صفحات الناس

المازوت أولاً

null

إبراهيم اليوسف

ثمّة هلع بيّن بات في الشارع السّوريّ ، باتت ملامحه تبدو بجلاء ، بعد قرار رفع الدّعم عن المحروقات ، وبخاصة –المازوت – عصب الحياة ، الرئيس ، الذي – لا كفر بعدغلاء سعره– وإن كانت الجهات المعنية ،
تحاول ترقيع ما قامت به من ممارسة ضدّ المواطن ، من خلال الحفاظ على سعر مادة المازوت ، المخصّص للأفران ، ليبقى الرغيف محافظاً على سعره، ربما كتكتيك ، وليس كاستراتيجية ، وإن كنّا – وعلى امتداد خريطة بلدنا سوريا- نشهد – أزمة رغيف – غير مفهومة ، تسيء إلى صورة هؤلاء الذين خططو ا لها، ولاسيّما إنّ سوريا من البلدان المنتجة للحبوب ، وإنّ امرأة أميّة – كوالدتي – لم تدخل في عداد الفريق الاقتصادي ، باتت تشنف آذاننا – أطال لنا الله عمرها – عن ضرورة أخذ احتياطاتنا التموينية ، ربّما لمواجهة – سبع عجاف – أو أكثر من ذلك، لا سمح الرحمن الرحيم، تشم رائحتها بحدسها البسيط ، وأنّى للمواطن المغبون ذلك …!

أجل ،ها قد مرّ أسبوع كامل على هذا القرار سيء الصيت ، وكنت أحد الذين يتوهّمون في قراراتهم أن الحكومة العتيدة ، لو كان في رأسها ذرّة عقل، وفي قلبها شفقة وطنية ، وتقرأ اللّوحة بشكل صحيح ، لا مقلوب ،لابدّ و أن تتراجع عمّا أقدمت عليه ، و لاسيّما أن دائرة الهلع باتت تتسع ، وتدفع إلى اضطرا ب الكبير قبل الصّغير ، والغني قبل الفقير ، وكي ينعكس ذلك كلّه على الحياة العامّة ، حيث يقول لي اليوم أحد أصحاب شركات النّقل ليلة أمس” إن شركته قد ألغت في هذا اليوم ثلاث رحلات بين قامشلي ودمشق ” لأنّ الناس لم يعودوا يسافرون إلا من كان طالباً، أو عسكرياً، أو لداع ملحّ ” فليس سهلاً أن تكون أجرة الرّاكب الواحد إلى دمشق 550 ل.س بالباصات العادية ، و850ل.س بباصات رجال الأعمال ، فماذا بالنسبة لأسرة لها أربعة طلاب وعساكر في دمشق ، كم ستتكبّد هذه الأسرة من خسائر حتّى ولو فرضنا أنّ راعي الأسرة موظف ،وراتبه حوالي مئتي دولار ، فلا يستطيع هذا المواطن تأمين حتّى مجرّد أجور مواصلات بنيه ، ناهيك عن أجور النّقل الداخلي، والطبابة مرتفعة الأجر ، بل والكهرباء، والماء، والزّيت ، والسّمن ، والسكر ، والرّز، مع إنه متّهم بالرّفاهية زوراً، كما يأتي في الشريط الإخباري …؟

وفي المقابل ،ثمّة من يقول لنا : لكنّ الغلاء عالميّ …!؟

أجل ، ولكنّ بلداً كثير الخيرات كبلدنا ، ينبغي أن يكون دخل فرد أبنائه عالياً، لا من أقلّ الدخول في العالم ، وقياساً حتّى بالدول المجاورة ، فلا بأس ليرفعوا راتب الموظف إلى ألفي دولار شهرياً ، وليطبقوا هذه الوصفة ، بحيث يتأمّن الضمان الاجتماعي للجميع ، ويوضع حدّ للبطالة ، فلا يكون هناك شخص بلا عمل ، و تعطى النفقات الضرورية لكلّ طالب مدرسة ,ولكلّ شيخ طاعن في السن ، ولكلّ أرملة ، ولكلّ عاطل عن العمل راتبه ، بل وأن يكفي ما يمنح لمن يخدم العلم من أجور كلّ ما يلزمه لتنقلاته ، ومصاريفه ، فلا يشكل عبئاً على أهله ، فوق جملة الأعباء التي ابتلوا بها….!

لقد كنت أحد هؤلاء الذين ركّزوا – وكانت جريدة “قاسيون” سبّاقة- بحقّ- إلى ذلك – لتوجيه النّقد اللاذع للفريق الاقتصادي ، بل والدردريّ اسماً ، وكنت أقول في قراراتي : لو كنت – لا سمح الله- في موقع أحد هؤلاء ، من ذلك الفريق ، بل من الوزراء معاذ الله ، وحتّى رئيس الحكومة ، لقدّمت استقالتي ، لئلا يرتبط باسمي “قرار تجويع” الملايين من أبناء بلدي، خاصة وإن الحرب على لقمة المواطن ، تجعل من الوطن لقمة سهلة في الحروب عليه، وهي معادلة لا تحتاج إلى أي تفطحل مني، أو أي تجهبذ، لمعرفة كنه أطرافها ، أو سواي …!.

والآن – بعد وقوع الفأس بالرّأس – لم تعد المسألة متعلقة بشخص الدردريّ فقط ، وإن كان من خطط وألحّ على تنفيذ هذه الكارثة الوطنية هوالأكثر مسؤولية ، إلا إن المسؤولية باتت موزعة على جميعاً أجمعين : المثقف والسياسي( إذ عليهما إبداء رأييهما في ما يتمّ) و

عضو الجبهة الوطنية التقدمية ، برلمانياً، أو وزيراً، أو عضو مكتب تنفيذي ، أو عضو قيادة جبهة وطنية ، عليه أن يكون واضح الموقف ، منحازاً إلى موقف الشارع الوطني ، لا إلى امتيازاته ، ومن هنا فإنّ الحديث عن الطاقم الاقتصادي ، بات هروباً من جعل جميع أولي الأمر ، كبيراً وصغيراً ، شرفاء أو لصوصاً مسؤولين عمّا يتم ، كي يقول كل كلمته ، ويتمّ الضغط على مركز القرار، فقط كي يعود المازوت إلى سعره المدعوم ، ومن ثم نتحدّث عن غير ذلك ، حتّى نعيش في بلد متماسك ، قويّ ، لاجوعى فيه ، و لا مجاعة ، لأنّ نبّاشي براميل القمامة في مدننا ، ومتسولينا، ومن يتنامى فيهم شعور الانحراف نحو السرقة والانحلال ، باتوا يزدادون …. إنّي أقرع الأجراس ، ولكن بأعلى …..بأعلى ….. في هذه المرّة…..!

الحوار المتمدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى