أبحاثسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

المشهد الإسلامي الراهن في سوريا/ حسام جزماتي

2025.04.21

في «مؤتمر النصر» المنعقد في 29 كانون الثاني الفائت، والذي وضع أسس المرحلة الانتقالية الجارية في البلاد؛ لم تعلن الفصائل فقط عن حل نفسها بما فيها «هيئة تحرير الشام»، بل أيضاً عن حل «حزب البعث العربي الاشتراكي» الذي كان حاكماً، فضلاً عن الأحزاب الشريكة له في «الجبهة الوطنية التقدمية»، وكذلك عن حل «الأجسام الثورية السياسية والمدنية» ودمجها في مؤسسات الدولة الجديدة «استكمالاً لنضالها وتعزيزاً لدورها» كما نص البيان الصادر عن الاجتماع.

في «مؤتمر النصر» المنعقد في 29 كانون الثاني الفائت، والذي وضع أسس المرحلة الانتقالية الجارية في البلاد؛ لم تعلن الفصائل فقط عن حل نفسها بما فيها «هيئة تحرير الشام»، بل أيضاً عن حل «حزب البعث العربي الاشتراكي» الذي كان حاكماً، فضلاً عن الأحزاب الشريكة له في «الجبهة الوطنية التقدمية»، وكذلك عن حل «الأجسام الثورية السياسية والمدنية» ودمجها في مؤسسات الدولة الجديدة «استكمالاً لنضالها وتعزيزاً لدورها» كما نص البيان الصادر عن الاجتماع.

بعد أقل من شهر، وفي محفل آخر عرف بالاسم المهيب «مؤتمر الحوار الوطني السوري»، كان هناك رجل وحيد مجرد من تنظيمه. ذاك هو الدكتور عامر البوسلامة، المراقب العام لجماعة «الإخوان المسلمين» في سوريا، الذي استجاب لشروط العهد الجديد بالحضور بصفته الفردية، عضواً في لجنة «البناء الدستوري».

يتحفظ «الإخوان» السوريون عند الحديث عن علاقتهم بالحكم القائم في دمشق، أملاً في أن يكون الجفاء الفعلي الواقع مجرد سوء تفاهم سيجري حله بين «الإخوة» مهما تباعدوا، ولذلك يحذرون من طرحه في العلن لئلا يتصلب ويغدو نهائياً. يعوّلون قليلاً فقط على تولي بعض أبناء الإخوان، من الذين نشؤوا في الخارج، مناصب متوسطة، لأن هؤلاء اختيروا بصفاتهم الفردية أيضاً. يغصّون عندما يلاحظون أن فصيلاً محسوباً على التيار الجهادي سحب من تحتهم البساط الإسلامي بضربة واحدة، وأنه يعاملهم معاملة سواهم من الأحزاب والجمعيات ويرفض استقبالهم ككتلة. ويتأسفون حين يراقبون شعبيته التي صعدت فجأة في الأوساط السنّية التي كانت محسوبة لهم تقليدياً، فيما صاروا، في نظر الجمهور، شركاء في فشل هياكل المعارضة؛ المجلس الوطني والائتلاف وهيئة التفاوض، التي لم يعد الناس يرغبون في السماع باسمها إلا في ورقة نعي تغلق تلك الصفحة الطويلة وغير المجدية من انسداد الأفق.

وفي حين يقلّب الإخوان أفكارهم باحثين عن حل لهذه المعضلات؛ يعاند تنظيم إسلامي آخر، هو «حزب التحرير»، الحكم الجديد في البلاد كما سبق أن قاومه عندما كانت سيطرته تقتصر على إدلب. ففي سجن حارم ما يزال أقل من أربعين من منسوبي الحزب يرفضون أن يوقّعوا على تعهد بالامتناع عن انتقاد السلطة الجديدة علناً مقابل الإفراج عنهم. وفي حين أن فرع الحزب في «ولاية سوريا» قد توقف عن تنظيم التظاهرات المعارضة، كما كان يفعل منذ عام مضى، فإن اتفاقاً رسمياً لم يثبّت ذلك، وما زالت منصات الحزب تكرر دعوته إلى استعادة دولة الخلافة.

ومن جهته أعلن تنظيم «حراس الدين» عن حل نفسه في توقيت جدير بالملاحظة إذ سبق «مؤتمر النصر» بيوم واحد فقط. فقد نشر هذا الفرع الرسمي لتنظيم «القاعدة» بياناً قال فيه إن مبرر وجوده كان نصرة أهل سوريا في وجه سلطان جائر ظالم، قتل واغتصب وسجن وشرّد مسلمي «أهل السنّة في الشام المباركة». لكن هذه المرحلة انتهت بانتصار الشعب على الطاغية واكتملت المرحلة. ولذلك يعلن الفرع عن الحل «بقرار أميري من القيادة العامة لتنظيم قاعدة الجهاد». ناصحاً أهل الشام بعدم ترك سلاحهم، ووجهائهم وكذلك «من يتصدرون المشهد اليوم» بإقامة الدين وتحكيم الشريعة. وبذلك أزيح عن طريق «هيئة تحرير الشام»، التي ستعيش بعد ذلك ليوم واحد نظرياً، خصم مكين كان قد نازعها على الشرعية الجهادية، ودخل أعضاؤه سجونها في السنوات الماضية.

أما داعش فقد اتخذت موقفاً مزدوجاً لاعتبارين مختلفين. فمن ناحية مركزية ونظرية رأت في سيطرة عدوها، منذ «جبهة النصرة»، على الأراضي السورية مجرد تبديل بين علمانيتين لكل منهما نكهة مختلفة عن الأخرى. مدلِّلة على ذلك بخطاب الانفتاح الذي صدّره قادة الإدارة الجديدة تجاه الدول الغربية في الخارج ونحو الأقليات في الخارج. أما من ناحية محلية عملية فقد توقفت عمليات التنظيم في المناطق التي انتقلت من سيطرة نظام الأسد إلى الحكم الجديد على الرغم من أنها كانت أقوى مناطق نفوذه وقوته الضاربة، في حين استمرت هجماته، بالوتيرة نفسها، في مناطق سلطة قسد.

من غير المستبعد أن يكون تحييد هاتين الجهتين؛ القاعدة وداعش، نتيجة اتفاقات قسرية مخفية لعب فيها توازن القوى دوره الحاسم. فمن المعروف أن أمن «هيئة تحرير الشام» امتلك، عبر السنين، أوراق ضغط مؤثرة على داعش، في حين كان «حراس الدين» مكشوفين له بالكامل في مناطق سيطرته، ومستنزفين في الأفراد والتمويل.

لكن مشكلات «هيئة تحرير الشام» (المنحلة؟) في الوسط الديني أكبر من هذه التنظيمات الأربعة رغم ذلك. فمن جهة أولى تتعرض لضغط من القاعدة والوسط إلى القمة، ومن الشرعيين إلى السياسيين، لحجز حصة أكبر للشريعة من الدولة الوليدة، أو، على الأقل، حرية «الدعوة» لتعزيز الأفكار الإسلامية في المجتمع ليكون داعماً في سبيل «التمكين». وهو ما يثير على الدوام احتكاكات بين الدعويين وبين الرافضين، مما يضطر السلطات إلى تحجيم دور الأولين وصولاً إلى احتجازهم.

ومن جهة ثانية وصلت «هيئة تحرير الشام» إلى المدن الكبرى ذات الثقل المشيخي، ولا سيما دمشق وحلب، وقد سبقها توجس كبير من الأوساط التقليدية من محاولة فرض المنهج السلفي. ولذلك تحاول السلطة الجديدة بعناية أن تبدد هذا التصور عنها بالتقرب من كبار العلماء وتعيينهم في المناصب المركزية في وزارة الأوقاف وفي «مجلس الإفتاء الأعلى» الذي صُمم بعناية لاستيعاب ممثلي مراكز التعليم الديني الكبرى. وكذلك يجري التعامل بحذر كبير مع قرارات منع بعض الشيوخ عن الخطابة أو تهميش آخرين بنقلهم. وفي كلتا الحالتين يؤخذ في الاعتبار موقف الخطيب من الثورة أكثر من معتقده الأشعري أو طريقه الصوفي. رغم أن هذه الأمور قد تندرج في سلة واحدة بحكم تركيبة الوسط الديني السوري الذي فرض على مسؤولي الأوقاف الجدد السير على صراط يومي رهيف، بين الضغوط من داخل «الهيئة» ومن خارجها.

تلفزيون سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى