الأدب الأميريكي الأسود..من العبدة وتيلي إلى حائزة نوبل توني موريسون
منيرة ابي زيد
لم تتخيّل قط الشاعرة الزنجية الأولى فيليس ويتلي أن رئيس جمهوررية أميركا في القرن الحادي والعشرين سيكون بكل بساطة رجلاً أسود يدعى باراك أوباما. عام 1753، اختُطفت فيليس في السنيغال على يد البيض. كان عمرها ثمانية أعوام. حين عُرضت للبيع في بوسطن، اشتراها جون وسوزانا ويتلي وكأنها مجرّد غرض معروض في السوق. إنما سوزانا تبنّت فيليس على المستوى الفكري، علّمتها القراءة والكتابة. على الرغم من أنّ الإنكليزية لم تكن لغّة فيليس الأم، ألفتها بسرعة وأخذت تكتب القصائد. فعبّرت الزنجية عن مأساتها من خلال أشعارها التي لقيت نجاحاً كبيراً. تحرّرت من عبودتيها حين كانت قد بلغت 22 سنة من عمرها، وكان ذلك حدثاً هاماً آنذاك. مرّ قرنان. عام 1936، ولد باراك، إبن حسين أوباما. هو من أصول كينية من إثنية لوو. تلقى أوباما الصغير تربية مسلمة محافظة. والداه مطلقان وهو يعيش مع والدته التي تزوجت من إندونيسي. عاش أوباما تقلباً بين أجواء البيض والسود وقد عبّرت جملته التالية عن كيفية تعاطيه مع كونه رجلاً أسود في أميركا: «لقد تعلمت أن أعبر من عالمي الأسود الى عالمي الأبيض» وكأنه ينتمي إليهما بنفس الطريقة. شارك أوباما في كل النضالات السياسية متأثراً بغاندي، مارتن لوثر كينغ ونيلسون مانديلا. كافح من أجل السود، الفقراء، حرية المثلية والبيئة. نشر كتاباً بعنوان «أحلام من أبي» روى فيه مساره كأسود بنظر أميركا البيضاء وكولد يبحث عن والده. في 4 تشرين الثاني 2008، انتُخب باراك أوباما رئيس جمهورية أميركا. من الشاعرة العبدة ويتلي الى رئيس جمهورية أميركا الأسود، قرون رُويت في حكايات وقصائد، صراعات وآلام، تحرّر من العبودية ونضال مستمر… هل بلغ الأميركيون ذوو الأصول الأفريقية هدفهم؟ لا يمكن الحسم، إنما هم بلا شك قطعوا أشواطاً كبيرة…
لوني و روحي
هذه المأساة التاريخية مبنية على عنصر من الكيان البشري؛ اللون. بالفعل، إنه لون البشرة، لا يستطيع المرء أن يتخلّص من لونه. قد يغيّر رأيه السياسي، سلوكه الاجتماعي أو يبدّل انتماءه الثقافي. إنما لون بشرته، سوادها الداكن، فقد لازم المواطن الأميركي الأسود ليذكّره على الدوام بجذوره الأفريقية العميقة. جسدهم ليل، جسدهم سواد، عتمة، بشرة حرقتها شمس القارة الأفريقية. ولكن هذا الشعب أبى أن يستسلم لعبوديته. أثبت الأفارقة الأميركيون قدرتهم على النضال والعمل والانتاج في كل المجالات، نافسوا البيض وأثبتوا جدارتهم. ولكن إشكالية اللون برزت في أدبهم وطغت على كتاباتهم. «لوني، أنا لوني، هل أكون الآخر الأبيض؟». إنه الشكل، الجسد، تاريخ ومصير شعب مرتبطان بلون. في رواية الكاتبة السوداء أليس والكر «ماريديان»، يقول السود للعميلين من أبناء شعبهم أوليفيا وأدام: «أنتم سود، إنما لستم مثلنا. ننظر إليكم بشفقة. أنت بالكاد تمتلك بشرتك السوداء الخاصة بك ولونها يضمحل»، وكأنهم يربطون الانتماء الى الشعب الأفريقي بدرجة سواد البشرة، فهم يعتبرون العملاء أقل سواداً من الآخرين. بهدف مواجهة هذا التقييم الجماعي المبني على لون الجسد، يهرب السود الى عالم الروح. يحاولون الفرار من ربط هوية الإنسان بلونه عبر التجرّد من الجسد بالكامل وتحوّل الانسان الى روح. لذلك يقول الشاعر الأسود لانغستن هيوغ الذي ناضل ضد التمييز العنصري: «اتّسعت روحي بعمق على غرار الأنهر»، « الفنانون الزنوج الذين يبدعون ينوون الآن ان يعبّروا عن كياننا، نحن الأفراد ذوو البشرة السوداء، دون خوف او خجل. إذا رضي عنّا البيض نفرح. وان لم يفعلوا، فلا يهمنا ذلك. نحن نعرف أننا بهيوّ الطلعة. وبشعون كذلك». يتحوّل هذا التركيز على الشكل من عقدة اللون الى عقدة مرتبطة بالجسد بشكل عام. فنلحظ تكرار كلمة «بشع، بشاعة…». للأسود الأميركي علاقة ملتبسة بشكله تبرز في أدبه، بما أن العالم الذي يحيط به لا يحكم عليه استناداً لأفعاله إنما لونه، فيتحول جسده الى عبء، مشكلة، قد يتمنى التخلّص منه أحياناً… اللون؟ هل يمكن أن نخبئ لوننا؟ يمكننا أن نسرق او نقتل بالسر، قد لا يعرف أحد. أما السواد فهو ظاهر للعيان. يقول مارتن لوثر كينغ في هذا الصدد: «أحلم أن يوماً ما سيعيش أولادي الأربعة في أمّة لا تحكم عليهم استناداً للون بشرتهم، إنما تبعاً لأخلاقهم». في هذا السياق، تناولت رواية eyes The bluest لطوني موريسون حياة فتاة سوداء بشعة تدعى بيكولا وهي تصلي كي تصبح جميلة وذات عينين زرقاوين لأنها تعيش في أميركا، هذه البلاد التي لا تحب سوى أولادها الشقر ذوي العيون الفاتحة. في هذه الرواية، نلحظ علاقة غير موضوعية مع جمالية المرأة. إذ، تتمحور الرواية حول السعي وراء الجمال. يمجّد مجتمع بيكولا البياض، لذا باتت تعتبر أن البياض والعيون الزرقاء جوهر الجمال. وفي نهاية المطاف، تفهم بيكولا أنه يستحيل بلوغ الجمال إن لم نبلور فكرتنا الخاصة عنه. عليها أن تمتلك فكرتها الخاصة عن الجمال لكي تصبح جميلة. بالفعل، عليها أن تفصل نفسها عن الأفكار السائدة لتعود الى نفسها… أين هي نفسها الأصلية؟ لا تعرف، قارّة بعيدة…كنت هناك قبل أن أولد على الأرجح… ألا توجد فسحة لنفسي الأصلية؟…
العين البيضاء
من خلال هذه الأعمال الأدبية، نلحظ أن السود نبذوا ثقافتهم الأصلية وتبنوا وجهة نظر البيض فنظروا الى أنفسهم بعين بيضاء، باتوا بشعين بنظر أنفسهم. وفي هذه الحالة، ينطرح خياران؛ إمّا الإنهيار، إمّا التأقلم. عمل السود على المواجهة بهدف التأقلم في المجتمع الأميريكي بشكل بنّاء. رفضوا الخضوع كما أنهم رفضوا الإنغلاق. تقول الأديبة السوداء طوني موريسون حول الانفتاح والانعزالية: «لكي أكون حرّة الى أقصى حد في خيالي، لا يسعني أخذ مواقف متقوقعة». وكانت أول خطواتهم نحو التحرر سنة 1863، خلال الحرب الأهلية، حين وقّع الرئيس أبراهام لينكولن على اتفاقية تحرّر العبيد. تلك كانت الخطوة الأولى نحو الحرية. نذكر في هذا السياق مقولة مارتين لوثر كينغ: «أخطوا خطوة على درب الإيمان. ليس عليكم أن تسلكوه بالكامل، فقط أخطوا خطوة».
