محمد غانم.. قربان إنسانيته
پير روسته م
منذ فترة ونحن نتابع أخبار الأخوة في الداخل السوري بقلق بالغ؛ فمع أن سياسة الاعتقالات والمحاكمات الصورية والنقل التعسفي، بل الفصل من المؤسسات والدوائر الحكومية ليست بجديدة علينا وعلى كل متتبع لسياسة النظام السوري وهي بعمر الاستبداد وحالة الطوارئ والأحكام العرفية في البلد والتي قاربت على نصف قرن بحيث بات أكثر من جيل لا يعرف من النظم السياسية غير نظام الحزب الواحد وبموجب مادة غير قانونية أُدخِلَت على الدستور السوري بقوة السلاح أو ما عرفت بـ(الشرعية الثورية) لمجموعة من الانقلابيين البعثيين على النظام البرلماني وذلك تحت مسمى (ثورة الثامن من آذار لعا 1963م). وهكذا فقد أستبدت تلك المجموعة الانقلابية بكل المكونات السياسية الأخرى وخاصةً بعد التجربة المريرة لجماعة الإخوان المسلمين في بداية الثمانينات من القرن الماضي وما رافقتها من جرائم وحشية ومن الجانبين؛ النظام وجماعة الإخوان وبالتالي إطلاق يد الأجهزة الأمنية في البلد والتي تكاثرت كما يتكاثر الفطر في الأماكن الرطبة والعفنة.
إنه لمن المعلوم بأن الأنظمة الفاشية والاستبدادية أكثر ما تخاف، تخاف من أصحاب الفكر الحر والديمقراطي، من حاملي القلم ومن كل من ينشط في مجالات الثقافة والفكر والسياسة؛ حيث وصل الأمر بوزير الاعلام والدعاية في حكومة هتلر النازية (غوبلز) بأن يصرح: “أنه يتحسس مسدسه كلما رأى مثقفاً” وها نحن نرى بأن السياسة نفسها تتبع بعد أكثر من ستة عقود من الزمن في بلدان لا تقل نازية وفاشية عن تلك التي عرفتها بعض الدول الأوربية مثل إيطاليا وألمانيا؛ حيث وبمراجعة لملفات حقوق الانسان في البلدان العربية وخاصةً ما تعرف منها بالممانعة والصمود وحاملة الفكر القومي العروبي (عراق – صدام وسورية وليبيا والسودان وغيرهم) نلاحظ بأنها لا تقل فاشيةً ونازيةً عن أصحاب الفكر الأوربيين في منتصف القرن الماضي وذلك على الرغم من كل تلك المواثيق والعهود التي وقعتها هذه الدول والبلدان بصدد إحترام حقوق الانسان وعلى رأسها وفي مقدمة تلك المواثيق (الاعلان العالمي لحقوق الانسان)؛ حيث تقول:
المادة 23
( 1 ) لكل شخص الحق في العمل، وله حرية اختياره بشروط عادلة مرضية كما أن له حق الحماية من البطالة.
( 2 ) لكل فرد دون أي تمييز الحق في أجر متساو للعمل.
( 3 ) لكل فرد يقوم بعمل الحق في أجر عادل مرض يكفل له ولأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان تضاف إليه، عند اللزوم، وسائل أخرى للحماية الاجتماعية.
( 4 ) لكل شخص الحق في أن ينشئ وينضم إلى نقابات حماية لمصلحته.
المادة 24
لكل شخص الحق في الراحة، وفي أوقات الفراغ، ولاسيما في تحديد معقول لساعات العمل وفي عطلات دورية بأجر.
المادة 25
( 1 ) لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته.
( 2 ) للأمومة والطفولة الحق في مساعدة ورعاية خاصتين، وينعم كل الأطفال بنفس الحماية الاجتماعية سواء أكانت ولادتهم ناتجة عن رباط شرعي أو بطريقة غير شرعية.
وبعد إضطلاعنا على هذه المواد من (الاعلان العالمي لحقوق الانسان) لنعد إلى الداخل السوري ونقرأ الخبر التالي والذي تناقلته وسائل الاعلام وخاصةً المواقع الالكترونية؛ حيث ورد ما يلي: “علمت لجنة التنسيق في الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن مديرية التربية في محافظة الرقة قامت بنقل المدرس الزميل / محمد غانم / من مدينة الرقة إلى قرية معدان وفقاً للقرار رقم / 555 / ص تاريخ 26/3/2009 والمبلغ للأستاذ: محمد غانم في 30/3/2009 “. كما أضافت (ماف) منظمة حقوق الانسان في سورية التالي: (علمت منظمة حقوق الإنسان في سورية- ماف ، أن مديرية التربية في الرقة وبناء على توجيهات اللجنة الأمنية في المحافظة، وتحت البند المستخدم في غير مكانه “بناء على مقتضيات المصلحة العامة” قامت بالنقل التعسفي لعدد كبير من الناشطين في محافظة الرقة، ومن بينهم الكاتب المعروف محمد غانم عضو منظمتنا – ماف، إلى مدرسة “معدان” على حدود محافظة دير الزور، وعلى بعد حوالي سبعين كيلومتراً، وهو ما سيرهقه مالياً، وسيقوم بهدر وقته. والناشط محمد غانم كان قد فصل من عمله بعد سجنه، وأعيد إلى عمل وظيفي في المجمع التربوي بالرقة، خارج العمل الصفي، وها هو يعاقب مرة أخرى على غير وجه حق، ودون أي خطأ ارتكبه، بل دون أن يتم أي تحقيق قضائي معه، ومع كافة من تعرضوا لحملات النقل التعسفي في عدد من المحافظات من بينها: محافظتا: الرقة والحسكة، حيث الغرض من كل ذلك هو “تأديب” الأجيال، وبخاصة الطلاب منهم، من خلال “تحقير المدرسين الذين تعدهم الأجيال قدوات ورموزاً”، وأي تأديب أكبر من أن يتم إذلال “المعلم” أمام طلبته، وخاصة حين يكون من أصحاب اليد البيضاء، ممن خدموا بتفان، على مدى عقود، ومن بين هؤلاء زميلنا الأستاذ محمد غانم المعروف بوفائه الوطني الكبير، وإنسانيته، وعقلانيته، وهو ما ينطبق على كل من تناولهم النقل التعسفي، الذي هو “حرب” على لقمة أسر الموظفين لدى الدولة، قبل أن تكون عقاباً غير قانوني على هؤلاء المشمولين بالنقل التعسفي، وليس أشد بؤساً من محاربة لقمة أطفال صاحب الرأي). وتضيف المنظمة (منظمة حقوق الإنسان في سورية- ماف) بأنها: “تستنكر نقل الزميل الكاتب محمد غانم، و تطالب بإعادته وكافة زملائه المنقولين تعسفياً إلى مقار أعمالهم السابقة، لأن عمليات النقل التعسفية، تسيء إلى مستوى التعليم، بل وإلى اقتصاد بلدنا. الرقة-12-4-209 منظمة حقوق الإنسان في سورية- ماف”.
بالتأكيد أن الزميل والصديق محمد غانم ليس الأول ولن يكون الأخير والذي يتعرض لهذه الممارسات والضغوطات الأمنية المخابراتية والتي أقل ما يمكن أن يوصف بها بأنها غير أخلاقية وبعيدة عن القيم الوطنية والانسانية – وعلى كلٍ هي صفات لا تعرفها الأجهزة الأمنية السورية إلا ما ندر من رجالاتها – حيث ومنذ ثمانينات القرن الماضي وأبناء الشعب الكوردي في غرب كوردستان وسورية عموماً يعانون من هذه السياسة التعسفية (النقل والفصل والترحيل) إن كان للطلبة والمعلمين أو لبقية الوظائف والشرائح الأخرى وكانت آخرها نقل عدد من الموظفين في إدارة الزراعة بالقامشلي لمناطق بعيدة عن سكناهم كما جرى مع الصديق محمد غانم في نقله التعسفي الأخير وذلك زيادةً في الضغط عليه لاطفاء البقية الباقية من جذوة الروح الوطنية والقيم الانسانية والتفكير العقلاني المنطقي لديه وخاصةً بعدما فعلت سنوات السجن مفاعيلها في نشاطات وكتابات الأستاذ غانم وما آلت إليه الأوضاع بأن يسكتوا قلمه لحينٍ من الدهر كونه أبٌ ومعيلٌ لأسرةٍ تعرف ما يعني الحرمان والجوع في بلدٍ تحارب أبناءها في لقمة العيش ورغيف (الخبز الحافي).
