أنشودة عربية واحدة… «لا نحتاج دروساً في الديموقراطية
دلال البزري
لا أحد من بيننا يحتاج الى دروس في الديموقراطية. لا أحد تنقصه «المعرفة» الديموقراطية أو الطريقة الديموقراطية أو «الصدق» الديموقراطي. الأطراف جميعها تؤمن بانها ديموقراطية… بالعمق ديموقراطية… من المسؤول الى المعارض.
المسؤول اولا: يلعب بنار الفوضى المفهومية التي تسبّب بجزء لا بأس به منها؛ فيبخّر اقواله وافعاله بـ»أزهى عصور الديموقراطية». هكذا… ومع الوقت يصدق لعبته. لذلك، عندما تتم مساءلته عن خروقاته لأبسط حقوق «رعاياه»، تراه ينتفض، ويردّ بعنجهية: «نحن لا نحتاج الى دروس في الديموقراطية!».
«الفاتح من سبتمبر»: العقيد معمر القذافي، ماذا قال إثر الاحتجاجات الشعبية والرسمية على زيارته لباريس… بسبب مدحه للارهاب وخرقه لحقوق الانسان في ليبيا؟ ببساطة: «انتم في فرنسا من يحرق حقوق المهاجرين!».
فتحي سرور، رئيس البرلمان المصري، كيف يردّ على تقرير البرلمان الاوروبي الذي يدين انتهاك النظام لحقوق الانسان والاقليات واستمرار عمله بقوانين الطوارىء وبحبسه للنائب ايمن نور، مرشح الرئاسة في الانتخابات السابقة؟ يثير ما اثاره القذافي حول «حقوق المهاجرين»، ثم يضيف انه «بمقدرو مجلس الشعب المصري ان يصيغ تقريرا مضادا حول انتهاكات حقوق الانسان في اوروبا». (والتقرير من ضمن بنود اتفاق بين البرلمانين، المصري والاوروبي، في اطار مراقبة فعالية المساعدات المخصصة لتنشيط حقوق الانسان في مصر). وهذا فيما وزير الثقافة السوري لا تحرجه التساؤلات حول المواءمة بين الاحتفال بالثقافة وزجّ المثقفين السوريين جماعةً في السجون. فهو يجيب عن ذلك براحة تامة: «وهل توجد دولة في العالم ليس فيها سحون او محاكم او محاكمات؟».
هذا عن سلطات بلادنا، وقد بات أمرها شائعاً، يسهل تعرية كذبته «الديموقراطية». افعال على الارض، يصعب عدم القاء الضؤ عليها؛ فهي مرتبطة بصاحبها المسؤول او الوزير او الرئيس… وهؤلاء كلهم معرّضون للنظر.
ولكن ماذا عن بعض المعارضات؟
طبعا من التقليدي التفكير بأن المعارضة مقدسة، بريئة سلفا من كل عيب. وعذرنا في ذلك انها «محرومة» من السلطة الرسمية. الحرمان يعطيها حصانة. والعمر الطويل للمعارضات، لـ»معارضاتنا»، اطال عمر هذا التفكير التقليدي، فتكونت اثناءه معارضات تبني سياستها على قاعدة: « لا احد يعلمنا دروسا في الديموقراطية. فنحن معارضة…!».
واكثر الحالات تجسيدا لهذه «العنجهية الديموقراطية» حالة المعارضة اللبنانية. فهامش «الحرية» الذي اتاحته الوصاية السورية غير الديموقراطية لحزبها الطليعي، «حزب الله»، وللتشكيلات العسكرية الأصغر منه، اتاح لهذه «المعارضة» ان تبني دويلتها ومؤسساتها؛ ما اثار غيرة بعض «المعارضات» العربية الاخرى التي تنظر الى «حزب الله» بصفته نموذجاً يُحتذى.
والحال انها «معارضة» ذات أقلية برلمانية. تملك قيادتها الالهية المؤطرة مذهبيا ترسانة صواريخ لا تتوقف عن التشدّق بعدم قدرة اسرائيل في التغلب عليها. ولديها «خريطة طريق» واضحة نحو ما تسميه «إعادة تكوين السلطة» غير الاستئثارية في لبنان؛ ولازمة خريطتها: «نحن لا نحتاج الى دروس في الدستور والديموقراطية!».
نقاط «خريطة الطريق نحو الديموقراطية» بحسب «معارضة» هي في غنى عن دروس في الديموقراطية»: شلّ الحكومة. إغلاق ابواب البرلمان. رفض انتخاب رئيس الجمهورية. وشرطها واحد: ان يضمن لها حصة متساوية مع الاكثرية، او الثلث المعطل (اي الذي يسمح لها ببتر الحكومة حينما تشاء، ثم تصرخ بعد ذلك «حكومة غير وطنية!»).
إبتزاز يعني… وشعار: عدم استئثار الاغلبية بالسلطة.
ليس هذا فحسب. «خريطة الطريق» الى الديموقراطية، الى المشاركة والحكومة الوطنية، ومنع الاستئثار بالسلطة… لا تستوي من دون التوقف عند محطة مفصلية منها: خطاب لحسن نصر الله، من قبيل خطابه الاخير، بمناسبة العاشر من محرّم.
العالم الذهني نفسه: استغراب، مثل المسؤولين الرسميين، من تلقّيه دروسا في الديموقراطية. اذ يقول «كيف يحدثنا بعض المسؤولين العرب عن الاكثرية والاقلية وانظمتهم هي انظمتهم التي يعرفونها. لا اكثرية ولا اقلية ولا ديموقراطية»…
لا احد يعطينا دروسا في الديموقراطية! والمشهد في هذه النقطة بالذات من نقاط خريطة الطريق نحو الديموقراطية والمشاركة والحكومة الوطنية يعطي ثقة هائلة لقائلها. ثقة تضخّها حشود سوداء رافعة قبضتها وصارخة «بالروح بالدم نفديك يا…!»؛ أو «بالدم الحسيني، بالقلب واليدين… بايعناك نصر الله يا حفيد الحسين!». حشود تبتهج بالاشلاء والدماء والرؤوس المقطوعة… تفرح باستدراج العدوان… تبايع «حفيد رسول الله». تلك هي واحدة من اهم محطات «خريطة الطريق الى الديموقراطية» بحسب من لا يحتاج… ايضا الى دروس في الديموقراطية. نفق من الغبار والرطوبة والاستشهاد المستديم.
الخلاصة الاولية: المشترك في هذا العالم العربي المديد ان لا احد… مهما بلغت درجة اسوداد رصيده… لا احد يحتاج الى دروس في الديموقراطية. كلٌ ينعم بأبهى العصور الديموقراطية. اين الخلَلْ اذاً؟ في الغرب واميركا واوروبا واسرائيل؟ ولكن مشكلة هؤلاء انهم اعتادوا على توزيع شهادات حسن سلوك ديموقراطية تبعا لمصالهم مع هذه الدولة او تلك. آخر تقليعة ترضي الضمير الاوروبي الديموقراطي: الرئيس الفرنسي نيقولا ساركوزي المنجذب للشخصانية الشرقية عائدٌ من رحلة مثمرة الى الشرق الاوسط يعلن «ما هو اهم من الكفاح من اجل الديموقراطية (في هذه البلدان) هو الكفاح من اجل التعددية، الذي يبدو لي هو الأهم…».
كم نحن في الحقيقة وحيدون!
الحياة – 27/01/08