مقالة تزعم أنها تكشف عن “معلومات” لم تنشر من قبل تجير رصيده و إعجابنا به لصالح السلطان
في ذكرى رحيل نزار قباني : الشاعر و الزعيم
مازن كم الماز
استفزني كثيرا ما نشرته جريدة تشرين السورية الرسمية في صفحة ثقافة و فنون بتاريخ 30 نيسان ابريل 2009 تحت عنوان “الرئيس و الشاعر” ، الرئيس هو حافظ الأسد و الشاعر هو نزار قباني ، الذي رحل عن عالمنا قبل 11 سنة .
هذه هي مناسبة تلك المقالة التي تزعم أنها تكشف عن “معلومات” لم تنشر من قبل ، المطلوب ، كما كان في حياة الشاعر ، تجيير رصيده و إعجابنا به لصالح السلطان ، ليس الشاعر منيعا على التناقض ، لكن قباني كان أشبه بأبي نواس في كشفه الفضائحي عن الزيف الأخلاقي و السياسي ، خاصة بعد السقوط في يونيو حزيران 67 ، و كان للشاعر من شجاعة داخلية و إعجاب و تقدير شعبيين و موارد ما سمح له بأن يمارس الهجاء بحرية نسبية حيث حط رحاله الوضع القائم في مجتمعاتنا ، لكن أنظمتنا اعتادت أن تمارس خداع الآخرين في تعاملها مع شطحات الشعراء هذه ، رغم أن مظفر النواب وصف أولئك الذين نصبوا أنفسهم حكاما على شعوبنا بأقذع الصفات ، فقد استمر بالوجود في دمشق ، حيث تصرف النظام السوري و كأنه غير مقصود بتلك الهجائيات اللاذعة ، و هكذا فعل كل نظام عربي ، أو كل “زعيم” عربي ، فقد تصرف كل الطغاة و كأن كل هذا الهجاء الذي مارسه الشعراء ضد الطغيان و القهر و العسف ، أو أي مثقف و أساسا البشر العاديين في مجالسهم المتواضعة ، يخص البقية ، بقية هؤلاء “الحكام” ، دونهم هم .
لأسباب كثيرة أشعر بالابتذال الشديد في المدائحيات التي ينسبها كاتب المقال لنزار قباني و التي قصد بها حافظ الأسد ، ليس فقط لأن الهجاء السياسي و الغزل غير العذري كان أهم ما كتبه قباني ، و الذي دونه يفقد هذا الشاعر الكثير من وزنه الفعلي التاريخي كضمير للناس العاديين و كمحكمة خارجة على قوانين السلطة ، بل لأنها تبدو لي مزيفة ، غير حقيقية ، و لا يهم هنا أن يكون الشاعر هو من كتبها بالفعل ، إنها تشبه قبعة الرجل الأبيض على رأس هندي أحمر ، شيء أشبه بالمستحيل ، أو كذبة ضرورية مثل المثل الذي يقول أن الشرطة في خدمة الشعب ، الشاعر ليس عصيا على التناقض ، لكن المنطق الذي قاده إلى ممارسة هجاء واقع فاسد و غبي على هذه الدرجة لا يتسق مع امتداح الابتذال و الفساد الذي ينسب للشاعر ، ما أريد أن أقوله أن الشاعر عندما يمتدح الطاغية فهو يكون “مخدر عقليا” ، أو غير واعي بالمعنى الفعلي ، لسبب أو لآخر ، الذي جرى قبل 11 عاما كان قصة مكررة ، كان السياسي ينتظر لحظات كتلك التي جاءت أخيرا في 30 نيسان 1998 عندما سقط الشاعر أخيرا لكي يحوله إلى جزء من ماكينة تمجيد النظام رغما عن أنفه ، يصف المقال كيف تحرك القصر الجمهوري في دمشق بسرعة ليحول موت نزار قباني إلى مناسبة علاقات عامة يتولى فيها هو تمثيل الشاعر الذي أصبح أخيرا عاجزا عن الكلام و عاجزا عن الهجاء ، أصبح فيها مستباحا و متاحا بسهولة ، ليحتكر السياسي الكلام بلسانه الأبكم ، و قبل ذلك في بروفة الموت في عام 1997 عندما استعد القصر الجمهوري للموت القادم قبل أن يخيب الشاعر ظنه و يجري تأجيل الاحتفال السلطوي إلى لحظة الرحيل الفعلي ، هذه هي الحالة التي يثأر فيها السياسي من الشاعر ، من كل هرطقاته و هجائياته ، أخيرا عندما يحين موعد الصمت .