قضية فلسطين

لماذا نتذكّر جينات بايدن “الإسرائيلية”؟

سعد محيو
جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي، فاجأنا وفاجأ نفسه على الأرجح حين اتخذ قبل أيام موقفاً لم يعجب لا اللوبي اليهودي الأمريكي القوي “إيباك” ولا بالطبع “إسرائيل” وحكومتها الليكودية.
فهو تحدث بلهجة صارمة عن الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية وضرورة وقفه، كما عن ضرورة تفكيك البؤر الاستيطانية. وهو شدد على ضرورة قبول حكومة نتنياهو مشروع الدولتين في فلسطين. ثم إنه كان صريحاً في دعمه لخطة السلام العربية.
صحيح أن بايدن طرح في المقابل على الفلسطينيين وباقي العرب شروطاً إضافية أكثر تشدداً حيال “فواتير السلام”، إلا أن موقفه من النشاطات “الإسرائيلية” لم يكن متوقعاً. إذ في النهاية الرجل اشتهر بأنه من أكثر الشيوخ الأمريكيين صهيونية وحماسة لكل ما هو “إسرائيلي”. وهو لم يتردد خلال الحملة الرئاسية الأمريكية الأخيرة في القول بأن “جيناته إسرائيلية”، وان “حب الدولة العبرية يسكن في المعدة الأمريكية ويرتفع منها إلى القلب ليستقر في النهاية في العقل”.
ولذا، فإن خروج كلمات من هذا النوع من فمه كان يجب أن يدفعنا إلى التفاؤل بأن شيئاً من العقلانية بدأ يتسلل إلى البيت الأبيض، بعد عقود عدة من جنون “أسرلة” كل السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط.
بيد أن هذا التفاؤل لم يحظ بفرصة الولادة، لماذا؟
لأن بايدن، وفي خضم اندفاعاته العقلانية الجديدة هذه أضاف إليها مقاربة جنونية قديمة، حين أكد التزام الولايات المتحدة المطلق بأمن “إسرائيل” قائلاً إن هذا الأمن “غير قابل للتفاوض أو التغيير”.
الالتزام الأمريكي بأمن “إسرائيل” وبقائها أمر معروف ومثبت. لكن أي أمن؟ وما معنى هذا الأمن وما حدوده: أين يبدأ وأين ينتهي؟
هل كل هذه الأمور غير قابلة للتفاوض؟ حسناً. ولكن، ماذا إذا كانت “إسرائيل” تطل على أمنها (كما هو الواقع بالفعل) على أنه يجب أن يعني “لا أمن” كل الدول العربية والإسلامية مجتمعة، بمعنى أن حصانة الدولة العبرية الأمنية تتطلب زعزعة أمن كل الأطراف الأخرى؟ أليس هذا هو البعد الحقيقي لمبدأ تفوق “إسرائيل” العسكري النوعي على كل/وأي دولة في الشرق الأوسط؟
الأمن في مفهوم الدول “الطبيعية” لا يعدو كونه حماية حدود وطنها من أي اعتداء أو اختراق. لكن “إسرائيل” ليست دولة “طبيعية”: فحدودها لاتزال غير محددة نهائياً رغم اتفاقات السلام مع مصر والأردن، كما تدل على ذلك “وثائقها التاريخية” الخاصة وخريطة من النيل إلى الفرات المعلّقة في الكنيست. واستراتيجية أمنها القومي هجومية لا دفاعية تتمدد لتصل إلى حدود إيران وباكستان في الشرق وروسيا في الغرب، ناهيك بالطبع عن اعتبارها السيطرة الأمنية والعسكرية والسياسية على كل المشرق العربي مسألة وجودية بالنسبة إليها.
وهذا ما يجعل أمن “إسرائيل” مشروعاً مطلقاً لايمكن تحقيقه والحفاظ عليه بالسلام بل بالقوة وبسلسلة حروب لاتنتهي، إلا بالطبع إذا ما قَبِلَ جمل 500 مليون عربي ومسلم في الشرق الأوسط الدخول من خرم إبرة متطلبات وشروط 5 ملايين يهودي “إسرائيلي” حيال مفهوم هذا الأمن.
لو أن جو بايدن كان جاداً في إضفاء العقلانية على السياسة الأمريكية الشرق أوسطية، لفعل كما فعل جون فوستر دالاس في أوائل الخمسينات حين طالب “إسرائيل” بأن تصبح دولة عادية لها متطلبات أمنية عادية. لكن بايدن فعل العكس تماماً حين اعتبر الأمن كما تفهمه “إسرائيل” “غير قابل للتفاوض”.
كل هذا يجعلنا ليس فقط غير متفائلين بمفاجأة بايدن، بل يدفعنا أيضاً إلى تذكّر جيناته ومعدته وقلبه وعقله “الإسرائيلية”.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى