صفحات من مدونات سورية

المجتمع والكبت الجنسي

حكت طبشورة عن موضوع شغل بالي لفترة طويلة بعنوان “الجنس والجنس الأخر” ، وبما أنني من محبي “التنظير على المجتمع” 😉 وإيجاد الحلول ولو كانت غير توافقية مع كل الأطروحات .. ولكن اسمحوا لي أن أدلو بدلوي هنا ..
بتلخيص سريع للأفكار الواردة في تلك الطبشورة : (لأجل من يقرأ الموضوع للمرة الأولى)
1- هناك مشكلة في واقعنا العربي والسوري تحديداً حول نظرة الرجل الدونية إلى المرأة ، وحول مشكلة المضايقات والتلطيش والتحرش الجنسي واللفظي التي تتعرض له الفتاة أينما كانت، والذي مرده بحسب صاحبة التدوينة إلى الكبت الجنسي ..
2- اتفق الجميع بأن الحل معقد للغاية ويجب أن يكون هناك “منهج علاجي يجمع ما بين النفسي والاجتماعي والثقافي” دون أن يتطرق أحد إلى تفاصيل هذا العلاج بشكل مفصل ..
3- مناقشات لإقتحام الدين في المشكلة أو الحل .. ودعوات من أجل تربية وثقافة جنسية سليمة ..
4- وعدة أفكار متشعبة ، وقصص طريفة ، وحوادث مخجلة حول هذا الموضوع ..
في البداية أود أن أشير لموضوع جداً مهم وهو ضرورة عدم فصل السلوك الجنسي وكل ما يتعلق به عن أي سلوك إنساني أخر، فنحن دوماً نتناول هذا الموضوع وكأنه فكرة استثنائية أو موضوع خارج السياق الطبيعي وكأن الجنس والتكاثر ليس فطرة بشرية، أو كأن الجهاز التناسلي هو أعضاء اصطناعية خارجية نضيفها إلى أجسامنا بعد أن نبلغ سن الرشد !!!
في الواقع أتفق مع كل الذين قالوا بأن المضايقات والتحرشات والتلطيش سببه الكبت الجنسي، فمن الطبيعي أن يكون السلوك المضاد للكبت والحرمان هو سلوك عدواني أو تسلطي أو غير صحيح بالحد الأدنى .. فبحسب هرم الحاجات البشرية وهو ما يعرف بـ “هرم مازلو” يعتبر الجنس من الحاجات الفيزيوجية الأساسية بجسم الإنسان، ومتى أشبع الإنسان تلك الحاجات انتقل إلى الحاجة التي تليها .. وبما أن تعلمنا منذ صغرنا وتربينا تربية دينية واجتماعية “غبية” بأن الجنس حرام وعيب وما لازم نحكي عنه .. فمن الطبيعي أن يتولد فضول وحاجة غير مشبعة تبحث عن أي وسيلة لتزيل هذا التوتر الداخلي والإضطراب داخل الجسم البشري ..
نحن مجتمعات تتفاخر بعفتها وطاهرتها من الخارج ولكنها في الواقع منخورة من الداخل بشكل هائل، فالكل يتجب الحديث العلني عن الجنس ولكن الكل ذاته يهمس به بالسر، بداية من الأهل الذين يتهربون من أسئلة أطفالهم الجنسية (وللملاحظة تلك الأسئلة الطفولية ولو صنفناها نحن بأنها أسئلة جنسية ولكن هدفها غير جنسي أبداً، فالطفل بالأساس لا يعرف ما هي العملية الجنسية ولكنه يبحث عن أجوبة، فهو كما يسأل لماذا السماء زرقاء؟ ولماذا الشمس صفراء؟ سيأتي يوم يبحث فيه عن ذاته وسيسأل من أين جاء هو؟) وليس انتهاءً بالفصل بين الذكور والإناث في المدارس (تذكرت تدوينة طبشورة حول انقاذ فصعون من الإنحراف، ولاحظوا كيف يختلف سلوك الطفل حين يكون بمدرسة مختلطة) مروراً بالتعاليم الدينية والإجتماعية والثقافية التي تحّرم التعاطي في موضوع كالجنس والتكاثر ..
في المقابل أنا متأكد بأنه لا يوجد شاب لم يشاهد في مراهقته ولو مقطع فيديو إباحي واحد، ليتعلم من خلاله كيف سيستخدم هذا الشيء الموجود بين فخديه، كما لا يوجد من لم يسمع من رفقاه أو لم تسمع من رفيقاتها ممن أصابهم الحظ مبكراً وتعرفوا على تفاصيل اللقاء الجنسي كيف ينقلون تلك “الخبرة” إلى المتأخرين في تحصيل هذه “المعلومات الكنز” .. فانظروا كيف أننا مجتمعات تدفع مراهقيها إلى البحث عن أجوبة لفضولهم الطبيعي ولكن بطرق بحث غير علمية وغير صحية وبل وأحياناً غير إنسانية أو غير مشروعة ..
ما أود أن أصل إليه هو ذلك الوقت الذي نقتنع فيه بأن تلك الرغبات الجنسية هي رغبات طبيعية مثلها مثل الطعام والشراب والتنفس والنوم ، فكيف نبيح لأنفسنا أن نتكلم عن الطعام أو النوم ولا نتكلم عن الجنس ، نـُشبع رغبة الطعام والشراب ونطمر رغبة الجنس ونعاديها .. ولذلك الله سبحانه وتعالى أعطى الإنسان العقل ليتحكم في جسده ووظائفه الفيزيولوجية وشّرع له كيف يشبع حاجاته تلك بالطرق السليمة والصحيحة، فلا يسرق ليأكل ولكنه يعمل ليحصل على مقابل ويشتري به الطعام، وكذلك لا يزني ويقيم علاقات غير مشروعة فحاجة الجنس تلبى من خلال الزواج وتأسيس الأسرة ..
أعود إلى موضوع الكبت الجنسي والذي يولد تلك الممارسات المزعجة للفتاة الشرقية (والحق معها غالباً) ولنعتبر بأننا وصلنا إلى الوقت والتطور الذي مكننا من اعتبار تلك التصرفات بأنها “مشكلة” وبأن علينا أن نجد حل لها .. أعتقد أن الحل المتكامل يبدأ من البيت ويستمر في المدرسة حتى فترة المراهقة ولا ينتهي بالإرشادات قبل الزواج واللقاء الجنسي الأول .. وربما أكون من أشد الناس حرصاً على أن تعمم الثقافة الجنسية وأن تعلم في المدارس والجامعات وأن تقام الندوات والمحاضرات حولها لكشف الجهل والغلط وتوليد سلوك إنساني حضاري ومجتمع يتعامل مع الفتاة كأنها نفس وكيان وليس سلعة ووسيلة لإشباع الرغبات ..
وسأحاول في التدوينة القادمة أن أضع “مقدمة” لحل مشكلة الكبت، لأنها أولاً مشكلة كبيرة وليس من السهولة بمكان أن تجد لها حلاً منفرداً فهي مرتبطة بكل التأثيرات الخارجية الأخرى من السياسة إلى الوضع المعيشي إلى ثقافة المجتمع .. .. إلخ، وأيضاً لأن تلك المشكلة تحديداً هي واحدة من أهم أسباب التدهور الإجتماعي والأخلاقي، والذي ينعكس سلباً على العلاقات بين الجنسين سؤاءٌ في الجامعة أو في العمل أو داخل مؤسسة الزواج وحتى عند تربية الأطفال، فالواقع يشير إلى أن النسبة الأكبر من حالات الطلاق أسبابها جنسية بالدرجة الأولى وعدم توافق جنسي ، وسبب هذا الإخفاق هو ذلك الكبت المستمر منذ الطفولة وتلك المعلومات المغلوطة والمشوهة عن الشريك الأخر وطبيعته الجسمانية والتكونية ..
http://mr-blond.net/?p=577

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى