حقوق الإنسان في السعودية في تقريرها الثاني
رزان زيتونة
لا تحتفي الدول العربية عادة بالأخبار والتقارير التي تتناول انتهاك حقوق الإنسان على يد حكوماتها وأجهزتها الأمنية، ولم يكن الودّ يوما حاكما للعلاقة بين الإعلام العربي الرسمي أو شبه الرسمي وبين المنظمات الحقوقية. لذلك كان في نشر النص الكامل لتقرير لجنة حقوق الإنسان في السعودية على موقع «العربية» الإلكتروني أخيرا، ما يبعث على الارتياح.
فقد اعتدنا في ما يتعلق بالمواقف الرسمية من قضايا حقوق الإنسان عربيا، سياسة الإنكار والبقاء في العتمة، وفي أفضل الأحوال، المحاولة اليائسة للتغطية على الانتهاكات، بذكر تلك التي تمارس على يد قوات الاحتلال في فلسطين أو العراق؛ وكأن هذه تذهب بتلك أو تبررها.
نشر التقرير المذكور، فضلا عن أنه ينافي سياسة الإنكار فهو يتيح للمواطن السعودي فرصة لتقييم التقرير وتناوله للكثير من القضايا الشائكة التي أوردها، وذلك عبر ميزة تعليقات القراء التي يتيحها موقع «العربية»، وهو ما لم يلاحظ في الحقيقة! فقد اتسمت معظم التعليقات بالعمومية الشديدة، وتوزعت ما بين تعبير عن ترحيب بالخطوة أو التعبير عن اليأس من واقع حقوق الإنسان في السعودية. ربما يعود ذلك إلى أن القارئ اعتاد الأخبار القصيرة والسريعة فيما يمتد التقرير على صفحات طويلة وزخمة بالتفاصيل.
من حيث المضمون، شمل التقرير دائرة واسعة من الحقوق منتقدا العديد من الجهات الرسمية التي لها دور في ممارسة الانتهاكات المذكورة أو عدم القيام بما يجب للحد منها، بما في ذلك ممارسات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي دعا التقرير إلى تحديد سلطات وصلاحيات أعضائها. كما انتقد ما أسماه جمودا في عملية الحوار الوطني والإصلاح السياسي في المملكة، وغياب «حوار حقيقي حول القضايا المصيرية التي تواجه المجتمع وسبل حلها».
في ما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسة وقضايا الحريات العامة والاعتقال التعسفي، انتقد التقرير غياب مأسسة حرية التعبير في المملكة وأوضاع السجون والاعتقال بغير محاكمة والاعتقال على خلفية «الحرب على الإرهاب» من غير التمييز بين متورط في أعمال عنفية وبين من كانت تهمته مجرد «النوايا». لكن يصعب الخروج بنتيجة لمن ليس على اطلاع سابق على أوضاع حقوق الإنسان في المملكة، ما إن كانت الانتهاكات الواردة في هذا السياق، هي مجرد حالات فردية أم أنها تعكس واقعا مستمرا. لا يعطي التقرير فكرة عن العدد التقريبي للمعتقلين أمنيا، ولهؤلاء المحتجزين بغير محاكمة، فيما أورد تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في أكتوبر 2008 أن وزارة الداخلية السعودية قد ذكرت في بيان لها عام2007 وجود ما لا يقل عن 3000 معتقل سياسي «من المحتجزين دون تهمة أو محاكمة».
ولمن انتهك حقهم في حرية التعبير والرأي، يغفل التقرير ذكر أعداد تقريبية أو أسماء لضحايا الانتهاكات الذين أوردهم كأمثلة، وكذلك لعدد المواقع الإلكترونية المحجوبة، وقد ذكر منها التقرير ثلاثة جميعها مواقع حقوق إنسان!
ورغم تفصيله في كثير من الانتهاكات التي تطول حقوق المرأة، اعتبر التقرير أن العقبة الأهم في هذا المجال هي تلك الناشئة عن الأعراف والتقاليد، وإن كان في ذلك شيء من الحقيقة في ما يتعلق ببعض جوانب حقوق المرأة، فإنه بالتأكيد لا ينطبق على الجزء الأكبر منها، والذي يحتاج إلى أن يكون مصونا بنصوص قانونية وإدارية واضحة لا تترك مجالا للتأويل والاجتهاد وفقا للاعتبارات الشخصية لمن يقوم بتطبيقها.
من ناحية أخرى، فقد أغفل التقرير- وهذا غير مستغرب على أي حال- أكثر قضيتين تثار حولهما انتقادات المنظمات الدولية لحقوق الإنسان في ما يخص العربية السعودية، وهما عقوبة الإعدام وما يزعم عن انتهاكات تطول حقوق الأقلية الشيعية في المملكة.
ووفقا لمنظمة العفو الدولية، فإن معدل الأشخاص الذين تنفذ فيهم أحكام الإعدام في المملكة، يزيد عن اثنين أسبوعيا، نصفهم تقريبا من الوافدين من بلدان فقيرة ونامية. وخلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2008، سجلت المنظمة 71 حالة إعدام.
على أي حال، لا يتسع المجال هنا لأكثر من قراءة سريعة للتقرير، مع التأكيد على أهمية نشره على موقع سعودي رسمي، وتلك خطوة مهمة في طريق الألف ميل الذي يتطلبه إسعاف أوضاع حقوق الإنسان في بلادنا، بدءا من الإرادة الرسمية لإحداث تغيير ومرورا بقوننة الحقوق والحريات ضمن نصوص واضحة وصريحة، وتطبيق مبدأ المحاسبة لمرتكبي الانتهاكات، بالتوازي مع حراك عام يتيح نقاشا حرا ويساهم في تعزيز ثقافة حقوق الإنسان لدى الأفراد… وطبعا قبل كل شيء، الخروج من حالة الإنكار والتعتيم.
* كاتبة سورية