمانيا) أمير فخر الدين، و”كونتينانتال 25″ للروماني رادو جود، الوحيد بينها الفائز بدب فضي لأفضل سيناريو (جود نفسه). ومع أنّ الفيلمين الأولين في التوقّعات تلك يمتلكان حساسية سينمائية كبيرة وعميقة، رغم الاختلاف الجذري في أساليب الإخراج والسرد والتصوير، ارتأت لجنة التحكيم، برئاسة الأميركي تود هاينس، خيارات أخرى.

أفضل فيلم يغوص في أعماق مُراهِقةٍ، تبلغ 17 عاماً في بدايات الحكاية، وتبدأ بحثاً ذاتياً وروحياً وانفعالياً في أحوالها وتفاصيل عيشها، منذ اللحظة الأولى التي تدخل فيها مُدرِّسة جديدة إلى الصف، فتُغرم المُراهقة بها، وتجهد للتقرّب منها، وتعيش تجربة معها تكتبها في رواية، توهم بأحداثٍ ربما لم تحصل، فالعلاقة بينهما أمام الكاميرا مبنية على اهتمام الثانية بالأولى في هذه السنّ المرتبكة. الأم والجدّة الشاعرة تقرآن الرواية، وتستعيدان معاً ماضياً لهما، في العلاقات والتفكير والتحوّلات الاجتماعية والثقافية والسياسية والنسوية النضالية. هذا كلّه بأسلوب ساخر ومُضحك في لحظاتٍ عدّة، والتساؤلات مفتوحة على احتمالات وتجاذبات.

الشخصية الأساسية في “اللون الأزرق الأخير” (العربي الجديد، 19 فبراير/شباط 2025) عجوزٌ (72 عاماً)، في مرحلة لاحقة على “طردها” الهادئ من عملها في مصنع، بحجّة أنّ الدولة مهتمّة بالعجائز، وتريد في الوقت نفسه إتاحة مجال أوسع أمام الشباب للعمل. لحظة كهذه تدفعها إلى رحلةٍ في عالمٍ من الخيال والسحر والمعتقدات الشعبية، وهذا مطعّمٌ بواقعية حادّة في تفكيك بُنى حياتية في برازيل اليوم. الغرائبية، التي يُمكن اعتبارها واقعية سحرية تُتقن أميركا اللاتينية عيشها، تحضر في “الرسالة”، لكنْ بشكل مغاير: أنيكا (أنيكا بووتز) مُراهقة تُقيم مع زوجين في سيارة فان، تجوب مدناًُ وبلدات ريفية، لامتلاكها قدرة التخاطب مع حيوانات نافقة أو حيّة، تريد (الحيوانات) نقل رسائل إلى أصحابها. التنقّل في الطرقات (يكاد يقترب من “أفلام الطريق”) يعكس تفاصيل عن أناس وأنماط عيش وتفكير، في مناخ يمزج واقعاً مفكّكاً ومنهاراً (وإنْ من دون إظهار هذا مباشرة)، بأحوال إنسانية تبرع بووتز في عكسها سينمائياً، إلى جانب مارا أوردِري في شخصية المرأة المرافقة لأنيكا.

أما “عيش الأرض” (العربي الجديد، 17 فبراير/شباط 2025)، فمتوغّل في أحوال بيئة ريفية صينية، عبر أفراد عائلة كبيرة يواجهون تحدّيات، ويعيشون تفاصيل، ويغرقون في بؤسٍ خفيّ، ينسج حولهم وحولهنّ خيوطاً كثيرة. في 132 دقيقة، يتّسم الإيقاع الإخراجي بسرد بصري هادئ لحكايات متداخلة مع يوميات بائسة، في قرية ريفية، عام 1991. موتٌ يؤدّي إلى انكشاف تدريجي لأحوال، بعضها غير ظاهرٍ في القرية. أناس يشتغلون في الأراضي، ويلتقون ممثلي السلطة، ويدخّنون كثيراً، وبعضهم يحتسي خمرةً حتى السُكْر. أطفال ومراهقون ـ مراهقات يتعلّمون في مدرسة، يُغرم أحد أساتذتها بخالة صبيّ، يتركه والداه في البلدة الريفية تلك.