عرفنا الأستاذ والصديق محمد غانم بعد خروجه من السجن وذلك من خلال المراسلة وإننا نتذكر بأنه في رسالته الأولى قد نبهنا لنقطة (عدم إستخدام بريد الجمعية المعلوماتية السورية، لكونه مخترق أمنياً) وهي التي لم نكن بغافلين عنها ولكن كنا نتعامل معها بأريحية نابعة من مصداقيتنا ومفهومنا للوطنية وبأننا نريد أن نعمل في العلن كوننا لا نعمل ما يسيء للبلد ومكوناته العرقية والاجتماعية ووحدتها الوطنية، بل ندعو للحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية لكل المكونات السورية وكذلك لحل القضية الكوردية حلاً عادلاً ديمقراطياً وضمن وحدة البلاد فلذلك ليس هناك مما نخفيه أو نخاف منه. ولكن تبين لنا فيما بعد بأننا كنا على خطأ وبأن الصديق محمد كان على صواب، وبأن الأجهزة الأمنية السورية ومخابراتها (تترك الحبل على الغارب للواحد منا؛ من الكتاب والمثقفين والسياسيين السوريين) بأن يكتب ويقول ما لديه وهو تحت المراقبة إلى أن تحين ساعته وبالتالي يتم وضعه بين كفي الكماشة الأمنية؛ إما السجن والتنكيل والتجويع والاستبداد أو السكوت والنفي القسري/ الطوعي والقهر والحرمان والمرارة وذلك للذي لا يقبل العمالة والارتزاق ولا يقع في مصيدتهم.
وقد أزدادت معرفتنا بعد ذلك – وإن أنقطعت لفترة وخاصةً عندما لم نأخذ نصيحته في الحسبان – وكانت تجربة الاعتقال قد وعتنا لهذه النقطة بشكل جدي حيث عرفنا عند ذاك كما كان الأخ والصديق (محمد غانم) محقاً في ذلك وهكذا توطدت الصداقة أكثر بيننا فعرفنا في شخصه مدى عمقه وهدوءه وحبه للآخرين والبلد وتفانيه في خدمة القضايا الوطنية والانسانية فهو بحق يعتبر ضحية وقربان لذاك الفكر النبيل والانساني الذي يحمله في جنباته وهو بالتالي يدفع ضريبة المثقف والكاتب النير والحر الليبرالي أمام مؤسسات الظلام والاستبداد الأمنية البعثية والتي لا تقل فاشيةً ونازيةً وصداميةً عن تلك التي عرفناها من خلال أنظمتها المقبورة. وهكذا فإننا نختلف مع الأخوة في (ماف) المنظمة الحقوقية وتساؤلاتهم البريئة: لما يحاكم الأستاذ والمعلم محمد غانم وهو من “أصحاب اليد البيضاء، ممن خدموا بتفان، على مدى عقود.. (و)المعروف بوفائه الوطني الكبير، وإنسانيته، وعقلانيته، وهو ما ينطبق على كل من تناولهم النقل التعسفي، الذي هو “حرب” على لقمة أسر الموظفين لدى الدولة، قبل أن تكون عقاباً غير قانوني على هؤلاء المشمولين بالنقل التعسفي، وليس أشد بؤساً من محاربة لقمة أطفال صاحب الرأي”. فنقول: كونه يحمل الصفات السابقة فلذلك يحارب من نظام لا يملك تلك الصفات، بل إنها (أي النظام الأمني في البلد) تحارب وتقمع كل من يدعوا إليها والأخ محمد غانم يُقدم كقربان على مذبح الوطنية، وطنيته وإنسانيته.
وأخيراً وعلى الرغم مما سلف ومن معرفتنا بطبيعة النظام السوري المخابراتي الأمني وبأن سياسة النداء والاستجداء لا تنفع معه وأنه لا يأبه بها وبأصحابها مهما كان عددهم وحجمهم وموقعهم، بل هو يجعلها أوراق ضغط على المعتقلين والمنقولين أنفسهم وبالتالي محاسبتهم على أمورٍ لا يد لهم بها – وهنا نخاف أن تكون كتابتنا هذه نقطة ضغط أخرى على الصديق محمد غانم وأن يساءل عليها ولما نحن نتعاطف معه – نعم.. فعلى الرغم من إدراكنا لكل هذه القضايا والحقائق، فإننا نعلن مع كل الأخوة والأصدقاء إستنكارنا للسياسة البعثية الأمنية للسلطات السورية وما يتعرض له شعبنا في الداخل من تنكيل وإستبداد وإعتقالات بالجملة وخاصةً لكوادر وقيادات الحركة الوطنية الكوردية في الفترة الأخيرة حيث لا يمر يوم إلا ونسمع بإعتقالات جديدة وحتى للطلبة ولأبناء الكتاب؛ (نافل علي أحمد بن الكاتب والصديق علي الجزيري) وكذلك محاربة المواطنين في لقمة العيش كما رأينا في القرار الأمني الأخير بحرمان شريحة واسعة من أبناء الشعب الكوردي المحرومين من الجنسية السورية بالعمل في المحلات والمطاعم الخاصة في دمشق وغيرها من المدن الكبيرة والتي شهدت هجرة واسعة من الطبقات المسحوقة لأبناء الشعب الكوردي وخاصة في مناطق الجزيرة نتيجة سنوات المحل والجفاف والقرارات الشوفينية مثل المرسوم الجمهوري رقم (49) والذي حرم فئات كبيرة من قطاع العقارات من مصادر معيشتهم ورزقهم اليومي.
وأخيراً نقول: على الرغم من أن السلطات الأمنية السورية لا تلتفت لكل هذه النداءات والبيانات والتصاريح بحق المعتقلين والمحرومين، إلا أن الواجب الوطني والانساني والأخلاقي يفرض علينا أن نطالب مع أصحاب الضمير والرأي الحر، كلٍ من المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الانسان والرأي العام بالتدخل لدى السلطات السورية بالكف عن ملاحقة الناشطين والكتاب والسياسيين والإفراج عن معتقلي الرأي والضمير في سجون البلاد ومن ضمنهم سجناء إعلان ودمشق والحركة الوطنية الكوردية وعلى رأسهم رفاقنا في الحزب الديمقراطي الكردي في سورية (البارتي) وكذلك الكف عن سياسة التجويع والتي تمارس بحق بعض أولئك الناشطين ومنهم الكاتب الصديق محمد غانم من خلال الإجراء الأمني الأخير وبنقله التعسفي من منطقة عمله وسكناه لمنطقة نائية مما أضافت أعباء أخرى على كاهله وهو الذي يرزح سلفاً تحت أعباء معيشية ثقيلة وذلك لزيادة الضغوطات النفسية عليه لإجباره على السكوت والخنوع لسياسات النظام القمعية بحق الناشطين والكتاب في الداخل السوري وآخراً فإلى مزيد من العمل والتضامن من أجل سورية حرة وديمقراطية تكفل الحياة الكريمة لكل مكونات الشعب السوري وبمختلف أعراقها وأقوامها وبقية مكوناتها السياسية والدينية وكذلك فإننا نوجه في هذه الخاتمة تحية مودة للصديق محمد غانم ونتمنى أن تكون الإجراء الأخير آخر الضغوطات التي تمارس عليه وعلى كل الأخوة الناشطين، بل نطالب السلطات السورية بالعودة عن هذه القرارات المجحفة بحق أولئك الأخوة والأصدقاء ومنهم الكاتب الزميل محمد غانم.
هولير – 14/4/2009
پير روسته م
منذ فترة ونحن نتابع أخبار الأخوة في الداخل السوري بقلق بالغ؛ فمع أن سياسة الاعتقالات والمحاكمات الصورية والنقل التعسفي، بل الفصل من المؤسسات والدوائر الحكومية ليست بجديدة علينا وعلى كل متتبع لسياسة النظام السوري وهي بعمر الاستبداد وحالة الطوارئ والأحكام العرفية في البلد والتي قاربت على نصف قرن بحيث بات أكثر من جيل لا يعرف من النظم السياسية غير نظام الحزب الواحد وبموجب مادة غير قانونية أُدخِلَت على الدستور السوري بقوة السلاح أو ما عرفت بـ(الشرعية الثورية) لمجموعة من الانقلابيين البعثيين على النظام البرلماني وذلك تحت مسمى (ثورة الثامن من آذار لعا 1963م). وهكذا فقد أستبدت تلك المجموعة الانقلابية بكل المكونات السياسية الأخرى وخاصةً بعد التجربة المريرة لجماعة الإخوان المسلمين في بداية الثمانينات من القرن الماضي وما رافقتها من جرائم وحشية ومن الجانبين؛ النظام وجماعة الإخوان وبالتالي إطلاق يد الأجهزة الأمنية في البلد والتي تكاثرت كما يتكاثر الفطر في الأماكن الرطبة والعفنة.
إنه لمن المعلوم بأن الأنظمة الفاشية والاستبدادية أكثر ما تخاف، تخاف من أصحاب الفكر الحر والديمقراطي، من حاملي القلم ومن كل من ينشط في مجالات الثقافة والفكر والسياسة؛ حيث وصل الأمر بوزير الاعلام والدعاية في حكومة هتلر النازية (غوبلز) بأن يصرح: “أنه يتحسس مسدسه كلما رأى مثقفاً” وها نحن نرى بأن السياسة نفسها تتبع بعد أكثر من ستة عقود من الزمن في بلدان لا تقل نازية وفاشية عن تلك التي عرفتها بعض الدول الأوربية مثل إيطاليا وألمانيا؛ حيث وبمراجعة لملفات حقوق الانسان في البلدان العربية وخاصةً ما تعرف منها بالممانعة والصمود وحاملة الفكر القومي العروبي (عراق – صدام وسورية وليبيا والسودان وغيرهم) نلاحظ بأنها لا تقل فاشيةً ونازيةً عن أصحاب الفكر الأوربيين في منتصف القرن الماضي وذلك على الرغم من كل تلك المواثيق والعهود التي وقعتها هذه الدول والبلدان بصدد إحترام حقوق الانسان وعلى رأسها وفي مقدمة تلك المواثيق (الاعلان العالمي لحقوق الانسان)؛ حيث تقول:
المادة 23
( 1 ) لكل شخص الحق في العمل، وله حرية اختياره بشروط عادلة مرضية كما أن له حق الحماية من البطالة.
( 2 ) لكل فرد دون أي تمييز الحق في أجر متساو للعمل.
( 3 ) لكل فرد يقوم بعمل الحق في أجر عادل مرض يكفل له ولأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان تضاف إليه، عند اللزوم، وسائل أخرى للحماية الاجتماعية.
( 4 ) لكل شخص الحق في أن ينشئ وينضم إلى نقابات حماية لمصلحته.
المادة 24
لكل شخص الحق في الراحة، وفي أوقات الفراغ، ولاسيما في تحديد معقول لساعات العمل وفي عطلات دورية بأجر.
المادة 25
( 1 ) لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته.
( 2 ) للأمومة والطفولة الحق في مساعدة ورعاية خاصتين، وينعم كل الأطفال بنفس الحماية الاجتماعية سواء أكانت ولادتهم ناتجة عن رباط شرعي أو بطريقة غير شرعية.
وبعد إضطلاعنا على هذه المواد من (الاعلان العالمي لحقوق الانسان) لنعد إلى الداخل السوري ونقرأ الخبر التالي والذي تناقلته وسائل الاعلام وخاصةً المواقع الالكترونية؛ حيث ورد ما يلي: “علمت لجنة التنسيق في الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن مديرية التربية في محافظة الرقة قامت بنقل المدرس الزميل / محمد غانم / من مدينة الرقة إلى قرية معدان وفقاً للقرار رقم / 555 / ص تاريخ 26/3/2009 والمبلغ للأستاذ: محمد غانم في 30/3/2009 “. كما أضافت (ماف) منظمة حقوق الانسان في سورية التالي: (علمت منظمة حقوق الإنسان في سورية- ماف ، أن مديرية التربية في الرقة وبناء على توجيهات اللجنة الأمنية في المحافظة، وتحت البند المستخدم في غير مكانه “بناء على مقتضيات المصلحة العامة” قامت بالنقل التعسفي لعدد كبير من الناشطين في محافظة الرقة، ومن بينهم الكاتب المعروف محمد غانم عضو منظمتنا – ماف، إلى مدرسة “معدان” على حدود محافظة دير الزور، وعلى بعد حوالي سبعين كيلومتراً، وهو ما سيرهقه مالياً، وسيقوم بهدر وقته. والناشط محمد غانم كان قد فصل من عمله بعد سجنه، وأعيد إلى عمل وظيفي في المجمع التربوي بالرقة، خارج العمل الصفي، وها هو يعاقب مرة أخرى على غير وجه حق، ودون أي خطأ ارتكبه، بل دون أن يتم أي تحقيق قضائي معه، ومع كافة من تعرضوا لحملات النقل التعسفي في عدد من المحافظات من بينها: محافظتا: الرقة والحسكة، حيث الغرض من كل ذلك هو “تأديب” الأجيال، وبخاصة الطلاب منهم، من خلال “تحقير المدرسين الذين تعدهم الأجيال قدوات ورموزاً”، وأي تأديب أكبر من أن يتم إذلال “المعلم” أمام طلبته، وخاصة حين يكون من أصحاب اليد البيضاء، ممن خدموا بتفان، على مدى عقود، ومن بين هؤلاء زميلنا الأستاذ محمد غانم المعروف بوفائه الوطني الكبير، وإنسانيته، وعقلانيته، وهو ما ينطبق على كل من تناولهم النقل التعسفي، الذي هو “حرب” على لقمة أسر الموظفين لدى الدولة، قبل أن تكون عقاباً غير قانوني على هؤلاء المشمولين بالنقل التعسفي، وليس أشد بؤساً من محاربة لقمة أطفال صاحب الرأي). وتضيف المنظمة (منظمة حقوق الإنسان في سورية- ماف) بأنها: “تستنكر نقل الزميل الكاتب محمد غانم، و تطالب بإعادته وكافة زملائه المنقولين تعسفياً إلى مقار أعمالهم السابقة، لأن عمليات النقل التعسفية، تسيء إلى مستوى التعليم، بل وإلى اقتصاد بلدنا. الرقة-12-4-209 منظمة حقوق الإنسان في سورية- ماف”.
بالتأكيد أن الزميل والصديق محمد غانم ليس الأول ولن يكون الأخير والذي يتعرض لهذه الممارسات والضغوطات الأمنية المخابراتية والتي أقل ما يمكن أن يوصف بها بأنها غير أخلاقية وبعيدة عن القيم الوطنية والانسانية – وعلى كلٍ هي صفات لا تعرفها الأجهزة الأمنية السورية إلا ما ندر من رجالاتها – حيث ومنذ ثمانينات القرن الماضي وأبناء الشعب الكوردي في غرب كوردستان وسورية عموماً يعانون من هذه السياسة التعسفية (النقل والفصل والترحيل) إن كان للطلبة والمعلمين أو لبقية الوظائف والشرائح الأخرى وكانت آخرها نقل عدد من الموظفين في إدارة الزراعة بالقامشلي لمناطق بعيدة عن سكناهم كما جرى مع الصديق محمد غانم في نقله التعسفي الأخير وذلك زيادةً في الضغط عليه لاطفاء البقية الباقية من جذوة الروح الوطنية والقيم الانسانية والتفكير العقلاني المنطقي لديه وخاصةً بعدما فعلت سنوات السجن مفاعيلها في نشاطات وكتابات الأستاذ غانم وما آلت إليه الأوضاع بأن يسكتوا قلمه لحينٍ من الدهر كونه أبٌ ومعيلٌ لأسرةٍ تعرف ما يعني الحرمان والجوع في بلدٍ تحارب أبناءها في لقمة العيش ورغيف (الخبز الحافي).
عرفنا الأستاذ والصديق محمد غانم بعد خروجه من السجن وذلك من خلال المراسلة وإننا نتذكر بأنه في رسالته الأولى قد نبهنا لنقطة (عدم إستخدام بريد الجمعية المعلوماتية السورية، لكونه مخترق أمنياً) وهي التي لم نكن بغافلين عنها ولكن كنا نتعامل معها بأريحية نابعة من مصداقيتنا ومفهومنا للوطنية وبأننا نريد أن نعمل في العلن كوننا لا نعمل ما يسيء للبلد ومكوناته العرقية والاجتماعية ووحدتها الوطنية، بل ندعو للحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية لكل المكونات السورية وكذلك لحل القضية الكوردية حلاً عادلاً ديمقراطياً وضمن وحدة البلاد فلذلك ليس هناك مما نخفيه أو نخاف منه. ولكن تبين لنا فيما بعد بأننا كنا على خطأ وبأن الصديق محمد كان على صواب، وبأن الأجهزة الأمنية السورية ومخابراتها (تترك الحبل على الغارب للواحد منا؛ من الكتاب والمثقفين والسياسيين السوريين) بأن يكتب ويقول ما لديه وهو تحت المراقبة إلى أن تحين ساعته وبالتالي يتم وضعه بين كفي الكماشة الأمنية؛ إما السجن والتنكيل والتجويع والاستبداد أو السكوت والنفي القسري/ الطوعي والقهر والحرمان والمرارة وذلك للذي لا يقبل العمالة والارتزاق ولا يقع في مصيدتهم.
وقد أزدادت معرفتنا بعد ذلك – وإن أنقطعت لفترة وخاصةً عندما لم نأخذ نصيحته في الحسبان – وكانت تجربة الاعتقال قد وعتنا لهذه النقطة بشكل جدي حيث عرفنا عند ذاك كما كان الأخ والصديق (محمد غانم) محقاً في ذلك وهكذا توطدت الصداقة أكثر بيننا فعرفنا في شخصه مدى عمقه وهدوءه وحبه للآخرين والبلد وتفانيه في خدمة القضايا الوطنية والانسانية فهو بحق يعتبر ضحية وقربان لذاك الفكر النبيل والانساني الذي يحمله في جنباته وهو بالتالي يدفع ضريبة المثقف والكاتب النير والحر الليبرالي أمام مؤسسات الظلام والاستبداد الأمنية البعثية والتي لا تقل فاشيةً ونازيةً وصداميةً عن تلك التي عرفناها من خلال أنظمتها المقبورة. وهكذا فإننا نختلف مع الأخوة في (ماف) المنظمة الحقوقية وتساؤلاتهم البريئة: لما يحاكم الأستاذ والمعلم محمد غانم وهو من “أصحاب اليد البيضاء، ممن خدموا بتفان، على مدى عقود.. (و)المعروف بوفائه الوطني الكبير، وإنسانيته، وعقلانيته، وهو ما ينطبق على كل من تناولهم النقل التعسفي، الذي هو “حرب” على لقمة أسر الموظفين لدى الدولة، قبل أن تكون عقاباً غير قانوني على هؤلاء المشمولين بالنقل التعسفي، وليس أشد بؤساً من محاربة لقمة أطفال صاحب الرأي”. فنقول: كونه يحمل الصفات السابقة فلذلك يحارب من نظام لا يملك تلك الصفات، بل إنها (أي النظام الأمني في البلد) تحارب وتقمع كل من يدعوا إليها والأخ محمد غانم يُقدم كقربان على مذبح الوطنية، وطنيته وإنسانيته.
وأخيراً وعلى الرغم مما سلف ومن معرفتنا بطبيعة النظام السوري المخابراتي الأمني وبأن سياسة النداء والاستجداء لا تنفع معه وأنه لا يأبه بها وبأصحابها مهما كان عددهم وحجمهم وموقعهم، بل هو يجعلها أوراق ضغط على المعتقلين والمنقولين أنفسهم وبالتالي محاسبتهم على أمورٍ لا يد لهم بها – وهنا نخاف أن تكون كتابتنا هذه نقطة ضغط أخرى على الصديق محمد غانم وأن يساءل عليها ولما نحن نتعاطف معه – نعم.. فعلى الرغم من إدراكنا لكل هذه القضايا والحقائق، فإننا نعلن مع كل الأخوة والأصدقاء إستنكارنا للسياسة البعثية الأمنية للسلطات السورية وما يتعرض له شعبنا في الداخل من تنكيل وإستبداد وإعتقالات بالجملة وخاصةً لكوادر وقيادات الحركة الوطنية الكوردية في الفترة الأخيرة حيث لا يمر يوم إلا ونسمع بإعتقالات جديدة وحتى للطلبة ولأبناء الكتاب؛ (نافل علي أحمد بن الكاتب والصديق علي الجزيري) وكذلك محاربة المواطنين في لقمة العيش كما رأينا في القرار الأمني الأخير بحرمان شريحة واسعة من أبناء الشعب الكوردي المحرومين من الجنسية السورية بالعمل في المحلات والمطاعم الخاصة في دمشق وغيرها من المدن الكبيرة والتي شهدت هجرة واسعة من الطبقات المسحوقة لأبناء الشعب الكوردي وخاصة في مناطق الجزيرة نتيجة سنوات المحل والجفاف والقرارات الشوفينية مثل المرسوم الجمهوري رقم (49) والذي حرم فئات كبيرة من قطاع العقارات من مصادر معيشتهم ورزقهم اليومي.
وأخيراً نقول: على الرغم من أن السلطات الأمنية السورية لا تلتفت لكل هذه النداءات والبيانات والتصاريح بحق المعتقلين والمحرومين، إلا أن الواجب الوطني والانساني والأخلاقي يفرض علينا أن نطالب مع أصحاب الضمير والرأي الحر، كلٍ من المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الانسان والرأي العام بالتدخل لدى السلطات السورية بالكف عن ملاحقة الناشطين والكتاب والسياسيين والإفراج عن معتقلي الرأي والضمير في سجون البلاد ومن ضمنهم سجناء إعلان ودمشق والحركة الوطنية الكوردية وعلى رأسهم رفاقنا في الحزب الديمقراطي الكردي في سورية (البارتي) وكذلك الكف عن سياسة التجويع والتي تمارس بحق بعض أولئك الناشطين ومنهم الكاتب الصديق محمد غانم من خلال الإجراء الأمني الأخير وبنقله التعسفي من منطقة عمله وسكناه لمنطقة نائية مما أضافت أعباء أخرى على كاهله وهو الذي يرزح سلفاً تحت أعباء معيشية ثقيلة وذلك لزيادة الضغوطات النفسية عليه لإجباره على السكوت والخنوع لسياسات النظام القمعية بحق الناشطين والكتاب في الداخل السوري وآخراً فإلى مزيد من العمل والتضامن من أجل سورية حرة وديمقراطية تكفل الحياة الكريمة لكل مكونات الشعب السوري وبمختلف أعراقها وأقوامها وبقية مكوناتها السياسية والدينية وكذلك فإننا نوجه في هذه الخاتمة تحية مودة للصديق محمد غانم ونتمنى أن تكون الإجراء الأخير آخر الضغوطات التي تمارس عليه وعلى كل الأخوة الناشطين، بل نطالب السلطات السورية بالعودة عن هذه القرارات المجحفة بحق أولئك الأخوة والأصدقاء ومنهم الكاتب الزميل محمد غانم.
هولير – 14/4/2009