بوكر العربيّة 2011: هل ترسو على شواطــىء الأطلسي؟
رواية اللحظة الراهنة
قد تكون «صائد اليرقات» رواية اللحظة الراهنة في العالم العربي مع سقوط أنظمة القمع ومؤسساته. رواية أمير تاج السر تجيب عن سؤال مهمّ: ماذا سيحدث عندما يقرر ضابط أمن متقاعد اعتاد كتابة التقارير أن يدخل عالم الأدب ليكتب الرواية؟ ماذا سيكتب؟ وكيف؟ الرواية هي العاشرة للكاتب السوداني أمير تاج السر (1960)، فيها تتبدى بقوة ملامح مشروعه الروائي المتميز المفارق أيضاً لعوالم خاله الطيب صالح. مشروعه الروائي المتميز حيث الأساطير السودانية تنعكس في لغة شاعرية زئبقية، تكشف الكثير بأقل كلمات وحيث تخيّم السخرية الحادة. وهو ما تجلى في روايته الأولى «كرماكول» (1988)، مروراً بـ«توترات القبطي» و«العطر الفرنسي».
تبدأ «صائد اليرقات» بشخصية عبد الله حرفش رجل الأمن الذي تقاعد بعدما بترت ساقه اليمنى، إثر حادث أصيب به أثناء ممارسته عمله.
لذا، قرر أن يصبح كاتباً روائياً بعدما قرأ في عدد من الصحف والمجلات عن أشخاص لا علاقة لهم بالكتابة أصبحوا كتّاباً (كانوا تحت مراقبته فترات طويلة وكتب عنهم العديد من التقارير). يجلس حرفش في «قصر الجميز» أقدم مقاهي العاصمة في بلده، وأكثرها ضجيجاً وزحاماً، حيث كان يكتب تقاريره بمتعة غريبة كما يصف ذلك. وفي هذا الفضاء الرحب، يحاول أن يبحث في وجوه الناس عن مرجع لعمله الجديد أي الكتابة.
محطات متعددة، ومواقف ساخرة، يقف عندها تاج السر لينقل لنا واقعاً أرّقه، فكتب عنه كاشفاً عن مآسٍ متعددة لحالات إنسانية داخل مجتمع مليء بالتناقضات، فينتقده ساخراً، مغلّفاً عباراته بعفوية هادفة، تكشف كل مرة واقعاً جديداً تختبئ في تلاوينه حقيقة ما. هل سيستطيع حرفش أن يكتب روايته؟ أم أن مهنة كتابة التقارير الأمنية قيّدته؟ هذا هو سؤال الرواية.
محمد شعير
«دار ثقافة للنشر والتوزيع» ـــ أبو ظبي/ «منشورات الاختلاف» ــــ الجزائر
من أبو غريب إلى تزمامارت
الاختطاف القسري، والتعذيب، والمعتقلات السرّية التي رمي فيها الإسلاميون، كانت في السنوات الأخيرة صلب أحاديث السياسيين والإعلاميين المغاربة. الروائي ووزير الثقافة المغربي بنسالم حميش (1949) كتب عنها رواية «معذّبتي» التي تستعيد فوضى العقد الأول من الألفيّة الثالثة، والاعتقالات التي طاولت الكثير من الأبرياء. «حمودة الوجدي» بطل العمل هو الآخر ممن لم يكن لهم يد في أي تنظيم أو خليّة إسلامية. لكن علاقته بجهاديّ تنقّل بين أفغانستان والجزائر جعلته ضيفاً لزوار الفجر، ثم امتد احتجازه ست سنوات.
«معذبتي» جاءت على شاكلة روايات حميش السابقة من «مجنون الحكم» (1990)، و«محن الفتى زين شامة» (1993) مروراً بـ«فتنة الرؤوس والنسوة» (2000) و«العلامة» (1997). يعتمد حميش كتابة تراثية يفضّل بعضهم تسميتها «الكتابة التاريخيّة»، ولو كانت تعالج مواضيع معاصرة كالهجرة السرية، والاختطاف القسري الذي تقدمه «معذبتي» المرشحة لـ«بوكر».
رغم السخرية التي تتجلى بين صفحة وأخرى، إلا أن اللغة التقليدية تثقل أحياناً جنبات النص. مع ذلك، فإنّ جزءاً كبيراً من الرواية جاور بذكاء مظاهر الحداثة والتقليد من دون أن «يزعج» القارئ. وبعيداً عن اللغة، فإن حميش صرّح سابقاً بأنّ الرواية تعكس الحياة في معتقلات غوانتانامو وأبو غريب وتزمامارت. إلا أنّ القارئ المطّلع على السياق المغربي، يحدس أنّه ملتصق بالواقع الذي يحيط بسجن المعتقلين السياسيين في المغرب. حوارات النص، وطبيعة الشخصيات، وأحاديث المحقق التي تدخل في منظومة الفكر الديني الإسلامي تشير أيضاً إلى أنّنا لسنا أبداً في غوانتانامو ولا أبو غريب. لا نجد هنا إلا حديثاً بالعربية الفصحى بين المحققين والمعتقل، تتخلله أحياناً لهجة مغربية معرّبة، وبعض الحوارات باللهجة المصرية.
محمد الخضيري
«دار الشروق» ــــ القاهرة
تداعيات المكان
في «طوق الحمام»، تستكمل رجاء عالم (1963) توثيقها للبيئة الحجازية المكيّة وعوالمها، من خلال البطلة عائشة التي تروي واقع المدينة المقدسة، وتناقضات المشهد فيها من الدعارة إلى التطرف الديني. وتبث الروائية السعودية هواجسها إزاء الحفاظ على خصوصية المكان، في ظل صراعٍ بين الماضي وهويته العمرانية الخاصة، وبين ما يحمله الحاضر من تدمير منهجي لمعالم المدينة التاريخية. وسط كل هذا، تروي الكاتبة حكاية حبها لمسقط رأسها، وتُشبع صفحات روايتها روحاً من معطيات المكان وناسه المتباينين على جميع الأصعدة. وتتوسع في عالَمَي الزمان والمكان ليتّسعا للكثير من الأجناس والأشخاص والخلفيات، في مدينة تستقبل الوافدين حجاجاً ومعتمرين على مدار العام. كما تتيح المجال للبوح من خلال سرد مشوّق وقصص مثيرة برمزيّة وتصوّف يكرّس الاتجاه نحو الروحانية، وتظهر معها جوانب الحياة «المكاويّة» اليومية لتضفي على النص نكهة محلية خاصة. رجاء عالم من الروائيات السعوديات المنتميات إلى أحدث جيل منذ ظهور الرواية السعودية في النصف الثاني من القرن العشرين. هناك بعد فلسفي متصوّف يطغى على رواياتها التي تطرح دوماً موضوعات حياتية متعدّدة ومتنوعة، ما دفع الناقد المعروف عبد الله الغذامي إلى وصف روايتها بالـ«أرستقراطية» على المستوى الفكري والذهني.
تمتلك رجاء عالم حظوظاً كبيرة في الفوز بجائزة «بوكر»، بعدما حصدت جوائز عدة في السنوات السابقة، منها «جائزة ابن طفيل للرواية» من «المعهد الإسباني العربي للثقافة» في تونس. لا شك في أنّ مبدعةً مثل رجاء عالم تنتظر اعترافاً عربياً جديداً بها كأديبة. ولا شك أيضاً في أنّ هذا ما يترقّبه أهل الأدب في السعودية، ليكرّسوا حضورهم على الخريطة العربية بالفوز الثاني بـ«بوكر» بعد عبده خلال العام الماضي.
سارة آل مشافي
«المركز الثقافي العربي» ــــ بيروت/ الدار البيضاء
الهويّات المجروحة
في «رقصة شرقيّة»، يروي خالد البرّي (1972) مصير ثلاث شخصيات مصرية تعيش في لندن: إبراهيم وياسر وحسين. الأول وصلها عبر الزواج بسائحة تكبره بعشر سنوات، والثاني للعمل في شركة سياحية، والثالث لإنهاء أطروحة دكتوراه في القانون الدولي. إبراهيم موكل بمهمّة الراوي ـــــ المشارك الذي يتحول إلى قناعٍ أو مصفاةٍ لأفكار المؤلف وخططه في إدارة عالم الرواية المكتظّ بتفاصيل ضرورية، وأخرى زائدة عن الحاجة وتؤدي الى إضجار القارئ وتشتيته أحياناً. بطريقة ما، نحسّ أننا أمام ما يلزم لكتابة رواية وما لا يلزمها أيضاً. المشكلة ليست في ضخامة الرواية (600 صفحة)، بل في إمكان مواصلة إمتاع القارئ بما يحدث فيها. لعبة المصائر تُؤرجح أبطال الرواية المحكومين بهوياتهم وطموحاتهم الفردية، وبحاضرهم المرويّ على خلفية الاحتكاك بالآخر في عقر داره. هنا يمكن أن تصبح الرواية تأريخاً ذكياً وموارباً للآثار الطفيفة، لكن الحاسمة، التي تتركها التحولات السياسية والاجتماعية في العالم، على أفرادٍ منقسمين بين ثقافات محلية محاصرة، وثقافة ضاغطة تفرضها الممارسات اليومية للعولمة. هكذا، يجد الثلاثة أنفسهم في صراعاتٍ من تدبيرهم، وأخرى من تدبير بيئتهم الجديدة. في النهاية، يشي حسين بياسر في تحقيقات الشرطة عن تفجيرات مترو لندن سنة 2005، ويلعب على علاقته بجماعات إسلامية كي يحظى بجسد هيذر. يعود ياسر لينتحر في مصر، بينما يقضي إبراهيم غرقاً في إيطاليا. النهايات ليست مهمة إلا كخواتيم لحكايات الهويات المجروحة للشخصيات، وهزائمهم الذكورية المتكررة أمام نماذج أنثويّة يبرع الروائي المصري في مزج دواخلها غير السويّة، مع التخيّلات اللامنطقيّة لأبطاله الذكور. الرواية تقول أشياء كثيرة، وربما كان تضخّمها السردي حصيلة تعدّد مناخاتها.
حسين بن حمزة
«دار العين للنشر» ــــ القاهرة
في عزلة «بروكلين»
تحكي ميرال الطحاوي (1968) في «بروكلين هايتس» الحائزة «جائزة نجيب محفوظ»، أيام امرأة وحيدة هاجرت مع طفلها إلى نيويورك. تبحث الكاتبة المصرية في رابع رواياتها عن ذكريات الطفولة على خلفية أسلمة المجتمع المصري في الثمانينيات. هند امرأة مصرية تقرر الهجرة إلى أميركا بعدما هجرها زوجها. هناك في بروكلين هايتس في شوارع مدينة لا يعرفها أحد، وفي غرفة تسكن فيها وحيدة مع ابنها، تستعيد هند ذكريات الطفولة في محيط عائلة بدوية في دلتا مصر في الثمانينيات. تتذكّر قصص أبيها وزياراتها إلى بيوت صديقاتها، تتذكّر الطقوس اليومية والتفاصيل الصغيرة الدقيقة. تستعيد عالم قرية عاشت فيها «حبيسة الجدران»، مع أم تعيسة ضعيفة كانت تقضي أيامها في انتظار عودة الأب ولا تبتهج إلا في حضوره. كما في رواياتها السابقة، تستعير صاحبة «نقرات الظباء» بعض التعبيرات من الخلفية اللغوية البدوية التي تنتمي إليها، لكن هذه المرة في إطار حكاية عائلة بدويّة تعيش في وسط فلاحي. ترسم عالماً تتغيّر حدوده وتتحوّل شخصياته. مدرّس اللغة العربية أصبح ملتحياً، وهند لبست «الحجاب المُسدل الطويل» في المدرسة. ومع تنامي وتيرة «زيارات العمل» إلى السعودية، تعود بعض الشخصيات بمشاريع مريبة. التسامح اختفى شيئاً فشيئاً ليحل محله التوتّر الطائفي التي تشهده مصر حالياً. لم تجد هند مأوىً من انهيار العالم حولها وانهيار زواجها إلا غرفة صغيرة في بروكلين تتحوّل فيها العزلة إلى كابوس يومي ملموس. «بروكلين هايتس» نصّ تخلّصت فيه صاحبة «الخباء» من الخجل الذي لازم كتاباتها ـــــ على حد تعبيرها ـــــ لتبرع في وصف تفاصيل الطفولة، لكن من دون أن تتخلّص من الرؤية التي تجعل المرأة ضحيّة أزليّة للعزلة والاضطهاد، عاجزة عن تجاوز موروث الأمهات والجدّات السلبي، مهما فعلت، وأينما ذهبت.