من جهته، يغوص رادو جود مجدّداً في تمزّقات ناس بلده، الذي (البلد) يعاني صداماً خفيّاً بين نزعة رأسمالية وبؤس واقعٍ: هذا اختزال لحبكةٍ تبدأ مع مرافقة المحامية أورسوليا (استر تومبا) رجال شرطة في مدينة كلوغ (ترانسلفانيا) لتنفيذ أمر بطرد متشرّد من غرفة يسكنها في عمارة. ساعات قليلة تمنحها له لترتيب أموره، ومع العودة تُكتشف جثته، فالمتشرّد ينتحر. صدمةٌ تُدخل أورسوليا في تخبّطات ومتاهات تكشف جوانيّاتها وانفعالاتها وأهوال بيئة تُقيم فيها.

إلى ذلك، نال “برج الجليد”، للفرنسية ذات الأصل البوسني لوسيل هادجيهاليلوفيتش، جائزة الدب الفضي للمساهمة الفنية المتميّزة، المتمثّلة بفنون مختلفة في الصنيع البصري (جائزة جماعية)، تصنع مناخاً عابقاً بالقهر والانهيار والبحث عن نجاةٍ من توهانٍ غير منتهٍ. الحبكة مستندة إلى رواية “ملكة الثلج” (1884)، للدنماركي هانس كريستيان أندرسن، المتحوّلة إلى مشروع فيلمٍ تؤدّي فيه كرستينا (ماريون كوتيار) دور ملكة الثلج، التي تلتقي جانّ/بيانكا (كلارا باسيني) في الاستديو، بعد هروب المراهقة من منزل الأهل (العربي الجديد، 19 فبراير/شباط 2025): الاستديو قاتم، الشوارع المحيطة به فارغة ومعتمة، الممرات ضيقة وقاسية، العلاقات صدامية غالباً.

أخيراً، هناك جائزة التمثيل الممنوحة لأفضل دور أول ولأفضل دور مساعد، إنْ يكن الدور لممثل أو لممثلة: الدب الفضي لأفضل دور أول ممنوح لروز بيرن في “لو كان لي ساقان لركلتك” للأميركية ماري برونشتاين، والدب الفضي لأفضل دور مساعد ممنوح لأندرو سكوت عن “القمر الأزرق” للأميركي ريتشارد لينكليتر.

الأول يروي حكاية ليندا (بيرن)، الأم العاملة التي ينهار سقف منزلها عليها، فتواجه أزمة أخرى، مع إقامتها في فندق رفقة ابنتها الصغيرة. تحاول إصلاح ثقب سقفها، ومعالجة طفلتها المصابة بمرض. هناك مريض مفقود، وأشخاص يبدو أنّهم غير قادرين على مساعدتها. في الثاني، هناك حكاية الشاعر الغنائي الأسطوري لورينز هارت، الذي يواجه مستقبله بشجاعة مع انكشاف مخبّأ في حياته المهنية والخاصة، ليلة افتتاح برنامج شريكه السابق ريتشارد رودجرز، “أوكلاهوما!”.

العربي الجديد،

—————————–

أحلام” النرويجي يفاجئ الجمهور والنقاد في برلين/ هوفيك حبشيان

فوز فيلم برازيلي من قلب الأمازون وآخر أرجنتيني عن الحيوانات وصيني عن التحولات الاجتماعية

الأحد 23 فبراير 2025

لم يكن متوقعاً فوز فيلم “أحلام” للمخرج النرويجي داغ يوهان هايغيرود بـ”الدب الذهبي” في ختام مهرجان برلين السينمائي الـ75 (الـ13 من فبراير “شباط”) وتحديداً عبر لجنة تحكيم يترأسها المخرج الأميركي الشهير تود هاينز، وهذا بعد 10 أيام من منافسة بين 19 فيلماً لم يكن كلها على المستوى الفني المطلوب، جاءت النتيجة مفاجئة، حتى إن كثراً لم يشاهدوا الفيلم الفائز.

يروي فيلم “احلام” الفائز” بجائزة مهرجان برلين، ما يلي: يوهان (إيللا أوفرباي) تغرم بمعلمها، هذا أول حب في حياتها، للحفاظ على مشاعرها توثق عواطفها وتجاربها عبر الكتابة. عندما تكتشف والدتها وجدتها ما كتبته تصابان بالصدمة بسبب محتواه الحميمي، لكنهما سرعان ما تدركان أن نصوصها تشي بموهبة أدبية، وخلال مناقشتهما ما إذا كان يجب نشر هذه الكتابات أم لا، تتنقل يوهان بين خيالها الرومانسي والواقع، ونتعرف من خلال هذا التجوال إلى آراء النساء الثلاث حول الحب والجنس واكتشاف الذات.

خاض المخرج داغ يوهان هايغيرود البالغ من العمر 60 سنة تجربة غير تقليدية، من خلال ثلاثية سينمائية تتناول تعقيدات العلاقات البشرية. في الدورة الأخيرة من مهرجان البندقية شاهدنا الجزء الثاني من هذه الثلاثية وهو بعنوان “حب”، بعدما بدأها بالجزء الأول “جنس” الذي كان عرض هنا في برلين العام الماضي (خارج المسابقة – في قسم “بانوراما”)، قبل أن يعود بـ”أحلام” الذي فاز بـ”الدب” مساء أمس، “جنس” و”حب” و”أحلام” ثلاثة مصطلحات قد تبدو متقاربة ومترابطة، والمثير أنها قد تتداخل وتتكامل. بدأ عرض “أحلام” في النرويج في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، وسيخرج في صالات ألمانيا بدءاً من مايو (أيار) المقبل، إنه أول فيلم نرويجي يفوز بـ”الدب الذهبي”.

طار صيت داغ يوهان هايغيرود عام 2019 مع فيلم “طفل” (“بارن” باللغة النرويجية)، الذي يقدم سرداً بطيئاً ومدروساً للانقسام الذي يحدثه مقتل طفل على يد طفلة من طريق الخطأ في المدرسة، هل كانت الحادثة متعمدة؟ هل يمكن اعتبارها جريمة؟ يقود الفيلم تحقيقاً طويلاً معمقاً الأسئلة.

عن جديده “أحلام” يقول المخرج وهو يخوض في التفاصيل التي يتشكل منه عمله هذا: “تركز قصة الفيلم على الحب الأول كتجربة تحولية تغير كل شيء، فهي تجربة مكثفة ومصيرية، وقد تكون مربكة أيضاً، من جهة أن الشوق الذهني والجسدي لا يتكشف بالضرورة بالوتيرة نفسها. وعلى رغم أن الإعجاب يمكن أن يبدو قوة لا يمكن إيقافها، فإنه ليس من المؤكد أن من الممكن لذات الشخص الجسدية أن تواكب مثل هذه المشاعر الجياشة. ومن هذا المنطلق يمكن أن يكون هناك انفصال بين التصور الذهني والعقلي والتجربة الجسدية. قوة الحب الأول وألمه أمران يسحقان الإنسان، ويمكن أن نتذكرهما على أنهما حدث رائع، حتى إن التجارب اللاحقة ستعاني عدم الارتقاء إلى مستوى هذه التجربة”.

في الأيام الأخيرة التي سبقت توزيع الجوائز بدأت الترجيحات تسير دربها المعتاد، فتُدوولت أسماء بعض الأفلام باعتبارها الأوفر حظاً لنيل “الدب”، من بينها الفيلم البرازيلي “يا آخر الأزرق” أو “كونتيننتال 25” لرادو جود، لكن المفاجأة التي وقعت مساء أمس أنهت كل محاولات التكهن. لا أحد حسب حساب هذا الفيلم الذي كان عرض في النصف الثاني من المهرجان والذي عقد هذا العام تحت الثلج، ولكن للأسف لم تأت المسابقة الرسمية بنصوص تمد القلوب ببعض الدفء، وهذا كله في أول دورة تديرها الأميركية تريشا توتل.

“يا آخر الأزرق” للمخرج البرازيلي الشاب غابريال ماسكارو فاز بـ”الدب الفضي” أو جائزة لجنة التحكيم الكبرى، بعدما نال إشادة من بعض النقاد طوال المهرجان، باعتباره يكشف عيوب الرأسمالية في البرازيل. نتعرف فيه إلى تيريزا، سيدة في الـ77، عاشت كل حياتها في بلدة صناعية صغيرة واقعة في منطقة الأمازون. ذات يوم تتلقى أمراً حكومياً رسمياً بالانتقال إلى مستعمرة سكنية لكبار السن، المستعمرة عبارة عن منطقة معزولة حيث يُحضر المسنون كي “يستمتعوا” بأعوامهم الأخيرة، مما يتيح للجيل الأصغر سناً التركيز بالكامل على الإنتاجية والنمو، لكن تيريزا ترفض هذا المصير المفروض عليها، فتشرع في رحلة عبر أنهار الأمازون وروافدها، لتحقيق أمنية أخيرة قبل أن تسلب حريتها، وهو قرار سيغير مصيرها إلى الأبد.

من البلد الجار للبرازيل، أي الأرجنتين، جاءنا فيلم “الرسالة” لإيفان فوند، الذي أسندت إليه جائزة لجنة التحكيم (“دب فضي”). يتمحور هذا الفيلم حول فتاة تمتلك موهبة التواصل مع الحيوانات، وهذا ما يمنح أولياء أمورها فكرة أن تقدم استشارات كوسيط حيواني من أجل الربح المادي.

من الجانب الآخر للكرة الأرضية، أي الصين، شاهدنا “العيش في الأرض” للمخرج هيو منغ الذي يحملنا إلى مطلع التسعينيات، زمن التحولات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى في الصين وتأثيرها العميق في حياة الأسر، وهذا مع مواجهة المزارعين والفلاحين تحديات بسبب التطور التكنولوجي الذي يعيد تشكيل أسلوب حياتهم الريفية جذرياً. فيلم ملحمي يمتد عبر أربعة أجيال، يتنقل بين دورات الحياة عبر تغير الفصول.

جائزة التمثيل ذهبت باستحقاق شديد إلى الممثلة الأسترالية روز بيرن (45 سنة)، عن دورها في فيلم “لو كانت لي ساقان لركلتك” لماري برونستاين. تلعب بيرن دور ليندا، أم تعيش حالاً دائمة من التوتر، وتضطر ذات يوم إلى الإقامة في فندق مع ابنتها الصغيرة، بينما تحاول أن تتدبر أمرها في كيفية إصلاح ذلك الثقب في سقف منزلها. وبعدما ألغيت قبل بضعة أعوام جائزة تعطى لممثلة وأخرى تمنح لممثل، ووُحدتا، أصبحت بيرن الوحيدة التي رد الاعتبار إليها لأدائها. في المقابل ذهبت جائزة تمثيل في دور ثانوي إلى أندرو سكوت عن دوره في “بلو مون” لريتشارد لينكلايتر، عن أمسية في حياة كاتب الأغاني الأميركي لورنز هارت، فقدم إيثان هوك أداءً ممتازاً في دور البطولة.

وحصل المخرج الروماني رادو جود على جائزة السيناريو عن فيلمه “كونتيننتال 25” عن آثار الرأسمالية وتأثيرها في المجتمع الروماني المعاصر، من خلال محامية تشعر بالذنب أنها ساعدت السلطات في طرد متشرد من الملجأ الذي يعيش فيه. وقال جود الذي كان سبق أن حصل على “الدب” في عام 2021، إنه يخشى أن يعود إلى الـ”برليناله” العام المقبل، ويرى فيلماً مثل “انتصار الإرادة” (وثائقي أنجزته المخرجة ليني رييفنشتال كدعاية للنازية في الثلاثينيات) يعرض في الافتتاح، وهذا في إشارة إلى الانتخابات التي تجرى اليوم وقد تكون مصيرية لمستقبل ألمانيا.

أخيراً، نال الفيلم الفرنسي “برج الجليد” للمخرجة لوسيل هاجي هاليلوفيتش جائزة أفضل مساهمة فنية عن عمل يمزج بين الفانتازيا والواقع، من خلال حادثة هرب فتاة من بيتها وتسللها إلى استوديو للتصوير، فتتعرف إلى نجمة تلعب دورها ماريون كوتيار، وتقع تحت سحرها.

—————————–

نتائج مهرجان برليت لعام 2025

————-

Golden Bear for Best Film (awarded to the film’s producers)

Drømmer (Dreams (Sex Love))

by Dag Johan Haugerud

——

Silver Bear Grand Jury Prize

O último azul (The Blue Trail)

——

Silver Bear Jury Prize

El mensaje (The Message)

——-

Silver Bear for Best Director

Huo Meng

Sheng xi zhi di (Living the Land)

——-

Silver Bear for Best Leading Performance

Rose Byrne in:

If I Had Legs I’d Kick You

by Mary Bronstein

———-

Silver Bear for Best Supporting Performance

Andrew Scott in:

Blue Moon

by Richard Linklater

——-

Silver Bear for Best Screenplay

Radu Jude

Kontinental ’25

by Radu Jude

——–

Silver Bear for Outstanding Artistic Contribution

For the creative ensemble of:

La Tour de Glace (The Ice Tower)

by Lucile Hadžihalilović

——–

موقع مهرجان برلين

https://www.berlinale.de/en/home.html

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى