الناسسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

من دمشق إلى روما.. كيف غير البابا فرنسيس حياة أسرة سورية لاجئة؟

ربى خدام الجامع

2025.03.04

قبل تناول طعام الإفطار الرمضاني يوم الأحد الماضي، أخذ حسن زاهدة يلعب كرة السلة برفقة ابنه في الملعب الصغير التابع لشقتهم الموجودة في الطابق الأرضي بضواحي روما حيث استقرت تلك الأسرة اللاجئة وأعادت بناء حياتها من جديد.

ليس لدى أفراد تلك الأسرة صور لبلدهم الأم، سوريا، فقد فروا من دمشق عندما بلغت الحرب ذروتها وبحوزتهم بدل واحد من الملابس مع بعض الكفولات والحليب لطفلهم الصغير، ولكن هنالك صورة مؤطرة لرياض الصغير عند لقائه بالبابا فرنسيس الذي أتى بتلك الأسرة وأسرتين مسلمتين غيرها إلى إيطاليا من مخيمات اللجوء المقامة في جزيرة ليسبوس اليونانية قبل عقد من الزمان تقريباً.

يعلق حسن على ذلك وهو يبتسم، فيقول: “الأب فرنسيس هدية من السماء، ومن الله، إذ أرسله الله لنا لينقذنا”.

مناصرة المهاجرين

مع بدء التزام أسرة حسن زاهدة بممارسة شعيرة الصوم في شهر رمضان المعظم، كان البابا فرنسيس، 88 عاماً، قد دخل أسبوعه الثالث في صراعه مع الالتهاب الرئوي في أحد المستشفيات القريبة من بيتهم، لذا فإن أقل شيء بوسع تلك الأسرة فعله برأيها هو أن تكون قريبة منه من خلال الدعاء له بالشفاء آناء الليل والنهار.

تحدثنا نور عيسى، 39 عاماً، وهي تتذكر اللقاء المفاجئ بالبابا في جزيرة ليسبوس فتقول: “إننا ننتظر النشرة المتعلقة بصحته كل يوم” وأضافت: “أكثر ما صدمني هو أن بابا الكنيسة إنسان متواضع لا يكوّن أي حكم مسبق على أحد، ومنفتح تجاه جميع الأعراق والأديان”.

سافرت تلك الأسرة على متن طائرة البابا، فكانت تلك اللفتة من أشد اللحظات وضوحاً لمناصرة المهاجرين والتي اتسمت بها بابوية فرنسيس، وتتذكر أسرة حسن مدى لطف البابا وهو يمسح رأس رياض أثناء عبوره في الممر متوجهاً نحو الصحفيين.

“الموت في سبيل الأمل”

ولكن تلك المعجزة التي تبدت لهم، لم تكن سوى بداية لحياة جديدة في إيطاليا التي تأقلموا على العيش فيها.

كانت الزوجة نور المتخصصة في مجال العلوم والزوج حسن الذي يحمل شهادة في الهندسة المعمارية موظفين لدى الدولة بدمشق، لكنهما اتخذا القرار بالرحيل عن سوريا في عام 2015 عند إجبار حسن على الانضمام إلى الجيش، ولهذا باعا بيتهما ليدفعا لأحد المهربين، وسارا تحت جنح الظلام من دون أن تصدر عنهما أي نأمة وسط البادية، ثم تنقلا بشاحنات مختلفة لمدة استمرت لعشر ساعات.

بعد أن أعياهما أمر عبور المنطقة التي كان تنظيم الدولة يسيطر عليها، قطعا الحدود ليصلا إلى تركيا، ومن هناك جربا ثلاث مرات للوصول إلى اليونان بالقارب، لكن تلك المحاولات باءت بالفشل، قبل أن يتمكنا أخيراً من الوصول إلى جزيرة ليسبوس في مطلع عام 2016.

في أثناء متابعة رياض الصغير لأحد المسلسلات السورية في غرفة الجلوس بحضور جده الذي وصل إلى إيطاليا قبل عام ليلتحق بهم، حدثتنا نور عن تلك المرحلة فقالت: “أشكر ربي على الدوام لأن ابني كان صغيراً جداً ولا يتذكر أي شيء مما جرى”. وعلى أحد جدران تلك الغرفة، تحكي رسومات حسن المذهلة التي تصور وجوهاً بيضاء على خلفية يتداخل فيها السواد باللون الأحمر الذكريات التي بقيت حية لديه ولدى زوجته.

