عصمة الزواج لمن الغلبة
لافا خالد
حينما سمعت إن ناديا جارتي في الحارة طالبت خطيبها أن تكون العصمة في يدها عرفت حينها إنني أمام مشكلة جديدة حتى ولو كانت حالات فردية ولكنها قضية مطروحة في أماكن مختلفة،
لتنتهي قضيتها بترك خطيبها لها، وعلى ما يبدو أنه لن يكون بعد اليوم الأمر مستغرباً بأن نسمع عن قضايا أسرية تطالب فيها الزوجة زوجها بأن تكون عصمة الطلاق في يدها وبخاصة في مجتمعات محافظة كمجتمع الجزيرة المتطبع بالوجه الذكوري لكل شيء. و السؤال الأغرب لما باتت نسوة هذا الزمان تطالبن بأن تكون العصمة في يدها؟ ما لمتغيرات التي حصلت وفرضت هذا التحول.
حينما سألت ناديا لما طالبت خطيبها بأن تكون العصمة في يدها ولما لم تطالب بهذا الشرط بعد الزواج فيبدو أنهم ذو خلفية مؤسفة مع تجارب أزواج قساة جدا في عائلتها، فأختها التي عانت الأمرين على يد زوجها وتدخلات الأهل المستمرة ومطالبتها الطلاق ورفض الزوج لذلك واعتبرت حياتها مع زوجها جحيما لا يطاق ظلما وحتى لا تتكرر التجربة التي لا تتمناها تقول: وجدت من باب الاحتياط الاشتراط على خطيب أن تكون العصمة بيدي
ويبقى السؤال لما لا تطالب الكثير من السيدات بالعصمة أن تكون بيدها ولما تتواجد فئة أخرى تطالب بذلك؟ ما وجه الموضوعية في ذلك و هل أتاح الإسلام بان يكون الطلاق في عصمة المرأة بمعنى ما المدلول الشرعي على هذه النقطة؟ وما هي صيغ الطلاق المرتبطة به ومتى يكون؟ أسئلة كثيرة متعلقة بهذا الموضوع، ولكن قبلها يجب أن نتعرف لماذا المرأة تطلب العصمة؟ وما هي مبرراتها في تطليق نفسها؟ ماذا يعني العصمة بيد المرأة ؟
لأن مجتمعاتنا بالمفهوم التقليدي هي بيئات محافظة في عاداتها وتقاليدها فقد درجت العادة على أن يتولى الرجل زمام كل شيء حتى لو كانت المرأة قادرة على الفعل ، ولنفس السبب فإننا قلما سمعنا بسيدات طالبن العصمة أن يكون بيدها ومعظم من طالبن بهذا الشرط كنّ من أبناء الطبقات المترفة والعائلات المعروفة والتي حصلت فيها المرأة على بعضا من حقوقها على خلفية إرثها والجاه الذي ورثته من العائلة ، وأما الطبقة العامة فالأمر يكاد ينحصر بحالات ليس كثيرة ولكنها في طريقها لأن تصبح أيضا حقائق موجودة بدليل الكثير من السيدات التي وصلت إليهن أو سمعت بهنّ ويملكن عصمة الطلاق أما هل أجاز الإسلام تطليق المرأة لنفسها؟
يقول الملا محمد أمين استنادا على الموقف الشرعي في هذا النوع من الطلاق أجاب بأن رؤية الإسلام واضحة تماماً فالإسلام جعل الطلاق من حق الرجل وحده لاعتبارات معينة، ولكن يحق للزوج تفويض زوجته بتطليق نفسها متى أرادت وهذا ما يطلق عليه (العصمة في يد المرأة ) إلا أن هذا التفويض لا يسقط حق الرجل في الطلاق ولا يمنعه من استعماله متى شاء ولأن المرأة عاطفية بطبعها ولخشية أن تستعمل سلاح عصمة الطلاق على أتفه الأسباب وأسوأها يستوجب الموضوع أن تكون عصمة الطلاق بيد الزوج حفاظاً على المرأة وصونا لكرامتها وحفاظا على استقرار الأسرة عموما، ولكن يجب أن نبين متى يكون وقت التفويض بالطلاق؟ يجوز أن يكون التفويض بالعصمة في وقت عقد القران أو بعده والفرق بين الحالتين يكون في تعميم التفويض وتقيده بمعنى أن الزوج يستطيع تفويض زوجته وإعطاءها الحق في تطليق نفسها في أي وقت أرادت طوال فترة الزواج، ولا تكون حريتها مقيدة في استعمال هذا الحق بوقت محدد لان التوقيت التفويض (وهو مجلس العقد) يدل على نية الزوج الموافقة على إعطاء زوجته هذا الحق على العموم، ولكن هل تستطيع المرأة الحصول على التفويض بعد عقد الزواج؟ مع الإشارة إلى اختلاف المرجعيات حول هذه المسألة فإذا اشترطت الزوجة في عقد الزواج أن يكون الطلاق بيدها ووافق الزوج على ذلك في العقد فإنه يلزمه الوفاء عند بعض الفقهاء الذين استدلوا بما جاء في سورة الأحزاب عندما أمر الله رسوله أن يخير أزواجه، واختلف الفقهاء في هذه القضية.. هل يقع الطلاق رجعياً طلقه واحدة أم طلاقًا بائناً، والراجح أنه طلاق رجعي يحق للزوج مراجعتها أثناء العدة فإذا انتهت العدة ولم يراجعها أصبح الطلاق طلاق ببينونة صغرى فلا يراجعها إلا بمهر وعقد جديد والموضوع عموما أمر مقلق ومتعب للجميع وفيه هدم لاستقرار الأسرة.
قضايا الطلاق في أروقة المحاكم
يقول المحامي محمد عمر بأننا لم نشهد كثيرا حالات طلاق طالبت بها المرأة وكانت العصمة بيدها وبخاصة في مجتمع الجزيرة، هناك حالات محصورة ولكن في المدن الكبرى كالعاصمة فتكثر هذه القضايا على العموم مشاكل عصمة الطلاق تأخذ أبعاداً سلبية فهناك مماطلات في المحاكم في قضايا الطلاق وقد تمتد لسنوات طويلة تتعرض فيها الزوجة للإيذاء النفسي والاجتماعي بالدرجة الأولى وأما كيف يمكن للمرأة أن تثبت حقها في قضايا الطلاق؟ فالأمر متوقف على ولي الفتاة في اختيار الزوج الصالح والإنفاق مسبقا على كل التفاصيل التي تلزم بناء أسرة مستقرة أساسها العشرة الحسنة مع الإشارة إلى نقطة جوهرية وهو فشل أغلب الزيجات التي كانت العصمة بيد المرأة مع ملاحظة نقطة جوهرية أخرى وهي إن أغلب السيدات اللواتي يطالبن بعصمة الطلاق تعود خلفياتها على تفاوت كبير بين الشريكين على خلفية التفاوت في المركز الاجتماعي أو الوظيفي فتلجأ المرأة بالتالي إلى طلب أن تكون العصمة في يدها، ولذا يلجأن لهذا الحل كنوع من الاطمئنان إلى سهولة تطليق أنفسهن من دون مشكلات مع الزوج مع الملاحظة إنني لم أشهد أحدا يشجع أن تكون عصمة الطلاق بيد المرأة إلا القلة من الناس وهم من ذوي الاتجاه العلماني، أما أصحاب الاتجاه الإسلامي حتى وإن كن من النساء فهن يرفضن إعطاء المرأة حق العصمة!!! وعلى الصعيد العام في عموم مجتمعاتنا المحافظة يرفضن مبدأ عصمة الزواج والطلاق بيد المرأة لا بل ينظرن للموضوع بشكل سلبي ويستحقرن شخصية الرجل الذي وافق زوجته على هذا المطلب ويرون فيه كائنا ضعيف الشخصية أو رجل فاقداً لسلطته في البيت
للمرأة وجهة نظر أخرى؟
الكثير من النساء وبخاصة جيل اليوم يطالبن بهذا الحق ويرون فيها مطلبا شرعيا وإنسانيا، وكثيرات يقلن ماذا يعني زواج استحالت الحياة بين الطرفين في وقت يتعنت الزوج الطلاق فلو كانت العصمة بيد المرأة لكانت حفظت حقها من هذا الإذلال كما تقول السيد أم أسماء.
ماذا عن الرأي النفسي حول مبدأ العصمة
تقول المرشدة ليلى العبد إنه وفي ظل واقعنا المحتقن والمشحون بظروف كثيرة ومتبدلة لا أوافق أن تكون العصمة بيد المرأة ولنتيجة المتغيرات التي تقتحم حياتنا واكتساب المرأة شخصية جديدة على غير ما عاهدناها في أزمان أمهاتنا وجداتنا تزداد المرأة قوة وتزداد شخصيتها تسلطاً في حين تتراجع وتتوارى شخصية الرجل وهذه الصورة باتت ملحوظة وعامة والمرأة بطبيعتها عصبية وقلقة وتجري وراء عاطفتها اللحظية فإذا أعطيت حق تطليق نفسها وأصبح حقاً عاماً فإن أعداد المطلقات سوف تتضاعف كل يوم ويتشرد الأبناء وتصبح لدينا مشكلة اجتماعية خطيرة. ولقد وقعت المرأة ضحية للإعلام الذي يحاول أن يحرضها ضد قوامة الرجل ويغرس فيها روح الشجار والتناحر والقضاء على روح المودة والألفة بين الشريكين، والنساء دوما هن في حاجة إلى من هو أقوى شخصية وأكثر اتزاناً عاطفيا منها كما أن الرجل الذي يوافق على أن تكون العصمة في يد زوجته هو رجل غير طبيعي وفيه نقص وعيب معين وهو زوج لن يعجب هذه الزوجة لأنها تريد رحلاً قوياً ولم نجد زواجاً كانت العصمة فيه في يد الزوجة ونجح ذاك الزواج.
إذن نحن أمام قضية تدخل حياتنا بهدوء وتلعب وسائل الإعلام أسوأ أدوارها في ذلك و تترك آثارا كبيرة سيما وإننا ننتمي لمجتمعات محافظة ترفض قيادة المرأة لأي شيء فكيف الحال إذا استلمت المرأة العصمة.