لا أحد ينصت لما نقول..
بول أوستر
‘ إن أغلب الأمريكيين، سواء أكانوا من الفقراء أو الأغنياء، يحتقرون الكُتّاب ويعتبرونهم نخبويين ولا يصلحون لشيء..’ تقول كاتبة أمريكية (أفيتال رونيل) في عدد شباط (فبراير) 2009 من المجلة الأدبية الفرنسية (الماغزين ليتيرير)… وفي نفس العدد الذي خصص ملفا هاما عن الرواية الأمريكية، يذهب الروائي الأمريكي المرموق بول أوستر بعيدا مؤكدا أن رجال السياسة الأمريكيين- أيضا- لا يبالون بآراء الكُتّاب ولا بما يقولونه..
هل غير الحادي عشر شيئا في نمط كتابتي؟
لا ليس تماما، ذلك أن التاريخ والسياسة ظلا يحتلان حيزا مهما في كتبي.
إن كتاب ‘موسيقى الحظ’ هو مَجاز عن السلطة. وفي كل رواياتي يحضر وعي قوي بتفاصيل الحياة التي تحيط بنا، أي السياسة في نهاية المطاف. ‘ليلة التنبؤ’، كتاب رغم حميميته، يحوي العديد من الخلفيات التاريخية: الحربان العالميتان الأولى والثانية، الثورة الثقافية الصينية، مقتل كينيدي…، إن السياسة عنصر أساسي في الحياة وكل فرد منا يعيش داخل التاريخ. و كإنسان وككاتب فإني لا أستطيع أن أمنع وعيي الخاص من هذا الحضور القوي والملحاح.
لقد أثر الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) عميقا في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ مباشرة بعد الهجمات، ظهر نوع من التضامن بين الناس، فلم يعد لون البشرة يعني شيئا وطفت على السطح روح أخرى: ‘ ليس لنا نفس لون البشرة، ليس لنا نفس الماضي، ولا نعتنق نفس الديانة ولكننا هوجِمنا جميعا’، كما ساد استلطاف غير مألوف بين الناس. تحكي سيري هوستفيدت (روائية وزوجة بول أوستر) أنها سمعت، بضعة أشهر بعد الهجمات، الحوار التالي بين امرأتين: ‘ تتذكرين تقول الأولى، بعد الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، المحبة الكبيرة التي سادت بين الناس! اليوم انتهى كل شيء’.
من الصعب فصل هذا الحدث عن السياق الذي حدث فيه. كان بوش وإدارته قد اختارا بشكل متعمد سياسة الخوف، وأضافا لهذا الخطأ استعمال معطيات كاذبة. ذلك أن الحديث عن ‘حرب ضد الإرهاب’ كان ضربا من العبث، فالحرب تعني معركة بين دولتين، والحال أن من هاجمنا لم يكن دولة بل أفرادا. وبالنسبة لي، فهذه ‘الحرب ضد الإرهاب’ تخفي في الجوهر مسألة قصاص محض.
لقد أدخَلنا هذا التحليل المغـرض في عصر الشك. وبالتالي فقد استعملت الدولة الخوف لتمرير قوانين من قبيل قانون المواطنة الأمريكية الذي وسّع من سلطة مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات الأمريكية، وقلص من هامش الحريات الفردية. إن تحريف الحقيقة والتقديم الخاطئ للأحداث استعملا لتبرير حرب غير ضرورية. لقد كذب بوش، فكان أن أصابت هذه الورطة المفزعة المواطنين الأمريكيين بشكل مباشر ، وأساءت لصورة الولايات المتحدة في العالم.
إن انتخاب أوباما، في نظري، هو الحدث الأهم الذي قُيض لي أن أعيشه. تاريخيا هو اختراق غير مسبوق، إنه خبر سار وعظيم ويعكس بالنسبة لي سلامة الديموقراطية الأمريكية. وهو الشيء الذي جعلني أطمئن على قدرة الشعب الأمريكي على الاستجابة. إن أوباما يثيرني بشكل كبير، فهو رجل ذو قيمة فكرية وأخلاقية كبيرة. وهو ذو طابع هادئ ولا يستثار أبدا، يفكر دائما قبل القيام بأي عمل تماما على العكس من بوش.
في العام 2004، ساندتُ بحماس ترشيح جون كيري، كان سلمان رشدي حينئذ رئيسا لمركز القلم الأمريكي (جمعية عالمية من بين مهامها تسهيل الوصول إلى الأدب في العالم) وكنت نائبا له. وفي العام 2008، اخترت المساهمة بأكبر قدر من المال في حملة باراك أوباما. لقد كانت اللحظة مختلفة… فالكتاب في الولايات المتحدة- كما تعلمون- يعيشون على الهامش مقارنة بأمثالهم في أوروبا وأمريكا اللاتينية، حيث يشكل الكتاب هناك قوة حقيقية، وحيث يتم الأخذ بآرائهم. في الولايات المتحدة الأمريكية لا أحد يستمع لما نقول حول المسائل السياسية.
ترجمة: محمد الزلماطي
بروكسيل
عن الماغزين ليتيرير الفرنسية- شباط/فبراير 2009.