الشهداء نذورٌ لحياة الأوطان
هيئة التحرير
كما هي عادة الطغاة المستبدين في الافتراء على الشعوب وتحميلهم أوزار فشلهم وسوء إدارتهم. انقلب جمال باشا السفاح، على أبناء الشام ونثر ضغائن الحقد والكراهية في دمشق وبيروت، وعلق المشانق لتتدلى منها أعناق النبلاء، ولتصعد فوقها أرواح الشهداء، معلنة فتح بوابة الحرية والاستقلال، لبلاد طال عليها زمن الاحتلال وتعاقبت عليها رايات الظلم والاضطهاد قرونا عدة.
في محاولة لتغطية الفشل ومسح آثار الهزيمة التي منيت بها حملته الساعية للسيطرة على مصر، وعودتها خائبة الرجاء، مثقلة بالخسائر والإخفاق، بدأ السفاح بعمليات إعدام الشرفاء صبيحة 22\3\1915 متذرعا بسعي الأحرار، الانفكاك من نير الاحتلال العثماني للوصول إلى حرية وكرامة الوطن والإنسان. وعللت جرائم القتل شنقا لرواد النهضة والتحرير، بالردة والتعاون مع الأشقاء.
وفي السادس من أيار عام ألف وتسعمائة وستة عشر، نصبت أعواد المشانق من أجل وضع نهاية لمسيرة التحرير والاستقلال، إلا أن إرادة الشعوب كانت أقوى، فتحولت أرواح الشهداء في ذلك اليوم إلى منارات، مُئذنة ً بعصر جديد قريب، تسطعُ في سمائه راية سوريا الحرة. دولة وطنية عربية يحكمها أول دستور حضاري عرفته البلاد ، مازال محل فخر واعتزاز السوريين إلى يومنا الراهن.
إن قيمة الشهادة من قيمة الحياة، ورفعة مقام الشهيد من نبله وتضحيته، وهي قيمة حقيقية سامية لا تفوقها قيمة أخرى يحملها الشهيد على راحتيه، فداءً وتضحيةً، حتى تحيا الأوطان وينعم أهلها بالحرية والعيش الكريم. فالحياة والحرية والكرامة والاستقلال نفائس ترخص دونها أثمان التضحية والبذل والعطاء.
الشهادة نبراس لا يخبو، يتعاظم نوره مع مرور الأيام، يمنح الأجيال القادمة القوة والعزيمة للمضي قدما على نفس الدرب الذي سلكه الآباء والأجداد لنيل الحقوق، ورفع راية الوطن عالية خفاقة محررة من ظلم وطغيان المحتل والغاصب. لقد كان عيد الشهداء على الدوام يوما ًمُؤذناً بفجر جديد يبعث الأمل ويحي النفوس.
إن المؤمنين بأوطانهم والذين قضوا في سبيل نيل بلادهم حريتها وكرامتها، شهداء أحياء عند ربهم يكللون بالغار، مهما اختلفت قناعاتهم وتباينت معتقداتهم، والذين سقطوا جراء طغيان الاستبداد و ظلمه، والذين قضوا تحت التعذيب مسلّمين الروح لبارئها بفعل الجبروت والحقد و الجهل والتغرير في السجون، شهداء لهم علينا حقوق لا تسقط بالتقادم ولا تنسى بفعل الأيام.
في هذا اليوم الأغر تحية إجلال وإكبار وتمجيد لكل الشهداء الأبطال الذين سقطوا في الحروب مع العدو الإسرائيلي ، وإلى الذين قدموا أرواحهم فداء لكرامة الوطن وحقوق المواطن, وإلى شهداء الرأي ممن أزهقتْ أرواحهم في أقبية سوداء وزنازين كريهة لا لسبب، إلا أنهم أحبوا وطنهم وكان لهم رأي مختلف لا يتفق وهوى السجان.
في عيد الشهداء تحلق فوق هاماتنا أرواح أبطال مازالت ذكراهم ماثلة في أعيننا تشد أزرنا، وترفع معنوياتنا، مكللة أملنا بوطن لا يموت فيه أبناؤه بفعل أبنائه ولا تزهق فيه أرواح بسبب كلمة حق أو نقد لساسة يؤمنون بالرأي الواحد، ولا يرون في الأوطان سوى مزرعة يحصدون جناها، يمتلكون خيراتها ويتحكمون بحاضر الناس ومستقبل الأجيال.
موقع اعلان دمشق