إذ بعد مرور أكثر من شهر على إقامتهما في أحد المخيمات بليسبوس، أتتهم غريبة لتجري معهم مقابلة، وهذه الغريبة لم تكن سوى دانييلا بومبيي رئيسة قسم الهجرة والإندماج لدى جمعية سانت إيجيديو الخيرية الكاثوليكية، فقد كلفت دانييلا بمهمة العثور على أسر لديها أوراق ثبوتية تسمح للبابا فرنسيس بجلبها معه إلى روما، ولهذا طلبت منهم اتخاذ قرار فوري بهذا الشأن، فوافقوا، ومن ثم مولت الجمعية والفاتيكان عملية جلب أكثر من 300 لاجئ من اليونان، و150 آخرين من قبرص بموجب رحلة أخرى للبابا أجراها في عام 2021.

كان هدف سانت إيجيديو هو تجنيب المهاجرين عملية قطع رحلات أطول بالبحر المتوسط عبر طرق مختلفة، والتي غرق فيها آلاف طالبي اللجوء الذين كانوا على استعداد للموت في سبيل الأمل على مدار السنين الماضية، وذلك بحسب ما ذكرته بومبيي.

“عولمة اللامبالاة”

بيد أن الامتحان الحقيقي تمثل بعملية الإندماج، ابتداء من مرحلة معالجة ملفات اللجوء، وصولاً إلى رحلة تعلم اللغة الإيطالية، وبعد ذلك تحديد المدرسة والعمل المناسب للزوجين. غير أن المبادرات مثل المبادرة التي قام بها البابا جعلت الأمور كلها تختلف اختلافاً جذرياً، لأنها تجعل اللاجئين يدركون بأن مجتمعاتهم الجديدة مستعدة للترحيب بهم، على الرغم من الاختلاف في الدين.

تعلق بومبيي على ذلك بقولها: “لطالما طالب البابا بفتح الأبرشيات لاستقبال ما لا يقل عن أسرة واحدة في كل أبرشية، وذلك لحثنا نحن الكاثوليك على مجابهة ما أسماه بعولمة اللامبالاة بما أن لهذا المصطلح أثر كبير منتشر في جزيرة لامبيدوسا الإيطالية”.

ومن خلال لهجة روما المميزة التي تعلموها واكتسبوها، وصف أفراد أسرة حسن التحديات التي تقف في سبيلهم، وأولها التسجيل من جديد في الجامعة حتى يتم الاعتراف بشهادة الأبوين، ومساعدة أهلهما في القدوم إلى أوروبا والعناية بطفلهما.

وبما أنهما يعملان ويدرسان لمدة 12 ساعة باليوم، لذا لا يتسنى لهما الوقت إلا نادراً للتواصل مع غيرهم من الأسر السورية والمهاجرين الذين يمثلون معظم من يسكنون بجوارهم في البناء الطابقي المتواضع الذي يسكنونه بما أن معظم أولادهم زملاء لرياض في المدرسة.

مستقبل جديد بعيداً عن سوريا

وبما أن أعز صديق لدى رياض أتى من الإكوادور، لذا فهو يخطط لدراسة اللغة الإسبانية في المدرسة المتوسطة، كما انضم إلى فريق محلي لكرة السلة، ولهذا امتلأت غرفة نومه بصوره في الملعب، كما علق علماً للثورة كبيراً بجوار سريره. ثم إنه يعشق قراءة رواية (الأمير الصغير) باللغة الإنكليزية، بما أن لغته العربية ضعيفة، على الرغم من أنه يمضي معظم الأمسيات بصحبة جده الذي يحب رسم الكنائس في المنطقة.

على مأدبة الإفطار مساء يوم الأحد الماضي، وضعت تلك الأسرة فوق طاولة الطعام الصغيرة صحناً من التسقية وآخر للبيتزا المنكهة بتوابل من روما مثل أزهار الكوسا ولحم السمك.

عندما رتب رياض حقيبته المدرسية استعداداً لأسبوع دراسي جديد، ذكر والداه بأن مستقبل الأسرة يقوم على ابنهما الصغير، ولهذا سيبقيان في إيطاليا من أجله، بدلاً من أن يلتحقا بأقاربهما الموجودين في فرنسا، أو أن يعودا إلى سوريا التي تغيرت عليهما كثيراً.

يعلق حسن على ذلك بقوله: “أتمنى على الدوام من أن يتمكن من بناء مستقبله وبأن يصبح له منصب بما أنه ابن لمهاجر لم يكن لديه وثائق وصل إلى إيطاليا لكنه أراد أن يترك بصمته في بلده الجديد”.

المصدر: The Associated Press

تلفزيون سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى