خمس شاعرات من التشيلي
ترجمة : أحمد يماني
جابرييلا ميسترال
(1889-1957)
السكينة
لم يعد بإمكاني السير في الشوارع، فلديّ خجلٌ من خاصرتي العريضة ومن الهالات الغائرة تحت عينيّ. لكن أََحضِروني هنا، ضعوا بجانبي أصص الزهور واعزفوا على القيثارة طويلا: أريد أن أغرق في الجمال من أجله.
أضع ورودا على بطني وأقول أشعارا خالدة على حاشية نومه، أتشمّس في الممرّ ساعة وراء أخرى في الشمس الحامية. أريد أن أقطر كعسل الفاكهة باتجاه أحشائي. أستقبل في وجهي ريح الصنوبر. ليخضب الريح والضوء دمي ويغسلاه. كي أغسله كذلك فأنا لا أكره ولا أنمّ، فقط أعشق. إنني أخيط في هذا الصمت، في هذه السكينة جسدا، جسدا خارقا، بعروقٍ ووجهٍ ونظرةٍ وقلبٍ نقيٍّ.
بدونك
منذ أن بقيت بدونك، بقيت دون شجرة، دون خيط ماء، دون أرض على الأرض. وجاءني التوق إلى المشي هذا، ليس بحثا عن منظر طبيعيّ بل بحثا عن التعب. لم أتوقّف أمام الغروب الرائع وعطرٍ قادمٍ من جهة قريبة لم يجعلني ألتفت بوجهي.
يقولون، لدى هذه رجلٌ من الأرض، التوقُ الإلهيّ لكل الرياح. وهذا كذب، لأنه ليس لديّ إلا التوق لتعب أكبر من هذا، تعب يحطّم العظام ويبدّدها أخيرا في الطريق.
بيرونيكا خيمينيث
(1964)
بطاقة الميناء البريدية
الفيلسوف جونثالث بيريث، مسئول الشحن في الموقع رقم ثلاثة، يختبر بنهمٍ غير منظور الحركاتِ الحسّيةَ للبحر. لا بدّ أن كلّ قطرة من الرغوة البيضاء تفجّر جراما من ذلك السرّ الكبير الذي لا يقاس. هدير محرّكات الزوارق لا يمنعه من التفكير في كلّ تلك الأراضي التي كانت والتي لم تستحل أبدا إلى أرض، لأنها حازت على مصير لا يمكن تسميته على يد إلهات شقراوات، نصفهن سمكات والنصف الآخر نساء عاديات.
آثار في الجنّة
عندما قاموا برسم صورة لها، وضعت تخطيطا أوليا لتكشيرة عذبة كي ترضي أسلافها. لا تحطّي من شأنك بأن تعرضي إيماءة قاسية على من يتحدّثون، يقال، إنّ كلّ ما يقولونه إنما هو صنّارة كي يجرجروك أو رصاص يفتح صدرك. وبقيت منتشية، محاولة أن تستعيد، على الأقل، الصورة الظلية الجليلة للمذبح المقدّس المتضمّن في السماء الرمادية.
في الخارج، الأناشيد، الخطوات البطيئة لمن يطوفون بالموكب الدينيّ تحت مطر الجمعة الحزينة، عجلة من يتدافعون كي يصلوا أوّلا إلى القرابين التي تخترقها مسامير لوح الخشب.
أنتونيا تورّيس
(1975)
الوداع
كان يمكن للوداع
أن يكون استعارة عن القبلة؛
شفاه وأنفاس كمثل موجة وشاطئ
– البحر المُصرّ البندولي
يعيد خلق حوار الكتابة-
كنت أنت العدسة، الفضولي
ذلك الذي يحتاج إلى كل إلهة
– وأنا، لأجل هذا-
من أغرت الثعبان، مختبئة.
انتهى ملاصقا للمحطة
كمن يغلق كتابا
أو من يشرب الكأس الأخيرة
لمشروب الخريف الفاتر
والجسد نزع أوراقه
دون أن تفتح أو تغلق الشفاه.
الحذر من الوداع
ظهر على جانب الطريق
كإشارة مرور:
في الفم
المغلق
لا يدخل
الذباب.
***
لقد جبت شاطئ الذاكرة
وكذلك واثقة أنا من معرفتها فقط.
العشاق يسعون إلى الاختباء في المنازل المهجورة
حيث يحلمون بالمناظر الطبيعية.
الفكر متوحّد،
فريد ومتنسّك يدوس الرمال.
في هذه الأثناء،
نخترع الواقع
حتى نتحصّل على تواطؤ بعينه في الحبّ.
لأنّ الذكرى هي حلم
بأمطار أبديّة وعميقة
– مثلما على البحر-
ثقل الخيال عندما يحفر عميقا.
أليخاندرا فريتث
(1982)
هناك دائما وقت لكلّ شيء
كي تأتي أمي
محوّلة فوضى البيت
إلى دراما عائلية
كي نبكي جميعا
كي يعرف أبي لمرّة واحدة وإلى الأبد
أنّ أحدنا تمّ اغتصابه طفلا
وينتهي الأمر بأن يأكل الاثنان
قطعة من لحم ميت
ليس أكثر من ذلك
طبق مليء بذكريات دون طعم.
***
الجميع يستعرضون
حدائق معلقة من الحزن
في واجهات المباني
تؤطرها نوافذ واسعة
يحاولون إخراج الرأس
مؤكدين على ألا تسدل الستارة
وألا تدخل الشمس.
هكذا يعيشون
في أحواض سمك كبيرة
في شقق غارقة
داخل خيول البحر
بعضهم يتغيّر من أنثي إلى ذكر
أحيانا.
باولا بارّوس
(1982)
ماريو
ماريو يقود السيارة ثملا
المدرسة تبقى في الاتجاه الآخر
تجمدت ركبتاي
أنا مضمنة في الباب.
ماريو يسرع بحثا عن طعام
يشتري حليبا
وكحولا
كي نعود إلى الببت ونشرب في صمت.
ماريو لا يتحمّل النوم وحيدا
يحبّ أن أداعب شعره
وأن ينام متكوّرا في بطني
لا يفهم الملامسة.
لماريو خصر امرأة
ويتنفّس بصعوبة أثناء نومه.
صورة
سرّة محفوظة في طيّة
منديل رماديّ
صورة حيوية للعَدُوّات.
موقع الاوان