موال منع السفر لكل شخص محترم والمياه العكرة…!؟
ملداء نصره
فيما مضى، كنا نفخر، ونعجب، بكل مفكِّر، وكاتب، ومهتم، انحاز إلى الضفة المعارضة فهذا الانحياز مقياسٌ لأهمية المثقف الجاد ومعيارٌ حاسم لدوره الاعتراضي النقدي..!؟ وقد كان من الطبيعي أن يقع الكثيرون من هؤلاء ضحايا انحيازهم ومعارضتهم البناءة حيث طالت بعضهم أنياب الظلم، والقمع، والتسلط، حين جرّتهم أقلامهم إلى الأقبية المعتمة والزنازين المنفردة..؟ وبالضد منهم أولئك المحسوبين على الثقافة زوراً وبهتاناً وبخاصة تلك الأبواق الرخيصة التي لا تجد احتراماً حتى في دوائر السلطات التي تبِّوق لها ليلاً نهاراً…!؟
كم من الناس في العالم فقدوا حريتهم خلف أسوار زنازين لا تزال تروي جدرانها الصامتة قصص الظلم والتعسف والقسوة.؟.حتى الذين نجحوا بالهرب قبل أن تطالهم مخالب الزنازين, واجهوا عذابات الغربة القسرية بعيداً عن الوطن والأهل ليتجرعوا كأساً آخر من العذاب قد تكون وطأته على البعض أكثر قسوة ومرارة…!؟
في زماننا هذا، اختلطت المسائل والأشياء، وتشوّه بعض من تلك النضالات التنويرية على حساب القضايا الوطنية المحقة، وكيف لا وقد اختلط الحابل بالنابل بعد أن أصبحت المصالح الفردية والطمع التواق للسلطة والنفوذ والمال من قبل أناس باتوا يعلكون بأفواههم شعارات خاوية المصداقية فارغة المعاني منعدمة الشرف..؟ إن كثير من المعارضين و الكتاب والمثقفين وعلى الأخص مدعي العقلنة والعلمنة لم تعد قضيتهم الأولى الحرية والكرامة والحياة الأفضل للجميع من باب المواطنة وذلك بعد أن تعرّت ميولهم وانكشفت دوافعهم الوصولية وبعد أن انفتحت مظلات مصالحهم الشخصية البحتة ونواياهم ورغباتهم بتحقيق الشهرة والنجومية التافهة..!؟ إن هؤلاء الطامحين للوصول إلى المراكز النافذة في الإعلام والسياسة والفكر, وأولئك الأصوليين الذين يريدون تعميم معتقداتهم وأخلاقياتهم الماضوية على الآخرين إنما يعيقون بل يضيِّعون فرص الأمل بالتغيير المستقبلي المرتجى..!؟
ومع كل هذه التشويهات لقضية التعارض مع السلطة, فإنه يبقى هنالك بالتأكيد أصحاب قضايا حقيقية ومثل هؤلاء جل همهم جعل الوطن وطن لشعبه بكل مكوناته.. والحرية حرية لكافة أبنائه.. والكرامة فعلٌ واجبٌ من أفعال المواطنة قبل أي شيءٍ آخر.
لكن، بعد أن اختلط الحابل بالنابل صار علينا الوقوف ملياً لتبِّين حقيقة ما وراء كل قلم أو فاه لكي لا يختلط علينا الواقع كما اختلط على الأمن السوري الذي افتقد الموضوعية في رؤيته وهذا غريب إذ لا تخفى خافية على الشبكة المخابراتية وهي العالمة بكل تحركات المواطنين وخصوصاً أصحاب القضايا والمهتمين بالتعبير عنها.
قبل فترة نشر المركز السوري للإعلام وحرية التعبير لائحة بأسماء الممنوعين من مغادرة البلد فإن كان مفهوماً في ضوء مصلحة النظام و لحفظ الاستقرار وصيانة الأمن العام وفق معايير السلطة متابعة تحركات ونشاطات الكتاب والسياسيين,والحقوقيين، فإنه مستهجن أن لا يكون هناك تفريق وتمييز بين أصحاب النوايا الحسنة والمصداقية الوطنية العالية وحس المسئولية وبين المتاجرين بكل ذلك وهؤلاء من الضرورة بمكان تفهم محاولات وقف اتجارهم بقضايا الوطن والشعب بل وحتى ردعهم إذا اقتضت الضرورة ذلك.
إنه لإجحاف ما بعده إجحاف أن يعاقب بالمنع من السفر كتاب نقديين مستقلين على درجة عالية من الوطنية والذين واتتهم كثيراً فرص أن يكونوا تجاراً و رفضوا بيع أقلامهم أو تأجيرها حتى للسلطة نفسها و قد يكون هذا الفعل الأمني ضرباً من ضروب الغباء والتخبط لا ينتج غير المزيد من حالات التمرد الفكري والثقافي وتوسعها أفقياً في أوساط المهتمين والعاملين بالشأن العام.
ببساطة شديدة عندما يجد المعارض أو المواطن الغاضب نفسه قادراً على التعبير عن أفكاره ووجهات نظره حتى ولو كان نقده لاذعاً وقوياً فإن ذلك سيظل مشروعاً طالما أنه يبقى ضمن إطار المصالح الوطنية, وقد بات واضحاً أنه لو كان مثل هذا الفعل سيتسبب بتدهور ما فإن أغلبية المواطنين سينحازون إلى ضمانة الاستقرار المجتمعي وبخاصة بعد التجربة العراقية الدامية فلماذا تخشى السلطات بكل جبروتها فعل النقد هذا…!؟
إنه لمن المؤسف أن يتم التقيِّيد والمنع كيفما كان كما هو حادث في لائحة المنع من السفر المنشورة حديثاً وإن ذلك مدعاة لجلب المزيد من الانتقاد والاستهجان من غير أن ننسى أنها ستكون أيضاً فرصة سانحة للصيادين في المياه العكرة غير الوطنية وما أكثر هؤلاء..!؟
كلنا شركاء