ورحل «أبو عنتر»… أشهر قبضايات دمشق
منار ديب
ودّع «أبو عنتر» أهل الدراما والمحبّين، ورحل بعد صراع مع سرطان الرئة في أحد المستشفيات الشاميّة. توفي صباح أمس ناجي جبر عن 69 عاماً. الممثل السوري الذي اشتهر بشخصية «أبو عنتر» في أفلامه ومسلسلاته مع الممثّل دريد لحّام، سيُشيَّع جثمانه اليوم ظهراً إلى مقبرة «جرمانا» في ريف دمشق (شرق).
ولد ناجي جبر في شهبا، في محافظة السويداء، في 9 شباط (فبراير) 1940. بدأ مسيرته الفنيّة على خشبة المسرح العسكري، قبل انتقاله إلى المسرح القومي برفقة شقيقه الفنان الراحل محمود جبر. بعد ذلك، انتقل إلى الشاشة الصغيرة، حيث شارك في مجموعة من الأعمال التلفزيونية. أمّا التحول الأساسي في حياته، فكان عام 1970، حين اعتذر الممثل زياد مولوي عن تجسيد شخصية، كان قد قدّمها في عملين هما: «حمام الهنا» و«مقالب غوار». هنا، ابتسم الحظ لناجي جبر وعُرضت عليه المشاركة في المسلسل الشهير «صحّ النوم» إلى جانب دريد لحام والراحل نهاد قلعي، وتحت إدارة المخرج خلدون المالح. غير أنّ شخصيّة الأجير، لم تغره وفضّل أن يؤدي شخصية ثانويّة تلتقي بـ«غوار الطوشة» في السجن. هكذا، استطاع سريعاً أن يلفت الانتباه، وخصوصاً بعدما وضع تعديلات على الكاراكتير، ليظهر بصورته النهائيّة مع «الشروال» والصدرية والكوفية والطاقية وكلمة «باطل» المطبوعة على الذراع. كذلك حرص على استخدام لغة شعبيّة خاصة ومفردات مستقاة من الشارع كـ«عرضية، مالا فكاهة، مالا مازية» واقترح اسم «أبو رعد» لهذا الدور… لكن نهاد قلعي فضّل أن يكون الاسم «أبو عنتر».
«أبو عنتر» سيعود للظهور مرة أخرى، في أعمال تلفزيونية أخرى، بينها: «وين الغلط» و«وادي المسك»، وصولاً إلى «عودة غوار»، ثم أعمال سينمائية كـ«صح النوم»، «شقة ومليون مفتاح»، «غوار جيمس بوند». ومنها ما قام فيه بدور البطولة المطلقة كأفلام «قاهر الفضاء» و«الاستعراض الكبير». وهذه الأفلام التي أنتجها القطاع الخاص يغلب عليها الطابع التجاري. مع ذلك، لم تخل مسيرته الفنيّة من أعمال ستظل في الذاكرة الفنيّة، لعل أبرزها الشخصية الجميلة في شريط «أحلام المدينة» لمحمد ملص، وهو أحد أهم الأفلام السوريّة. كذلك ظهر ناجي جبر بشخصيات مختلفة في أفلام متفاوتة المستوى، بعضها من بطولته كـ«عودة حميدو» و«باسمة بين الدموع».
بعد سنوات من الانقطاع عن الدراما التلفزيونيّة، عاد أخيراً مع أدوار شعبيّة في مسلسلات البيئة الشامية، بدءاً من «أيام شاميّة» حيث أدى دور شخصية مؤثرة هي «سيف»، وتبعها أربعة أعمال في الأجواء نفسها أنتجت العام الماضي هي: «أهل الراية» و«الحصرم الشامي» و«أولاد القيمرية» و«بيت جدي». ولم يغب ناجي جبر عن الدراما الاجتماعيّة، إذ شارك في مجموعة مسلسلات، منها العمل الإشكالي «غزلان في غابة الذئاب» للكاتب فؤاد حميرة.
وعلى رغم أن أدوار جبر في التلفزيون تنوّعت كثيراً، إذ شارك في «الخوالي»، «أبو المفهومية»، «الرهان»، «أولاد بلدي» وسواها…. غير أنّه استثمر طويلاً نجاح شخصية «أبو عنتر» حتى في المسرح التجاري. وتحولت الشخصيّة إلى جزء من ذاكرة أجيال، تربت على أعمال دريد ونهاد، حتى صار صورةً للشقيّ الدمشقي أو «الأزعر» في مخيّلة ملايين المشاهدين العرب.
يبقى أنّ مظهر «أبو عنتر» وحركاته وكلماته ستبقى جزءاً من مخزوننا الفني، وسيظل ناجي جبر واحداً من أعمدة التجربة الفنية السورية التي ابتكرت «كراكتيرات» شعبية، لم تستطع عشرات الأعمال التمثيليّة طوال عقود من الزمن، أن تقلّل من جاذبيتها ورونقها، مثل «غوار الطوشة» و«حسني البورظان» و«فطوم حيص بيص» و«ياسينو».
“غوار الطوشة” يتحدث عن رحيل رفيق دربه “أبو عنتر”
أعرب الفنان السوري دريد لحام الذي اشتُهر في دور “غوار الطوشة” عن حزنه لفقده رفيق دربه ناجي جبر، المعروف بشخصية “أبو عنتر”، الذي توفي الاثنين 30-3-2009 عن 64 عاما إثر إصابته بمرض عضال.
واعتبر دريد لحام أنه برحيل ناجي جبر خسر الفن السوري والعربي موهبة كوميدية كبيرة، وقال إن الفنان أبوعنتر كان “مثالاً للفنان الملتزم والأخلاقي في عصر لم يعد فيه الكثير من الفنانين أخلاقيين”.
ورحل الفنان الكبير ناجي جبر عن عمر يناهز الـ64 عاماً بعد معاناته من مرض عضال، وسيشيع جثمانه يوم الثلاثاء ظهراً الى مقبرة جرمانا في ريف دمشق (شرق).
وتحدث “غوار الطوشة” عن بعض ذكرياته مع ناجي جبر، وقال إنه كان يشعر “بالراحة لوجود ناجي قربه أثناء التصوير”، وذكر أنه خلال تصوير مشهد تشابك بينه وبين أبوعنتر في آخر حلقة من المسلسل المشهور “صح النوم” في استديو ببيروت، اضطر المصورون للتدخل لفك الاشتباك الذي تحول إلى شجار حقيقي بسبب اندماج الفنان ناجي في الدور.
وقال دريد لحام إن “أبوعنتر” شاركه في 3 مسلسلات من أصل 7 خلال مسيرته الفنية، وأضاف برحيله فقدنا “واحداً من أواخر الرجال المحترمين الملتزمين بالصداقة وحب المساعدة”.
يُذكر أن الفنان ناجي جبر من مواليد مدينة شهبا في محافظة السويداء عام 1945وانتسب لنقابة الفنانين عام1972، وبدأ مسيرته في المسرح القومي والعسكري في سورية، وشارك في اعمال تلفزيونية ومسرحية وسينمائية كثيرة الى جانب الفنانين دريد لحام ونهاد قلعي منها مسلسل “صح النوم” و”حمام الهنا”. و”وادي المسك”.
وشارك جبر في العديد من الأفلام السينمائية منها “غرام في اسطنبول” مع دريد لحام، أما آخر أعماله فكان مسلسلا “أهل الراية” و”بيت جدي” الذي لعب فيه دور البطولة.
ويتحدر جبر من عائلة فنية عريقة، فشقيقه الفنان الراحل محمود جبر الذي توفي في يوليو/تموز الفائت اثر مرض عضال ايضاً، وهو عم الفنانتين ليلى ومرح جبر.
قبضاي دمشق “أبو عنتر” قبضاي الزمن الجميل
يقظان التقي
ناجي جبر (أبو عنتر) ومن دون مبالغة وادعاءات احد ابرز القبضايات الكوميديين الذين افتقدتهم الشاشة الصغيرة كما المسرح الشعبي والتلفزيون منذ سطوع نجمه منذ اربعين عاماً.
اربعون سنة في العمل المتواصل ما بين المسرح الشعبي والسينما والتلفزيون من ضمن افلام سورية أو افلام مشتركة مع دول عربية أبرزها مصر (سينمائياً) شخصية لا تحتاج للتعريف بها، عكست فرادة في مسار شخصي انطلق فأخذ لنفسه شخصية “القبضاي” كأنه آخر قبضايات المسرح، وقبضايات الشاشة، القبضاي العنيف لكن صاحب القلب الطيب.
قبضاي على غرار قبضايات بيروت مثل “أبو عبد البيروتي” وقبضايات الفتوة في مصر، في قواسم مشتركة حيناً واخرى متباعدة ومتنابذة. كان أحد المبدعين في هذا الوسط في الأدوار الخاصة عندنا من خلال مساره الفني وفي حقبة فنية حقق فيها اشياء كثيرة.
شخصية أخذت بورتريه رائعة تنم عن قدرة تمثيلية كبيرة وعلى اللعب الذكي على مختلف جوانبها فكانت بورتريه في صورة طبيعية برهن ناجي جبر (أبو عنتر) عن قدرة في التقاط أكثر من مجرد واقعها الصوري والشكلي.
اخذته ملامح خاصة وأعطته الشخصية الأساسية العنتري، وصاحب المراجل، وحامل الخنجر والعصا الرشيقة التي يخانق الآخرين بها لكنه لم يكن قبضاي العنف والأذى ولكن يتحلى بالطيبة وحتى بالنبل تحت قناع تلك الشخصية.
قبضاي دمشق بث الحياة والحركة في صورة فنية أحبها المشاهدون العرب مع قبضاي “الهوبرة” الفنية أكثر مما هي قبضاي العنف والى حد لا يصل الى القتل والاجرام والاعتداء تحقيقاً لشخصية القبضاي الفولكلورية وبجماليات حركية تميز تلقائية وعفوية وبعد ارتجالي حقق لعب ادوار مختلفة قريبة من الاجتماع العام.
شخصية للمصادقة الجميلة تلاقي فيها شخصية أبو عبد البيروتي الذي رحل مؤخراً. كأنه زمن نهايات القبضايات العربية الودودة والجميلة والمحبة للحق والخير العام.
من قبضايات بيروت الى قبضايات الشام الى فتوات مصر (المؤذية أحياناً) لكن “أبو عنتر وفي القاسم المشترك أخذ صف النبل والكرم والمرجلة بطبيعة مسالمة تندرج تحت إطار كوميدي خفيف الظل ومحبب.
مثل أبو عنتر بعض الأدوار العنيفة في السينما ولكن الأهم انه اشتغل مع دريد لحام في “صح النوم” الذي ما زال زاد المسافة وبإرادة طوعية على أجنحة الطيران العربية في برمجمة لها في الفضاء الطائر تبديداً لأوهام الخوف وكجزء من التمثيل النفسي الذي قد يريح المسافر فوق الارض في مادة كوميدية ما تزال رائجة.
أبو عنتر نفسه مثل في فيلم “سفر برلك” مع الرحابنة في مقاربة لدور القبضاي نفسه فكان واحداً من قبضايات الزمن الجميل.
كان شخصية قريبة جداً، والأهم انه كان شخصية مثقفة وعلى درجة عالية من الخلفية الثقافية على عكس شخصيته الفنية المؤطرة. تجدر الإشارة الى انه أدى أدواراً درامية مهمة شاهدناه في بعض منها على الشاشة الصغيرة أخيراً.
رحل ناجي جبر أبو عنتر بعد معاناة مع مرض السرطان في الرابعة والستين.
موجة من الأسى والاسف والفراغ في المسرح الكوميدي الشعبي العربي الذي سجل تراجعاً وانحطاطاً في السنوات الأخيرة، واسفافاً لا مثيل له. وعندما تغادرنا شخصية كمثل “أبو عنتر” والذي برغم كل بساطته ومباشرته بقي بعيداً عن الابتذال، كأنما نودع زمناً الى زمن آخر، شلّع فيه كل شيء.. حتى الضحكة!
غصة تلك الضحكة العريضة حتى القهقهة… الضحكة البريئة حتى الطفولة!