أغنياء سورية، رفقا بها
إلى الدكتور عارف دليلة في سجنه
غسان المفلح
من أواخر ما كتب الكاتب السوري أكرم البني قبل ذهابه إلى السجن مقالا كان عنوانه- القوميون العرب أضعتم العراق رفقا بسورية- لا أعرف لماذا تذكرت هذا العنوان، الذي يحمل ربما سمة التمني المشفوع، بحس نقدي عال. نحن إذ خرجنا عن المألوف اليساري، ولم نسمهم برجوازية، بل أسميناهم أغنياء سورية،
لأن أسم برجوازية الذي يشكل حقيقة تزويرا لروحية المفردة، وإن كان يناقش ضمن التجريد العقلي، من منظور المعنى فيه محكم الوجود قبل الدخول إلى قراءة الظاهرة، والنتيجة معروفة سلفا: هم كذلك برجوازية وتأتي بعدها التسميات، طفيلية، كومبرادورية، بيروقراطية إلى آخر التحفة السورية، في تقليص المشهد اللحظي، من هذا الانكسار المعمم، لهذا أسميناهم- أغنياء سورية- لأن المفهوم لا يستغرقهم، بل يفضح سر تراكم الثروة بالتشارك المذل مع السلطة الأمنية، المذل لأية قيمة برجوازية. هذا المألوف الاصطلاحي بات يجعل المرء، يألف خيبته لأنه يمكن لنا اجتراح تسمية إجرائية وهي- أغنياء الفساد السياسي والفساد السياسي للأغنياء- فالروح تخثرت بفعل تكرار الخيبات الجزئية، بشكل شبه لحظي، فسورية الآن وقبل ذلك ولا أعرف إلى متى ستبقى مولدة للخيبات؟ الآن يا أصحابنا في إعلان دمشق، من كان منكم في السجن الآن أو من كان منكم خارجه سواء كان مرشحا لدخوله أم لا، كيف يمكن أن نجيب على السؤال الجوهري في إعلان دمشق، والجوهري بالنسبة لي بالطبع، ربما هنالك من يراه بعكس ذلك، السؤال: كيف يمكن البدء بما أسميناه التغيير السلمي التدرجي نحو الديمقراطية؟ ربما هذا السؤال يحتاج منا إلى الحوار، والتدقيق بموازين القوى السورية، التي تحدث عنها في السابق الدكتور برهان غليون. هذا الحوار من شأنه أن يفتح لنا نوافذ من أجل مزيدا من الشفافية، ومزيدا من معرفة الأرض التي نسير عليها، التغيير السلمي التدرجي أو التدريجي، هذا يفترض بداهة ثلاثة قوى، يجب أن يكون لها دورا مفصليا في هذا السيناريو المطروح للتغيير السلمي:
1- إما بتبني السلطة، أو بعضا من مراكز القوى فيها-إن وجدت- لهذا التغيير، وبرنامجه، من أجل نقل البلد إلى الدولة المدنية الديمقراطية، بعلمانيتها الأكيدة، وهذا خيار غير متوفر حتى اللحظة. أي هل بالإمكان مجيء تيار- غوراباتشيفي، أو موريتاني، ولو أننا نفضل الأول تبعا لخصوصية سوريانا- من داخل السلطة؟
2- أن يشارك في الأمر قوى برجوازية سورية حقيقية لها مصلحة في التغيير الديمقراطي، وهؤلاء أين هم في سورية؟
3- أو العامل الدولي الذي من شأنه أن يشكل عامل ضغط على السلطة من أجل تقديم تنازل جوهري للمجتمع ومن أجل إعادة السياسة للمجتمع، وإطلاق حرياته العامة والفردية، وتحت حماية نفس مؤسسة القوة المتواجدة الآن، وبالذات. هذا العامل أيضا حتى اللحظة غير موجود، وعامل ملتبس، متغير ومتحرك بتحرك رؤوس المصالح الدولية المتنافرة تجاه المعادلة الشرق أوسطية عموما والسورية بشكل خاص، إذا أضفنا لها أن القوى الإقليمية الرئيسية، بدء من تركيا مرورا بإسرائيل وإيران ومصر وانتهاء بدول الخليج ليس من مصلحتها- مع التمايز النسبي- كما يبدو لي أنا على الأقل، قيام تجربة تغيير ديمقراطي حقيقي على الأرض السورية، سواء بمشاركة فاعلة من السلطة أو بدونها. ولكل طرف في هذا العامل الإقليمي رؤيته الخاصة لهذا الأمر، وهذا من حقهم ربما! لا أعرف؟ لكنه واقع الحال. والآن من الملاحظ أن في هذه الخيارات هنالك غياب لما يسمى الحركات الشعبية السورية، التي هي غير موجودة إلا لدى طرفين: أولا عند السلطة متمثلة بكتلتها الشعبية الحاضنة لمشروع السلطة هذه، والثانية هي كتلة موزعة على ما يمكننا تسميته اختصارا الإسلام السياسي بكل تياراته. وما تبقى من الشعب السوري، لا حول له ولا قوة، ولا يريد ربما! هذه الأسئلة مطروحة على كل سوري معني بسورية دولة ديمقراطية عصرية. نأتي للجهة المقابلة والتي تطرح تغيير النظام كليا وبطريقة سلمية أيضا، لأن التغيير السلمي هو متفق عليه بين كل أطياف المعارضة، وسنكتفي هنا بمثال جبهة الخلاص الوطني، هي معنية ربما أكثر من غيرها بالأسئلة هذه، والتي بحاجة لمواجهة صريحة وجادة، ولا تحتمل المجاملات، لسبب أن لديها حرية في الخارج، ولديها موارد، وربما نعود لا حقا للحديث عن هذا الأمر بتفاصيله، وفق رؤيتنا وتجربتنا. ولكن الضرب الآن في الداخل السوري، والناس تقف بانتظار دورها للذهاب إلى التحقيق أو إلى السجن أو إلى المحاكمات الصورية، نتمنى بهذه النافذة أن يشارك بها جميع الأصدقاء في الحوار حولها. أما أغنياء سورية، الجدد فهم نتاج تزاوج بين سلطة قطاع دولة وسلطة قطاع خاص تطورتا عبر الأربعة عقود المنصرمة لكي تصلا إلى أن الأمر في كلا القطاعين هو يعود لسلطة واحدة. حيث أن بعض آليات عمل النظام الشمولي التي تنطبق في هذا الحقل على السلطة، قد أنتجت تجربتها الخاصة، معتمدة على مساعدات أهل الخليج في السبعينيات وحتى منتصف الثمانينيات تقريبا، وعلى مورد نفطي من جهة أخرى، وتسريب ذلك إلى القطاع الخاص، ولكن المفارقة بدلا من أن تصبح الغلبة للقطاع الخاص هذا، باتت السلطة المطلقة لسلطة قطاع الدولة نفسه، في دورة الاقتصاد السوري أي أرباب العمل هم أنفسهم الأقوى في القطاعين. وبذلك تحول الأغنياء في سورية، إلى عتلة سلطوية. والنهب قائم على قدم وساق. لهذا هل نقول لهم رفقا بسورية، أم على سورية أن تترفق بهم وتواجه معهم المشروع الخارجي، وحتى ينتهوا من مواجهتم هذه، تكون سورية في خبر العراق… وللحديث بقية
خاص – صفحات سورية –