ومن أهم الكتّاب الذين ساهموا في تحرير الشعب الأفريقي من العبودية في تلك الحقبة هو فريديريك دوغلاس الذي أثّر على الرأي العام عبر تأسيس الجرائد وكتابة المقالات. وأدّى نشره لـ«قصّة حياة فريديريك دوغلاس، العبد الأميريكي» Narrative of the life of Frederick Douglass, an American Slave الى حملة تشهير. على الرغم من ذلك، لقي هذا العمل نجاحاً كبيراً وأثّر بعمق على الأدب الأسود في القرن التاسع عشر. ما إن حصل السود على حرّيتهم في تلك الحقبة إثر توقيع الرئيس لينكولن للاتفاقية حتى بدأوا بتأسيس مدارسهم وجمعياتهم الأهلية. دفعت مرحلة إعادة الإعمار في أميركا بهم الى التطوّر. عبّر عن هذا الاندفاع كتّاب وشعراء برزوا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين على غرار دوبوا الروائي، المؤرخ وعالم الاجتماع. هو من أهم قادة التحرر في أميركا وبات من أبرز منظّري هذه الحركة في واشنطن من خلال كتابه «أرواح السود» The Souls of black folks، حيث يستعرض أثر العبودية السلبي على نفسية الإنسان: «الكثيرون، الذين كانت العبودية بالنسبة لهم ذكرى عابرة من الطفولة، يجدون هذا العالم مشوّشاً»، فقد «عجزوا عن فهمه، لذلك غرقوا في لامبالاة عديمة، خسروا طموحهم وفقدوا شجاعتهم». كما أنه يعرض في روايته «أرواح السود» السيد واشنطن الذي يجسّد بالنسبة للفكر الزنجي النسق القديم في التكيّف والخضوع.
هذا الرجل ليس سوى أداة في أيدي هيمنة البيض. وهو طرح بعمق إشكالية التأقلم التي تؤدي لا محالة الى نوع من الازدواجية : «هو إحساس غريب، هذا الوعي المزدوج، هذا الإدراك بأن تنظر الى شخصية الناس من خلال نظرة الآخر»، «هذه الازدواجية لدى الزنجي الأميركي: روحان، فكران، وجهان غير منسجمين، نموذجان متناقضان في جسد أسود واحد»، «الوعي المزدوج هو بنفس الوقت هدية ولعنة بشكل غامض». ويربط دوبو هذه الازدواجية بنظريات هيغيل وماركس حول الجدلية. أما «الأميرة السوداء» Dark Princess فهي رواية البروباغندا، ويقول الكاتب دوبوا بهذا الخصوص: «لا أكترث للفنون التي لا تُستخدم بهدف الترويج لبروباغندا. ولكنني أهتم حين تلتزم البروباغندا بجهة ما بينما الجهة الأخرى مشتتة وصامتة». عام 1905، نظّم دوبوا حركة نياغرا التي تواجه التمييز العرقي وأشكالاً أخرى من الظلم. وكان له هواجس كثيرة إزاء الثقافة الأفريقية. عام 1911، انضم الى الحزب الأميركي الاشتراكي.
وبات عمله الأدبي «الزنجي» بمثابة كتاب مقدس للأفارقة الأميركيين. ألّف كتاب (إعادة إعمار الأسود في أميركا) «Black Reconstruction in America» و «Black Folks: Then and now» (الناس السود: فيما مضى والآن). هو يقول في كتابه :«Dusk of Dawn» «لا يمكن للمرء أن يهدأ ويصمت ويتبنى نظرة علمية حيادية بينما يُضرب الزنوج ويُقتلون ويُذبحون». عام 1923، زار دوبوا أفريقيا للمرة الأولى. أعجب بالشيوعية في الأربعينيات، لذلك راقبته أجهزة المخابرات الأميركيةI. قام في تلك الحقبة بزيارة جمهوررية الصين الشعبية. عام 1963، تخلّى عن جنسيته الأميركية ليكتسب الجنسية الغينية. في هذه المرحلة من تاريخ النضال الأسود في وجه أميركا البيضاء، قد يتخّذ الصراع شكل اليسار في مواجهة اليمين. في هذا السياق، اختار الكاتب والشاعر الأسود لانغستون هيوغ الشيوعية كبديل لأميركا التمييز العنصري. وقد برز ميله للشيوعية في قصيدة «الأغنية الجديدة»:
«أنا أتكلم باسم الملايين من السود/ أستنهضهم للعمل/ فليلتزم الآخرون الصمت/ أنا لدي كلمة لأقولها/ هذا ما سوف أقول/ وهذا ما سوف أغني/ كان النهار مريراً»، «حين أرى أولادي خارج المدرسة/ رجالي من دون صوت في العالم/ نسائي وكأن أجسادهن دمى لدى السرّاقين»، «أيها اللصوص، المُستغلون والقتلى/ لن تقولوا بعد اليوم بعيون متعجرفة وشفتين تعبّران عن الازدراء: أنت الخادم، أيها الرجل الأسود، وأنا الحر!». يتميّز هيوغ لانغستون بكونه رجلاً أسود يحب نفسه وشعبه كثيراً. لذلك كانت علاقته بوالده الذي لا يحب السود مختلّة بالكامل. حين عاش مع أبيه لفترة، حاول الانتحار عدّة مرات. وهو يقول: «كنت أفكّر بوالدي وكرهه الغريب لشعبه. لم أفهم ذلك، لأنني أنا زنجي، وأحب الزنوج كثيراً». بالنسبة إليه، الحلم الأميركي هو الذي يفتقد الى الكمالية وليس الشعب الأسود. هو إذاً يرفض كره النفس ويحمّل الآخر الأبيض المسؤولية. لذلك هيوغ لانغستون هو من أهم رواد نهضة هارلم في العشرينيات، وهي حركة إعادة تجديد الثقافة الأميركية الأفريقية والأدب الأسود الأميركي في فترة ما بين الحربين. أنعشت هذه الحركة الأدبية الفنون الفوتوغرافية والموسيقى والرسم وكان دوبوا الذي سبق أن ذكرناه من أبرز وجوه هذه المرحلة بفضل تأسيسه لـ«لجمعية الوطنية لترقية الناس ذات البشرة الملونة» NAACP)) . فصارت هارلم «العاصمة العالمية للثقافة السوداء»، لأن نيو-يورك تنبذ السود من وسطها فباتوا يتجمعون في أحياء كهارلم في شمال مانهاتن. تحوّلت هارلم الى مركز ثقافي وفني تكاثر فيه الكتّاب والموسيقيون على غرار ديوك إلينغتون ولويس أرمسترونغ. تطوّرت هذه الحركة الثقافية بفضل الجرائد والجمعيات.
استمدت أجواء هارلم الأدبية روحيتها من الفولكلور الأفريقي، فتأثرت بالأغاني الدينية، حكايات الحيوانات والخرافات. وقد ارتبطت شاعريتها بأغاني الجاز والبلوز. إذاً، هي عودة جمالية الى الجذور ضمن لمسة فنية حديثة. أضفى رواد نهضة هارلم قيمة على الهوية الأفريقية، وهم يحاربون الأفكار المُسبقة عن السود. إنما لقيت هذه النخوة الأفريقية انتقادات وبعض الكتّاب سخروا منها، نذكر منهم شويلر الذي ألّف كتاب «لا مزيد من السود». تحكي هذه الرواية عن العالم الذي اخترع آلة تحوّل السود الى بيض.
وقد شاركت الكاتبة زورا نيال هورستون في حركة نهضة هارلم. إذ أنها نشرت روايتها «كانت عيونهم تنظر الى الله»، كما أنها شاركت بتأسيس المجلة الأدبية «Fire» (نار بفضل تخصّصها في علم المجتمعات القديمة، تمكّنت هذه الكاتبة من اكتشاف فولكلور ثقافة بلادها الأصلي فعبّرت عن هذه العلاقة بجذورها في روايتها Mules And Men كما من خلال الرقص. أسّست فرقة رقص تعبّر عن ثقافة الجنوب، وعرض فنها في برودواي. نجحت هذه الروائية بالإبداع في الرقص والكتابة. وأصلاً، يرتكز التراث الأفريقي على الإيقاع الموسيقي الأصلي الذي سكن شارع هارلم وتزاوج مع الفنون والآداب لينتج جمالية فنية أفريقية وحديثة رائعة.
الأدب النسائي الأسود
في الستينيات، تمازج الدفاع عن حقوق السود مع النضال لحقوق المرأة ضمن نفس الإطار الأدبي الذي اندرجت فيه طوني موريسون وأليس والكر. لقيت هاتان الكاتبتان نجاحاً في أميركا وخارجها، لأنهما انطلقتا من موضوع محدّد يرتبط بحياة السود في أميركا وتوسعتا في كتابتهما لترقيا الى مستوى الأدب العالمي. وقد قالت أليس والكر عن مسألة تحديد الأديب في إطار زمني واحد: «الناس يريدون أن يضعوك دوماً في صندوق صغير أو هم بحاجة أن يحدّدوك في المكان والزمان. أحتاج الى مزيد من الليونة. على الناس تقبّل أن ما من شيء دائم، كل شيء يتغيّر لذلك هناك حرية وأنا بحاجة للعيش حيث أستطيع أن أكون حرة».
عانت هذه الكاتبة الكثير في حياتها، إذ أنها فقدت عينها اليمنى لأن أخوها جرحها عن غير قصد. خجلت من ندبتها، فانعزلت، ولاذت في الفرار الى عالم القراءة والكتابة. عبّرت في أول قصائدها عن معاناة النساء السود في المجتمع الأبيض العنصري والذكوري. «أنا امرأة، أنا سوداء، إذاً أنا مُستضعفة مرتين…». تقول أليس والكر بكل وضوح أنها ذات ميول جنسية مزدوجة، أي أنها ترغب بالرجال والنساء.
في أبرز أعمالها الأدبية «اللون الأرجواني» The Color Purple، تناولت والكر قصة حياة امرأة سوداء تكافح لتتحرّر من المجتمع العنصري الأبيض والمجتمع الذكوري الأسود، وقد فاز هذا العمل الأدبي بجائزة بولتزر. تدور أحداث هذه الرواية التي تعالج مشاكل اجتماعية كالمثلية والزنى المُحرّم في أجواء موسيقى البلوز، وقد اقتُبس عنها فيلم أخرجه ستيفن سبيلبرغ. برزت حساسية أليس والكر في Love And Trouble «الحب والمشاكل» وThe third life of Grange Copeland «حياة غرانج كوبلاند الثالثة»، هذه الكتابات التي تحتوي على مواضيع مألوفة في حياة السود الاجتماعية والسياسية.
حركة الحقوق المدنية في الستينيات هو الموضوع الذي تناولته والكر في «Meridian». ماريديان هي امرأة شابة من أتلانتا، تحاول إيجاد نفسها في سياق ثورة للعدالة الاجتماعية والإثنية. في سياق هذه التجربة، تكتشف الحدود التي لن تتخطاها من أجل قضيتها على الرغم من أنها تقوم بالتضحيات. نذكر في هذا السياق قول مارتن لوثر كينغ: «طالما لم يجد المرء سبباً يموت من أجله، فهو لم يعش بعد». ولكن هذه المناضلة،حتى لو لم تختر المجازفة الى أقصى حد، فقد عملت ضمن حملة لتسجيل أسماء الناخبين الأفارقه الأميركيين. وبينما ترك رفقاؤها العمل، تابعت نضالها السياسي غير العنيف في عمق جنوب البلاد على الرغم من مرضها.
كما تُعالج والكر في هذا العمل الأدبي الحياة السياسية في سياق عائلي يُبرز تجربة الأم السوداء وعلاقتها بأبنائها في أميركا. بالفعل من خلال تجربتها النضالية، تحاول ماريديان تحديد علاقتها بوالدتها. تتحاشى والكر التناقد في كتاباتها، وتطوق نحو الانسجام. سنة 2009، سافرت أليس والكر الى غزّة ضمن مجموعة من 60 امرأة لمساعدة الناس ومحاولة إقناع إسرائيل ومصر بفتح معبر رفح. أما الكاتبة السوداء طوني موريسون فقد حقّقت نجاحاً هاماً بما أنها فازت بجائزة بوليتزر عن رواية «بيلوفد» Beloved وكانت أول امرأة أميركية تفوز بجائزة نوبل. هي روائية كما أنها أستاذة جامعية. يصف أدب موريسون آلام السود في أميركا منذ بداية القرن العشرين بسبب التمزّق بين إرث الأسلاف الثقافي والنموذج السائد في المجتمع الأبيض. اقتُبست رواية «بيلوفد» من حادثة واقعية، وهي جريمة قتل قامت بها العبدة مارغريت غارنير لدى هروبها من سيدها. من قتلت؟ ابنتها. «لا لن تكون طفلتي عبدة مثلي» تعبير مأساوي عن كره النفس، محاولة غير مجدية لتجنّب الذل اليومي للأجيال القادمة.
تحكي هذه الرواية قصة التاريخ الأسود الملعون، ويتمازج فيها الشعور بالذنب مع الثورة والرفض. في رواية طوني موريسون، الشخصية الأساسية سات هي العبدة السوداء التي تهرب من سيدها وتقتل ابنتها. لكنها تعجز عن إطلاع حبيبها بول على هذه الحقيقة الأليمة. ولكن الخبر كان قد انتشر في الصحف، فعرف بول أن سات مجرمة، دفعتها غريزة الأمومة الى حماية ابنتها من العبودية من خلال القتل. فكيف تبرّر فعلتها؟ يعبّر قتل الولد عن يأس كامل ممّا قد يحمل المستقبل لهذه الطفلة التي ولدت عبدة. هذه الحادثة تجعلنا نفكّر؛ هل خافت والدة كوندليسا رايس على مصير ابنتها حين كانت حاملاً بها في القرن العشرين؟ لا يمكننا أن نعرف ما راود هذه الامرأة السوداء من أفكار… كانت عازفة بيانو ممتازة وزوجها مستشار التوجيه التربوي. واجهت ابنتها كوندليسا رايس في صغرها التمييز العنصري في جنوب أميركا. كانت في الثامنة من عمرها حين قُتلت إحدى صديقاتها بتفجير في كنيسة بابتيست الأفريقية-الأميركية قام به الكو كلوكس كلان. بعد سنوات، قالت كوندليسا لأستاذها الأبيض العنصري: «أنا أتكلّم الفرنسية، أنا أعزف بيتهوفين، وأنا أمتلك ثقافتكم أفضل منكم.
هذه أشياء يمكن أن نتعلّمها». هي تعيش في عالم البيض، إذاً عالمهم هو عالمها هي كذلك. عام 2001، تولّت كوندليسا رايس منصب مستشارة الأمن القومي خلال عهد الرئيس جورج بوش. وعام 2005، شغلت رايس منصب وزيرة خارجية. هي ثاني امرأة في هذا المنصب وثاني شخص أسود في هذا المنصب، وأول امرأة سوداء أميركية تولّت هذا المنصب. هكذا، نختم بمقولة مارتن لوثر كينغ: «كل تطوّر هش، والحل لكل مشكلة يقودنا الى مشكلة أخرى».
السفير