صفحات ثقافية

الكاتب العربي… بين سندان السلطة ومطرقة القطيع

null
أحمد الحسين
هل يمكن للجماهير أو الشعوب، التي أعيْدَ تشكيلُها بوصفها جزءاً من الأنظمة الاستبداديّـة العربيّة، أن تقوم بدورٍ جذريٍّ، أو بدورٍ ثانويٍّ ما، في تغيير هذه الأنظمة أو تقويضها؟؟
وكيف يمكنها أن تفعلَ ذلك، بعد أن أفلحَتْ هذه الأنظمة في تحويلها إلى قطيعٍ متجانسٍ، وكتلةٍ هلاميَّةٍ لا خصوصيّـة فيهـا ولا تمايُـز، وجعلتها أسيـرة الاهتمام بحاجاتهـا الحيويّـة، أو الاستهلاكيّـة المُستحدَثَـة، وجعلتهـا تغرقُ في الجـري وراء هـذه الحاجـات، وتحرِصُ على تلبيتهـا وإشباعهـا مهما أنفقتْ، في سبيل ذلك، منْ مالٍ أو وقتٍ أو جهـدٍ؟؟
وفضلاً عن ذلك، حرصتْ بعضُ هذه الأنظمة – كما نعلم – على إكمال لعبتها مع الجماهير، أو القطيع؛ فحوّلت بعضَ الأفراد إلى بصّاصين مخلصين لها، وجعلتهم أداة طيّعـة لمواجهة منْ يعارضُها، أو يقفُ في طريق استمرارها وديمومتها، بعد أن قامت بعملية غسل دماغٍ طويلةٍ لهم من خلال الأجهزة التابعـة لهــا، سواء أكانت هذه الأجهـزة مرئيّة تشتغل في العلن، كوزارات الإعلام والتربية بأبواقها ومنافذها المتعددة، أو سريّة تقوم بدورها في الخفاء، كأجهزة الأمن المختلفة والنقابات الرسميّـة والاتحـادات الشعبيَّـة.
وقد أوهمت هذه الأنظمة الجماهيـرَ العربيّـة بأنها الحضْـنُ الذي يرعاهـا، والعيـْنُ التي تحرسُها وتكلؤُهـا، وأنهـا تقومٍ بعملٍ شريفٍ عندما تحمي هذهِ الأنظمةَ من المُغرضِين الذين يتربَّصون بها في الظلام، أو من القوى الشرِّيرة التي تستعـدُّ للانقضاض عليها وإيقاع الأذى بها، وهي على ما هي عليه من حُبٍّ طاهـرٍ للوطن وولاءٍ له، وحرصٍ عليه، وانطلى ذلك على شريحة واسعة من هذه الجماهير؛ فاندفعت لحماية هذه الأنظمة مما يُزعَـمُ أنـه يُحَـاك لهـا في الظلام، وما أكثرَ ما انقضَّتْ هذه على مفكّرين عربٍ كبارٍ أو كتّابٍ عظام متوهِّمة أنّها تدافعُ عن الوطن، وتحميه من الأذى، وما درَتْ أنها تُديمُ بذلك فقـرَها وجهالتَها واستبدادَها وطغيانَ الحاكمين لها، وتحكمُ على نفسها بظلامٍ حالكٍ لا مخرجَ منه، وذلٍّ مستديمٍ لا انفكاكَ منه.
في سياقٍ كهذا انقضَّ متعصِّبون مأخوذون بفكرة الدفاع عن شرف الوطن وحرمة الدين، على رموز أدبيَّة وفكريَّة وفنّية في الوطن العربيّ، وأودَوْا بحياتهم، أو أحدثوا في أجسادهم عاهاتٍ تمنعُهم من متابعة حياتهم الفكريّة أو الأدبيّة، أو أجبروهم على الرَّحيل إلى خارج أوطانهم، هكذا غُيِّب عن حياتنا المفكِّران الماركسيّان الكبيران حسين مروة ومهدي عامل في ثمانينات القرن المنصرم، وحيل بينهما وبين إكمال مشاريعهما الفلسفية والفكرية الدسمة، كما جرى اغتيال الشيخ المتنوّر صبحي الصالح في مدينة بيروت لأسباب طائفية بحت، إذ أنّ الشيخ الصالح لم يثر قضايا إشكالية في الفكر الإسلامي تفضي إلى قتله، فقد كان أستاذًا جامعيًّا كلاسيكيّـا يدرّس فقه اللغة ومباحث علوم القرآن والحديث في الجامعة اللبنانية وجامعتي دمشق وتشرين في اللاذقية لا غير، والمرجّح أنه قتل بسبب تبوّئه رئاسة المجلس الإسلامي التشريعي الأعلى ، فضلا عن أنه كان أحد علماء السنّة البارزين في لبنان والعالم العربي والإسلامي (1) .
كما أودى تفجيرٌ انتحاريٌّ بحياة المخرج السينمائي العالمي مصطفى العقاد في أحد فنادق عمّان بالأردن، ومعروف أنّ العقاد كان مخرجًا إسلاميًّا حتى في نظر الذين يحتكرون تفسيرًا معيّنًا للإسلام ومنهم الذين قاموا باغتياله، كما كمن متطرّفون للمفكّر الإسلامي الإشكالي فرج فودة في مدينة نصر بالقاهرة، واغتالوه مع طفله الصغير عام 1992، بعد مناظرة فكريّة هامّة تمّت بينه وبين ممثّلي التيّارات الإسلاميّـة في معرض الكتاب بالقاهرة: الدكتور محمد عمارة، والشيخ محمد الغزالي، ومأمون الهضيبي ( رئيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر آنذاك) وكان موضوعها : ” الدولة المدنية والدولة الدينية ” (2) ، وكاد شابٌّ متعصِّبٌ متهـوِّرٌ أن يوديَ بحياة الروائي العالمي نجيب محفوظ لو لم تتدخّل العنايـة الإلهيّـة لإنقاذه من الموت، وقد أحدثت محاولة الاغتيال في جسده الضعيف المتهالك أمراضًا لم يتعافَ منها قطُّ، ولازمته إلى حين وفاته بتاريخ 30/7/2006.
كما أُجبِـر الأكاديميُّ المصريُّ نصـر حامـد أبوزيـد على الخضوع للتيار الظلاميِّ المتطرِّف في بلده ، بعد أن كفّـِر وأبيح دمه، ورُفِعتْ دعوى عاجلة ضدَّه لإجباره على تطليق زوجته الدكتورة ابتهال يونس / الأستاذة في قسم اللغة الفرنسية بجامعة القاهرة، فاضطُّـر إلى مغادرة وطنه مصر، والعيشِ في الخارج؛ حيث لا يزال يعمل أستاذًا للدّراسات الإسلاميّـة بجامعـة لايدن، كما يشغل في الوقت نفسه كرسي “ابـن رشـد” بجامعة الإنسانيّات بمدينة أوتريخت التي تقع في قلب هولندة ، وتتميّـز بتقاليدها الراسخة في البحث العلمي الرصين (3).
أمّا في الجزائر فلا يزالُ الخوفُ يدقُّ أطنابَه في أرض المليـون شهيـد، ولا يزالُ المثقفُ أو المتنوِّرُ الجزائريُّ يتحرّك بسريّـة تامّـة في الحـارة الشعبيّـة، وهو مسكونٌ بالخوف من الاغتيال والموت، وقد كشفَ كتَابٌ صادِرٌ حديثًا في الجزائر تحت عنوان ’’هكذا تحدَّث واسيني الأعرج ’’ للصحفيِّ والروائيِّ التونسيّ كمال الرياحيّ، أسرارًا وُصِفتْ بـ’’المثيرة’’ في حياة الأعرج الشخصيَّـة والأدبيُّـة، تحدَّث فيها عن قصَّتـه مع الإرهاب في الجزائر خلال فترة التسعينات، ومحاولة اغتياله من طرف الجماعات الإرهابيّـة المتطرفـة؛ حيث يقول :’’ كنّا نخاف من اختطافٍ أو موتٍ قاسٍ، ونتمنّى إذا سقطنا بين أيديهم أن نموت برصاصة بدل الذبح بمنشار صدئ، والكثيرون منا اشتروا قرصًا من السيانور(السُّم)، وهو قرص صغير كان يُوضَعُ بياقة القميص قريبًا من الفم؛ بحيث أنه إذا ألقي القبضُ علينا يكفينا أن نعضَّ على رأس اليافطة ليسري السُّمُّ في أجسادنا ’’ (4) .
الهوامش:
(1) ورد في ( موقع المعرفة ) أنه تم اغتيال الشيخ صبحي الصالح في 7أكتوبر ( تشرين الأول ) عام 1986.

(2) ورد على موقع ” الويكيبيديا” أن فرج فودة قتل بالرصاص بعد تحريض جبهة علماء الأزهر عليه واتهامه بالردة ووجوب قتله في بيان لها بجريدة ” النور” عام1992.

(3) نقلا عن مقال منشور في موقع ” جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية ” .

(4)    نقلا عن صحيفة القدس العربي ، الأربعاء 7/4/2009 ، ( بتصرف ).
(5)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى