صفحات الناسفلورنس غزلان

ميشيل لايشبه أحداً سواه

null
فلورنس غزلان
نحن الصامتون بانتظار وأقراننا المختبئون بخوف ورهبة تجعل الانحناء أمام العاصفة بطولة، والانحياز للمداهنة رجولة ، بل أحد مظاهر القومية العربية وخطبائها الأحياء الأموات ، يترقبون كلمات وعبارات تصدر عن كتاب سطره قلم حروعقل حر ونفس لم تروضها القيود ورأس لم تحنها الأصفاد، حمل صاحبها طيلة عمره بلاغة البوح تخطر حروفها بألق باسقة كأشجار السرو في الغابات والحور في ضفاف بردى، تبزغ حِكمة وصوراً تنتقل من الورق للأرض فتصبح حجارةً تصد عدو الكلمة وتقض مضجع عدو الفكر والحرية، تخيف شعراء القصور وتخشاها غربان الخرائب ووطاويط الليل، لأنها نور يكشف عورات الحبر الكاذب في مخطوطات الأشباح وتفضح عري الشهوات المحجوبة خلف أقنعة تنتعل الأوطان وتمتطيها كمُلك أبدي…هذا المرعب في نصوصه الشمسية، هذا الحجر الذي حولته القضبان لصخرة كبرت خلال ثلاثة أعوام فغدت جبلاً..إنه واحد لايشبه سواه…إنه أبا أيهم” ميشيل كيلو”.
حضر إلينا من خلف أسواريعرف كل من اجتازها ، أنه أقوى منها ومن بُناتها، حضر إلينا أكثر حرية من قبل وأكثر تصميماً عما كان عليه، لم يكفَ عن الحب ولم يتوب عن التشبب بسورية، مازال قلبه شاباً يشتعل بعشق الكتاب والتاريخ والأرض والإنسان، مازال يشتهي أن يرى المرايا في كل مكان ، مازال يحمل قلمه فأساً تحطم اختلال الميزان ..مازال يؤمن بالعدالة والمحبة..مازال يؤمن بأن الأرض تحمل ذاكرة المحراث وذاكرة النورج في البيدر، ويدرك أن الإنسان طريدة الإنسان، لكن العقل لايقع في الفخ مهما تعاظمت حِيل الجلاد ومهما تكالبت دسائس وقواميس اللغة الرخيصة لتكسب السلطان.
أسأل اليوم من حبسوه وحَمَّلوه هفوات الأمة ووهنها، أسأل اليوم أصحاب الأجهزة ودور العسس، بعد أن لفقوا ضعفهم وأسباب عجزهم وخور همتهم ونكوص هيبتهم وأحالوها على ميشيل.. ليحمل كمها  وكيفها ثلاثة أعوام ..
هل استعادوا مافقدوه؟ هل ضاعت رجولتهم بفعل حروف ميشيل ؟ فليتفقدوا جيدا هيبتهم الفحلية …أمازالت في مكانها بعد ثلاث سنين ؟ وهل معاقبة ميشيل جعلتهم ذكورا تتناسل وتمانع وتقاوم أكثر مما كانت عليه قبل اعتقال ميشيل وحبسه؟
فيا أهل اللاذقية مهبط رأس ميشيل …هل أحسستم بنعرة في خاصرتكم طال وجعها ثلاثة أعوام ونخرت عظامكم وعملت كالسوس بين ثنايا مجتمعكم بفعل بيان وقعه ميشيل ؟
وهل توقف شفاءكم من مرض نعراوي على حبس ميشيل ورفاق ميشيل؟
أم أنه هذيان النقيصة يظن في نبض الكلمة ويشك في جنسها ومصدرها…لأن كاتبها من خارج السرب المفصل خصيصاً لضريح الوطن؟
خرج ميشيل مرفوع الرأس..خرج أبا أيهم بعد ثلاثة أعوام ونيف…ظلماً وبهتاناً..لم يقدم  قرباناً ولم يمنح صك غفران.
ميشيل لايحمل سكيناً ولا موسى حلاقة…يحمل قلماً وورقة …يقول حكمة ويتصرف بيقين
يرى ببصر وبصيرة ويُحاكِم بضمير..يدرج على الأرض فتُرفع له الأيدي بمحبة لا باستكانة ، تفتح له الأذرع وتهفو له القلوب بأمان لا بخشية،  تستقبله العيون بألق لأنه نورها ولأنه صوتها العالي حين تصاب بالخرس..لأنه روحها حين يضعف الجسد.
أسأل أهل الظلم والجبروت…أسأل قضاة الطاغوت:ـ
هل استعادوا قوتهم وهيبتهم بعد أن أودعوا ميشيل ثلاث سنوات في السجن؟.
هل اعتقدوا أن السجن يمتلك الروح ويتملك القلب ويقتل المحبة ؟ هل اعتقدوا أن سجنهم بكل ماحمل ويحمل من ضراوة وقساوة ولا إنسانية…أنهم سيفتتون الصخور والحجارة القابعة برأس ميشيل وأكرم وأنور ومحمود ورياض وفداء  وووووغيرهم؟
أؤكد لهم ويؤكد لهم ميشيل…أن الحجر فيهم تحول لصخر يتنفس يطرح الماضي ويتناسى…لكنه أبداً لاينسى…يتناسى لأنه يفكر بالغد، بالمستقبل…بالوطن.
مع كل الفرح وأحر الأماني بحرية ميشيل، بانتظار حرية أحرار الرأي والضمير.
باريس 24 / 5/ 2009

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى