صفحات الناس

الشباب السوري يهرب من البلد : يلقي نفسه في البحر على شواطئ اليونان ؟

null
عبسي سميسم – الخبر
تحولت عمليات تهريب الشباب السوريين الباحثين عن فرص عمل خارج الحدود إلى حكايات ذات طابع أسطوري يصعب تصديق بعض تفاصيلها، لما تنطوي عليه تلك الحكايات من مغامرات انتحارية، فمن قطع مئات الأميال في عمق البحر في قارب مطاطي قد ينفجر في أي لحظة، إلى قضاء العديد من الأيام والليالي بين الأدغال التي تفصل حدود دولتين وأكل الحشائش والأعشاب من أجل البقاء على قيد الحياة، إلى قطع الجبال المغطاة بالثلوج، وليس انتهاءً بترك أحد رفاق الرحلة لمصير مجهول نتيجة عدم قدرته على متابعة المسير.
ولمعرفة حقيقة تلك الحكايا لم يكن أمامنا سبيل سوى مرافقة بعض الشبان الذين لديهم تجارب في تلك الرحلات ويحاولون إعادة الكرة علهم يصلون إلى حدود قبرص أو اليونان، وقد ادعينا أننا طلاب سفر ونرغب في أن نكون ضمن فريقهم.
اجتمعنا في منزل أحمد قائد الفريق كونه الأكثر خبرة، وصاحب ثلاث محاولات فاشلة للهرب إلى اليونان (اثنتان عبر الأراضي التركية، وواحدة عن طريق بلغاريا)، وكان الجميع يحلمون باللحظة التي يطؤون فيها الأراضي اليونانية وكانوا مجمعين على أن السفر عن طريق البحر هو الأكثر نجاحاً، ويستغرق وقتاً أقصر من باقي الطرق الأخرى، وحاول أحمد أن يشرح لي الطرق التي يمكن من خلالها الوصول إلى اليونان أسرع من باقي الطرق الأخرى: ((إن أسلم طريقة للوصول هي الذهاب بواسطة اللنش السريع وهذه الطريقة تتم عادة بين مرسين وإحدى الجزر اليونانية القريبة منها، وهي طريقة مضمونة لأنها تتم بالتنسيق بين المهرب وأجهزة الشرطة السياحية في منطقتي الانطلاق والوصول (اليونان وتركيا) وهي رحلات تنطلق في مواعيد محددة ولا تستغرق أكثر من ست ساعات في البحر، إلا أن كلفتها عالية جدا 2500 دولار عن كل فرد، لا يتم تسديدها، إلا بعد الوصول بأمان إلى الشواطئ اليونانية))، وأضاف: ((في بعض الأحيان يكون اللنش في منتصف الطريق، فيأتي اتصال للمهرب من الطرف اليوناني يخبره أن الطريق غير آمن فيعود من حيث أتى ويتم تأجيل الرحلة إلى موعد آخر)) ويتابع أحمد: ((أما الطريقة الرخيصة والأكثر شيوعاً فهي طريقة أشبه ما تكون بعملية انتحارية إذ يتم وضع مجموعة من الشباب في قارب مطاطي (بالان) يركب له محرك صغير عليه، دون أن يكون معهم أحد من المهربين إذ تسلم قيادة هذا (البالان) إلى واحد منهم مقابل عدم أخذ أجرة منه فيما يضع باقي الشبان أجرة رحلتهم مع شخص ثالث يقوم بتسليمها إلى المهرب في حال وصول الشبان بأمان إلى الشاطئ اليوناني، وتنطوي هذه الرحلة على الكثير من المخاطر لناحية اعتراض البالان من قبل أسماك القرش، ودخوله في دوامات بحرية قد تعترضهم في رحلتهم إضافة إلى احتمال ضياعهم في عرض البحر نتيجة عدم خبرتهم بالإبحار وبالاتجاهات.. طبعاً عدا احتمالات حدوث ثقب في ( البالان) قد يعرض حياة جميع الطاقم لخطر الموت غرقاً في عرض البحر.. يمتطي هذا (البالان) ستة أشخاص أجرة الواحد منهم 800 دولار وفي حال الوصول بسلام إلى الشاطئ اليوناني يتم ثقب (البالان) ورميه في البحر)).
أما حمدي .س فقد تحدث عن رحلته الفاشلة إلى اليونان عبر الآراضي البلغارية فقال: ((كنا مجموعة مؤلفة من أكثر من 80 شخصاً معظمنا سوريون إضافة إلى بعض العراقيين والمصريين، وقد سافرنا بشكل نظامي من تركيا إلى بلغاريا حيث جمعنا المهرب في هنكار في إحدى ضواحي صوفيا، ثم جاءت سيارة مغلقة تشبه سيارات نقل اللحوم وضعنا فيها جميعاً متلاصقين، وانطلقت بنا السيارة حوالي الساعة 12 ليلاً في رحلة استغرقت 5 ساعات أغمي خلالها على عدد من الشباب بسبب ضيق المكان وقلة الهواء، ثم نزلنا من السيارة حيث تم تسليمنا إلى مهرب آخر ليقودنا في رحلة طويلة سيراً على الأقدام عبر وديان وجبال تبدو وكأنها لم يطأها إنسان إذ كنا نسير نحو 12 ساعة في اليوم ولمدة 7 أيام متتالية. نفد كل الطعام الذي كان معنا خلال الأيام الأربعة الأولى منها حيث أكملنا بقية الرحلة دون طعام نقتات على بعض الحشائش وأوراق الأشجار التي كنا نصادفها في طريقنا)) وأضاف حمدي: ((كان علينا في إحدى مراحل الرحلة قطع مناطق جبلية تكسوها الثلوج، ولا أنسى ما حييت مشهد أخوين كانا معنا في الرحلة حين أعيا أحدهما التعب ولم يعد قادراً على متابعة المسير، فطلب من أخيه أن يتركه ويتابع رحلته مع الفريق الذي لا يستطيع التوقف لأي سبب، فما كان من الآخر إلا أن فضل البقاء مع أخيه على المتابعة معنا بعد أن قال له لقد حكمت علي بالموت، وفعلاً تابعنا مسيرنا فيما بقي الأخوان اللذان سمعنا أنهما قضيا نحبهما بين الثلوج)) وأضاف حمدي: ((بعد كل هذه الرحلة المضنية وصلنا إلى مشارف مدينة كوستانتينوبولي اليونانية ونحن في غاية الإنهاك، وانتظرنا في أحد البساتين حتى يحل الظلام على أمل أن تأتي سيارات وتقلنا إلى مكان آمن، طبعاً بعد أن تركنا المهرب ولكن ما إن قاربت الساعة العاشرة ليلاً حتى فوجئنا بعدد كبير من دوريات الشرطة اليونانية التي حاصرت المكان الذي نحن فيه مستخدمة الكاشفات الضوئية ولم تحتج إلى الكثير من العناء للإمساك بنا لأننا كنا منهكين بسبب الرحلة، وتم ترحيلنا إلى السجن وبعدها تم ترحيل كل واحد إلى بلده)).
أما عمر . ق فقد قال: ((إن الطريقة الأقل إرهاقاً والأكثر ضماناً في الوصول إلى اليونان كانت تتم عن طريق تركيا حيث لا يحتاج الأمر إلى أكثر من قطع نهر يشكل فاصلاً بين الحدود اليونانية التركية. والسير لمدة لا تتجاوز الـ 5 ساعات لتصبح على مشارف أول مدينة يونانية إلا أنه في الآونة الأخيرة أصبح هناك تشديد كبير من الجانبين التركي واليوناني على طرفي النهر وصاروا يستخدمون أسلوباً يعذبون من خلاله من يسلك هذا الطريق إذ أصبح من يحاول عبور النهر تتلقفه السلطات اليونانية على الضفة الأخرى وتعيده إلى أماكن وجود السلطات التركية التي تسجنه وتعذبه لعدة أيام ثم تعيده إلى الطرف الثاني من الحدود حيث تعيد السلطات اليونانية ضبطه وإعادته مرة أخرى إلى الأتراك ويبقى في هذه الدوامة إلى أن تقرر السلطات اليونانية ترحيله إلى اسطنبول ومنها إلى بلده مع (بلاك ليست) على الجواز.
كلنا شركاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى