نحن لا نتشدق.. ولكنا نعاني
د. مية الرحبي
إذا لم نكن نعي مشاكلنا فتلك مصيبة، أما إذا وعيناها وأردنا التعامي عنها فالمصيبة أعظم. لقد جاءت تصريحات السادة المسؤولين في جميع لقاءاتهم التلفزيونية أو الصحفية التي كرست لشرح مسألة قسائم دعم المازوت، رافضة ومتجاهلة مسألة في غاية الأهمية،
وهو حق المواطنة الأرملة أو المطلقة أو العازبة، ليس في قسائم دعم المازوت فحسب، فذلك جانب بسيط من جوانب المشكلة، ولكن حقها في أن تعامل كمواطنة كاملة الحقوق والواجبات، استنادا إلى المادة 25 من دستور الجمهورية العربية السورية والتي تقر أن:
1- الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم .
2- سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة
3- المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات .
4- تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين .
وذلك يتضمن حق المرأة في صحيفة مدنية مستقلة، وحقها في اختيار مقر إقامتها وسكنها وعملها.. الخ.
ولن يحل المشكلة التغاضي عن واقع قائم بأن هنالك عشرات وربما مئات الألاف من المواطنات المطلقات والأرامل أو العازبات، اللاتي يسكنّ وحدهن بحكم عدم زواجهن أصلا، أو عدم انجابهن، أو لأن أولادهن كبروا واستقلوا، وبقين لوحدهن، إما لأنهن اخترن ذلك، أو لوفاة الوالدين، أو لأن سكن إحداهن مع أحد إخوتها الذكور المتزوجين لم يعد اصلا مقبولا اجتماعيا، وإن وجود أو عودة المرأة لخانة أهلها لا يلغي واقع سكنها في منزل مستقل، فهل من المنطق أن تعاقب هذه الشريحة من المجتمع بحرمانها من التدفئة، بغض النظر عن تعدادها- وذلك مختلف عليه، لعدم وجود احصاءات دقيقة– .
لقد انتظرنا كل التوضيحات التي صدرت من قبل الجهات المسؤولة متأملات أن يتم تدارك الخطأ لنفاجأ ليس فقط بالاصرار عليه، بل مهاجمة كل مواطن يدافع عن حقه اسوة ببقية المواطنين في هذا البلد.
المسألة أبعد بكثير من مسألة المازوت، هي مسألة أحقية المرأة بالمواطنة حقوقا وواجبات، وهذا ما كفله لها الدستور، وإن استند المشرعون على بعض المواد الجائرة في القانون والمخالفة للدستور، فلنعدل القانون بما يتناسب مع الدستور.
إن مطالبتنا بحق المواطنات جميعا بقسائم الدعم يندرج ضمن إطار مطالبتنا بصحيفة مدنية مستقلة للمرأة، تطبيقا لمواد الدستور باعتبارها مواطنا كامل الأهلية، وضمن مطالبتنا بتعديل مواد قانون الأحوال الشخصية المجحفة بحق المرأة والمتعارضة مع الدستور أيضا
أما الدوران حول المشكلة بمهاجمة المدافعات عن حقوق المرأة ووصفهن بالانفعالية والتسرع والتشدق، وغير ذلك من الأوصاف فلن يحل للأسف المشكلة، بل سيكرسها بتكريسه العقل الذكوري الذي يحكم ويفسر القوانين وينفذها.
و أن يوصف قرار حكومي بأنه ” مكرمة ” تمنحها االحكومة لمن تشاء من المواطنين وتمنعها عمن تشاء، في دولة مدنية حديثة، فذلك ما يثير العجب والاستغراب، ففي الدولة المدنية الحديثة هنالك عقد اجتماعي بين المواطن والدولة مبني على حقوق وواجبات، يحصل فيه كل مواطن على حقه ما دام مواطنا في هذه الدولة، دون وجود استثناءات قائمة على الجنس أو العرق أو الدين.
لسننا منفعلات ولا متشدقات، لقد طرحنا المسألة بهدوء وروية واستنادا إلى واقع قائم، ونعتقد أن حل الأمر بسيط، يتضمن فقط اعترافا بأهلية المرأة وحقها في المواطنة، وبالتالي حقها في الحصول على قسائم الدعم بإثبات إقامتها في سكن مستقل، دون أن تضطر لشرح وضعها لمسؤول ما كي يقرر استحقاقها الدفء أم لا.
فأي مسكن مستقل موجود في هذا الوطن، يعيش فيه مواطنون يتمتعون بحقوق المواطنة، من المنطقي أن يدفأ بمازوت مدعوم، تماما كما من المنطقي أن يطالب أي مواطن بحقوقه، أسوة بغيره من المواطنين، دون أن يتعرض لهجوم أو تهجم أوسخرية.