دينا حشمت
«دار ميريت» ــــ القاهرة/ «دار الآداب» ــــ بيروت
مرثيّة اليسار العربي
ملاحظتان لا يمكن التغاضي عنهما في رواية «القوس والفراشة» للشاعر والكاتب (وزير الثقافة المغربي السابق) محمد الأشعري (1951): الأولى ترد في بداية الرواية حين يفقد بطل الرواية يوسف حاسّة الشمّ، ما يذكّرنا بقوة برواية الألماني باتريك زوسكيند «العطر». أما الثانية التي يختتم بها الأشعري عمله الروائي المهم، فهي حين يعمد يوسف نفسه الى احتضان عصام قبل أن يفجّر نفسه، وهنا نستعيد أيضاً صورة الشرطي العراقي الذي احتضن مفجراً في أحد مراكز الانتخابات وتشظّيا معاً. تتحرك الرواية على مساحة زمنية تقدَّر بنصف قرن، يجول فيها الروائي على أراضٍ داخلية وخارجية، ويتناول فيها أحداثاً سياسية واجتماعية ونفسية تشمل ثلاثة أجيال من المغاربة من خلال أزمة اليسار بالتحديد.يمثل الجيل الأول، المهاجر الريفي الأمازيغي الذي يعود من ألمانيا مع زوجته الشقراء الى قريته الأولى، محمّلاً بآمال عريضة وأحلام بإعادة الاعتبار الى البرابرة الذين أدّوا في أحد الأيام دوراً كبيراً في صناعة تاريخ المنطقة. أما يوسف الابن، فيمثل الجيل الثاني الذي ينخرط في مشاريع سياسية فاشلة في البداية، ثم ينهار في نهاية المطاف بطريقة تراجيدية لا تمثل المغرب وحده، بل اليسار العربي برمته. والانهيار المروّع يبدأ بالجيل الثالث الذي يمثله الحفيد ياسين الذي ينتقل من باريس، حيث كان يدرس، الى أفغانستان حيث ينتحر. يبدو هذا الجيل الثالث غريباً وغير مفهوم للناس. لا أحد يعلم، هل هو نتاج الانفتاح الاقتصادي المفاجئ للمغرب، وصعود طبقات جديدة بسرعة غير عادية؟ أم هو نتاج الانفتاح الشامل في تجارة الجنس وتهريب الآثار والسرقات الحكومية المنظّمة؟ لا يترك الروائي شيئاً من هذه الفضائح من دون أن يمرّ عليها، وإن بشكل عابر أحياناً. يشير الى الانهيار التام الذي يتعرض له البلد، من خلال فساد السلطة وغياب النخبة وتمزق الهوية الوطنية.
صلاح حسن
«المركز الثقافي العربي» ــــ بيروت/ الدار البيضاء
الأخبار